issue16739

Issue 16739 - العدد Thursday - 2024/9/26 الخميس كتب BOOKS 17 محمد البرمي في مجموعته «يجذب المعادن ويحب الكلاب» الحياة على هامشالوحدة في مجموعته القصصية الجديدة «يجذب المعادن ويحب الـكـاب»، يلعب الكاتب والقاص المصري محمد البرمي على مفارقات الوحدة، فيجعل صوتها هـــاجـــســـا يــــطــــارد أبــــطــــال قـــصـــصـــه حـــدّ الاشتباك مع الجنون، ولا يبدو انتظار الحب هو الوجه الوحيد لوحدتهم، وإن كان غيابه يـؤرق واقعهم، وتصوراتهم الذاتية عن الحياة. صـــــدرت المــجــمــوعــة أخـــيـــراً عـــن دار «الـكـتـب خـــان» للنشر بـالـقـاهـرة، وعبر قصة يبدو الأبطال محاصرين داخل 15 دوائـــرهـــم الـيـومـيـة البسيطة والمـعـتـادة الـــتـــي يـــراهـــنـــون فـيـهـا عــلــى «الــــروتــــن» كــــصــــمــــام أمــــــــان يـــتـــشـــبـــثـــون بــطــقــوســه الـــرتـــيـــبـــة مــــن ســــاعــــات عـــمـــل مــكــتــبــيــة، تتبعها ساعات تحضير لليوم التالي، في دائرة زمنية مُغلقة على أصحابها، فبطل قصة «شـــارع سـنـان» الـغـارِق في روتي وحدته، وساعات العمل الطويلة، يتلمس مع انتقاله لسكن جديد البحث عن بدايات جديدة، فيتعامل مع المكان الجديد بشاعرية وهـو يستمع لصوت أم كـــلـــثـــوم فــــي شـــرفـــتـــه بـــاحـــثـــا عــــن أي أثـــر لـلـحـيـاة وصِــــات مــع جــيــران جُـــدد، وسـرعـان مـا يكتشف أنـه ساكن وحيد فـــي جـــزيـــرة مـــعـــزولـــة جــــديــــدة، فينفتح الـسـرد على مفارقات كابوسية، ويجد البطل نفسه مُتهما بارتكاب جريمة في بيت أحد الجيران، فتبدو العزلة وكأنه تــقــوده إلـــى مـــراوحـــات ذهـنـيـة مـشـدودة بي الواقع والهلوسة. مسرح الخيالات يــســتــعــن الـــكـــاتـــب مــحــمــد الــبــرمــي بـــــالأحـــــام بـــأبـــعـــادهـــا المــيــتــافــيــزيــقــيــة، ومساحة الـضـالات والأوهــــام، كتقنية فــــنــــيــــة فــــــي ســــــــرد مــــجــــمــــوعــــتــــه، وأداة يـــتـــحـــرى بـــهـــا الـــعـــالـــم الـــداخـــلـــي الــثــائــر لأبطاله خلف القشرة الـزائـفـة لتماسك علقتهم مع العالم الخارجي، بما فيها الـعـاقـات الحميمة، ففي قصة «أزواج وقــتــلــة» ينطلق الــقــاص مــن «كــابــوس» يتلبس الــزوجــة الـتـي تــرى فـي منامها أن زوجـــهـــا يـــقـــوم بـخـيـانـتـهـا وقـتـلـهـا، فتنقلب حياتهما الـهـادئـة بسبب هـذا الـكـابـوس المـتـكـرر، وســط مــحــاولات من الــــزوج لاسـتـيـعـاب غــرابــتــه، ثــم سـرعـان ما يلحقه هو الآخر كابوس أن زوجته تـقـوم بقتله وهـــو يخونها مــع غيرها، فتتحوّل عندها الأحــام لقرائن عبثية تقود حياتهما الواقعية إلـى الجحيم، وتــكــشــف مـــا بــهــا مـــن عــطــب وهــشــاشــة تـــخـــص عــاقــتــهــمــا المـــشـــتـــركـــة، فـيـصـف