issue16728

نعم، السُّؤال أعاله دقيقٌ، فالقصَّة ليست بإمكانية وقوع الحرب، بل بتوسعها، ألن الحرب اإلسرائيلية على لبنان أمـر واقـــع، ومنذ انـــدالع حــرب غــزة، والـسـؤال اآلن هو: هل تتطوَّر لتصبح شاملة؟ العمليات اإلسرائيلية لم تتوقَّف في لبنان؛ حيث االســـتـــهـــداف الــيــومــي لــلــجــنــوب، وعــمــلــيــات االغــتــيــاالت املستمرة بحق قـيـادات ومقاتلي «حــزب الـلـه»، واألرقـــام تتجاوز الخمسمائة قتيل، وهي ليست اغتياالت بسيطة، بل نتاج خطة واضحة إلفراغ الحزب من قياداته. وقـــبـــل قـــرابـــة األســـبـــوع كـــــان االعـــتـــقـــاد الــســائــد بـــأن الـعـمـلـيـة اإلســرائــيــلــيــة املــوســعــة تـــجـــاه لــبــنــان قـــادمـــة ال محالة، ثم بذلت جهود أميركية حثيثة إليقافها، واآلن عـــادت نـفـس املـــؤشـــرات، فـهـل يفعلها نتنياهو ويـوسـع الحرب؟ دعــك مـن قناعاتي، وقـنـاعـاتـك، وقـنـاعـات املحللني، ولـــنـــقـــرأ األحـــــــــداث بـــــدم بــــــــارد. فــمــنــذ وقــــــوع حـــــرب غـــزة واستراتيجية نتنياهو تقوم على أسس واضحة، أهمها اسـتـغـ ل األزمـــة إلطـالـة أمــد حياته السياسية، وفـرض نفسه قائدًا «تاريخيًا» إلسرائيل. وسعيه السـتـغـ ل كـل جبهة، أو حـــادث، أو حـدث، للعودة ليس إلــى مـا قبل «أوســلــو»، وإنـمـا أبـعـد، وذلـك بتغيير الخرائط، وإعادة القضية إلى نقطة الصفر، وهو ما حذّرت منه بمقال هنا أول األزمة، وسأعيد وأكرر دائمًا هذه العبارة، ألنها مفتاح فهم استراتيجية نتنياهو. خرائط غـزة تغيَّرت، وتتغير، وال حديث عن اليوم التالي، وإنما تحويل غزة ملنطقة عسكرية، ورأينا كيف تحرك نتنياهو تجاه الضفة الغربية املهددة باالنفجار، مـــا يــعــنــي تــدمــيــر املــكــتــســبــات الـفـلـسـطـيـنـيـة، وأيـــــ كــان حجمها، وبالتالي تدمير ما تبقَّى من أوسلو، وأكثر. الـــــيـــــوم إحـــــــدى عـــقـــد مــــفــــاوضــــات الــــهــــدنــــة، ووقـــــف إطـ ق النار، هي تشدد نتنياهو باملحافظة على معبر فيالدلفيا مـع مصر، وبــدأ اإلعـــ م الغربي يُـــروّج وجهة نظر نتنياهو، وهـذا يعني التعدي على اتفاقية «كامب ديفيد» مع مصر. وبعد حادثة جسر امللك حسني من الحدود األردنية تحرّك نتنياهو لتفقد منطقة األغــوار الفلسطينية على الــــحــــدود األردنــــيــــة، وهــــو األمـــــر الـــــذي أثـــــار عــاصــفــة من اإلدانات العربية، وعلى رأسها السعودية، التي اعتبرته استفزازًا يهدف إلى توسيع االستيطان. وهذا االستفزاز باألغوار هو تهديد أيضًا التفاقية األردنية-اإلسرائيلية، كما يُهدد 1994 «وادي عربة» عام مــشــروع الـــدولـــة الفلسطينية، ويـثـبـت أن استراتيجية نتنياهو تكمن فــي اسـتـغـ ل كــل أزمـــة لتغيير الــواقــع، والــــعــــودة بـالـقـضـيـة إلــــى نــقــطــة الـــصـــفـــر، مـــع ضــــرب كل االتفاقيات باملنطقة. وعليه، فما الـذي يجعل لبنان، أو جنوبه، مختلفًا اآلن عن تلك االستراتيجية؟ ال شيء؛ ولذا فمن الواضح أن نتنياهو لن يفوت فرصة الحرب املوسعة اآلن مع «حزب الله»، وألنَّها تخدم أهدافه االستراتيجية، كما أسلفنا. والحرب مع «حزب الله» اآلن تُغير الواقع والخرائط، كــمــا تُــشــعــل املـــواجـــهـــة أكــثــر مـــع إيــــــران، وهــــذا مـــا يــريــده نتنياهو، وهذا هدفه، خصوصًا أنه صرح متفاخرًا، قبل فترة قريبة، بأنه هو من عطّل مشروع إيران النووي. يفعل نتنياهو كل ذلك بانتظار الرئيس األميركي الـــجـــديـــد، فـــــإذا كـــانـــت هـــاريـــس فـسـتـجـد واقـــعـــ عليها التعامل مـعـه، وإذا كــان تـرمـب فـذلـك يعني لنتنياهو االســتــمــرار باستراتيجيته. ولــذلــك عـلـى عـقـ ء لبنان الحذر، لكن السؤال هنا هو: هل هناك عقالء في لبنان يستوعبون ذلك؟ تقدّم منطقة املشرق العربي اليوم ثالثة نــمــاذج فــي الـتـعـامـل مــع الــحــرب اإلسـرائـيـلـيّــة على قطاع غزّة. فـــهـــنـــاك الــــنــــمــــوذج الـــلـــبـــنـــانـــيّ، وقــــوامــــه االنــــــــــدراج املـــبـــاشـــر فــــي الــــحــــرب مـــنـــذ يــومــهــا الثاني ورفــض كـل حـل سياسي لوقفها. لكن هـــذا االنــــــدراج لــم يــتــرك أي أثـــر مـلـمـوس على السلوك الحربي اإلسرائيليّ، خصوصًا وقد صعّد عدوانيّته ووسّـــع نطاقها مـن غــزّة إلى الضفّة الغربيّة. وهو، كما نعلم، يهدّد لبنان بــمــخــاطــر وجـــــوديّـــــة تــــــ زم انـــتـــقـــال الــتــركــيــز الحربي إليه، وفق تصريحات رسميّي الدولة العبريّة وعسكريّيها. وهذا إنّما يحصل وسط انقسام أهلي عريض بني اللبنانيّني، انقسام خصب باحتماالت تدمير شامل يكمّل الكارثة الحربيّة املمكنة، كما في ظل أزمـة اقتصاديّة اســـتـــثـــنـــائـــيّـــة تـــطـــحـــن الـــــســـــكّـــــان. وفـــــــي هــــذه الغضون، يضرب الجفاف عــروق ذاكــرة ذوي الشغف الحربي التي تأبى أن تتذكّر أن الحرب سنة، كان 15 ، واستمرّت 1975 التي بدأت في سببها هذا املوضوع بالذات. وهـنـاك الـنـمـوذج األردنــــي الـــذي يـحـاول، فـــــي مــــــــــوازاة دفـــــــاع ســــيــــاســــي ودبــــلــــومــــاســــي متواصل عن غزّة والحق الفلسطينيّ، تجنّب االنــــــدراج فـــي الـــحـــرب، مـــع مـــا يـسـتـدعـيـه ذلـك مـن إلـغـاء ملعاهدة وادي عربة السلميّة. لكن مـا إن يـطـرأ فـي األردن حــدث مــا، صغيرًا كان أم كـبـيـرًا، حـتّــى يـبـادرنـا الشغوفون بالحرب إيّاهم باكتشافهم «شهيّة الجماهير األردنيّة لـــلـــقـــتـــال». وقــــد رأيـــنـــا هــــذا فـــي عــمــلــيّــة مـاهـر الــجــازي الـتـي يمكن تفهّمها وتـفـهّــم الغضب الـــــذي أفـــضـــى إلـــيـــهـــا، كــمــا رأيــــنــــاه فـــي تــأويــل النتائج االنـتـخـابـيّــة املـتـقـدّمـة الـتـي أحرزتها «جـبـهـة الـعـمـل اإلســـ مـــيّ» اإلخـــوانـــيّـــة. وهنا أيضًا ال تبدو الذاكرة الحربيّة األردنيّة أنشط من زميلتها