issue16743

لسنوات ظللتُ - كغيري مـن المهتمين - أتـرقـب صـدور مـذكـرات الشيخ جميل الحجيلان، أحــد أبــرز وجــوه الـــوزارة والدبلوماسية السعودية. أولــى مطالعاتي لشيء مـن تلك ) بـصـحـبـة الـــدكـــتـــور عبد 2017( المــــذكــــرات فـــي لـيـلـة شــتــويــة الرحمن الشبيلي، وهــو يـراجـع إحــدى مــ زم الـكـتـاب، سبق نوفمبر/تشرين 9( وأن نشر الشبيلي مقالاً في هذه الجريدة صفحة وعلى 600 ) ذكر فيه أن المذكرات قاربت 2013 الثاني وشـــك الـــصـــدور! وقـــــال: «عــنــدمــا تستعيد الـــذاكـــرة الـــيـــوم ما تختزنه المـراسـ ت بيننا على امـتـداد نصف قــرن، فإنه كان الوالد والمساند، ولم يكرر عليّ أبو عماد قولاً عبر السنوات القليلة الفائتة، مثل التوصية على مخطوط ذكرياته الذي شارف على الانتهاء يستأمنني فيها على أعز ما يملك...». ثـم قـــرأت مـقـالاً للزميل الـكـاتـب محمد السيف بعنوان «جميل الحجيلان... سيرة منتظرة»، وختم مقاله الذي نشره ) واصفاً 2019 أكتوبر/تشرين الأول 16( » في «المجلة العربية إيـاهـا: «أوفـــى وأشـمـل سيرة ذاتـيـة قرأتها لمـسـؤول سعودي رفيع، وهي أرقى وأمتع سيرة ذاتية قرأتها لسياسي ورجل دولـة عربي، من حيث لغتها العربية الباذخة التي اتسمت بدقة التصوير والوصف وبأسلوب أدبي جميل...» لم يبالغ السيف وهو «الخبير السِيَري»، في وصفه، ولعلّ ما كتبه هو أول وأوفى ما كتب عنها توصيفاً وتلخيصاً. توالت بعد ذلك المـقـالات والكتابات عن السيرة المرتقبة بين مؤكد أنـه اطلع عليها أو راجعها ومبشر بقرب صـدورهـا أو مؤمل أن يقرأ فـصـولاً منها؛ إلا أن الـسـنـوات مـــرّت دون أن تـصـدر رغــم كل الآمال والبشائر! ) زرت الـشـيـخ جميل 2022( ) فــي شـهـر أبــريــل (نــيــســان بمنزله في الحي الأرستقراطي من ضاحية الملز في الرياض المسمى «بيفرلي هيلز»، وكان السؤال عن المذكرات فقال: في طريقها إلــى المطبعة، فرحت لـذلـك؛ لكنني بعد مــدة تلقيت اتصالاً منه حول عدم قناعته بالبروفات التي قدمت له من عـــدة دور نــشــر. بـعـد اطــ عــي عـلـى كــامــل مـحـتـواهـا تـذكـرت حديث الشبيلي ومقال السيف، الحقيقة أنها فاقت ما توقعت ككنز تاريخي ثمين. بـعـد لـــقـــاءات مـطـولـة ومـنـاقـشـات مــع أبـــي عــمــاد، وهـو القانوني الخبير والمــفــاوض الكبير، وبحث فـي التفاصيل التي يجيد الغوص في بحارها اللجية، وحرصه على أدق الأمور بدءاً من اختيار الخط والتصميم ونوع الورق ومقاس الصفحات وانتهاءً بعدد النسخ ومنافذ التوزيع، أوصيت بما رأيت أن هذه المذكرات تستحقها، فاقتنع أن يمنح حقوق نشر وتوزيع وطباعة وترجمة الكتاب لشركة «رف للنشر» (إحدى شركات المجموعة السعودية للأبحاث والإعلام)، وأن تنشر «الـشـرق الأوســـط» فصولاً ملخصة منها، وتـم توقيع . منذ ذلك التاريخ شعرت بأنني 2022 نوفمبر 21 العقد في مؤتمن على المـذكـرات، جـاء حرصي تقديراً لمكانة أبـي عماد في نفسي وعلاقته بكل من الجد عبد العزيز بن فهد بن معمر والعم عبد العزيز بن إبراهيم