issue16738

أثـــار كير سـتـارمـر، رئـيـس الــــوزراء البريطاني، دهــشــةً بـعـد أن أعـــرب عــن قــــراره إزالــــة صـــورة رئيسة الوزراء السابقة البارونة مارغريت ثاتشر من مكتبه فـــي «داونـــيـــنـــغ ســتــريــت»، كـمـا أفـــــادت وكـــالـــة الأنــبــاء الـبـريـطـانـيـة «بـــي إيـــه مــيــديــا»، مــعــلّــاً ذلـــك لأسـبـاب مختلفة، لـكـن كـاتـب سـيـرتـه، تـــوم بــالــدويــن، كـــان قد كـشـف فـــي وقـــت ســابــق عـــن أن إزالـــــة الـــصـــورة تـعـود لعدم شعور ستارمر بالراحة تجاه مارغريت ثاتشر، مـمـا أثــــار جــــدلاً واســعــا بــن الـسـيـاسـيـن المـعـارضـن والمعلّقي. المـــحـــامـــي الـــــبـــــارز ذو الـــنـــزعـــة الـــيـــســـاريـــة، كـيـر ســـتـــارمـــر، صـــعـــد فــــي عـــمـــر الــخــمــســيــنــات إلـــــى ســــدّة رئـاسـة الـحـزب ليصبح زعيما لحزب «الـعـمـال» بعد . كــانــت بــدايــة عمله 2019 الانــتــخــابــات الـعـامـة لــعــام تغيير دفــة الـحـزب مـن خـط الـزعـيـم الـسـابـق جيرمي كــــوربــــن الــــــذي مـــثّـــل أقـــصـــى الـــيـــســـار لــيــصــبــح أكــثــر وسطية، فهل هذه هي بداية التغيير؟ فـــاز سـتـارمـر بـقـيـادة حـــزب «الــعــمــال» بـأجـنـدة يــســاريــة، خـصـوصـا فــي الــشــق الاقـــتـــصـــادي؛ إذ قـام بـــوعـــود كــثــيــرة قــبــل الانـــتـــخـــابـــات لـــزعـــامـــة الـــحـــزب، منها: تأمي شركات الطاقة والمياه، وتعليم جامعي مـــجـــانـــي، ورفـــــع الـــضـــرائـــب، والـــــزيـــــادة فـــي الإنـــفـــاق العمومي لتحسي الخدمات الصحية والتعليمية، وكـذلـك زيـــادة فـي دعــم الأســـر الفقيرة و... و... و... والآن يـلـوح بـــزيـــادات ضـريـبـيـة مختلفة، وسـيـاسـة تــقــشــفــيــة، وحـــــذف بــعــض الـــدعـــم لــكــبــار الـــســـن بـــدلاً مـن زيــادتــه، والــدعــم عـلـى فــاتــورة الـتـدفـئـة، وسحب الــبــطــاقــة المــجــانــيــة لـلـنـقـل بــالــنــســبــة لـلـمـتـقـاعـديـن، ووعــــود كــاذبــة كـــان قــد وعـــد بــهــا، وربــمــا يـعـد بـهـا، فكيف سيحصل على ثقة السياسيي بحزبه وفي عقر داره أولاً، والبريطانيي ثانيا، بعد أن تخلى عن وعوده التي كان قد وعد بها؟! ولكن التساؤل: لماذا أثارتصورة ثاتشر حفيظة سـتـارمـر لتجعله يـقـرر إزالـتـهـا مــن مكتبه؟ هــل هي المنافسة؟ أهي الغيرة؟ هل هو البرنامج الاقتصادي؟ هل هو غير ذلك؟ فمن هي مارغريت ثاتشر؟ فـــــازت ثــاتــشــر بـــالانـــتـــخـــابـــات الـــتـــي جــــرت على عــنــدمــا هـزمـت 1975 قـــيـــادة حــــزب المــحــافــظــن عــــام إدوارد هيث، فكانت المــرأة الأولــى التي تتزّعم حزبا سياسيا - حــزب المحافظي - فـي تـاريـخ بريطانيا، والشخصية البريطانية الأولــى التي تفوز في ثلث دورات انتخابية متتالية، امـرأة في بريطانيا تتبوّأ )1991 - 1979( منصب رئيسة الـوزراء، في بريطانيا مُنحت لقب «بــارونــة» 1992 وفــي أوروبــــا. وفــي عــام فأصبحت عضواً في مجلس اللوردات. بـــدأت مسيرة التغيير على الصعيد الـداخـلـي، حـيـث فــرضــت عـلـى حـــزب «الـــعـــمـــال» تـغـيـيـر وجهته الاقــــتــــصــــاديــــة مــــن الاشــــتــــراكــــيــــة الـــديـــمـــقـــراطـــيـــة إلـــى الرأسمالية الاجتماعية، كما أحدثت انقلبا في قواعد اللعبة السياسية عندما أضعفت الـحـركـة النقابية بـقـوانـن تـفـرض عليها قــيــوداً ديـمـقـراطـيـة، وحـدّثـت الاقـــتـــصـــاد الـــبـــريـــطـــانـــي. لـــعـــلّ أهــــم مـــا قـــامـــت بـــه من إنجازات هو تطبيق سياسات تُعرف بـ«الثاتشرية»، .Thatcherism اعـتـمـدت ثـاتـشـر فلسفة الـثـاتـشـريـة الـتـي تُبنى عـلـى الــفــرديــة والـخـصـوصـيـة، فــا وجــــود لمــا يُسمى «مــجــتــمــع» فـــي نــظــرهــا، إلــــى حــــدّ أنــهــا تـــجـــاوزت كل الـخـطـوط والـــحـــدود والمـــبـــادئ، ورأت أن آدم سميث الملقب بـ«أبو الاقتصاد» الذي يرى أن مصلحة الفرد أهــــم مـــن مـصـلـحـة المــجــتــمــع، فـــتـــجـــاوزتـــه، لافـــتـــة إلــى أنـــه كـــان «مــعــتــدلاً» أكـثـر مــن الــــازم فــي مـسـألـة الـفـرد والمجتمع، وهي التي تؤمن بأنه «لا يوجد ما يسمى مجتمعا». فآمنت «المـــرأة الحديدية»، السابحة ضدّ الـتـيـار، والــتــي عملت عـلـى تحفيز الاقـتـصـاد وخلق الـــثـــروة، بالمنافسة والـتـحـرر الاقــتــصــادي، وأوجـــزت أن اقتصاد الـسـوق الحر هـو أفضل السبل لتحديث البلد، لافتة إلى أن هيمنة الحكومة على الاقتصاد أوقفت النمو وعطّلت الابتكار في بريطانيا، فأعلنت بـرنـامـجـا مـوسـعـا للخصخصة يـهـدف إلـــى القضاء على قــوى الـشـركـات الكبرى التابعة لـلـدولـة. وكذلك بالنسبة للشركات الاحتكارية، فعملت على إشـراك قوى السوق في تحويل الخدمات العامة مثل الصحة والتعليم، ما أكسبها تقديراً شعبيا واسعا شبيها بالتقدير الشعبي الذي اكتسبته بعد حرب الفوكلند. سقطت المــرأة الحديدية التي وعـدت باستعادة عظمة بريطانيا، في آخر أيـام ولايتها بسبب فرض ضريبة الاقــتــراع المحلية مـا سـبّـب نـفـور الـعـديـد من الناخبي المحافظي وأعضاء البرلمان، فانسحبت من الجولة الثانية من التصويت، منهية بذلك فترة حكم دامت أحد عشر عاما متتالية، ومع ذلك استمرت في نشاطها السياسي خـال ولايــة جـون ميجور، حتى انكفأت شيئا فشيئا، وأصيبت بعدها بسكتة دماغية .2013 سببت لها الوفاة عام فـــي الـنـهـايـة نــوجــز بـــأن الاقــتــصــاد الـبـريـطـانـي يــعــانــي، والـــوضـــع الاقـــتـــصـــادي بـحـاجـة إلـــى تـعـاون مــن الجميع مــن أجـــل تـصـويـب الأمــــور. سيعلن كير ستارمر عن الميزانية الأولى لحكومة حزب «العمال» قريبا، وهــذه ستحدد ملمح السياسة الاقتصادية لهذه الحكومة، لننتظر ونرَ ماذا ستحمل وتؤول إليه هذه الميزانية. وعندها يصبح بالإمكان تحديد هذه السياسة. ســـتـــارمـــر الــــــذي يَــــعِــــد بــخــلــق الــــثــــروة وتـحـفـيـز الاقـتـصـاد، كيف سيتعامل مـع الاقتصاد المتهاوي؟ وإلـــــى أي مــــدى ســتــكــون الإجــــــــراءات صـعـبـة ومــؤلمــة خــــاصــــة بــــعــــد صــــــــدور المــــيــــزانــــيــــة الـــــجـــــديـــــدة؟ وهــــل سيستطيع النهوض بالاقتصاد من غير اللجوء إلى تدابير تقشفية؟! Issue 16738 - العدد Wednesday - 2024/9/25 الأربعاء دارت عـجـلـة الانـــتـــخـــابـــات الــرئــاســيــة الأمـيـركـيـة بــالــفــعــل، وذلـــــك عــبــر الاقــــتــــراع المــبــكــر فـــي الــعــديــد من الــولايــات، ومـع اقـتـراب الخامس مـن نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، وبالتوازي مع حالة العنف السياسي المحلقة فـوق الـــرؤوس، بـات ســؤال مهم للغاية يُطرح بـــصـــوت عــــــالٍ: «مــــا هـــو مـــوقـــف المـــؤســـســـة الـعـسـكـريـة الأمــيــركــيــة، لا سـيـمـا حـــال انــفــاش الـعـنـف فــي أرجـــاء البلد؟». أهـمـيـة الـــســـؤال، وربــمــا خـطـورتـه، تنشأ مــن عند مــــخــــاوف الــــصــــدامــــات الــعــنــيــفــة المــتــوقــعــة بــــن أنــصــار المرشحي، وصولاً إلى الوضع الأصعب، وفيه يمكن أن يرفض الخاسر نتيجة الانتخابات، ويعلن نفسه فائزاً ورئيسا، وبذلك تضحى في أميركا حكومة ظل، بجانب الـحـكـومـة الـرسـمـيـة، أي الـــدخـــول فـــي مـعـتـرك الــصــراع المجتمعي الداخلي، وصولاً إلى الحرب الأهلية. عُــــرفــــت المـــؤســـســـة الــعــســكــريــة الأمـــيـــركـــيـــة طــــوال تـاريـخـهـا بــالانــضــبــاط، وحــســب الــدســتــور الأمـيـركـي فإنها خاضعة بالكلية للسيطرة المدنية المتمثلة في رئيس البلد، القائد العام للقوات المسلحة، ولإشراف ممثلي الشعب، عبر الكونغرس بمجلسيه. غــيــر أن الـــتـــاريـــخ الـــقـــريـــب، وبـــخـــاصـــة فـــي ولايـــة الـرئـيـس تـرمـب الـسـابـقـة، يخبرنا بــأن هــذه السياسة كـانـت فـي بعض الأحــيــان محفوفة بـالمـخـاطـر، فخلل تلك الـولايـة اليتيمة، ساعد كبار الـقـادة العسكريي، ســواء كـانـوا نشطي أو متقاعدين فـي إقـنـاع الرئيس بالتخلي عـن أفـكـاره الأكـثـر خـطـورة، كما أن منتقدي إدارة تــرمــب كـــانـــوا مـمـتـنـن لـلـطـريـقـة الــتــي خـــدم بها هــؤلاء الضباط باعتبارهم «الكبار فـي الـغـرفـة»، وإن كان أنصار ترمب، وترمب نفسه، يعتقدون أن المؤسسة العسكرية أحبطته عن إنجاز كل ما أراد القيام به. هـــل تــعــرض تــرمــب بـالـفـعـل لــشــيء مـــن الــتــجــاوز مـن المؤسسة العسكرية الأميركية فـي الأيـــام الأخيرة الصعبة من إدارته؟ حدث ذلك بالفعل خلل أزمـة السادس من يناير ، حيث تـواصـل رئـيـس الأركـــان 2021 ) (كــانــون الـثـانـي الــجــنــرال مــــارك مـيـلـي، مـــع نـظـيـره الـصـيـنـي لـــي تشو تشنغ، ليطمئنه بأن أميركا غير مقبلة على حرب مع الـصـن، وهـو أمـر اعتبره ترمب لاحقا خيانة رسمية تستوجب المحاكمة العسكرية. تبدو المؤسسة العسكرية الأميركية وكأنها بالفعل عــلــى أهـــبـــة الاســـتـــعـــداد لـلـتـدخـل فـــي ســيــاقــات الـحـيـاة السياسية، وبخاصة حـال تعرض الاتـحـاد الفيدرالي الأمـيـركـي بشكله الـحـالـي لتهديد مستقبله، وهـــو ما يبدو واضحا في الأفـــق، لا سيما أن العديد من رايـات الــكــونــفــدرالــيــة تـرتـفـع عــالــيــا، مـــن تـكـسـاس فـــي أقـصـى الجنوب، إلى كاليفورنيا على المحيط الهادئ غربا. هنا يتساءل كبار المراقبي للشأن الأميركي: هل يـمـكـن لـلـرئـيـس الأمــيــركــي الاسـتـعـانـة بـالـجـيـش لــدرء الأخطار؟ مــن المـــعـــروف أن الـرئـيـس الأمــيــركــي، أي رئـيـس، يمكنه اللجوء إلـى ما يُعرف بـ«قانون التمرد»، وهو قــانــون اتـــحـــادي، يسمح لسيد الـبـيـت الأبــيــض بنشر قــــوات مـسـلـحـة، وقـــــوات مـــن الـــحـــرس الـــوطـــنـــي، داخـــل الولايات كافة في ظروف معينة، مثل قمع الاضطرابات المدنية والتمرد. غير أن المتوقع بعد الخامس من نوفمبر مخيف وبـاعـتـراف جــنــرالات أمـيـركـا أنفسهم، وربـمـا يصعب معه الاستعانة بهذا القانون؛ ذلك أنه سيضع أعضاء المؤسسة العسكرية في مواجهة إرادة شعبية منقسمة، وفـي نهاية المطاف هـؤلاء من قلب ذلـك الشعب، وغير منبتّي الصلة عما يؤثر فيه ويتأثر بـه، ما يعزز من حالة التشظي المجتمعي، وتفكيك الدولة. في مارس (آذار) الماضي كتبت البروفيسورة ريزا بروكسمن جامعة ماركيت بولاية ويسكونسن، إحدى الـــولايـــات المــتــأرجــحــة، عـبـر مـجـلـة «فـــوريـــن بوليسي» مـــنـــذرةً ومـــحـــذرةً مـمـا سـمـتـه «الـتـسـيـيـس الـتـدريـجـي للجيش الأميركي». تقطع بروكس بأن أميركا سوف تخسر كثيراً إذا تخلى الجيش عن حياده الحزبي، وسيتضرر أمنها القومي بسبب التشويه الــذي ستتعرض لـه المشورة العسكرية نتيجة أعمال السياسة. غـــيـــر أن نـــفـــراً مــــن جـــــنـــــرالات أمـــيـــركـــا الـــكـــبـــار لـم يتوقفوا عند حديث بروكس ونظرائها، فعلى سبيل ، حـذّر 2021 ) المـثـال فـي أوائـــل ديسمبر (كــانــون الأول ثلثة من كبارهم المتقاعدين من اندلاع تمرد، أو ربما حرب أهلية، إذا لم تقبل قطاعات من القوات المسلحة الأميركية نتائج الانتخابات الرئاسية. أصحاب هذا الـرأي هما اللواءان المتقاعدان بول دي إيـتـون وأنتونيو إم تـاجـوبـا، إضـافـة إلــى العميد المـتـقـاعـد سـتـيـفـن إم أنــــدرســــون، وقـــد بـــاتـــوا يشكلون جبهة عسكريي سابقي، ينذرون ويـحـذّرون القيادة المدنية السياسية مـن هــوة الـهـاك الـفـاغـرة فاها بعد الخامس من نوفمبر، سيما فيضوء نوايا مصرح بها من الديمقراطيي بأنه حتى لو فاز ترمب بالأصوات الشعبية والمندوبي، فإنهم سيحرمونه من العودة إلى البيت الأبيض بتفعيل البند الثالث من التعديل الرابع عـشـر مــن الــدســتــور الأمــيــركــي. يـضـحـى مــن الـسـذاجـة الـقـول إن المـؤسـسـة العسكرية الأمـيـركـيـة ليس لديها سيناريوهات جـاهـزة لكل الاحـتـمـالات، وفـي مقدمها الانهيار التام لسلسلة القيادة على أسس حزبية. هل أميركا على موعد مع أول انقلب عسكري في تاريخها؟ حذّر جنرالات متقاعدون من اندلاع تمرد إذا لم تقبل قطاعات من القوات المسلحة نتائج انتخابات الرئاسة إميل أمين سعاد كريم OPINION الرأي 14 المؤسسة العسكرية ومآلات الانتخابات الأميركية كير ستارمر في ورطة هلسيستطيع ستارمر النهوضبالاقتصاد من غير اللجوء إلى تدابير تقشفية؟ لبنان... محنة الجغرافيا وغضب التاريخ ، لـــــم يـــهـــنـــأ لــبــنــان 1946 مـــنـــذ اســـتـــقـــالـــه عــــــام بـالاسـتـقـرار، فـمـن عـقـد إلــى آخــر يــواجــه، إمــا صـراعـا عـلـى الـسـلـطـة، وإمــــا حــربــا أهـلـيـة لـهـا امــــتــــدادات في المحيطي الأقرب والأبعد. الملعب لبنانية واللعبون غير لبنانيي. فـالـحـرب الإسرائيلية الــدائــرة الآن على جنوب لـبـنـان تـتـسـم بـطـابـع الإبـــــادة الـجـمـاعـيـة، وقـــد واجــه عقود متواصلة، ولا يمر 8 لبنان مثل هذه الإبــادات عقد من دون أن يكون هناك انشغال عالمي وإقليمي بما يجري في لبنان. يتنوع الـاعـبـون على المـسـرح اللبناني مـا بي دول أوروبية، وإقليمية، فبحكم التاريخ هناك نفوذ لفرنسا، البلد المستعمر القديم للبنان، والآن هناك نـفـوذ آخــر لإيــــران، ومــا بـن هـذيـن الـنـفـوذيـن، يوجد نفوذ الولايات المتحدة الأميركية المستمر والطاغي، وهناك نفوذ بعض دول الإقليم العربي. الحسابات معقدة بي جميع هذه الأطراف، فكل طرف له مصالحه الاستراتيجية التي يرى أن التدخل في لبنان، يحقق بعضها أو كلها. أمــا الشعب اللبناني صـاحـب المـاعـب نفسها، فـيـجـد نـفـسـه مـشـتـتـا بـــن المــنــافــي الـعـالمـيـة أو المـــوت جراء حروب عبثية لم يخترها، ولم يشأ خوضها من الأساس، إنما فُرضت عليه نتيجة صراع الحسابات، وســـبـــاق الــــتــــوازنــــات، بـــن قــــوى مــتــعــارضــة لا تتفق بالضرورة مع أحلم الشعب اللبناني في الاستقرار، والـبـحـث عـن بـنـاء دولـــة وطنية ذات مـؤسـسـات غير طائفية. إسرائيل تدرك مغزى ومعنى التركيبة اللبنانية، وتعقيداتها الإقليمية والعالمية، ولـذا فإنها تستغل هـذه التعقيدات، وتتخذ من لبنان ورقـة للمقايضة، وتـوسـيـع نـفـوذهـا، بـل إنـهـا تخطط لأن تـكـون القوة الــــكــــبــــرى الــــتــــي تــــقــــود الـــــشـــــرق الأوســــــــــط، مـــــن خـــال استغللها للبنان وهو على هذه الوضعية، وتعتقد أنه بوابة العبور إلى بنك الأهداف الإسرائيلية. إن المأساة تكمن منذ البداية في التعايش مع الـطـائـفـيـة وقـونـنـتـهـا، وكـأنـهـا قـــدر مـحـتـوم لا فكاك منه، وقد جـاءت الفرصة أكثر من مرة لينتقل فيها لبنان مـن مربع الساحة إلـى مربع الـدولـة الوطنية ذات المـــــؤســـــســـــات، بـــعـــيـــداً عـــــن المــــحــــاصــــصــــة، وكـــل اللبنانيي على مختلف آرائهم السياسية ينتظرون ذلك اليوم بفارغ الصبر، لكي