issue16748

في مشهد خـارج عن المألوف والمعروف في المناظرات الانـتـخـابـيـة الـرئـاسـيـة، لا سيما خـــال الــســنــوات الثماني المــاضــيــة، جــــاءت مـنـاظـرة الــثــاثــاء المــاضــي بــن تـيـم والـــز، وجي دي فانس، المرشحي لمنصب نائب الرئيس، كتغيير منعش في دورة انتخابات رئاسية تحولت فيها المنافسة الـــســـيـــاســـيـــة إلـــــى صــــــدام شـــخـــصـــي، يـــكـــاد يــشــعــل الـــداخـــل الأميركي عبر حالة من العنف السياسي غير المسبوق. » الـتـي اُتهمت بأنها غير محايدة، CBS« عبر شبكة تابع مليي الأميركيي، وعبر ساعة ونصف الساعة، إحدى أكثر المناظرات التي يمكن وصفها بالتحضر والرقي، على مستوى الـذاكـرة الجمعية الأميركية، خصوصاً مـن خلل خـلـوهـا مــن أي إســفــاف أو تـهـكـم، ومـــن دون ابــتــذال إطــاق الأسماء أو الأوصاف المهينة من الواحد تجاه الآخر، وبدلاً من ذلك ركز فانس ووالز بشكل صارم على مناقشة أحوال السياسات الأميركية فـي الـداخـل والــخــارج، والتعبير عن نقاط الخلف بي حملتيهما. بدا واضحاً للعيان أن الاختلفات لم تقد كليهما إلى محاولة الحط من شأن الآخر وتقزيمه، فقد أظهر كل منهما احتراماً واضحاً للآخر، الأمر الذي يدعونا للتساؤل: «هل هــذه المـنـاظـرة مقدمة لتهدئة روع الــشــارع الأمـيـركـي، ذاك الذي بات يتوجس من العنف الكبير والخطير المحتمل؟ غالب الظن أن الأمـر يمضي على هذا النحو، وهو ما يظهر من تصريحات فانس خلل المناظرة بأنه على الرغم من ثقته في فوز الجمهوريي بمقعد الرئاسة، فإنه سيبارك وسيصلي لـنـجـاح المــرشــح الـديـمـقـراطـي والــــز، إذا اخـتـاره الناخبون. هل يعكس هذا الطرح أمراً ما؟ حكماً إنه يبشر بموقف أوّلي، قوامه أن الجمهوريي سيقبلون بنتائج الانتخابات، حتى لو فاز الديمقراطيون، وإن لم يقل ذلك بوضوح. في صيغة الحديث رسالة لقواعد الحزب الجمهوري في الداخل، التي تعد قرابة السبعي مليوناً وأزيد، مفادها أن الـعـنـف لا فــائــدة مـنـه ولا طـائـل مــن ورائـــــه، وأن أميركا العظمى هي التي ستخسر في نهاية المطاف. تصريحات فانس في حقيقة الأمر لا يمكننا أن نعزلها عن الموقف المماثل الذي ألمح إليه ترمب مؤخراً بقبوله نتائج الانتخابات، إذا فازت هاريس، تلميحاً لا تصريحاً. لـــم يـكـن لـيـغـيـب عـــن أعـــن مــايــن الأمــيــركــيــن الـذيـن تابعوا المناظرة، أن مقارنة جرت بي الشاب الجمهوري ذي الأربعي عاماً، الـذي تلقى تعليماً راقياً في جامعة «ييل» العريقة، والجندي المرموق في ساحات القتال، غالب الظن صبت في مصلحته، في مواجهة المرشح الديمقراطي والز، الذي لا يبدو ثوبه ناصعاً بما يكفي، وهو في عامه الستي. استطاع فانس، ليلة الثلثاء، أن يبدد أي شكوك دارت حـول قــرار ترمب اختيار نائب لـه، فقد بـدا مشرقاً ومعبراً عن الأجيال الأميركية الجديدة، الواعية بعقلنية وهدوء سياسي لأزمات الساعة، وصراعات الأزمنة الحاضرة. تصدى فانس بسهولة للأسئلة الصعبة التي وجهت له، وفي مرحلة معينة من النقاش، تحدى المنسقي بشأن التحقق مـن صحة