issue16742

هل يلعب العامل الديني دورًا محفزًا في الحياة السياسية األمـــيـــركـــيـــة عــــامــــة، وبــــنــــوع خـــــاص خـــــال أزمــــنــــة االنـــتـــخـــابـــات الرئاسية؟ مــؤكــد أن الـــواليـــات املـتـحـدة تــظــل دولــــة ثـنـائـيـة املـعـايـيـر، دينية وعلمانية في الوقت ذاتـه، ففيما يبدأ الدستور بكلمات من نوعية «نحن الشعب»، تلك التي تحمل عمق معاني املواطنة، املنزهة عن انحياز عقدي مذهبي، نجدها تكتب على عملتها الخضراء «نحن نثق بالله»، ما يعود بنا إلـى عوالم الفيوض الروحية والدينية. فـي الـداخـل األمـيـركـي، يظل الرئيس الــذي يحضر قـداس األحد في الكنيسة، مهما تكن طائفته، ويبدأ كل غداء أسبوعي مــع نـائـبـه بــالــصــاة، ومـــن ال يفعل يـظـل عـرضـة العــتــبــاره غير متدين بما يكفي. لعل الحقيقة التي ال مــراء فيها هـي أن الشعب األميركي متدين منذ هجرة اآلباء األوائل، وجيل ما قبل املؤسسني؛ أولئك الـذيـن عُــرفــوا بــ«الـبـيـوريـتـانـيـ »، أو األطــهــار، ويـسـمـون أيضًا الحجاج إلى أميركا... أرض امليعاد الجديدة، وقد عدّوا أنفسهم شعب الله املختار... ولو مرة أخرى في تقليد عبراني، وقد كان على مـن السفينة الشهيرة «مــاي فـــاور»، ومن 1620 ذلـك عـام هنا نشأت جـذور أصولية دينية تعد أميركا حضن املسيحية فـي الـعـالـم، وأنـهـم يحملون رسـالـة إلهية يجب إبـاغـهـا لبقية شعوب العالم. على عتبات الخامس من نوفمبر (تشرين الثاني) موعد اختيار الرئيس األميركي املقبل، تقطع استطلعات الـرأي بأن العنصر الديني فاعل ومؤثر بشكل كبير، وهو ما اتضح جليًا في قـراءة مركز «أسوشييتد برس - نـورك» للشؤون العامة في سبتمبر (أيلول) الحالي. 16 إلى 12 الفترة ما بني فـي املـقـدمـة، ومــن دون أدنـــى شــك، يـبـدو التأييد للمرشح الجمهوري ترمب، من جانب القاعدة البروتستانتية اإلنجيلية أنـهـم يـنـظـرون إلـيـه بشكل 10 مــن أصـــل 7 الـبـيـضـاء، حـيـث أكـــد إيجابي، ونصفهم يرون أنه يمثل معتقداتهم بشكل أفضل. االسـتـطـاع عينه ال يـتـرك مــجــاال للشك فــي وجـــود ثقافة إنجيلية بيضاء تعتني بأبنائها، وترى أن «الغرباء الليبراليني أشرار»، ما يعني أنهم لن يصوتوا لهم البتة. هل هي انتخابات برسم ديني - عقدي دوغمائي هذه املرة؟ مــــن الـــــواضـــــح أن األمـــــــر ال يـــتـــوقـــف عـــنـــد حـــــــدود املـــرشـــح الجمهوري، بل ينسحب كذلك على املرشحة الديمقراطية، نائبة الرئيس الحالي، كاماال هاريس. ربما تكون هذه هي االنتخابات الرئاسية األميركية األولى، التي تجري بني مرشحني لكل منهما مسحة من إيمان وروحانية مسيحية، أو هكذا يدعي كلهما في زمن الدعايات االنتخابية. في املائة من البروتستانت من 75 تفاجئنا األرقام بأن نحو 10 من كل 6 أصول أفريقية يرون هاريس مرشحة إيجابية، حيث يقولون إنها تمثل معتقداتهم الدينية بشكل أفضل، ويعتقدون أنها كعضو في الكنيسة املعمدانية، متأثرة بالتقاليد الروحية التي حملتها والدتها معها من الهند، ومعروف أن األميركيني األفارقة لديهم فهم أفضل للعائلت متعددة االنتماءات