issue16746

Issue 16746 - العدد Thursday - 2024/10/3 الخميس OPINION الرأي 14 في مهبّ العواصف... عبارة واحدة في مهب العواصف ومـع امتداد شبح الحرب فوق «بلاد الأرز»، سُئل الوزير اللبناني الذي عمل سابقاً في مؤسسات إعلامية فرنسية عن رأيـه في معالجة المسألة اللبنانية، فلم يـتـردد فـي الإجابة فوراً: «إلغاء الطائفية السياسية». فكرة جد شائعة لبنانياً فـي الكثير مـن الأوســـاط المذهبية، كما في الـعـديـد مــن الأوســـــاط الـتـغـيـيـريـة الـعـلـمـانـيـة، على حدّ سـواء. ومع أن المجمعين على «إلغاء الطائفية السياسية» لا يدركون بالضرورة الفكرة بالطريقة نـفـسـهـا، فـهـم عـلـى ثـقـة بـأنـهـا هــي الــحــل المـنـشـود، وليس من حل سواها. وهم يستغربون كيف يمكن لأحد عدم تبنيها. لــكــن فـــي الـحـقـيـقـة، لــيــس مـــن عـــبـــارة تختصر المتاهة اللبنانية، وتكتنز كل ما تتضمنه من ضياع وجـهـل وتـنـاقـض أكـثـر مــن هـــذه الــعــبــارة الـــواحــدة. وهذه بعض مدلولاتها: يــعــنــي «إلــــغــــاء الــطــائــفــيــة الــســيــاســيــة» إلــغــاء الصيغة اللبنانية برمتها. ومــن دعـــاة الإلـغـاء من يـدرك ذلـك، ومنهم من لا يدركه. والمطالبة بـ«إلغاء الطائفية الـسـيـاسـيـة» تعبير مــمــوّه، قـابـل لـلـرواج أكثر من المطالبة بإلغاء الصيغة اللبنانية، مع أن الفكرة هي نفسها بالتمام. رغم ذلك، لا تتعجب إذا سألت مطالباً بإلغاء الطائفية السياسية إذا كان يريد إلغاء الصيغة اللبنانية، فأجابك: «كلا قطعاً، أنـــا مــع الـصـيـغـة». فـهـو يــقــول، مــن دون أن يـــدري، الشيء ونقيضه. ويرجع ذلـك، على الرغم من التجارب الراهنة الــقــاســيــة، إلــــى عــــدم إدراك المـــســـألـــة الـلـبـنـانـيـة في جـوهـرهـا وفـــي تـاريـخـهـا. فمعظم المـحـلـلـ يربط ، أو فـــي أحـسـن 1943 الـصـيـغـة الـلـبـنـانـيـة بـمـيـثـاق . لكن في 1920 الأحـــوال بقيام «لبنان الكبير» عـام الحقيقة، لا يمكن فهم الصيغة اللبنانية إلا بالعودة . فهذه الصيغة هي أقدم نظام 1861 إلى نشأتها عام 163 سياسي في الشرق الأوســط، وهي قائمة منذ الـثـ ث)، إذ 1918 - 1915 عاماً (باستثناء سنوات استمرّت على التوالي في «متصرفية جبل لبنان»، ثم في «لبنان الكبير» تحت الانتداب الفرنسي، ثم في لبنان المستقل. فلتجنّبحل التقسيم الذي فشل آنذاك وقاد إلى ، كان لا بد من إيجاد صيغة لتعايش 1860 مآسي الجماعات الست الموجودة في جبل لبنان، الموارنة والــــــــدروز والـــســـنـــة والــشــيــعــة والـــــــروم الأرثــــوذكــــس والـــــروم الـكـاثـولـيـك، فـكـانـت «الـصـيـغـة اللبنانية»، التي هي فيدرالية مجتمعية، تم اعتمادها لتجنب التقسيم أو الفدرلة الأرضية. وقد حظيت الجماعات المختلفة بموجبها بتمثيل مـتـسـاوٍ فـي السلطات المركزيّة والمحليّة، بصرف النظر عن أعـدادهـا، في أرضوطنيّة موحّدة. وعلى سبيل المثال، بينما كان بالمائة فقط مـن السكان، 1 الشيعة يشكلون نحو بــالمــائــة، كـــان للجماعتين تمثيلهما 76 والمـــوارنـــة ،)1861 المـتـسـاوي فـي «المـجـلـس الإداري» (حـكـومـة وفــي مجمل الهيئات المحلية. واسـتـمـرت الصيغة اللبنانية، مع تعديلات محدودة عليها، حتى