issue16723

Issue 16723 - العدد Tuesday - 2024/9/10 الثلاثاء OPINION الرأي 14 الشرق الأوسط وفخ الميليشيات حديث المناظرة... أمة أميركية مستقطبة عن غياب المساءلة في لبنان والنتائج الوخيمة المــقــاربــة الأمـيـركـيـة والأوروبــــيــــة لمنطقة الـشـرق الأوســـط قديمة وبـالـيـة ومرتبكة، هــذا صحيح، لكن الأدق أيضاً أنها خطرة الآن بما تمنحه من قُبل الحياة لـلـمـيـلـيـشـيـات والــتــنــظــيــمــات المــتــطــرفــة والــجــمــاعــات المسلحة من انتصارات وهمية عبر سياسات الإهمال مـن جـهـة، والإصــــرار على المعالجة المتعجّلة الـتـي لا تستند إلـى فهم تـحـولات المنطقة بعد حـرب الـعـراق، والانـسـحـاب مـن أفـغـانـسـتـان، ثـم الـسـابـع مـن أكتوبر ، ومـــا بــن هـــذه المفصليات من 2023 ) (تـشـريـن الأول تهشم الكثير مـن العلاقات والتحليلات والشعارات في الشرق الأوسط الذي يتجه إلى دوامة من الفوضى سندفع ثمنها طويلاً على مستوى المعالجة والترميم لانكسارات بنى الدول التقليدية والمجتمعات التي تم اختطافها من المشاريع التقويضية والميليشيات. هـذا ليس تشاؤماً، أو مجرد حديث منفعل من قلب المنطقة، بـل بــات الـيـوم قناعة تتشكل لــدى عدد من الباحثي والمحللي في أكبر المراكز، وعبر تقارير صحافية، كان آخرها على سبيل المثال ما كتبه هال براندز في «بلومبرغ»، وهو أستاذ في كلية الدراسات الدولية المتقدمة بجامعة جونز هوبكنز، تحت عنوان: «أميركا تخسر معركة البحر الأحمر»، مؤكداً استمرار بقاء حرب غزة، وهو ما لم يتوقعه أي شخص تقريباً، والأكـثـر مفاجأة أن ميليشيا الحوثي المتطرفة التي لـم يكد يسمع بها الأميركيون تشكل بسبب مقاربة الولايات المتحدة وبريطانيا أكبر تحدّ لحرية الملاحة مـنـذ عــقــود، ولــيــس الأمــــر متعلقاً بـمـا يـظـهـرونـه من تعاطف تجاه فلسطي بقدر ما أنه ترسيخ لما يوصف بـ«محور الممانعة»، وتقوية لأذرع ووكــ ء إيــران في المنطقة، هــذا عــدا عـن النتائج الكارثية للمنطقة من انخفاض حرية المـرور لقناة السويس بما يزيد على الــنــصــف، وحـــرمـــان مـصـر مـــن الـــعـــوائـــد، وصـــــولاً إلـى في ١5 خـطـر بيئي مـحـدق بـأهـم مـمـر تــجــاري يـحـوز المائة من التجارة العالمية، وذلك إثر استهداف ناقلات الـنـفـط، ومــخــاوف مـن تـسـرب نفطي ستكون عواقبه وخيمة على اليمن أولاً، والمنطقة من دون أي اكتراث مــن الميليشيا غـيـر المــســؤولــة ســـوى المــزيــد مــن حالة العسكرة للمنطقة. وعوداً لبراندز، فإن الملاحظة الذكية التي أبداها فــي الـسـيـاق ذاتـــه هــي أن «الـــتـــآزر المـيـلـيـشـيـاوي» بي وكــــ ء إيـــــران هـــو أكــبــر مــكــافــأة جـيـوسـيـاسـيـة لبكي ومــــوســــكــــو، وهـــــــذا صـــحـــيـــح، لأن الــــصــــن وروســــيــــا لا تــتــحــمــ ن أعــــبــــاء الــــشــــرق الأوســــــــط، وفـــــي الـــوقـــت ذاتــــه تـسـتـفـيـد كـلـتـاهـمـا بـنـسـب مــتــفــاوتــة مـــن أعــبــاء الأزمــــة، وإضــعــاف بــل وإفــشــال المـسـؤولـيـة الأميركية والأوروبـــــيـــــة، والـــتـــي تـــــزداد هــشــاشــة فـــي فـشـلـهـا في شيء بسيط، وهو إيقاف حرب غـزة، والاستماع إلى دول