تصريحاته عـن أوضـــاع المهاجرين في منطقة سبرينغفيلد. عـلـى الـعـكـس مــن فــانــس، بـــدا والــــز مـتـوتـراً فــي بعض الأحيان، ومتعثراً في الإجابة عن أكثر من سؤال يعبر عن التحدي الأعظم للولايات المتحدة وقطبيتها القادمة، أي الصي. أخفق والز في إقناع المشاهد الأميركي بحكمته أو حنكته السياسية، لا سيما أنـه وصـف بعض تصرفاته الشخصية بالحمقاء، ومنها زيـارتـه لهونغ كـونـغ عام ، فـي حـن كانت تـظـاهـرات المطالبة بالديمقراطية 1989 في ميدان السلم السماوي، تلقى قمعاً صينياً رسمياً، راح ضحيته مئات عـدة وأكـثـر، كما فشل في توجيه أي ضربات قاضية إلى فانس، الذي أشاد كثير من المعلقي بأدائه. نجح فانس على جانب آخر في إظهار حضور ذهني عالٍ، وقدرة على إيجاد بدائل رحبة لمعضلت رئيسية مثل قضية الإجهاض، فقد رفع عن كاهل الجمهوريي بصورة أو بــأخــرى، عــبء الاتـهـامـات التقليدية بأنهم يقفون ضد حرية النساء، مؤكداً بدهاء واضح أنه يريد أن يكون الحزب الجمهوري مؤيداً للأسرة بالمعنى الكامل للكلمة، ومضيفاً أنه يريد من الحزب دعم أشياء مثل جعل الأمـر أكثر يسراً بــالــنــســبــة إلــــى الـــنـــســـاء لإنـــجـــاب الأطــــفــــال ودعـــــم عــاجــات الخصوبة. الــوجــه الــحــضــاري فــي مــنــاظــرة والــــز وفـــانـــس، تجلى فـي تكرارهما أنهما يعتقدان أن كــاً منهما يـريـد إصـاح القضايا الـتـي تـواجـه أمـيـركـا، وإن اختلفا بـشـدة فـي آلية الإصلح. فــــي الـــنـــهـــايـــة عـــبـــر والـــــــز عـــمـــا أســــمــــاه «اســتــمــتــاعــي بالمناقشة الليلة»، فيما فانس قدم عزاء حاراً صادقاً لوالز في ابنه الذي راح ضحية حادثة إطلق نار. هـــل هـــي بـــدايـــة الـنـهـايـة لأمــيــركــا المـسـتـقـطـبـة، وعـــودة لـلـعـقـانـيـة الانـتـخـابـيـة المـــرجـــوة لــتــجــاوز خــطــوط الـصـدع والنجاة من بحور الدماء؟ في عالمنا، الغاطسةُ شريحةٌ وازنةٌ منه في فكر القرون أوسـطـيـة، مـن المبكر أن نقرأ مـا يمكن أن يحدث فـي ساحة الـــشـــرق الأوســــــط بــعــد اغـــتـــيـــال حــســن نــصــر الـــلـــه، وحــــروب العلقات العامة، كما حدث في الـرد الإيراني ليلة الأربعاء الماضي. السردية الإيرانية تقول إنهم أعطبوا مؤسسات حيوية في إسرائيل، والسردية الإسرائيلية ومعها الغربية تقولان إنه لا تأثير يذكر من الهجمة الصاروخية، ولدى المتحمسي لهذا الطرف أو الآخــر قناعات بما يقدم من ســرد، الحقيقة المعروفة أن أول ضحية في الحرب هي (الحقيقة)، لأول مرة أعرف من متابعة محللي غربيي عسكريي، أن الصواريخ المضادة للصواريخ، مكلفة الثمن، فإن تأكد المتلقي (في هذه الحالة إسرائيل) أن الصاروخ القادم سوف ينتهي في أرض فـضـاء أو بعيداً عـن التجمعات البشرية تـركـه يسقط، لأن تكلفة صــده أكثر مـن تأثيره على الأرض، ربما هــذا يفسر أن صـــاروخـــ إيــرانــيــ قــد قـتـل فلسطينياً فــي أريـــحـــا، وكــأن الفلسطينيي يحتاجون إلى مساعدة لقتلهم، وآخـر سقط في الأردن! في الأغلب إن الثأر لنصر