issue16743

Issue 16743 - العدد Monday - 2024/9/30 الاثنين الإعلام 17 MEDIA د. ياسر عبد العزيز الإعلام الإسرائيلي... أزهى عصور التعتيم! في رسالته بمناسبة «اليوم العالمي لحرية الصحافة»، في مايو (أيار) الماضي، أعرب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو 3 غوتيريش عن فزعه للعدد الكبير من الصحافيين الذين قُتلوا أكتوبر (تشرين الأول) 7 في العمليات العسكرية الـدائـرة، منذ الفائت، في غزة. لقد قُتل عشرات الصحافيين المعنيين بتغطية أحداث تلك الحرب، وبسبب تصاعد وتيرة القتل، والغياب المُتعمّد لآليات التدقيق والتقصي، لم يعُد بالإمكان إحصاء عدد الصحافيين والإعــامــيــ الـقـتـلـى عـلـى نـحـو دقــيــق، لـكـن بـعـض الـتـقـديـرات تتحدث عن مقتل ما يزيد على مائة صحافي، واعتقال العشرات. وسيلة إعلم ألمانية كبرى 15 وفي الأسبوع الماضي، طالبت بـإتـاحـة الـفـرص لصحافييها لـلـدخـول إلــى قـطـاع غـــزة، للقيام بـدورهـا الـضـروري في تغطية الأحـــداث، عــادّة أن منع دخولها القطاع لممارسة عملها «سابقة غير معهودة في التاريخ». وبـــالـــتـــوازي مـــع ذلــــك، تـــوالـــت الأنـــبـــاء عـــن قــصــف وتـدمـيـر مـــقـــار لـــوســـائـــل إعـــــام دولـــيـــة وإقــلــيــمــيــة ومــحــلــيــة فـــي الـقـطـاع المـنـكـوب بــالــحــرب، فــضــاً عــن مـاحـقـة الـسـلـطـات الإسـرائـيـلـيـة عدداً من الصحافيين بتهم ارتباطهم بحركة «حماس»، والعمل لصالحها، وهي اتهامات قُدّمت من دون أدلة دامغة في أحيان عديدة. ولم تكتفِ إسرائيل فيسياساتها الرامية إلى تعقيم المجال الإعلمي المواكب للحرب بتلك الممارسات، لكنها فرضت أيضاً رقــابــة عسكرية صــارمــة عـلـى وســائــل الإعــــام المحلية بشقيها «التقليدي» و«الجديد»؛ إذ بات من الصعب جداً الحصول على صور أو فيديوهات أو تقييمات ميدانية للأوضاع على الأرض، وهــو الأمـــر الـــذي غـيّـب الجمهور عـن معرفة كثير مـن الحقائق الضرورية لإدراك تأثيرات الحرب وتطوراتها. ترسم هـذه الوقائع صـورة لما أرادتـــه إسرائيل بخصوص المواكبة الإعلمية لحربها، التي بدأت مع «حماس»، ثم امتدت إلـى لبنان مع «حـزب الله»؛ إنها استراتيجية تعتيم متكاملة، تستهدف السيطرة على الــصــورة الذهنية عـن تأثير الـحـرب، بما يُمكّن قــادة الـدولـة العبرية مـن التصرف مـن دون ضغوط إعلمية، وبأقل قدر ممكن من المحاسبة الشعبية. والـــشـــاهـــد، أن لــلــحــرب جــانــبــ ؛ أحــدهــمــا مـــــادي، تــحــدده ديناميات القتال على الأرض، ونتائجها العملية، وثانيهما مـعـنـوي، تــحــدده صـــورة كــل طـــرف مــن أطـرافـهـا خـــال عمليات الـقـتـال وبــعــده، ويـبـدو أن إسـرائـيـل أولـــت اهتماماً بالغاً بتلك الصورة، ويبدو أيضاً أنها تحقّق نجاحاً عملياً باطراد. فلم تكن إسـرائـيـل، منذ إنشائها، غافلة عـن الأثـــر الكبير للصورة الذهنية والسمعية فـي مجريات صراعها مـع العرب