issue16726

يوميات الشرق ASHARQ DAILY 22 Issue 16726 - العدد Friday - 2024/9/13 اجلمعة رائدة الفن السعودي كانت تحلم بكتابها األخير ولوحات الرقصات الشعبية رحيل صفية بن زقر... صاحبة «موناليزا الحجاز» صفية بن زقر... اسم يتردد دائمًا عند الحديث عن تاريخ الفنون في السعودية، تــبــعــث ســيــرتــهــا بــنــفــخــات فــنــيــة جـمـيـلـة معطرة بذكريات حارات جدة حيث نشأت ومـــابـــس الـــنـــســـاء الـــتـــراثـــيـــة فـــي املـمـلـكـة. يعرف الناس لوحتها الشهيرة «الزبون»، حـتـى وإن كــانــوا ال يـعـرفـون اســـم الفنانة الـــتـــي نــفــذتــهــا. وأمـــــس رحـــلـــت عـــن عـاملـنـا صاحبة اللوحة التي أطلق عليها البعض اسـم «موناليزا الحجاز». رحلت صاحبة أول متحف خاص في اململكة الذي أقامته ألعمالها وأرشـيـفـهـا، وأطـلـقـت عليه اسم «دارة صـفـيـة بـــن زقـــــر»؛ حــيــث احتضنت الـــصـــغـــار والـــكـــبـــار مــــن الـــفـــنـــانـــن، أقـــامـــت املـــســـابـــقـــات الــفــنــيــة لــلــصــغــار والـــلـــقـــاءات الثقافية للكبار، وحققت من خلل دارتها أحلم ومشاريع العمر. صفية بن زقـر «األم الروحية للفنون فــــي الـــســـعـــوديـــة» نـــعـــاهـــا مــحــبــوهــا أمـــس عــــلــــى وســـــائـــــل الـــــتـــــواصـــــل االجــــتــــمــــاعــــي، وترافقت الدعوات لها بالرحمة مع الثناء واملحبة التي نثرتها على كل من عرفها، قــالــت عـنـهـا الـفـنـانـة لــولــوة الـحـمـود إنها «أيقونة وقامة فنية»، وأضافت لـ«الشرق األوســط»: «فقدنا في عام واحـد اثني من أعـمــدة الــفــن والـثـقـافـة فــي املـمـلـكـة، وهـمـا األمير الشاعر بدر بن عبد املحسن، واليوم صفية بن زقر»، وأضافت: «صفية بن زقر كـانـت رائــــدة للفن الــســعــودي مــع الـراحـلـة مـنـيـرة مــوصــلــي، ظـلـت نـشـيـطـة للنهاية، وعــــزاؤنــــا هـــو مـــا تــركــتــه لــنــا مــتــمــثــا في دارتـــهـــا». تــأثــرت الـحـمـود بـفـن صـفـيـة بن زقـر: «كانت تعطينا الكثير، وأثــرت فينا، وال سـيـمـا فـــي مــمــارســة الــطــبــاعــة الفنية التي تعلمت أساليبها في أثناء دراستها في كلية سانت مارتن بلندن. عطاؤها لم يتوقف، واستمر حتى نهاية عمرها، ومن أحـــب أعـمـالـهـا لـــدي هـــي سـلـسـلـة املـابـس التراثية». نعى الفنانة قسورة حافظ الذي نسق مـــؤخـــرًا مـــعـــرض «خـــمـــســـن... رحـــلـــة الـفـن الـسـعـودي» الـــذي أقـيـم فـي قـاعـة سوذبيز بــلــنــدن، وحــــرص فـيـه عـلـى عـــرض نسخة مــن لـوحـة «الـــزبـــون» لصفية بــن زقـــر، قـال لــــ«الـــشـــرق األوســــــط» إنــهــا «ســـيـــدة كريمة ولــطــيــفــة مــــع الـــــنـــــاس... تــــذكــــرك بــالــنــاس الطيبي من األجيال السابقة أو من يطلق عليهم (أهـــل أول)». ومــن الناحية الفنية لــم يـجـد وصــفــ أنــســب مــن «رمــــز وأيـقـونـة ثــقــافــيــة». يـــرى أن مـــن أهـــم إنــجــازاتــهــا ما سجلته بالريشة والقلم من توثيق ملظاهر الحياة اليومية في منطقة الحجاز بشكل لـم يسبقها فيه أحـــد: «كـــأن لوحاتها هي أدواتــنــا للعودة بالزمن إلــى حياة قديمة لم تسجلها الكاميرا أو األفـــام». ويصف