اللبنانيّة، إذ يلف الصمت تجربة وخسارة الضفّة ثم الحرب األهليّة 1967 حرب التي أعقبتها بعد ثالث سنوات، وكان سببها هـو أيضًا نفس سبب الـنـزاع اللبنانيّ. وهـذا نـــاهـــيـــك عــــن ضـــآلـــة االكـــــتـــــراث بـــوضـــع األردن االقـــــتـــــصـــــادي والــــســــيــــاســــي والـــديـــمـــوغـــرافـــي وقدرته على تحمّل الحرب التي يُدعى إليها. أمّا النموذج الثالث فهو السوريّ، حيث يــتــصــرّف الــنــظــام وكـــــأن مـــا مـــن حــــرب تـحـدث فـــي غـــــزّة أصــــــ ً، وهـــــذا عــلــمــ بـــــأن الــضــربــات اإلسرائيليّة داخل سوريّا نفسها، وهي باتت مـمـارسـة مـزمـنـة، شـرعـت مــع الــحــرب الـراهـنـة تــتــصــاعــد نـــوعـــيّـــ . وقـــبـــل أيّــــــام قـلـيـلـة جـــاءت ضـــربـــة مـــصـــيـــاف لــتــكــســر رقـــمـــ قـــيـــاســـيّـــ فـي عــــدّاد الحسبة الـحـربـيّــة. وهـنـا أيـضـ تعاني الـــذاكـــرة فـقـدانـ مــمــاثــ ً، إال أنّـــه يعمل بشكل مـعـاكـس: ذاك أن الـحـربـيّــ يصمتون صمت الخزائن املقفلة عن «دور سوريّا املركزيّ» في الـصـراع مع إسرائيل، وعـن مالحم «الصمود والــــتــــصــــدّي» الـــتـــي تُـــنـــســـب إلـــــى الـــنـــظـــام ومـــا تـــســـبّـــبـــت بــــه تـــلـــك املــــ حــــم مــــن كــــــــوارث عـلـى السوريّني والفلسطينيّني واللبنانيّني. فما دام األخير «يقف في صفّنا»، جاز له ما ال يجوز لغيره وحظي باإلعفاء الذي أسبغه عليه، قبل أسابيع، زعيم «حزب الله». لــكــن الـــ فـــت أن إحــــدى الــنــظــريّــات الـتـي تقترن بالشغف الحربي تــدور حـول التغيير واإلصـــــ ح. فـالـنـظـامـان الـلـبـنـانـي واألردنـــــيّ، بحسب الحربيّني جميعًا، ووفق تقليد عريق أسّــســه الــيــســاريّــون واسـتـأنـفـه اإلســ مــيّــون، ليسا عادلني وليسا وطنيّني، وهما تقليديًّا حليفان للغرب، اإلمـبـريـالـي مـــرّة والصليبي مرّة أخرى. وهذا ما يجعل زجّهما في الصراع املفتوح مع إسرائيل بندًا في برنامج تحرّري أشمل وأعرض. أمّا في سوريّا فالنظام، وفقًا لــلــقــامــوس الــضــمــنــي نــفــســه، وطـــنـــي ومـــعـــاد لإلمبرياليّة، وهو وريث تقليد عسكري وأمني صلب ومتواصل في مكافحة النفوذ الغربي وفــــي إحـــــداث تــغــيــيــرات اجــتــمــاعــيّــة «لـصـالـح الجماهير العريضة». وما دام النظام املذكور قد أنجز تحرّره الوطني فاألفضل عدم تبديد مكاسبه بالصراع املفتوح. وفي هذا ما يكفي من املسخرة، وإن ظلّت املسخرة األكبر تتمثّل في إفضاء التغيير واإلصــ ح، مـرّة بعد مرّة، إلى اإلفناء الذي تتعدّد طرقه. فهناك بالتأكيد مآخذ جدّيّة كثيرة على النظامني اللبناني واألردنـــــيّ، لـكـن أصحاب املآخذ الحربيّني ال يملكون في التعامل معها ســـوى الـتـخـلّــص مــن الـبـلـديـن نفسيهما عبر زجّــهـمـا فــي الــحــرب الـقـاتـلـة. أمّـــا فــي ســوريّــا، حيث تولّى النظام مهمّة التخلّص من سوريّا، بعد