عموماً والفلسطينيين خـصـوصـ ، بـل على العكس تـمـامـ ؛ إذ تثبت مراجعة أدبـيـات الهندسة الإعلمية وإدارة مجال الـرأي الـعـام المــواكــب لـلـصـراع مـن الـجـانـب الإسـرائـيـلـي، وجـــود درجـة عالية من الحساسية والوعي بأهمية هذا المجال. فـــغـــداة إعـــانـــهـــا، بــــدأ رئـــيـــس الـــــــــوزراء، آنـــــــذاك، ديــفــيــد بن غوريون، تأسيس عدد من الهيئات والمنظمات، التي رأى أنها ضــروريــة وحـيـويـة لتعزيز الــدولــة الــولــيــدة، الـتـي «تـعـيـش في محيط من العداء، وتواجه التحديات الجسام». ومن أولى الهيئات التي حرصبن غوريون على تأسيسها، آنذاك، «هيئة رؤساء تحرير الصحف»، وهي الهيئة التي ألزمت السلطات من خللها جميع رؤساء التحرير في صحف الدولة كافّة بالاشتراك في عضويتها، والامتثال لقراراتها. تــحــدّث بــن غـــوريـــون، فــي اجـتـمـاع تــدشــ «هـيـئـة رؤســـاء تـــحـــريـــر الــــصــــحــــف»، لــيــعــطــيــهــم مــــا يــمــكــن وصـــفـــه بــالــتــوجــيــه الاستراتيجي لعملهم، فقال: «يجب علينا أن نزن أقوالنا، ولا نعطي العدو معلومات، ولا نزرع الفتنة والفوضى في شعبنا». صحيح أن إسرائيل سعت لاحقاً إلى تطوير استراتيجيتها الإعلمية في مواكبة حروبها ونزاعاتها العنيفة إلى ما اُصطلح على تسميته «كسب العقول والقلوب»، لكن تلك الاستراتيجية لم تصمد قط عندما احتدمت النزالات الكبرى؛ إذ ظلّت الرغبة في التعتيم أكثر تأثيراً في الممارسات الفعلية. لــم تـكـن الـشـكـوى مــن سـيـاسـة التعتيم الإسـرائـيـلـيـة على مجريات الحرب في غزة ولبنان، خصوصاً ما يتعلّق بتأثيرها في الداخل الإسرائيلي، عالمية أو عربية فقط، لكن بعض وسائل الإعلم العبرية اشتكت أيضاً من خطورة تلك السياسة. إنها سياسة تعتيم بارعة ومكتملة الأركــان وناجعة إلى حد كبير، وأهم ما يميّزها أنها تحدث بسلسة واطراد، وتحت شعارات براقة عن الحداثة، والديمقراطية، والرغبة في الانفتاح. لماذا تراجع اهتمام منصات التواصل بالمحتوى السياسي؟ أثـار تراجع الـزيـارات الآتية إلى المواقع الإخـبـاريـة عبر روابـــط «الـسـوشـيـال ميديا» تـسـاؤلات بشأن تأثير ذلـك على الناشرين، لا سيما مــع زيــــادة الاعــتــمــاد عـلـى منصات التواصل الاجتماعي وسيلة لترويج ونشر المــحــتــوى الإعـــامـــي. وفـــي حـــ ربـــط بعض الـــخـــبـــراء هــــذا الانـــخـــفـــاض بــتــراجــع اهـتـمـام مـــنـــصـــات الـــتـــواصـــل بـــالمـــحـــتـــوى الإخــــبــــاري والــــســــيــــاســــي، وبـــالمـــنـــافـــســـة المـــحـــتـــدمـــة بـ «السوشيال ميديا» والناشرين على عائدات الإعلنات، فإنهم أكدوا ضرورة وجود بدائل لترويج المحتوى الإعلمي. مـــنـــصـــة تـــحـــلـــيـــات مـــــواقـــــع الـــتـــواصـــل الاجتماعي «تشارت بيت» رصدت انخفاضاً فـــــي مــــعــــدل الـــــــزيـــــــارات المـــقـــبـــلـــة مـــــن روابــــــط مـوقـع 