issue16730

كيففقد الأميركيون إيمانهم بنزاهة مؤسساتهم عندما تنهار الـثـقـة، مـا الـــذي يمكن أن يبقي أمــة ما متماسكة؟ تاريخ مشترك؟ لغة مشتركة؟ الترابطات التي لا مفر منها، والناشئة عن العيش في جوار وثيق؟ لا شيء على الإطلاق؟ يــثــقــل هــــذا الــــســــؤال كـــاهـــل الـــحـــيـــاة الأمـــيـــركـــيـــة، فهو يخيم بظلاله على كبرى القضايا المـثـارة الـيـوم: حياتنا السياسية وحكومتنا التي عصف بها الانقسام والتمزق، وصعود الذكاء الاصطناعي، والحروب الثقافية المستعرة داخــل أروقـــة الـشـركـات والمــــدارس، والـتـهـديـدات الوجودية المرتبطة بالتغيرات المناخية والأمراض. الـحـقـيـقـة أنـــنـــا نــعــيــش أزمـــــة غـــيـــاب ثــقــة مــنــذ بعض الـوقـت، رغــم ظـهـور بعض النقاط المضيئة مـن حـن لآخر هنا وهناك. فــي الــوقــت ذاتــــه، ربـمـا تـكـون الأحــــداث الـتـي تعصف بالعالم، قد أربكت مشاعرنا حيال مؤسسات معينة. على سبيل المــثــال، عـــززت الأيــــام الأولــــى مــن جـائـحـة «كـوفـيـد»، لفترة وجيزة، إيماننا بالعلم والطب، لكن إذا نظرنا عبر نطاق أوسع، تبدو الصورة الكبيرة لا لبس فيها: أن الخط العام يسير في اتجاه واحد ــ نحو الأسفل. اليوم، ومع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأميركية، الـتـي تـعـد بمثابة اسـتـفـتـاء عـلـى إيـمـانـنـا بالديمقراطية ذاتها، تبدو مسألة الثقة ملحة على نحو متزايد. كيف فقد الأميركيون إيمانهم بنزاهة مؤسساتنا الأكثر أهمية، التي لطالما فخرنا بها؟ والمسألة الأشــد إلحاحاً: كيف يمكننا استعادة هذا الإيمان؟ عندما تواجه مشكلة شائكة، دائماً ما تلجأ صفحة الـــرأي لــدى «بـلـومـبـرغ» إلــى الـبـيـانـات، لكن الثقة فـي هذا الـــصـــدد تــبــدو مـتـزعـزعـة ـــــ فـــ تــوجــد أرقـــــام صـلـبـة يمكن الــتــمــســك بـــهـــا كـــمـــا قــــد نــفــعــل عـــنـــد تــتــبــع الـــنـــاتـــج المـحـلـي الإجـمـالـي أو البطالة، على سبيل المــثــال. إلا أنــه بـــدلاً من ذلك، لم يتبقَ لنا سوى المشاعر. وكما سيخبرك أي خبير كفء بمجال استطلاعات الــرأي، تبقى استطلاعات الرأي علماً غير كامل. ومع أن استطلاعات الرأي تسهم في قياس درجة حرارة الجمهور (وتتبع تغييراته على مدى العقود)، فإنها تخبرنا القليل عن القوى التي تقوض الثقة العامة، ناهيك عن العوامل التي قد تسهم في إعادة بنائها. عبر هذه السلسلة، سنبحث في الأمرين. لجأ كتابنا إلـــى الـخـبـراء والــتــاريــخ ومعرفتهم العميقة بالمؤسسات الأمـيـركـيـة، لتحديد أسـبـاب الـشـعـور بخيبة الأمـــل ورسـم مسار نحو الأمام. وتــــظــــهــــر بــــعــــض المـــــوضـــــوعـــــات بـــشـــكـــل مــــتــــكــــرر فــي تـقـاريـرنـا. مــثــ ً، يـبـدو الإنــتــرنــت وكـــل مــا أطـلـقـه (خـاصـة وسائل التواصل الاجتماعي والآن الـذكـاء الاصطناعي)، بمثابة جزء أساسي من لغز الثقة. لقد جعلت ديمقراطية المعلومات الـنـاس أقــل اعـتـمـاداً على المـؤسـسـات