تجويفها املديد من داخلها، فقد أُنجزت املـــهـــمّـــة، ولــــم تــعــد ثــمّــة حــاجــة إلــــى زجّـــهـــا في حرب. وتقودنا تجربة كهذه إلى حذر مبرَّر من دعــاة التغيير هــؤالء، وممّا قد يبدو، لوهلة، نقدًا صائبًا يصدر عنهم. لكنّها تقودنا كذلك إلى تفهّم ما قد يعنيه املوقف املحافظ حيال شـؤونـنـا الــعــامّــة، إذ املـحـافـظـة عـنـدنـا، وقبل أن تــكــون رجــعــيّــة أو غـيـر رجــعــيّــة، محكومة بـالـحـفـاظ عـلـى الـحـيـاة قـبـل أي اعـتـبـار آخــر. فنحن، مع الشغوفني بالحرب، حيال جماعة ال يهمّها الـنـاس وال البلد وال الحياة ذاتها، وقـد وجـدت في فلسطني وقضيّتها ذريعتها لتطبيق بـرنـامـجـهـا اإلفــنــائــي وحـضّــهـا على إبادة ذاتيّة بعد إبادة. ولـــربّـــمـــا اســتــنــد الـــســـلـــوك هــــذا إلــــى لــون مع في تحلّله من العالم وعدم اكتراثه بأي مـــن شـــروطـــه اإلنــســانــيّــة واالجــتــمــاعــيّــة، وفـي إقـبـالـه تـالـيـ ، وبــفــرح وحــمــاســة، عـلـى النحر واالنتحار. فنحن، في هذه العدميّة القصوى، ال نـــولـــد إال حـــ نـــمـــوت، وحــــ نـــولـــد نـولـد طاهرين بعد موتنا طاهرين. OPINION الرأي 12 Issue 16728 - العدد Sunday - 2024/9/15 األحد هل تتوسع الحرب على لبنان؟ لبنان... األردن... سوريا: إصالح أم إفناء؟ وكيل التوزيع وكيل االشتراكات الوكيل اإلعالني المكـــــــاتــب المقر الرئيسي 10th Floor Building7 Chiswick Business Park 566 Chiswick High Road London W4 5YG United Kingdom Tel: +4420 78318181 Fax: +4420 78312310 www.aawsat.com [email protected] املركز الرئيسي: ٢٢٣٠٤ : ص.ب ١١٤٩٥ الرياض +9661121128000 : هاتف +966114429555 : فاكس بريد الكتروني: [email protected] موقع الكتروني: www.arabmediaco.com هاتف مجاني: 800-2440076 املركز الرئيسي: ٦٢١١٦ : ص.ب ١١٥٨٥ الرياض +966112128000 : هاتف +9661٢١٢١٧٧٤ : فاكس بريد الكتروني: [email protected] موقع الكتروني: saudi-disribution.com وكيل التوزيع فى اإلمارات: شركة االمارات للطباعة والنشر الريـــــاض Riyadh +9661 12128000 +9661 14401440 الكويت Kuwait +965 2997799 +965 2997800 الرباط Rabat +212 37262616 +212 37260300 جدة Jeddah +9661 26511333 +9661 26576159 دبي Dubai +9714 3916500 +9714 3918353 واشنطن Washington DC +1 2026628825 +1 2026628823 املدينة املنورة Madina +9664 8340271 +9664 8396618 القاهرة Cairo +202 37492996 +202 37492884 بيروت Beirut +9611 549002 +9611 549001 الدمام Dammam +96613 8353838 +96613 8354918 الخرطوم Khartoum +2491 83778301 +2491 83785987 عمــــان Amman +9626 5539409 +9626 5537103 صحيفة العرب األولى تشكر أصحاب الدعوات الصحافية املوجهة إليها وتعلمهم بأنها وحدها املسؤولة عن تغطية تكاليف الرحلة كاملة ملحرريها وكتابها ومراسليها ومصوريها، راجية منهم عدم تقديم أي هدايا لهم، فخير هدية هي