issue16738

الثقافة CULTURE 18 Issue 16738 - العدد Wednesday - 2024/9/25 الأربعاء ماريو فارغاسيوسا علىالمحك كوسكو والزمن على غرار روما، والقدس، والقاهرة، ومكسيكو، يشكّل الماضي في كوسكو جـــزءاً أساسياً مـن الـحـاضـر، وغالباً مـا يـحـلّ مكانه بفضل الحضور الكثيف للتاريخ. لا أعرف مشهداً أروع من بزوغ الفجر فوق «ميدان السلاح» في المدينة العتيقة عندما تنقشع خيوط النور الضعيفة عن المعابد الصخرية الصفراء وسطوح القرميد المنسدلة على الشرفات الخشبية، وتبرز من ورائها سنان القبب والأبـراج معلنة ظهور قمم الإنديز المتعرجة التي تزنّر كالسوار ما كان يسمّى «صرّة العالم» في عصر الإنكا. ثمّة هــواء روحـانـي ومـقـدّس فـي هــذه الأجــــواء، ويـقـول المــؤرخــون الأوائــل الذين زاروا المدينة الإمبراطورية ودوّنـــوا مشاعر الانبهار في مؤلفاتهم، إن الوافدين إلى كوسكو كانوا يلقون تحية التبجيل والخشوع على المغادرين، كما لو أن عاصمة إمبراطورية الإنكا تضفي على من يحلّ فيها هالة من النبل والعزّة. قبل وصول الإسبان كانت كوسكو مدينة عالمية ينطق سكانها بجميع اللغات واللهجات التي كانت معروفة في الأقاليم التي تقع تحت سيطرتها. وهذا ما يحصل اليوم، لكن بفارق هو أن اللغات التي أسمعها من حولي في هذه الفترة الساحرة من الصباح، تأتي من كامل أنحاء المعمورة، لأن السيّاح الذين يجتاحون كوسكو على امتداد العام، يتوافدون من جهات الدنيا الأربع. أعــود الـيـوم بعد غياب سـنـوات خمس إلـى كوسكو التي زرتـهـا أكثر من عشر مرات. وكما في كل مرة، أشعر بآثار الارتفاع عن سطح البحر في اشتداد الضغط على الصدغين، وتسارع نبضات القلب، لكن مشاعر التأثر لا تتبدل، ويتملكني شعور بالذهول أمام هذا الجمال المعماري والطبيعي، كما يساورني بعض الأسف لأن هذه المعابد، والقصور، والأديرة، التي انصهرت فيها ثقافتان وتاريخان ولغتان وتقاليد مختلفة، قامت على عنف قلّ نظيره في التاريخ. يؤكد علماء الآثـــار أن فـي رحـم هـذه المدينة رواســـب مهمة سابقة لعصر الإنكا تعود إلى المرحلة التي انقرضت فيها مملكة تيواناكو، وأن في أساسات العديد مـن مباني الإنـكـا توجد آثــار واضـحـة لحضارة «واري» القديمة. لكن الطابع الأبرز الذي يميّز هذه المدن والقرى والحقول هو هذا الانصهار العميق بـ حـضـارة الإنـكـا والـحـضـارة الإسبانية. معابد، وكنائس، وقـصـور مبنيّة بحجارة ضخمة، مسطورة بدقة مذهلة، وفـي تناسق تـام مـع صــروح الإنكا الهائلة، والعديد من شوارعها الضيقة هي نفسها التي كانت تؤدي إلى الدور الـتـي كـانـت مخصصة لـعـبـادة الشمس والـقـمـر، والـقـصـور الإمــبــراطــوريــة، أو المذابح التي كانت تهرق عليها دمـاء الأضحية. كل هذا التمازج أثمر أشكالاً هندسية فـائـقـة الـجـمـال، يستحيل الــيــوم التمييز فيها بــ مــا أورثــتــه هـذه الحضارة أو تلك. مــن الأمـثـلـة الـجـلـيّـة عـلـى ذلـــك، وعـلـى الـتـطـور الـــذي شـهـدتـه كـوسـكـو في السنوات المنصرمة هو طريق البارّوك الإنديزي. في الماضي كانت وعرة وصعبة مسالك الطريق المـؤديـة إلــى المعابد الإسبانية فـي محافظة