issue16745

Issue 16745 - العدد Wednesday - 2024/10/2 الأربعاء OPINION الرأي 14 دولة الرفاه ودور القطاع الخاص... سُلّم مازلو الـــــســـــؤال الـــــــذي يـــــــؤرق الـــكـــثـــيـــر مــــن الــفــاعــلــن السياسيي في العديد من دول الجنوب هو طبيعة الـــعـــاقـــة بـــن الـــطـــمـــوحـــات المُـــعـــبّـــر عــنــهــا مـــن طــرف مختلف فئات الشعب مـن جهة، وقـــدرة المؤسسات الدستورية والسياسية الحالية على التفاعل مع هــذه الآمـــال مـن جهة أخـــرى. هناك فجوة ملحوظة بـــــن حـــجـــم الـــتـــطـــلـــعـــات ومـــــحـــــدوديـــــة الـــســـيـــاســـات العمومية، وهي فجوة ما فتئت تتسع رغم الجهود التي تبذلها الحكومات على المستوى الاجتماعي. المفارقة تكمن في أنه كلما اتسعت رقعة الطبقة المتوسطة وارتـفـع الـدخـل واتـسـع هـامـش الحريات ازدادت التطلعات. يوضح هرم ماسلو لنا أن إرضاء جزء من التطلعات يولد تطلعات أكبر وأعقد. على سبيل المثال، استطاع المغرب خلل عقدين من الزمن مضاعفة ناتجه الداخلي الخام، حيث ارتفع الدخل الـــفـــردي وخــــرج الــعــديــد مــن عـتـبـة الـفـقـر وانـضـمـوا إلـى مـا يُسمى الطبقة المتوسطة. ازدادت تطلعات هؤلاء لأنهم لم يعودوا يهتمون فقط بلقمة العيش كما كان في السابق، بل بالأمور المتعلقة بالترفيه والـولـوج إلـى الخدمات والسفر، والجامعة والنقل وغيرها. وهــــــــــذا يــــعــــنــــي أن الانـــــضـــــمـــــام إلــــــــى الـــطـــبـــقـــة الـــوســـطـــى، خــصــوصــا فـــي شــرائــحــهــا الــدنــيــا الـتـي تتميز بالهشاشة، يُــولّــد تطلعات غالبا مـا تكون مصحوبة بخيبة أمــل كبيرة. لـهـذا، نجد أنــه كلما زاد الإنفاق على القضايا الاجتماعية، زاد الاحتقان عـلـى المــســتــوى الـشـعـبـي، لأن كـــل صــعــود فـــي سُـلّـم مـــازلـــو يُـــولِـــد طــمــوحــات أكـــبـــر. هـــذا لا يـعـنـي أنـــه لا يجب الاستمرار في الدعم الاجتماعي، ولكن يجب إعطاء دفعة قوية للقتصاد لتنويع الفرص المتاحة للأسر لتوسيع مصادر دخلها. لا تستقيم الدولة الاجتماعية دون اقتصاد حر وقوي، قادر على خلق الثروة وفرص العمل. على عكس ما يدّعيه منظرو التدخل الـقـوي لـلـدولـة، تتمثل الـدولـة الاجتماعية الحقيقية في الـتـوازن بي الاستثمار العمومي في القدرات الاجتماعية واقتصاد حر ودينامي يخلق فرصا مكملة للحماية الاجتماعية. لهذا، على الحكومة والبرلمان والـدولـة بشكل عـــام (فـــي دولـــة مـبـتـكِـرة عـلـى المـسـتـوى الاجتماعي والاقتصادي مثل المغرب) أن تجد توازنا من خلل قـانـون المالية بـن ضـــرورة تعبئة المـــوارد الجبائية من جهة، وإعطاء الفرصة للمبادرة الخاصة لخلق الثروة وفرص العمل من جهة أخرى. تتمثّل المقاربة الحالية في تقليص الضغط الجبائي على المقاولات المتوسطة والصغيرة، وتضريب الكبار، واستعمال الموارد المعبأة للستثمار في المجالات الاجتماعية. ولـكـن مــحــدوديــة هـــذه المــقــاربــة تكمن فــي اسـتـدامـة موارد الإنفاق المتعلق بالحماية الاجتماعية، ومدى الـقـدرة على تعبئة مـــوارد جبائية منتظمة وليس فقط هوامش محدودة في