الدينية. وفـيـمـا املــــرشــــح الـــجـــمـــهـــوري تـــرمـــب يــعـتـمـد عـلـى رؤيـتـه التبشيرية تقريبًا، لجعل أميركا تصلي من جديد، وجعلها أوال وقبل كل أحد، فإن العديد من تجمعات الكنائس األميركية التي يرتادها األميركيون األفارقة، ال تنفك تدعو مؤمنيها لتوحيد صفوفهم من خلف هاريس ودعمها. عـــلـــى أن مـــحـــاولـــتـــي اغـــتـــيـــال الـــرئـــيـــس الـــســـابـــق، املـــرشـــح الـجـمـهـوري الـحـالـي تـرمـب، أحـيـت نـزعـة قومية مسيحية غير اعــتــيــاديــة، إلـــى درجــــة أنــهــا ولـــــدّت تـــيـــارًا بـــات يُـــعـــرف فـــي عـالـم الصحافة األميركية بـ«أنبياء ترمب»، ورغـم صعوبة التعبير، فـإنـه يعبر عـن واقـــع حالهم بالفعل، ذلــك أنـهـم يثقون بــأن الله تعالى قد حفظه من شر االغتيال، ونجاه من براثن األشرار، وأن العناية اإللهية تعده لـدور «رسائلي» في الفترة املقبلة، حيث الواليات املتحدة تحتاج إلى منقذ حقيقي، بخاصة بعد ما فعله تيار اليسار الديمقراطي املتطرف. خــال فعاليات املؤتمر الوطني الجمهوري، الــذي انعقد فــي واليـــة ويسكونسن األمـيـركـيـة فــي يـولـيـو (تــمــوز) املـاضـي، اســتــشــهــدت حــاكــمــة واليـــــة أركـــنـــســـاس، ســـــارة هـــاكـــابـــي، وهــي مسيحية محافظة، بـالـسـمـاء، معتبرة أنـهـا هـي الـتـي تدخلت إلنـــقـــاذ تـــرمـــب، و«أن أمــيــركــا هـــي أمــــة تــحــت ظـــل الـــقـــديـــر، وهــو يحفظها من كل الشرور». زعيم وكاتب من الطوائف 200 قبل بضعة أيام، وقع نحو املسيحية الـرئـيـسـيـة الـكـاثـولـيـكـيـة واألرثــوذكــســيــة الـيـونـانـيـة، باإلضافة إلى البروتستانت، واإلنجيلية السوداء، رسالة تصف الديمقراطية بأنها «تأكيد أخــاقــي»، وتـحـث املسيحيني على نبذ «املشاعر املناهضة للديمقراطية»، أي اآليديولوجيات مثل القومية املسيحية والعنصرية. هل جاء هذا البيان خوفًا من أن يستيقظ األميركيون قريبًا على طـرح جديد «للمسيحية اإليجابية» على نسق ما عرفته النازية؟ أميركا ال تزال حائرة بني تدينها وعلمانيتها. الرتق في الشرق األوســط يتّسع على الراتقني. والحرب التي بـدأت في غـزّة منذ عـام مضى تقريبًا وصلت إلـى لبنان، ولـــيـــس بـمـسـتـطـاع أحــــد الــتــكــهــن بــتــطــوراتــهــا، أو فــعــل شــيء حيالها. هل نقول وداعًا لسلم مأمول ال يأتي. ، ها هو لبنان، مرّة أخرى، 2006 بعد هدنة مؤقتة منذ عام يجد نفسه هدفًا لغزو إسرائيلي آخر. الهدف اإلسرائيلي املعلن يسعى إلى تهميش الوجود اإليراني على حدودها ممثل في «حـزب الله». وإيـــران، من جهتها، أعلنت أنها لن تبلع الطُّعم اإلسرائيلي، وتتورط في الدخول في حرب معها. لم تكن الحرب مفاجأة. كانت كل املؤشرات، منذ بدء حرب اإلبــــادة ضـد الفلسطينيني فـي غـــزّة تـؤكـد أن الـحـرب قـادمـة ال محالة. إسرائيل تعد «حزب الله» يد إيران الضاربة في لبنان. ومنذ األسابيع األولــى للحرب ضد حركة «حـمـاس» في غـزّة، بـدأ املعلقون السياسيون والعسكريون، فـي وسـائـل اإلعــام، ينتقلون بأحاديثهم إلى الحرب املقبلة