الـبـطـل حـيـاتـه مــع زوجــتــه بـــ«الــروتــن» مستنداً على حجة تبرر ذلـك وهـي «أن تـسـتـمـر الــحــيــاة عــلــى روتــيــنــهــا أفـضـل من ألا تستمر»، ويجعل القاص محمد البرمي مخرج أزمـة البطلي وهواجس الـــقـــتـــل المُـــخـــيّـــمـــة عــلــيــهــمــا تــنــتــقــل إلـــى فــضــاء فـــانـــتـــازي، حـيـث يــتــحــوّل البيت إلـــــى مـــســـرح مـــفـــتـــوح عـــلـــى الـــخـــيـــالات، فـتـبـدو الأحـــــام وكــأنــهــا تــتــوالــد، حتى تبتلع الزوج والزوجة داخل فقاعة حلم مشترك لا يخلو من عبثية. ويــــــبــــــدو أبــــــطــــــال المــــجــــمــــوعــــة غــيــر قـــــادريـــــن عـــلـــى الـــتـــكـــيّـــف أو اســتــيــعــاب المــســافــة بـــن الأمــنــيــات والمـسـتـحـيـات، فـــبـــطـــل قـــصـــة «وقـــــائـــــع مـــقـــتـــل الـــســـيـــدة مرسيدس» الـذي يعمل أمينا للمخازن يعيش تحت مظلة خياله وشطحاته، فهو يستمتع بتأليف حكايات خرافية ســــاذجــــة، ويـــؤمـــن فـــي قــــــرارة نــفــســه أن الــشــيء الـوحـيـد الـــذي ينقصه ليصبح «ماركيز» هو دعم زوجته له كما فعلت «مرسيدس» مع زوجها الأديـب العالمي الشهير، فيظل البطل على مدار القصة يتأرجح ما بي لوم نفسه ولوم زوجته عـــلـــى عــــــدم كـــتـــابـــتـــه لــــــــأدب الـــســـحـــري الخيالي، فيقول: «لمــاذا لا أكتب روايـة؟ طالما أنني أعايرها دائما بأنها ليست مـــرســـيـــدس، فــلــمــاذا لا أكــــون مــاركــيــز»، ويبدو في حالة مناورة دائمة مع أحلم يــقــظــتــه، واضــــعــــا زوجــــتــــه مـــحـــل اتـــهـــام لـــعـــدم لمـــعـــان مــوهــبــتــه وتـــركـــه «يـصـنـع عالما يشكله كما يـريـد»، ويفجر السرد مفارقته الساخرة، كاشفا أن البطل لم يقرأ لماركيز في حياته، وأنـه لم يطالع سوى منشور على «فيس بوك» يتحدث عــــــن دعـــــــم مـــــرســـــيـــــدس لمـــــاركـــــيـــــز خــــال كتابته لــروايــة «مـائـة عــام مـن الـعـزلـة»، بـمـا يحيل إلــى الأحــــام الخيالية التي تـعـززهـا وســائــل الــتــواصــل، والـحـواجـز الــتــي تـبـنـيـهـا تــلــك الأحـــــام بـــن الـبـشـر وواقعهم. استقبال الحب كـــمـــا يــســتــعــيــر الـــبـــطـــل هـــنـــا قــنــاع «مـــــاركـــــيـــــز» فـــــي مــــحــــاولــــة لاســـتـــشـــعـــار جدارته، فيجعله السرد مُعادلاً للكشف عــــن تــــصــــورات الـــبـــطـــل عــــن نـــفـــســـه، فـــإن الـــســـارد فـــي قــصــة «الــفــتــاة الــتــي تُـشـبـه إيـمـي وايــنــهــاوس» يـؤسـس آصـــرة بي الـــنـــجـــمـــة الـــبـــريـــطـــانـــيـــة الــــراحــــلــــة إيــمــي وايـــنـــهـــاوس أو «إيـــمـــي الــحــزيــنــة»، كما يصفها الــراوي، و«زينب» بطلة القصة التي يجمعها شبه