اليوم. غالباً ما يعدّ مهاجمو الصيغة أنها مسؤولة عــــن عـــــدم الانـــــدمـــــاج الـــوطـــنـــي فــــي لـــبـــنـــان، أي عـــدم تفكيك الجماعات وتحويلها إلــى أفـــراد مواطنين. وهـو اتهام باطل. فكل الــدول والأنظمة السياسية الـــتـــي تـــوالـــت عــلــى المـنـطـقـة مــنــذ ســـقـــوط الـسـلـطـنـة الـعـثـمـانـيـة قــبــل مـــائـــة عــــام حــتــى الـــيـــوم لـــم تحقق الانـدمـاج الوطني، ولـم تستطع تحويل الجماعات إلى أفـراد مواطنين. لكن «الصيغة اللبنانية» على الأقــــل أحـسـنـت إدارة الـجـمـاعـات أفــضــل بكثير من سـائـر الأنـظـمـة، عبر مفهوم الــتــوازن، فلم تـــؤدّ إلى ديكتاتوريات تقمع فيها جماعة الجماعات الأخرى وفقاً لدوامة الساحق والمسحوق. كـمـا كـــان لــهــذه الـصـيـغـة الإســـهـــام الـكـبـيـر في تحقيق مجمل الإنــجــازات الحضارية الـتـي عرفها ، فـي النهضة الفكرية 1975 إلــى 1861 المـشـرق، مـن والمــعــرفــيــة، والـتـعـلـيـم الـجـامـعـي والـتـعـلـيـم الــعــام، وفـــي الــعــدالــة وحــقــوق الإنـــســـان، وفـــي الـفـن واللغة والأدب والـصـحـافـة والـطـبـاعـة، وفــي العلم والطب والاستشفاء والاقتصاد والسياحة، وفـي التفاعل مـع الـحـداثـة والـعـالـم، خصوصاً فـي تجسيد نمط حـيـاة، لا مثيل لــه، قـوامـه الـحـريـة ونـوعـيـة الحياة البشرية. تــــهــــاوت الـــتـــجـــربـــة فــــي نـــهـــايـــة المــــطــــاف؟ أجــــل، لكنها عــاشــت وازدهـــــرت طـــويـــ ً، ومـــا زالــــت قـــادرة على النهوض. وهي تهاوت، ليس بفعل الصيغة، بل للصعوبات البالغة التي يواجهها نظام قوامه الـــحـــريـــات والـــحـــداثـــة وســــط مـحـيـط أمـــنـــي وقـمـعـي مطبق يسعى بـ كلل لاختراقه وتخريبه. محيط ســادت فيه الديكتاتوريات، وشهد احتلال الكيان الصهيوني أرض فلسطين. وحين تلتقي هيئات وأحـزاب مذهبية صافية مع جماعات علمانية تغييرية على المطالبة بـ«إلغاء الطائفية السياسية»، أي الصيغة اللبنانية، وإقامة الديمقراطية الـعـدديـة، مـــاذا يعني ذلـــك؟ يعني أن الـــطـــرف الأول يـــعـــرف تــمــامــ مـــــاذا يـــريـــد لـتـكـريـس ديــكــتــاتــوريــة مـذهـبـيـة نـهـائـيـة فـــي لــبــنــان، بينما يتوهم الطرف الثاني أن البديل سيكون ديمقراطية حديثة شبيهة بالنموذج الفرنسي... ومن صبر إلى المنتهى يخلص. أنطوان الدويهي عبارة موجزة تختصر المتاهة اللبنانية برمتها المنطقة بعد نصرالله... أفكار وآمال ثـــمـــة تــــقــــديــــرات عــــديــــدة تـــتـــحـــدث عـن واقــــع لـبـنـان بـعـد اغـتـيـال زعــيــم ميليشيا «حــــزب الـــلـــه»، حــســن نــصــر الـــلـــه، الـبـعـض منها متفائل بانفراج مدني لصالح دولة المـؤسـسـات عـوضـ عـن هيمنة الميليشيا. وثـــمـــة تـــقـــديـــرات تـــتـــوجـــه نـــحـــو الـــتـــشـــاؤم وإمكانية تصاعد المد الطائفي، خصوصاً بـــعـــد الــــنــــزوح الــشــيــعــي الــكــثــيــف لمـنـاطـق سـنـيـة ومـسـيـحـيـة لـيـسـت عــلــى وفـــــاق مع «حـــزب الــلــه»، وأن هـــذا الاغــتــيــال قــد يزيد المـد الطائفي، ويصعّد من حالة الالتهاب الاجـــتـــمـــاعـــي