issue16729

6 قضايا ISSUES Issue 16729 - العدد Monday - 2024/9/16 الاثنين ASHARQ AL-AWSAT طوّع الجيش والاقتصاد والإدارة الأميركية... بمهارات التسويق جولة في «دماغ نتنياهو»... كيفسخّررجل العالم لخدمة أهدافه الشخصية؟ المـــشـــكـــلـــة الـــــيـــــوم أن هـــــــذا الابــــــــن يـــقـــود دولـــة فـي مـركـز الأحــــداث فـي الـشـرق الأوســط والــعــالــم، وأولـــئـــك الــذيــن يـتـعـامـلـون مــع هـذا الابـــن، هـم رؤســـاء دول ومـلـوك وقـــادة جيشه ومخابراته وبشر يتحكم بمصائرهم، وكلهم ذاقوا على جلودهم مرارة التجربة. ومن الصعب أن تجد فيهم مَن يستطيع فـك رمـــوز شخصية بنيامين نتنياهو. فهو دائماً مفاجئ، وفي كثير من الأحيان صادم، لـــكـــن هـــنـــاك شــيــئــ يــتــقــنــه جــــيــــداً. هــــو وضـــع مصالحه الشخصية فوق أي اعتبار؛ إذا أراد أمراً فلن يعيقه شيء عن الوصول إليه. وأهم أدواته في تحقيق أهدافه، إدارة التسويق. كـان نتنياهو قد بـدأ حياته موظفاً في تسويق البضاعة بمحل لتجارة الأثـــاث في الــولايــات المـتـحـدة، وأبـــدع فـي الـتـقـاط أســرار هــــذه المـــهـــنـــة. كــــان يـــعـــرض بــضــاعــة أخــشــاب السويد على أنها أخشاب زان، ويبيع أشياء تصلح وأشياء لا تصلح. وإذا مـــا قــــرر صـــاحـــب المـــحـــل الـتـخـلّـص من بضاعة كـاسـدة، كلّف نتنياهو بالمهمة، فـــــيـــــروّج لـــهـــا الأخـــــيـــــر كـــمـــا لـــــو أنــــهــــا أفـــضـــل المنتجات. كان يكذب بتلقائية، ومن دون أن تظهر على وجهه أي علامة. كان يقبض ولا يـدفـع. المــراوغــة والاحـتـيـال وخـيـانـة الأمـانـة، كلها تمر على الزبائن بفضل قدرته العالية عـلـى الـــكـــ م، وقـبـل أن يُـكـتـشـف أمــــره، انتقل إلــى العمل السياسي. عُــ ممثلاً لإسرائيل في الأمم المتحدة، ثم نائباً لوزير الخارجية، ووزيــــــراً لــلــخــارجــيــة، ثـــم وزيـــــراً لـلـمـالـيـة، ثم رئـيـسـ لـــلـــوزراء، لـفـتـرة أطـــول مــن أي رئيس وزراء ســـابـــق لــــه. لــقــد حــمــل نـتـنـيـاهـو معه إلى السياسة كل صفاته في التسويق. المثل الــصــارخ عـلـى ذلـــك، هــو مــا يفعله الــيــوم في اختراعه معضلة «محور فيلادلفيا» لعرقلة صـفـقـة تـــبـــادل الأســـــــرى. قــبــل هــــذه المـعـضـلـة بواحد وثلاثين سنة، اخترع نتنياهو قصة أخـــرى بفضلها انتخب لـرئـاسـة «الـلـيـكـود»، ليُمهّد الطريق لرئاسة الحكومة. ففي الرابع ، وعــلــى أثــر 1993 عــشــر مـــن يــنــايــر مـــن ســنــة هـزيـمـة «الــلــيــكــود»، بـقـيـادة إسـحـق شامير، خـــــاض نــتــنــيــاهــو انـــتـــخـــابـــات داخـــلـــيـــة عـلـى مــنــصــب رئـــيـــس الـــحـــزب ومـــرشـــحـــه لــرئــاســة مــرشــحــ : دافـيـد 3 الــحــكــومــة، فـــي مــواجــهــة ليفي، وبيني