يكتبوا دستوراً يليق بـــحـــضـــارة لــبــنــان ذات الـــتـــنـــوع الــثــقــافــي الـــــذي تــرك بــصــمــاتــه عــلــى كـــل حـــواضـــر الـــعـــالـــم، ويــلــيــق أيـضـا بمبدعيها ومفكريها وفنانيها الذين عبروا الحدود بإبداعاتهم العظيمة، فالخروج من مضيق الطائفية والـحـسـابـات المـعـقـدة لـاعـبـن غـيـر اللبنانيي بـات معبراً إلزاميا لإنقاذ لبنان الدولة، وجوداً، وشعبا، ومستقبلً. إنــــك لا تـــنـــزل الــنــهــر مـــرتـــن، كــمــا قــــال ذات مــرة الفيلسوف الـيـونـانـي الشهير هيراقليطس، بينما لبنان ينزل النهر مرة بعد الأخرى، مرة بعد استقلله بقليل عندما تصادمت الطائفيات من أجـل السلطة وتقسيم النفوذ، ومرة عندما تم الاستقطاب للسياسة اللبنانية، خلل الستينات وصولاً إلى اتفاق القاهرة ، ما غيّر المعادلات على الأراضي اللبنانية، 1969 عام ثم كانت الطامة الكبرى باندلاع الحرب الأهلية عام ، التي تسببت في تهجير ثلثة أربـاع السكان، 1975 وجـعـلـت مــن لـبـنـان مــركــزاً لتصفية الـحـسـابـات بي الدول والأقاليم الأجنبية، وتخلل هذه الحرب، تدخّل ، ثم احتلل 1978 إسرائيلي في الجنوب اللبناني عام ، وصـــــولاً إلــــى احــتــال 1982 الــعــاصــمــة بـــيـــروت عــــام إســـرائـــيـــل شــريــطــا فـــي الــجــنــوب الــلــبــنــانــي، وتـكـويـن ميليشيا تحت مسمى جيش الرائد اللبناني والمنشق سـعـد حــــداد، الـــذي ورثـــه أنــطــوان لـحـد، ذلـــك الجيش تـم حله وهـربـت عـنـاصـره مـن الـجـنـوب مـع انسحاب ، تحت 2000 إســرائــيــل مـــن الأراضـــــي الـلـبـنـانـيـة عـــام ضـربـات المقاومة الوطنية اللبنانية، وتـم الاعـتـراف ، الـذي أصدرته الأمم 1701 بالحدود الدولية بالقرار ، لكن 2006 المتحدة فيما بعد حرب يوليو (تموز) عام لبنان لا يـزال يطالب بمزارع شبعا وتـال كفرشوبا كأرض لبنانية، تحتلها إسرائيل. لا شـك أنـنـا نـقـف أمـــام مـحـطـات لـبـنـان الـدمـويـة المستمرة بشيء من التأمل العميق، فما يحدث الآن هو استدعاء لأحـداث متشابهة، وكأنه لا مفر منها، رغـــم أن لـبـنـان الــحــضــاري والمـثـقـف لا بــد أن ينفض هـــذا الــغــبــار المــتــراكــم طــبــقــات، ويـتـخـلـص مـــن محنة الـــجـــغـــرافـــيـــا، وغـــضـــب الـــتـــاريـــخ، ويـــدخـــل فـــي مـسـار بناء دولــة وطنية ذات مؤسسات راسـخـة بعيداً عن الحسابات المعقدة التي وُلد بعضها من رحم مفاهيم المــحــاصــصــة الـــتـــي بـــاتـــت عــبــئــا يـــدفـــع ثـمــنـه الـشـعـب اللبناني. إن إسرائيل، بما ترتكبه الآن من مجازر وإبادات جماعية تنتهك الـقـانـون الــدولــي والــقــانــون الـدولـي الإنساني، وتعتقد أن استخدام القوة والنار سيُخضع المنطقة والإقليم، ويجعل منها القوة القائدة قهريا للشرق الأوسط، وهو وهم وزيف وخداع. إسرائيل تدركمغزى ومعنى التركيبة اللبنانية وتعقيداتها الإقليمية والعالمية جمال الكشكي

RkJQdWJsaXNoZXIy MTI5OTky