الله وهنية مجتمعي بزخة من الصواريخ متفق عليها، من أجل سحب شحنة الغضب لدى قطاع من الإيرانيي وأيضاً اللبنانيي، وبعض العرب، وذلك في الصراع الدولي متوقع، حيث يرتاح متخذ القرار ليقول لجمهوره: قمنا بما يتوجب القيام به! إلا أنّ المعادلة على الأرض مختلفة تماماً، فالأميركان والبريطانيون والفرنسيون والألمـان والإسبان وغيرهم قد أدانــوا الرشقة الصاروخية، وحمّلوا إيـران المسؤولية، مما يجعلها أكثر عزلة، حتى لو كانت الرشقة متفقاً عليها في الوقت والمكان. منشأ الاشــتــبــاك هــو مــا حـصـل لـقـوة «حـــزب الــلــه» في لبنان، الـذي ترى إسرائيل أنه رأس حربة إيرانية يمكن أن يستخدم إذا هـدّدت إيـران بشكل فعلي، ما أصابه هو الذي أحرج إيران، وبدأت تبحث عن مخرج ولو شكلياً. في ذروة الدعم المادي والعسكري الإيراني لـ«حزب الله» أحـــرق الـحـزب الكثير مـن المــراكــب فـي جــــواره، فـقـام بعملية تـصـحـيـر لـلـفـضـاء الــســيــاســي الــلــبــنــانــي، الـــــذي كــــان لـفـتـرة طويلة مبنياً على تسوية (لا غالب ولا مغلوب)، أحرق تلك الجسور بينه وبي شركاء في الوطن باستهداف عدد كبير من السياسيي اللبنانيي وقتلهم، بل وحتى المثقفي من الطائفة نفسها، التي سماهم مرة حسن نصر الله «شيعة الـسـفـارة»! بتصفيق حــاد مـن الجمهور المغيب، كما أحـرق جسوره مع العرب، فشنّ حملة شعواء عليهم، وخاصة عرب الجزيرة في ضياع واضح للبوصلة، وخدمة لمشروع آخر! في الداخل اللبناني كانَ الاستقواء هو السيف المصلت، وكلما نجح في إسكات الآخرين اعتقد أنّه سلح يؤتي أكله بنجاح. في عصرنا الذي تجتاحه الثورة الاتصالية، كثيراً ما وجـدنـا شخصاً لبنانياً أو أكثر مـن بيئة الـحـزب فـي حالة ضيق مما يعاني، يخرج إلى العلن ليبدي تذمراً واعتراضاً على الحزب، وفي بضع ساعات أو أقل نراه يعتذر إلى حد الذل للقيادة! وتكرر ذلك كثيراً حتى أصبح ظاهرة إنسانية مزرية، ولم يقرأ الحزب تلك الظاهرة، بل استمر في الإرغام وإرهاب الغير. أصبح الحزب متوحشاً في الـداخـل، وظهره مكشوفاً، وكـان الأمـر مجرد وقـت حتى يُستهدف معزولاً بيد ثقيلة، وفـي النهاية يفقد أهـم قـيـاداتـه، وعلى رأسـهـم حسن نصر الله. السؤال الأكثر أهمية: هل يمكن للقيادة الجديدة التي سوف تتقلد الزعامة أن تستوعب تلك الدروس القاسية التي مـرّ بها الحزب ولبنان، أو سـوف تستمر في المسار نفسه؟ ســـؤال لا يمكن الإجــابــة عنه الــيــوم، مـا زال الجميع ينتظر ويحلل وينظر حوله، خاصة السياسيي اللبنانيي وأيضاً في الجوار العربي. إن نظرنا إلى المستقبل من أجل خروج لبنان من المأزق، فأربع خطوات واجبة لإخراجه مما هو فيه، ليس من بينها بالتأكيد صــواريــخ إيــــران، الـخـطـوات هـي أولاً ســاح موحد فقط للجيش اللبناني، وبقية القوى هي أحزاب سياسية غير مسلحة تتنافس في الساحة تحت راية وطنية جامعة، وثانياً العودة إلى الدولة بتفعيل المؤسسات من رئاسة الدولة إلى رئـــاســـة مـجـلـس الـــــــوزراء، ثـالـثـ تـحـيـيـد لـبـنـان فـــي الـقـضـايـا الإقليمية، ورابعاً العمل