issue16739

تـكـاد الـحـرب الثالثة على لبنان تصبح من دون سقوف، والبلد مكشوف أمنياً واستخباراتياً. اجتياح جـوي تدميري تهجيري بدأته إسرائيل، الـسـبـت المـــاضـــي، وتــحــول مـنـذ الاثــنــن إلـــى إبـــادة جماعية، فتمددت المجازر بي الجنوب والبقاع، 600 لتتظهر حصيلة ثقيلة مـع سـقـوط أكـثـر مـن ضـحـيـة، ومـــا يــزيــد عـلـى ألــفــي إصـــابـــة. فخرجت مـسـتـشـفـيـات عـــن الــخــدمــة، وسـيـطـر خـــوف وهـلـع قابلهما تهجير جماعي قسري لمئات الألوف ممن أذلتهم العجرفة! تــــرك تـــســـارع الأحـــــــداث مـــامـــح قـــاتـــمـــة، وكـــأن لـبـنـان فــي طـريـق الـتـحـول إلـــى غـــزة ثـانـيـة، بعدما اســتــنــســخ الـــتـــوحـــش الــصــهــيــونــي أكـــثـــر مــــن غـــزة صغيرة فـي الـبـلـدات الـحـدوديـة التي تحولت إلى رماد! بدأ المنحى الخطير من لحظة إدراج الحكومة الأمنية الإسرائيلية جبهة الشمال في قائمة أهداف الحرب لتشمل «العودة الآمنة لسكان الشمال إلى منازلهم». وتتالت الضربات الإسرائيلية القاتلة منذ السابع عشر من الشهر الحالي. ويعلن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامي نتنياهو أنـه وعد بتغيير «ميزان القوى في الشمال، وهذا ما نفعله بــالــقــضــاء عــلــى كـــبـــار المـــســـؤولـــن، ونـــزيـــل تـهـديـد الصواريخ». فيما رأى البنتاغون أن «اندلاع صراع إقليمي أوسع محتمل جداً»! مـــن الـلـحـظـة الأولـــــى لــبــدء الــتــدحــرج المـخـيـف، كــان يفترض بـــ«حــزب الـلـه» الـــذي أخــذ البلد عنوة إلى حـربٍ مدمرة أن يوقف المكابرة، ويبدأ مراجعة وضعه الداخلي، ويعيد النظر بعلقته مع الفئات اللبنانية الأخــــرى؛ لأنـــه بدقيقة واحــــدة بـــدا لبنان يـوم «الـنـداء القاتل» أوهــن من بيت العنكبوت. من دون أي رصاصة، «حيّدت» ضربة أجهزة «البيجر»، آلاف أكثرهم من عناصر الميليشيا وقياداتها 4 نحو الميدانية وقوات النخبة. ومع تفجر أجهزة الاتصال بحامليها استكملت ملمح المأساة الوطنية، لتطال آلاف أسرة. 6 الفاجعة نحو إبــان ذلـك تغاضى حسن نصرالله عن أبعاد إدراج حــكــومــة إســـرائـــيـــل جــبــهــة الـــشـــمـــال ضمن أهداف الحرب، فرفع سقف التحدي بعد رفض كل المبادرات السياسية لتسوية كانت ممكنة. تمسك بـربـط مصير لـبـنـان بــغــزة، أي بمصير نتنياهو ومصالحه، فوفر لإسرائيل فرصة إطـاق حربها الثالثة بصفتها بديلً عن الحرب الواسعة لتحقق استعادة مدوية للردع. حدث لا يخطر ببال متعاطٍ جدي بالشأن السياسي لأنه استدعاء للحرب، في حي أن الحكمة كانت تفترض تجنبها. فجاء الرد الإسـرائـيـلـي فـي عملية «الــجــامــوس» باستهداف الــقــائــد الــعــســكــري لــــ«حـــزب الـــلـــه» إبـــراهـــيـــم عقيل ومقتله مع الطاقم القيادي لقوة «الــرضــوان»، ما كشف عن معطيات خطرة: أولها، أن «حـزب الله» لم ينجح