يـــجـــري الــعــمــل عــلــى قــــدم وســـــاق لـتـقـديـم النسخة الثانية من بينالي الفنون اإلسالمية من يناير (كانون الثاني) املقبل، 25 بجدة في التحديات ضخمة أمام القائمني على البينالي خـــاصـــة بــعــد الـــنـــجـــاح الـــســـاحـــق الـــــذي حققته النسخة األولى، ما الذي يتم إعداده للزائر؟ وما هي املعروضات التي ستبهر الـــزوار، وتداعب مخيلتهم وتفكيرهم؟ ما الذي أعده فريق إدارة البينالي للنسخة الثانية؟ «الـشـرق األوســط» تــحــدثــت مـــع الـــدكـــتـــور جـــولـــيـــان رابــــــي، املــديــر السابق للمتحف الوطني للفن اآلسيوي التابع ملـؤسـسـة «سـمـيـثـسـونـيـان»، واملـــــؤرخ واملــؤلــف الدكتور عبد الرحمن عزام، والفنان السعودي مهند شـونـو بصفته القيّم الفني على أعمال الفن املعاصر. د.عبد الرحمن عزام وجماليات األرقام مـــن الــنــقــاط املــهــمــة الــتــي يــتــحــدث عنها الدكتور عبد الرحمن عـزام هي املشاركات من الدول اإلسالمية املختلفة، ومنها دول تحضر للمرة األولــى مثل إندونيسيا ومالي، ويقول: «نــحــن مـحـظـوظـون بــذلــك. أردنــــا أن يـحـضـروا لــــيــــرووا قــصــصــهــم، وأن نــحــتــرم تـفـسـيـراتـهـم وثقافتهم وتاريخهم». عن قسم «املــدار» يقول إنـــــه يــعــكــس جـــــ ل الـــخـــالـــق وخـــلـــقـــه فــــي إطــــار تفسير اآلية الكريمة: «الله الذي خلق السموات واألرض ومــــا بـيـنـهـمـا»، ولــكــن الـتـفـسـيـر هنا يتخذ مسارًا مختلفًا، ويختار األرقـــام وسيلة لــذلــك: «لـنـأخـذ مـفـهـوم األرقـــــام، لـديـنـا كــل هـذه بلدًا واملتمثلة في 21 املؤسسات املشاركة من قطعة، خالل املحادثات قلنا لهم إن الطريقة 280 الــتــي يـمـكـن أن تـسـاعـدنـا فــي تفسير الـعـنـوان يجب أن تـكـون عبر فهم اسـتـخـدام األرقــــام في الحضارة اإلسالمية، هي ما أطلق عليه اللغة غير املحكية، بها نوع من الغموض». األساس فـــي ســـرديـــة الـــعـــرض بـالـنـسـبـة لــلــدكــتــور عـــزام هـــو مــحــاولــة فـهـم الــنــظــام اإللـــهـــي عـبـر األرقــــام واسـتـخـدامـهـا لـعـرض الـجـمـال اإللــهــي، فهناك تناغم وجمال يأتي من عمق الطبيعة، يتبدى فــي حـركـة الــكــواكــب، وفـــي أوراق الـــزهـــرة... كل شيء مرتبط بنظام كوني متناغم. «األرقــــــــــــــام هــــــي الـــــبـــــوابـــــة لـــفـــهـــم الـــعـــلـــوم والـــريـــاضـــيـــات، ونــــرى نـــمـــاذج فـــي هــــذا الـقـسـم الكتشافات علماء املسلمني النابعة من األرقام، هـنـاك قسم آخــر حــول حـركـة الـعـلـوم وتبادلها عبر الـدول. رحلة املعرفة من مكان آلخر تظهر جـــلـــيـــ حــــ الـــتـــمـــعـــن فــــي جــــوانــــب الـــحـــضـــارة اإلسـ مـيـة. ننظر إلــى ترجمة مـا تـركـه علماء الـيـونـان مثل بطليموس للعربية، ننظر هنا كيف اسـتـوعـب علماء املسلمني حاجتهم إلى مـعـرفـة االتـــجـــاهـــات لـتـحـديـد الــقِــبــلــة، وهـــو ما يقودنا لرسم الخرائط، ونعرض منها نماذج مذهلة، منها خريطة بعرض ستة أمتار لنهر النيل، وهي من مقتنيات الفاتيكان، ولم تخرج منه من قبل». يـــتـــحـــدث عــــن األرقــــــــام