تزويد فريقها الصحافي باملعلومات الوافية لتأدية مهمته بأمانة وموضوعية. Advertising: Saudi Research and Media Group KSA +966 11 2940500 UAE +971 4 3916500 Email: [email protected] srmg.com حازم صاغيّة نحن حيال جماعة ال تهمّها الحياة ذاتها وجدت في فلسطين وقضيّتها ذريعتها استراتيجية نتنياهو هي استغالل كل أزمة للعودة بالقضية إلى نقطة الصفر طارق الحميد مـــنـــذ وقــــــت قــــريــــب، أقـــــــدم أحــــــد كــــبــــار املـــســـؤولـــ الـلـبـنـانـيـ عـلـى مــصــارحــة الـجـمـاهـيـر الــحــاشــدة في مهرجان خطابي، بما مفاده: «إذا خسرت غزة الحرب فاملنطقة ذاهـبـة إلــى التقسيم، مـا يـ ئـم رغـبـة الكيان الصهيوني في إحاطة نفسه بكيانات صغيرة يكون هو بينها األقـــوى». ويعني بذلك أنـه إذا ربحت «حماس» و«الجهاد اإلسالمي» حرب غزة، فدول املنطقة ستبقى موحدة كما هي، وإذا تمت خسارة هذه الحرب فتقسيم دول املـنـطـقـة واقـــــع حــتــمــ . لـكـنـه لـــم يـــوضـــح مـفـهـومـه لالنتصار أو الخسارة، وما حدودهما؟ كما لم يوضح كيف تبدو له مسارات التوحيد أو التقسيم في املرحلة املقبلة... ومــثــل هـــذه الــنــظــرة إلرضـــــاء الـجـمـاهـيـر، هـــي من التبسيط، بحيث ال تُحيط بـالـواقـع السوسيولوجي والسياسي والتاريخي لـدول املنطقة، كما أنها تولي الكيان الصهيوني ضمنًا القدرة على التحكم بحركة التاريخ، وهذا الكيان وسـواه أعجز بكثير من التحكّم بهذه الحركة. وحقيقة األمر، أن التجاذب بني التوحيد والتقسيم قائم فـي املنطقة منذ مائة عــام، منذ انهيار السلطنة ، نتيجة هـزيـمـتـهـا فــي الـحـرب 1918 الـعـثـمـانـيـة سـنـة الــعــاملــيــة األولــــــى، إلــــى جـــانـــب أملــانــيــا واإلمـــبـــراطـــوريـــة النمساوية - الهنغارية التي انـهـارت هي أيضًا. ومع بسط املنتصرين، البريطاني والـفـرنـسـي، انتدابهما عــلــى املـــشـــرق، بـــاتـــت كـــل االحـــتـــمـــاالت مـمـكـنـة. لـــم يــف املـــنـــتـــصـــرون اإلنـــجـــلـــيـــز لـــأمـــيـــر فــيــصــل بــــن الــحــســ بــوعــدهــم بتنصيبه عـلـى «مـمـلـكـة ســـوريـــا». بــــدال من ذلك، عمدت سلطة االنتداب الفرنسي إلى تقسيم «بالد الشام» إلى أربع دول: دولة دمشق (فيما بقي من والية دمـشـق الـعـثـمـانـيـة)، دولـــة حـلـب (فـيـمـا بـقـي مــن واليــة حلب العثمانية)، دولة جبل الـدروز، ودولـة العلويني. وكــانــت الـحـيـرة فــي تـوسـيـع «متصرفية جـبـل لبنان» نحو الشمال أو الجنوب. فاستقر الرأي على الجنوب، وكــان «لبنان الكبير» الــذي ضُمّت إلـى جبله األقضية األربـعـة. ثم عمدت باريس في مرحلة الحقة إلـى دمج دول «بـــــ د الـــشـــام» فـــي كـــيـــان واحـــــد، تـطـبـيـقـ للنهج املركزي الصارم املنسوب «لليعقوبيني» في تراث الثورة الفرنسية. في جانب آخر، يغلب االعتقاد أنه لوال تولّت فرنسا االنـتـداب على فلسطني، بـدال من بريطانيا، ملا قامت دولة إسرائيل. فروّاد