issue16737

لا أعلم إن كانت أحزمةُ العِفّة قد ظهرت قبل أو أثناء الحروب الصليبية. وما أعرفه أنها أضحتْ ظاهرة خلال تلك الحملات العسكرية المتجهة عبر البحر إلى الأراضي المقدسة في الشرق الإسلامي. حـــــزامُ الـــعِـــفّـــة، حـــــزامٌ حـــديـــدي، يـصـمـمـه ويصنعه حـــدادون، ويشتريه منهم رجــال في طريقهم إلـى عبور البحر، قاصدين حرباً وصفت بالمقدسة. قبل ذهابهم يجعلون نساءهم يرتدين الحزام، ويقومون هم بقفله، وأخذ المفتاح معهم. الغرض من الحزام ليس في حاجة إلى توضيح أو شرح. الـظـاهـرة تـلـك، حسبما يـقـول مــؤرخــون، استغلها الحدادون تجارياً. إذ قيل إنهم كانوا يصنعون مفتاحين وأكثر لكل حــزام. يعطون المشتري مع الـحـزام مفتاحاً، وبمجرد خـروجـه مـن المـحـل، يبيعون المفتاح الإضافي لمشترين آخرين في الانتظار، بضعف السعر. أعـتـقـد أن ثـقـتـنـا بــالــقــوانــ لا تـخـتـلـف كـثـيـراً عن ثـقـة أولــئــك الأزواج المــخــدوعــ بــأمــانــة ونُــبــل حــداديــن انـــتـــهـــازيـــ . نــحــن نــضــع ثـقـتـنـا فـــي خـــبـــراء الـــقـــوانـــ ، لتفصيل قوانين ولوائح ونظم، تنظم الأمــور، وتضمن الحقوق، وتردع المظالم، وتوفر السلم الاجتماعي. ونثق أيضاً في الأجهزة التي تطبق وتنفّذ تلك القوانين، من محاكم قضائية وأجهزة أمنية. لكن تلك الثقة، للأسف، تكون في غير محلّها أحياناً. فالبشر هم البشر لا تتغير طبائعهم، والمصلحة الشخصية تحظى بأولوية، وتأتي فوق كل اعتبار، هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى، فإن القوانين والنظم واللوائح، على رأي الحُذّاق منّا، وجدت لتنتهك وتخرق، وتستغل من قِبلهم ومن قبل أصحاب النفوذ والمال. وبالتالي، فإنه إذا كانت المطالبة بالمساواة أمام القانون حقاً مشروعاً، ومبدأ إنسانياً نبيلاً، فإنّه صـعـب الـتـحـقـق واقــعــيــ ، يـتـم الالــتــفــاف عـلـيـه حـتـى في البلدان التي توصف بالليبرالية والديمقراطية. ولذلك هو أقرب ما يكون إلى حلم إنساني مؤجل حتى الآن. الـــقـــوانـــ ، حــســب الــتــجــربــة الإنــســانــيــة الـطـويـلـة، تــــســــاوي بــــ الــــنــــاس نـــظـــريـــ ، وفـــــي الــتــطــبــيــق الـعـمـلـي الـواقـعـي يتميز الـنـاس ويختلفون، لــدى مثولهم أمـام المحاكم، أو لدى تطبيق نصوص القانون، أو في مراكز الــشــرطــة. وتـصـبـح الــنــصــوص والمـــــواد الـقـانـونـيـة مثل شريط شديد المرونة، يضيق حول أرساغ أغلب الناس، ويتسع على أرساغ فئة قليلة. الأمر ليس جديداً، وربما يعود تاريخياً إلى حقبة ألواح الملك حمورابي المشهورة. علاقة الـقـوانـ بــالأفــراد فـي مختلف المجتمعات، بما يعتريها مـن تغيرات وتـدخـ ت والـتـفـافـات، تلوى لأجــلــهــا رقـــــاب الـــنـــصـــوص الــقــانــونــيــة لــتــ ئــم الأحـــــوال والظروف والأشخاص، وتطال كذلك علاقة الأمم والدول بالقوانين الدولية، التي وجدت بموافقة أممية وبهدف حـفـظ الـــســـ م فـــي الــعــالــم، وتـسـهـيـل وتـنـظـيـم