بــوصــفــهــا أســـاســـ لـلـجـمـال والـــتـــنـــاغـــم، ضـــاربـــ املـــثـــل بـالـسـجـادة الـجـمـيـلـة وتـنـسـيـق األشـــكـــال عـلـيـهـا: «عـنـدمـا نتحدث عن األرقـام، أول ما ندركه هو أنها في حد ذاتها مجردة، وتكتسب معنى إذا أضفنا لها معرفات، أو أن تتخذ شكال معينًا كالدائرة واملـربـع تنتج منها قطعًا مـن الجمال الفائق. مـا نـؤكـد عليه هنا هـو أن األرقــــام ليست فقط علمية، ولكنها أيضًا جميلة». ينتقل للحديث عــن تـأثـيـر الــفــن اإلســـ مـــي فــي الــفــن املـعـاصـر، وكـيـف اسـتـفـاد الـفـنـانـون مــن ذلـــك فــي تبنيهم ألساليب الخط العربي واألشــكــال الهندسية: «الـــكـــثـــيـــرون مـــن الــفــنــانــ املـــعـــاصـــريـــن عــــادوا للمنبع ولألساسيات، ولكنهم يستخدمونها بـطـرق مختلفة، مـثـل اسـتـخـدام التكنولوجيا الحديثة والذكاء االصطناعي». يختتم حديثه مــعــي بــالــتــأكــيــد عــلــى أهــمــيــة إقـــامـــة مــثــل هــذا الــحــدث فــي جـــدة بــوابــة الـحـرمـ حـيـث الـــزوار مـــن املـمـلـكـة وخــارجــهــا مـثـل املـعـتـمـريـن الـذيـن يـــتـــفـــاعـــلـــون مــــع الـــقـــطـــع املــــعــــروضــــة بـــأســـلـــوب مختلف عن شخص تتاح له الفرصة لرؤيتها فـي أحــد املتاحف الغربية: «هـنـاك عامل مهم، وهو أن زوار البينالي يفهمون اللغة العربية، وبالتالي تصبح رؤية مخطوطة أو نسخة من الــقــرآن الـكـريـم تجربة مختلفة. الحـظـت أيضًا اإلحـــســـاس بـالـفـخـر لـــدى الــــــزوار، فــهــذه القطع ليست قطعًا تاريخية منفصلة عـن ثقافتها، يــــرى الــــــزوار هــــذه الــقــطــع كـــجـــزء مـــن ثـقـافـتـهـم بالكثير من الفخر». جوليان رابي: المقدس عبر القلب والعقل للدكتور جوليان رابـي رأي خاص حول الـفـرق بـ عــرض الفن اإلسـ مـي فـي املتاحف وبني عرضه في «بينالي» مخصص له. يقول في حديث مع «الشرق األوســط» إن «البينالي لــيــس عـــن الـــفـــن اإلســــ مــــي، بـــل هـــو عـــن فـــن أن تكون مسلمًا». يعرج فـي حديثه ملفهوم الفن اإلســ مــي فـي الــغــرب، قــائــ ً: «مــن املـؤسـف أن الجمهور الغربي يرى الفن اإلسالمي بمنظار ، وهـــو مــا أطـلـق عليه 19 أوروبــــي مــن الــقــرن الـــــ (الـــفـــنـــون اإلســـ مـــيـــة الـــفـــرعـــيـــة)، وهـــــي فــنــون جميلة، ولكن بالنسبة إلي اإلسالم جزء صغير في هذه الفنون». االهــتــمــام األوروبــــــي بـتـلـك الـفـنـون يغفل جـانـبـ مـهـمـ ، وهـــو الــجــزء الــروحــانــي الــــذي ال يــمــكــن رؤيــــتــــه: «عـــنـــدمـــا نــتــحــدث عـــن الــصــ ة يمكننا رؤية سجادة صالة، ولكن هنا يصبح الــتــعــبــيــر عــــن اإلســــــــ م مـــخـــتـــزال فــــي الـجـانـب املــــادي». يعاكس قسم «الــبــدايــة» الـــذي يشرف عليه رابـــي تـلـك الـنـظـرة الـغـربـيـة، ويـشـيـر إلـى الفرق «هنا في جدة بقربها من مكة واملدينة، لـديـنـا فــرصــة لـلـحـديـث عــن مــوضــوعــ : األول هو مركز اإلسالم في مكة، والثاني عن التأثير حول العالم. ال يمكننا تحقيق ذلك بالتفصيل، وإال تـحـول الــعــرض إلـــى درس فــي