issue16745

على عتبات فـتـرة رئـاسـيـة أميركية جـديـدة، مثيرة وخطيرة، عادت وزيرة الخارجية الأميركية الـــســـادســـة والـــســـتـــون، كـــونـــدولـــيـــزا رايــــــس، الـتـي شغلت منصبها في إدارة بوش الابن الثانية في لتطل على الأميركيين 2009 إلى 2005 الفترة من مرة جديدة، بقراءة تستدعي تأملاً عميقاً، سواء بالاتفاق معها، أو الافتراق عنها. اســــم رايـــــس يـــكـــاد يــضــحــى غــيــر مــقــبــول ولا مرغوباً من القارئ العربي عامة، والشرق أوسطي خـــصـــوصـــ ، لا سـيـمـا أنــــه يُـــعـــزى إلــيــهــا مـــا عُـــرف باستراتيجية «الـفـوضـى الـخـ قـة» الـتـي بـشّـرت بـهـا، وقـــادت فـي نهاية الأمـــر إلــى الـنـار والــدمــار؛ الإرث سيئ السمعة لمـا عُــرف بـ«الربيع العربي» المغشوش، وإن كانت هذه قصة أخرى. في العدد قبل الأخير من مجلة «فورين آفيرز» الأميركية ذائعة الصيت، التي تصدر عن مجلس الـــشـــؤون الـخـارجـيـة فــي نــيــويــورك، عـقـل التفكير الــنــابــض لـلـسـيـاسـات الـخـارجـيـة الأمــيــركــيــة، بـدا وكأن رايس تعيد قراءة المشهد العالمي، وتقاطعات السياسات الأميركية من الصين إلى روسيا، ومن إيـــران إلــى إسـرائـيـل، تـصـول وتــجــول، وهــي التي تدير حالياً «مؤسسة هوفر» بجامعة ستانفورد الأميركية العريقة، حيث كرست حياتها «راهبة» فـــي مـــحـــراب الــعــلــم، بــعــد أن اسـتـغـنـت عـــن الــــزوج والولد. مــا يهمنا فــي طـرحـهـا الـــذي يـتـوجـب قـراءتـه بعمق، حديثها عن فرسان نهاية العالم الأربعة. والــشــاهــد أنـــه بـمـجـرد ســمــاع هـــذا الـتـعـبـيـر، تــمــضــي الـعـقـلـيـة الأمـــيـــركـــيـــة الـــدوغـــمـــائـــيـــة بـنـوع خــــــــاص، إلــــــى الـــفـــكـــر الـــــــرؤيـــــــوي، حـــيـــث الـــنـــصـــر، والــحــرب، والمـجـاعـة، والمــــوت، هـي عـ مـات العالم الأبـــوكـــالـــيـــبـــســـي، وهـــــو شـــــأن يــتــســق مــــع مــفــكــرة أمـــيـــركـــيـــة والــــــدهــــــا قـــــس يـــنـــتـــمـــي إلــــــى الــكــنــيــســة المشيخية، الـتـي تـؤمـن بتمام الـــرؤى وتحقيقها، والنبوءات وإدراكها. غــيــر أن الـحـقـيـقـة الـــتـــي تـتـكـشـف لـلـراسـخـ فـي الـعـلـم، ومــن لهم دالـــة على سبر أغـــوار رايـس الفكرية، وهي عميقة بالفعل مهما اختلفنا معها، تقودنا إلى منظومة رباعية أخرى مختلفة تماماً، قوامها الشعبوية، والنزعة القومية، والانعزالية، والحمائية، وترى أن هؤلاء الفرسان الأربعة، عادة ما يميلون إلى الركوب معاً، ويشكلون في غالب الأمر أدوات الوصول إلى نهاية لعالمنا المعاصر. المــقـال الـرئـيـس الـــذي أوردت فيه رايـــس ذكر هؤلاء الفرسان، كان يتناول شأن أميركا القادمة، وسـواء كان سيد البيت الأبيض الجديد، دونالد ترمب، أو سيدة القصر كامالا هاريس، ورؤيتها لفكرة الانعزالية عن العالم أو الاندماج معه. حديث الانعزالية في الداخل الأميركي، ليس بــحــديــث جـــديـــد، فــقــد عـــرفـــت الــــولايــــات