بيغن، وموشيه قصاب. أيــــــام مــــن الانــــتــــخــــابــــات، طـلـب 10 قـــبـــل نتنياهو الوصول إلـى استوديوهات القناة الـرسـمـيـة الــوحــيــدة لـلـتـلـفـزيـون للكشف عن فضيحة كــبــرى، وهــنــاك أعــلــن أنـــه كـــان على عـــ قـــة بـــــامـــــرأة أخــــــرى خــــــارج الــــــــــزواج، وأن شــخــصــيــة كـــبـــيـــرة فــــي «الـــلـــيـــكـــود»، مـحـاطـة بــعــصــابــة مـــجـــرمـــ ، هـــــددت بــكــشــف شـريـط يـــوثـــق عـــ قـــتـــه بـــهـــا بــشــكــل فــــاضــــح، إذا لـم يـنـسـحـب مـــن المـــنـــافـــســـة. وألمـــــح إلــــى أن هــذه الــشــخــصــيــة هـــي المـــنـــافـــس الأســــاســــي دافــيــد لــيــفــي. وانــقــلــبــت المـــعـــركـــة الانــتــخــابــيــة وفـقـ للأجندة التي فرضها. وبالنتيجة فـاز على في المائة. 52 منافسيه الثلاثة بنسبة وبـــالـــطـــريـــقـــة نـــفـــســـهـــا، لـــكـــن بــمــســتــوى أخطر، فاز برئاسة الحكومة، فقد أدار حملة تحريض دموية على إسحاق رابين، واتهمه بخيانة مصالح إسرائيل الأمنية عندما وقع على اتفاقيات «أوسـلـو»، فقرر شـاب يميني مــتــطــرف اغــتــيــال رابـــــ . ورغـــــم أن الاغــتــيــال أحدث زلزالاً في السياسة الإسرائيلية، نجح نتنياهو فــي رئــاســة الـحـكـومـة بـعـد أقـــل من سنة. الناسزبائن تُحركهم نقاطضعفهم الـــتـــســـويـــق إذن هــــو الـــحـــمـــض الـــنـــووي ) في شخصية نتنياهو. يضع لنفسه DNA( هـدفـ ، ويبتدع أنجع الـطـرق لتسويقه. يقرأ خــريــطــة الـــنـــاس بـصـفـتـهـم زبــــائــــن، يكتشف نـقـاط الضعف، وينفذ مـن خلالها كالسهم. قد تكون هذه الطرق قذرة، وقد تكون طافحة بـــالأكـــاذيـــب، وفــائــضــة بــالــخــدع، وقـــد تُكلف بلاده وشعبه وحتى حزبه ثمناً باهظاً، لكن المهم أنه يجد مَن يصفق له. وكيف يصفقون له: بنوعية الرسائل التي يبثها. دانــي فيدوسلافسكي، المتخصص في سلوك الفرد، ويدير كلية لتعليم السياسيين كـــيـــف يـــنـــجـــحـــون فــــي الـــــوصـــــول إلــــــى قــلــوب الــجــمــاهــيــر، أصــــدر كــتــابــ بـــعـــنـــوان: «أســــرار التسويق عند بيبي». وهو يُعدّ أهم عنصر في نجاحه معرفته صياغة رسائل قصيرة وبـسـيـطـة لــلــنــاس. ويـــقـــول: «لــيــس مـهـمّـ إن كــانــت هـــذه الــرســائــل صـحـيـحـة أو صــادقــة، بــــل المـــهـــم أن يـــعـــرف كـــيـــف تُـــصـــيـــب وجـــــدان الــجــمــاهــيــر، وتـــخـــتـــرق دمـــاغـــهـــم». يـخـاطـب الناس بلغة نحن وهــم، وعندما يقول نحن يـــقـــصـــد هــــو وهـــــــم. يـــتـــحـــدث عــــن خـــصـــومـــه: «يسار». وبعدما جعل من كلمة يسار لعنة، راح يــلــصــقــهــا بـــكـــل خـــصـــومـــه حـــتـــى داخــــل «الليكود». ولكن، من كثرة ما بنى له من