والنخب، لـكـنـهـا حـطـمـت فـــي الـــوقـــت ذاتــــه الإطـــــار الـــعـــام الــــذي شكل تصورنا المشترك للواقع. وتـكـمـن مـسـألـة أخــــرى مـهـمـة فـــي حــالــة الاسـتـقـطـاب السياسي المتزايد في البلاد، الذي يضع تلقائياً أي شخص مـن «الـجـانـب الآخـــر» فـي معسكر الــعــدو. وقــد لعب تطور الاقتصاد دوراً في هذا الانقسام، عبر تشكيل مجموعات جـــديـــدة مـــن الــفــائــزيــن والــخــاســريــن، وخــلــق قــطــاعــات من المجتمع ليس لديها ما يدعوها إلـى الثقة بأولئك الذين تركوها في مهب الريح. إن ما تعلمناه كان مفاجأة لنا، ومخيفاً في كثير مـــن الأحـــيـــان، وكـــذلـــك يـبـعـث عـلـى الــتــفــاؤل فـــي أحـيـان أخرى. ونعتقد أنه سيمنح القراء فهماً أعمق للأسباب الـتـي تجعلنا نشعر بـالـشـك والانــقــســام وعـــدم اليقي بشأن المستقبل ــ وكيف يمكن أن نبدأ في إصلاح الضرر الذي حدث. * بالاتفاق مع «بلومبرغ» هــــدّد الــرئــيــس بــوتــن مــــرات عـــدة بـالـخـيـار الـــنـــووي، ثــم اتّــضــح أنّـــه مـجـرد مــنــاورة لا أكـثـر. لكن تهديده، هـذه المــرة، يأتي على وقـع احتلال أوكرانيا لأراضٍ روسية، واحتمال إعطاء الغرب الإذنَ لأوكرانيا بضربِ العمق الروسي بأسلحة بــعــيــدة المـــــدى، مــمــا يـجـعـل هــزيــمــة الأوكـــرانـــيـــن شبهَ مستحيلة؛ لذلك اعتبر بوتي أنّ استجابة الغرب لأوكرانيا تعادل دخولَه الحربَ مباشرة ضد روسيا، وهذا يبرر لروسيا تفعيل عقيدتِها الــــنــــوويــــة المــــشــــروطــــة بـــتـــهـــديـــدِ وحــــــــدة الـــبـــ د واسـتـقـ لـهـا. ولــكــن هــل تــهــديــده فــعــً جـــدي أم مـــنـــاورة؟ كــبــار الـــقـــادة الـعـسـكـريـن يـقـولـون إنّــه مـــنـــاورة، وكــذلــك سـيـاسـيـون، لـكـن صـنـاع الـقـرار في واشنطن يتخوّفون من أن يكون جدياً. هذا الـتـخـمـن الـغـربـي يـذكـرنـا بـأقـصـوصـة «الــراعــي والــــذئــــب»، وكــيــف مَــــلّ أهــــلُ الــقــريــة مـــن ادعـــــاءات الراعي الكاذبة، إلى أن جاءَ الذئبُ فعلاً وافترس الأغـــنـــام؛ ولـكـيـ يـقـع الـــغـــرب فـــي المــطــب نفسه، حـــرص الـرئـيـس الأمــيــركــي فــي لـقـائـه مــع رئيس وزراء بريطانيا المتحمس لتجاهل تهديد بوتي، عــلــى تــأخــيــر المـــوافـــقـــة عــلــى اســـتـــخـــدام الأسـلـحـة البعيدة المدى، متجاوزاً بذلك أكثرية مستشاريه، ودعوات كثيرة من الجمهوريي والديمقراطيي فـي الكونغرس لـه بعدم الالـتـفـات إلــى تهديدات الرئيس بوتي (الجوفاء). هـــذا الـتـمـهـل مــن الــرئــيــس بــايــدن المـتـمـرس في الشؤون الخارجية يعود لقراءة موضوعية، حـمـلـتـه عــلــى أخــــذ الــتــهــديــد عــلــى مـحـمـل الــجــد؛ هــذه الــقــراءة تتضمّن على الأقـــل ثـ ثـة عناصر جوهرية: أولاً: حرب أوكرانيا في أساسها حرب دفاعية لإبعاد حلف الناتو عن الحدود الروسية، وبـــالـــذات بـعـدمـا اقـــتـــرب الـحـلـف وأطـــــاح نظرية ) المفصلية للأمن