المــتــحــدة، تــحــديــداً فــي الـنـصـف الأول مــن الــقــرن الـعـشـريـن، سـيـاسـات انــعــزالــيــة، اسـتـرجـعـت دعــــوات مــن أول رئيس للبلاد، وأحد رموز الآباء المؤسسين الكبار، الـــجـــنـــرال جــــــورج واشـــنـــطـــن، حـــيـــث نـــصـــح بــعــدم التلاحم مـع مشكلات العالم الخارجي ومـع وراء البحار. غير أن هـذه الـدعـوة تكاد تكون تلاشت بعد دخـول الـولايـات المتحدة الحرب العالمية الثانية، واســتــمــرت طــــوال أربــعــة عــقــود تـقـريـبـ ، هــي عمر الــحــرب الـــبـــاردة، وتـالـيـ استعلنت أمـيـركـا قطباً منفرداً، عبر النظام العالمي الجديد الذي بشر به جورج بوش الأب. فـي أطروحتها، تشاغب رايــس أيقونة الفكر الانــــعــــزالــــي، وبـــطـــريـــق غـــيـــر مـــبـــاشـــر تـــلـــوح لـفـكـر تـــرمـــب، وتـــحـــذر مـــن أن هـــنـــاك دعـــــوات مـــن جـانـب الــديــمــقــراطــيــ كــذلــك لــلــمــزايــدة عــلــيــه، مـــا يعني تراجع أميركا لتتمترس وراء محيطين. هنا تقطع رايس بأن الولايات المتحدة وحدها قادرة على مواجهة فرسان العالم الجدد الأربعة، ومقاومة ما سمته «إغراء العودة إلى المستقبل». الـــفـــرســـان الأربــــعــــة الـــذيـــن تــنــاولــتــهــم رايــــس، يــكــاد يــكــون صـوتـهـم بـالـفـعـل هــو الأعــلــى عـالمـيـ ، ولـيـس أمـيـركـيـ فـقـط، فـــأوروبـــا تمضي كـذلـك في طريق النزعة القومية، وتتصاعد فيها التيارات الـــشـــعـــبـــويـــة، حـــيـــث تــمــكــنــت مــــؤخــــراً مــــن إحــــــراز نجاحات برلمانية ملحوظة، وقد تسود وتستعلن شموليتها خلال سنوات، وفي هذا الإطار تضحى ســيــاســات الـحـمـائـيـة الاقــتــصــاديــة فــرضــ ولـيـس نـافـلـة، مــا يـقـود فــي نـهـايـة المـشـهـد إلـــى حـالـة من الانعزالية. تطالب رايس بتوفير الدعم لسياسة أميركية أممية خارجية، غير أن هـذا يتطلب مـن الرئيس الـــقـــادم أن يــرســم صــــورة حـيـة لمـــا قـــد يــكــون عليه العالم بدون الولايات المتحدة. غير أنه ليس سراً القول إن ترمب وهاريس، ومــــن خــــ ل مـتـابـعـة مـحـقـقـة ومــدقــقــة لمـنـاظـرتـهـم اليتيمة، وصراعاتهما الزاعقة، تغيب عنهما رؤية تقدمية لسياسات خارجية فاعلة وناجزة، تعيد لواشنطن قصب السبق من جديد. ســـيـــادة فـــرســـان رايـــــس الأربــــعــــة فـــي الـــداخـــل الأميركي، سيدفع بوتين وشي - حسب تقديرها - بعد هزيمتهما لأوكرانيا إلـى غزوهما التالي، وسوف تحتفل إيران بانسحاب أميركا من الشرق الأوســــط، وتـعـيـد دعـــم وكـ ئـهـا، وســـوف يضعف الاقتصاد الـدولـي، مما يضعف النمو الأميركي، كما ستصبح المياه الدولية محل نــزاع، مع وقف حركة البضائع بسبب القرصنة. تبدو تحديات الرئيس الأميركي القادم ليست داخلية فحسب، بل هي أممية خارجية بالأكثر... أي أميركا ننتظر؟ تصحيح... أم مزيد من الفوضى؟ تتوالى الأحـــداث على منطقتنا تـوالـي الليالي، لكن دون اليوم التالي سياسياً. كل حدث يزيد المشهد تعقيداً عما سبق، ولا حلول، وكـأن كل شـيء يحدث بمنطقتنا هو رد فعل فقط حيث لا أفق سياسي. قتل حسن نصر الـلـه، وبعد آخـر خطاب تحدى فيه إسرائيل بأن تقوم بعملية برية. صفّته إسرائيل في اختراق استخباراتي غير مسبوق، ومعه قيادات لـــم تـكـشـف هـويـاتـهـا بــعــد، وهـــا هـــي إســرائــيــل «تـــدك لبنان»، حسب وصف «رويترز». قتل نصر الله ورحبت واشنطن، بكافة قياداتها السياسية، معتبرة أن «العالم أكثر أمناً»، وهو الأمر الــذي لـم يحدث يـوم صفّت الـولايـات المتحدة نفسها الجنرال الإيراني قاسم سليماني، وبأمر من الرئيس السابق ترمب. اليوم تضرب إسرائيل، لبنان، جنوباً، وتحاصر الـضـاحـيـة الجنوبية بـالـصـواريـخ، معقل نـصـر الله و«حــــزب الـــلـــه»، كـمـا ضــربــت الــحــديــدة، وتـجـثـم على صــــدر غـــــزة، حــيــث لا نــفــس ولا صـــــوت، وطــائــراتــهــا وصواريخها، أي إسرائيل، تجوب سماء دمشق. يـــــحـــــدث كــــــل ذلـــــــــك، وكـــــــل أفــــــعــــــال واشـــــنـــــطـــــن، لا تصريحاتها، تدعم ما يفعله نتنياهو الـذي خاطب الـــعـــالـــم مــــن الأمــــــم المـــتـــحـــدة بـــخـــطـــاب حــــــرب، ويـفـعـل المستحيل الآن لجر إيران إلى هذه المعركة، وذلك على أمل إقحام الولايات المتحدة بها. اليوم خطة نتنياهو واضحة، وهي قطع «أذرع الأخــــطــــبــــوط»، أي المــيــلــيــشــيــات الإيــــرانــــيــــة، و«مـــبـــدأ الأخطبوط» قديم كشفعنه رئيسالوزراء الإسرائيلي الأسبق نفتالي بنيت، واليوم يفعله نتنياهو لأسبابه الخاصة، ولأسباب أمنية إسرائيلية. فيما مضى كـان نتنياهو شريكاً بتمدد «أذرع الأخــــطــــبــــوط»، حـــيـــث فـــضـــل أن تُـــضـــعِـــف «حــــمــــاسُ» السلطةَ، وأن يضعف «حـزب الله» الـدولـة، وأن يبقى الأســـــد ضـعـيـفـ بـــســـوريـــا الآمـــنـــة حــــدوديــــ بـالـنـسـبـة لإسرائيل. ومـنـذ أن انـكـشـف مــشــروع إيــــران الــنــووي كانت إســــرائــــيــــل نــتــنــيــاهــو قـــلـــقـــةً، لــكــنــهــا تـــــرى أن «أذرع الأخطبوط» مهمة تكتيكياً لتأخير مستحقات السلام والدولة الفلسطينية، إلى أن جاءت عملية السابع من أكتوبر التي كسرت الردع الإسرائيلي، وكانت بمثابة سبتمبر إسرائيلية. 11 هـــنـــا بـــــات الـــخـــطـــر وجـــــوديـــــ ، وأدرك نـتـنـيـاهـو أنـــه الــرجــل الــــذي سيكتب الــتــاريــخ بــأنــه قـــوى «أذرع الأخطبوط»، وكسر هيبة إسرائيل، ولذا فإن نتنياهو الآن ينتفض على نفسه على أمل أن يكتب التاريخ أنه الرجل الذي قطع «أذرع الأخطبوط»، وحاصر إيران. الواضح اليوم أن نتنياهو قرر الانطلاق من عام ، حيثسقوطصدام حسينوصعود الميليشيات، 2003 عام تغول الجماعات على الدول، والسؤال هل يقصد نـتـنـيـاهـو ذلــــك؟ أم هــي اسـتـراتـيـجـيـة أمـيـركـيـة أوكــل لنتنياهو تنفيذها بعد السابع من أكتوبر؟ نتنياهو يقول بالأمس: «نحن في ذروة المواجهة مــع مــحــور الــشــر الإيــــرانــــي»، وجـغـرافـيـة هـــذا المـحـور معلومة، وكما أسلفت، حطمت إسرائيل، غزة، والآن لبنان، وتـسـرح وتـمـرح بسوريا، وتـضـرب الحديدة، وربما العراق لاحقاً، بمعنى أننا أمام صراع مفتوح مع المنتجات المطورة ما بعد سقوط صدام. الـــســـؤال الأســــاس هــنــا: هــل هـــذه اسـتـراتـيـجـيـة، أم رد فـعـل؟ هـل مـن خطة لليوم الـتـالـي، أم مـزيـد من الفوضى؟ الإشكالية أن المشروع الإسرائيلي تدميري مثله مثل المشروع الإيـرانـي. فهل من مشروع بديل؟ هل من التقاط للفرص، وكل أزمة فرصة، كما يقال؟ ربّما كان اللبنانيّون يطوون الصفحة ، مع الغزو الإسرائيليّ 1982 التي فُتحت عام ونشأة «حزب الله» كطرف مسلّح. عاماً) شكّلت 42( والحال أنّ تلك المرحلة أعنف تهديد وجــوديّ للوطن اللبنانيّ في عــمــره الاســتــقــ لــيّ الـقـصـيـر الــــذي يــقــلّ عن ضـعـف المــرحــلــة المـــذكـــورة. لــكــنّ اللبنانيّين يـــخـــدعـــون أنــفــســهــم حـــ يـــذهـــبـــون إلــــى أنّ المــــــــرارة بــــــدأت مــــع «حــــــزب الــــلــــه»، وأنّ طـــيّ صفحته يطوي أسباب نزاعهم حول معنى وجودهم السياسيّ وطبيعته. ونحن ربّما أصبنا قدراً أكبر من الحقيقة إذا نظرنا إلى ذاك الـحـزب، نشأةً ودوراً، بوصفه تتويجاً لبؤسنا، لا تأسيساً له. فـكـمـا هـــو مـــعـــروف، شـهـد الـلـبـنـانـيّـون ، مـــــع الـــصـــعـــود 1958 نـــــزاعـــــ ضـــــاريـــــ فـــــي الـنـاصـريّ، ثـمّ انفجر نــزاع أشــدّ ضــراوة في حـــول المـقـاومـة الفلسطينيّة، وهـــذان 1975 سـبـقـا «حــــزب الــلــه» والمـــأســـاة الــتــي تـفـرّعـت عـن وجـــوده، والـتـي قـد تستكملها العمليّة الإســرائــيــلــيّــة الـــبـــرّيّـــة «المــــحــــدودة» الــتــي قد تكون حبلى بالمفاجآت. لكنّ القاسم المشترك بينالتجارب الثلاث هــو رفـــض الـنـظـر إلـــى لـبـنـان بـوصـفـه وطناً ينبثق قــــراره مــن تـقـديـر شـعـبـه لمصالحه، والنظر إليه بوصفه ساحة لصراع يتعدّاه ويــتــحــرّك عـلـى إيـــقـــاع الـــنـــزاع مـــع إسـرائـيـل والغرب. ودائماً عبّر أنصار نظريّة الساحة عــن الـتـقـاء تـيّـاريـن نـابـذيـن لـلـدولـة – الأمّـــة الـلـبـنـانـيّـة، واحـدهـمـا إمـــبـــراطـــوريّ يتعدّى الوطن ودولته، والثاني أهليّ وطائفيّ أقلّ من الدولة الوطنيّة وأدنى. وكـــان مــا يـزيـد المـــــرارةَ مـــــرارةً، وقابليّة للانفضاح في آن، أنّ النظريّة تلك لم تبرأ من استخدام البلد على نحو سينيكيّ صارخ. فمع حافظ الأسد خصوصاً، هو الذي أحكم إغــ ق جبهة الـجـولان، حُـــوّل لبنان المسلّح إسفنجة دمـويّـة تمتصّ تناقضات النظام الـسـوريّ، ثـمّ مع النظام الخمينيّ الإيـرانـيّ وفّــر «حــزب الله» للنظريّة إيّـاهـا أنياباً من حــديــد. وفـــي آخـــر فــصــول الاســتــبــاحــة، بما تـنـطـوي عليه مــن انـتـهـاك لـلـسـيـادة وخلط لـــلـــحـــدود، هُـــــدّدنـــــا فــــي الأســـابـــيـــع المــاضــيــة بقوافل من الجوار تنوي «إسنادنا» (بعدما سبق لها ولمثيلاتها أن «أســنــدت» الشعب السوريّ ضدّ «مؤامرته» على نفسه). لـقـد قــدّمــت مـصـر، وهـــي بالطبع