كيسبيكانتشي، أمــا الـيـوم فالطريق أصبحت مـعـبّـدة ومـريـحـة، تـــدور على كـل الكنائس التي يحتار المـرء في المفاضلة بينها لوفرة جمالها. أعمال الترميم المتقنة شملت الجدران، والسطوح، والقبب، واللوحات الزيتية، والجداريات، فضلاً عن أرغن إنداوالياس الذي عاد يصدح بأنغامه كما في غابر الزمن. لكن لعل الأهم في كل ذلك أن هذه الكنوز هي أبعد ما تكون عن التسمرّ في الزمن كالمتاحف، بل على العكس من ذلك، وبفضل الآباء اليسوعيين الذين يشرفون عليها ويعتنون بها، بمساعدة عدد من المتطوعين، تراها تنبض بالحياة من خلال المـدارس، والمحترفات، والمكتبات ومراكز التأهيل الزراعي والحرفي، والوحدات الصحية، ومكاتب النهوض بأوضاع النساء وحقوق الإنسان، إضافة إلى محترف يتعلّم فيه الشبابصناعة الأدوات الموسيقية مثل القيثار والناي والكمان، حتى تخال الحيوية التي تضجّ بين تلك المجموعات موروثة من تلك الأزمنة السحيقة. أمـضـيـت ســاعــات أتــأمــل الــلــوحــات الـفـنـيـة والـــجـــداريـــات والمـنـحـوتـات في الـكـنـائـس الـقـديـمـة، مـنـدهـشـ أمـــام حـضـور الـسـكـان الأصـلـيـ فـيـهـا. ولا شك عندي أن ذلك قد حصل بشكل طبيعي وعفوي، من غير سابق تصور وتصميم عند الـرسـامـ والنحاتين والحرفيين الـذيـن أنـجـزوهـا. تــرى المـ مـح المحلية على بشرة المسيح، وعلى أوجــه الشخصيات المـرسـومـة وشـعـورهـا، وطريقة جلوسها، وما يحيط بها من مشاهد طبيعية ونبات وحيوان. لكنّ ثمة أموراً كثيرة تغيّرت في كوسكو خلال السنوات الأخيرة المنصرمة. في عشرينيات القرن الفائت صدر كتاب للمؤلف خوسيه أورييل غارسيا، وهو مـن أفضل الـروائـيـ فـي كوسكو، يتضمن بحثاً رائـعـ أطلق فيه اسـم «كهف الجنسية» على إحدى الحانات الشعبية في تلك المنطقة، كان يرتادها السكان المحليون، يسكرون بخمرها ويتمتعون بأطايب مأكولاتها النباتية، مؤكداً أن سمات «الهندي الجديد» ومعالم هويته كانت تتشكل فيها. أمـا الـيـوم، فقد أصبحت هــذه الـحـانـات نـــادرة، لا بـد مـن الـخـروج إلــى أربـــاض المــدن والأريـــاف للعثور عليها، بعد أن حلّت مكانها في المدن المطاعم الحديثة التي تقدّم البيتزا والمــأكــولات السريعة. وتكثر أيضاً الـفـنـادق الصغيرة التي يـرتـادهـا الشباب الذين يقصدون كوسكو سعياً وراء الأجــواء الروحانية، وشــراب الكوكا، إلى جانب بعض الفنادق الفخمة التي تقوم في قصور وأديرة قديمة تم ترميمها بعناية فائقة وذوق رفيع. وفــــي هــــذه المــديــنــة الـــتـــي يـنـطـق مـعـظـم سـكـانـهـا بـلـغـتـ ، يــفــاخــر الــذيــن يتحدثون الكيتشوا بأن اللغة التي يتكلمون هي الأنقى والأفصح في البيرو، ويثيرون بذلك الحسد والحقد بين سكان المناطق الأخرى التي يحافظ أهلها على هذه اللغة ويصرون على استخدامها في الخاص والرسمي. وبما أني لا أتكلم الكيتشوا، لا أستطيع إبـداء الـرأي في ذلـك. لكن يسعني القول إن اللغة الإسبانية التي ينطق بها أهل كوسكو مسكوبة في قالب من الأناقة والعذوبة، خصوصاً عندما تـخـرج مـن أفـــواه المثقفين، ولـهـا وقــع الموسيقى الـتـي تبدو وكأنها تنساب من الينابيع الصغيرة