بالمغنية البريطانية الـتـي مـاتـت فــي أوج نجوميتها: «رغــم صـــخـــبـــهـــا، امــــــــــرأة حــــزيــــنــــة تــــمــــوت فــي السابعة والعشرين من عمرها، علقات الحب البائسة الأحــزان التي لا تنتهي، الاضطراب الـذي يحتل مساحة لا بأس بها داخـلـنـا»، ويُـخـرج الـسـارد مـن رحم قـصـة إيـمـي وايــنــهــاوس الـبـائـسـة قصة أخــرى لبطلة تشبهها شـكـاً، وسرعان ما يجمعهما الخيال الأدبي في مصير الموت المُبكر، وحسرة الحب. فهكذا، ينقسم أبطال المجموعة بي أبــطــال يتخبطون بحثا عـمـا يـريـدونـه مـــن الــحــيــاة، وآخـــريـــن يــؤرقــهــم وعيهم التام بما يـريـدون، فبطل قصة «سبيل محمد علي» يريد أن يتبادل الحب مع فتاة وهو يقترب من الثلثي من عمره، مــــأزومــــا بـــالـــصـــراع بـــن مــشــاعــر الـحـب ورغـبـة الـجـسـد، والـشـعـور بـالـذنـب، في سياق مجتمعي ضاغط يجعله يتطرف في استقبال الحب. أما بطل قصة «يجذب المعادنويُحِب الــــكــــاب» فـيـسـتـبـصـر أزمــــتــــه بــشــاعِــريــة تُفلسف الشدائد والفقد، فالبطل يتوقف أمــــــــام اســـتـــقـــبـــال جــــســــده خــــــال فـــتـــراتـــه الأخيرة لشرائحومسامير معدنيةشتى، إثــر إصـاحـات وصيانة لكسور العظام وعطب الأسـنـان، فيجتر لحظة إصابته بــرصــاصــة خـــال ثــــورة يـنـايـر المـصـريـة، التي ظلّت فيجسده بعد نصيحة طبيب بعدم إخراجها، وتركها ليتأقلم الجسد معها، فيبدو تحسس مكان الرصاصة كـل مـرة وكـأنـه تحسس لمـا تحمله معها من «ذكريات حزينة وأيام قاسية وأحلم ضــــائــــعــــة»، وعــــلــــى مـــــــدار الـــقـــصـــة يــبــدو البطل في محاولة لتأمل ذاته «الجاذبة» للكسور والآلام، و«المـطـرودة» من الحب، بصيغة أقرب للستسلم والتقبّل، تماما كنصيحة الطبيب لـفـكـرة الـتـعـايـش مع «الـرصـاصـة»، فيستعيض عن فشله في قصة حبه بتربية «كـلـب» يتواصل معه عاطفيا ويصفه بـ«شريكي في الحياة»، ليمدّ القاص خيطا سرديا مرهفا يجمع بي الحيوان والجماد، وبينهما الإنسان حـــــائـــــر فــــــي المــــنــــتــــصــــف، فــــــي مــجــمــوعــة قصصية لافــتــة تتمتع بـرائـحـة سـرديـة خاصة. القاهرة: منى أبو النصر «لا تقل إنني لم أحذرك»... تأملات في كواليسالكتابة والإبداع فـــــــي مــــــزيــــــج ســــــاحــــــر مـــــــن تـــجـــربـــتـــه الـــشـــخـــصـــيـــة فـــــي الــــكــــتــــابــــة، وبـــصـــيـــرتـــه الــــــخــــــاص كــــــأديــــــب مـــــــوهـــــــوب، يــــأخــــذنــــا الـصـحـافـي والـــروائـــي الأمــيــركــي الشهير تــــشــــاك بــــولانــــيــــك، مــــؤلــــف روايــــــــة «نـــــادي الـــقـــتـــال»، الــتــي تـحـولـت إلـــى فـيـلـم شهير بـطـولـة بـــراد بـيـت، إلـــى مــا وراء كواليس الكتابة، ويشارك القارئ مغامراته المثيرة ويقدم نصائح