بــــ الــــديــــن والــــــديــــــن، وبـــ الطائفة والطائفة. رئيس حكومة تصريف الأعـمـال، نجيب ميقاتي، كـان حاسماً في رفضه قطع الطرقات أو ارتكاب أي أعمال شغب. وزيـر الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن قـــال إن المـنـطـقـة والــعــالــم أصبحا أكثر أماناً بموت نصر الله، وهذا صحيح. ثــــمــــة أقـــــــاويـــــــل وكــــــتــــــابــــــات تـــتـــحـــدث عــــن ســـيـــنـــاريـــو خـــيـــالـــي عُـــــــرف بـــ«صــفــقــة نـــيـــويـــورك»؛ مــفــاده رفـــع الـغـطـاء الإيــرانــي عن نصر الله لصالح الأميركي (هـذا قول مطروح في عدد من الفضائيات اللبنانية) وأن الإيرانيين يريدون تعزيز أواصر الثقة مع الأميركيين. لـكـن هـنــاك تــقــديــرات أخــــرى تختلف مـع تلك المـقـولـة، ومــن ذلــك مـا طرحه نديم قطيش قبل أيام بهذه الجريدة؛ حيث رأى أن: «الـــقـــول بـــأن إيــــران بـاعــت (حـــزب الـلـه) لا يـعـدو سـطـراً فـي لعبة النكد السياسي والــنــكــايــات الــتــي تـسـتـدرجـهـا الخصومة مـعـه. فالعلاقة بـ إيـــران وأبـــرز منتجات فكر تصدير الثورة الخمينية؛ أي (الحزب) وقادته، تحددها الحسابات الاستراتيجية والجيوسياسية، لا تصرفات هنا وقرارات هناك، أياً كان حجم اللحظة التي نتحدث فـيـهـا. لـيـس (حـــزب الــلــه) مـجـرد ميليشيا ترعاها إيـــران، ولا زعيمها المغتال حسن نـــصـــر الـــلـــه مـــجـــرد حـــلـــيـــف، فـــهـــذا الــكــيــان يُـشـكـل امـــتـــداداً لـنـفـوذ طـــهـــران الإقـلـيـمـي، ويــعــدّ مـكـونـ عـضـويـ مــن مـكـونـات الـــردع الاســـتـــراتـــيـــجـــي ضــــد إســــرائــــيــــل، ومـنـصـة تعبئة وتثوير ورعاية للمحور الشيعي - العربي نيابة عن طهران. وبالتالي؛ ليس بمثل هـذا الاستسهال يباع ويُشترى من كان هذا موقعه». وأتفق مع هذا التقدير، ذلك أن «حزب الـلـه» أضـخـم أداة إيـرانـيـة فـي المنطقة، قد تـــفـــاوض عــلــى أي فــصــيــل لــهــا إلا «حـــزب الله»، لكن مشكلة جمهور إيران أنه يعيش في زمنٍ غابر. الــــحــــروب الــــيــــوم تـــقـــوم عـــلـــى الـعـلـم ولـيـس على الــســ ح، على العقل وليس على العضل، زمـن الـحـروب الكلاسيكية انـتـهـى، الآن الــــدول تــقــوم حـروبـهـا على محورين اثنين. أولهما: العلم، ضربة «البيجرز» مثلاً هــي ضـربـة أسـاسـهـا علمي وتكنولوجي وسيبراني، العلم تجاوز حرب المسدسات والتفخيخ التي يُجيدها محور الشر الذي ينتمي إليه «حزب الله»، وآية ذلك التنافس عـلـى تـطـويـر أدوات الــحــروب السيبرانية بين أميركا والصين. المـــحـــور الـــثـــانـــي: المــعــلــومــة، الــحـــروب وقواعد الصيد للخصم تقوم على امتلاك المعلومة، لم تحتج أميركا لضرب أسامة بـــن لادن إلا إلــــى مـعـلـومــة عـــن أبــــو أحـمـد الـــكـــويـــتـــي لـــتــصـــل إلــــيــــه. كــــذلــــك الأمـــــــر مـع الـبـغـدادي الـــذي طـــارده كلب بوليسي من فــئــة «الـــجـــيـــرمـــن» الـــذكـــيـــة، بـيـنـمـا ضـربـت العولقي بمعلومة لشخصٍ دُفــع لـه ثمن، وبطائرةٍ مسيّرة أطلقها جندي في مكتبه وبـــ يـديـه الـبـرغـر والـكـوكـا كـــولا