على إنعاش الاقتصاد الـذي أنهك، وقذف بشريحة كبيرة من اللبنانيي إلى حافة الفقر. تلك الخطوات الأربع هي المطلوبة للخلص، والخروج من دوامة الدم، واستخدام بعض أبنائه ضحايا لمشروعات إقليمية ليس من بينها بالتأكيد تحرير شبر من فلسطي. فـــالـــفـــجـــوة الــتــقــنــيــة الـــهـــائـــلـــة الــــتــــي يـــفـــتـــقـــدهـــا، والــتــنــظــيــم الحضاري غير المتوفر لديه، وفقده لظهير داخلي مساند، جعلته فريسة سهلة لن تنقذه صواريخ متفق على مسارها ومصيرها. لـيـس ســهــاً تــوقــع مـــا ســـوف يـتـم فـــي الأشـــهـــر القليلة المـــقـــبـــلـــة، إلا أن الــحــقــيــقــة الـــشـــاخـــصـــة أن الاســــتــــمــــرار فـي السياسات السابقة إفــاس كامل ومـزيـد مـن الـخـراب، إنها مرحلة تاريخية فاصلة. آخر الكلم: المعادلة التي أوقعت الحزب في مأزق، أنه استخدم فائض قوة في الداخل، وخائر قوة تجاه الخارج، كان ذلك إفراطاً في عدم قراءة الواقع. أغــــمــــض الــــشــــاعــــر الـــــســـــودانـــــي الــكــبــيــر مـــحـــمـــد المــــكــــي إبــــراهــــيــــم عـــيـــنـــيـــه، وراح فـي غـفـوتـه الأخـــيـــرة، واحـتـضـنـتـه إحـــدى مقابر القاهرة في بداية الأسبوع الماضي. برحيله انــــطــــوت صـــفـــحـــة حـــافـــلـــة بـــالـــشـــعـــر والأدب والفكر والدبلوماسية، وغــاب إنـسـان عاش إنـسـانـيـتـه بـكـل الــلــطــف، والـــرقـــة والـتـهـذيـب المُمكنَيْ في دنيا تخاصم اللطف والتهذيب. مـــحـــمـــد المـــــكـــــي إبـــــراهـــــيـــــم مــــــن شــــعــــراء الستينات، لمع اسمه وهو طالب في جامعة الـخـرطـوم، ارتـبـط اسـمـه بالجامعة وبـثـورة أكتوبر (تشرين الأول) الشعبية التي أطاحت بـــــأول نـــظــام عــســكــري فـــي تـــاريـــخ الـــســـودان. كــان شـاعـر الــثــورة وحـاديـهـا الأول، وموثق أحداثها، كتب عدداً من القصائد التي حُفرت عميقاً في ذاكرة الشعب السوداني ولا تزال، مــــن الــنــشــيــد الأول لــلــطــلــبــة، إلـــــى «أكـــتـــوبـــر الأخضر» التي غناها فنان السودان محمد وردي، إلـــى «الأربـــعـــاء الــرائــعــة»، وقصيدته للشهيد الــقــرشــي، و«إنـــنـــي أؤمــــن بالشعب حبيبي وأبي». كــتــب مـحـمـد المـــكـــي إبـــراهـــيـــم الــدســتــور الـثـوري لـذلـك الجيل بقصائده الأكتوبرية، ثم فاجأ الناس بديوانه الأول «أمتي: الوعي والحلم والغضب» فكان فتحاً شعرياً جديداً، لـــيـــس عـــلـــى مـــســـتـــوى الــــــســــــودان، لـــكـــن عـلـى مستوى العالم الـعـربـي. عـاصـر «ود المكي» - كما يسميه السودانيون - بدايات محمود درويش وأمل دنقل، ولم يكن أقل منهما في الشاعرية، ولا الخيال المفتوح على التجارب والمـــعـــارف الــشــعــريــة، ولا الـــصـــور والأخـيـلـة الــجــديــدة والمــبــتــكــرة، لـكـنـه لــم يـنـل حـظـ من معرفة القراء العرب بشاعريته لأسباب عدة، مـنـهـا أنـــه نـشـر شــعــره كـلـه داخــــل الـــســـودان، مع محدودية