سخية للدباء الشبان في كـتـاب «لا تقل إنـنـي لـم أحــــذرك»، الـصـادر عــــن «دار الــــكــــرمــــة» بــــالــــقــــاهــــرة، تــرجــمــة مـحـمـد الــدخــاخــنــي. يــركــز المـــؤلـــف بشكل خــاص على مـا يجعل الكتابة قـويـة وما يجعلنا نصف حكاية مـا بأنها مـؤثـرة. ومن خلل خبرة طويلة تستند إلى أعوام مـن الــدراســة المتأنية والـعـديـد مـن الكتب الناجحة، يمنح بولانيك كل مهتم بحرفة الـكـتـابـة دلـــيــاً واضـــحـــا ومـلـهـمـا وعمليا وكــشــفــا مـــذهـــاً لـــقـــوة الــكــتــابــة الإبــداعــيــة وتأثير فن السرد القصصي. رغـــــم ذلـــــك يـــقـــول بـــولانـــيـــك مـخـاطـبـا الـقـارئ إنــه إذا أتــاه وطلب منه أن يعلمه كـــل مـــا يـسـتـطـيـع فـسـيـخـبـره أن صـنـاعـة الـنـشـر فــي حـالـة يُــرثــى لـهـا، وأن الــروايــة لـــم تـعـد ولـــو مــجــرد ومــضــة فـــي الـثـقـافـة، فـــقـــد جـــــاء الـــجـــيـــل الـــجـــديـــد مـــتـــأخـــراً جـــداً بـعـد أن دمـــرت الـقـرصـنـة الأربــــاح وانتقل الـقـراء كافة إلــى مشاهدة الأفـــام وألعاب الكمبيوتر. ويخاطب المؤلف قارئه قائلً: «يــــا ولــــد عـــد إلــــى الــبــيــت، فـــا أحــــد يُــولــد للقيام بهذه الوظيفة؛ سرد القصص. نعم لكن عندما تصبح مؤلفا فإنك تبحث عن مـؤلـفـن آخــريــن كـمـوجـهـن لــك وتستفيد مـن تجربتهم بالطريقة التي يبحث بها مصاصو الدماء عن ضحاياهم، مع إيمان عميق بـأنـه لكي يـــدوم أي شــيء يجب أن يكون مصنوعا من الغرانيت أو الكلمات». ويشير بولانيك إلــى أن هــذا الكتاب يـــعـــد بـــطـــريـــقـــة مــــا دفــــتــــر قـــصـــاصـــات مـن حـــيـــاتـــه الـــكـــتـــابـــيـــة ومــــطــــاردتــــه لمـشـاهـيـر الأدبــــاء ومصاحبتهم طـالـبـا النصيحة، مــــــن الــــتــــبــــضــــع فــــــي ســــــــوق الـــــــخـــــــردة فــي برشلونة مع ديفيد سيدرايس إلى تناول المـــشـــروبـــات فـــي حـــانـــة مـــع نـــــورا إيـــفـــرون قبل أشهر فقط مـن وفـاتـهـا، إلــى سنوات المــراســلــة المتقطعة الـتـي مــر بـهـا مــع تـوم جونز وأيراليفي. وإذا عـاد مؤلف شاب فـي يـوم آخـر وطلب منه أن يعلمه أسـرار الإبداع، فسيخبره أن كونه مؤلفا ينطوي على ما هو أكثر من الموهبة والمهارة، لأنه ببساطة عـرف مؤلفي رائعي لم ينتهوا مــن أي مــشــروع وأدبـــــاء أطـلـقـوا أفـــكـــاراً لا تُصدق ثم لم ينفذوها بالكامل قط، ورأى كُتابا باعوا كتابا واحداً وأصيبوا بخيبة أمل شديدة بسبب العملية إلى درجة أنهم لم يكتبوا كتابا آخر. ويـــقـــتـــبـــس بــــولانــــيــــك بــــتــــصــــرف عــن الكاتبة جـوي ويليامز قولها إن «الكُتاب يجب أن يكونوا أذكياء بما يكفي لإيجاد فكرة رائعة، لكنهم يجب أن يكونوا مملي بما يكفي لدراستها وتنقيحها وتحريرها مـــــع