خصوم، أصــبــح واضــحــ أنـــه لا يـهـتـم بــشــيء بـمـقـدار مــصــلــحــتــه الـــشـــخـــصـــيـــة، فــــصــــار فـــنـــانـــ فـي تــصــفــيــة كــــل مَـــــن يـــعـــتـــرض طـــريـــقـــه، ولــيــس فـــقـــط مــــن الـــخـــصـــوم. وبـــنـــى لــنــفــســه قـــاعـــدة جماهيرية محدودة من اليمين، ذات تركيبة عـــجـــيـــبـــة. غـــالـــبـــيـــتـــهـــم مـــــن الـــــفـــــقـــــراء، مـــــع أن سياسته رأسمالية راديكالية. شرقيون مع أنـــه إشـكـنـازي مـتـعـجـرف. عـلـى طـــول طريقه الـسـيـاسـي، نجح فـي تحطيم الأحــــزاب التي ، كان ينافسه إيهود 2009 تنافسه. في سنة باراك. وباراك كان قائد نتنياهو في الجيش، هزمه في الانتخابات، وفاز 1999 وفي سنة بـــرئـــاســـة الـــحـــكـــومـــة. لـــكـــن نــتــنــيــاهــو أقـنـعـه بدخول حكومته وزيراً للدفاع، وتسبب بذلك فـي تفسخ حــزب «الـعـمـل» وانـهـيـاره، إلــى أن اعتزل باراك السياسة. وفعل الأمر نفسه مع يائير لبيد، ومع بيني غانتس، ومع موشيه كحلون. ومن كثرة نجاحاته هذه، اقتنع بأنه يتمتع بقدرات عالية فوق طبيعية. ويُـحـكـى أنــه ذات مــرة قــال أمـــام مقربين مـــنـــه: «احــــمــــدوا الـــلـــه عــلــى أنــــه حــبــاكــم قــائــداً مــثــلــي». وزوجـــتـــه ســــارة تــــردد هـــذه الجملة بــاســتــمــرار. وإذا أراد أن يــكــون مـتـواضـعـ ، يُـشـبـه نـفـسـه بـالـقـائـد الـبـريـطـانـي ونـسـتـون تشرشل. ولا يكتفي نتنياهو بأن يرى نفسه أو يـــراه أفـــراد عائلته والمـقـربـون والمنافقون بهذا الشكل، بل يطالب العالم بأن يراه بهذا الشكل أيـضـ ، فهو يُـعـدّ نفسه قـائـداً عالمياً، تاريخياً، أرسله الله ليقود معركة الغرب كله بشكل صحيح، ولديه نصائح لجميع القادة الـكـبـار فــي الـعـالـم. ذات مـــرة الـتـقـاه الرئيس باراك أوباما في البيت الأبيض، وبعد انتهاء اللقاء قال أوباما لمساعديه: «من منا رئيس الدولة العظمى؟». ولكن الرئيس التالي بعد أوباما، دونالد ترمب، ورغم غروره ونبرته، اقتنع مـن نتنياهو بـضـرورة الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيـران. وتباهى نتنياهو بــذلــك، وبـــأن إســرائــيــل تـحـت قـيـادتـه وجهت ضربات لإيران، أكثر من أي قائد غربي آخر. حب المال وتلقي الهدايا مشكلة نتنياهو أنه علىطريقه الطويل، وقع في حادث أليم، فقد كُشفت إحدى نقاط ضــعــفــه الـــخـــطـــيـــرة، وهـــــي المـــــــال. رأس مــالــه يـقـدر بـثـ ثـة وعـشـريـن مـلـيـون دولار. راتـبـه ألـــف دولار. أمـــوالـــه جـمـعـت من 20 الـشـهـري الـرواتـب العالية، وكذلك من المـحـاضـرات، إذ يُعدّ محاضراً مطلوباً في العالم، خصوصاً فـي الــولايــات المـتـحـدة. لكن الأهـــم مـن دخله، الــذي جمعه مـن عــرق الجبين بغالبيته، هو مصروفه. نتنياهو معروف بأنه لا يصرف