أعــرق الــــــدول الـــعـــربـــيّـــة فـــي تــقــالــيــد الــــدولــــة، مـثـً يُستحسن باللبنانيّين أن يتأمّلوه. فهناك، ، مـــصـــريّـــون يـــعـــارضـــون 1979-1978 مـــنـــذ معاهدة كامب ديفيد، ويناوئون السياسات الـــتـــي نــجــمــت عـــنـــهـــا. لـــكـــنْ مــــا مــــن أصـــــوات مصريّة وازنــة تطالب بإلغاء تلك المعاهدة إذا تــرافــق الإلــغــاء مــع الــعــودة إلـــى الـحـرب، وبـــالـــتـــأكـــيـــد لـــيـــســـت هــــنــــاك قــــــوى مـــصـــريّـــة مـسـتـعـدّة لــخــوض حـــرب أهــلــيّــة فـــي سبيل إلغائها. وبالمعنى نفسه يمكن للبنان المستقرّ أن يـحـتـفـظ بــتــأيــيــده الــشــعــب الفلسطينيّ وحقّه في الدولة، وبنقده سياسات إسرائيل وتـوجّـهـاتـهـا، وأن يــقــدّم مــا يستطيعه من دعـــــم ســـيـــاســـيّ وديـــبـــلـــومـــاســـيّ وإعــــ مــــيّ للفلسطينيّين. لكنّ زجّ البلد في الحرب أو الاحــــتــــراب، مــــرّة بـعـد مـــــرّة، كــرمــى للقضيّة الـــفـــلـــســـطـــيـــنـــيّـــة، أو لأيّــــــــة قـــضـــيّـــة تـــوصـــف بــــ»الـــتـــحـــرّر الــــوطــــنــــيّ»، هــــو مــــا يــــرقــــى، فـي أنــظــار كـثـيـريـن، إلـــى جـريـمـة. وعــلــى عكس مــــا تـــزعـــمـــه كـــتـــب الــتــعــالــيــم والمـــحـــفـــوظـــات، تقول تجربة اللبنانيّين إنّ أكثر ما يجزّئ الـــبـــلـــدان هـــو مـــا جــــرى إدراجـــــــه فـــي خــانــات «الــتــحــرّر الـــوطـــنـــيّ». أمّــــا الـــتـــذرّع بــ»عـروبـة لبنان» فبات واهياً جدّاً، وهذا فضلاً عن أنّ العروبة التي يرفعها المتذرّعون بها باتت، منذ الثمانينات، مهجورة ومتقادمة. ومن ينظر الــيــوم إلـــى الــبــلــدان الـعـربـيّـة، بــل إلـى «الجماهير الـعـربـيّـة»، يـ حـظ أنّ التوّاقين إلى الحروب جنس مهدّد بالانقراض. وأقلّ تـمـاسـكـ هــو مـنـطـق بـعـضخــصــوم «حــزب الــلــه» الــذيــن يــأخــذون عليه أنّـــه «لا يـقـاوم» إســرائــيــل، فيما الـكـارثـة الـكـبـرى هــي كونه يقاومها ضدّاً على رغبة أكثريّة اللبنانيّين ومصالحهم. فالكارثة اللبنانيّة، بالتالي، لـيـسـت فـــي كــيــفــيّــة المـــقـــاومـــة، أو فـــي الأداة الـتـي تـقـاوم، بـل فـي المـقـاومـة ذاتـهـا فـي ظلّ الامـتـنـاع عـن اسـتـخـدام الأدوات السياسيّة والـديـبـلـومـاسـيّـة. ولا تـوفّـر الاسـتـشـهـادات الـكـسـولـة بفيتنام والــجــزائــر ســـوى تـزويـد العتق بكميّة إضافيّة من الصدأ. فــــالــــخــــروج إذاً مــــن حــــالــــة الـــــحـــــرب، أو حالاتها، لا يكتمل ولا يغدو نهائيّاً من دون الخروج من نظريّة الساحة، والإقـرار بواقع الــوطــن الــــذي لا بـــدّ مــن تـحـيـيـده الـعـسـكـريّ حيال صـراعـات الــخــارج، وتالياً استرجاع السياسة والسيادة، والقرار وأدوات العنف، إلــــى دولـــــة ذات مـــؤسّـــســـات مـنـتـخـبـة. وهــو مــا ينبغي لـلـبـنـانـيّـ بـسـائـر طـوائـفـهـم أن يتصارحوا فيه، كي لا يجدوا أنفسهم