تــــســــويــــق المــــخــــطــــوطــــة ومـــراجـــعـــتـــهـــا ومراجعتها مرة أخرى وإعـادة مراجعتها ومــــراجــــعــــة الـــنـــســـخـــة المــــــحــــــررة وتـــدقـــيـــق التنضيد الأولــي وإجــراء مقابلت وكتابة مـقـالات للترويج للعمل، وأخــيــراً الـذهـاب إلى عدد من المدن وتوقيع النسخ لآلاف أو عشرات الآلاف من الأشخاص». ويــــنــــصــــح المـــــؤلـــــف الأديــــــــــب الــــشــــاب بـأن يفكر فـي القصة على أنها تدفق من المعلومات، في أحسن الأحوال، سلسلة من الإيقاعات متغيرة باستمرار، ثم يفكر في نفسه باعتبار أنه ليس الكاتب بل منسق الأغاني أو «الـدي جي» الذي يقوم بخلط وتـجـهـيـز وعــــرض المـقـطـوعـات الـغـنـائـيـة. وكلما زاد عدد المقطوعات الموسيقية التي يتعي عـلـى الأديــــب المـبـتـدئ أخـــذ عينات مـنـهـا، كـلـمـا زاد عـــدد الأســـطـــوانـــات التي يتعي عليه تــدويــرهــا وزادت احتمالية إبــــقــــاء الـــجـــمـــهـــور يــــرقــــص. هـــنـــا سـيـكـون لديه المزيد من الحيل للتحكم في الحالة المزاجية له وللجمهور الراقص. لتهدئتها تـــمـــامـــا ثــــم الـــعـــلـــو بـــهـــا بــــقــــوة، لـــكـــن عـلـيـه الاســتــمــرار دومــــا فــي الـتـغـيـيـر والـتـنـويـع والتطوير. القاهرة: «الشرق الأوسط» «حول القيادة» لتوني بلير دليل من أجل الحكم الرشيد أصـــدر رئـيـس الـــــوزراء الـبـريـطـانـي الـسـابـق، توني عـــامـــا)، كـتـابـا جـــديـــداً بــعــنــوان «عـــن الــقــيــادة: 71( بـلـيـر )، يـقـول فيه 2024( » دروس لـلـقـرن الــحــادي والـعـشـريـن إنه يقدم جميع النصائح التي تمنى لو علم بها عندما تولى المنصب التنفيذي الأهــم فـي المملكة المتحدة عام .1997 ويــــــرى بـــعـــض الـــنـــقـــاد فــــي الـــصـــحـــف الــبــريــطــانــيّــة أن تـوقـيـت صـــدور الـكـتـاب قــد يـمـثّـل مــدخــاً إلـــى إعـــادة الـتـأهـيـل الـسـيـاسـي للزعيم الـسـابـق لـحـزب الـعـمـال مع داونيينغ ستريت - مقر 10 العودة المظفرة لحزبه إلـى رئاسة الحكومة البريطانية في لندن - بعد عقد ونصف العقد مـن انــفــراد حـكـومـات حــزب المحافظي بالسلطة، وتـولـي كير سـتـارمـر، أحــد تـامـذتـه الأمـيـنـن على خط الــديــمــقــراطــيّــة الاجــتــمــاعــيــة الـــجـــديـــدة، مـنـصـب رئـيـس الوزراء. وكــــــان بــلــيــر، الــــــذي انـــتُـــخـــب لـــولايـــتـــن مـتـتـالـيـتـن وبشعبيّة غير مسبوقة على خلفية من ركـود سياسي شاب أداء حكومات المحافظي في التسعينات، قد ترك السلطة بسمعة مختلطة؛ إذ اعتبرت جهات - في اليمي - أن الـرجـل دفـع بمصالح بريطانيا إلـى الأمـــام، وحقق «إصلحات» في مجالات عدّة، وساهم في تثبيت النظام لحظة الارتــبــاك أمـــام مقتل الليدي ديـانـا سبنسر، لكن آخرين، لا سيما في اليسار، لعنوه – وما زالوا - بسبب قراره المخالف للتوجهات الشعبيّة بالانضمام إلى الغزو ،2003 الذي قادته الولايات المتحدة ضد العراق في عام وانحياز حكومته العماليّة لمصالح القطاع الخاص في التعليم والصحة والنقل العام. ومــهــمــا يــكــن مـــن أمــــر الـــخـــاف عــلــى تـــــراث الـــرجـــل، فــــإن خــبــرتــه الــطــويــلــة نـسـبـيـا فـــي حــكــم دولــــة مفصليّة فــي الـنـظـام الـعـالمـي مـثـل بـريـطـانـيـا، وعـاقـاتـه الوثيقة بـالإدارات الأميركيّة، وشبكة العلقات الدّولية الواسعة الـــتـــي أدارهـــــــا بــعــد تـــركـــه الــســلــطــة مـــن خــــال مـؤسـسـتـه الاستشارية، تفرض على كل معني بالسياسة، والحكم الـــرشـــيـــد، والإدارة، أن يـصـغـي لمـــا قـــد يــقــولــه حــــول فن غامض وخطير وشديد الأهميّة مثل القيادة. لعل المقدمة، وهي أقوى ما جاء في الكتاب، تعطي تـــبـــريـــراً شـــديـــد الـــواقـــعـــيـــة لــلــفــائــدة المــــرجــــوة مـــن قــــراءة نصوص من مارسوا أدواراً قيادية بشكل أو آخر، سواء فـي حكم الــــدّول، أو فـي إدارة الـشـركـات والمنظمات؛ فل أحــد - كما يـقـول بلير - ينجح فـي مهمته لمـجـرد كونه قائداً، بل من خلل العمل الـدؤوب، والاعتناء بالتنفيذ، وإعـمـال الفكر عند اتخاذ الــقــرارات، والفضول والرغبة بالمعرفة، ومقاومة الغطرسة عبر توازن دقيق بي الثقة بالنفس والتواضع. وعلى النقيض من معظم المهن في العالم المعاصر، التي تتطلب تخصصا وتـأهـيـاً، فمن الجليّ أن الـقـيـادة - فـي فضاء السياسة على الأقــل - لا تتطلب مؤهلت رسمية معينة أو خبرة سابقة محددة أو تــدريــبــا مــحــضّــراً، ولـــذلـــك فـــإن الاطـــــاع عـلـى تـجـارب المــمــارســن مــن خـــال كتبهم ومــذكــراتــهــم قــد تــكــون من المصادر القليلة المتوفرة لفهم هذه الظاهرة المعقّدة. يتناول بلير في «عـن القيادة» أسئلة مهمة بشأن السمات والمـهـارات وطرائق التفكير التي تصنع القائد الناجح، ويقترح عليهم من وحيخبرته الشخصيّة أموراً ينبغي للقادة فعلها - أو تجنب القيام بها - للحصول على صيت خالد في قلب كتاب التاريخ، لا مجرد ذكر عـابـر فــي سـجـل الــزائــريــن! ومـــن المــفــارقــات، مــع ذلـــك، أن مـــن اكـتـسـبـوا خــبــرة سـابـقـة فـــي مــوقــع قـــيـــادي بخاصة فـي قـطـاع الـشـركـات التجارية الكبرى سيجدون أجــزاء كثيرة من الكتاب تكراراً ضحلً ربما لبعض الأساسيات التي لا جدال بشأنها؛ فمعظم القادة يدركون أهميّة أن يكون لديهم خطة وأن يلتزموا بها، وأن يديروا الوقت العام والشخصي بفاعلية، وأن يحددوا الأولويات، وأن يفهموا الفرق بي التكتيك والاستراتيجية، وأن يفضلوا السياسات التوجيهية على الخطابيّة، وأن يفاوضوا بكفاءة، ويكونوا مستعدين لاتخاذ قرارات قد لا تحظى بشعبية، ويـتـابـعـوا التنفيذ حـتـى مـنـتـهـاه. وبالطبع، فإن