مـطـلـقـ . كــل مـصـاريـفـه عـلـى حــســاب الــدولــة، على عكس كل سابقيه، الذين حرصوا على الـــدفـــع مـــن جــيــوبــهــم. لا يـــوجـــد لـــه أصـــدقـــاء، ولكنه يـحـرص على عـ قـات جـيـدة مـع عدد كــبــيــر مـــن أصـــحـــاب الـــرســـامـــيـــل فـــي الــعــالــم، الذين يُحدد مستوى القرب معهم بمستوى صرفهم هم عليه. وهو محب للهدايا السخية بشكل خــاص، فــإذا أهــدى أحـد المـعـارف عقداً من الذهب الخالص لزوجته سارة، لا يتردد نتنياهو بــالاتــصــال بـمـقـدم الــهــديــة، مظهراً الــزعــل ومـعـاتـبـ : لمــــاذا لــم تـشـتـرِ لـهـا الـخـاتـم والحلق الملائمين للعقد؟ هذه العادات قـادت نتنياهو إلى قفص الاتهام بتهمة تلقي الرشى وخيانة الأمانة، لأن هـــنـــاك اشــتــبــاهــ بـــأنـــه اســتــغــل منصبه بـــصـــفـــتـــه رئــــيــــس حـــكـــومـــة لـــيـــوفـــي الـــهـــدايـــا بـخـدمـات يـحـتـاج إلـيـهـا أصـحـابـهـا. وهـنـاك شبهات نشرها اليعاد شارغا، رئيس حركة «طـــهـــارة الـــحـــكـــم»، الــــذي يــقــود مــنــذ عــشــرات السنين مـعـارك قضائية كبيرة ضـد الفساد وضـــد المـــســـاس بـالـديـمـقـراطـيـة. وقــــال خـ ل »: «نتنياهو ارتكب 2024 مؤتمر «هرتسليا أكبر وأخطر قضية فساد في تاريخ إسرائيل، جـــرى فـيـهـا هـــدر مــلــيــارات الـــــــدولارات عبثاً، عـلـى أسـلـحـة لسنا بـحـاجـة إلـيـهـا، وبصفقة تمت من وراء ظهر وزير الأمن ورئيس أركان الـجـيـش وقــائــد ســـ ح الـبـحـريـة. وبـلـغ فيها الـفـسـاد فحشاً فـي قــدس أقـداسـنـا، الأسلحة 25 الاستراتيجية. نتنياهو أدخل إلى جيبه مليون شيقل عمولة في هذه القضية، وهذا عـــدا عــمــولات أخـــرى لـشـركـائـه فــي الجريمة. غابي إشكنازي، قـال يومها إنـه في اللحظة الـتـي نـشـتـري فيها الـغـواصـة الــســادســة، لن يبقى لدينا مال للمجنزرات والمدرعات التي نحتاج إليها لاجتياح الشجاعية. وهــذا ما حصل فعلاً، واليوم نـذوق هـذا النقص على جلود أبنائنا الجنود في قطاع غزة». هـــــــذه الـــقـــضـــيـــة هـــــي أيـــــضـــــ مـــطـــروحـــة على بـسـاط البحث فـي المحكمة، ولــم يتقرر بــعــد تـحـويـلـهـا إلــــى لائـــحـــة اتـــهـــام. وتـلـمـيـح شـــارغـــا إلــــى غــــزة يـتـعـلـق بـالـتـهـمـة المـوجـهـة 7 إلى نتنياهو بأنه كان مسؤولاً عن إخفاق أكتوبر (تشرين الأول) بشكل شخصي، إذ إنه قــام بتقوية «حــمــاس»، وتباهى بأنه يُحول لها الأموال لكي يعمق الانقسام الفلسطيني، وتــم تحذيره بــأن سياسة حكومته ستفجر حرباً، ولم يكترث. الفساد... قضية حياة أو موتسياسي نــتــنــيــاهــو يـــعـــرف جـــيـــداً خــــطــــورة هـــذه الــقــضــايــا الـــثـــ ث، ويـــــدرك أنــــه يـــواجـــه خطر الـــحـــبـــس بــســبــبــهــا. مـــســـألـــة حـــيـــاة أو مــــوت، سـيـاسـيـ ، فــــإذا تـخـلّـى عـــن مـنـصـبـه بصفته رئــــيــــس حــــكــــومــــة، ســـيـــســـهـــل عــــلــــى الـــجـــهـــاز الـقـضـائـي الـحـكـم عليه بـالـسـجـن، وإذا بقي رئـــيـــس حـــكـــومـــة، سـتـسـيـر مــحــاكــمــتــه بـبـطء شـــديـــد كـــمـــا هــــي الــــحــــال الــــيــــوم؛ حـــيـــث إنــهــا ســـنـــوات ومــــا زالــــت فـــي مـرحـلـة 4 بــــدأت قـبـل ســمــاع الــشــهــود، وسـيـتـمـكـن مـــن مـنـع إقـامـة أكتوبر، 7 لجنة تحقيق رسمية فـي قضية وســـيـــمـــارس الـــضـــغـــط لـتـغـيـيـر الـــقـــضـــاة فـي المــحــكــمــة الــعــلــيــا والـــنـــيـــابـــة، فــــ يـــقـــدم إلـــى المحاكمة بسبب قضية الغواصات. وقـــــــد وجـــــــد نـــتـــنـــيـــاهـــو ائــــتــــ فــــ قـــويـــ ،120 نـائـبـ مـــن مـجـمـوع 64 لـحـكـومـتـه، مـــن يتألف من حزبه «الليكود» والأحزاب الدينية والاسـتـيـطـانـيـة. لـهـم مـصـلـحـة مـشـتـركـة في البقاء معاً. الأحـــزاب الدينية تحصد أمــوالاً طائلة لمدارسها ومؤسساتها وحاخاماتها، والأحــــــــــزاب الاســـتـــيـــطـــانـــيـــة تـــكـــســـب تــوســيــع الاستيطان وإجهاض حل الدولتين وتصفية الــقــضــيــة الــفــلــســطــيــنــيــة، و«الـــلـــيـــكـــود» تـمـت تــصــفــيــة المــــعــــارضــــة فـــيـــه وقـــــادتـــــه يــنــافــقــون نتنياهو، لدرجة الحضور معه إلى المحكمة تضامناً في قضايا الفساد. قاعدة توفر إكسير الحياة بـالمـائـة 20 هـــذا الائـــتـــ ف، ومــعــه نـحـو مـــن الـنـاخـبـ فـــي إســرائــيــل يـشـكـ ن قـاعـدة جــمــاهــيــريــة ثــابــتــة لا تـــتـــزعـــزع، حــتــى الآن، ويعتمد عليها نتنياهو اعـتـمـاداً أساسياً. عــــنــــدمــــا يـــخـــطـــب يــــأخــــذ هـــــــذه الـــــقـــــاعـــــدة فــي الاعتبار، وعندما يتخذ قراراته يضعها فوق كل اعتبار. هي أهـم بالنسبة له من الأسـرى الإسرائيليين في أنفاق «حـمـاس»، وأهـم من عـــائـــ ت هــــؤلاء الأســـــرى الـــذيـــن لا يـصـدقـون أن حــيــاة أبـنـائـهـم أهــــدرت عـلـى هـــذا الـنـحـو. وأهـــــم مـــن الـــجـــنـــود الـــذيـــن يُـــحـــاربـــون هــبــاءً فـي غـــزة، ومــن قـــادة الجيش وبقية الأجـهـزة الأمنية، الذين يؤكدون أن سياسة نتنياهو تـلـحـق ضــــرراً اسـتـراتـيـجـيـ بــأمــن إســرائــيــل، فيهاجمهم علناً ويؤنبهم باللغة الإنجليزية -حــتــى يـسـمـع الـــغـــرب كــلــه- «إســـرائـــيـــل دولـــة يـــوجـــد لــهــا جــيــش ولـــيـــس جــيــشــ تـــوجـــد له دولــة». وهي أهم من الإدارة الأميركية، التي وقفت إلى جانبه بوصفها شريكة في الحرب رغــــم الـــخـــ فـــات الـعـمـيـقـة مـــعـــه، وتـــمـــكّـــن من جرّها إلى كثير من الورطات، ولا يزال يحاول جرها إلى حرب