في مواجهة 3 . الاخــــتــــراق الاســـتـــخـــبـــاراتـــي والأمــــنــــي الــعــمــيــق عـمـلـيـات اغــتــيــال عــلــى مــســتــوى الــقــمــة فـــي معقل الـحـزب: الـعـاروري وشكر وعقيل، تُـوّجـت الاثني المــاضــي بـاسـتـهـداف عـلـي كـركـي وإصــابــتــه، وهـو أحد اثني ما زالا على قيد الحياة من أعضاء مركز القرار الفعلي. ثانيها، سقطت الشعارات الزائفة والسرديات عــــــن: قـــــواعـــــد الاشـــــتـــــبـــــاك، وإنـــــــجـــــــازات المـــشـــاغـــلـــة والإســـــنـــــاد، كــمــا خـــرافـــة تــــــوازن الـــــــردع. لــكــن بيع الأوهــام استمر ومعه رفض الإقــرار بحجم الفشل الذي ارتد قتلً ودماراً على البلد. ثـالـثـهـا، انـكـشـف جــانــب مــن تـعـامـل الـدويـلـة مـع اللبنانيي وكـذلـك «بيئتها». فـبـدت كالنظام الإيراني غير عابئة بآمال الناس وهواجسها، تعدّ مـا تسببت بـه مـن ويـــات مـجـرد خسائر جانبية عــلــى طــريــق مـــشـــروع تــوطــد ســيــطــرة إيــــــران. ولــو لـم يكن الأمـــر كـذلـك لمـا وُجـــدت الـقـيـادات والمـقـرات والذخائر، في أمكنة سكنية مكتظة. رابــــعــــهــــا، ســـقـــطـــت المـــــزاعـــــم الــــتــــي روجـــــــت أن ســاح الـدويـلـة يحمي الـبـلـد، وكـذلـك الادعــــاء بأن هـذا الـسـاح يؤمن حماية ذاتـيـة. فيتأكد فـي هذا التوقيت أن الــدولــة الـتـي استضعفوها وجـوّفـوا مؤسساتها ونـخـروهـا بالفساد وأفــقــروا أهلها، قــــــادرة رغــــم كـــل هــــذا الــضــعــف عــلــى إعــــــادة الأمـــن والاســتــقــرار وحـمـايـة الـجـمـيـع، بـمـن فيهم «حــزب الله» الذي تحول إلى الدفاع عن وجوده. تــــحــــت الـــــضـــــربـــــات المــــوجــــعــــة الـــــتـــــي اعــــتــــرف نــصــرالــلــه بــوطــأتــهــا، وفــيــمــا «الــبــيــئــة» اللصيقة وأوساط واسعة في «الحزب» تنتظر مدد «وحدة الــــســــاحــــات»، أعـــلـــنـــت طــــهــــران اســـتـــعـــدادهـــا لــبــدء مباحثات بشأن مشروعها النووي. وقدم الرئيس الإيراني نفسه في نيويورك كداعية سلم، مؤكداً امــتــنــاع بــــاده عـــن الــتــدخــل فـــي حـــرب إســرائــيــل - «حزب الله»، ما يعني أن وظيفة الأتباع والأذرع لا تتعدى دور أدوات طهران لإنجاز صفقات قذرة مع واشنطن وتل أبيب! مـــا مـــن أولـــويـــة تــفــوق حــقــن دمــــاء المــواطــنــن وإنقاذ لبنان. وممكن الحؤول دون تحول لبنان إلى غزة. رغم أن العالم أدار ظهره للمقتلة ومخطط طحن لـبـنـان، ومـنـح إسـرائـيـل التغطية لتتمادى فـي الـجـريـمـة، تحت عـنـوان خفض قـــدرات «حـزب الله» العسكرية، بحيث لم يعد من جدوى لعنوان يقتصر على الانسحاب إلى شمال الليطاني. إن المـــمـــر الإجـــــبـــــاري لـــوضـــع حـــــدٍ لـلـخـسـائـر الهائلة يفترض أن تتحمل بقايا السلطة والطبقة