الزمن. ستستمر التطلعات في التفاقم طالما لم نجد توازنا حقيقيا بي تدخل الدولة ومساهمة القطاع الخاص، لأن هذه المعادلة هي الوسيلة المثلى لخلق أكــبــر عــــدد مـمـكـن مـــن الـــفـــرص وإيـــجـــاد تــكــامــل بي الدولة والمبادرة الخاصة. ولهذا، يجب تطوير الأدوات المتاحة للحكومة والــقــطــاع الــخــاص لمـواجـهـة ضـغـط الـتـطـلـعـات. في المغرب، كما في دول أخـرى، نجد آليات مثل قانون المــوازنــة، وتـدخـل البنك المـركـزي فـي ضبط معدلات الـفـائـدة وتـدبـيـر الـسـيـولـة، وإلـــى حــد مــا الـرأسـمـال الـثـابـت غـيـر الـعـمـومـي. ولــكــن هـــذه الآلـــيـــات ليست كـــافـــيـــة لإعــــطــــاء دفـــعـــة قـــويـــة لـــلـــمـــبـــادرة الـــخـــاصـــة. يــجــب تــطــويــر ســــوق الـــرســـامـــيـــل لــكــي تــســاهــم في تمويل الاقتصاد بشكل قـوي ومتنوع وتستجيب لــحــاجــيــات جــمــيــع الـــشـــرائـــح والـــقـــطـــاعـــات. ويـجـب تطوير المنتجات المالية لكي تصل إلـى مستويات الـــــــــدول الأخـــــــــرى مـــــن حـــيـــث المــــــرونــــــة، والـــفـــعـــالـــيـــة، والسرعة. ناهيك عن تسهيل العملية الاستثمارية من خـال توفير العقار، وتيسير التمويل البنكي، وتذليل العقبات البيروقراطية. إن فتح سوق العمل، والاستثمار في الرأسمال المــــؤســــســــي، ودعـــــــم تــعــبــئــة الاســـتـــثـــمـــار الــــخــــاص، وتطوير الجهات كأقطاب للتنمية، بالإضافة إلى انـــدمـــاج المـــغـــرب فـــي المـحـيـط الاقـــتـــصـــادي الـعـربـي، الأفــريــقــي، والأوروبــــــي، مــن شـأنـه أن يحقق نقاطا إضـافـيـةً عـلـى مـسـتـوى الـنـمـو، مـمـا سـيـكـون لــه أثـر إيجابي على التشغيل والثروة، ويساهم أيضا في إعطاء دينامية أكبر للقتصاد، والتجاوب مع جزء كبير من هذه التطلعات. أثــبــتــت الـــتـــجـــارب الـــدولـــيـــة أن دولـــــة الـــرفـــاه لا يـمـكـنـهـا الــنــجــاح دون مـسـاهـمـة مـــن قــطــاع خــاص يـتـمـيـز بـــالـــقـــوة، والــفــاعــلــيــة، والــــقــــدرة عــلــى إيــجــاد الــحــلــول. الـقـطـاع الــخــاص فــي المـــغـــرب، عـلـى سبيل المـــثـــال، لا يــــزال يـعـتـمـد فـــي جـــزء مـنـه عـلـى الـــدولـــة، فــمــا بـــالـــك أن يـــكـــون فـــاعـــاً أســاســيــا فـــي الــتــجــاوب مـع تطلعات المـواطـنـن. نــرى كيف أن هــذا أدى إلى تــنــامــي دور الاســتــثــمــار الــعــمــومــي، حــيــث بــلــغ في مــلــيــار دولار، بينما 34 عــهــد الــحــكــومــة الــحــالــيــة تظل مساهمة الاستثمار الـخـاص مــحــدودة. نعم، هـــنـــاك عـــراقـــيـــل وعـــقـــبـــات يــجــب تـذلـيـلـهـا لتشجيع مساهمة القطاع الخاص؛ ومن شأن إنشاء آلية مثل «صـنـدوق محمد الـسـادس للستثمار» أن تساعد في تعبئة الرأسمال الخاص للمساهمة في عملية التنمية وخلق الثروة وفرص العمل. مـــا هـــو أســـاســـي هـــو أن الـــدولـــة الاجـتـمـاعـيـة الحقيقية لا تكتمل دون اقتصاد حر قوي ودينامي يكمّل دور الدولة في تلبية تطلعات المواطني. لحسن حداد عن