حتمًا في جنوب لبنان. مـبـاشـرة، عقب نـجـاح املـخـابـرات اإلسرائيلية (املـوسـاد) في تدمير شبكة اتصاالت «حزب الله» مؤخرًا، بتفجير أجهزة «البيجر» والراديو اللسلكي، قال وزير الدفاع اإلسرائيلي إن البوصلة اإلسرائيلية تتحرك شـمـاالً. وكانت رسالة واضحة إلى قيادة «حزب الله» وإيران والعالم. في الجمعية العامة لألمم املتحدة، خطب مؤخرًا، وللمرّة األخيرة، الرئيس األميركي جو بايدن أمام وفود دول العالم، مـؤكـدًا أن كـل جـهـوده حاليًا موجهة نحو منع حـــدوث كارثة الـحـرب فـي لـبـنـان. الـرئـيـس األمـيـركـي بـايـدن يـــدرك مسبقًا أن حكومة اليمني املتطرف في إسرائيل لن يثنيها شيء عن تنفيذ مخططها، وجر كل املنطقة إلى حرب مهلكة، لعلمها املسبق أن واشنطن والغرب عمومًا، لن يتخلوا عن دعمها، وأن الرئيس بـايـدن لـن يـصـدر قـــرارًا بـوقـف شحنات األسلحة إلــى قواتها. لكن السباق مع الزمن يجري على قدم وسـاق في أروقـة األمم املتحدة على أمــل إقـنـاع إسـرائـيـل و«حـــزب الـلـه» بـوقـف كارثة الحرب. يــــوم الـخـمـيـس املـــاضـــي، لــــدى وصـــــول رئـــيـــس الـحـكـومـة اإلسـرائـيـلـيـة بنيامني نتنياهو إلـــى نـيـويـورك للمشاركة في اجتماعات الجمعية العامة لألمم املتحدة، نقلت وسائل اإلعلم خبرًا صـادرًا عن مكتبه في القدس يقول إنه قبل سفره أصدر تعليماته للجيش اإلسرائيلي باالستمرار في استخدام كامل قوته في لبنان. وقامت وزارة الدفاع باستدعاء االحتياط. وسائل اإلعــام العربية والدولية تنقل إلينا صـور آالف اللجئني اللبنانيني الذين فرّوا من بيوتهم وقراهم وبلداتهم، في جنوب لبنان، قاصدين بيروت، وكذلك صور الدمار الذي لحق بعدة مناطق. من جانب آخر، أعلن وزير الدفاع اللبناني أن قوات بلده لن تقف مكتوفة األيدي في حال حدوث غزو إسرائيلي ألراضي بلده. وفي بريطانيا، طلبت الحكومة من مواطنيها املقيمني فـي لبنان املــغــادرة الـفـوريـة، وأعلنت عـن خطة طـارئـة إلجـاء آالف بريطاني. كما أعلنت عدة شركات طيران دولية 10 نحو عن إيقاف رحلتها إلى لبنان. اآلن، أضحت األرض ممهدة أمــام قــوات جيش االحتلل اإلســرائــيــلــي لـلـتـحـرك بــاتــجــاه الـــهـــدف: طـــرد «حــــزب الـــلـــه» من جنوب لبنان إلى ما وراء النهر، وإضعافه عسكريًا وسياسيًا، بــهــدف إضــعــاف الـــوجـــود اإليـــرانـــي عـلـى حـــدودهـــا الـشـمـالـيـة، وتهميشه سياسيًا في لبنان. لـيـس بــمــقــدور أحـــد الـتـكـهـن بـنـجـاح الــوســطــاء فــي وقـف الـــكـــارثـــة، أو الـتـنـبـؤ بـــاالتـــجـــاه الـــــذي سـتـتـجـه نـــحـــوه الــحــرب املقبلة. ومن الواضح، أن رئيس الحكومة اإلسرائيلية وائتلفه الــيــمــيــنــي املـــتـــطـــرف ال يـــفـــكـــرون فــــي الـــتـــهـــدئـــة، بــــل يــركــضــون مسرعني نحو مواصلة التصعيد العسكري لتحقيق أهـداف مختلفة. نتنياهو يسعى لضمان بقائه فـي السلطة ألطـول فترة ممكنة، لضمان عـدم مثوله أمــام القضاء بتهم الفساد. واليمني املتطرف يسعى إلى تحقيق حلمه املعلن في إسرائيل املمتدة من البحر إلى النهر. وقادة