الـتـعـاون الـــــدولـــــي، وحـــفـــظ حـــقـــوق الأمــــــم وحـــمـــايـــة مــصــالــحــهــا. وأنـشـئـت للغرض ذاتـــه الـعـديـد مـن المنظمات والمحاكم الدولية. لكن مصالح الدول، مثل مصالح الأفراد، ليست متشابهة، وفي أغلب الأحيان تتقاطع، ويحتد التنافس إلـى درجـة إشعال الـحـرب. وهـذا يعني أن تلك القوانين الدولية تخضع لتدخلات وتفسيرات لا تنتهي بغرض تطويعها لمختلف الحالات الطارئة، ولتناسب الظروف والمصالح السياسية. وعلى سبيل المثال لا الحصر، في الآونـة الأخيرة، استحوذ الاتحاد الأوروبــي على فوائد أموال روسيا المودعة في مصارف أوروبية، في مخالفة صريحة للقوانين الـسـاريـة فـي دول الاتــحــاد. وتــم ذلك بتحريض من واشنطن. وبالطبع، كان خبراء القانون الأميركيون في المتناول لتقديم المسوغات والتبريرات القانونية. لكن في حالة حرب الإبادة المتواصلة في غزة منذ عـام، اختفت القوانين ونصوصها وكأنها لم تكن. أو كأن لا علاقة لها بما يحدث في تلك البقعة من الأرض. وفي الوقت ذاته، مُنح الجاني صكاً على بياض، ليفعل ما يشاء، وقتما يشاء، وكيفما يشاء!! الأيام القليلة المقبلة، تعلّم لمرور عام مؤلم، بتمامه وكـــمـــالـــه، عــلــى حــــرب الإبـــــــادة الـــتـــي تـــشـــنّ ضـــد الـشـعـب الـفـلـسـطـيـنـي فـــي قــطــاع غـــــزّة. وســـائـــل الإعـــــ م الـدولـيـة تـتـولـى يـومـيـ ، فــي نـشـراتـهـا المـسـمـوعـة والمــرئــيــة، نقل وقائع ما يحدث من مجازر ومذابح، لكن ولا من مجيب. الدمار طال كل شيء. والموت يطارد كل من يمشي على قدمين في غزة. وشحنات الأسلحة، من مختلف الأنواع والأحجام، ما زالت تتدفق يومياً على موانئ ومطارات إسرائيل، قادمة من عواصم العالم الذي يوصف بالحر، ويفتخر بـالـدفـاع عـن الـحـرّيـات وعـلـى حـقـوق الإنـسـان، ومناصرة ودعم حق الشعوب في تقرير مصيرها. عـــام وأكــثــر مــن أربــعــ ألـــف قـتـيـل، وضـعـفـهـم من الـجـرحـى. ومــا زالــت الإبـــادة متواصلة فـي كـل الأوقـــات. والفلسطينيون فـي غــزة مـا زالـــوا يقتلون ويُـجـوّعـون، وتـــدمـــر بـيـوتـهـم ومـــدارســـهـــم ومــســاجــدهــم وكـنـائـسـهـم ومـــســـتـــشـــفـــيـــاتـــهـــم، وطــــرقــــهــــم، ومـــــزارعـــــهـــــم لـــكـــنـــهـــم لـم يـسـتـسـلـمـوا، ويـــقـــاومـــون. والــعــالــم يـشـاهـد مـــا يـحـدث، وكأنه يتفرج على شريط رعب سينمائي. يوم الجمعة القادم، استناداً لوسائل الإعلام، يلقي رئيس الحكومة الإسرائيلية خطاباً في الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك. ومن المتوقع أن تقابل كلمته بالمقاطعة مـن قبل مندوبي عديد مـن الـــدول احتجاجاً على المـجـزرة. وهـذا كل ما يمكن فعله من قبل المجتمع الدولي! Issue 16737 - العدد Tuesday - 2024/9/24 الثلاثاء OPINION الرأي 14 نقطة التحوّل في التاريخ الحديث للسعودية استطاعت القفز على كل التحديات العالم يشاهد ما يحدث من جرائم وكأنه يتفرج علىشريطرعبسينمائي يوسف