الاعـتـدال، وفـي مقدمتهم السعودية، كما تفشل فـي إدارة الـتـركـة الثقيلة لمناطق الـتـوتـر الـتـي أدارت لها ظهرها فـي الـعـراق وأفغانستان ولبنان واليمن والـقـرن الأفـريـقـي، وهــي بــؤر قابلة للاشتعال فـي أي وقت، وللمزاحمة في الاستثمار فيها، مع بقاء الأمر الواقع كما هو عليه. الشعارات والمقاربات المتعجلة لم تؤسس دولاً، فضلاً عن قدرتها على إنقاذ أوضـاع معقدة وقاتمة، وهـذا درس تاريخي ليس مجانياً دفعت وتدفع فيه مـنـطـقـة الـــشـــرق الأوســـــط أثــمــانــ بـاهـظـة ومـكـلـفـة، إذ تــؤكــد الــصــيــرورة الـتـاريـخـيـة مـنـذ لـحـظـة الاسـتـقـ ل مدى التعقيد الكبير لواقعنا السياسي، كلما ابتعدنا عــــن صـــخـــب الأحــــــــداث المـــتـــوالـــيـــة، وحــــالــــة الــتــجــريــب الآيـــديـــولـــوجـــي والمــيــلــيــشــيــاوي والـــعـــقـــائـــدي، والــــذي أفـــرز على مستوى الــواقــع ولـيـس الـنـظـريـات مـا بعد الاستشراقية المكتوبة على الوسائد الوثيرة فراغات ونــتــوءات بنيوية لتجربة الــدولــة فـي عــدد كبير من البلدان العربية، وانتقلت في معظمها من حالة الدولة إلــى مـا قبل الـدولـة فـي ظـل غياب السلطة، وضعفها وتــهــشــمــهــا، وتـــــــردي الـــحـــالـــة الاقـــتـــصـــاديـــة وشـــيـــوع الفوضى، والميليشيات، والإرهاب، والفراغ السياسي الكبير، وترهل الأحزاب السياسية التقليدية وتراجع اقـــتـــصـــادات الـتـنـمـيـة والـــخـــطـــاب الــثــقــافــي ومـسـتـوى التعليم مع بقاء الملفات العالقة ذاتها التي أضيفت لها مخرجات الأحداث الجديدة. المنطقة بحاجة إلى ثقب أمل في جدار الانسداد السياسي والاقتصادي، وهو ممكن لكنه يحتاج إلى قـرار شجاع من الـولايـات المتحدة وأوروبـــا في إعـداد مــقــاربــة جـــديـــدة وقــــــراءة مـخـتـلـفـة لــتــحــولات المنطقة تبدأ أولاً بإنهاء حرب غـزة، وثانياً وعاشراً بالسعي لاستعادة منطق الدولة، وفضيلة الاستقرار. إنــــهــــا المــــنــــاظــــرة الأولــــــــى بــــن تــــرمــــب وهــــاريــــس، والأخـيـرة قبل الخامس من نوفمبر (تشرين الثاني) موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية. فـجـر الـــيـــوم الــثــ ثــاء بـتـوقـيـت الـــشـــرق الأوســــط، يـوجـه الـعـالـم أنـظـاره إلــى المـرشـح الجمهوري ترمب، الـــذي لا يـــزال يتمتع بـقـدرة تنافسية مــؤكــدة، ومهما حــاولــت اسـتـطـ عـات الــــرأي المــؤدلــجــة ديـمـقـراطـيـ أن تقول غير ذلك. أمـــــا هــــاريــــس فـــســـتـــحـــاول حــكــمــ بــــلــــورة صــــورة نهائية لها، لا سيما في ظل مواقفها الملتبسة، وآرائها المتقلبة، ما يعني إعــادة تشكيل تضاريس سياسية لبرنامجها الرئاسي. قــبــل المـــنـــاظـــرة، كـثـفـت حـمـلـة تــرمــب الانـتـخـابـيـة لقاءاتها الإعلامية، ومـن عقد التجمعات الانتخابية لــضــمــان اســـتـــمـــرار الـــدعـــم والــــزخــــم الــــ زمــــن لإكــمــال المسيرة، والـفـوز بأكبر قـدر مـن الأصـــوات الشعبوية، ومن حظوظ مندوبي الهيئة الانتخابية. لـم يعد ســراً الـقـول إن اليسار الديمقراطي روّج كثيراً، ومنذ انسحاب بايدن، لأنّ حظوظ هاريس