إيـران، يؤكدون من طهران أنهم لن يبلعوا الطُّعم اإلسرائيلي، ولن ينجرّوا إلى الدخول في حـرب تشعل كل املنطقة. وكـل ذلـك يحدث بسرعة عجيبة، في وضع دولي يعاني من تأثيرات حرب االستنزاف األوكرانية - الروسية، وفي وقت عاد فيه الحديث عن احتمال لجوء موسكو الستخدام الـسـاح الـنـووي، فـي حالة سماح أميركا لحكومة كييف باستخدام الصواريخ األميركية بعيدة املدى، في ضرب أهداف داخل األراضي الروسية. املـسـافـة الـزمـنـيـة الـتـي تفصل لـبـنـان عــن محنة الـحـرب، بـدخـول قــوات إسرائيلية إلـى أراضـيـه، تضيق يومًا إثـر آخـر. واملـسـاعـي الـدولـيـة الـتـي تُــبْــذل لتهدئة املــوقــف فــي سـبـاق مع الزمن، إال أن السباق يسير في خط معاكس ملا يريده االئتلف اليميني املتطرف. وفي هذا الخضم، تكاد تتلشى من وسائل اإلعـــام، أي أخـبـار عـن تـطـورات مـفـاوضـات الـسـام بـ حركة «حماس» وإسرائيل. عـنـدمـا نـــدرس لطلبتنا فــي الجامعات واملعاهد املتخصصة مسألة االستراتيجية الــعــســكــريــة، فـــا نـعـنـي حـــصـــرًا بـــهـــذا املــجــال ذلــك الـتـفـوق والـتـدخـل العسكري بالدبابات والـــــــطـــــــائـــــــرات والــــــــصــــــــواريــــــــخ؛ فـــــاالحـــــتـــــواء االستراتيجي يلعب فـي الكثير مـن األحيان دورًا ريـــاديـــ مـــن حـيـث املــــردوديــــة والـنـتـائـج املـــــــرجـــــــوة... وهــــنــــا أســـتـــحـــضـــر لـلـمـتـتـبـعـ واملـــخـــتـــصـــ وذوي الــــقــــرار هـــاتـــه الــحــكــايــة الــتــاريــخــيــة املـــعـــروفـــة عــنــد الـــذيـــن يـــزاولـــون الـكـنـدو (طــريــق الــســيــف)، وتـعـبـر بـجـاء عن نظرية االحتواء االستراتيجي: «ذات يـــــوم، دخــــل رجــــل يــحــمــل سـاحـ وهو منهك القوى إلى مدينة صغيرة، ليبحث عن أكل وعمل. لم يجد شيئًا يقتات منه أو يشربه. فـــــإذا بـــه يــجــد نـفـسـه أمـــــام رجــــل مسلح يحمل سيفًا بـراقـ، وأعـطـاه موعدًا في اليوم التالي ليتبارزا في وسـط املدينة وبحضور الخاص والعام. زائــــــر املـــديـــنـــة اســتــعــلــم عــــن ذلـــــك الـــرجـــل، فـوجـده مـن أعتى املحاربني وأقــواهــم، ولـه قوة وتجربة، وهو من صناديد املحاربني بالسيوف والــــرمــــي، وشــــــارك فـــي الــــحــــروب وتـــصـــدى لكل الهجمات... فذهب عند معلم الفنون الحربية في املدينة... فأمره بأن يصلي على نفسه صلة املـوت؛ ألن الوقت غير كاف لتعلم فنون الحرب املـــتـــطـــورة ومــجــابــهــة املــــحــــارب، وطــلــب مــنــه أن يقصد رجـل ديـن حتى يتعلم الحكمة، فقصده ونصحه رجل الدين هذا بأنه في وقت املبارزة يـجـب عليه أن يبقى دون حـركـة أثــنــاء الـقـتـال، وأن يغمض عينيه، وأن يـقـرأ صـاتـه املعتادة ويـحـرك بها شفتيه بصوت غير مـرتـفـع... فلم يفهم الزائر شيئًا، وظن أنه قد كُتب عليه مسبقًا مــــوت ســـريـــع، فــغــاظــه مـــا سـمـعـه مـــن نصيحة، إال أن رجـــل الــديــن قـــال لـــه: هــاتــه هــي الوسيلة الوحيدة لتبقى على قيد الحياة. وفي وقت املبارزة، تعجب