الديني حسينشبكشي جمعة بوكليب هذه هي قناعات نتنياهو ًالدموية العنصرية الإجرامية وعمل على تحقيقها جميعا غزّة: عام انقضى والإبادة متواصلة ... قالها نتنياهو 1996 منذ رئـيـس الــــوزراء الإسـرائـيـلـي بنيامين نتنياهو صـهـيـونـي بــامــتــيــاز يـلـعـب بـــالـــكـــارتِ الـــيـــهـــودي مع الــــجــــمــــاعــــات الأصــــولــــيــــة الأرثــــوذكــــســــيــــة المـــتـــطـــرفـــة الـــعـــنـــصـــريـــة المــــتــــشــــددة لــعــبــة ســـيـــاســـيـــة، يـوظـفـهـم لمـصـلـحـتـه بــشــكــل فـــج وصـــــــارخ. لـــن تــجــد بـنـيـامـ نتنياهو يستشهد بـأقـوال موسى بـن ميمون، أهم عـلـمـاء الــديــن الــيــهــودي، لكنه يفتخر بالاستشهاد بــرمــوز الـحـركـة الصهيونية الـعـالمـيـة مـثـل ثـيـودور هـــيـــرتـــزل وزائــــيــــف جــابــونــتــســكــي ويــــهــــودا الـكـلـعـي وليون بينسكر وحاييم وايتزمان، وهم أصحاب آراء أقل ما يمكن أن يقال عنها إنّها عنصرية وعدوانية ودموية. المتابع لنهج بنيامين نتنياهو، الــذي تجاوز كـل سـاسـة إسـرائـيـل مـن قبله فـي مــدة فـتـرات حكمه لــهــا، سـيـجـد أنـــه أفــصــح وبـــوضـــوح شــديــد جـــداً عن رؤيــتــه الـسـيـاسـيـة لإســرائــيــل وأهـــدافـــه الـتـي يسعى 1996 لـهـا، وذلـــك مـن خــ ل كتابه الـــذي أصـــدره عــام بـعـنـوان: «مـكـان بـ الأمـــم: إسـرائـيـل والـعـالـم». قدم فيه وبالتفصيل آراءه في عملية الـسـ م، الجولان، الـقـدس، الـدولـة الفلسطينية، الضفة الغربية، غور وغــيــرهــا مــن المـسـائـل 67 الأردن، الــ جــئــ ، حــــدود الأخرى. فــيــقــول عـــن عـمـلـيـة الـــســـ م: «إنّ الـــســـ م الـــذي تـسـتـطـيـع إســـرائـــيـــل أن تــتــوقــع الــحــصــول عـلـيـه مع الــعــرب هــو ســـ م الــــردع فــقــط، أي تـسـويـات سلمية بقدرة إسرائيل على ردع الطرف الثاني، عند خرق هـــذه الـتـسـويـات وشـــن حـــرب جــديــدة عـلـيـهـا». وقــال عـن الـجـولان: «لا مقارنة بـ الانسحاب مـن سيناء والانسحاب من هضبة الجولان، ففي الهضبة يدور كــم فقط، 25 حــديــث عــن عـــرض لا يــزيــد أقــصــاه عــن وهــي منطقة يستطيع الجيش الـسـوري اجتيازها خلال بضع ساعات فقط فيما لو انسحبت إسرائيل مــنــهــا، ولـــهـــذا الــســبــب لا يـــوجـــد بـــديـــل عـــن احـتـفـاظ إسرائيل بهضبة الجولان، إذ بواسطتها فقط يمكن صد أي هجوم سوري في المستقبل». وقال عن الدولة الفلسطينية: «إن المطالبة بقيام دولة فلسطينية في الضفة الغربية يتعارض كلياً مـع السعي لتحقيق ســــ م حـقـيـقـي، إذ إن وجـــودهـــا يـضـمـن حــالــة عــدم الاستقرار والنزاع المستمر، ويـؤدي في النهاية إلى حرب حتمية، بالتالي فإن الفلسطيني الـذي اختار الـعـيـش فـــي الـضـفـة الــغــربــيــة، عـلـيـه الاعـــتـــراف بـأنـه سـيـكـون أقـلـيـة فــي منطقة خـاضـعـة لسلطة الــدولــة الـيـهـوديـة، ولا يـحـق لــه المـطـالـبـة