issue16730

الثقافة CULTURE 18 Issue 16730 - العدد Tuesday - 2024/9/17 الثلاثاء محمد السيد إسماعيل في ديوانه «يد بيضاء في آخر الوقت» الحب والجمال والحزن... تحت مظلة الشعر تشكل مـفـارقـات الـحـزن والـجـمـال، الغيب والــرؤيــة، الـــثـــورة والــــوطــــن، مــرتــكــزاً فـنـيـا فـــي ديـــــوان «يــــد بـيـضـاء فــي آخـــر الــوقــت» للشاعر والـنـاقـد الأدبــــي محمد السيد إســـمـــاعـــيـــل، ولا تـــأتـــي هـــــذه المــــفــــارقــــات فــــي إطــــــار فــكــرة مــحــددة، إنـمـا تـتـوالـد مــن نسيج حـالـة شـعـريـة مفتوحة على تداعيات الواقع والحياة، فيما تشكل اليد البيضاء محوراً للرؤية، حيث تتناثر رمزيتها وتتنوع دلالاتها فــي مـعـظـم الـقـصـائـد، فــتــارة هــي الــيــد الـبـيـضـاء الــتــي لم يمسسها ســـوء، حسب الميثولوجي الـديـنـي، وتـــارة هي اليد التي تربّت على الحديقة: «الحديقة الصغيرة التي تشبه سرّاً مطارداً»، كما أنها المذنبة الشريرة، وهي اليد الـخـاطـفـة لــلــذات بنعومتها الــطــافــرة فــي الــجــمــال، التي تنعكس عليها همومها الشاعرة، بخاصة في النظر إلى الأنثى عاطفيا، ثم هي اليد المنقذة التي تنتشل الذات في اللحظة الأخـيـرة، «فـي آخـر الـوقـت» من الغرق في الحزن والــســأم والـضـجـر، إنـهـا رمــز للنقاء والــخــاص فـي عالم أصبح موحشا ومشوها وكارثيا. في النصالأول الذي وسم عنوان هذا الديوان الصادر صفحة، تومض ماهية 80 عن «دار أروقــة» بالقاهرة في هـذه اليد من خـال علقتها بنثريات الحياة والـوجـود؛ بالهواء والوقت والضوء والبحر، ويتنقل النص بسلسة لغوية ما بين المشهد وخلفيته، في مونولوج داخلي حار، يصنع خيطا شفيفا من الذبذبة البصرية الموحية على العين، كأنها تشاهد لوحة فاتنة الجمال، تشكل خلصة كينونة الأنثى المشتهاة... يعزز ذلـك أن الشاعر يستهل النص بتساؤل حائر موجها الخطاب إلى الأنثى قائلً: «كيف تمشين على الأرض هكذا كأنها محرابك الأخير؟ لا أودّ الإجابة بل أودّ المزيد من الوقت كي أتأمل أناملك الرهيفة وهي تدفع الهواء - بهدوئها المعتاد - إلى البحر لا أريد الرؤية بل أودّ المشاهدة الأولى المشاهدات التي تتيح لي حساب مساحات الضوء التي تشكل خلفية المشهد وأنت تقفين أو تحلقين - لا فرق - في منتصف المسافة، لا أتحدث عن اقترابها الحميم من السّر لا أتحدث عن خروجها من سيرة الوقت بيضاءَ من غير سوء بل أتحدث عنها: اليد ذو الأصابع الجميلة والخاتم الفضي لا لأنـــهـــا تــخــتــصــر المـــســـافـــة بـ باريس والقاهرة أو لأنــهــا تـبـحـث - بــبــراعــة - عن شرعية الحياة ومصائر الخلق بـل لأنـهـا تحترف - دونـمـا قصد - تدريب العين على رؤية الجمال» عـــبـــر هــــــذه الــــيــــد الـــبـــيـــضـــاء لا يقترن الحلم بــالمــرأة فحسب، إنما يـقـتـرن فـــي الـــوقـــت نـفـسـه