الـــســـيـــاســـيـــة المــــســــؤولــــيــــة الأخــــاقــــيــــة عـــــن أرواح اللبنانيي، فتغادر الحكومة دور ساعي البريد الناطق باسم «حـزب الله» والمـشـروع الموكل إليه. مـطـلـوب الآن قـــرار حـكـومـي بــإرســال قـــوات كبيرة مــــن الـــجـــيـــش إلـــــى الـــجـــنـــوب، فــــي رســــالــــة لا تـقـبـل بكل 1701 اللبس، عن اعتزام تنفيذ القرار الدولي مـنـدرجـاتـه، ومــاقــاة الـصـيـغ الـجـديـدة المـطـروحـة ضمن هذا القرار، التي تضمن السيادة وتعيد قرار الحرب والسلم إلى الدولة. المطلوب سياسة بديلة تفتح الباب لـدور داعـم من أصـدقـاء لبنان يرسي الأساس للخروج من الحرب... وربما تتأمن إذاك الإمكانية لـ«حزب الله» للنزول عن الشجرة التي صعد إليها. Issue 16739 - العدد Thursday - 2024/9/26 الخميس كل حدثٍ مشحونٌ بفكرة. الحدث ليس منفصلً عن خلفياته ومحفزاته وأنماط التشكيل التي يصبو نحو الوصول إليها. ، كـتـب 2001 ) ســبــتــمــبــر (أيـــــلـــــول 11 بـــعـــد أحــــــــداث الــفــيــلــســوف جــــاك دريــــــدا عـــن الـــحـــدث بــوصــفــه صــــورة، وبوصفه تكريراً للصورة. الآن المنطقة ملتهبة، والنيران مستعرة، وكل هذه الأوضاع كان منشؤها مجموعة من الأفـــكـــار، والـضـحـيـة جـمـوع الأبـــريـــاء مــن المـدنـيـن الـذيـن يريدون العيش والرفاهية والتعليم والطبابة. كان 2023 ) أكتوبر (تشرين الأول 7 لا شك أن حدث لـه دويّـــه الـعـالمـي، ولــه ارتـــداداتـــه الإقليمية، ومصحوب ببعض الشحن الآيديولوجي العالي الصاعد، وإنما لا بد من التركيز على الفهم، والتفريق بي الآيديولوجيا الحركية وحــقّ الشعوب فـي العيش بـسـامٍ واطمئنان. فــي قضية فـلـسـطـن، الـسـعـوديـة والـــــدول الـعـربـيـة كلها متمسكة بحل الدولتي، وبحقّ الشعب الفلسطيني في أن يعيش بـرخـاءٍ وأمـــنٍ واسـتـقـرار، وبــإدانــة الـتـجـاوزات الإسرائيلية وتصعيدها العالي. لكن لا بد من دراسة هذا الحدث واستقصائه بغية الفهم والاعتبار. قــرأتُ قبل أيـام كتاباً مهماً أصــدره «مركز المسبار» المتميز بـإصـداراتـه الشهرية الحيوية المواكبة للحدث، إلـــى عملية 2007 وهـــو بـعـنـوان «(حـــمـــاس) مــن انــقــاب أكـــتـــوبـــر» وفــــي المـــقـــدمـــة وضــــح المــــحــــررون أن الـكـتـاب 7 يدرس الهيكل التنظيمي للحركة، وقطاعها العسكري، وامـــــتـــــداداتـــــه الـــخـــارجـــيـــة، فــــي مـــصـــر والأردن ولــبــنــان وليبيا والـــعـــراق، كما يقيّم علقاتها الـخـارجـيـة ودور الاخــــتــــيــــارات الآيـــديـــولـــوجـــيـــة فـــيـــهـــا، ومــــوقــــع المــصــالــح الوطنية من الوثائق الناظمة للحركة منذ الميثاق وحتى أكــتــوبــر» 7 المــرحــلــيــة، إذ جــــاءت «عـمـلـيـة 2017 وثــيــقــة الدمويّة والإرهابية ورد الفعل العنيف عليها تتويجاً