بــدولــة فلسطينية ثانية فـي الضفة الغربية». وقــال عـن الأردن كوطن بـديـل: «إن أرض إسـرائـيـل الانـتـدابـيـة كبيرة لدرجة تجعلها قادرة على استيعاب دولة يهودية صغيرة، ودولــة أكبر لعرب فلسطين تلك التي تدعى الأردن، وبالتالي فهناك حل للنزاع بين الشعبين يتمثل في إقامة دولتين؛ الأولى يهودية للشعب اليهودي المقيم غـرب الأردن، والثانية عربية للشعب العربي الـذي يقيم معظمه شرق النهر». وعـن الـقـدس قــال: «هـي مركز الطموح للشعب الـــيـــهـــودي، فـــي سـبـيـل الـــعـــودة إلــــى أرض إســرائــيــل وبعثها من جديد، ولذا يجب ألا يُطلب من إسرائيل التفاوض بشأن أي جـزء مـن الـقـدس، ولا لأي ظرف مـــن الـــظـــروف تــمــامــ مـثـلـمـا لا يــجـــوز أن نـطـلـب من الأميركيين التفاوض على واشنطن، ومن الإنجليز على لندن، ومـن الفرنسيين على باريس، وبالتالي لا يـــجـــوز مـطـلـقـ عــلــى إســـرائـــيـــل المـــوافـــقـــة عــلــى أي مساس بالمكانة السيادية في القدس أو تقسيمها، أو على قدرتها إبقاء المدينة مفتوحة وموحدة تحت حكم إسـرائـيـل. ويـجـب على إسـرائـيـل تعزيز حركة الاســتــيــطــان الــيــهــوديــة حـــول المــديــنــة لــلــحــؤول دون مواجهتها من خلال تجمعات سكانية غريبة». وقــــال عـــن الـضـفـة الــغــربــيــة: «إن عـلـى الأنـظـمـة الــعــربــيــة الـــتـــي تـمـلـك مـــســـاحـــات كــبــيــرة مـــن الأرض ضعف مساحة إسرائيل أن يتنازلوا عن 500 تبلغ أربعة أجـزاء من عشرة آلاف جزء يسيطرون عليها. وبالتالي عليهم الـتـنـازل عـن الضفة الغربية، قلب الـــوطـــن الــقــومــي الـــيـــهـــودي، والـــســـور الـــواقـــي لــدولــة إسرائيل. كما يجب على إسرائيل ضمان السيطرة عـلـى مــصــادر المــيــاه فــي الـضـفـة الـغـربـيـة، ومــنــع أي سلطة عليها». وقـــــال عـــن غــــور الأردن: «إن إســـرائـــيـــل مـلـزمـة بضمان سيطرتها على المناطق الحيوية، ومنع أي هجوم ممكن من الشرق. وهذا يعني السيطرة التامة على منطقة غور الأردن والمحاور المؤدية إليه». وقال عن اللاجئين: «يجب على إسرائيل إقامة مناطق عازلة لمنع عودة اللاجئين، وعليها الاحتفاظ بالسيطرة على المعابر الحدودية لمنع دخـول أعداد كـبـيـرة مـــن الــســكــان المــعــاديــن لإســـرائـــيـــل، وبـالـتـالـي فــــإن واجـــبـــهـــا الــــعــــودة إلــــى مـــبـــدأ تـــوطـــ الــ جــئــ الفلسطينيين في الأماكن التي يوجدون فيها حالياً، : «إن 67 مثل سوريا والأردن ولبنان». وقال عن حدود حـدود ما قبل حرب الأيـام الستة كانت حـدود حرب ولـيـسـت حــــدود ســــ م، وبـالـتـالـي فـمـن غـيـر المـقـبـول الحديث عن السلام والأمـن الإسرائيليين، والمطالبة في الوقت نفسه بانسحاب إسرائيل إلى حدود غير قابلة للدفاع عنها. وهذا مرفوض رفضاً تاماً». هذا هو نتنياهو بكلماته بنفسه وبقناعته هو لم ينمق كلماته أو يجملها، إنها قناعاته الدموية العنصرية الإجرامية وعمل على تحقيقها جميعاً. «عليها