Near Abroad( الـجـوار القريب الـــروســـي، والـــتـــي كـــان احــتــرامُــهــا شــرطــ لقبول روسـيـا وحـــدة ألمـانـيـا بعد انــفــراط عقد الاتـحـاد السوفياتي. ثانياً: بوتي أحيا القومية الروسية الممزوجة بالدين الأرثوذكسي، ليشكل كما يقول فيلسوف الـقـومـيـة الــروســيــة، ألـكـسـنـدر دوغـــن، الـعـالـم الـحـضـاري الــروســي وقلبه مـوسـكـو، ولا يـمـكـن لـلـقـلـب الـخـفـقـان مـــن دون بــاقــي الأطــــراف وبــالــذات أوكـرانـيـا؛ مـا حــدث أن العالم الـروسـي تحت ستارة الاتـحـاد السوفياتي انـهـار، وبذلك قــال بـوتـن: «تحولنا لـدولـة أخـــرى، ومــا بنيناه على مدار ألف عام ضاع»، وبذلك ضاعت الكرامة لدرجة أنّه اضطر إلى أن يعمل «سائق تاكسي»؛ ووصف ذلك بـ«المأساة الإنسانية». هذا يدل على عمق الجرح القومي، والرغبة الـــقـــويـــة لاســـتـــعـــادة المـــجـــد المـــفـــقـــود لأنّ روســـيـــا الحضارية لا يمكن أن تصبح دولة عادية يتلاعب بها الآخرون. ثالثاً: يؤمن بوتي أنّ هيمنة دولة واحــدة على العالم تضر بأمن روسيا، ودورهـا الـحـضـاري، ولـهـذا انتقد بـشـدة حـضـارة الغرب الـــلـــيـــبـــرالـــيـــة وأضــــــرارهــــــا عـــلـــى الـــعـــالـــم، بـــالـــذات اجتماعياً واقتصادياً، وما يتبع ذلك من هيمنة على القرار العالمي، ولذلك طالب بإعادة النظر في تركيبة النظام الدولي، لأنّ العالم برأيه تغير وأن دولاً عظمى مثل روسيا والصي لن يقبلا بذلك، وكذلك دول أخـرى في طور الصعود مثل تركيا والــبــرازيــل وإيــــران والمملكة العربية السعودية لا يمكن تجاهل دورهــا في صياغة نظام عالمي أكثر استجابة لمصالحها. هذه العناصر الثلاثة تــؤكــد مــحــوريــة أوكــرانــيــا لـلـرئـيـس بــوتــن، وأنّ خسارته لها تمثل «تراجيديا» للعالم الحضاري الروسي، وبهذا تصبح أوكرانيا لروسيا: مسألة قومية كبرى. كما تثبت تصرفاته قبل أوكرانيا، بتدخله في الشيشان وجورجيا، وضمه لجزيرة الـقـرم، ودعمه للانفصاليي في شـرق أوكرانيا، تثبت أنه ماضٍ في تفعيل نظرية الجوار القريب لإقــامــة الـعـالـم الـــروســـي. ولمّـــا لــم يـتـوقـف الـغـرب عـــن الــتــمــدد صــــوب حــــــدوده، اجـــتـــاح أوكـــرانـــيـــا، فرد الغرب بقبول دول جديدة في «الناتو» كان آخـرهـا السويد وفنلندا، وبـذلـك ارتـفـع منسوب الخطر إلــى أعـلـى درجــاتــه، وأصـبـحـت أوكـرانـيـا خـــط الــــدفــــاع الأخــــيــــر، وانـــتـــصـــاره فـيـهـا مـسـألـة وجـــوديـــة، تـتـطـلـب، كـخـيـار وجـــــودي، اسـتـخـدام السلاح النووي. هذا الخطر الوجودي يقابله عناد أوكراني، وقـــنـــاعـــة غــربــيــة أن انـــتـــصـــار بـــوتـــن ضــــار جــداً بـالـنـظـام الــعــالمــي، ولـــه ارتـــــــدادات سـلـبـيـة كـبـرى تـــطـــول تــــايــــوان والــــصــــن، ومـــنـــاطـــق أخــــــرى مـن الـــعـــالـــم، مــمــا يـعـنـي أن انــتــصــار بـــوتـــن المـطـلـق لا يمكن الـتـعـايـش مـعـه. بـهـذا تصبح أوكـرانـيـا