بن معمر، ثم أن هـذه السيرة تمثل إضافة قيّمة للتاريخ السعودي الحديث. الــحــجــيــ ن الــــذي عــمــل فـــي دهــالــيــز الــســيــاســة وأروقــــة الدواوين، وخبر ممرات الدبلوماسية ومساراتها ومحطات الإعــــــ م ووســـائـــلـــه؛ عـــاصـــر جــمــيــع مـــلـــوك المــمــلــكــة الـعـربـيـة الـسـعـوديـة مـنـذ عـهـد المــلــك عـبـد الـعـزيـز حـتـى الـــيـــوم، ترجم لهم وحمل رسائلهم وكلفوه بالمهمات، وحضر في معيتهم القمم والاجتماعات، فسمع ورأى وشهد وشاهد، ووثق في مذكراته - التي أعددت فصولاً ملخصة عنها ونُشرت في أربع حلقات على صفحات «الشرق الأوسـط»، وتتوافر في جناح شركة «رف للنشر» بمعرضالرياضالدولي للكتاب - حوادث ومواقف وتفاصيل تنشر لأول مرة موثِقة مراحل من تاريخ المملكة العربية السعودية السياسي والإداري والاجتماعي، ورصـــد لـتـحـولات مـــرت بـهـا المـنـطـقـة ودولـــهـــا خـــ ل قـــرن من ) لأسرة 1927( الزمان. تناولت السيرة ولادتـه في دير الـزور مغتربة (من عقيلات القصيم)، ونشأته القومية ومشاركته فــي الاحـتـجـاجـات ضــد الاحــتــ ل الـفـرنـسـي، ثــم دراســتــه في مصر الملكية وتأثره بالتيارات السياسية، وحضوره خطاباً لـحـسـن الـبـنـا بـمـقـر جـمـاعـة «الإخــــــوان المــســلــمــ »، وتـنـاولـه الغداء مع أعضاء في «الحزب الشيوعي السوداني»، وحاول شـرح أسـبـاب تأثر كثير مـن المسؤولين السعوديين فـي تلك المرحلة بالأفكار القومية! بـعـد حـصـولـه عـلـى لـيـسـانـس الــحــقــوق، وصـــل لوطنه وعمل ملحقاً دبلوماسياً في وزارة 1951 أول مرة مطلع عام الخارجية. بيد أن الموقف الأهم ترجمتُه بين الملك عبد العزيز ). ثـــم انــتــقــالــه إلــى 1952 ووزيـــــر خــارجــيــة إســبــانــيــا (أبـــريـــل )، وقيامه 1953 السفارة السعودية بطهران (يونيو/حزيران بالترجمة بين الملك سعود والسفير السوفياتي أثناء الزيارة ). ثـم انتقل إلــى السفارة 1955 الملكية لإيـــران (يوليو/تموز )، ولا ينسى دور 1956 السعودية بكراتشي (أغـسـطـس/آب كل من الشيخ محمد الحمد الشبيلي والشیخ عبد العزيز بن إبراهيم بن معمر في ترشيحه مديراً عاماً للإذاعة والصحافة والــنــشــر، وهـــي نقلة وظـيـفـيـة لــم يـكـن يتوقعها (ديـسـمـبـر/ )، إلا أنــه أُعـفـي بعد سبعة أشـهـر وعـاد 1960 كـانـون الثاني لــــوزارة الـخـارجـيـة، وشــــارك فــي الــوفــد الـسـعـودي لقمة عـدم ) برئاسة وزيـر 1961 الانـحـيـاز فـي بلغراد (سبتمبر/أيلول الخارجية الشيخ إبراهيم السويل الذي نقل رسالة من الملك سعود للزعيم اليوغسلافي تيتو وتولى الحجيلان الترجمة. ثم استدعي للطائف ليبُلغ بالأمر الملكي بتعيينه أول سفير سعودي في الكويت بعد استقلالها، وعايش الأزمة العراقية الـكـويـتـيـة، لـكـن الـتـحـدي الأكــبــر كـــان إيــصــال صـــوت الإعـــ م السعودي في ظل التحامل الإعـ مـي الناصري، الــذي ازداد ). كـــان الـحـجـيـ ن 1962 مـــع الانـــقـــ ب فـــي الـيـمـن (سـبـتـمـبـر