issue16747

شهد الـعـام المـاضـي تـحـولات مهمة فـي عـاقـات إيــران بمحيطها الإقليمي مـن الـــدول، إضـافـة إلـى العلقات التي تربطها مع محور المقاومة بما فيه من أحزاب وميليشيات وأنـظـمـة، أقــامــت فيما بينها عــاقــات مـتـعـددة المستويات تتصل بدعم القضية الفلسطينية والـصـراع مع إسرائيل. وكان جوهر التحولات الإيرانية الإقليمية ينوسبينحدين؛ تقارب وتخفيف حدة الخلفات السياسية، كما حصل في ، وتجاهل وسكوت تحت 2023 الاتفاق الإيراني - السعودي خط «الصبر الاستراتيجي» كما تسميه طهران في المواقف مــن إســرائــيــل وسـيـاسـاتـهـا إزاء إيــــران والمـتـصـلـ بـهـا من محور المقاومة. واتــــخــــذت عـــاقـــات إيــــــران مـــع مـــحـــور المـــقـــاومـــة طـابـعـا مختلفا؛ إذ حافظت طهران على مواقفها المعلنة إزاء أطراف الـحـلـف فــي خطها الـدعـائـي والإعـــامـــي، وإن يـكـن بوتيرة أضعف، لكنها في الواقع العملي سارت خطوات في اتجاه التخلي عن بعض تلك الأطــراف، خصوصا وسط تطورات سـيـاسـيـة وعـسـكـريـة عــاصــفــة، رأت إيـــــران أنــهــا لا تحتمل نتائجها، أو أنها لا ترغب في تحمل نتائج ما يجري في أحسن التقديرات. إن مــــثــــال تــــحــــول إيـــــــــران إزاء «حـــــمـــــاس» شــريــكــتــهــا ،2023 الفلسطينية، كـــان واضــحــا بـعـد عملية غـــاف غـــزة حيث حـاولـت إبـعـاد نفسها عـن كـل مـا لـه صلة بالعملية، خصوصا عندما بــدأت التفاعلت السياسية والعسكرية الــحــادة، تـتـوالـى مـن جـانـب إسـرائـيـل والــــدول الـغـربـيـة، بل اتجهت نحو التخلي، وتركت «حماس»، ومعها فلسطينيو غزة يعانون بين حدي وحشية إسرائيل وتقصير المجتمع الـدولـي فـي الـوصـول إلــى حــل، أو إقـــرار هدنة توقف مسار القتل والدمار، وسكتت إيران عن تصفية قيادات فلسطينية بـيـنـهـم إســمــاعــيــل هـنـيـة زعــيــم «حــــمــــاس»، وذهـــبـــت وعـــود طهران بالرد على العملية أدراج الرياح. ولا تـخـتـلـف كـثـيـراً مــامــح سـيـاسـة إيـــــران مـــع الـنـظـام الـــســـوري عـمـا ســبــق. فـفـي الــعــمــوم تـمـيـزت تـلـك الـسـيـاسـة بـجـفـاء شـبـه مـعـلـن بــ طـــهـــران ودمــشــق مـتـعـدد الأســبــاب والأبـعـاد، وكانت الهجمات الإسرائيلية على أهـداف إيران وبعض جماعاتها من الميليشيات واحـدة من قنوات دلالة تدهور العلقات. وثــمــة ضــــرورة لا بــد مــن الإشـــــارة إلـيـهـا عـنـد الـحـديـث عـن أي سلبيات فـي عـاقـات طـهـران - دمـشـق، وهـي حرص الطرفين على التستر على السلبيات والـخـافـات، ولـو من موقعين مختلفين؛ أولهما ضرورات المصلحة الاستراتيجية الإيـرانـيـة فـي الــوجــود بـسـوريـا والـثـانـي حـاجـة الـنـظـام في دمشق للمساعدة الإيرانية في بقائه، وتجاوز مشاكله ولو بالحد الأدنى. الـــنــمــوذج