الـتـاريـخ أو الجغرافيا، ولكن ما يهمنا هو إبــراز املشاعر. جمال البينالي يأتي من التقابل بني التاريخي واملــعــاصــر، وهـــو مــا يمنحنا فــرصــة لتحقيق شـــيء ال يمكن ألي متحف تحقيقه؛ ألن الفن املعاصر يمكنه التعبير عن أشياء قد ال تتبدى في القطع التاريخية، ولهذا أعتقد أنها خلطة رائعة». الـــــــــدورة الــــقــــادمــــة مــــن الـــبـــيـــنـــالـــي تــتــقــدم خـــطـــوة عـــن الـــــــدورة الـسـابـقـة فــــي هـــــذا املـــســـعـــى: «الـــعـــرض سيمثل رحلة عبر إحساسنا بــخــلــق الــــلــــه، وكـــيـــف صـنـع اإلنــــســــان الـــجـــمـــال تـمـجـيـدًا للخالق. هي رحلة عبر أقسام مختلفة، حيث ننظر إلى املقدس عبر قلوبنا وعقولنا وأيــــــــــــديــــــــــــنــــــــــــا». يــعــد الـــــــزوار بــاالســتــمــتــاع وبــالــتــدبــر: «سيكون هنا الكثير من املتعة والكثير مـن الـروحـانـيـة، أرى أنــه يـحـاول وضع اإلســـــــ م فــــي الـــفـــن اإلســـــ مـــــي». يـــرى أن الـــعـــرض املــنــقــســم لــثــ ثــة أجـنـحـة أساسية يمكن رؤيـتـه كــ«رحـلـة واحــدة مــتــصــلــة، أو يــمــكــن رؤيــــــة كــــل مــنــهــا عـلـى حدة». قسم «البداية» سيضم عـــــــــددًا كــــبــــيــــرًا مــــــن الـــقـــطـــع «الـــفـــريـــدة» بـحـسـب تعبير الخبير الذي يعد الجمهور بمفاجآت. وعـبـر مــزج رائـع بـــ الـــتـــاريـــخـــي واملــعــاصــر ســيــمــر الــــزائــــر فــــي الـقـسـم مـا بـ مفاهيم املـقـدس، ثـــــم يــــصــــل إلـــــــى أعــــمــــال مــــعــــاصــــرة تـــعـــبـــر عـن «املقدس» بطريقتها. يــتــحــدث عـــن تـفـسـيـره لـــعـــنـــوان الــبــيــنــالــي: «ومـــــا بـيـنـهـمـا ال يمكننا رؤيـــة هــذه الـعـبـارة وحــدهــا، اآليـــة تتحدث عن الــخــلــق، بـالـتـأكـيـد لــن نــعــرض الــســمــوات، ولـن نعرض األرض، ولكن العنوان سيُفسر من قبل كل شخص بطريقة مختلفة، وسيستنبط كل منهم املعاني بحسب تفكيره الـخـاص. أحس أنه عنوان يثير الفضول، وأيضًا عنوان يطلب من الزائر أن يبحث بنفسه عن التفسير». مهند شونو وأوركسترا األفكار الــــفــــنــــان مـــهـــنـــد شــــونــــو يــــعــــود لــبــيــنــالــي الــفــنــون اإلســ مــيــة هـــذه الـــــدورة بـوصـفـه قيّمًا عـلـى قـسـم «الــفــن املــعــاصــر» بـعـد أن شــــارك في الـــــــدورة األولــــــى بــعــمــل فــنــي ضـــخـــم. بـطـريـقـتـه الهادئة في الكالم يتحدث شونو عن دوره في تنسيق أعــمــال الــفــن املــعــاصــر، وعـــن املــوضــوع العام للبينالي، وما يقدمه فنانون معاصرون فـي ضــوء هــذا الـعـنـوان. يصف شـونـو الجانب املـعـاصـر فــي الـــــدورة الـثـانـيـة بـأنـه «أوركــســتــرا أفكار»، ويتحدث عن التعاون املثمر مع مديري البينالي واملشرفني عليه. بالنسبة إلى شونو، فالنقطة األسـاسـيـة هــي الـتـكـامـل بــ الجانب التاريخي والجانب املعاصر، يصفه بـ«الحوار بني القطع املعاصرة والتاريخ». نـــنـــطـــلـــق مـــــن الــــعــــنــــوان الــــــــذي أعــــلــــن عـنـه األسـبـوع املـاضـي، وهـو: «ومـا