إقليمية. لا بل إنه يحاربها في بيتها، ويقف مع انتخاب ترمب للرئاسة، نكاية بها، لأنها باتت معنية بوقف الحرب. فهذه القاعدة هي التي توفر له إكسير الحياة. ولأجلها يكرس كل مواهبه وطاقاته ولديه كثير منها. لها يكرس البضاعة التي يـــســـوقـــهـــا. لا يــهــمــه أحـــــد غـــيـــرهـــا، فــــــإذا كـــان الأمــــر يـحـتـاج إلـــى إجـــهـــاض الـصـفـقـة، يـديـر سياسة منهجية تجهض الصفقة، وإذا كان الأمـــر يـحـتـاج إلـــى حـــرب يـذهـب إلـــى الـحـرب. فـــي نـــظـــره، أمـــيـــركـــا مـــجـــبـــورة عــلــى مـسـانـدة إســرائــيــل؛ لأنـــه يـخـدم مصلحتها، وأعــــداؤه هــم أعـــداؤهـــا. فــــإذا خـسـر فــي المـــعـــارك، يتهم الجيش والمخابرات والشرطة وكل العالم ما عدا الاعتراف بمسؤوليته. وإذا حقق الجيش إنــــجــــازات، يــتــقــدم نـتـنـيـاهـو إلــــى الــشــاشــات يتباهى. والجيش يلهث في اللحاق وراءه، ويـــدافـــع عـــن نـفـسـه أمــــام هـجـمـاتـه، ويــحــاول أن يثبت أن اتهامات اليمين لـه بالجبن غير صحيحة، ويثبت ذلك في حرب عبثية يقاتل فــيــهــا الـفـلـسـطـيـنـيـ مــــن بـــعـــيـــد، بـــالـــغـــارات والقصف المدفعي وقتل المدنيين. اليسار... تهمة إذا كـــانـــت هـــنـــاك مـــعـــارضـــة سـيـاسـيـة، يتهمها بأنها يسارية، وهذا يكفي لقاعدته الــشــعــبــيــة. وإذا وقــــف الإعــــــ م ضـــــده، فـإنـه يهاجم الإعــــ م، ويقيم مـؤسـسـات إعلامية كبيرة لمواجهته، وهــذا إضـافـة إلـى حسابه 1.4 في «تويتر» (إكــس) الـذي يوجد له فيه مليون 2.3( » مليون متابع، أو «فيس بــوك متابع). فقط قبل سنة كادت الجماهير، التي نزلت إلى الشوارع بمئات الألوف مدعومة مـــن الــــدولــــة الــعــمــيــقــة، تُــســقــط نـتـنـيـاهـو. وراح يـسـعـى لــحــرب تــحــرف الأنــــظــــار، إلا أن الجيش رفـض شن حـرب. فجاء هجوم أكــتــوبــر. فــخــرج الجيش 7 «حـــمـــاس» فـــي إلى الحرب، ويمكن القول إنه «علّق نفسه بـــهـــذه الــــحــــرب»، ولا يـــعـــرف كــيــف يُــخــرج منها. ونتنياهو بالمقابل يـزدهـر. العرق يتصبب مــن كــل خــ يــا جــســده، لـكـنـه من حيث تحقيق الأهداف يزدهر. هــــذا هـــو نـتـنـيـاهـو الــــيــــوم، وهـــــذه هي حـسـابـاتـه. بـعـيـد عــن المـنـطـق؟ نــعــم، يجعل من إسرائيل دولة هشّة؟ نعم، ألا يوجد مَن يتصدى له في إسرائيل؟ يوجد لكن صوتهم ضعيف مـخـنـوق، عـلـى المـسـتـوى الشعبي، وأداؤهـــــــــم هـــزيـــل عـــلـــى مـــســـتـــوى المـــعـــارضـــة الـسـيـاسـيـة. فـفـي وضـــع طبيعي تُــعــدّ حالة نتنياهو فريسة سهلة لأي معارضسياسي له. بهذا الفشل وهذا الفساد وبهذه الأخطار التي يجلبها، يمكن إلـحـاق هزيمة شديدة بـــــه. أي قـــائـــد ســـيـــاســـي قـــــوي وحـــكـــيـــم كـــان سينقض على هذه الفرصة