700 «الــســوشــيــال مــيــديــا» إلــــى نــحــو إخــبــاري أمـيـركـي بـمـقـدار الـثـلـث مـنـذ يناير ، لتصل حصة منصات 2023 ) (كانون الثاني في المائة، 4 التواصل من جذب الزيارات إلى فــي المـــائـــة، بـحـسـب تـقـريـر نشره 6 بــــدلاً مــن فـــي الأســـبـــوع المـــاضـــي مـعـهـد «نــيــمــان لاب» الأميركي المتخصص في دراسات الصحافة. ووفـــق «تــشــارت بـيـت»، فــإن الـــزيـــارات الآتية إلـــــى المـــــواقـــــع الإخــــبــــاريــــة عـــبـــر «فـــيـــســـبـــوك» في المائة منذ يناير من 40 انخفضت بنسبة العام الماضي. مهران كيالي، الخبير في إدارة وتحليل بــــيــــانــــات «الــــســــوشــــيــــال مــــيــــديــــا» فـــــي دولـــــة الإمـــــــارات الــعــربــيــة المـــتـــحـــدة، أكــــد لـــ«الــشــرق الأوســـــــــــــط»، أن «هـــــنـــــاك انــــخــــفــــاضــــ كـــبـــيـــراً وملحوظاً فـي الـــزيـــارات الآتـيـة مـن منصات التواصل الاجتماعية إلى المواقع الإخبارية». وحــــــــدّد كـــيـــالـــي ســـبـــبـــ لــــهــــذا الانـــخـــفـــاض: «الأول؛ تجاري بحت، ارتباطاً بأن منصات الـــتـــواصـــل الاجـــتـــمـــاعـــي بـــاتـــت تـــعـــدّ المـــواقـــع الإخبارية والناشرين، منافساً لها من حيث المـسـتـخـدمـ »، موضحاً أن «المـنـصـات ترى أن المستخدم المـوجـود عندها، هو حق لها، مـــن ثـــم فــهــي لا تـــريـــد أن يـــخـــرج إلــــى مــواقــع خــارجــيــة، بــل عـلـى الـعـكـس تــريــد الاحـتـفـاظ بوجوده على تطبيقاتها أطول فترة ممكنة، لأن ذهــاب المستخدمين إلـى مواقع خارجية قد يؤدي إلى انخفاض إيراداتها الإعلنية». وفـــي المـقـابـل - حـسـب كـيـالـي - «تعتقد المـــواقـــع الإخـــبـــاريـــة، وكـــذلـــك الـــنـــاشـــرون، أن مــــنــــصــــات الـــــتـــــواصـــــل الاجــــتــــمــــاعــــي تــحــقــق مكاسب جراء إعادة نشر المحتوى الإعلمي مجاناً، مع أن عملية إنتاج الأخبار تتطلب فرقاً صحافية وإجــــراءات عــدة فـي المراجعة والتدقيق ذات كلفة باهظة على المؤسسات الإعلمية المنتجة لها». وتابع الخبير كيالي أن «السبب الثاني يـتـعـلـق بـــأمـــور ســيــاســيــة، ذلــــك أن مـنـصـات الـــتـــواصـــل الاجــتــمــاعــي تـتـبـع ســيــاســة دول معينة وتخدم أجندتها، وهي الأجندة التي قـــد لا تـــتـــوافـــق مـــع الـــســـيـــاســـات الـتـحـريـريـة لمواقع الأخبار، ما دفع إلى تخوف منصات الـتـواصـل الاجـتـمـاعـي مـن الـنـاشـريـن، وأدى إلى تقليل زيارات روابط الأخبار». ثـــم أضـــــاف: «هـــنـــاك حــالــة جـــفـــاء، تصل أحياناً إلى حد العداء بين المواقع الإخبارية ومنصات التواصل الاجتماعي، وهي علقة تسير بمفهوم شـر لا بـد مـنـه... وحـتـى الآن لم تستطع المـواقـع الإخبارية إيجاد مصدر ثانٍ قوي مثل منصات التواصل الاجتماعي، لتسويق محتواها، رغـم