لـسـنـوات ملتبسة مـن ســوء التقدير السياسي والعبث الآيديولوجي، وضيق الأفـق وانـسـداد الـرؤيـة الوطنية، والارتــهــان لــــإرادات الـخـارجـيـة، مختلطة بالاحتقانات المشروعة للشعب الفلسطيني، وطموحاته في استبقاء حـل الـدولـتـن وإنـعـاشـه، وساهمت فـي جــرّ المنطقة إلى أتون حرب أشعل الإسلمويون أوارها، ومهّدت لردّ فعل عنيف تأذّى منه المدنيون بشكلٍ مباشر. تضيف المقدمة أن المشروع يـدرس بجزأيه الطريق أكــتــوبــر»، بــدراســة منظمة «حـــمـــاس»، وحكمها 7« إلـــى عـامـ ، تمهيداً لــدراســة العملية 15 لـغـزة مـنـفـردة طـــوال والــســجــالات التصنيفية حـولـهـا، وأبــعــادهــا الإقليمية والــدولــيّــة، وانعكاساتها على حـل الـدولـتـن، وتماسك السلطة الفلسطينية، ومستقبل السلم في الإقليم. الـــبـــاحـــث المــتــخــصــص فــــي الـــحـــركـــات الإســـامـــويـــة بـفـلـسـطـن، ثــابــت الــعــمــور، درس الهيكلية التنظيمية لحركة «حـمـاس»، التي تتشابه مع الشكل العام للبناء التنظيمي «الإخــوانــي»، خصوصاً ذلـك الشكل المتوارث عن مصر والأردن؛ إذ يقوم فيخطوطه العامة على أساس تربية الفرد والأسـرة، ومن ثم بناء الشّعب «الإخوانية» التي يلتقي فيها «الإخـــوان» لبحث شؤونهم وتخطيط بـرامـجـهـم، وكـــذا اعـتـمـاد أســلــوب التعبئة الجماهيرية لحشد الناس على فكرة الجماعة ومفاهيمها. وفي سبيل فهم أعمق للعلقة الهيكلية والعضوية بـــن «حــــمــــاس» وجـــمـــاعـــة «الإخــــــــــوان»، تـــنـــاول الــبــاحــث المصري في الحركات الإسلموية، ماهر فرغلي، العلقة بـــن «حـــمـــاس» والــنــظــام الـــخـــاص لـجـمـاعـة «الإخــــــوان»، ، مـسـتـنـداً إلـى 2011 وتـــطـــور هـــذه الــعــاقــة بـعـد أحـــــداث معلومات تكشف عن الدور الذي لعبته «حماس» في دعم وتدريب وتمويل جماعات متطرفة في دول عربية عدة. الخلصة أن الخلف مع الحركات المنتمية لجماعة «الإخوان المسلمي» المجرّمة قانونياً لا يعني عدم أحقيّة الشعوب المغلوب على أمرها بتحقيق أمنها ورخائها واستقرارها، وهـذا ما تسعى إليه دول الاعـتـدال، وعلى رأسـهـا الـسـعـوديـة والإمـــــارات العربية المـتـحـدة ومصر، فنحن نواجه الأفكار بقوّة لئل يعود إلينا مارد الإرهاب من جديد. عندما سُئِل توم بيريلو، المبعوث الأميركي الـــخـــاص إلــــى الــــســــودان، فـــي مــقــابــلــة مـــع «هـيـئـة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)»، هذا الأسبوع، عما إذا كانت أميركا تنظر إلى الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع» بالطريقة ذاتها، وتساوي بينهما، جاء رده سريعاً وقاطعاً، إذ قال إنهم لا يفعلون ذلـــك، ولا يـــرون أن الـطـرفـن متساويان أخــاقــيــ . وأوضـــــح ذلـــك بـقـولـه إن «قـــــوات الـدعـم الـــســـريـــع» مـتـهـمـة بـــارتـــكـــاب فــظــائــع