يــرصــد ردود الـفـعـل ويـــرفـــع الــتــقــاريــر، فــصــدر الأمــــر الملكي ). تولى المنصب في 1963 بتعيينه وزيراً للإعلام (مارس/آذار ظروف داخلية وإقليمية بالغة التعقيد، ولعل الموقف الأكثر حرجاً حين طُلب منه إذاعـة البيان المشترك لمجلسي الـوزراء والشورى الذي نصعلى مبايعة ولي العهد فيصل ملكاً على ،)1970( ). عُين بعد ذلك وزيراً للصحة 1964 البلاد (نوفمبر ،)1976( )، ثــم سـفـيـراً فــي فـرنـسـا 1974( فـسـفـيـراً فــي ألمـانـيـا ) حتى تقاعده 1995( فأميناً عاماً لمجلس التعاون الخليجي .)2002( فـــــي ثـــنـــايـــا الــــســــيــــرة تـــفـــاصـــيـــل عـــــن حـــيـــاتـــه وأســــرتــــه والــشــخــصــيــات الـــتـــي كــــان عــلــى عـــ قـــة بــهــا والمـــهـــمـــات الـتـي كُلف بها والحوادث التي عايشها والمواقف التي مرت عليه والمعارك التي خاضها والدسائس التي تعرض لها، وقد يرى من يقرأها أنه توسع في بعض الجوانب وأسهب في السرد، لكنه يؤكد أن بعض التفاصيل تضيف الكثير لما يرويه، وهذا يدركه المشتغلون بالتاريخ. لن أسهب في وصف «المذكرات صـفـحـة، لأن تفاصيل 1500 الحجيلانية» الـتـي جـــاءت فــي قصتي معها تتطلب كتاباً مستقلاً، لكنني سأكتفي بالقول: إنها تجربة جيل وتاريخ أجيال فـرّغ فيها الشيخ جميل ما اخـتـزنـتـه ذاكـــرتـــه مــن ذكـــريـــات ومـــواقـــف ومـــا حـوتـه مكتبته من ملفات ومراسلات، وما ضمه أرشيفه الخاص من صور ووثـائـق وأوراق خـاصـة، لــذا سيجد الـقـارئ لـهـذه المـذكـرات: روايـــــات وشـــهـــادات جـمـيـل الـحـجـيـ ن عــن مــراحــل وحــــوادث ومـــواقـــف وأشـــخـــاص، نـقـل فـيـهـا مــا رآه ووصــــف مــا واجـهـه ودون ما شهده، وهو في ذلك لا يتبنى بالضرورة موقفاً أو رأيـ ، لكنه يحاول أن يوثق شهادته، بأسلوب أدبـي وبحِسّ تاريخي، وهاجس ما سيقوله التاريخ عن شهادته حاضر، كما أن ذهنية المسؤول أو «الرقيب» الإعلامي غير غائبة، لذا نجد أن أسلوب الكتابة يتماهى حسب القصة المروية، وهذا قد يفسر المـدة التي استغرقتها كتابة هـذه المـذكـرات، والتي عاماً، أضاف فيها وحذف ومحا وأثبت وزاد 20 وصلت إلى وخفف، بث فيها رؤاه وتحليلاته حول ما مرت به بلاده وما حولها مـن حـــوادث، وكـتـب مرافعته ومـدافـعـاتـه عـن مواقف وأشـخـاص ارتـبـط بهم أو تعامل معهم، وأظـهـر فـي كـل ذلك مـواهـبـه الكتابية ومـهــاراتـه التحليلية وقــدراتــه القانونية وتفكيره السياسي، وهي أولاً وآخـراً شهادته وروايته التي قــد يختلف مـعـه آخــــرون حــولــهــا؛ لـــذا مــن المــهــم أن تُــقــرأ في سياقها التاريخي ووفـق ظـروف أزمنتها، لكنها رغم كل ما سيقال عنها تظل سيرة رجل في تاريخ دولة. لــــم يـــحـــن الــــوقــــت لـــتـــنـــاول الاســــتــــهــــداف المـــزلـــزل لمركز القيادة المركزية لـ«حزب الله» والاغتيال المريع لشخص السيد حسن نصر الله، وما سينجم عنه من تداعيات إقليمية ودولية. العملية أتت لتتويج هجوم تصاعدي غير