بـالـسـؤال عن معنى الحياة والجمال، وهو سؤال يتواتر في معظم الـقـصـائـد بــتــراوحــات مـخـتـلـفـة، فـهـو ابـــن الـيـقـ والـشـك معا، ابن الحيرة والطمأنينة، لكنه مع ذلك يمتلك القدرة على الـعـبـور والتحليق فيما وراء الأشــيــاء والعناصر، بحثا عــن حقيقة بسيطة لكنها مـغـويـة فــي بساطتها، تظل قابلة للتكشف، والتعبير عن نفسها بشكل جديد ومفاجئ. يساعد على هذا براح قصيدة النثر والخروج من أسر المضمون الجاهز والمعيار الضيق للشعر، حيث يتراءى هذا الحلم، في كثير من نصوص الديوان، كرحلة فــي الــزمــن دائــمــة الــتــســاؤل عــن كُــنــه الأشـــيـــاء والـــوجـــود، عــن الــبــدايــات والـنـهـايـات، عــن الــوقــت، والمـسـافـة الـرخـوة بـ الـكـام والــصــوت... وســط كـل هــذا ثمة نــزوع للتمرد يـبـدو كـمـاذ أخـيـر لـــلـــذات، تـتـأمـلـه، لـيـس كمحض رغبة في التجاوز والتخطي، إنما كسلح لفكك شفرة الوجود والخلص بالشعر من تطوحات الرؤى وشرنقة الظنون. يـبـلـور الــشــاعــر هـــذا المـعـنـى فـــي الـــجـــزء الأخـــيـــر مـــن نص بعنوان «فـي منتصف الليل»، يشكل ثنائية شعرية مع نص تال له بعنون «هكذا بعد منتصف الليل» يجمعهما قــاســم مـشـتـرك هـــو الـبـحـث عـــن الأنـــثـــى المـشـتـهـاة ويـدهـا البيضاء الساحرة الشاردة، يقول: «أودّ الآن أن أخرج من الإيقاع أن أفك شفرته أن أتخفف قليلاً من كونشرتو نقابة الممثلين وهي تغسل قدميها قريباً من قاع النهر أو تصطاد سمك القيلولة فساعديني إذن أن أرى عينيك دائماً لعلني أكتشف كيف يصبح الحزن - دون معجزة كبيرة - المدخل الحديث للجمال وكيف يصبح الجمال الهدية الأخيرة التي وهبها الله للحياة الهدية الأخيرة التي اكتشفت أنني أسير نحوها طوال هذه السنين». لا يبحث النصعن الجمال بقوة الأنثى، إنما بقوة الرغبة في الـخـروج عن الإيـقـاع، إيقاع الحياة الرتيبة المملة، التي تعيد استنساخ نفسها في أدوار ومشاهد مـــكـــرورة، لـذلـك يـريـد أن يـــرى حبيبته فــي مشهد آخـر وهي تتطهر من كل هذا المسخ، تشي بذلك رمزية غسل القدمين في النهر، وصيد السمك، في لمحة لا تخلو من رذاذ طقسي، ومن ثم يبرز السعي إلى اكتشاف الجمال فـي بساطته وتلقائيته دون معجزة كبيرة كما يقول النص. بهذه الــروح ابنة الفطرة يضع الشاعر حياته وشــعــره وحبيبته دائــمــا عـلـى مــشــارف يـقـ مـــا، يقف خلفه كطفل يـراقـب الأشــيــاء فـي سطوعها وخفوتها، فـي نأيها وقربها، وكأنها ظـل يبحث عـن نقطة ثبات في مـرآة رحلة مراوغة. يطالعنا ذلك في نص بعنوان «خـلـف ذلـــك الـيـقـ » تعلو فـيـه نـبـرة الــرجــاء وتكتسي بمسحة صـوفـيـة، والـرغـبـة فـي إعـــادة اخـتـبـار الأشـيـاء مـن نقطة الـوجـد بالحبيبة ومكاشفتها، وهــي نقطة تتأرجح دائما ما بين الثقل والخفة، فالذات الشعرية لا تمتلك اليقين، ولا تدعيه، إنما تكتفي بالوقوف خلفه كعتبة أبعد للحلم والرؤية. «دعينا إذن نختبر ما سوف يحدث كأن أمضي - مثلاً بلا إرادة ـ خلف ذلك اليقين وأنا ممسك بأثوابه الصافية وبعد أن نصل إلى منتصف الطريق أقول له كعاشق لا يرى عتبة البيت: لقد اقتربنا اقتربنا كثيراً أليس كذلك؟ فيرد بلا اكتراث: استفت قلبك أنت واستشعر النور القريب». من السمات اللغوية اللفتة في الديوان استخدام أدوات التشبيه بشكل مغاير أسلوبيا ومجازيا أحيانا، عـلـى نـحـو مــبــاشــر، مــن قـبـيـل «مــثــل صــخــرة كـبـيـرة»، «مثل شاعر قديم»، «مثل نقطة سـوداء»، وأحيانا على نــحــو غــيــر مــبــاشــر مـــن قـبـيـل «هـــكـــذا فـــي طــريــق عــــام»، «هـــكـــذا بــعــد مـنـتـصـف الـــلـــيـــل». الـــافـــت أيـــضـــا أن هــذه الــســمــة الأســـلـــوبـــيـــة لا تـــركـــز على استجلء طبيعة العلقة النمطية بـــ المــشــبــه والمـــشـــبـــه بـــه فـــي هــذه الـنـصـوص، بـقـدر مــا تـوفـر فـضـاءً خـــاصـــا لــحــضــور الـــــذات الــشــاعــرة بـتـمـثـاتـهـا الـــاعـــجـــة المــتــأرجــحــة دائــمــا مــا بــ المــرئــي والــامــرئــي، مـــا بـــ المـشـهـد فـــي عـيـانـه المـــادي المـبـاشـر، ومــا يضمره فـي الظلل الــرمــاديــة الــداكــنــة الـتـي تكمن في الخلف: «أنا رجل سيئ الحظ أجيء - دائماً - بعد فوات الوقت بــعــد أن تـــكـــون الـــــــوردة قـــد مضت لمصبها الأخير فأقف متحسراً تعتصرني اللوعة وأنـــا أتـذكـر كيف مضت الساعات كلها دون أن تمر بهجة واحدة لا يهمني الآن اسم الوردة ولا عبيرها الذي اختفى بين أصابعي يهمني فقط أن أقف على أطلالها مثل شاعر قديم» لا يـخـلـو الـــنـــص مـــن نـــبـــرة تــشــي بــالــســخــريــة من الذات نفسها، ومن العالم الكائن حولها، لكنها مع ذلك تدرك أن الأسماء دون فعل تظل محضصورة ذابلة بل معنى، فاقدة لدبيب الحياة في شرايينها، مهما اشتدت نوازع الحنين إلى هذه الصورة... «الحنين إلى شجرة/ لا يعني - فقط - الحنين إلـى ظلها الــذي افتقدناه منذ سنوات بعيدة/ لا يعني أننا نحلم بالحب/ فكل شيء يذهب ويـأتـي فـي غفلة مـنـا». إنها إذن شعرية الفكرة التي ينميها الديوان ويوظفها كنافذة حية ومتجددة في النظر إلـى الـواقـع والحياة، وأصـدقـاء شكلوا رافـداً حيا فـي تجربة الـشـاعـر. إنـهـا الـصـورة الحية الـتـي لن تـذبـل فـي طـوايـا الـــروح والـجـسـد، مثل صـــورة المـيـدان، :2011 يناير 25 مفجر الغضب، في إشارة لثورة «سأتوقف كثيراً أمام هذا الميدان مستعيداً ما رأيته على مدى ثمانية عشر يوماً حين توحدت كل هذه الأجساد كي تتحول - بلحظة واحدة - إلى كائن لم نره من قبل رغم أنه كان يسير أمامنا كل يوم باحثاً عن طعام أبنائه تقدح الشمس جبينه ويلسع الشتاء ظهره العاري». في الختام، هذا ديوان مهم في سياق الشعرية الجديدة، ومـــن المــؤســف حـقـا أنـــه لــم يـلـق الاهــتــمــام الــائــق بـــه، رغـــم أن صاحبه يتابع بـدأب أكاديمي وبصيرة نقدية كاشفة معظم التجارب الشعرية وغيرها التي تصب في هذا المجرى. جمال القصاص ضياء العزاوي: أي مادة تصلح أن تكون مختبراً للمغامرة كتابك «صورة الشعر» يلخص تجربة طويلة لك في > مسيرتك الفنية في «رسم» الشعر، ما طبيعة القصائد التي تختارها وتشدك إلى «رسمها»؟ - جـــئـــت لــلــشــعــر مــــن الأســـــطـــــورة بــفــعــل تـأثـيـر الــدراســة فـي قسم الآثــــار، إذ شكّلت الأســطــورة أحد المـــراجـــع الأســاســيــة فــي دراســــة مجتمع بـلـد مــا بين الــنــهــريــن، وكـــانـــت مـلـحـمـة كـلـكـامـش مـــن أسـاسـيـات تلك المراجع. ولعلّ طلب الناقد جبرا إبراهيم جبرا أن أرسم مختارات من هذا النص الذي ترجمه عالم الآثار طه باقر لنشره في مجلة «العاملون في النفط»، وكـــــان جـــبـــرا رئـــيـــس تـــحـــريـــرهـــا، هـــو الـــــذي أغـــوانـــي بالذهاب بعيداً حتى عن الجانب الأكاديمي. أيّ مادة تصلح أن تـكـون مختبراً للمغامرة والاخــتــاف عن مشاغل جيلي من الفنانين. بعدها شكّلت نصوص التصوف، لا سيما نصوص الحلج، ميدانا جديداً أخذني فيما بعد لنص الوائلي عن مقتل الحسين. عبر هــذه الأعــمــال أصـبـح فـن «التخطيط» أحــد أهم انشغالاتي واستمر إلى الآن. لعلّ مجموعة المعلقات التي رسمتها في السنوات الأولى من استقراري في لندن شكّلت البداية الجدية للتعامل مع الشعر عبر اطلعي على المخطوطات الإسلمية التي جعلتني مـؤمـنـا بأهمية مرجعيتها ومـــا يـنـاسـب مــا أسعى إليه. القصائد التي شدّتني هي تلك التي فيها قدرة على إربـــاك المخيلة بعيداً عـن التفسيرات اللفظية. شخصيا أمـيـل لسماع الشعر لا قــراءتــه، فالسماع ينتسب للموسيقى خصوصا إذا كان الشاعر مجيداً فـــي قـــراءتـــه مـثـل درويـــــش، وأدونـــيـــس وقــلــة آخـريـن مثلهما. عملية السماع تقودني إلــى فعل الـقـراءة، والتركيز على الكلمات، ومـن ثم إلـى المعنى المحرك للخيال. ما الذي دفعك إلى التعاطي مع المنجز الشعري لعدد > من كبار الشعراء العرب، بتخطيطات منك... هل كـان ذلك استلهاماً لقول الشاعر الروماني هوراس: «إن الشعر صورة ناطقة، والرسم شعر صامت، وهكذا نحن، نبحث في الشعر عن الصورة»؟ - الــصــورة شـــيء والمـخـيـلـة شـــيء آخـــر. لـأولـى مـحـدوديـة تـرتـبـط بـالـنـص، والـثـانـيـة تـضـاد نغميّ يقترب مـن الـــروح التي لا تفصح عـن المكنون. بهذا يمكن أن تتحقق الـقـدرة على إنـجـاز عمل لا يفسر، لكن ينحاز لنبض اللون المتداخل مع الخط ليكوّن عالما موازيا للنص. - جيل الستينات كان يهمه عدم القبول بالسائد فنيا، مما أدى إلـى انطلق جماعة الـرؤيـة الجديدة الـــتـــي بــــدورهــــا أصـــــــدرت بـــيـــانـــا لــــم يـــكـــن مـضـمـونـه يخلو من السياسة، مع ارتباطه بالمتغيرات الفنية والثقافية. ما الأمور التي جمعت أعضاء الرؤية الجديدة، التي > لـم يوّحدها أسـلـوب واحـــد؛ هـل الرغبة فـي التجديد، أم هي المغايرة؟ - الـــرغـــبـــة فـــي الــتــجــديــد والاخــــتــــاف عـــمّـــا هو شـائـع، ولـعـلّ تنوع المـــادة والأســلــوب كــان سببا في إغـنـاء التجربة، إذ كــان أغلبنا يجمع بـ الطباعة والرسم مما وفّر ظروف عمل سعينا فيها إعطاء كل وسيلة حقها. كنا كحال الجماعات الأخرى مجموعة من الأصدقاء بأعمار متقاربة ودراسة فنية متنوعة ومختلفة، لم ندّعِ وحدة الأسلوب بقدر ما كان بحثا مشتركا قـد يقود إلـى وحــدة مـا فـي الأسـلـوب بفعل التجربة. ذلك ما أكدناه في مقدمة دليل المعرض عام : «إننا نجد أنفسنا ملزمين بأن يعبّر كلّ منّا 1974 عن حقيقته دونما أن تكون هناك مـعـادلات وأرقــام محددة تحددنا. إن وجـود اللوحة يتحقق بذاتها، وعبر المسافة التشكيلية التي كوّنها الفنان لنفسه». رغم أن «التجريد» كان السمة الأساسية في أعمالك، > لكنك انشغلت بالملاحم الاجتماعية والدينية العراقية، وإن كـانـت بتقنيات أوروبـــيـــة؟ مـا السبب فـي هــذا الـتـحـول؟ هل لـتـأكـيـد اسـتـعـاراتـك الـفـنـيـة مــن الــتــاريــخ الـوطـنـي والشعبي بالدمج بين التشخيصية والتجريد؟ - الـلـوحـة فــي الأســــاس مُـنـجـز غـربـي لــه علقة بالأيقونة الدينية وهــي تقنية يستخدمها الفنان الصيني والـهـنـدي والياباني إلــى جانب الأميركي والـفـرنـسـي. الاخـتـاف هـو فـي الـقـدرة على إخضاع التقنية لـتـصـورات فيها جـانـب مـن الــفــرادة. الفنان الـصـيـنـي المــعــاصــر مـــع كـــل مـــوروثـــه الــفــنــي الـهـائـل وشــديــد الاخـــتـــاف اسـتـخـدم مــا سمّيتها «التقنية الــغــربــيــة». اخـتـافـه فــي المــوضــوعــات الــتــي طرحها وعــاقــتــهــا المـــبـــاشـــرة بــهــمــوم مـجـتـمـعـه وفــــي إغــنــاء التقنية الغربية بالحرفة التي يجيدها الفن الشعبي الــصــيــنــي. شـخـصـيـا كــنــت، مــثــل عــديــد مـــن رســامــي جـيـلـي، مـهـمـومـا بـالـهـويـة الـوطـنـيـة الــتــي بــــدأت مع جـمـاعـة بـــغـــداد الــتــي دعـــت إلـــى فـــن عـــراقـــي، إلا أنـنـا وبـالـتـفـاعـل مــع المـسـتـجـدات عملنا نـحـو فــن عربي مـع الـتـزام أخـاقـي بما فرضته الـظـروف السياسية من مواقف وطنية خصوصا الموضوع الفلسطيني. وقد تحقق ذلك بإقامة المعارض الشخصية في بلدان عـربـيـة خـصـوصـا بــيــروت (كــالــيــري وان) والـكـويـت (كاليري سلطان). هل ما زال النتاج الإبداعي للفنان العزاوي محملاً > بطبيعة جدلية قائمة على البحث عن فن وطني حامل هويته في الوقت الذي يُفترض انتماؤه إلى المعاصرة، أم ثمة دافع أو رؤية مختلفة باتت تؤطر هذا النتاج؟ - بعد كل هذه السنوات في لندن لم تعد المحلية عامل تفاعل مع ثقافة الآخر. كان عليّ العمل الجدي فـي تحقيق الـقـدرة على الاخـتـاف عبر موضوعات لها مرجعية وطنية ذات بعد تاريخي في الحضارات القديمة، قادرة على التفاعل مع المستجدات الفنية، وفـــي الــوقــت نفسه تـوسـيـع حـــدود عملي بـالـذهـاب للنحت بـوصـفـه عــمــاً مــنــفــرداً أو فـعـل إضـــافـــةٍ إلـى الــلــوحــة، ومـــا ولّــــده ذلـــك مــن إغــنــاء لـلـمـسـاحـة التي أتعامل معها. في السنوات الأخـيـرة شكّلت تجربة ) نـافـذة جـديـدة لتحقيق digital weaving( الحياكة أعمال بفعل مداخلة فن التخطيط مع هـذه التقنية الحديثة. انعكست صــورة المدينة بوصفها موضوعة فنية > شديدة الحضور في تجربة الفنان العزاوي، التي اعتمدت، في بُعدها الجمالي، على صورة «بغداد» بصفتها متخيلاً سـرديـ وصــوريــ عنها. لقد استلهمت مثل هــذه العلاقة، خصوصاً في دفاتر الرسم ولوحاتك الفنية، ما الذي تبقى من هـذه المدينة داخلك بعد أن غادرتها منذ خمسة عقود تقريباً؟ - ما زالـت مدينة بغداد محرّضة على الخيال، ليست بوصفها جغرافيا بل بصفتها روحا تستبطن كل مفردات الحياة. تغيرت المدينة كثيراً كما عكسه عديد من الفيديوهات التي رأيتها، وذهبت أحياؤها القديمة للنسيان والإهمال، وتشكلت خريطة جديدة لمـا يطلق عليها المـكـونـات، وهـو مـا رصـدتـه جامعة كولومبيا في نيويورك. ألهمني هذا الرصد بعملين 2003 كبيرين تحت عنوان «خريطة بغداد قبل عام وما بعده». ما قاله الصديق الراحل الشاعر يوسف الصائغ: «أنا لا أنظر من ثقب الباب إلى وطني لكني أنظر من قلب مثقوب» نـصّ يُلحقني ويكاد يكون مسطرتي التي لا تحيد أرقامها عن مخيلتي. أنـــت مـتـابـع حـصـيـف لمـــا يـنـتـجـه الــفــنــان الــعــراقــي، > سواء في داخل العراق أو خارجه، هل تعتقد أن طبيعة هذا النتاج قد تضررت مرة بسبب الحصار في تسعينات القرن المنصرم، ومرة ثانية بتداعيات الاحتلال الأميركي للبلد...؟ أقول كيف لهذه التجربة أن تستعيد عافيتها مجدداً، ما الذي يحتاج إليه الفن العراقي؟ - مــــا حـــصـــل لــلــفــنــان الـــعـــراقـــي مــــن أضـــــــرار لـم يحصل فـي أي تجربة أخـــرى. أدى خـــروج الفنانين المبدعين بفعل الضائقة التي خلقها حصار مجرم إلــى تـدهـور التجربة وذهـــب عـديـد مـن الفنانين في الــداخــل إلــى غـوايـة الـشـهـادة الجامعية وتخلى عن البحث الفني الفعال، إما بفعل الضغط الاقتصادي وإما انحيازاً إلى المباهاة الاجتماعية. لم تعد وزارة الثقافة منشغلة جديا بتلفي الأضـرار التي حدثت فـي المـجـمـوعـات الفنية الـتـي تكونت عبر السنوات فـي متحف الـفـن الـحـديـث ولا بتطوير رؤيـتـهـا عبر أشــــخــــاص أكــــفَــــاء وخـــلـــق فـــــرص لــتــفــاعــل الــفــنــانــ المحليين مع الخارج عربيا أو عراقيا. هناك جيل توّاق للمعرفة لكنّ وسائط التواصل الاجتماعي وما فيها من نافذة انفتاح مذهلة قد لا تقود إلى