بينهما»، أسأله عـن رؤيـتـه لـلـعـنـوان، وكـيـف يتجلى فـي أعمال الـــفـــن املـــعـــاصـــر املــــخــــتــــارة: «عـــنـــدمـــا نــفــكــر فـي الــعــنــوان يـجـب أن نـتـذكـر الـسـيـاق الــــذي وردت فيه العبارة في القرآن الكريم، فهي جزء من آية: (الله الذي خلق السموات واألرض وما بينهما)، هنا نتبني أن العنوان ليس منصبًّا على جزئية واحـــــــدة مــــن اثـــنـــتـــ ، بــــل أيـــضـــ عـــلـــى املــســاحــة الـوسـطـى بــ مـسـاحـتـ ، بــ فـكـرتـ . بشكل مـا أرى أن ذلـك املفهوم يختزل ثــراء محتويات البينالي ما بني القطع التاريخية والتكليفات الفنية واملؤسسات املشاركة، ولكن من الناحية املـــعـــاصـــرة أرى أن الـــعـــرض سـيـسـتـكـشـف تلك املـــســـاحـــة الـــثـــريـــة ذات الــطــبــقــات املـخـتـلـفـة بني مــســاحــتــ ». هـــل تــــرى أن الـــعـــنـــوان يـشـيـر إلــى اإلنـــســـان؟ يــقــول: «بـالـتـأكـيـد، هـنـاك الكثير من التفكير والبحث واالستكشاف ملفهوم أن تكون مــســلــمــ ، مـــا هـــي الــــحــــدود؟ وكـــيـــف نــفــســر تلك املـسـاحـة الــوســطــى؟ هـنـا يــأتــي الــعــنــوان: (ومــا بينهما) ليلقي الـضـوء الحاني على اإلنـسـان، وما يمر به كشخص وكعنصر داخل مجتمع». الــتــكــلــيــفــات الــفــنــيــة فـــي الـــــــدورة املــاضــيــة كانت ضخمة، مشحونة باألفكار واملعاني التي تـوافـقـت مــع عــنــوان الـــــدورة االفـتـتـاحـيـة، وكــان «أول بــيــت». مــا الــــذي يـمـيـز الـتـكـلـيـفـات الفنية لـــلـــدورة الــثــانــيــة؟ يــقــول شــونــو إن الـتـكـلـيـفـات الجديدة ستثير لدى الزائر حس االستكشاف، وهو ما يفسر استبعاد أعمال فنانني راحلني، والــــتــــركــــيــــز عــــوضــــ عـــــن ذلـــــــك عــــلــــى «الـــلـــحـــظـــة املـعـاصـرة، وهــي متغيرة ومليئة بالتحديات، وتحتاج ملا يمكن وصفه بالتعليق الحي، هي أعمال متفردة ومرتبطة باملكان الذي ستُعرض فــيــه، تـبـحـر فـــي الـــواقـــع وتـــحـــاول فــهــمــه». وعـن مـشـاركـات الفنانني السعوديني يـقـول: «أعتقد أنها ستكون لحظة اكتشاف وتعرّف إلى أسماء غـيـر مــعــروفــة، ستحمل تـجـربـة مـــاذا يعني أن تـكـون مسلمًا هنا فـي هــذه البقعة مـن األرض. يمكننا وصف املشاركات بأنها نقاشات عاملية، فعاملنا متصل والسعودية جزء منه». يوميات الشرق ASHARQ DAILY 22 Issue 16742 - العدد Sunday - 2024/9/29 األحد مع فريق القيّمين حول المضمون والمعروضات والمفاجآت الموعودة نقاشات لـ بينالي الفنون اإلسالمية في جدة... حوار المقدس والمعاصر جانب من عرض في النسخة األولى من بينالي الفنون اإلسالمية في جدة (واس) لندن: عبير مشخص محراب أثري من معروضات النسخة األولى من بينالي الفنون اإلسالمية في جدة (واس) جانب من بينالي الفنون اإلسالمية بجدة في نسخته األولى (واس) عمل فني عُرض في النسخة األولى من بينالي الفنون اإلسالمية في جدة (واس) شمعدان مملوكي عُرض في النسخة األولى من بينالي الفنون اإلسالمية في جدة (واس) جوليان رابي: البينالي ًليس عن الفن اإلسالمي بل عن فن أن تكون مسلما
RkJQdWJsaXNoZXIy MjA1OTI0OQ==