بين الحقول. لذلك، ليس مستغرباً أن هـذه الأرض كانت مسقط رأس أحـد كبار كتّاب عصر النهضة الإسباني، غارسيلاسو دي لا فيغا. والبيت الذي يعتقد أنه شهد النور بين جدرانه، جرى ترميمه بقدر من الإفراط بات من الصعب معه التعرف عليه. لكنه أمضى هنا طفولته وسنوات المراهقة، وشاهد بـأم عينيه فظائع تلك المرحلة وأهـوالـهـا التي بقيت محفورة فـي ذهـنـه. وسمع هنا حشرجات نبلاء الإنـكـا الـذيـن كانت أمـه منهم، والبكاء على المـاضـي الإمـبـراطـوري الـذي أخضعه الفاتحون الإسبان، والذي عاد ليظهر على صفحات رائعته الخالدة «ملاحظات ملكية». في كل زياراتي إلى كوسكو أحرص دائماً على الحج إلى منزل غارسيلاسو، أول الذين فاخروا بازدواجية انتمائهم إلى أجداده الإسبان والهنود. تشبهان قطعاً من فلسطين ولا تتماثلان معها سيّدتا الحجر تحافظان علىسرّ هويتهما الفنية تــــحــــوي جــــزيــــرة الـــبـــحـــريـــن سـلـسـلـة كـبـيـرة مـــن المــقــابــر الأثـــريـــة، مـنـهـا مقبرة تُــــعــــرف بـــاســـم الـــحـــجـــر، تـــضـــم مـجـمـوعـة كـبـيـرة مــن المـــدافـــن الــفــرديــة والـجـمـاعـيـة، تـــخـــتـــزل تــــاريــــخــــ طــــويــــً مــــن الــتــقــالــيــد الجنائزية يمتد مـن الألفية الثانية قبل المـــيــ د إلـــى الـــقـــرون الأولـــــى مـــن عـصـرنـا. فـي هــذه المـقـبـرة الـتـي لـم تكشف بعد عن كــل مـكـوّنـاتـهـا، تــم الـعـثـور عـلـى تمثالين أنـــثـــويـــ فـــي مـــدفـــن فـــــارغ مـــن أي عـظـام بشرية، ويتميّزان بأسلوب فني لا نجد مــا يـشـابـهـه فــي مــدافــن الـبـحـريـن الغنية بـــشـــواهـــد الـــقـــبـــور الــتــصــويــريــة الآدمـــيـــة، ويشكّلان معاً حالة فريدة في هذا الميدان الأثـــــــري الــــــذي ظـــهـــرت مـــعـــالمـــه تــدريــجــيــ خلال أعمال المسح المتواصلة في العقود الأخيرة. تــحــمــل مــقــبــرة الــحــجــر اســـــم الــقــريــة الــتــي تـــجـــاورهـــا، وتـــحـــدّهــا جــنــوبــ قـريـة أخرى تُعرف باسم القدم. تتوسط المقبرة هـــاتـــ الــقــريــتــ المــشــرفــتــ عــلــى شـــارع الـبـديـع فـي المحافظة الشمالية، وتشكل مــوقــعــ أثـــريـــ واســـعـــ اسـتـكـشـفـتـه إدارة الآثــار البحرينية في مطلع السبعينات. تبّ سريعاً أن هذا الموقع يحوي مقبرة تعود إلـى مرحلة استيطانية موغلة في الـقـدم، بــرزت فيها البحرين حـاضـرةً من إقليم وسيط امـتـدّ على ساحل الخليج، عُــــرف بــاســم دلمــــون. أنـشـئـت هـــذه المـقـبـرة 2000 خلال فترة دلمون المبكرة، بين عامي قبل الميلاد، وتـطـوّرت خـ ل فترة 1880 و يـوم 1300 و 1400 دلمــــون الــوســطــى، بـــ خضعت الـبـ د لسلطة سلالة الكاشيين الـتـي حكمت بـــ د الــرافــديــن بـعـد انهيار دولة بابل الأولـى، كما جرى استخدامها 800 و 900 فـي حقبة دلمــون الأخـيـرة، بـ قبل الميلاد. تـواصـل هــذا الاسـتـخـدام فـي الحقبة الـتـالـيـة الــتــي شــهــدت غــيــاب اســـم دلمـــون، حـــيـــث بـــــــرزت الـــبـــحـــريـــن فــــي ظــــل الـــعـــالـــم