الأكـــثـــر اخــتــافــا فـــي عـــاقـــات أطـــــراف مـحـور المـقـاومـة مـع طـهـران هـو «حـــزب الـلـه» اللبناني، فهو تابع عميق للمرجعية الـديـنـيـة، بـمـا أن الــحــزب أداة السياسة الإيرانية، ليس لأن إيـران تموله وجمهوره بصورة كاملة، كما أكد نصر الله مرات، بل لأنه ينفذ تلك السياسة من دون تـــردد، بما فيه الـفـصـول الخفية، ومــن هــذه النقطة، يمكن تفسير موقف «حزب الله» من التدخل العسكري في سوريا بطلب من إيران بخلف ما كان شائعا عن موقف 2012 عام الـحـزب بـدايـة ثـــورة الـسـوريـ مـن مـوقـف مــتــوازن للحزب، وثمة نقطة أخرى في الدلالات، وهي قيام الحزب بتأسيس وتـدريـب جماعات وميليشيات تتبع إيــران في العديد من البلدان منها سوريا واليمن والعراق، إضافة إلى تدخلت الحزب في تلك البلدان لصالح إيران. وإذ أدت التطورات السياسية والعسكرية في المنطقة إلـــى تبني سـيـاسـة «الـصـبـر الاسـتـراتـيـجـي» الإيـــرانـــي أمــاً بتمرير الـوقـت وكسبه لصالح تعزيز وجـودهـا فـي بلدان سـيـطـرتـهـا الـــعـــربـــيـــة، واســـتـــكـــمـــال المــــشــــروع الــــنــــووي، فــإن «حـزب الله» سعى ليكون وجه محور المقاومة في الضغط لوقف الحرب الإسرائيلية على غـزة، مستفيداً من «قواعد الاشتباك» التي تعني تسخين الجنوب بين لبنان وإسرائيل مـن دون الـذهـاب إلـى حـرب بينهما، غير أن إسرائيل التي حققت الجزء الأكبر من أهدافها في غزة، قررت ضرب قواعد الاشـتـبـاك مـع «حـــزب الـلـه» عــرض الـحـائـط، وبـــدأت حربها الصاعقة على الحزب وحاضنته في لبنان من الجنوب إلى بـيـروت إلـى البقاع انطلقا مـن موجة تفجيرات «البيجر» وصـولاً إلى الهجمات الجوية، وقد سقط في الحرب حتى الآن آلاف من قيادات وكوادر الحزب بينهم نصر الله ومعظم قادة الحزب. وقـــريـــبـــا مـــمـــا فــعــلــتــه عــمــلــيــة غـــــاف غــــــزة، فـــقـــد دفــعــت تـطـورات الحرب الإسرائيلية في لبنان، وتجدد الهجمات الإسرائيلية في سوريا على أهــداف تخص إيــران و«حـزب الــلــه» والـنـظـام الـــســـوري، أعــــادت إيــــران تـرتـيـب سياساتها قريبا من فكرة التخلي عن محور المقاومة أو تقييد العلقة مــع أطـــرافـــه، كـمـا يـظـهـر جــانــب مــن الــتــحــولات فــي سياسة طـهـران حيال الـولايـات المتحدة وإسـرائـيـل فـي تصريحات الرئيس الإيراني الجديد. خلصة القول، أن إيران وحسب مؤشرات عملية، تسير على طريق التخلي عـن محور المـقـاومـة. فهل سيكون ذلك مـؤقـتـا أم سـيـكـون التخلي خـطـا معتمداً لسياسة طـهـران المستقبلية فــي المـنـطـقـة؟ ووفـــق أي مــن الاحـتـمـالـ ، يبدو السؤال الأكثر أهمية متعلقا بسوريا، وهـي الطرف الأكثر خــصــوصــيــة عــنــد إيـــــــران، حــيــث دفـــعـــت عــلــى مـــــدار الـثـاثـة عـشـر عـامـا تكلفة كـبـيـرة مــن الناحيتين الـبـشـريـة والمــاديــة لتقوية حـضـورهـا ونـفـوذهـا هــنــاك، وهـــي بــ الــضــرورات الاستراتيجية الكبرى بالنسبة لإيران. لا أظنّ أن قدرنا الدوران في الحلقة المفرغة لعقود طويلة دون أن ندرك أنه لا بد من تحديد المنطلقات من جديد. نحن الآن في لحظة من الـصـراع في الشرق الأوســط مكشوفة إلى حـد مــا. لحظة يمكن قرأتها بيسر لأنـهـا أسـفـرت عـن نتائج وصارت من الواقع. لن ندخل في تعقيدات الآيديولوجيات والغنائم ودورها في تشكيل بوصلة الصراع وتحويل مسارات أشرعة السفينة. فالدخول إلى هذا المجال معقد جداً وجربناه طويلً ورأينا كيف أنه لا يمكننا إلا الدوران في الحلقة المفرغة، حيث العامل الديني والمذهبي يفعل فعله في الصراع بشكل قوي وبالحدة نفسها، والشيء نفسه فيما يخص دور المصالح وأصحابها في تحويل وجهة الأشرعة عندما تتهدد هذه المصالح. إذن، نحن في أشبه ما يكون بفوضى المصالح وفوضى المحركات التي تصيغ الحدث والواقع والموقف. عــلــى امــــتــــداد الـــعـــقـــود المـــاضـــيـــة كـــانـــت عـــوامـــل الـعـقـيـدة والمذهب والمصلحة تحدد عملية الدوران في الحلقة المفرغة. الـظـاهـر أنـنـا بلغنا نقطة لــم يـعـد فيها لـــلـــدوران فــي الحلقة المــفــرغــة أي مــعــنــى؛ لأنـــنـــا فـــي لـحـظـة انـكـشـفـت فـيـهـا أســــرار عـدة، وباتت أجـزاء من حقائق الصراع العربي - الإسرائيلي والإيراني - الإسرائيلي مكشوفة كما لم تكن من قبل. لــذلــك؛ فـــإن الـلـحـظـة ومـخـرجـاتـهـا مــن المــهــم أن تـأخـذنـا إلى درس القوة وأسبابها. وهو درس ليس الأول من نوعه ومــا فتئ يتكرر، لكن لـم نعمل بـه وآن الأوان لتعلم الــدرس وتطبيقه. إن فـــهـــم درس الــــقــــوة وأســـبـــابـــهـــا مــــن الأهـــمـــيـــة بـشـكـل يـجـعـل نـظـرتـنـا وتــصــورنــا لــأشــيــاء يـتـغـيـران ويـنـصـهـران ضـمـن جــوهــر درس الـــقـــوة. لـــن نستطيع الانــتــصــار فـــي أي معركة أو حرب إلا إذا امتلكنا القوة وأسبابها. لا يكفي أن نكون أصحاب حق دون امتلك القوة. طبعا القوي لا يؤخذ منه حقه. لكن استرجاع الحق يشترط امتلك القوة. وكأن حدث استرجاع الحق هو في حد ذاته سببٌ للعمل والنضال من أجل امتلك القوة. بل إن النضال من أجل استرجاع الحق مهما كان أرضا أو مجداً أو شرفا أو مالاً يستلزم نضالاً قبله لا يقل قيمة ولا صعوبة، وهو النضال من أجل التحول إلى أقوياء يُحسب لهم حسابٌ، وفي ضوء قوتهم ومدى امتلك أسباب القوة تتشكل المصالح والمواقف. من هذا المنطلق، فإن الحل الحقيقي هو في النضال من أجل أوطان عربية مستقرة وناجحة تنمويا ومنضوية ضمن تكتلت اقتصادية مغاربية وعربية ومنفتحة على العالم. أوطـــان تستثمر فـي شعوبها مـن خــال عقولهم وصحتهم. مــن المـهـم الـــرهـــان عـلـى الـتـقـويـة