ومنها السلام ابتدا»... عنسردية التجربة السعودية «عليها ومنها الـسـ م ابـتـدا»، هـذا المقطع مـن أول قصيدة وطنية رسمية مُغَنّاة قبل السلام الملكي، تكثّف بشكل غير مسبوق تَموضُع المملكة العربية السعودية الــــيــــوم أكـــثـــر مــــن أي وقـــــت مـــضـــى، فـــهـــي قِـــبـــلـــة الإســـــ م والسلام، وبوصلة التحولات في الشرق الأوسط، ورمّانة الميزان لمستقبل المنطقة. فـي لحظة تاريخية، ومفارقة 94 الـيـوم الوطني الــــ زمنية وتـاريـخـيـة، تقترب هــذه الــدولــة المـجـيـدة المملكة العربية السعودية من إكمال قـرن على واحــد من أعظم المــــشــــروعــــات فــــي المـــنـــطـــقـــة، وهـــــو «الـــتـــوحـــيـــد» بـمـعـنـاه المـــفـــاهـــيـــمـــي الــــشــــامــــل، ومـــــا يـــمـــثّـــلـــه مــــن تـــجـــربـــة فـــريـــدة واستثنائية فـي تـحـوّل نـوعـي يمتدّ إلــى بــ د شاسعة مـتـرامـيـة الأطـــــراف، مـغـيّـراً فــي تركيبة مـكـونـات معقّدة وشـــديـــدة الاخـــتـــ ف والـــتـــمـــايُـــز، اســتــحــالــت إلــــى مـزيـج متآلِف ونسيج مؤتلف في رؤيته لذاته، وعلاقته ببيت الحكم الـسـعـودي الـعـريـق، حيث عــاش معه ومــن خلاله تجربةً حضارية تستمد قوتها من التاريخ، وتستوحي مـن صـ بـة الجغرافيا كينونتها، ومــع ذلــك تطمح إلى الـــتـــجـــدّد المـسـتـمـر لمـقـاربـتـهـا الـــوجـــوديـــة عــلــى مـسـتـوى الثقافة والعيش والاقـتـصـاد؛ وهــي مفارقة إذ تتجاور العَراقة المقدسة باعتبارها قِبلة أكثر من مليار ونصف مليار مسلم؛ تسعى بشكل حثيث صــوب المستقبل، لا التي 2030 سيما بعد انبعاث مشروع الرؤية الطموحة نعيش اليوم نتائجها وثقافتها وتأثيرها، وصولاً إلى الـتـحـديـات الـتـي لــم تـــزِد الـسـعـوديـ إلا ثـبـاتـ وإيـمـانـ بقيادتهم ودورهم. ثــمــة إرث ســـعـــودي كــبــيــر تــحــرســه روح الأجـــيـــال الــجــديــدة، مــن الـشـبـاب الــذيــن هــم جـيـل الــرؤيــة وصُــنّــاع مستقبل بلادهم، مقتدين بطموح وصفه عرّاب رؤيتهم الطموحة سمو ولـي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الذي وعدهم بأن طموحه وطموحهم ليس لهما حدود إلا عنان السماء. ســــرديــــة الـــســـعـــوديـــة الـــجـــديـــدة مـــذهـــلـــة وثــــريــــة، لا تقتصر على إيمان السعوديين العميق بها، بل تتجاوز ذلك إلى المراقبين والمتابعين حتى من خارج السعودية، وازداد تثمين المشروع السعودي بعد ثباتها وصمودها كنموذج لفضيلة الاستقرار واللّحمة الوطنية، لا سيما عقب ما طرحته انكسارات الربيع العربي من تحديات، حيث سطرت القصة السعودية أمثولةَ مفارَقةٍ للسائد بـأطـيـافـه ومـنـاطـقـه وتــنــوّعــه وثــرائــه الـثـقـافـي والـعِـرقـي والمـذهـبـي، لتطرح مسألة الـهـويّـة الجامعة للسعودية والمتجهة نحو المستقبل، فصلاً مختلفاً عن محيطها. هـــنـــاك قـــصـــة ســـعـــوديـــة مــخــتــلــفــة يـــجـــب أن تُـــــروى لـ جـيـال، المـفـارقـة