الإيجابية، دائما إزاء هذا الكم من فناني «فـــيـــســـبـــوك» المــتــنــوعــ بــانــشــغــالاتــهــم المــتــواضــعــة والـــحـــرص الـــدائـــم عـلـى نـشـر صــورهــم دونــمــا سبب بين الحين والآخـــر. لقد حقق بعض الأسـمـاء مكانةً في الفن العالمي رغم الازدحـامـات، إلا أنهم بعيدون عن التأثير بحكم عوامل عديدة قد يكون منها عدم وجــــود فـعــالــيــات ومـــعـــارض جــــادة تـحــرّضـهـم على الــحــضــور والمــســاهــمــة كـمـا نــجــده فـــي بـعـض الـــدول الــعــربــيــة كــالــشــارقــة ودبــــــي، ومــــؤخــــراً فـــي الـــريـــاض وجدة. أعــــوام وهـــي تُعنى 5 أصــــدرتَ مجلة «مــاكــو» قـبـل > بالتشكيل العراقي، ما الـذي تختلف فيه عن باقي مجلات التشكيل الأخرى؟ ولماذا هذه المجلة؟ - مجلة «ماكو» معنية بشكل أساسي بتوثيق الفن العراقي وستبقى كذلك، لا يهمها الراهن الفني، فله رجاله وأدواته، وهي جهد تعاوني بين عديد من الأصدقاء، تحرص على توثيق التجارب الأساسية الـــتـــي كــــوّنــــت الــــتــــاريــــخ الـــفـــنـــي بـــعـــيـــداً عــــن ســيــاســة التخاصم العربية. ضمن معرفتي عربيا لا توجد مجلة تشبهها بصيغة تقديم الفنان بتنوع اهتماماته وعرض كل انشغالاته في مجالات إبداعية مختلفة. كما عملت على توفير تجارب جرى نسيانها أو لم تُتَح الفرصة لانتشارها. في العدد الثاني مثلً من المجلة نُشرت مجلة مكتوبة بخط الـيـد أصـدرتـهـا الفنانة نزيهة سـلـيـم مـــع بــعــض أصــدقــائــهــا يـــعـــود تــاريــخــهــا إلــى منتصف الأربعينات، وفـي عـدد آخـر نُشرت رسالة مـن الفنان جميل حـمـودي فـي الأربـعـيـنـات موجّهة إلــــى جـمـعـيـة الــفــنــانــ يـــطـــرح فـيـهـا رؤيـــــة مـتـقـدمـة للفن العراقي. هذا النوع من الكنوز هو الذي يكتب الــتــاريــخ الفعلي ولـيـس مــا يُـنـشـر فــي الـصـحـف من عجالات نقدية. ضياء العزاوي يتمتع الفنان التشكيلي العراقي ضياء العزاوي، بحضور بـارز في المشهد التشكيلي، ليس العراقي فحسب بل العالمي، ونيله قبل أيام الدكتوراه الفخرية مـن جامعة كوفنتري فـي بريطانيا، دلـيـل على هذا الــحــضــور. تــخــرج الـــعـــزاوي فــي كـلـيـة الآداب - قسم ، ثـم نــال شـهـادة دبـلـوم رســم من 1962 الآثــــار- عــام . وهو من الأعضاء 1964 معهد الفنون الجميلة عام المؤسسين لجماعة الـرؤيـة الـجـديـدة وعـضـو جمعية التشكيليين العراقيين ونقابة الفنانين. وهو يعيش في منفاه الاختياري في بريطانيا منذ أكثر من ثلاثين عاماً. بمناسبة صدور كتابه «صورة الشعر» التقيناه وكان معه هذا الحوار: القصائد التي شدّتني هي تلك التي فيها قدرة على إرباك المخيلة بغداد: علاء المفرجي ما زالت مدينة بغداد محرضة على الخيال ليست بوصفها جغرافيا بل بصفتها روحاً تستبطن كل مفردات الحياة

RkJQdWJsaXNoZXIy MTI5OTky