issue16724

الحديث عـن العقدة أمــام الـغـرب قديم جـداً. والمقارنات غير العادلة موضوع مكرر؛ فالغرب لديه إعــام حـر، وحرية تعبير، والمنافسة تكون عـلـى أســـاس الـكـفـاءة وتــســاوي الــفــرص، إلـــخ من العناوين البراقة التي يعي الكثيرون أنها ليست دقيقة. بالنسبة لــإعــام، فــإن الكثيرين يتذمرون من الإعلم العربي الذي يرون فيه عدم الحيادية وأنــــه يـمـيـل مـــع الـــدولـــة الــتــي تــمــوّلــه. وينسحب هـذا على القنوات الإخـبـاريـة الناطقة بالعربية. ومن دون ذكر أسماء تلك القنوات المعروفة لدى الـجـمـيـع، فـــإن تـلـك الــقــنــوات تــوصــف بـأنـهـا غير مــوثــوقــة فـقـط لأنــهــا تـتـبـنـى نـهـجـا يـتـمـاشـى مع الدول التي تبث منها، والتي غالبا ما تكون هي الدول التي تمولها. هــنــا يـــطـــرح الــــســــؤال: مـــا الــعــيــب فـــي تبني المؤسسة الإعلمية أجندة الجهة الممولة لها؟ سيقول قائل: أين هو الإعلم الحر الذي ينقل الحقيقة بحيادية ويعطي للمشاهد الفرصة في أن يختار تحديد موقفه بناء على الطرح المهني؟ هـــــذه المـــحـــاجـــجـــة تــســقــط بـــمـــجـــرد تـفـضـيـل قـــائـــلـــهـــا لـــقـــنـــاة بــعــيــنــهــا عـــلـــى أخــــــــرى، لأن ذلـــك يستبطن أن ميوله السياسية وافقت تلك القناة دون غـيـرهـا. لكن الأهـــم فـي ذلــك الــســؤال المفخخ بالمغالطات أنـه يتلعب بالمفردات بشكل يوحي للمتلقي بصدقية الإشكال ووجاهة النقد. وظيفة الإعـام أن يتعامل مع الواقع وليس مع الحقيقة. فالحقيقة تقوم على القيمة المثالية للتوجه الفكري، والذي يعطي الحق لجهة ما أن تمارس ما ليسمن حق البقية ممارسته. فحقيقة كون الدولة هي من يمتلك حصريا السلح وحق اسـتـخـدامـه مستمدة مـن القيمة المثالية للدولة بوصفها حامية العقد الاجـتـمـاعـي. وقِـــس على ذلك بقية الموضوعات المتعلقة بالمظهر الخارجي المـــســـمـــوح فـــي الـــفـــضـــاء الــــعــــام، المــثــلــيــة، الــحــريــة الــديــنــيــة وغـــيـــر ذلـــــك، والـــتـــي تـسـتـمـد حقيقتها مــن الـقـيـمـة الآيـديـولـوجـيـة الـفـكـريـة أو الشرعية الدينية. أما الواقع، فهو ما يحدث بالفعل بغض النظر عن كونه صوابا أو خطأ. يُضاف لذلك أن المهنية لا تعني الحيادية، فالمهنية نقل الواقع بشكل أقرب لما حصل بالفعل، واسـتـضـافـة معلقي سـيـاسـيـن مختلفي الآراء وإعــطــاؤهــم فــرصــا متكافئة دون تــدخــل ممثلي المؤسسة في توجيه مسار الحدث لصالح جهة مــعــيــنــة. هـــــذا الأمــــــر صـــعـــب جـــــداً لـــعـــدة أســـبـــاب؛ أبـرزهـا مواقف الضيوف من التعامل مع قنوات بعينها، وإصــــرار بعضهم على اسـتـفـزاز القناة بالتهجم - غير الضروري - على رمـوز سياسية لها احترامها في البلد التي تبث منها القناة. هـــــذه الـــنـــظـــرة الــســلــبــيــة لإعـــامـــنـــا سـبـبـهـا احــتــكــار الـــــدول - ومـمـثـلـيـهـا مـــن رجـــــال الأعـــمـــال المتنفذين - لملكية القنوات الإعلمية. لكن السؤال الأهم: هل الغرب مختلف عنّا في ذلك؟ BBC, NPR,« لـــن نـتـحـدث عـــن قـــنـــوات مـثـل » التابعة لدولها RFI ,24 Monte Carlo, France بــالــفــعــل كـــونـــهـــا قــــنــــوات حـــكـــومـــيـــة، فـــمـــن نــافــلــة القول ألا تخالف التوجهات الرسمية لحكومات بريطانيا وفرنسا وأميركا. ولنأتِ إلى القنوات »FOX NEWS« الأمـيـركـيـة الأكــثــر شــهــرة؛ وهـــي » الـــلـــتـــان تــــعــــدّان الأكـــثـــر مـــشـــاهـــدة عند CNN« و الــجــمــهــور الأمـــيـــركـــي. فــــالأولــــى تــنــشــط لـصـالـح الـــحـــزب الـــجـــمـــهـــوري، والأخــــــرى لــصــالــح الــحــزب الديمقراطي، بشكل لا يعدو كونه دعاية انتخابية مكتملة الأركــان، وليس تغطية إعلمية للعملية الانتخابية التي تحدد هوية الرئيس الأقوى في العالم، والبرلمانيي الذين يراقبون عمله. من يشاهد تلك القناتي يرى الدعاية الفجة لصالح مرشح الحزب ومهاجمة مرشح الحزب الآخـــر بشكل يجعله يـعـرف سلفا مـا سيقال في بـــرامـــج الـتـحـلـيـل الــســيــاســي. فــوظــيــفــة كـــل قـنـاة تتلخص في المحافظة على جمهور الـحـزب، من خـــال حـشـو أدمـغـتـهـم بـــالـــردود «المـفـحـمـة» على جــمــهــور الـــحـــزب الآخـــــر. ولــعــل أبــــرز المـــــواد الـتـي تحتفي بها كـل قـنـاة هـي استضافة «التائبي» مــن نـاشـطـي الــحــزب الآخــــر. فـعـنـدمـا تستضيف «فوكس نيوز» نائبا ديمقراطيا يهاجم بايدن أو هـاريـس، وعندما تستضيف «سـي إن إن» نائبا جمهوريا يهاجم تـرمـب، فــإن كـل قـنـاة تستخدم ذلــــك الـــنـــمـــوذج دلـــيـــاً عــلــى فـــســـاد الـــحـــزب الآخـــر وحقانية الحزب الذي تمتدحه. أخيراً، هل نجد في نشاط القنوات الغربية اختلفا عن قنواتنا؟ إن قنواتنا العربية على اختلف توجهاتها لا تنكر مصدر تمويلها، وتستضيف من يخدم أجـــنـــدتـــهـــا بــشــكــل أكـــثـــر مـــمـــن يــخــتــلــفــون مـعـهـا. فلماذا نجلد ذواتنا عندما نقارن أنفسنا بالغرب وإعلمه المؤدلج وغير المهني؟ إن مسألة الإعـام الحر الخالي من الأجندة السياسية وهــمٌ كبير، ودعـــوى لـن تتحقق حتى مــــع الـــجـــمـــعـــيـــات الـــخـــيـــريـــة الـــتـــي لـــهـــا أجــنــدتــهــا السياسية والاجتماعية، فكيف بصناعة الإعلم التي تستهلك كثيراً من الأموال؟ عــامــا مـرت 46 ؛ جـــرت مــيــاه كـثـيـرة تـحـت الــجــســر على توقيع اتـفـاق كـامـب ديفيد الإطــــاري، فـي السابع ، الـــذي وقّـعـه الرئيس 1978 مـن سبتمبر (أيــلــول) عــام المصري الراحل محمد أنور السادات، ورئيس الـوزراء الإسرائيلي مناحم بيغي، برعاية مباشرة وتوقيع من الـرئـيـس الأمـيـركـي الأسـبـق جيمي كــارتــر، فـي منتجع كامب ديفيد الأميركي، أشهر المنتجعات التي شهدت أحداثا سياسية كبرى في العصر الحديث. ، أتـسـاءل: مـا الـذي 2024 الآن، وفـي سبتمبر عـام تغير فـي المنطقة العربية والـعـالـم؟ وهـل شكّل توقيع الاتفاق مفارقة تاريخية بي زماني؟ نعود إلى الـذاكـرة؛ كانت مصر والمنطقة العربية قبل «كـامـب ديفيد» ومــبــادرة الرئيس الــســادات، تقف على حافة الحرب المستمرة بي العرب وإسرائيل التي ،1948 كانت قد نشأت قبل ذلك بثلثي عاما، في عام عـلـى جـــزء مــن أراضــــي فلسطي الـتـاريـخـيـة، وخـاضـت حـروب كبرى، كـان آخرها حـرب السادس 4 مع العرب التي انتصر فيها 1973 من أكتوبر (تشرين الأول) عام العرب انتصاراً واضحا، وتغيرت معها مفاهيم القوى الإسرائيلية التي أدركت أنه لا يمكن استمرار وضعها في الشرق الأوســط بسياسة القوة، بعد هزيمتها في الحرب. جـــاءت اتـفـاقـيـة كـامـب ديـفـيـد عـقـب هـــذه الأجـــواء المتغيرة فـي العالم. كـان يمكن أن تكون فرصة تُنهي أزمـــــــات الــــشــــرق الأوســـــــط لــــأبــــد؛ لـــكـــن أطــــرافــــا عـربـيـة وإقليمية وضعت العصا في الــدولاب. وجـاءت فرصة ، عندما شكّل العرب جبهة واحدة حول 2002 أخرى عام مبادرة السلم العربية التي قدمها آنذاك الملك عبد الله بن عبد العزيز إلى قمة بيروت العربية؛ لكن إسرائيل فـــي تـلـك الـلـحـظـة تـمـاهـت مـــع أطـــــراف إقـلـيـمـيـة ليست عربية، في عدم الموافقة على الفرصة العربية النادرة. ولا تزال هذه الفرصة قائمة، رغم حصار الفكرة إقليميا من خلل أذرع داخلية تنتمي لأطراف خارجية. ثمة ســـؤال آخـــر: مـــاذا سـتـروي الستة والأربـعـون عاما الماضية؟ المبادرة كانت عربية، والذين بادروا بها ووقّعوا اتــفــاقــاتــهــا واجــــهــــوا غــضــبــا شـــديـــداً مـــن الــــــرأي الــعــام العربي، وبعض الـدول التي لم تكن ترغب في «مسألة الــســام»، ومــع ذلــك لـم تستغل إسـرائـيـل الفرصة التي اتسعت بمرور الوقت، وشملت توقيع اتفاق السلم مع ،1991 ، وعقد مؤتمر مدريد للسلم عام 1979 مصر عام والذي ضم الدول الكبرى والعرب وإسرائيل، واتفاقية أوسـلـو بـن منظمة التحرير الفلسطينية وإسـرائـيـل ، واتفاقية وادي عربة بي الأردن وإسرائيل 1993 عام ، وصـولاً إلى المبادرة العربية المجهَضة عام 1994 عام في بيروت، ولا تزال إسرائيل تتهرب من مواجهة 2002 الحقيقة، فل يمكن أن تكون المنطقة مستقرة من دون دولـــــة فـلـسـطـيـنـيـة، ومــــن دون الانـــســـحـــاب مـــن هضبة الجولان السورية المحتلة، وترسيم الحدود مع لبنان. الستة والأربعون عاما تروي أيضا محطات فارقة من زمن الإقليم، لم يكن حبر «كامب ديفيد» قد جف تجتاح جنوب 1978 بعد، بينما إسرائيل كانت عـام لبنان بـذرائـع شتى، لكسر سـيـادة الـدولـة اللبنانية. وبعد خروجها بأربعة أعوام، أعادت الكَرّة واجتاحت ، وشكل هذا خرقا للسيادة 1982 العاصمة بيروت عام اللبنانية، وبــات احـتـالاً قاسيا لـم يخرج سـوى عام . أي أن الاحـــتـــال رافــــق مـعـظـم ســنــوات الـحـرب 2000 الأهلية اللبنانية. وفي قلب ذلك الوقت، كان الخروج إلى المنافي 1982 الفلسطيني الشهير من لبنان عام الأخـــــرى، والــشــتــات والــلــجــوء بـعـيـداً عــن الـــحـــدود مع إسـرائـيـل، ورغـــم ذلــك واصـلـت مـطـاردة الفلسطينيي فـــي أمـــاكـــن الــلــجــوء الــبــعــيــدة، فـقـصـفـت حـــمـــام الـشـط ، مستهدفة اغتيال الزعماء والقادة 1985 بتونس عام الفلسطينيي، وحتى بعد توقيع اتفاق أوسلو، فعلت ذلك وصـولاً إلى محاصرة الزعيم ياسر عرفات الذي وقّـــع معها الاتـــفـــاق، وقـــد رحـــل فــي بــاريــس فــي حالة غامضة غير معروفة بدقة إلى الآن. فما ترتكبه إسرائيل من مجازر وإبـــادات يبدو نهجا سياسيا أصيلً، من دون اتخاذ فرصة المبادرة العربية والاتفاقيات الأخرى فرصةً حقيقية لاستقرار الأوضـــــاع فــي الــشــرق الأوســـــط، واســتــقــرار إسـرائـيـل نفسها. وقـد قـال الرئيس الأميركي جو بايدن أثناء اشتعال الأحـــداث فـي غــزة: «إن وجــود إسرائيل على المحك»، وأظن أن هذا القول لا يزال صالحا، فحتى لو سكتت المـدافـع، فـإن صـورة إسرائيل إقليميا ودوليا تلطخت بارتكاب جرائم حرب، وهذا ثابت في محكمة العدل الدولية، والمحكمة الجنائية الدولية التي قال مدعيها العام كريم خان، إنه يتعرض لضغوط دولية لمنع إصداره مذكرة اعتقال نتنياهو ووزير دفاعه. لا شــك أن الـسـيـاق الــعــام الإسـرائـيـلـي قــد تهشم فـــي عــمــق الاســتــراتــيــجــيــات الـــدولـــيـــة، وبـــاتـــت قــــراءة مـسـتـقـبـلـهـا لا يــمــكــن أن تــتــم بــمــعــزل عـــن تـجـاربـهـا خلل الستة والأربعي عاما الماضية. فالسؤال الذي يــطــرح نـفـسـه بـالـطـبـع: تُــــرى وســـط كـــل مـــا حـــدث من أيـــادٍ مــمــدودة بـالـسـام، وتـوقـيـع اتـفـاقـيـات، وتقديم مـــبـــادرات وتـفـاهـمـات، هــل كـانـت إسـرائـيـل تـؤمـن من الأســــاس بـالـسـام الـــعـــادل والاســتــراتــيــجــي، وإعـطـاء الـفـلـسـطـيـنـيـن دولــتــهــم المـسـتـحـقـة؟ أم كــانــت لديها تــــصــــورات خــطــيــرة لا تــنــاســب المــنــطــقــة، ولا الــســام الدولي؟ أظـــــن أن إســـرائـــيـــل لـــديـــهـــا فـــخـــاخ وخــــــدع وتـقـيـة تتحصن وراءهــــا، وأنـهـا تؤمن بالحرب والإغــــراق في الـدمـار أكثر مـن الـسـام الـعـادل والاستراتيجي؛ لأنها تعتقد أنــهــا يـمـكـن أن تــكــون قــائــدة المـنـطـقـة بالحديد والنار، وهذا وهم لا يمكن تحقيقه؛ بل إنه مسار يقود إلى خلخلة واهتزاز الوجود الإسرائيلي نفسه. Issue 16724 - العدد Wednesday - 2024/9/11 الأربعاء OPINION الرأي 16 يرتبط بكل نوع من الكوارث شكل محدد من التعامل الإنساني معه في مستويات مختلفة إسرائيل تؤمن بالحرب والإغراق في الدمار أكثر من السلام العادل والاستراتيجي فايز سارة عبداللهفيصل آلربح جمال الكشكي لماذا نجلد ذواتنا عندما نقارن أنفسنا بالغرب وإعلامه المؤدلج وغير المهني؟ الإعلام الحر بينسبتمبرين نداء يسبق كارثة! نوعان من الكوارث يضربان العالم من حولنا. النوع الأول كــوارث مفاجئة تأتي دون مقدمات ولا تحذيرات، تحدث فـجـأة، وتـوقـع خسائر غير محسوبة ولا مقدرة، تشمل البشر وممتلكاتهم. والنوع الثاني كـوارث مقدرة ومـتـوقـعـة نـاتـجـة عــن تـــطـــورات وأحـــــداث تـتـواصـل تحت حواس السمع والبصر، ووسط مجريات الأمور، ومعرفة الأخطار المتوقعة والنتائج المحتملة. ويـــرتـــبـــط بــكــل نــــوع مـــن الــــكــــوارث شــكــل مـــحـــدد من التعامل الإنساني معه في مستويات مختلفة. ففي حالات الـكـوارث الطبيعية والمفاجئة مثل الـــزلازل والفيضانات والبراكي والأوبـئـة، تتحرك الــدول بأجهزتها وقدراتها المختلفة، وتنشط المنظمات والجمعيات لتشارك الـدول القيام بدورها في مساعدة الضحايا في عمليات الإنقاذ وتــقــديــم المـــســـاعـــدات مـــن أجــــل الـــعـــودة بــهــم إلــــى الـحـيـاة الطبيعية أو وضعهم في هذا السياق في أقل التقديرات. أمـــا فــي كــــوارث الــنــوع الـثـانـي الـنـاجـم عــن تـطـورات وأحداث كبرى، فإن الجهود تبدأ مع مقدمات الكارثة، ثم تتواصل بالتتابع، بعد تزايد مؤشرات الكارثة كما في الـحـروب، التي تسبب مجاعات ومـوجـات هجرة ونـزوح وفــقــر وجــــوع وكــــــوارث صـحـيـة، وكــمــا فـــي الاسـتـجـابـات المتصلة بـالـنـوع الأول، فــإن دولاً ومنظمات وجمعيات تبدأ في تقديم العون للضحايا ومساعدتهم على تجاوز مـا خلفته الــحــروب وتداعياتها ونتائجها، والحيلولة دون الذهاب إلى الأسوأ، والعمل على استعادة الضحايا حياتهم الطبيعية. 13 وشـــهـــدت الـــحـــرب فـــي ســـوريـــا والمـــســـتـــمـــرة مــنــذ عـــامـــا الــنــوعــن مـــن الــــكــــوارث. حــيــث تـــركـــت زلازل تـركـيـا آثاراً مدمرة على 2023 المتكررة مرات وخاصة زلزال عام السوريي وممتلكاتهم في تركيا، وفـي مناطق متعددة في شمال وغرب سوريا، وترك النوع الثاني من تداعيات الـــحـــرب آثــــــاره عــلــى الأقـــــل فـــي كـــارثـــتـــن؛ الأولــــــى مـجـاعـة عــامــة تـشـمـل مختلف المـنـاطـق الــســوريــة، والـثـانـيـة مثل شقيقتها مستمرة ومتصاعدة، يكرسها تدهور الأوضاع الصحية وخـاصـة فـي مناطق شمال غربي الـبـاد، التي يقوم بمواجهتها جهاز خدمات طبية وحيد ومتواضع، يعتمد في وجوده وعمله على تمويل كامل من المساعدات الإنــســانــيــة بــخــاف المــنــاطــق الــســوريــة الأخـــــرى، وســـوف تـتـوقـف هـــذه المـــســـاعـــدات حـسـب الإعـــانـــات الأمــمــيــة في ،2024 ) الشهر المقبل، أي اعتباراً من أكتوبر (تشرين الأول مما يخلق واقعا خطيراً. ومما يزيد خـطـورة الأوضـــاع الصحية فـي المنطقة مـعـطـيـات مـحـلـيـة؛ أولـــهـــا أن جــهــاز الــخــدمــات الطبية 3 مليي سـوري محصورين في 5 يقدم خدماته لأكثر من منطقة جغرافية صغيرة فيها أكبر كثافة سكانية مقارنة بحال المناطق السورية الأخرى، والثانية أن المنطقة تقع تحت السيطرة التركية، وتتقاسم فيها الإدارة الحكومة الـــســـوريـــة المــؤقــتــة الــتــابــعــة لــائــتــاف وحــكــومــة الإنـــقـــاذ التابعة لهيئة تحرير الشام المتطرفة، وفضلً عن خراب إدارتها والصراعات البينية بي أطرافها، فهي مستهدفة من محيطها حيث قوات سوريا الديمقراطية في الشرق، وقوات النظام وحلفاؤه الروس والإيرانيون من الجنوب والشرق، وهي معرضة يوميا للقصف الجوي والمدفعي. والـثـالـثـة أنـهـا منطقة مغلقة عـلـى محيطها اقـتـصـاديـا وذات إمكانيات اقتصادية وموارد محدودة، وأغلب هذه المـــوارد تحت سيطرة قـوى الأمــر الـواقـع، وتشكل المــوارد موضوع صراعات سياسية ومسلحة بينهم. وســـط الــوقــائــع الـصـعـبـة والــكــثــيــرة، ســـوف يتوقف مشفى في 100 جهاز الخدمات الصحية الذي يضم نحو المنطقة عن العمل بصورة كلية، وبينها مشفى معبر باب الهوى على الحدود مع تركيا، وهو الأكبر والأهم؛ إذ يقدم عشرات الخدمات المجانية إلـى قرابة مليوني نسمة من السكان، تشمل العمليات الجراحية، بما فيها جراحات الأطفال، ويوفر عمليات غسيل الكلى، ويعطي الجرعات الكيماوية لمرضى السرطان، وهو إضافة لما سبق مركز تعليمي، يقيم فيه عشرات من طلب الدراسات العليا. وكـــمـــا تـــبـــنّ المـــعـــطـــيـــات، فـــــإن إغــــــاق مــشــفــى مـعـبـر بـــاب الــهــوى والمــشــافــي الأخــــرى نتيجة وقـــف المـسـاعـدات الإنـسـانـيـة، ســوف يفاقم الأوضـــاع الصحية فـي المنطقة، ويزيد تدهور أوضاعها العامة، مما يتطلب تحركا متعدد الأقـــطـــاب والمــســتــويــات لمـنـع حــــدوث هـــذا الأمـــــر. ويتطلب الـتـحـرك التركيز على مطالبة الـجـهـات الـدولـيـة الإداريـــة والمانحة باستمرارها في تقديم المساعدات في إطـار حل إسعافي يمنع تفاقم الكارثة، ويمهد لحل أفضل ودائـم، يقوم على أساس أفضل عبر إقامة شراكة واسعة، تشمل رجـــال المـــال والأعــمــال الـسـوريـن ومؤسساتهم والأطـــراف المانحة من دول ومنظمات، تتشارك في توفير وإدارة دعم مستقل وثــابــت لـلـوضـع الـصـحـي فــي ســوريــا عـامـة وفـي الشمال على نحو خاص، ويشكّل النجاح في هذا الجهد، إذا تــم، قـاعـدة تـوافـق عملي تـعـددي، تشكل عـامـة فارقة في التعامل مع القضية السورية، ولو في جانب هو جزء من قضية كبيرة ومعقدة تتطلب حل بعض مشكلتها، مما يمهد ويعزز الجهود نحو حل كامل وشامل لقضية صعبة، بات العالم محبطا إلى حد اليأس من القدرة على حلها.