كـانـت أنـنـا اعـتـدنـا على أن نسمعها بشكل مغلوط وصورة نمطية من الخارج، وربما بشكل نـاقـص أو خَــجُــول مـن الــداخــل، الـيـوم مـع مكانة المملكة ومـوقـعـهـا الـجـديـد ورؤيــتــهــا آنَ الأوان لـلـسـعـوديـ أن يكتبوا سرديتهم الخاصة؛ حيث تعيش بلادهم تجربة اســتــثــنــائــيــة تــتّــصــل بـــالـــتـــحـــولات الــعــالمــيــة الـــكـــبـــرى في السياسة والاقـتـصـاد، إضــافــةً إلــى الـتـوتـرات الإقليمية المهدّدة لاستقرار الـدول وهويتها، ونـزوح الكثير منها إلى دوامة من الفوضى والأزمات والاحتراب على امتلاك مفهوم أساسي، وهو ماذا يعني الوطن؟! حرصت القيادة السعودية، بفضل تطلّعات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز - الرجل الاســتــثــنــائــي فـــي فــهــم صــــيــــرورات الـــتـــاريـــخ، والــــقــــراءة العميقة لواقع المنطقة، وملامسة مَعاطن الخلل في عدد مـن المـشـروعـات التي جرّبَتها دول مـا بعد الاسـتـقـ ل - على تأسيس مفهوم جديد للاستقرار والرفاه، والإيمان بالمواطن السعودي والاستثمار فيه. الـــســـعـــوديـــة الـــجـــديـــدة هــــي ورشــــــة كـــبـــيـــرة لـلـعـمـل والتطلع نحو المستقبل، حيث تحوّلت المملكة بمناطقها وجغرافيتها وتنوّعها الشديد، إلـى مملكة التفاصيل الـــصـــغـــيـــرة، بـــمـــشـــاريـــع ضــخــمــة تــســتــثــمــر فــــي الـــداخـــل ونجاحات مذهلة برغم كل التحديات الكبرى. تــــحــــوّلات الــســعــوديــة الـــيـــوم مـــصـــدر فـــخـــر، ونـحـن نــعــيــش ذكــــــرى يـــومــهــا الـــوطـــنـــي، ولا يــمــكــن لأي عــاقــل مـنـصـف إلا تـثـمـيـنـهـا؛ مـــن رفــــع مــســتــوى الــحــوكــمــة في مـؤسـسـات الـــدولـــة، إلـــى ولـــوج عــوالــم الــتــحــوّل الـرقـمـي، والاهتمام بخدمات المواطن والمُقيم بمستويات عالية، كجزء من النقلة النوعية في أداء مؤسسات الدولة عبر تــطــويــرهــا، وتــأســيــس بـنـيـة جـــديـــدة لـلـعـمـل المـؤسـسـي مبنية على ثقافة مكافحة الفساد والمحسوبية، إضافةً إلــى خلق أجـــواء وفُـــرَص لاقتصاد بديل لا يعتمد على موارد النفط، بل يتجاوز ذلك كله إلى البحث والتجريب في كل الإمكانات التي تستفيد من ثراء البلاد وخيراتها، خصوصاً على مستوى المـــوارد الطبيعية والسياحية والدينية، بهدف بناء اقتصاد مستدام. والـــحـــال أن نـقـطـة الــتــحــول فـــي الـــتـــاريـــخ الـحـديـث للسعودية، هذه الدولة الفتية، استطاعت القفز على كل التحديات، وأبانت عن قدرتها المتفردة في دعم مسيرة الاستقرار في المنطقة، عبر سياسة حزم ورفاه محفوفة بـتـمـاسُـك داخــلــي مــا زال عـصـيّـ عـلـى تحليل كـثـيـر من الشخصيات التي فشلت في قراءة سر هذا التلاحم بين رأس الهرم السياسي ومكونات الشعب المتنوعة، الذي يعكسه شعار اليوم الوطني «نحلم ونحقق» الذي يقوله السعوديون بصوت عــالٍ ووحـــدة وتـ حُـم فيما بينهم يعكس عمق هذه التجربة.

RkJQdWJsaXNoZXIy MTI5OTky