خرافات القوة الناعمة مــــن أســــــوأ مــــا يــبــتــلــى بــــه عـــمـــوم الــــنــــاس وصـــنـــاع السياسات أن تُقتلع آراء مـن سياقها اقتلعا فتسلط عليهم، وكـأنـهـا بـاتـت مــن قــوانــن الطبيعة ونـوامـيـس الــكــون، فتتمتع بحصانة الاسـتـنـاد إلـــى أســمــاء رنـانـة وتقارير واسعة الانتشار ومؤشرات ومقاييس تلبسها رداء العلم. ومن المفاهيم السيارة في الملعب الدولي ما يـتـردد عما يسمى الـقـوة الناعمة وقـدرتـهـا على إقناع الآخـــريـــن وتـشـكـيـل تـفـضـيـاتـهـم واجــتــذابــهــم وتغيير سلوكهم، من دون اللجوء إلى العنف، وذلك باستخدام أدوات متنوعة للثقافة والفنون وغيرهما. والدولة ذات القوة الناعمة من المفترض أن تحقق التغييرات المرجوة لها دون استغلل لتفوقها العسكري بـــالـــحـــرب، أو لــقــدراتــهــا الاقــتــصــاديــة بـتـقـيـيـد الــتــبــادل الــتــجــاري والاســتــثــمــارات الـبـيـنـيـة وحــركــة الـعـمـالـة أو فــرض حظر وعـقـوبـات تـجـاريـة ومـالـيـة. والــدولــة بذلك يتحقق لها المــراد دون إجبار لغيرها، وفقا لـرأي عالم السياسة الأمـيـركـي جـوزيـف نــاي الـــذي شغل مناصب تنفيذية فـي الإدارة الأمـريـكـيـة، كما كــان عميداً لكلية كينيدي بجامعة هارفارد. والــــقــــوة الـــنـــاعـــمـــة، وفـــقـــا لـــجـــوزيـــف نــــــاي، لـيـسـت يـــســـيـــرة الاســــتــــخــــدام دائــــمــــا؛ فــمــنــهــا مــــا لا يـــقـــع تـحـت سيطرة الحكومة المركزية وتوجيهاتها المباشرة، كما أن تأثيراتها غير مباشرة وعـادة ما تأخذ وقتا طويلً حتى تتشكل وتـتـطـور وتـحـدث التأثير المـطـلـوب. كما نـدرك أن من الأدوات الثقافية والفنون ما قد لا يحظى بقبول الآخــر، وقـد يثير استهجانا ونـفـوراً. ولنا فيما كان من بعض ما تم عرضه في افتتاح أولمبيات باريس الأخيرة مَثلٌ. ويـجـدر بنا الاسـتـنـاد إلــى الـــرأي السديد للعلمة ابــن خـلـدون الــذي لخّصه فـي عـنـوان فصل فـي مقدمته الشهيرة «في أن المغلوب مولع أبداً بالاقتداء بالغالب في شعاره وزيـه ونحلته وسائر أحواله وعـوائـده». ووفقا لـهـذا؛ فمن العبث الالتفات إلـى مـا يـروّجـه البعض عن القوة الناعمة، فيسلخونها منفردة من عناصر القوة الشاملة وعماديها الرئيسيي في الــدول والمجتمعات ذات الاعتبار فـي المـاضـي والحاضر والمستقبل، وهما تقدم الاقتصاد ومتانته، وقوة آلة الدفاع ومنعتها. ومن البديهي ألا يتقدم اقتصاد أي دولة، أو يُطمأن إلى أمنها واستقرارها، إلا بامتلكها ناصية علوم العصر وفنونه وآدابه. إذن، فهي القوة الشاملة التي يجب أن يعوّل على عناصرها مجتمعة ومكتملة ومتعاضدة، لا بديل عن الناعم الأملس منها أو الصلد الخشن. وما أرى كثرة ترديد مُبالَغ فيه لمآثر القوة الناعمة فــي بــلــدان إلا عـنـد افـتـقـادهـا لعنصري المـنـعـة، والـقـوة الاقتصادية التي لن تجدي، في غيابهما، أي قوة ناعمة نفعا. كما أن القوة الناعمة لن تحقق أثرها إلا إذا أدرك المخاطب بها أن وراءها قوة ردع، وهجوما إذا اقتضى الأمر لتحمي مصداقية استخدامها. ولا يفيدنا أنصار القوة الناعمة بكيفية قيامها منفردة بتغيير السلوك لمن لا