أســــلــــوبــــهــــا الــــفــــنــــي بــــالــــواقــــعــــي املــخــتــلــط بلمحات تأثيرية. الـبـاحـثـة واملـــؤرخـــة الفنية الـدكـتـورة إيـــمـــان الــجــبــريــن كــــان لــهــا حـــديـــث طـويـل مـع «الـشـرق األوســـط» حــول ذكرياتها مع الراحلة صفية بن زقر، تحدثت عنها بحب وتقدير وشغف، في بداية حديثها تقول إن االحتفاء بالراحلة يجب أن يكون بتحقيق آخــر أمنياتها «آلخـــر لحظة، وفــي أيامها األخـــيـــرة كــانــت تـلـهـج بــالــدعــاء أن يسمح لها العمر بـرؤيـة مشروعها األخـيـر، وقد تحقق، وهو كتاب يحمل عنوان (درزة)»، تقول الجبرين: «استغرق العمل في الكتاب عشرة أعــوام، وأعــده قيمة تاريخية حيث كتب بـثـاث لـغـات، العربية واإلنجليزية والــفــرنــســيــة، وضــمــت فـيـه رســـومـــات لكل األزيـاء الشعبية، ولم تتوقف عند ذلك بل عملت رسومًا توضيحية لكل التفاصيل مثل الغرز وأساليب الخياطة وأسمائها حتى ال يندثر هذا التراث، وحرصت على أن تترجمها بـطـريـقـة صحيحة واضـحـة لغات، حتى صورة الغلف التي تمثل 3 وبـ ثوبًا نادرًا». مــــن أهـــــم مـــنـــجـــزات الــــراحــــلــــة؛ إقـــامـــة «دارة صفية بـن زقـــر» الـتـي حـرصـت على اإلشـــــراف عـلـى كـــل صـغـيـرة وكــبــيــرة بـهـا، تـقـول الجبرين إن الـراحـلـة حـرصـت حتى عـــلـــى اخـــتـــيـــار قـــطـــع الــــبــــاط، «كـــــل بــاطــة فيها اخـتـارتـهـا، وهــي على فـــراش املـرض حـــن كــانــت فـــي ســويــســرا لــلــعــاج، الــــدارة مــكــان قــيــم، بـسـبـب الـتـفـاصـيـل، لـهـا قيمة ال يمكن تعويضها فـهـي تـضـم مقتنيات تـــراثـــيـــة مــثــل املـــابـــس وقـــطـــع فــنــيــة قيمة وأرشــــيــــف الــفــنــانــة نـفـسـهـا حــيــث أودعــــت كـل لوحاتها واألرشــيــف الصحافي الـذي يغطي أخبارها وأخبار معاصريها. هناك أيضًا املـسـاحـات الخاصة بها التي تضم االســتــوديــو، وشـهـاداتـهـا كلها مـوجـودة، باإلضافة إلى الجناح التي كانت تسكنه، وأضافته للمبنى، في وسط الجناح هناك مقتنيات ال يعرف عنها سوى القلئل من املـقـربـن مـنـهـا، فـهـي كـانـت عـنـدهـا هـوايـة جمع أشـيـاء نـــادرة قـد ال تخطر على بال أحــــد، مـثـل املـــــراوح الــيــدويــة تجمعها من كل دول العالم، ومـن املـــزادات، كذلك أطقم البورسلي املصغرة التي كانت تصنع في الحقبة الفيكتورية». تــحــمــل الــــدكــــتــــورة إيــــمــــان الــجــبــريــن الكثير من الذكريات والقصص مع الراحلة التي كانت موضوع رسالتها للدكتوراه، وتقول إنها كانت مبهورة بها وبطاقتها اإليجابية. تتحدث عن مبادراتها السابقة لعصرها فقد أقامت جوائز لألطفال، وكان عـنـدهـا مـجـلـس نـسـائـي شــهــري. تتحدث عن مشروع كانت الراحلة تنفذه، وكانت مـــتـــرًا مـقـسـمـة ألجــــزاء 12 لـــوحـــات بـــطـــول تتناول فيها الرقصات التراثية في اململكة، كانت تحلم أن تعرضها كـجـداريـة تماثل جــداريــة كنيسة سيستينا فـي الفاتيكان للفنان مايكل أنجلو. كـــانـــت لــلــراحــلــة مـــخـــاوف مـــن عــرض بعض األعمال التي نفذتها متأثرة بصور ولوحات عاملية استشراقية حتى ال يكون االنطباع أنها تقلد أحــدًا، ولكن الدكتورة الجبرين ترى أن الفنانة