كـمـا في وثائقي العملية. الخلاصة؛ أننا الآن في مرحلة صعبة لكنها ضـــروريـــة، لـقـد مـــلّ الــنــاس مــن هـذا الـتـثـويـر والإرهــــــاب، ومـــن هـــذه الـضـربـات الــعــبــثــيــة والــــحــــروب الـــكـــارثـــيـــة، أكـــثـــر من مليون نازح في لبنان، والحرب لم يتضرر منها «حزب الله» فقط وإنما لبنان بأكمله، ومـن الحكمة تغليب الحوار على الحرب، وأن تتجه المنطقة لصياغة الحكمة التي طرحها الأمير فيصل بن فـرحـان، والقول الذي تتحدث به دول الاعتدال بمباداراتها الواقعية، ممثلةً في السعودية والإمـارات ومـــصـــر، فـــالـــحـــروب الــتــي اعـــتـــادت عليها الميليشيات انـتـهـت، نـحـن فــي زمـــن العلم والمعلومة والحوار. فهد سليمان الشقيران الحروب التي اعتادتعليها الميليشيات انتهت ونحن فيزمن العلم والمعلومة والحوار الحرب الموازية في السودان فـــــــي عـــــصـــــرنـــــا هــــــــــــذا، ومــــــــــع الـــــــقـــــــفـــــــزات الــــصــــنــــاعــــيــــة والتكنولوجية، والثورات الرقمية، وفي مجال الاتصالات، تطورت الـحـروب، ومفاهيمها، ومصطلحاتها، إلـى أنـواع. صرنا نسمع عن حـروب رأسية، وحـروب أفقية، وعن حرب سيبرانية، وحرب هجينة، وحرب بالوكالة، وحرب موازية، إلى غيرها من المصطلحات والتوصيفات. في حـرب الـسـودان، كما في غيرها، تتداخل كثير من هـذه المصطلحات والمفاهيم لتضيف إلـى تعقيدات المشهد وصعوبته. ومـع بــروز وسائل التواصل الاجتماعي كـأداة قـويـة فـي تشكيل الـسـرديـات والديناميكيات، فإنها باتت سلاحاً قوياً في الحرب النفسية والإعلامية الدائرة بشراسة للتأثير في مسارات الحرب. لم تعد وسائط التواصل هذه مجرد منصات لنقل الأخبار والمعلومات ومقاطع الفيديو وتــــبــــادل الــتــحــلــيــ ت فــحــســب، بـــل إنـــهـــا وفــــي إطـــــار الــــدور المـزدوج الذي اكتسبته أصبحت قنوات للتضليل والدعاية والتحريض، ونشر معلومات كاذبة وفيديوهات مفبركة، للتلاعب بالرأي العام والتأثير في المعنويات. منذ انـدلاع الحرب كان هناك العديد من المحطات في سياق هذه الحرب أثارت ما أثارت من ضجيج، بما انعكس سلباً أو إيجاباً على معنويات الناس. خلال هذا الأسبوع وحـــده، كـانـت هـنـاك واقـعـتـان تصلحان للتدليل على مدى استخدام وسائل التواصل الاجتماعي في الحرب النفسية، وفـــي مــحــاولات الـتـشـويـش للتأثير عـلـى الــــرأي الــعــام. فمع الهجوم الـواسـع الــذي شنه الجيش الـسـودانـي على مواقع «قــوات الدعم السريع» في الخرطوم وبـحـري، الــذي وُصِـف بــأنــه الأكــبــر مـنـذ انــــدلاع الـــحـــرب، ضـجـت مــواقــع الـتـواصـل بـالأخـبـار عـن انـتـصـارات كبيرة لصالح الـجـيـش. ولــم تمر سـاعـات قليلة حتى خـرجـت أعـــداد مــقــدّرة مـن السودانيين في أحياء من العاصمة، وفي مدينتي شندي وعطبرة، وفي حـي فيصل فـي الـقـاهـرة، لتحتفل بشكل عفوي تعبيراً عن فرحتها. مــع أجــــواء الاسـتـقـطـاب الـشـديـد فــي ظــل هـــذه الـحـرب وتـشـعـبـاتـهـا، فـــإن هـــذه الاحــتــفــالات لــم تـمـر مــــرور الــكــرام، وواجهتها حملة قوية للتشكيك من قبل خصوم الجيش، بـــل ولانـــتـــقـــاد الــســودانــيــ الـــذيـــن