لإسقاط حكومة نتنياهو، لكن قــادة المعارضة في إسرائيل لا يـتـمـتـعـون بـــهـــذه الـــصـــفـــات بـــعـــد. وحـتـى الــجــمــهــور الــــذي يـثـبـت فـــي الاســتــطــ عــات، باستمرار أنه عاف نتنياهو ويريد تغييره، لا يـــرى فــي أي مــن قـــادة المـعـارضـة الحالية عنواناً له. وقوة نتنياهو مستمدة تحديداً من هذا الضعف. (غيتي) 1999 صورة ملصق انتخابي ممزق لبنيامين نتنياهو في تل أبيب: نظير مجلّي أرشيفية لبنيامين نتنياهو وزوجته سارة فيزيارةرسمية لباريس(غيتي) (غيتي) 1999 بعد فوز إيهود باراكفي 2000 بنيامين نتنياهو معلناً عودته للحياة السياسية في عـامـا، سُئل بنتسي نتنياهو، والــد رئيس الـــوزراء 15 قبل الإسرائيلي، عن رأيه، في نجله. فأجاب: «إنه ليس بأهبل». الصحافي الذي سأله يُدعى عميت سيجال، وهو من سلالة »، التي كانت تُدعى 12 يمينية، يعمل مراسلاً سياسيا في «القناة «الـقـنـاة الـثـانـيـة». وسـيـجـال يتفاخر بـأنـه مـن المعجبين برئيس حكومته نتنياهو. والـغـرض مـن ســؤال الـوالـد، لـم يكن المساس بشخص الابن بل بالعكس، فقد وجّه سيجال السؤال، لكي يفهم ما وراء التصريح الــذي أدلــى به نتنياهو الابــن في جامعة «بار ، وأعرب فيه عن تأييده حل الدولتين. 2009 إيلان»، في سنة وعليه، أجـاب الوالد: «بيبي لا يؤيد حل الدولتين. لقد وضع شروطا لا يمكن للعرب قبولها. وهذه بلاد اليهود ولا مكان للعرب فيها». وكانت الشروط أن يعترف الفلسطينيون بإسرائيل دولةً للشعب اليهودي، وتكون الدولة الفلسطينية منزوعة السلاح، وأن تحل قضية اللاجئين خارج تخوم إسرائيل. الـخـطـاب جـــاء فــي ظـــروف مـعـيـنـة، تُـــذكّـــر بـهـذه الأيـــــام. ففي حينه، باشر الرئيس بــاراك أوبـامـا دورتــه الرئاسية الأولـــى، في يـنـايـر (كـــانـــون الــثــانــي)، وبــعــد شـهـريـن، فــي نـهـايـة مــارس 20 18 (آذار)، باشر نتنياهو رئـاسـة الحكومة الإسرائيلية. وفــي مايو (أيـــار) استقبل أوبـامـا نتنياهو في البيت الأبـيـض، وطلب منه وقف المستوطنات وتأييد حل الدولتين، «الـذي لا حل سواه يونيو (حزيران)، ألقى الرئيس الأميركي 4 لإنهاء الصراع». وفي خطابا في القاهرة، متوجها للعالم العربي والإسلامي، وفاتحا أيام ألقى 10 صفحة جديدة في العلاقات الأميركية معهما. وبعد نتنياهو خطاب «بار إيلان». قبل هـذا الموعد بست سـنـوات، كـان نتنياهو قد عُـّ وزيـراً للمالية في حكومة أرئيل شارون، وقد سُئل والده عن مستقبل ابنه، وإن كـان يصلح ليصبح رئيس وزراء؟ فـأجـاب: «كــ ، إنه يصلح وزيراً للخارجية». ففي مفهومه، منصب وزير الخارجية يُـــ ئـــم مَــــن يــحــب الـــكـــ م، ويــجــيــد الــخــطــابــة، ويـتـمـتـع بـحـفـ ت الكوكتيل، ولا يحب العمل. ومن يعرف الابن أكثر من الوالد. عاماً، سُئل والد 15 قبل نتنياهو عنرأيه في نجله، فأجاب: «إنه ليسبأهبل»

RkJQdWJsaXNoZXIy MTI5OTky