كانت لها ملسات إضافية على تلك األعمال نفذتها بصفتها بــاحــثــة وفـــنـــانـــة، ولــكــنــهــا امــتــثــلــت لطلب الراحلة بعدم نشرها في رسالة الدكتوراه. «كـانـت لديها أعـمـال مستوحاة مـن صور اســـتـــشـــراقـــيـــة، كــــانــــت مـــتـــوتـــرة بـسـبـبـهـا، وكـانـت تتدخل فيها، وتصحح تفاصيل الــــلــــبــــاس؛ ألن أغــــلــــب الـــــصـــــور ال تـــصـــور الـلـبـاس الـصـحـيـح، وكــانــت مـــتـــرددة، لئل يقول الناس إنَّها قلدت أو نسخت صورًا اســتــشــراقــيــة. مـنـهـا مـجـمـوعـة مـسـتـوحـاة من مجموعة أعمال معروضة في ميوزيه دورســـــاي بــبــاريــس أغـلـبـهـا لـلـفـنـانـة بيث موريسو والفنان أوغست رينوار». أســـــــأل الـــجـــبـــريـــن عــــن ســـبـــب تـشـبـيـه الـــراحـــلـــة بــالـــفـــنــان الـــعـــاملـــي بـــــول ســـيـــزان، فتقول: «أرى أن بـول سيزان كـان مكروهًا مــــــن أصــــــدقــــــائــــــه، وال أحـــــــب أن نـــربـــطـــهـــا بـــشـــخـــصـــه، وقــــــد ســـألـــتـــهـــا ذات مــــــرة عـن موقفها من التشبيه، فقالت لي (نحن كنا في زمن ننتظر فيه رأي النقاد فينا، وكنا نعد ذلك إطراء وثناء وقد شبهوني ببول سيزان وأيضًا ببول غوغان)». تصفها الجبرين بأنها األم الروحية للفن السعودي وتستطرد قائلة: «أرى أن أجنحة الفن السعودي تتمثل في الفناني محمد السليم وعبد الحليم رضوي، ومن السيدات صفية بن زقر ومنيرة موصلي، وال أعتقد أننا نحتاج ألن نشبهها بأحد أجـنـبـي لنعطيها قـيـمـة، هــي وصـلـت إلـى أنها حصلت على وسـام امللك عبد العزيز للفنون من الدرجة األولـى، هي األولى من بي النساء والرجال». هـــل تـعـتـقـديـن أن لــوحــة الـــزبـــون هي أهم أعمالها؟ تقول الجبرين إن هناك سرًا وراء لوحة الزبون «رسمتها الراحلة أربع مـــــرات، كــانــت تـحـس بـــأن الـــوجـــه يـجـب أن يليق بـامـرأة رفيعة املـقـام وامللبس، قالت أتـخـيـلـهـا امـــــرأة تـعـطـي أوامـــــر فـــي بيتها، ولــكــن فـــي الـــوقـــت نـفـسـه مــتــواضــعــة». هل كـــانـــت الـــلـــوحـــة ذاتــــيــــة، وتــــصــــور الــفــنــانــة نفسها؟ تقول محدثتي: «سألتها عن ذلك، وكـانـت تـقـول لـي إن (كثيرين يـقـولـون إن املــرأة تشبه أختي، ولـم أكـن أريــد التسبب فـــي مــشــكــات لـــهـــا)، ولــكــنــنــي أشـــــرت إلــى أن الـلـوحـة أيـضـ تحمل شبهًا مـن صفية نـفـسـهـا، وكــانــت تـضـحـك، وتــقــول رسمت لــوحــة الـــزبـــون بــنــاء عـلـى صــــورة ألخـتـي، وهــــي تـــرتـــدي الــــزي الـــحـــجـــازي، وحــاولــت أغير الوجه، ولكن في النهاية طلع وجهي أنا». استوديو صفية بن زقر داخل دارتها (دارة صفية بن زقر) السقا مهنة تراثية من ماضي مدينة جدة (دارة صفية بن زقر) الفنانة سجلت تفاصيل المالبس التراثية في أعمالها (دارة صفية بن زقر) جدة: عبير مشخص من أهم إنجازاتها ما سجلته بالريشة والقلم من توثيق لمظاهر الحياة اليومية في منطقة الحجاز بشكل لم يسبقها فيه أحد لوحة الزفاف (دارة صفية بن زقر) لوحة لمشهد من الحياة اليومية (دارة صفية بن زقر) الزبون...اسم اللوحة التي اطلق عليها «موناليزا الحجاز» (دارة صفية بن زقر)

RkJQdWJsaXNoZXIy MjA1OTI0OQ==