عـربـيـا - عـربـيـا والاسـتـثـمـار في المشترك وامتلك شجاعة تجاوز الخلفات التي لا تزيد الأوطان العربية إلاضعفا وانشقاقا وتشرذما. وما سيجمعنا كثير جداً. امتلك القوة يبدأ عندما نعرف مصلحتنا بصفتنا أوطـانـا عربية قــادرة على التكتل والتكامل اقتصاديا وضم الخبرات والذكاء المتعدد من أجل خير المجتمعات العربية. نــحــن الآن فـــي الـــجـــولـــة الأخــــيــــرة مـــن مــعــركــة الـــوجـــود. لــــنــــذهــــب بــــعــــيــــداً فـــــي الــــشــــجــــاعــــة: شــــجــــاعــــة الإقــــــبــــــال عــلــى الـديـمـقـراطـيـة ودوران الـنـخـب مــن أجـــل عـجـلـة تنمية تــدور وتـــدور بنسق تـصـاعـدي. شجاعة تكاتف أجـهـزة دولـنـا مع القطاعات الخاصة والمجموعات المدنية لإيجاد حلول أكثر للفقر والـبـطـالـة والأمــيــة ولأصــحــاب الاحـتـيـاجـات الخاصة والمــــهــــمــــشــــ ... نـــحـــتـــاج إلـــــى أوطــــــــان يـــحـــلـــو فـــيـــهـــا الــعــيــش اقتصاديا ويعمل فيها الجميع ويستطيع فيها كل مواطن أن يحفظ كرامته ولا يجوع ويحلم ويحقق حلمه. هكذا يتعزز الشعور بالانتماء. وهـكـذا تبنى الأوطـــان. هناك حـق أيضا من حقوق الإنسان تناساه الميثاق العالمي لحقوق الإنسان: إنه الحق في الانتماء إلى وطن قوي. ومجال القوة المقصود هو القوة الاقتصادية؛ لأن المجتمعات العربية والإسلمية تمتلك القوة الديموغرافية وقوة الثقافة والحضارة، لكن لم نتأقلم بعد وكما يجب على امتلك القوة بالمعنى المادي، رغم أننا في حقب تاريخية من حضارتنا سبق وأن امتلكنا القوة وأسبابها. لذلك؛ فإن الوثوق في فكرة أن الحل ليس فرديا والقوة المادية الاقتصادية ليست فردية من الأفكار الخلقة والمهمة جــــداً لـــغـــرس ثــقــافــة جـــديـــدة تـــركـــز عــلــى الــتــكــامــل الـتـنـمـوي الاقـتـصـادي والقفز على كـل مـا يمكن أن يـفـرّق؛ لأن فـي ذلك حرصا على النجاة الحقيقية التي لا تكون إلا بامتلك القوة وأسبابها. فالنضال من أجل امتلك القوة وأسبابها لا غنى عنه كي يكون الانتصار حليفنا في استرجاع كل الحقوق، وبأقل الخسائر وبأقل ما يمكن من الأرواح والدماء، وربما لن تسقط قطرة دم عربية، باعتبار أن الأوطـان القوية قليلً ما يؤخذ حقها وما يسفك دم مواطنيها. OPINION الرأي 12 Issue 16747 - العدد Friday - 2024/10/4 الجمعة وكيل التوزيع وكيل الاشتراكات الوكيل الإعلاني المكـــــــاتــب المقر الرئيسي 10th Floor Building7 Chiswick Business Park 566 Chiswick High Road London W4 5YG United Kingdom Tel: +4420 78318181 Fax: +4420 78312310 www.aawsat.com [email protected] المركز الرئيسي: ٢٢٣٠٤ : ص.ب ١١٤٩٥ الرياض +9661121128000 : هاتف +966114429555 : فاكس بريد الكتروني: [email protected] موقع الكتروني: www.arabmediaco.com هاتف مجاني: 800-2440076 المركز الرئيسي: ٦٢١١٦ : ص.