الهلنستي المتعدد الأقاليم، وعُرفت باسم تايلوس، كما برزت في ظل الإمبراطورية الفرثية التي شكلت قوة سياسية وثقافية كـبـرى فـي إيـــران الـقـديـمـة. هـكـذا تعاقبت الأزمـنـة فـي مـدافـن الحجر الأثـريـة، وبـات من الصعب تحديد مراحل تعاقبها بدقة. تتمثل هـــذه المــدافــن بمجمعها الشمالي من القبور المحفورة في الصخور المطلة عــلــى شــــارع الــبــديــع فـــي زمــنــنــا، وتـقـابـل هـــذا المـجـمـع سلسلة مــن المـــدافـــن تـقـع في الـــجـــزء الــجــنــوبــي مـــن المـــوقـــع، تــعــود إلــى حقبة تايلوس. من هذه المدافن مجموعة شـــــواهـــــد الــــقــــبــــور مـــــن الـــحـــجـــر الـــجـــيـــري المـــحـــلـــي، تــتــمــيّــز بــطــابــعــهــا الــتــصــويــري الآدمــــي، وتـشـكّـل تقليداً تـتـعـدّد شـواهـده في مقابر البحرين الأثرية. يـــتـــجـــلّـــى هـــــــذا الـــتـــقـــلـــيـــد الــــفــــنــــي فــي البحرين تحديداً، كما تدل هذه الشواهد التي تتبع أساليب فنية متعدّدة تجمع بـــ الـتـقـالـيـد الــفــرثــيــة والـهـلـنـسـتـيـة في قــــوالــــب مــحــلــيــة خــــاصــــة، كـــمـــا فــــي نـــــواحٍ مـــتـــعـــددة مــــن الــــشــــرق الأدنــــــــى وبــــــ د مـا بـــ الــنــهــريــن. مـــن هــــذه الـــشـــواهـــد، يـبـرز تمثالان من مدافن الحجر، عثرت عليهما بعثة بحرينية خــ ل أعـمـال المـسـح التي قـامـت بها فـي مطلع تسعينات المـاضـي، وكــشــفــت عـنـهـمـا لــلــمــرة الأولــــــى حـــ تــمّ ضمن معرض خاص 1999 عرضهما عام بالبحرين، أقيم في معهد العالم العربي بـبـاريـس. خـــرج هـــذان الـتـمـثـالان مــن قبر فــــي الــكــشــف 2 يـــقـــع فــــي تــــل يـــحـــمـــل رقـــــم الخاص بأعمال هذه البعثة، والغريب أن هـذا القبر خلا من أي عظام بشرية، كما خلا من أي أوانٍ جنائزية، على عكس ما نراه عادة في القبور المعاصرة له. في هذا القبر الخالي، عُثر على هذين التمثالين منصوبين جنباً إلى جنب، وهما تمثالان مـــتـــشـــابـــهـــان مــــن الــــنــــوع الـــنـــصـــفـــي الــــذي يقتصر عـلـى الــجــزء الأعــلــى مــن الجسم، يجسدان سيدتين تتماثل ملامحهما إلى حد التطابق. يــــتــــشــــابــــه الـــــتـــــمـــــثـــــالان فــــــي المــــ مــــح 74.5 والـــحـــجـــم، حــيــث يـبـلـغ طــــول الأول سنتمتراً، 72 سنتمتر، ويبلغ طول الثاني سنتمتر، وسمكه 37.5 وعرض كل منهما ســـنـــتـــمـــتـــراً. تـــتـــبـــع شـــــواهـــــد الـــقـــبـــور 15 البحرينية عادة طراز النقش الناتئ على المسافة المسطحة، وتجسّد قامات آدمية تـحـضـر بـــ أعـــمـــدة تـعـلـوهـا أقـــــواس في أغلب الأحيان. تخرج سيدتا الحجر عن هذا التقليد، وتتبعان تقليداً آخر يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالنحت الثلاثي الأبعاد. تغيب الحركة عن هذين التمثالين بشكل كامل، وتحضر حالة من السكون والثبات تميّزت بها التقاليد الشرقية في الدرجة الأولى. الوجه كتلة دائرية ثابتة فوق عنق مستطيلة، وملامحه