وانــتــهــاكــات كـبـيـرة، لا سـيـمـا فــي دارفــــــور، ومـــع ذلـــك تـواصـل الولايات المتحدة العمل على دفع الطرفي باتجاه محادثات السلم، لأن معالجة الأزمــة الإنسانية تتطلب الحوار مع كليهما. هـذه ليست المــرة الأولـــى التي يتحدث فيها مـسـؤول فـي الإدارة الأمـيـركـيـة عـن أنـهـم لا يـرون الـــجـــيـــش و«الـــــدعـــــم الـــســـريـــع» بــمــســتــوى واحـــــد؛ فقد أشــار إلــى هــذا الأمــر أيـضـ وزيــر الخارجية، أنـتـونـي بلينكن. كما أن بيريلو تـطـرق إلـيـه في عدد من التصريحات، ومنها ما قاله في شهادة أمام لجنة العلقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأميركي تحدث فيها عن أن واشنطن تنظر إلى الجيش السوداني كمؤسسة عريقة لها تاريخها، وأن بـــــاده لا تـــريـــد وجـــــود قـــــوات رديـــفـــة، أو أي سلح خـارج سيطرة الدولة، بل ترى أن الجميع في السودان يريدون جيشاً محترفاً يعمل تحت سلطة الحكومة. الإدارة الأمـــيـــركـــيـــة أيــــضــــ لـــيـــســـت الـــطـــرف الـــوحـــيـــد الـــــذي شـــــدّد عــلــى أهــمــيــة الـــحـــفـــاظ على الـجـيـش الــســودانــي ومـؤسـسـات الــدولــة كضمان لاستمرار وحماية الدولة، ووحدتها، وسيادتها؛ فـمـنـذ انــــــدلاع الـــحـــرب الـــراهـــنـــة، صـــــدرت مــواقــف وتــصــريــحــات عـــديـــدة فـــي هــــذا الاتـــجـــاه مـــن دول ومـــنـــظـــمـــات دولــــيــــة عــــــدة، إدراكــــــــ مــنــهــا لأهـمـيـة الحفاظ على مؤسسات البلد السيادية، وأهمية وجـود الجيش للحفاظ على سيادة الـسـودان، لا سيما في ظل الأوضاع الدقيقة الراهنة. المثير للحيرة أن أطـرافـ عديدة في الخارج تـــرى هـــذا الأمــــر بـــوضـــوح، بينما لا تــــراه أطـــراف سـيـاسـيـة ومــدنــيــة ســودانــيــة تـسـتـهـدف الجيش بحملت متواصلة لإضعافه فـي هــذه الـظـروف، بل ويدعو بعضها بل مواربة إلى حلّه وتفكيكه. هذه الدعوات تتلقى أيضاً مع ما يصدر أحياناً من «قوات الدعم السريع» التي تحلم بأن تصبح نـــواة لأي جيش بـديـل، وكأنها لا تـقـرأ أو تسمع أو ترى كيف بات كثير من السودانيي ينظرون إليها وإلى سجلّها الملطّخ بالانتهاكات الواسعة، والتدمير الــذي لحق بالبلد ومنشآته، والعذاب الذي حل بشعبه. دعـــاة حـل الجيش يبقون قلة قليلة، مهما عل صوتهم. فأغلبية أهـل الـسـودان في تقديري يدركون أن تفكيك الجيشسيعني انفلت الأمور، وانــتــشــار الــفــوضــى، وغــــرق الـبـلـد فــي دوامــــة من الـحـروب التي يؤججها المتربصون والطامعون الــذيــن لا يـأبـهـون لـلـسـودان وشـعـبـه، ولا يهمهم سوى نهب موارده والسيطرة على مقدراته. كـــل الـــــدول الــتــي واجـــهـــت تـفـكـيـك أو انـهـيـار جيوشها في منطقتنا، من الصومال إلى اليمن ولـيـبـيـا، عـانـت مــن اضــطــرابــات داخـلـيـة خطيرة. لـكـن