ب ١١٥٨٥ الرياض +966112128000 : هاتف +9661٢١٢١٧٧٤ : فاكس بريد الكتروني: [email protected] موقع الكتروني: saudi-disribution.com وكيل التوزيع فى الإمارات: شركة الامارات للطباعة والنشر الريـــــاض Riyadh +9661 12128000 +9661 14401440 الكويت Kuwait +965 2997799 +965 2997800 الرباط Rabat +212 37262616 +212 37260300 جدة Jeddah +9661 26511333 +9661 26576159 دبي Dubai +9714 3916500 +9714 3918353 واشنطن Washington DC +1 2026628825 +1 2026628823 المدينة المنورة Madina +9664 8340271 +9664 8396618 القاهرة Cairo +202 37492996 +202 37492884 بيروت Beirut +9611 549002 +9611 549001 الدمام Dammam +96613 8353838 +96613 8354918 الخرطوم Khartoum +2491 83778301 +2491 83785987 عمــــان Amman +9626 5539409 +9626 5537103 صحيفة العرب الأولى تشكر أصحاب الدعوات الصحافية الموجهة إليها وتعلمهم بأنها وحدها المسؤولة عن تغطية تكاليف الرحلة كاملة لمحرريها وكتابها ومراسليها ومصوريها، راجية منهم عدم تقديم أي هدايا لهم، فخير هدية هي تزويد فريقها الصحافي بالمعلومات الوافية لتأدية مهمته بأمانة وموضوعية. Advertising: Saudi Research and Media Group KSA +966 11 2940500 UAE +971 4 3916500 Email: [email protected] srmg.com آمال موسى فايز سارة طهران ــ تل أبيب... مسار التصعيد أخــرج رئيس الــــوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الأمــور عــن الـسـيـطـرة، ورفـــع سـقـف المـواجـهـة إلـــى مـسـتـوى غـيـر مسبوق، واســــتــــدرج طـــهـــران إلــــى الـــــرد. الأخـــيـــرة ردّت ضــمــن ضـــوابـــط غير منضبطة الـنـتـائـج؛ فـهـو، أي نتنياهو، يدفعها إلـــى مــا تجنبت الـوقـوع فيه منذ قـرابـة سنة، فـالـرد والـــرد على الـــرد، يقتربان من المـواجـهـة المـبـاشـرة بينهما، أي الأمـــر الـــذي يــريــده نتنياهو منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول)، وتتجنبه طهران منذ عقود. رد الــــثــــاثــــاء بـــقـــصـــف أهــــــــداف إســـرائـــيـــلـــيـــة داخـــــــل الأراضـــــــي الفلسطينية المحتلة بصواريخ «فـرط صوتية» وصل عددها إلى نـحـو مـائـتـي صـــــاروخ، يـعـد تــحــولاً فــي المــواجــهــة، ولــكــن لا يمكن اعتباره موازيا لحجم الضربات الإسرائيلية، ولا يكفي لاستعادة توازنات القوة بين الطرفين، إنما يمكن وضعه في خانة محاولات استعادة المبادرة إيرانيا. قرار طهران استعادة المبادرة، ولو متأخرة، يمكن وضعهضمن معادلة أفضل من أّ تستعيدها أبداً، فهل التأخر في استعادتها هو في سبيل رفع البلء أو رد المظالم؟ هذا إذا وضعناها في إطارٍ فـقـهـيّ، بـمـا أن الـنـظـام الإيـــرانـــي نـظـام ثـيـوقـراطـي الـعـقـيـدة ولكنه براغماتي التصرفات، وهو لم يزل مصراً على الجمع بين الاثنين في أصعب مرحلة يواجهها منذ تأسيسه. في مشهدية الـرد الـذي جـاء متأخراً على اغتيال زعيم حركة «حماس» إسماعيل هنية، في طهران، والرد الذي لا يمكن تجنبه على اغتيال الأمــ الـعـام لــ«حـزب الـلـه»، السيد حسن نصر الله، الــذي قُتل إلـى جانبه مـسـؤول لبنان وسـوريـا فـي «فيلق القدس» الجنرال عباس نيلفروشان... تحاول طهران ترميم صورتها على مستويين مترابطين: الأول زعزعة الثقة بينها وبين أذرعها المقاتلة وحـواضـنـهـا الشعبية، وهـــو الانـتـقـاد الـــذي بـــدأ همسا ثــم تعالى عـنـدمـا قــيّــدت عـمـل وحـــدة الــســاحــات وضبطتها بـمـصـالـح الأمــن القومي الإيراني، وليس بالوضع الميداني في غزة، ومن ثم اتهامها علنا بالتخلي عــن «حـــزب الــلــه» أو كشفه بــنــاءً عـلـى تصريحات مـسـؤولـيـهـا، مـمـا أدى إلـــى اغـتـيـال الـسـيـد حـسـن نـصـر الــلــه، هـذا الاتهام من اللبنانيين كافةً وبيئة «حـزب الله» الحاضنة خاصةً، بـأن أولـويـة إيـــران السلمة الوطنية، فيما لبنان مـهـدّد باجتياحٍ إسرائيليّ ثالث. أمـــا المـسـتـوى الآخـــر فـلـه بُـعـد خــارجــي ومـحـاذيـر داخـلـيـة، إذ تحتاج إيــران بأقصى سرعة إلـى رد اعتبارها، وترميم هيبتها، ولكن تتجنب خــروج الأمـــور عـن السيطرة لأسـبـاب عـديـدة، أولها داخلية، والـواضـح أن أغلبية الشعب الإيـرانـي لا يريد أن تنخرط دولته في حرب يرى أنها ليست حربه، ولا هو في وارد دفع أي ثمن دفاعا عن أي قضية أو قضايا ليست في أولوياته، كما أن النخبة الحاكمة حتى تلك المتشددة التي تريد إزالة إسرائيل من الوجود، لا تريد أن تنخرط في مواجهة تهدد سلمة النظام، لذلك كان هذا الخيار الدقيق في الرد الذي تُرك في عهدة واشنطن حتى تضبط احتمال الرد الإسرائيلي عليه أو تضع سقفا له. فـي استراتيجية السقوف، شـــدّدت المتحدثة باسم الحكومة الإيــرانــيــة عـلـى أن مـوقـف بــادهــا دفــاعــي ولـيـس هـجـومـيـا، وهــذا للداخل وللخارج، فيما الخارج، أي واشنطن تحديداً، بدأ بغربلة بنك الأهـــداف الإسرائيلية حتى لا يتجاوز جنون نتنياهو مـا لا يمكن احــتــواؤه، خصوصا الفصل مـا بـ الــرد والمـسـألـة النووية التي تحتكر واشنطن مسألة التعاطي معها. لذلك فإنّ احتمال الرد الإسرائيلي وارد جداً على أهداف داخل إيران، ولكن بعيداً عن المنشآت النووية، وقد يكون بعيداً أيضا عن منشآت نفطية، وهذا إذا حدث سيساعد إيران على اختيار كيفية ردها المحتمل، إذا ردّت تل أبيب على ردها السابق، وتراهن على أن يكون ضمن قواعد نزاع جديدة، لكن ليس بالضرورة أن تلتزم به تل أبيب التي تدفع بالمنطقة إلى التصعيد. نضاليّة امتلاك القوة وأسبابها التخلي الإيراني: ماذا عنسوريا؟ مصطفى فحص

RkJQdWJsaXNoZXIy MTI5OTky