خـــرجـــوا فـــي المــظــاهــرات الاحتفالية، وكـأنـه لـم يعد مـن حـق الـنـاس أن يحتفلوا إذا رأوا أو سمعوا انتصاراً للجيش، أو أنهم يجب أن يغتمّوا إذا تعرضت «قـــوات الـدعـم السريع» لأي هزيمة. ومـن غير ســنــد أو دلـــيـــل قـــالـــوا إن هــــذه المـــظـــاهـــرات نــظّــمــهــا أنــصــار السابق، رافضين بذلك أن يتقبلوا أن الناس خرجوا بشكل عـفـوي، لأنهم عـانـوا مـا عـانـوا بسبب هـذه الـحـرب، ويتوق كثير منهم للعودة إلى ديارهم التي هُجّروا منها، ويرون أن دخول القوات المسلحة إلى مناطقهم وخروج «قوات الدعم السريع» منها يفتح لهم نافذة لهذه العودة. وعلى الـرغـم مـن مقاطع الفيديو الكثيرة التي توثق لانتشار الجيش في مناطق وأحياء في الخرطوم وبحري ظلت فـي قبضة «الــدعــم الـسـريـع» منذ بـدايـة الــحــرب، كان هناك مَن سعى للتشكيك والتشويش؛ إما لنفي حدوث أي تقدّم للجيش، أو للتقليل من شأنه. هكذا انطلقت أصوات عن أن الآليات العسكرية للجيش التي حاولت عبور بعض الـجـسـور الـرئـيـسـيـة الــتــي تــربــط الـعـاصـمـة، لــم تتمكن من تحقيق أهدافها، ودُحـرت أمام «قـوات الدعم السريع»، وأن مـا قـام بـه الجيش لا يمتّ للعسكرية بصلة، ونتجت عنه مجازر لمنسوبيه. مــن جـانـب آخـــر، وفـــي الــوقــت ذاتـــه جـــرى الـتـرويـج في مواقع التواصل الاجتماعي لمقطعَيْ فيديو ذُكر أنهما لقتل مدنيين وإعدامات خارج إطار القانون نُفّذت خلال عمليات الجيش الأخيرة في العاصمة، وتحديداً بمنطقة الحلفايا في بحري. بعض البيانات قدمت أرقاماً عن عدد للضحايا، بينما ذهبت أخــرى إلـى الـقـول إنها طـاولـت الـعـشـرات، من دون تحديد رقم. بعضها تحدث عن أن القتلى من المدنيين الذين كانوا يقدمون الطعام للمحتاجين، وأُعـدمـوا لأنهم صُـــنـــفـــوا ســيــاســيــ ، أو اتـــهـــمـــوا بـــالانـــحـــيـــاز «لأحـــــد طـرفـي الـــحـــرب»، والمــقــصــود بـالـطـبـع «الـــدعـــم الـــســـريـــع»، فـــي حين قالت بيانات أخــرى إن الإعــدامــات تمت على أسـس عرقية وجهوية. المؤكد أن أحـد المقطعين ليس جـديـداً، وسبق ترويجه قبل أكثر من شهرين. أمـا الثاني فلم يكن فيه ما يثبت أن القتلى مدنيون وليسوا من منتسبي «قوات الدعم السريع». على الـرغـم مـن ذلــك، صــدرت بيانات متتالية للتشكيك في الجيش وتحميله مسؤولية هذه الانتهاكات، بل ودمغه بأنه «جيش دواعـش»، على أساس أنه يضم كتائب مستنفرين، من بينها «كتيبة البراء» المحسوبة على الإسلاميين. الانتهاكات من أي نوع تبقى مدانة، لكن هذا لا يلغي حقيقة أن المتمعّن في هذه الحملة التي اشتدت مع التقدم الذي أحرزه الجيش في عدد من المحاور في العاصمة، وفي مواقع أخرى، يلمس فيها احتدام الحرب الموازية الدائرة في الـسـودان، ومسرحها الأهــم هو منصات وسائل التواصل الاجتماعي. ومع التوقعات بأن الأسابيع المقبلة ستشهد مـــعـــارك واســـعـــة، وربـــمـــا تــكــون فـــارقـــة فـــي نـتـيـجـة الــحــرب، فـإن وسـائـل التواصل ستكون مـن بـ ساحاتها المهمة... إعلامياً ونفسياً. عثمان ميرغني اشتداد الحملات الإعلامية على التقدم الذي أحرزه الجيشالسوداني في محاور بالعاصمة ومواقع أخرى

RkJQdWJsaXNoZXIy MTI5OTky