محدّدة بشكل يمزج بـــ الــنــحــت والـــنـــقـــش. الــعــيــنــان لـــوزتـــان واسـعـتـان مــجــرّدان مـن الـبـؤبـؤ، تـحـدّ كل مـنـهـمـا أهـــــداب عــريــضــة نــاتــئــة، يعلوها حاجب على شكل قوس. قوسا الحاجبان مـنـفـصـ ن، ومـــن وسـطـهـمـا يـنـسـل طـرف الأنـــف المستطيل. الثغر مطبق، مـع شق فــي الــوســط يفصل بــ شـفـتـيـه. الأذنـــان ظاهرتان، وهما منمنمتان، وتتمثل كل منهما بحِتار مقوّس يحيط بالصيوان، ويـضـم الشحمة السفلى. الجبين أملس وعــــــريــــــض، ويــــعــــلــــوه شــــعــــر يــــتــــكــــون مــن خـــصـــ ت مــنــقــوشــة مــتــجــانــســة، يـفـصـل بـــيـــنـــهـــا فــــــرق فـــــي الــــــوســــــط. تـــلـــتـــف هـــذه الــخــصــ ت إلـــى الــــــوراء، وتـحـيـط بشبكة أخـــــرى مـــن الـــخـــصـــ ت تـنـسـكـب عـمـوديـ على الكتفين. الـــــبـــــدن كـــتـــلـــة واحـــــــــــدة، والـــــــذراعـــــــان ملتصقان به، ويحدّهما شقّان عموديان نـــاتـــئـــان. الــــصــــدر الأنــــثــــوي نـــاتـــئ بـخـفـر شـديـد، ويـعـلـوه كما يـبـدو لـبـاس بسيط مــجــرّد، كما يـوحـي الـشـق الـنـاتـئ الملتف حـــــــول الــــعــــنــــق كــــعــــقــــد. تـــنـــتـــصـــب هــــاتــــان الــســيــدتــان فـــوق مـنـصّـتـ تـخـتـلـفـان في الـــحـــجـــم، وتـــمـــثـــ ن حـــالـــة فـــريـــدة لا نجد مـا يماثلها فـي مـيـدان النحت الجنائزي البحريني الذي لم يكشف بعد عن سائر مــكــونــاتــه، وهــمــا عـلـى الأرجـــــح مـــن نـتـاج نهاية القرن الثاني الميلادي، أي من نتاج تايلوس الأخير. فــــي مـــحـــاولـــة لــتــحــديــد خـصـوصـيـة هــــذيــــن الـــتـــمـــثـــالـــ ، عـــمـــد الـــبـــعـــض إلـــى مقارنتهما بقطع من فلسطين تعود إلى تلك الحقبة، وكشفت هذه المقارنة عن شبه لا يبلغ التماثل والـتـطـابـق. فـي الختام، تحافظ سيّدتا الحجر على سرّهما، في انتظار اكتشافات أخرى تسمح بالكشف عن هويتهما الفنية بشكل جليّ. تمثالان من متحف البحرين الوطني في المنامة (مقبرة الحجر الأثرية) محمود الزيباوي كشف أثري بمقبرة في بلدة بالبحرين، تم العثور فيها على تمثالين أنثويين يتميّزان بأسلوب فني فريد من نوعه «أمشي ويصل غيري»... سامح محجوب يستعيد جماليات قصيدة التفعيلة عــن دار «الـــشـــؤون الـثـقـافـيـة» التابعة لـــــــــوزارة الـــثـــقـــافـــة الـــعـــراقـــيـــة صـــــدر ديـــــوان «أمـــشـــي ويــصــل غـــيـــري» لـلـشـاعـر المـصـري سامح محجوب والـذي يستعيد من خلال أجوائه جماليات قصيدة التفعيلة، مشرّبة بمسحة مـن الـشـجـن، تضمر فـي رائحتها حـــالـــة مـــن الأســـــى والـــفـــقـــد والـــحـــســـرة على أمـل مـــراوغ، دائماً يهرب من ظـ ل الخطى والـــطـــريـــق الــتــي تـقـطـعـهـا الـــــذات الـشـعـريـة فـــي الـــوصـــول إلــيــه بـمـحـبـة خــالــصــة، وهـو مــــا يـــشـــي بــــه عــــنــــوان الــــــديــــــوان. رغـــــم ذلـــك يتميز بإيقاعات موسيقية رشيقة تطرح