بعد حــ ، يـطـول أو يقصر، أمـــام الــســؤال نفسه والمأساة ذاتها. فالحرب الراهنة كشفت، وللمرّة الثالثة، أنّ هناك وطنيّتين غير قابلتين للتصالح، واحـــدة مــشــدودة إلــى وطــن بعينه، وأخــرى وطنُها هـو القضيّة، أو مناهضة عــدوّ ما. ومن الصحّيّ أن لا تُقمعا، ويُقمع خلافهما، بــوحــدة مفتعلة لـوطـن تـقـول الـتـجـارب إنّــه لا يـــزال قـيـد الـتـأسـيـس ونـقـض التأسيس. فـإن استحال توافقهما كـان الأجـــدى إعـ ن نهاية لبنان، ووقف سفك الدم مرّة بعد مرّة مــن أجـــل عــنــاويــن بــاتــت مُـــدمّـــرة ومـضـجـرة وميؤوساً منها ومادّةً للتوظيف الخارجيّ. فمن شاء أن يقاوم، فوق رقعة أرض خاصّة بــــه، حــــقّ لـــه ذلــــك وصـــــولاً إلــــى الاسـتـشـهـاد والارتــقــاء سعيداً على طريق الـقـدس، ومن لم يشأ وقرّر البقاء هنا معنا، مساهماً في بناء بلد أفضل في عالم أفضل، حقّ له أيضاً أن يفعل. لبنان المُحيّد عسكريّاً والمصارحة المطلوبة بين اللبنانيّين OPINION الرأي 12 Issue 16745 - العدد Wednesday - 2024/10/2 الأربعاء وكيل التوزيع وكيل الاشتراكات الوكيل الإعلاني المكـــــــاتــب المقر الرئيسي 10th Floor Building7 Chiswick Business Park 566 Chiswick High Road London W4 5YG United Kingdom Tel: +4420 78318181 Fax: +4420 78312310 www.aawsat.com [email protected] المركز الرئيسي: ٢٢٣٠٤ : ص.ب ١١٤٩٥ الرياض +9661121128000 : هاتف +966114429555 : فاكس بريد الكتروني: [email protected] موقع الكتروني: www.arabmediaco.com هاتف مجاني: 800-2440076 المركز الرئيسي: ٦٢١١٦ : ص.ب ١١٥٨٥ الرياض +966112128000 : هاتف +9661٢١٢١٧٧٤ : فاكس بريد الكتروني: [email protected] موقع الكتروني: saudi-disribution.com وكيل التوزيع فى الإمارات: شركة الامارات للطباعة والنشر الريـــــاض Riyadh +9661 12128000 +9661 14401440 الكويت Kuwait +965 2997799 +965 2997800 الرباط Rabat +212 37262616 +212 37260300 جدة Jeddah +9661 26511333 +9661 26576159 دبي Dubai +9714 3916500 +9714 3918353 واشنطن Washington DC +1 2026628825 +1 2026628823 المدينة المنورة Madina +9664 8340271 +9664 8396618 القاهرة Cairo +202 37492996 +202 37492884 بيروت Beirut +9611 549002 +9611 549001 الدمام Dammam +96613 8353838 +96613 8354918 الخرطوم Khartoum +2491 83778301 +2491 83785987 عمــــان Amman +9626 5539409 +9626 5537103 صحيفة العرب الأولى تشكر أصحاب الدعوات الصحافية الموجهة إليها وتعلمهم بأنها وحدها المسؤولة عن تغطية تكاليف الرحلة كاملة لمحرريها وكتابها ومراسليها ومصوريها، راجية منهم عدم تقديم أي هدايا لهم، فخير هدية هي تزويد فريقها الصحافي بالمعلومات الوافية لتأدية مهمته بأمانة وموضوعية. Advertising: Saudi Research and Media Group KSA +966 11 2940500 UAE +971 4 3916500 Email: [email protected] srmg.com حازم صاغيّة طارق الحميد إميل أمين كوندوليزا رايسوفرسان نهاية العالم الجدد

RkJQdWJsaXNoZXIy MTI5OTky