قــدرات دور النشر السودانية عـــلـــى الـــــوصـــــول لـــلـــقـــارئ الــــعــــربــــي، وغـــيـــاب الحركة النقدية المواكِبة، في ذلك الوقت، ثم عزوفه عن المشارَكة في المهرجانات الشعرية العربية؛ بسبب طبيعة عمله الدبلوماسي المقيد للحركة والـظـهـور. ظلم محمد المكي نفسه، مثلما ظلمناه نحن السودانيي، فلم نـحـمـل شــعــره لـلـمـحـافـل نـبـشّـر بــه وبـمـيـاد شاعر كبير. وكـتـب المـكـي الـدسـتـور العاطفي لجيل الـسـبـعـيـنـات بـقـصـيـدتـه الـــبـــاذخـــة «إهـــانـــات شخصية إلى قيسبن الملوح» التي كتبها في الستينات، واستدعى فيها قصة ابن الملوح من منظور جديد لا يتعاطف معه ولا يأسى لمأساته، بل ينهال عليه باللوم والتقريع لأنه استسلم للحرمان ولم يقاتل دفاعاً عن حبه وحياته، وختمها بإهانات شديدة القسوة «لكل مَـن بـاعـوا الشباب وفـرّطـوا فـي الحب، وطأطأوا الهامات واعتذروا عن الأيام، أهي لك الرضاء العام». تفاعل «ود المـكـي» مـع ريــاح الستينات الـــثـــوريـــة، فـكـتـب لــهــانــوي وغـــيـــرهـــا، ومــجّــد حركة الشعوب الحرة التي تتوق للستقلل والكرامة الوطنية. لكن أجمل ما سطره كانت كتاباته عن وطنه، وهو في مغتربه الألماني، فقد خرج من «سودان الثورة» ممتلئاً بشعبه وبلده، وصدره مملوء بالآمال الكبيرة دون انحناء أو دونية، ووقـف أمـام «الخواجات» مـبـاهـيـ بـــبـــاده وشـعـبـه «ريــاحــكــم ماسخة عجوز، في بلدي نعطر الهواء بالمديح، روائح الطعام والضيوف من بيوتنا تفوح»، وحمل الــــديــــوان قــصــائــد كــثــيــرة مــمــتــعــة، «غــنــائــي لأختي أمــان»، و«قطار الغرب»، و«هايدي»، و«عيونهما عليها التوت»... إلخ. سكت «ود المكي» فترة ثم خرج بديوانه الصغير «بـعـض الـرحـيـق أنــــا... والبرتقالة أنـتِ»، وليست ثمة كتابة رقيقة وعميقة عن محبة الــوطــن بـكـل مــا فـيـه، مـثـل كتابته في هــذه القصيدة الـتـي كـانـت أيـقـونـة يحفظها كـــل مــحــب وكـــاتـــب لـلـشـعـر فـــي الـسـبـعـيـنـات والـــثـــمـــانـــيـــنـــات. قــطــر مــحــمــد المـــكـــي محبته لــــبــــاده فــــي هـــــذه الـــقـــصـــيـــدة الــرئــيــســيــة فـي ديــوانــه، فنزلت شهداً طيباً فـي فـم المحبي، تبتل فــي مــحــراب الــوطــن، وأعــطــاه قدسيته ورمزيته، وغنى لتنوعه وتعدده ولجوهره الـخِـاسِـي، لنخيله وأبنوسه. ولـم يكن ذلك غـــريـــبـــ عـــلـــى «ود المــــكــــي» فـــهـــو واحــــــد مـمـن ابتدروا وأنشأوا مدرسة «الغابة والصحراء» التي حاولت الإجابة عن سؤال الهوية المربك لكثير مـن الـسـودانـيـن، وكـــان مـن منظريها مـــع الـــشـــعـــراء والأدبــــــــاء مــحــمــد عــبــد الــحــي، والنور عثمان أبكر، ويوسف عايدابي. كــتــب مـحـمـد المـــكـــي إبـــراهـــيـــم بــعــد ذلــك ديــوانــن صغيرين، هما «يختبئ البستان في الـــوردة»، والثاني «في خباء العامرية»، وكـــتـــب قــصــائــد مـتـفـرقـة وروايــــــــات، بـجـانـب كتابي الأول عـن «أصـــول الفكر الـسـودانـي» وآخر