املحارب من ردة فعل الـزائـر؛ رجـل يغمض عينيه وجـالـس دون حركة يتمتم بصلوات غير مفهومة. فبدأ يفكر املحارب؛ ألنه كان ذا فكر: فالزائر إما أن يكون أحمق، أو أنه رجل انتحاري، أو أنه رجل قوي جدًا. (فـــــــــإذا كــــــان أحـــــمـــــق، فــــهــــذا لـــــن يــــزيــــد مـن قوتي وشهرتي في شــيء، وإذا كـان انتحاريًا، فسيكون مـن الحمق مساعدته على ذلــك، وإذا كان قويًا جدًا، فقد يودي بحياتي إلى التهلكة). فكانت نتيجة ذلك أن الزائر استقر نهائيًا وبـــرخـــاء فـــي املــديــنــة الــصــغــيــرة، وعــــاش حـيـاة مديدة». هاته القصة املعبرة لفلسفة سوان تزو عن فن الحرب تعبر عن العبقرية في االستراتيجية، التي هـي ليست املـبـارزة املـبـاشـرة... ولكن هي احتواء وتطويق بأقل تكلفة ونتائج مضمونة. وهـــاتـــه الــعــبــقــريــة االســتــراتــيــجــيــة غـابـت عن محركي «طوفان األقـصـى»، الذين ظنوا أن مـخـرجـات األمـــور ستسفر عـن إخـــاء السجون اإلســـرائـــيـــلـــيـــة مــــن املــعــتــقــلــ الــفــلــســطــيــنــيــ ، وعـــن تــوغــات عسكرية إسـرائـيـلـيـة محتشمة، تعقبها اتـفـاقـيـات معلنة وأخــــرى غـيـر معلنة لـصـالـح «حـــمـــاس». وإذا لـــم يـكـن كـــل هــــذا، فـإن شــرارة الحرب هاته التي أُطلقت ستتبعها في اإلبـان حرب إقليمية واسعة، وإن كل من يقطن فــي «مــحــور املـمـانـعـة» سيعتبر الــحــرب حربه وسينخرط فيها بل مماطلة، وإن إيران ستلزم الدخول فيها، فتتسابق القوى الدولية إلى صب املاء على النار املشتعلة؛ وبذلك تكون «حماس» قـد أصبحت فـاعـا داخـلـيـ وإقليميًا تستطيع قلب القواعد الدولية، وإرغــام األعــداء واإلخـوة الــخــصــوم عـلـى الـتـعـامـل مـعـهـا كــقــوة ال يُعلى عليها. كـمـا أن هـاتـه العبقرية االستراتيجية غابت عن «حزب الله» الذي وجد نفسه في بحر مـــن املـــآســـي واالســـتـــنـــزافـــات فـــي صــفــوفــه، وفـي مناعته، وهـبّــتـه الداخلية واإلقليمية، خاصة بــعــد انــفــجــار أجـــهـــزة اتـــصـــاالت «الــبــيــجــر» من طـرف جهاز املـخـابـرات اإلسرائيلي (املـوسـاد)، ومـــن خـــال زرع كـمـيـة صـغـيـرة مــن املـتـفـجـرات داخـــل اآلالف مــن أجــهــزة «الـبـيـجـر» اسـتـوردهـا «حزب الله» قبل أشهر. وهذا يعني مما يعنيه قوة االستخبارات اإلسرائيلية، كما يعني ذلك وهــــن أجـــهـــزة الــتــرقــب واالســـتـــبـــاق لــــدى «حـــزب الله» وإيــران، هذا الوهن الـذي مكّن من توجيه ضربات دقيقة تمثلت في اغتيال جنرال «حزب الله» فؤاد شكر في ضاحية بيروت الجنوبية، وزعـــيـــم «حـــمـــاس» إسـمـاعـيـل هـنـيـة فــي طـهـران نـفـسـهـا، وإحـــــداث شـــروخ فــي «قــــوة الـــرضـــوان» (قوات النُّخبة في الحزب) خلل اجتماع لها في ضاحية بيروت الجنوبية. وهاته الدقة االستراتيجية تخيف إيـران الــتــي تـفـكـر وتـــقـــدر، ثـــم تـفـكـر وتـــقـــدر، ثـــم تفكر وتنظر قبل أن تأخذ أي قرار عسكري تواجه به إسرائيل في ظل التفوق العسكري اإلسرائيلي - األمـــيـــركـــي، وتــهــالــك