هي الأرجح، وأنّ استطلاعات الرأي تقطع بتفوقها، غير أنّ تصريحاً بعينه يثبت عدم دقة هذا الطرح. تخبر جي أومالي ديلون، مديرة حملة هاريس الانتخابية، بأنّه رغم ما تظهره استطلاعات الرأي، فلا تزال هاريس هي الطرف الأضعف في السباق، وبقاء ترمب خصماً قوياً، لا سيما أن الناخبي يعرفونه أكثر من كامالا هاريس ونائبها المختار والز. تـــقـــر ديـــــلـــــون بــــــأن أمــــيــــركــــا بــــاتــــت عـــلـــى عــتــبــات الانــتــخــابــات الــرئــاســيــة «أمــــة مـسـتـقـطـبـة، تـمـر بـوقـت عصيب، وعلى الرغم من كل ما يحدث في هذا البلد، لا يزال ترمب يحظى بدعم أكبر مما كان عليه في أي وقت مضى». تبدو المناظرة وكأنّها فرصة أخيرة لهاريس، إن أخلفها الحظ فيها ستلاقي مصيرَ هيلاري كلينتون ، حي أطاح الغرور الديمقراطيي، من جراء 2016 عام الثقة المفرطة بالقدرة على هزيمة ترمب، ما يعني أن هاريس قد تصحو في السادس من نوفمبر المقبل على انهيار الجدار الأزرق بشكل كارثي. هـــل يـــعـــوّل الــديــمــقــراطــيــون عــلــى هــــذه المــنــاظــرة لتقديم مرشحتهم بشكل مغاير؟ نقول إنهم ليسوا خائفي بل مرعوبون، لا سيما وأن السباق متقارب، وعليه فإنّ أي خطأ أو زلة لسان لهاريس، قصداً أو عفواً، يمكن أن تترتب عليها تبعات جسام. هل من نقطة انطلاق قوية، سـوف يعزف عليها الرئيس السابق، المرشح الحالي ترمب في مناظرته الأخيرة؟ بـالـقـطـع تــعــدّ الأصــــــوات المـــتـــرددة فـــي الـــولايـــات المتأرجحة، هي المجال الخصب لحسم النتيجة، ذلك أنّ نسبة صغيرة مـن هـــؤلاء، يمكنها أن ترجح الكفة لصالح أحد المرشحي. لــــن يـــخـــاطـــب تــــرمــــب خــــــ ل المــــنــــاظــــرة أنــــصــــاره، فـهـؤلاء قـد حسموا أمـرهـم مــرة وإلـــى النهاية، والأمــر نفسه ينسحب على هاريس، حيث من يناصرها من الديمقراطيي ماضٍ قدماً. قصة المناظرة، هي سباق مصغر نحو مواطني أمـــيـــركـــيـــن، يــصــفــهــم الـــبـــعـــض بــالمــشــتــتــن، وآخــــــرون بـالمـتـردديـن، وفــي كـل الأحــــوال هـم غير متأكدين بعد من اختيارهم بي المرشحي هاريس وترمب، أو أولئك الذين يسعون لانتخاب مرشح ثالث خــارج الحزبي الديمقراطي والجمهوري. فـي اسـتـطـ ع رأي لـهـا، خلصت صحيفة «يــو إس آي تــــوداي» الأمـيـركـيـة إلــى أنّ هـنـاك شريحة تصل إلى فــي المــائــة فــي عـــدد مــن الـــولايـــات الأمـيـركـيـة المـعـروفـة 8 بالمتأرجحة، مثل أريزونا، ونيفادا، وكارولينا الشمالية، ونبراسكا، وميشيغان، لم تحسم خياراتها التصويتية بعد، وهذه الشريحة تقارب الهامش الحالي الذي يفصل هاريس وترمب في استطلاعات الرأي. تبدو هذه الكتلة بصورة ما جواد ترمب الراجح، ذلك أنّ معظمها يميل إلى تحديد هويتهم على أنهم محافظون، أكثر مـن كونهم ليبراليي والـعـهـدة على «نيويورك تايمز». لـــن تــوفــر هـــاريـــس مــغــازلــة هــــذه المــجــمــوعــة غير المتجانسة لأسباب مختلفة، لكن في كل الأحوال تبدو هـنـاك ثـغـرة خطيرة فـي بنية المـتـردديـن، وتتمثل في أنهم متابعون غير منتظمي للأخبار بشكل مكثف، ولا يــــدركــــون مــعــالــم الـــتـــطـــورات الــســيــاســيــة الــدائــمــة