مسبوق بالغارات الجوية والمسيرات والضربة السيبرانية التي تلقاها الحزب على مدى يومين، وعرفت بتفجيرات «البيجر» و«الوكي توكي»، ضحية بين قتيل وجـريـح، جلهم 4000 وأسـفـرت عن مـــن عــنــاصــره، مـــع فـقـد كـثـيـر مـــن قـــادتـــه الـعـسـكـريـ والمـيـدانـيـ فـي اغـتـيـالات مـنـفـردة وأخـــرى جماعية، ممن انضموا إلى فؤاد شكر وإبراهيم عقيل وإبراهيم قبيسي، وغيرهم من القيادة العليا لقوة الرضوان. لم تنجح إيران في حماية «حزب الله»، حليفها الأول والأقــــــوى فـــي المــنــطــقــة، عــلــى الـــرغـــم مـــن غــــزارة تصريحاتها ومواقفها التفاوضية والمـهـادنـة تجاه أمــيــركــا، بينما يـتـعـرض الــحــزب إلـــى أعــنــف وأخـطـر ، في 1983 وأغــرب هجوم إسرائيلي منذ نشأته سنة حـــرب غـيـر مـتـكـافـئـة بـسـبـب تــفــوق إســرائــيــل الـجـوي والتكنولوجي والاستخباراتي. وسط التصعيد الإسرائيلي، جاءت تصريحات الـرئـيـس الإيــرانــي مسعود بزشكيان الأخــيــرة بشأن حرب إسرائيل ضد الحزب مهادنة للولايات المتحدة الأمـيـركـيـة. قـــال بـزشـكـيـان إن «(حــــزب الــلــه) وحـــده لا يستطيع الـوقـوف في وجـه إسـرائـيـل»، وكــرّر ما قاله وزيــــر خـارجـيـتـه عــبــاس عــراقــجــي بــــأن إيـــــران «تـريـد الـــســـ م، ولا تــرغــب فـــي دخــــول حـــرب مـــع إســرائــيــل»، مــعــربــ عـــن جــهــوزيــة بـــــ ده لاســتــئــنــاف المــفــاوضــات الـــــنـــــوويـــــة. قـــبـــلـــهـــا، قــــــال بــــزشــــكــــيــــان: «نــــحــــن إخـــــوة للأميركيين... ولسنا معادين لهم»، في توضيح أكثر جرأة لما قاله السيد علي خامنئي، من أنه «لا ضير من التراجع التكتيكي أمام العدو». ووفق وسائل الإعلام الأميركية، «أبلغت إيـران (حزب الله) بأن الوقت غير مناسب الآن لخوض حـرب مع إسـرائـيـل». ولا تغيب مواقف مهادنة أخرى لإيران، بدأت بردها الفولكلوري على مقتل أكـبـر قادتها الميدانيين قـاسـم سليماني، إلــى ابتلاعها اغتيال محسن فـخـري زاده، وضيفها إسماعيل هنية، إلى الخسائر التي تكبدتها حليفتها «حماس» في غزة، وصـولاً إلى ما يتعرض له «حزب الله» اليوم. هـــــذه المــــواقــــف الـــتـــي قــــد تُـــفـــهـــم فــــي زمـــــن الـسـلـم بأنها دبلوماسية، تـبـدو فـجّـة فـي زمــن تشهد فيها المنطقة قتالاً ضروساً ضد أذرع إيــران وعلى رأسها «حزب الله». في الواقع، الحزب لا يخوض حرباً كما توصفها وسـائـل الإعــــ م؛ لأن الـحـرب عـــادة هـي بين فريقين يتقاتلان، ومــا يجري فـي لبنان يظهر خللاً فاضحاً في ميزان القوة يجعل الحزب متلقياً لضربات بمختلف أنـواع الأسلحة، بينما ردوده لا تـزال حتى اليوم محدودة، ولا توازي الخسائر البشرية والمادية الموجعة التي تكبدها، وآخـرهـا مجزرة يـوم الجمعة الماضي. فقد الحزب حجة الإسناد، وفقد توازن الرعب وقوة الردع اللذين كان يفاخر بتحقيقهما منذ انتهاء ، فهل يعود ذلك إلى التفوق التكنولوجي 2006 حرب والعسكري الإسرائيلي فقط أم ثمة مبالغة في تقييم قدرات الحزب العسكرية وجهوزيته لحرب تقليدية أم أن ضغط زناد الأسلحة الدقيقة والموجهة التي يقال إنه يمتلكها ليس بيده وحده؟ من هنا يتردد السؤال حــول تخلي إيـــران عـن الـحـزب مـن عـدمـه. فهل تخلت إيران عن «حزب الله»؟ لا شـك أن تلويح إيـــران برغبتها بالسلام فيما ذراعـــهـــا الأكــبــر يتلقى الــضــربــات قــد يحير البعض، لــكــنّ الــســيــاســة ديــنــامــيــة ولــيــســت جـــامـــدة. مـواقـفـهـا التصالحية والمهادنة تجاه أميركا لا تعني تخليها عن «حزب الله»، وما إحجامها بالرد عن كل الضربات التي تعرضت وتعرّض لها إلا محاولة لعدم التفريط بـمـشـروعـهـا طــويــل الأمــــد فــي المـنـطـقـة ودرتــــه «حــزب الـــلـــه»، والـــحـــزب لـــه مــهــمــات لا تـقـتـصـر عــلــى تـحـريـر فلسطين بل لحمايتها. تسعى طهران لتأمين تغطية أميركية للحزب تمنع إسرائيل من تدميره وإنهائه عـسـكـريـ وربـــمـــا سـيـاسـيـ ، وتـطـمـئـن الـــغـــرب بـــأن ما يجري لن يتحول إلى حرب شاملة. في السياق لا بد مـن الأخـــذ بـالاعـتـبـار التباينات داخـــل الـنـظـام بشأن العلاقة مـع واشنطن، وتأثير ذلـك على أداء الحزب. إيران وإسرائيل تريدان الإفادة من الوقت الانتخابي الأميركي الضائع، إسرائيل لكسر شوكة أذرع المقاومة في المنطقة بأي وسيلة ممكنة ومهما كانت وحشية، وهي المدركة من جهة بأن ما من مرشح للرئاسة في أميركا سيقف في وجهها، وإيــران لمكاسب من إدارة جو بايدن في ملفها الـنـووي، وقـد تكون بالتقايض بمنع استعمال الحزب لأسلحته الدقيقة والموجهة، وقــــد يــصــل بــهــا الأمـــــر إلــــى الـــقـــبـــول بـتـقـلـيـص أدوار أذرعـــهـــا، وصــــولاً إلـــى المـقـايـضـة بدعمها الــــروس في الحرب ضد أوكرانيا. إيران لا تدعو «حزب الله» إلى الاستسلام، بل تدعوه إلـى مواصلة حربه المحدودة فقط، ولن تغامر بدخول حرب لا تقدر عليها، وتريد الاحتفاظ بالحزب وقدراته إلى مرحلة تحتاجها هي، خاصة أن أفق هذه الحرب بات محدوداً. تــخــلــت إيـــــــران الـــــدولـــــة عــــن «حــــــزب الــــلــــه» أم لـم تتخل، السؤال هل ستتخلى إيران الثورة عنه؟ تبقى المحصلة أنها لم تعامله بوصفه شريكاً بل كأنه أداة. المـأسـاة أن يكون الـحـزب قـد وصـل إلـى هـذه النتيجة مـــتـــأخـــراً جـــــداً، وزلـــــــزال يــــوم الــجــمــعــة يـــوســـع الـــفـــراغ .2005 الخطير الزاحف على لبنان منذ سنة نستعجب كـيـف تُــســارع الـقـنـوات الـعـالمـيـة إلـى تغطية حدث صغير في بلدة نائية، أو حتى تعرف بــه بـعـد دقــائــق مــن حـــدوثـــه. هــل تـمـلـك مـراسـلـ في كل مكان؟ لا. لكنها تملك علوم الداتا وسخّرَتها في العمل الصحافي. هناك مثال شهير عن حادثة أذاعتها القنوات، لمجرد أن البيانات المستقاة من الأقمار الاصطناعية لاحــــظــــت «خـــــروجـــــ عــــن المــــــألــــــوف». رافــــعــــة عــمــ قــة تلتقطها الأقـــمـــار الاصـطـنـاعـيـة فــي وضـــع عـمـودي، لكنها الآن ظهرت في وضع أفقي. لم يرسل أحد خبراً إلى القنوات، لم يكن في المحيط مراسل. لا شيء. لكن تقنيات التنقيب على الداتا، والموجودة منذ سنوات فـــي غــــرف الــتــحــريــر بــالــتــعــاون مـــع شـــركـــات عـالمـيـة، أرسلت إشارة تحذير إلى أن هناك شيئاً ما في هذه الإحداثيات. وبالفعل ظهر أن هناك انزلاقاً أرضياً في ذلك الموقع تَسبّب في سقوط الرافعة. وهـنـاك طبعا الـسـوشـيـال مـيـديـا. فـي الدقيقة الواحدة تتداول السوشيال ميديا ملايين المنشورات من كل بقعة في العالم تحديداً. مَن يملك متابعة كل هـذا؟ لا أحـد. لكنّ البرامج التي تتابع أنماط النشر تنتبه إن طرأ تغيير في مكان ما، مثل زحام بوستات أكثر من المعتاد في نقطة معينة. لا تعرف بالضبط مـاذا حـدث، لكن تعرف أن خارجاً عن المألوف حدث. تنبّه غرفة التحرير. وتُمدّها بعيّنة من المنشورات. إن وجدت غرفة التحرير أن ما حدث مثير للاهتمام سـتـتـابـع الــخــبــر، ولــــو كــــان فـــي بـقـعـة ريــفــيــة نـائـيـة. ســـتـــتـــواصـــل مـــــع شــــهــــود عــــيــــان وســــتــــقــــدم تـغـطـيـة تفصيلية. يمكنها أيضاً أن تستخدم «الأكواد» المضبوطة لكي تجعل الكومبيوتر رقيباً على الأخبار في مكان ما، نتوقع فيه حدثاً لكننا لا نملك وفرةً من العاملين يــتــفــرغــون لــــه، أو لأن المــتــابــع يـعـمـل بــمــفــرده وحـــان الوقت لينام. الكومبيوتر سيتفهم الأوامر المشروطة وينتقي من الأخبار ما وافق الشروط. هذا يعني أن غرفة الأخبار الحالية، أو الفريق الصحافي الحالي مختلف اختلافاً جذرياً عن الفريق الصحافي في السابق. منذ استحداث صحافة الداتا (وهو مصطلح يختلف عن صحافة المعلومات) صار الفريق يعتمد علىصحافيين أقل ومبرمجين وخبراء داتـــا ومحللي بيانات أكـثـر. وصـــار بـالإمـكـان إجــراء تحقيق صحافي «يكسر الدنيا» من على مكتبك. أو على الأقل التقاط الخيط الأوّلي، ولو كانت القصة في أمريكا اللاتينية وأنت جالس في جاكرتا. لم نستغنِ هنا عن الصحافي، لأن المرحلة اللاحقة تحتاج إلى صحافيين أكثر مهارة. والقصة ستخرج إلـى العلن بفضل صحافيين يجيدون تقييم الـحـدث والسياق والمعنى، ويجيدون تقديمه في صورة جذابة. لكننا طبعا غيّرنا المهارات التي يجب أن يحيط بها علماً، وشَدَدْنا أفقه إلى مجالات لم يكن يفكر فيها. بعض الصحافيين يقاومون هذا التغيير، وهذا مـعـتـاد. لـكـنّ الــهــوّة فــي إيــقــاع عـصـرنـا تتسع بشكل كبير، ومقاومة التغيير صارت سيئة الأثر بمتوالية هندسية. والــذكــاء الاصطناعي أضــاف إلــى الفجوة أميالاً. المطلوب من الصحافي المعاصر الوعي بأدواته، كما يعي الطبيب القيمة التطبيقية لأجهزة لا يفقه عن صناعتها وصيانتها شيئاً. ربما يدفعه الفضول مع الاستخدام إلى فهم أساسها العلمي. وهذا جيد، كالسائق الذي يفهم أساسيات الميكانيكا. لكن تبقى هــــذه حـــرفـــة مـسـتـقـلـة بــذاتــهــا يـخـتـص بــهــا فــــرع من المـهـنـدسـ . حتى الــــدواء الـــذي يكتبه