جــمــالــيــات مـخـتـلـفـة، ســــواء عــلــى مـسـتـوى اللغة أو الصورة أو المجاز أو حتى المفارقة الدرامية الصاخبة. يتجلى ذلـك في كثير من المـواضـع، لا سيما تلك العبارة التي يصدّر بها الشاعر ديوانه «ليسَ أصعبَ مِن أن تواجهَ ذاتك في حافلةٍ ليليةٍ سائقُها مخمور»، ثم تتوالى ملامح الديوان تباعاً، حيث يعود الشاعر إلى عوالم قصيدة التفعيلة بصور شعرية خـارجـة عـن المـألـوف محملة بخيال طـازج مـدهـش، فـي تجربة حية تـؤكـد أن الإبـــداع قـادر على أن يتجاوز الشكل ويتكرس في المضمون. ويطل قمر الغزل وعبير الغرام عبر قصائد الديوان كما في قصيدة «سر الــنــعــنــاع» الــتــي يــقــول فـيـهـا الــشــاعــر: «فُـــلّ / لمـسـاءٍ يجلسُ / فـي مقهى الفيشاوي / كــأمــيــرٍ عــربــيّ / فُــــلّ لـيـديـهـا / القاسيتين حـنـانـ / فــي مـرفـأ كـفـىّ / فُـــلّ لنسيمٍ مــرّ/ ولم يُفْشِ سِرّ النعناع / يا سرّ النعناع / لا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عليّ». ويقول الشاعر في قصيدة «نانسي»: نانسي امــــرأةٌ أبْــدَعَــهَــا / الـكَـعْـبُ الـعـالـي / تمشي مُثْقَلَةً بالجُغرافيا / لا يُشبهُهَا غيرُ كمانٍ/ تركَ الأورْكِسْتِرَا / وَتَمَشّى في شارعِ طلعت حربْ/ نانسي تفتحُ للنصِ البابَ / ليخرجَ من علياءِ بلاغتِها أعــزلْ / وتقولُ لمـــن يـغـلـقُ بــــابَ الــتــأويــلِ:تــمــهّــل/ نـــونـــي... نونانِ/ ويائي لا تُسْألْ/ وتقول: أحبكَ يا مجنونُ/ أقولُ: شربتُ/ شربتُ ولم أثملْ». ويـــمـــوج الـــديـــوان بــظــ ل الــحــب وهـمـسـات العشاق كما في قصائد عدة، منها «بكائية لــكــمــان يـــوهـــان شــــتــــراوس» و«ســـوبـــرانـــو» فــــي مـــقـــابـــل مــــراثــــي الــــزمــــن والــــبــــكــــاء عـلـى أطـــ ل جـمـال منسي ودهـشـة مـفـقـودة كما فـي قصائد «مقابر جماعية» و«القيامة» و«الشاعر الرجيم» و«الأربعينيات»، حيث يقدم الشاعر تجربة ثرية موغلة في الرمز والمجاز وتسبح في فضاء الحلم والذاكرة. وتعيد قصيدة «نسر مهزوم» صياغة العلاقة بين الفرد المحبط والوطن كشجرة وارفــــة الــظــ ل تشكل مـــ ذاً آمــنــ ، لـكـن تلك الـــعـــ قـــة لـــم تـــخـــلُ مـــن مـــنـــاوشـــات الــعــتــاب والغضب تحت عـنـوان عريض هـو المحبة على طريقة «هاملت» حين قال مخاطباً أمه: «أقــســو كــي أكـــون رحـيـمـ ». يـقـول الـشـاعـر: «أدعـــــوكِ طـريـقـ ومـــنـــازلَ طـفـً / يــولــدُ من رحمِ الْيَمّ / يحملُ بين يديهِ الشمسَ / وفي عينيهِ ينامُ الغيم / هذي الأرضُ الموعودةُ بالعشاق / يرثون ثراها قيداً وسلاسل / قمراً محبوساً / خلف الجدران». صدر لسامح محجوب من قبل خمسة دواويـن هي «لا شيء يساوي حزن النهر» ، و«مجاز 2010 » ، و«الحفر بيد واحدة 2006 و«امـرأة مفخخة بالياسمين... 2015 » المـاء ، ظـــل فيها 2017 » يـنـتـظـرهـا عــاشــق أعـــــزل مخلصاً لشعر التفعيلة بقوافيه وجرسه الانـسـيـابـي، إلـــى أن اتـجـه لكتابة قصيدة النثر في ديـوانـه «يفسر للريح أسفارها» .2019 القاهرة: «الشرق الأوسط»

RkJQdWJsaXNoZXIy MTI5OTky