تـجـربـة الـــعـــراق ربــمــا تــقــدم الــنــمــوذج الأبـــرز لـــلـــتـــداعـــيـــات والــــعــــواقــــب الـــتـــي يــمــكــن أن تــحــدث فــي مـثـل هـــذا الـسـيـنـاريـو. كـــان قـــرار حــل الجيش الــعــراقــي مـــن أوائـــــل قــــــرارات بـــول بـريـمـر الـحـاكـم ،2003 المــدنــي لـلـعـراق بـعـد الــغــزو الأمــيــركــي فــي مــدفــوعــ بــــأن الــجــيــش هـــو جــيــش صـــــدام حسي والبعثيي وأداة سيطرتهم. لكن سرعان ما تبي أن الـقـرار كـان خطأً كارثياً، وأحــدث تـداعـيـاتٍ ما زال العراق يدفع ثمنها. غرق البلد في الفوضى والعنف الطائفي لسنوات، وسمح الـفـراغ وعدم الاسـتـقـرار بـبـروز تنظيم «داعـــش»، وفتح المجال أمــــام الــتــدخــات الــخــارجــيــة، وكــانــت لــه تـأثـيـرات سلبية على المنطقة كلها. وقـــــد اعــــتــــرف بــريــمــر لاحـــقـــ بــعــد مــغــادرتــه المنصب بأن حل الجيش العراقي كان خطأ، وإنْ حاول أن يجد بعض المبررات، مثل تهديد قيادات كــرديــة بـالانـفـصـال عـنـدمـا سـمـعـوا أن مسؤولي أميركيي بحثوا إعادة استدعاء الجيش العراقي للخدمة، بعدما رأوا الأمـور تتجه نحو الفوضى وانتشار العنف. إنشاء جيش جديد كلّف العراق أيضاً جهداً ومـــــــوارد هـــائـــلـــة، واســـتـــغـــرق زمـــنـــ فـــي الـتـجـنـيـد والــتــدريــب والتسليح كـــان الـبـلـد خـالـهـا عرضة لكثير من المخاطر الداخلية والخارجية. كما أن حل الجيش أضـاع على البلد كثيراً من الخبرات المهنية مـن الـضـبـاط والـجـنـود، وأهـــدر الخبرات المتراكمة في مجال التصنيع الحربي. العبرة للسودان من كل ذلك أنه في محيطنا المضطرب «مَــن لا جيش لـه، لا أمـن لــه». وفـي ظل أوضاع البلد الهشة، فإن وجود جيشموحّد قوي ومهني يصبح أمراً ضرورياً لضمان بقاء الدولة ومؤسساتها، وحمايتها من المخاطر والتدخلت الـــخـــارجـــيـــة. صــحــيــح أن هـــنـــاك أخـــطـــاء وعــيــوبــ ومـــشـــكـــات مــعــلــومــة، لـكـنـهـا يـنـبـغـي أن تُــعــالَــج بالإصلح، لا بالدعوات إلى الحل والتفكيك. أما إبـعـاد الجيش عـن السياسة، فإنه يتطلب أيضاً ابتعاد القوى السياسية عن تسييسه ومحاولات التغلغل فـيـه؛ فكثير مــن الأطــــراف السياسية لا تستطيع أن تـدعـي الطهر فـي هــذا المـجـال، وهـذا تاريخ معروف للسودانيي. إبعاد الجيشعن السياسة يتطلب أيضاً ابتعاد القوى السياسية عن تسييسه ومحاولات التغلغل فيه نواجه الأفكار بقوّة لئلا يعود إلينا مارد الإرهاب من جديد فهد سليمان الشقيران عثمان ميرغني حنا صالح OPINION الرأي 14 ما يراه المبعوث الأميركي ولا يراه بعضالسودانيين! الأحداث المتصاعدة... ضرورة الدرسوالاعتبار كيلا يتحول لبنان إلى غزة ثانية! المطلوبسياسة بديلة تفتح الباب لدور داعم من أصدقاء لبنان يرسي الأساسللخروج من الحرب

RkJQdWJsaXNoZXIy MTI5OTky