مـحـاولات (غوغل) دعـــم الــنــاشــريــن ومـــواقـــع الأخـــبـــار بـخـدمـات جــــديــــدة». واســـتـــطـــرد كــيــالــي شــــارحــــ : «... ومنصات التواصل الاجتماعي، من جانبها، لا تستطيع التخلّي عن الناشرين، لا سيما أن كثيراً من المستخدمين يتابعون الأخبار عـبـر مـنـصـات الــتــواصــل، مــا يـعـنـي احـتـمـال خـسـارتـهـا عـــدداً مــن المـسـتـخـدمـ إذا قــررت التخلي نهائياً عـن الـنـاشـريـن. وهـكـذا نرى أن كل الطرفين خاسر... فمنصات التواصل الاجـــتـــمـــاعـــي تــخــســر المــتــابــعــ المـــوجـــوديـــن عندها لــقــراءة الأخــبــار والـتـفـاعـل معها، ما يؤدي لانخفاض عائدات الإعلنات، في حين تـعـانـي المـــواقـــع الإخــبــاريــة نـقـصـ فــي معدل الزيارات، تزامناً مع عدم وجود حلول بديلة لكسب قراء جدد». جـديـر بـالـذكـر أن مـوقـع «معهد نيمان لاب» نقل عن براد سترايشر، مدير المبيعات في «تشارت بيت»، قوله إن «محركات البحث التي تهيمن عليها خدمة بحث (غـوغـل) لا تــــزال تـحـظـى بالنصيب الأكــبــر فــي توجيه الـــــزيـــــارات لـــلـــمـــواقـــع الإخـــــبـــــاريـــــة... وخـــدمـــة (غـــوغـــل ديــســكــفــر) المــفــعّــلــة عــلــى تـطـبـيـقـات الهواتف الجوالة باتت أحد مصادر توجيه الزيارات للمواقع الإخبارية». وفــــي هــــذا الـــشـــأن قــــال أحـــمـــد عـصـمـت، الـخـبـيـر فــي الإعــــام الــرقــمــي والمــحــاضــر في الــجــامــعــة الأمــيــركــيــة بـــالـــقـــاهـــرة، لــــ«الـــشـــرق الأوســــط»، إن «(غــوغــل ديسكفر) عـبـارة عن خـــدمـــة جـــديـــدة مـخـتـلـفـة عـــن خـــدمـــات بحث (غـــــوغـــــل) المــــعــــروفــــة، وهـــــي خــــدمــــة مــوجــهــة لمستخدمي الهواتف الجوّالة لا تزال في طور التجربة، لذلك لا يمكن حالياً تقييم دورها في جذب الزيارات للمواقع الإخبارية بدقة». وهـنـا ربــط عصمت بـ انـخـفـاض الــزيــارات الآتــيــة إلـــى المـــواقـــع الإخــبــاريــة عـبـر الــروابــط المنشورة على منصات التواصل الاجتماعي إلى «تراجع اهتمام تلك المنصات بالأخبار، وعلى رأسها (ميتا) مالكة كلٍ من (فيسبوك) و(إنـــســـتـــغـــرام)». ولمــواجــهــة سـلـطـة منصات التواصل على الناشرين، شدد عصمت على «ضـرورة عمل المواقع الإخبارية على إيجاد ســبــل بــديــلــة لـتـسـويـق وتـــرويـــج مـحـتـواهـا، والاعتماد على نفسها في هذا الصدد بعيداً عن منصات التواصل». لـلـعـلـم، تـتـجـه مــنــصــات الـــتـــواصـــل إلــى تقليل الاهـتـمـام بـالأخـبـار لصالح المحتوى الترفيهي، وفــق مـا أعلنه مـــارك زوكـربـيـرغ، ،2021 الرئيس التنفيذي لشركة «ميتا»، عام عندما قال إن «التعليقات الأكثر شيوعاً التي تتلقاها الشركة هي أن الأشـخـاص يريدون عـــدداً أقــل مـن المـنـشـورات السياسية المثيرة للنقسام». القاهرة: فتحية الدخاخني

RkJQdWJsaXNoZXIy MTI5OTky