ما يحتاج إليه القادة هو أن يستمعوا - بشأن هذه الأمور كلها - إلى ما يفيدهم في معالجة تحديات عديدة ستواجههم حتما لـدى شروعهم بالقيام بها، وهـو ما لا يقدّم بلير الكثير منه في معظم فصول كتابه. على أن ذلــــك يــتــم تــعــويــضــه عــلــى نــحــو مُــــــرضٍ فـــي المــقــاطــع المـتـضـمـنـة لمــشــورتــه حـــول كـيـفـيـة الـتـعـامـل مـــع الأعــبــاء الشخصية لـلـقـيـادة، وإدارة الـبـيـروقـراطـيّـة، ومواجهة ضغوط وسائل التواصل الاجتماعي، وأهميّة السعي إلى تطوير المناطق النائية، وتجنب الغطرسة، ومعرفة الوقت الملئم لمغادرة المسرح. أمــــا الـقـضـيـة الأكـــثـــر إثـــــارة لــلــجــدل بــشــأن رئـاسـتـه للوزراء، وهي حرب العراق والبحث العقيم عن أسلحة دمـــار شـامـل زعـــم الأمـيـركـيـون أن بــغــداد تمتلكها، فلم يكن لدى بلير الكثير ليقوله في معرض الــدروس التي يـمـكـن لــلــقــادة اسـتـخـاصـهـا مـــن تــلــك الــتــجــربــة المكلفة عــلــى الـصـعـيـد الإنـــســـانـــي، واكــتــفــى بــــالإشــــارة إلــــى أنــه سبق وتـحـدث فـي هـذا الأمــر مــرات عـديـدة، بما فـي ذلك ) - وأنّـــــه «لــن 2010( » فـــي مـــذكـــراتـــه المـــنـــشـــورة - «رحـــلـــة يمكن إقناع شخص لا يريد أن يقتنع»، لكنّه لم يتوانَ عن تقريع الرئيس الـروسـيّ، فلديمير بوتي، في عدة مـواضـع مـن الكتاب، لـغـزوه أوكـرانـيـا، بحجة أنّ ذلـك لا يليق بسلوك دولة ديمقراطيّة متحضرة. نصيحة بلير الوحيدة للقادة هنا أن يعتنوا وهم فـي موقع الـقـيـادة بما سيكون عليه إرثـهـم بعد تركهم المــنــصــب كـــي لا يــتــم تـعـريـفـهـم لاحــقــا مـــن خــــال قـضـيّـة واحــدة - مثل الـعـراق في حالته - معترفا بأنّه لم يفعل مـــا يـكـفـي بـــهـــذا الاتـــجـــاه فـــي أثـــنـــاء تــولــيــه الــســلــطــة، ما تــرك مجمل تجربته مشاعا يـحـدده آخـــرون لـم يعرفوه شخصيا وعلى الأغلب أنهم لن يلتقوا به في أيّ وقت. صورة بلير التي يمكن استشفافها من خلل وجهة نظره عن ماهية القيادة تجعله أقرب إلى شخصيّة «أمير ميكافيللي»، إشــــارة إلـــى منهجية الـفـصـل الــواعــي في إدارة شؤون الدّولة بي ما هو أخلقي وما هو براغماتي كما في كتاب نيكولو ميكافيللي الشهير، فعند بلير ما يقوله القائد في الحملة الانتخابيّة ليس بالضرورة أن يكون خطته فـي الحكم، ومـا يجب أن يسعى لتحقيقه لأجل المصلحة العامة قد لا يحظى بالقبول الشعبي من الناخبي، بـل يمكن للقائد أن يتعاطف علنا مـع المُثل الاشتراكيّة النبيلة، ثم ينفّذ على أرض الواقع كل ما من شأنه أن يخدم مصالح القلة من الخواص. لندن: ندىحطيط خبرة بلير الطويلة نسبياً فيحكم دولة مفصليّة في النظام العالمي مثل بريطانيا، تفرضعلى كل معني بالسياسة، والحكم الرشيد، والإدارة، أن يصغي لما قد يقوله

RkJQdWJsaXNoZXIy MTI5OTky