الطبيب مائة مــرة فـي الـيـوم لا يستطيع تصنيعه، ولا يـعـرف عن محتواه إلا ما تخبره به الشركات. يعرف أثـره على المرضى، وعلى هذا الأسـاس يستمر معه أو ينحّيه. وكم من دواء تغيّر غرضه بعد استخدامه، أو توقفنا عن استخدامه، لأن الطبيب جرّبه بناءً على المتوافر لـديـه مــن مـعـلـومـات مــن مصنّعيه. الـصـحـافـي ليس مبرمجاً، ولا خبير داتا، وليس مطلوباً منه أن يكون. لكن المطلوب منه أن يعلم كيف يستخدم تلك القدرات في فريقه الصحافي. الصحافة ليست مهنة سامية كـمـا قـــالـــوا لـنـا فـــي الأفـــــ م، ولا هـــي مـهـنـة وضـيـعـة، كما يـقـول الغاضبون منها ومــن مشتغليها... هي مهنة، تتطور أدواتها. إن أحسنت استخدام أدواتها وواكبت تطوراتها أحسنت. وإن لم تفعل فسيجري عليك ما يجري على الكهربائي الذي أقسم أبو العبد أنه «لا كهربائي ولا يفهم في الكهربا». OPINION الرأي 12 Issue 16743 - العدد Monday - 2024/9/30 الاثنين وكيل التوزيع وكيل الاشتراكات الوكيل الإعلاني المكـــــــاتــب المقر الرئيسي 10th Floor Building7 Chiswick Business Park 566 Chiswick High Road London W4 5YG United Kingdom Tel: +4420 78318181 Fax: +4420 78312310 www.aawsat.com [email protected] المركز الرئيسي: ٢٢٣٠٤ : ص.ب ١١٤٩٥ الرياض +9661121128000 : هاتف +966114429555 : فاكس بريد الكتروني: [email protected] موقع الكتروني: www.arabmediaco.com هاتف مجاني: 800-2440076 المركز الرئيسي: ٦٢١١٦ : ص.ب ١١٥٨٥ الرياض +966112128000 : هاتف +9661٢١٢١٧٧٤ : فاكس بريد الكتروني: [email protected] موقع الكتروني: saudi-disribution.com وكيل التوزيع فى الإمارات: شركة الامارات للطباعة والنشر الريـــــاض Riyadh +9661 12128000 +9661 14401440 الكويت Kuwait +965 2997799 +965 2997800 الرباط Rabat +212 37262616 +212 37260300 جدة Jeddah +9661 26511333 +9661 26576159 دبي Dubai +9714 3916500 +9714 3918353 واشنطن Washington DC +1 2026628825 +1 2026628823 المدينة المنورة Madina +9664 8340271 +9664 8396618 القاهرة Cairo +202 37492996 +202 37492884 بيروت Beirut +9611 549002 +9611 549001 الدمام Dammam +96613 8353838 +96613 8354918 الخرطوم Khartoum +2491 83778301 +2491 83785987 عمــــان Amman +9626 5539409 +9626 5537103 صحيفة العرب الأولى تشكر أصحاب الدعوات الصحافية الموجهة إليها وتعلمهم بأنها وحدها المسؤولة عن تغطية تكاليف الرحلة كاملة لمحرريها وكتابها ومراسليها ومصوريها، راجية منهم عدم تقديم أي هدايا لهم، فخير هدية هي تزويد فريقها الصحافي بالمعلومات الوافية لتأدية مهمته بأمانة وموضوعية. Advertising: Saudi Research and Media Group KSA +966 11 2940500 UAE +971 4 3916500 Email: [email protected] srmg.com بندر بن عبد الرحمن بن معمر سام منسى خالد البري هل أتت «ساعة التخلي»؟ الصحافة والبرمجة يداً بيد مائة عام إلا قليلاً... مع الحجيلان ومذكراته

RkJQdWJsaXNoZXIy MTI5OTky