عن تجربة مدرسة «الغابة والصحراء». كـمـا عـمـل دبـلـومـاسـيـ وتــــدرج فــي المناصب حتى مثل بلده سفيراً في عدد من الدول. رحــــل هــــرم ســــودانــــي فـــي زمــــن مــوجــع، لكنه لم يتركنا من دون أن يودعنا، ويقول كلمته الأخـــيـــرة «إنــنــي ذاهـــب فــاهــنــأوا أيها الــــظــــافــــرون، فـــي الــــفــــراغ تـجـلـجـل حـكـمـتـكـم، وتروج حوانيتكم، أنتمو العارفون، أنتمو - ليس غيركم - المؤمنون، فانظروا ماذا فعلتم بــنــا، وبـأنـفـسـكـم، والإلـــــه الــرحــيــم، إن صـقـراً عـــجـــوزاً مـلـيـئـ بـحـكـمـتـه، وغُـــــبَـــــارَات أيـــامـــه، يــذهــب، فــي نـهـايـات أيــامــه يـتـغـرب عــن حبه الأبدي، ويخرج من غابة الطلح، حيث تنوح القماري، ومن ربع عزة، حيث السعادة أغمق لوناً وأجمل». OPINION الرأي 14 Issue 16748 - العدد Saturday - 2024/10/5 السبت حرب العلاقات العامة! مناظرة حضارية... وهدوء العاصفة الانتخابية محمد المكي إبراهيم: رحيل هرم سوداني وكيل التوزيع وكيل الاشتراكات الوكيل الإعلاني المكـــــــاتــب المقر الرئيسي 10th Floor Building7 Chiswick Business Park 566 Chiswick High Road London W4 5YG United Kingdom Tel: +4420 78318181 Fax: +4420 78312310 www.aawsat.com [email protected] المركز الرئيسي: ٢٢٣٠٤ : ص.ب ١١٤٩٥ الرياض +9661121128000 : هاتف +966114429555 : فاكس بريد الكتروني: [email protected] موقع الكتروني: www.arabmediaco.com هاتف مجاني: 800-2440076 المركز الرئيسي: ٦٢١١٦ : ص.ب ١١٥٨٥ الرياض +966112128000 : هاتف +9661٢١٢١٧٧٤ : فاكس بريد الكتروني: [email protected] موقع الكتروني: saudi-disribution.com وكيل التوزيع فى الإمارات: شركة الامارات للطباعة والنشر الريـــــاض Riyadh +9661 12128000 +9661 14401440 الكويت Kuwait +965 2997799 +965 2997800 الرباط Rabat +212 37262616 +212 37260300 جدة Jeddah +9661 26511333 +9661 26576159 دبي Dubai +9714 3916500 +9714 3918353 واشنطن Washington DC +1 2026628825 +1 2026628823 المدينة المنورة Madina +9664 8340271 +9664 8396618 القاهرة Cairo +202 37492996 +202 37492884 بيروت Beirut +9611 549002 +9611 549001 الدمام Dammam +96613 8353838 +96613 8354918 الخرطوم Khartoum +2491 83778301 +2491 83785987 عمــــان Amman +9626 5539409 +9626 5537103 صحيفة العرب الأولى تشكر أصحاب الدعوات الصحافية الموجهة إليها وتعلمهم بأنها وحدها المسؤولة عن تغطية تكاليف الرحلة كاملة لمحرريها وكتابها ومراسليها ومصوريها، راجية منهم عدم تقديم أي هدايا لهم، فخير هدية هي تزويد فريقها الصحافي بالمعلومات الوافية لتأدية مهمته بأمانة وموضوعية. Advertising: Saudi Research and Media Group KSA +966 11 2940500 UAE +971 4 3916500 Email: [email protected] srmg.com فيصل محمد صالح عمل دبلوماسياً وتدرج في المناصبحتى مثل بلاده سفيراً في عدد من الدول محمد الرميحي إميل أمين

RkJQdWJsaXNoZXIy MTI5OTky