الحركة الصهيونية، الذين احتضنتهم لــنــدن، لــم يـلـقـوا تـاريـخـيـ أي تــجــاوب في باريس وموسكو واآلستانة؛ حيث صـدت مساعيهم. والـــــرواد الـصـهـيـونـيـون األوائـــــل، مـثـل هــرتــزل، لــم يكن لديهم اإلصرار املطلق على إقامة «الدولة اليهودية» في فلسطني، إذ كانت واردة لديهم أمكنة أخرى في العالم، خصوصًا أفريقيا. ثـم على مــر الـزمـن، اهـتـز العديد مـن دول املنطقة بفعل توالي الظواهر التالية: عـــلـــى مــــــدى قــــــرن كــــامــــل، مـــنـــذ ســــقــــوط الــســلــطــنــة العثمانية حتى اليوم، لم تستطع «الدول الوطنية» في املـشـرق العربي (كـذلـك فـي املـغـرب) تحويل الجماعات داخــلــهــا إلـــى أفـــــراد مــواطــنــ . فــــ«الـــثـــورة الـــفـــرديـــة» لم تـلـح فــي األفــــق. بــــدال مــن ذلــــك، اشــتــدت فــي تـلـك الـــدول قـــوة الـجـمـاعـات الـطـائـفـيـة، واملــذهــبــيــة، والـعـشـائـريـة، والـعـرقـيـة، وغـيـرهـا، واشـتـد تمايزها وحـــذَّر بعضها من البعض اآلخــر. ويُشكّل هـذا التصدّع بيئة مالئمة الحتماالت التقسيم. وبـيـنـمـا كــــان هــــذا الـــواقـــع املُــفــكــك يــتــفــاعــل، كـانـت تغطيه على الدوام وتحجبه عن األنظار حركة توحيد لفظية ينشرها اإلعالم الرسمي، كاملقوالت البعثية في القُطر الـسـوري والقُطر العراقي عن الـثـورة والنهضة ومحاربة االستعمار وتحرير فلسطني، وعن القومية والـوطـنـيـة والـعـلـمـانـيـة، فــي «أمــــة عـربـيـة واحــــدة ذات رســالــة خـــالـــدة». ومـــا مـاثـل ذلـــك مــن مــقــوالت ناصرية وســـواهـــا. واالتــجــاهــات املـاركـسـيـة الـتـي لــم تـصـل إلـى الحكم، كانت تستعمل الغطاء اللفظي نفسه للتعمية في لبنان، 1975 على الواقع، مثلما حدث عشية حروب حني اعتبر املاركسيون وحلفاؤهم أن الصراع الطائفي انتهى مـن زمـــان، وحــل محلّه الـصـراع الطبقي، بينما كان الصراع الطائفي في أوجّه. إضافة إلى عجز الدول عن تحويل الجماعات إلى أفـــراد مـواطـنـ ، أســـاءت هــذه الـــدول إدارة الجماعات؛ حـيـث بــــرزت الــديــكــتــاتــوريــات الــعــاتــيــة، وســـــادت على الدوام جدلية القامع واملقموع، والساحق واملسحوق... في انتظار أن يدور الدوالب، وتتبدَّل األدوار، فيُضحي القامع مقموعًا، والساحق مسحوقًا، وهـكـذا دوالـيـك، في متاهة عبثية استنفدت طاقات الشعوب والدول. ثـم أخـيـرًا، على مــدى العقود الخمسة املنصرمة، ولجت الثورة الخمينية هذا الواقع املتصدع من بوابة تسليح وتنظيم الجماعات املذهبية املـوالـيـة لها في دول أساسية في املنطقة، فكبر الشرخ بني الجماعات املسلحة وغـيـر املـسـلـحـة. وبـــات فــي مــوضــوع الـوحـدة والتقسيم، يصح قول الشاعر: «تعجبني من سقمي صحتي هي العجبُ»... هذا كله قبل أن نصل إلى ما يطمح إليه الكيان الصهيوني. عن هواجس الوحدة والتقسيم قبل أن نصل إلى ما يطمح إليه الكيان الصهيوني أنطوان الدويهي

RkJQdWJsaXNoZXIy MjA1OTI0OQ==