والمتغيرة. مــن هـنـا قــد يـحـصـلـون عـلـى بـعـض معلوماتهم مــن خـــ ل وســائــل الـتـواصـل أو الـقـنـوات المـحـلـيـة، في وقـت تنتشر فيه المعلومات الكاذبة والمضللة، سواء مــن أنــصــار الـيـمـن أو الــيــســار، نـاهـيـك عــن الهجمات الـــســـيـــبـــرانـــيـــة الــــخــــارجــــيــــة، الــــتــــي حــــصــــرهــــا مــجــمــع الاسـتـخـبـارات الوطنية فـي إيـــران وروســيــا والـصـن، وهذا يعني سهولة التلاعب بهم، أو تغيير توجهاتهم، بالتالي حسم المعركة. هل من أمر آخر ربما يتوجب على الرئيس ترمب أن يتنبه له؟ نــعــم مــعــامــلــتــه لـــهـــاريـــس كــونــهــا «امــــــــرأة» أولاً، ومرشحة رئاسية تالياً، حتى لا يخسر أصوات نساء أميركا، وهـذا يتطلب منه وعياً وحكمة كي لا ينزلق فـــي نـــوبـــات غــضــب مـــعـــدة مـسـبـقـ مـــن قــبــل هـــاريـــس، وحتى تظهر هي بعيدة عن الصورة العاطفية للنسوة اللواتي لا يمكنهن التحكم في أفكارهن ومشاعرهن. هــــل المـــنـــاظـــرة هــــي الـــحـــد الـــفـــاصـــل فــــي الــســبــاق الـرئـاسـي؟ ليس بعد لا يــزال سبتمبر (أيـلـول) يحمل مفاجآت. لـــعـــل إحـــــــدى أبـــــــرز عــــثــــرات الــــنــــظــــام الــســيــاســي اللبناني، بـالإضـافـة إلــى لوثته الطائفيّة والمذهبيّة الـــتـــي عـــاقـــت وتـــعـــوق أي تـــقـــدّم فــيــه لـنـاحـيـة تـكـريـس المــــــســــــاواة بـــــن المــــواطــــنــــن الـــلـــبـــنـــانـــيـــن، هـــــي غـــيـــاب المــســاءلــة الــدســتــوريّــة والـسـيـاسـيّـة والـقـضـائـيّـة بكل آلياتها وأشكالها. وهـذا الوهن الكبير يجعل اللعبة السياسيّة برمتها تدور في حلقة مفرغة، بحيث تعيد الطبقة الـسـيـاسـيّـة إنــتــاج نفسها بـمـا يعطل إحـــداث التغيير، وإذا حصل خرق ما فيبقى عاجزاً عن تبديل المعادلات القائمة. وأسهم في تعميق هذا المأزق، أي غياب المساءلة، الطابع «التوافقي» للديمقراطيّة اللبنانيّة الـهـشـة، الأمـــر الـــذي جـعـل مــن آلــيــات اتــخــاذ الـــقـــرارات السياسيّة مسألة في غاية الصعوبة والتعقيد تتطلب تفاهماً وطنياً عريضاً حتى في أكثر الأمــور بساطة (وتـمـثـل أمـــام اللبنانيي تـجـربـة تعليق قـــرار تعيي مأموري وحراس الغابات لغياب التوازن الطائفي بي المرشحي للوظيفة!). وعــلــى أهــمــيّــة الــجــانــب «الــتــوافــقــي» في الحياة السياسيّة اللبنانيّة بسبب طبيعة التركيبة الفسيفسائيّة المتنوعة، الــذي يقف حـائـً دون تفرّد فـريـق أو عـــدد مــن الأفـــرقـــاء بالتكافل والـتـضـامـن من الاســـتـــئـــثـــار بــــالــــقــــرارات الـــكـــبـــرى؛ إلا أن المــبــالــغــة في ممارسته بطريقة مشوهة (أي تعطيل إصدار القرارات وليس المشاركة في صناعتها) جعلت الواقع اللبناني يمر بـأزمـات متتالية وهـي بغالبيتها مفتعلة وغير مبررة وقابلة للحل عند توفر الإرادة السياسيّة لدى الجهات النافذة والأطراف الفاعلة في البلاد. ويـــمـــثـــل فــــي الــــدرجــــة الأولـــــــى كـــدلـــيـــل عـــلـــى هـــذه القضيّة الشغور في رئاسة الجمهوريّة اللبنانيّة منذ ، عقب إخفاق المجلس 2022 ) أكتوبر (تشرين الأول 31 