يريد طوعا تغييره، ولا يخبرونا بطرائق معتمدة لتبيان أثرها المرتبط بها وحدها، ولا بأسلوب لتتبع فـاعـلـيـتـهـا مـنـذ تــدشــن هـــذه الـــقـــوة حـتـى تـبـلـغ هدفها المراد. لـــم تــغــب حــتــمــا خــصــائــص ومـــعـــالـــم تـــنـــوع الــقــوة الـنـاعـمـة البريطانية عــن بـاتـريـك بــورتــر، أســتــاذ الأمــن الدولي والاستراتيجية بجامعة برمنغهام البريطانية، وهـــو يـكـتـب مـقـالـه عــن المــؤشــر الـــدولـــي لـلـقـوة الناعمة وتصنيفاته للدول بي متقدم ومتأخر. فهو لا يحتفي بـــأن بــــاده تـتـقـدم فـــي هـــذا المـــؤشـــر، ووضــعــهــا الــدولــي الـفـعـلـي بمعايير الامــتــيــاز والـسـبـق الـــدولـــي متراجعة عما كانت عليه عند أزمة السويس 2024 نسبيا في عام ، عندما ظهر جليا أن الغلبة في المعترك 1956 في عـام الدولي لم تعد لبريطانيا، بل كانت للرئيس الأميركي دويـــــت أيـــزنـــهـــاور الـــــذي «أقــنــعــهــا بــنــعــومــة» بـالـتـفـوق الــعــســكــري والاقـــتـــصـــادي لـــبـــاده. ولــــم تــــزل بـريـطـانـيـا صـاحـبـة الإرث الـتـاريـخـي الـعـريـق تـبـاهـي بــه مبانيها ومتاحفها، وتتنوع مظاهر ما يمكن إطلق عليه قوى نـاعـمـة مــن كـــرة الــقــدم إلـــى فــنــون الـشـاشـتـن الصغيرة والـكـبـيـرة والمـــســـرح، ومـــا زالــــت تــخــرج أهـــم مطبوعات الــصــحــافــة ومــنــتــجــات الإعـــــــام. ولـــكـــن هــــذا كـــلـــه، وفـقـا لبورتر، في ميزان القوة ما هو إلا «بلسم نفسي» لآثار تراجع الوجود المادي للقوة. إن ما يعول عليه ويستند إليه هو القوة الشاملة فـي سـبـاق الأمـــم. ولـنـا فـي سـقـوط الاتـحـاد السوفياتي بـــآلـــتـــه الـــعـــســـكـــريـــة الـــرهـــيـــبـــة مــــن دون طــلــقــة رصــــاص واحــــدة تـوجـه لكيانه عِــبــرة. فـقـد غـــاب عـنـه مـقـوم مهم مـن مـقـومـات الـقـوة وهــو متانة الاقـتـصـاد وتنافسيته وتطوره، بسبب سياسات قضت على بواعث المنافسة وإقدام القطاع الخاص، وكبح الأفكار الخلقة والإبداع فـــي مـجـتـمـع مـــع تـكـبـيـل الـــحـــريـــات. فــهــل انـــعـــدمـــت من الــســوفــيــات آلـتـهـم الـعـسـكـريـة والـــنـــوويـــة الــغــاشــمــة، أو منعت رقـصـات البولشوي، وهــي بالمناسبة محسوبة من القوى الناعمة؟ إنها حقا القوة الشاملة التي إن غاب أحد عناصرها تعطلت باقي عناصرها وكأنها لم تكن ناعمة أو خشنة على السواء. لمــثــل هــــذا وجّـــــه مـــاريـــو دراجــــــي مــقــولــتــه المـــحـــذّرة لـاتـحـاد الأوروبـــــي بـأنـهـم عـرضـة «لـتـهـديـد وجــــودي». وهـــــذا مـلـخـص لـلـتـقـريـر الـــــذي أشـــــرف عـلـيـه بــأنــهــم إن لـــم يـــأخـــذوا بــأســبــاب الاســتــثــمــار للتعجيل بـالابـتـكـار والـتـطـويـر لـدفـع الـنـمـو، وإن لــم يستثمروا فــي الطاقة الـــجـــديـــدة والمـــتـــجـــددة، وإن لـــم يـسـتـثـمـروا فـــي تـطـويـر صناعات المستقبل والدفاع ومقومات التحول الرقمي فمستقبلهم مهدد. قد يرى أبناء عالم الجنوب بنظرتهم لأوروبـــا أن لها مـن أوجــه التقدم والـثـراء والـحـريـات ما يكفيها، ولكن يقول المتنبي: ولم أرَ في عيوب الناس شيئا كنقص القادرين على التمام فما بالك بمن توقف في سباق الأمم عند منتصف المضمار حائراً، بل ما بالك بمن لم يبدأ بعد في السباق، مـنــفــقـا قــــدرتــــه فــــي اقـــتـــفـــاء آثــــــار الــســابــقــن ومـاضـيـهـم السحيق، أو في ندم لعدم اللحاق بالمتقدمي. محمود محيي الدين لماذا على لبنان دفع فاتورة التشظي؟ دمــــــــرت حــــــرب الــــتــــوحــــش عـــلـــى غــــــزة الــــــــذراع الفلسطينية فـي المــشــروع الإيــرانــي للتسلط على المـنـطـقـة. هـــذه الـحـقـيـقـة لا تـتـبـدل ولا تـتـغـيـر، مع قذيفة من هنا وطلقة من هناك، تمنح العدو المزيد من الفرص الانتقامية. ليشهد النصف الثاني من شـهـر سـبـتـمـبـر (أيـــلـــول) المـــاضـــي اجـتـيـاحـا جـويـا للبنان، إذ وضع العدو في التنفيذ مخطط القضاء عـلـى الهيكل الـقـيـادي لـــ«الــحــزب» وتـدمـيـر معظم قـوتـه الــنــاريــة، فتتالت الاســتــهــدافــات وتـــم تدمير الكثير من الصواريخ في مخازنها. بـــــــدأ المــــخــــطــــط المــــســــتــــنــــد إلـــــــى أوســـــــــع خــــــرقٍ 17 استخباراتي وأمـنـي، يـوم «الـنـداء القاتل» فـي سبتمبر، بـاغـتـيـال حـسـن نـصـر الـلـه يـــوم السابع والـعـشـريـن مـنـه. بينهما قـتـل الــعــدو كــل المتبقي من عناصر القيادة العسكرية العليا الأعضاء في مجلس الجهاد، ما صدّع قدرات «حزب الله» على الـقـيـادة والـسـيـطـرة، فاستكملت إسـرائـيـل مرحلة اصـطـيـاد الــكــوادر العسكرية والـقـيـادات الميدانية وقوات النخبة. وهي تواصل هذه المهمة، ويتتالى سـقـوط الــقــيــادات تـحـت وطـــأة الـقـصـف المتصاعد الذي قد يستمر عدة أشهر. لكن الأخطر في نتائج الاجتياح الجوي، الذي تحول إلى هجومٍ بري، منذ ساعات الفجر الأولى ليوم الثلثاء أول أكتوبر (تشرين الأول)، ولا أحد يعرف حجمه، أنه حول لبنان إلى مقبرة مفتوحة آلاف جريح 6 مع أكثر من ألفي ضحية وأكثر من خــال الأيـــام القليلة الـتـي سبقت الـهـجـوم الـبـري. وتـــحـــت ضــغــط الــتــدمــيــر وركــــــام بـــلـــدات الــجــنــوب والـتـهـديـد بـالـقـتـل الـجـمـاعـي، أُرغــــم الأهـــالـــي على أكبر تهجير قسري طـال نحو مليون مـواطـن، مع تشتيت فـي الـبـقـاع، لتشكل الـضـربـات الانتقائية لــــ«أهـــداف» فـي مناطق كـانـت تُـعـد «آمــنــة» ضغطا لتهجير متكرر؛ لأنها أوقـظـت الكثير مـن أسباب الحذر في تلك المناطق. ولـئـن كـانـت آلـــة الــحــرب الصهيونية الثالثة عـلـى لـبـنـان، تـهـدف إلـــى خـلـق وقــائــع عـلـى الأرض فــي جــنــوبٍ فــــارغٍ مــن أهــلــه، تمنع التفكير لعقود 7« مستقبلية بــأي إمكانية لأي شـكـلٍ مـن أشـكـال أكـــتـــوبـــر»، فـــإن مـخـطـط الـــعـــدو المـعـلـن يــحــول دون الــــعــــودة حـــتـــى انـــتـــهـــاء الــــحــــرب، لــيــتــحــول جــمــوع المقتلعي من أرضهم إلـى رهائن بيد العدو الذي يقرر وحـده مصيرهم (...) كان لبنان الرسمي قد تعامى عن مسؤوليته وواجبه الأخلقي في حماية الأرواح، عندما أُبلِغ قبل أشهر من الفرنسيي