مـعـادلـة لأزمـــة صــواريــخ كـوبـا، ولا بـد لـ طـراف من حل خـ ّق يبعد شبح الحرب النووية. يرى الــبــعــض فـــي الـــغـــرب أن الـــحـــل فـــي إطـــالـــة حــرب الاســــتــــنــــزاف ومـــعـــهـــا ســيــضــطــر بـــوتـــن بـسـبـب الـخـسـائـر الاقــتــصــاديــة والـبـشـريـة إلـــى أن يأتي لــلــتــفــاوض، ولا ضــيــر عــنــدهــا بــإعــطــائــه بعض المــكــاســب، أو كـخـيـار آخــــر، انــتــظــار الـــوقـــت على اعـــتـــبـــار أنّ بـــوتـــن يـــتـــقـــدّم فـــي الـــســـن، وسـيـأتـي مـن يخلفه لكي تُفتح صفحة جـديـدة. لكن هذه الحلول مخدرة ولا تتناسب مع الوضع المتفجر، وبالتالي يبقى حلان: إمّا الاعتراف بحق بوتي بمنطقة عــازلــة فــي الــشــرق الأوكـــرانـــي وإعـطـائـه جزيرة القرم وضمان حيادية أوكرانيا، أو دعم أوكرانيا بكل أصناف الأسلحة اعتقاداً أنّ بوتي يناور ولن يستخدم الخيار النووي، لأنه زعيم عــقــ نــي ويـــعـــرف أنّ «الــــنــــووي» تــدمــيــرٌ فـنـائـي للجميع. الأقــصــوصــة الشعبية تعلمنا أن من يهدّد كثيراً، قد يصدق أخيراً. OPINION الرأي 12 Issue 16730 - العدد Tuesday - 2024/9/17 الثلاثاء وكيل التوزيع وكيل الاشتراكات الوكيل الإعلاني المكـــــــاتــب المقر الرئيسي 10th Floor Building7 Chiswick Business Park 566 Chiswick High Road London W4 5YG United Kingdom Tel: +4420 78318181 Fax: +4420 78312310 www.aawsat.com [email protected] المركز الرئيسي: ٢٢٣٠٤ : ص.ب ١١٤٩٥ الرياض +9661121128000 : هاتف +966114429555 : فاكس بريد الكتروني: [email protected] موقع الكتروني: www.arabmediaco.com هاتف مجاني: 800-2440076 المركز الرئيسي: ٦٢١١٦ : ص.ب ١١٥٨٥ الرياض +966112128000 : هاتف +9661٢١٢١٧٧٤ : فاكس بريد الكتروني: [email protected] موقع الكتروني: saudi-disribution.com وكيل التوزيع فى الإمارات: شركة الامارات للطباعة والنشر الريـــــاض Riyadh +9661 12128000 +9661 14401440 الكويت Kuwait +965 2997799 +965 2997800 الرباط Rabat +212 37262616 +212 37260300 جدة Jeddah +9661 26511333 +9661 26576159 دبي Dubai +9714 3916500 +9714 3918353 واشنطن Washington DC +1 2026628825 +1 2026628823 المدينة المنورة Madina +9664 8340271 +9664 8396618 القاهرة Cairo +202 37492996 +202 37492884 بيروت Beirut +9611 549002 +9611 549001 الدمام Dammam +96613 8353838 +96613 8354918 الخرطوم Khartoum +2491 83778301 +2491 83785987 عمــــان Amman +9626 5539409 +9626 5537103 صحيفة العرب الأولى تشكر أصحاب الدعوات الصحافية الموجهة إليها وتعلمهم بأنها وحدها المسؤولة عن تغطية تكاليف الرحلة كاملة لمحرريها وكتابها ومراسليها ومصوريها، راجية منهم عدم تقديم أي هدايا لهم، فخير هدية هي تزويد فريقها الصحافي بالمعلومات الوافية لتأدية مهمته بأمانة وموضوعية. Advertising: Saudi Research and Media Group KSA +966 11 2940500 UAE +971 4 3916500 Email: [email protected] srmg.com أحمد محمود عجاج يرى بعضالغربيين أنّ الحل في إطالة حرب الاستنزافومعها سيضطر بوتين للتفاوض رجال التنظيمات الإسلامجية الخارجة عن القانون يدعون أنهم مضطهدون بسببعقيدتهم الاستقطاب السياسي المتزايد يضع تلقائياً أيشخصمن «الجانب الآخر» في معسكر العدو * كريستين بيلستروم تهديد بوتين بـ«النووي» أجدّ أم هزل؟ لو حتى أموت قتيلاً أو أدخل المعتقل! في الخطاب السياسي العربي آلية أسميها «الخطة الشعبانية»، اقتباساً من أغنية شهيرة للفنان شعبان عبد الرحيم مطلعها: أنا بكره إسرائيل، وأقولها لو اتسأل، لو حتى أموت قتيل، أو أَخُشّ المعتقل. هـل سمعتَ فـي حياتك عـن شخص مـن المحيط إلى الخليج واجـــه المـــوت قـتـً أو الـعـقـوبـة حـبـسـ ، لأنـــه صـرح بــمــشــاعــر عـــدائـــيـــة تـــجـــاه الــــدولــــة المـــــذكـــــورة؟ أجـــيـــب عـلـى طريقة عــادل إمــام، «يـا باشا لو كل واحــد عــادى إسرائيل اتـحـبـس، كـانـت الـبـلـد كلها بـاتـت فــي التخشيبة». بــل إن الـــعـــكـــس صــحــيــح تـــمـــامـــ مــــن وجــــهــــن. الأول، الــتــصــريــح بالعداء لإسرائيل شائع رسمياً وشعبياً وإعلامياً. وهو في كثير من الأحـيـان شـرط للقبول الجماهيري. والوجه الثاني أن مـن تجرأ وطـالـب بتحري طريق الـسـ م، كونه خياراً سياسياً عادياً من بي خـيـارات مطروحة، تعرض لــلــتــخــويــن مــهــمــا كـــــان تـــاريـــخـــه، وواجـــــــه تـــهـــم الـتـصـهـن والــعــمــالــة والــتــفــريــط، وأُدرج اســمــه عـلـى قـــوائـــم ســــوداء، وتحمل تبعات عزلة وإلغاء. حدث هذا مع لطفي الخولي، وعلي سالم. وربما - باستخدام اللغة الشعبانية - مات قتيلاً، كما حدث مع يوسف السباعي والرئيس السادات. مـا الشعبانية؟ بسيطة بساطة الـعـد مـن واحـــد إلى ثلاثة. اختلق تحدياً وهمياً، وازعُم أن دونه مخاطر جمة. نفذ التحدي الوهمي. ثم أعلن نفسك بطلاً. بهذه الطريقة تلعب فـي المـضـمـون وتكسب لقب البطولة. وعـلـى سبيل المــكــافــأة الإضــافــيــة سـيـتـواطـأ مـعـك الإعــــ م فــي مسرحية الـشـجـاعـة. كما فعل مـع تلك الأغـنـيـة الـتـي صـــارت شعاراً ونـبـراسـ لسياسيي مخضرمي وظيفتهم أن يختبروا السياسة ويختاروا منها الأنفع. تـمـتـد هـــذه الـخـطـة أيــضــ خــــارج الـسـيـاق الشعباني الضيق إلى وجوه حياتنا العامة. لـم أسـمـع فـي حياتي عـن فـتـاة اضطهدها أهلها في مصر أو الـدول المحيطة لأنّها ارتـدت الحجاب. مستحيل. لـــكـــن الـــعـــكـــسصـــحـــيـــح. أعــــــرف بــشــكــل شــخــصــي عـــشـــرات الحالات التي أجبرت فيها فتيات على ارتدائه، أو عوقبن إن أردن خـلـعـه. يــأتــي الــعــقــاب عـلـى مـسـتـوى الأســـــرة، أو بالضغط المجتمعي في العمل، أو بالتضييق في الشارع. لكن الإسلامجية، في بلد تسعون في المائة من مسلماته مــحــجــبــات، يــشــتــكــون أن مـــن تـــرتـــدي الـــحـــجـــاب تـتـعـرّض للتمييز. فقط لأن بعض أماكن السباحة المحدودة