النيابي اللبناني في انتخاب خلف للرئيس السابق مــيــشــال عــــون ضــمــن المـــهـــل الـــدســـتـــوريّـــة، ومــــا تـ هـا مــن شـهـور طـويـلـة تــحــوّل الـنـقـاش فيها مــن انتخاب الرئيس إلـى أحقيّة الـحـوار قبل الانتخاب من عدمه. وبي المطالب بالتطبيق الأعمى للدستور والمتغاضي عنه كأنه ليس موجوداً، مرت الأيام والشهور ولا تزال البلاد من دون رئيس للجمهوريّة. ليس هناك أسوأ وأخطر من التلاعب بالمواثيق الأساسيّة التي تقوم عليها الأوطــان. والممارسة هنا يــجــب أن تــكــون مـرتـبـطـة أســـاســـ بــشــيء مـــن الـثـقـافـة السياسيّة والدستوريّة. احترام الدساتير وتطبيقها ثــقــافــة بــذاتــهــا قــبــل أي أمــــر آخـــــر، والــتــغــاضــي عنها ودوسـهـا هـو «الـثـقـافـة» أو السلوك المناهض تماماً. للأسف، مستوى الأداء السياسي اللبناني في العقدين الأخيرين انحدر إلى الحضيض، والخروج منه يكون عبر رفع مستويات الوعي ليتسنى للبنانيي ممارسة الحرية بعقلانية ومسؤولية وموضوعيّة. لــقــد كـــانـــت هــــذه الـــحـــريـــة، وتــبــقــى، مـــيـــزة لـبـنـان الأسـاسـيّـة والجوهريّة فـي ظـل الـسـواد الــذي يكتسح المنطقة برمتها الـتـي لـم تنتعش الديمقراطيّة فيها يــــومــــ بــــل تـــكـــرســـت فـــيـــهـــا ســــطــــوة الـــديـــكـــتـــاتـــوريـــات والعسكريتاريا وسواها من أنظمة الحكم القاتمة. ولـكـن، مـا يـبـدو كـأنـه تغريد خـــارج الـسـرب، هو أن الـحـفـاظ عـلـى هـــذا المــنــاخ مــن الـحـريـة والاســتــقــرار فـي لبنان هـو مصلحة لبنانيّة (بالتأكيد بالدرجة الأولــى) وعربيّة وإقليميّة، ذلك أن التلاعب به سوف يولد عواقب وخيمة وفي غاية الخطورة على المنطقة، كـمـا أن أكــــ ف الــحــفــاظ عـلـيـهـا تـبـقـى أقـــل مـــن أكـــ ف انفجارها. الأكيد أن المسؤوليّة هي مسؤولية لبنانيّة قبل أي شيء آخر، وأن الخروج من المأزق يفترض أن يكون لبنانياً أيضاً قبل أي أمر آخر. لقد آن أوان بلوغ سن الرشد السياسي، وقد طال انتظاره، ذلك أن الخسائر المتأتية عن تأخره لا تـزال تولد الأزمــات تلو الأزمـات وهو ما يعرّض البلاد للاهتزاز. إذا كانت تجربة الحرب الأهليّة المريرة والطويلة )، مــع كــل خـسـائـرهـا الـبـشـريّـة والمــاديّــة 1990 -1975( والاقـــتـــصـــاديّـــة قـــد انـتـهـت إلـــى أن حــافــظ لـبـنـان على وحــدة أراضـيـه، فهذا لا يعني أن أي اقتتال لبناني - لبناني ســوف يفضي هــذه المـــرة إلــى النتيجة ذاتها حــتــى ولــــو اخــتــلــف شــكــل الــــصــــراع وهـــويـــة الأطـــــراف المتصارعة، خصوصاً مع ارتفاع أصوات التقسيميي الذين يريدون تمزيق البلاد والهروب إلى الأمام. يــســتــحــق لـــبـــنـــان أفــــضــــل مـــمـــا هــــو فـــيـــه أو مـمـا سيسقط فيه ما لم تتحرّك الأمور في اتجاهات جديدة يكون عنوانها الأساسي الانفراج والاستقرار والسلم الأهلي. يستحق لبنان أفضل مما هو فيه أو مما سيسقط فيه المنطقة بحاجة إلى بارقة أمل فيجدار الانسداد السياسي والاقتصادي قصة المناظرة هيسباق مصغر نحو مواطنين أميركيين يصفهم البعضبالمشتتين رامي الريّس يوسف الديني إميل أمين

RkJQdWJsaXNoZXIy MTI5OTky