أن نتنياهو يضع على طاولته خطة شـارون للحرب . وكانت تفترض الوصول 1982 على لبنان في عام إلى نهر الأولي شمال صيدا، فوصل الاجتياح إلى العاصمة بيروت. وكان الادعـاء أن المهمة ستُنجز ســنــة، وقـد 18 خـــال أيــــام فـبـقـي الــعــدو فــي لـبـنـان يتكرر ذلك الآن! بـمـعـزل عــن إمـكـانـيـة إنــــزال خـسـائـر بـالـعـدو، فــــإن مــفــاعــيــل بــالــغــة الـــخـــطـــورة قـــد تــتــرتــب لاحـقـا على التهجير الثاني الكبير لأبناء الجنوب، نظراً لهشاشة المجتمعات اللبنانية المضيفة، وضعفها الشديد نتيجة المنهبة والإفقار المبرمج الذيضرب لـــبـــنـــان. بــعــد الاحـــتـــضـــان والـــتـــضـــامـــن المـجـتـمـعـي الكبيرين للمهجرين، فإن الأرض قد تكون جاهزة لـخـلـق تـــوتـــرات وانــــعــــدام اســـتـــقـــرار وهـــــزّ الـنـسـيـج الاجـــتـــمـــاعـــي فــــي مـــنـــاطـــق الــتــهــجــيــر، الــــــذي سـبـق وأن هـزه الـوجـود الهائل للجئي. لذلك قـد يترك الـوضـع المستجد تـداعـيـات مقلقة على الاجتماع اللبناني وهو في رأس أولويات العدو الذي يعمل لجنوب شبه فـــارغ مـن أهـلـه، وربـمـا أهــدافــه أبعد وأخطر وتطول المياه! فـضـحـت فـاجـعـة الـتـهـجـيـر الــتــي سـبـقـت بـدء الــغــزو، السلطة المتشظية المتهالكة وكـشـفـت عن عـقـم سـيـاسـي لــديــهــا، وهـــي تــــدرك بـالـعـمـق أن ما يـــلـــوح بـــالأفـــق أكـــثـــر مـــن خــطــيــر، ســـــواء بـالـنـسـبـة لمصير أعــداد كبيرة من المواطني، أو لمـآل مناطق لا قـدرة على إعــادة إعمارها وتمتد حتى الآن من الــجــنــوب إلـــى أجــــزاء واســعــة مــن ضـاحـيـة بـيـروت الجنوبية وصـولاً إلى بعلبك، قد يكون مصيرها شــبــيــهــا بـــمـــا عــلــيــه مـــــدن ســــوريــــة فــــي الــغــوطــتــن والقلمون! والأخطر أن هذا الثنائي الـذي ارتضى دور ساعي البريد بي أصحاب المبادرات و«حزب الــــلــــه»، رفــــض بـتـعـنـت إعـــــان فــصــل الـــجـــنـــوب عن غـزة، وتمسّك بمقولات خشبية من نـوع أن لبنان ، فيما المـطـلـوب خطوة 1701 يـؤيـد الــقــرار الــدولــي حــاســمــة لـلـتـنـفـيـذ الـــجـــدي كــانــت تــفــتــرض إرســــال قوات إضافية من الجيش إلى الجنوب. كما تعامى عـن قـــراءة الـتـطـور الـــذي بــرز فـي انـقـاب كبير في سياسات إيران. في بداية «طوفان الأقصى» كـان الوعيد لغة الـلـهـيـان، لـكـن الإدراك الــاحــق لـلـقـيـادة الإيــرانــيــة أن متغيرات كبيرة تتبلور جعلت مـجـرم الحرب نـتـنـيـاهـو يـسـقـط كــل مـــبـــادرات الــهــدنــة، فـسـارعـت لملقاة التحول الجديد ومحاكاته. وبـــعـــد كـــل هــــذا فــلــمــاذا عــلــى لــبــنــان المـــوجـــوع والمــــنــــهــــك أن يـــتـــحـــمـــل فــــــاتــــــورة تـــشـــظـــي «مـــحـــور المـمـانـعـة»؟ وألا يمكن بـعـد إطـــاق بـقـايـا السلطة مـــبـــادرة سـيـاسـيـة تـعـكـس رغـــبـــات الأكـــثـــريـــة الـتـي رفضت أخذ لبنان إلى حربٍ مدمرة؟ حنا صالح متغيرات كبيرة تتبلور جعلت مجرم الحرب نتنياهو يسقط كل مبادرات الهدنة

RkJQdWJsaXNoZXIy MTI5OTky