للغاية، ذات الملكية الخاصة، تشترط زياً معيناً. وهي ما فعلت ذلك إلا بسبب سلوك الأمــر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي تمارسه بعض الأسـر على الـــرواد، وإصـرارهـا على فرض أسلوب حياتها على الآخرين. ورجال التنظيمات الإسلامجية الخارجة عن القانون يـدعـون أنـهـم مضطهدون بسبب عقيدتهم. ليس بسبب انــــخــــراط تـنـظـيـمـهـم فــــي نـــشـــاطـــات مــســلــحــة، ولا بـسـبـب تحريض التنظيم على العنف، ولا بسبب سعي التنظيم إلـى الشقاق الأهلي، ولا بسبب اختيار التنظيم أن يكون عناصر محلية داعمة لدول خارجية. لا. بسبب عقيدتهم. فــي مجتمع حـكـم بـتـفـريـق مفكر عــن زوجــتــه بتهمة نشر أفـكـار لا تتفق مـع الـديـن، واغتيل فيه آخــر بفتوى الـــردة، ونـجـا كـاتـبـه الأعــظــم مــن المـصـيـر نفسه بالتهمة نفسها، ويُنَصّب البواب نفسه رقيباً على أخلاق السكان. في هذا المجتمع زعموا أن حفاظ المرء على إسلامه تحدٍ، وعاشوا التحدي رغم الاضطهاد. الــــخــــطــــاب الاقـــــتـــــصـــــادي لــــيــــس بــــعــــيــــداً عـــــن الـــخـــطـــة الـــشـــعـــبـــانـــيـــة، وإن كـــــان مــــتــــواريــــ . الـــنـــهـــج الـــرســـمـــي مـنـذ الخمسينات، في ظل النظم الاشتراكية، مرتكز على تبرير الإجراءات الاقتصادية أخلاقياً باعتبارها لصالح الفقراء. بــهــذا المـنـطـق مــن فـقـد ثــروتــه كـــان كــبــار المــــ ك، ثــم صغار الملاك بقواني العلاقة بي المالك والمستأجر. وحي نضبت هـذه البئر صـار الخاسر المعتاد الطبقة الوسطى مـع كل موجة تضخمية تقضي على مدخراتها، أو جمارك ترفع أسعار السلع التي تستخدمها. في المقابل، اكتسب الفقراء مجانية شاملة للتعليم، وضمان الكفاف بالدعم الصحي، ودعم الخدمات، وبطاقات التموين. مما شجع على زيادة التوالد في الفقر وزيادة الأحمال. والمحصلة كانت انهيار المعادلات الرياضية التي تحكم الاقتصاد. وبالتالي، فعلاً، خسر الفقراء كما خسر الأغنياء، حيث التفاضل والتكامل ليس شمعة تطفئها الدموع. بــنــظــرة مــوضــوعــيــة، الــفــقــرة الــســابــقــة هـــي الـخـطـاب الــــخــــارج عـــن المــــألــــوف، الـــــذي يــعــرضــك لاتـــهـــامـــات انـــعـــدام الإنسانية، والانحياز ضد الفقراء، ولا يكسبك جماهيرية. بـيـد أنـــه الــخــطــاب الــــذي يـفـيـد الـجـمـيـع، بـدلـيـل الـتـجـارب الاقتصادية في العالم. لكن الخطة الشعبانية تأبي أن تفوت الفرصة. تــعــيــد إنــــتــــاج الـــخـــطـــاب الـــشـــائـــع، الـــفـــاســـد ريــاضــيــ والــفــاشــل اقـتـصـاديـ . الـــضـــار. المـهـيـمـن. الــــذي لا يتعرض قائله لأي انتقاد بل يكسب جماهيرية وتصفيقاً متواصلاً. ثم تزعم أنّ هذا خطاب التحدي. وأنّها اجتازت التحدي. وتــؤيــد نفسها بـأشـعـار وأفــــ م مـيـلـودرامـيـة وتـصـنـع من متبنيها أبطالاً. لصاحب «الخطة الشعبانية» أغنية أخــرى شهيرة، يقول مطلعها «كداب يا خيشة، كداب أوي أوي». خالد البري

RkJQdWJsaXNoZXIy MTI5OTky