بــعــض أنـــــواع أسلحتها وطائراتها واختراق أجهزتها، وفي ظل امتلك أميركا وإسـرائـيـل ملقاليد الجيل الخامس من الحروب... فـــــي ظـــــل هــــاتــــه املــــســــلّــــمــــات، كـــــــان يــمــكــن للحتواء االستراتيجي من خـال القصة التي بــــدأنــــا بـــهـــا مــقــالــتــنــا، ومـــــن خـــــال تــمــثــلــه لـــدى الفاعلني، أن تكون له آثار إيجابية، وما كان لكل هاته املصائب اآلزفة أن تكون اليوم في منطقة تـبـتـعـد أكـــثـــر فــأكــثــر عـــن الــســلــم واألمـــــــن، وفــي منطقة تـــزداد مشاكلها، وفيها أزمـــات صعبة ومتتالية، وميليشيات متعددة، وجيوش قلقة، ومـــســـيّـــرات خـــارقـــة لـــلـــحـــدود، وجـــواســـيـــس من الجيل الخامس، وقوى وتحالفات ال متكافئة. OPINION الرأي 12 Issue 16742 - العدد Sunday - 2024/9/29 األحد لبنان ومحنة الحرب الدين واالنتخابات الرئاسية األميركية حافة الحرب المتوسعة وغياب االحتواء االستراتيجي وكيل التوزيع وكيل االشتراكات الوكيل اإلعالني المكـــــــاتــب المقر الرئيسي 10th Floor Building7 Chiswick Business Park 566 Chiswick High Road London W4 5YG United Kingdom Tel: +4420 78318181 Fax: +4420 78312310 www.aawsat.com [email protected] املركز الرئيسي: ٢٢٣٠٤ : ص.ب ١١٤٩٥ الرياض +9661121128000 : هاتف +966114429555 : فاكس بريد الكتروني: [email protected] موقع الكتروني: www.arabmediaco.com هاتف مجاني: 800-2440076 املركز الرئيسي: ٦٢١١٦ : ص.ب ١١٥٨٥ الرياض +966112128000 : هاتف +9661٢١٢١٧٧٤ : فاكس بريد الكتروني: [email protected] موقع الكتروني: saudi-disribution.com وكيل التوزيع فى اإلمارات: شركة االمارات للطباعة والنشر الريـــــاض Riyadh +9661 12128000 +9661 14401440 الكويت Kuwait +965 2997799 +965 2997800 الرباط Rabat +212 37262616 +212 37260300 جدة Jeddah +9661 26511333 +9661 26576159 دبي Dubai +9714 3916500 +9714 3918353 واشنطن Washington DC +1 2026628825 +1 2026628823 املدينة املنورة Madina +9664 8340271 +9664 8396618 القاهرة Cairo +202 37492996 +202 37492884 بيروت Beirut +9611 549002 +9611 549001 الدمام Dammam +96613 8353838 +96613 8354918 الخرطوم Khartoum +2491 83778301 +2491 83785987 عمــــان Amman +9626 5539409 +9626 5537103 صحيفة العرب األولى تشكر أصحاب الدعوات الصحافية املوجهة إليها وتعلمهم بأنها وحدها املسؤولة عن تغطية تكاليف الرحلة كاملة ملحرريها وكتابها ومراسليها ومصوريها، راجية منهم عدم تقديم أي هدايا لهم، فخير هدية هي تزويد فريقها الصحافي باملعلومات الوافية لتأدية مهمته بأمانة وموضوعية. Advertising: Saudi Research and Media Group KSA +966 11 2940500 UAE +971 4 3916500 Email: [email protected] srmg.com عبد الحق عزوزي العبقرية االستراتيجية غابت عن «حزب هللا» الذي وجد نفسه في بحر من المآسي واالستنزافات جمعة بوكليب أميركا ال تزال حائرة بين تدينها وعلمانيتها إميل أمني

RkJQdWJsaXNoZXIy MjA1OTI0OQ==