issue16719

8 قضايا ISSUES Issue 16719 - العدد Friday - 2024/9/6 اجلمعة ASHARQ AL-AWSAT ،1943 وحني استقل في 1920 حني نشأ لبنان في لم تكن فكرة العداوة والعدو من شِيمَه، وال كانت على لسانه. فلحسن الحظ لم يكن لدينا «مليون شهيد» نـتـبـاهـى بــهــم، بـــل لـــم يـكـن لـديـنـا أي شـهـيـد أصـــاً. وقد خل تاريخنا االستقللي من معارك، كمعركة مـيـسـلـون فـــي ســـوريّـــا. فـــــ«اآلبــــاء املـــؤسّـــســـون»، إذا صحّت االستعارة األميركيّة، اهتمّوا بالصداقة وبناء الـجـسـور، فوصفوا بلدهم بـأنّــه «جـسـر بـ الشرق والغرب»، ترصّعه املدارس والجامعات واملستشفيات واملصارف والرساميل والفنادق. وكان من مصادر التكريم الذي أُسبغ على فينيقيا، وعلى االستمراريّة الـتـي قيل إنّــهـا تضمّنا إلـيـهـا، أن الفينيقيّني تجّار يعبرون املحيطات ويقصّرون املسافات. وكــان في وســع الفينيقيّني أولـئـك أن يعيشوا فـي جـــوار عرب مساملني أيـضـ، فضل عـن كونهم يأتوننا سيّاحًا ومصطافني ومستثمرين. وإذا كان ال بد من أعداء، ألن األسـاطـيـر املـؤسِّــسـة لــأوطــان تتطلّب األعــــداء، اختار أولئك اآلبــاء أعــداء انـدثـروا ولـم تعد لهم ذريّــة. هـكـذا أعـلـنـوا عتبهم على اإلسـكـنـدر املـقـدونـي الـذي حاصر صور قبل زمن املسيح، وعلى امللك الفارسي أرتحششتا الـــذي حـاصـر صـيـدا فـي زمــن مُــقـارب. فكأنّما أريد القول إن لبنان لم يولد من رحم العداوة، وحني كانت العداوة تقصده كان يقاومها مضطرًّا، وهي في األحوال كافّة، مرّت مرورًا سريعًا ولم تعمّر. نشأ مع عبد الناصر قاموس سياسي جديد... وأيقظت قضيّة فلسطين المكبوت الجريح والمُدمّى لبنان الناهض على الصداقة ولبنان الناهض على العداوة صحيح أن الرواية التاريخيّة املعتمَدة لم تستطع تجاهل العثمانيّني. فهم قتلوا فخر الـديـن املـعـنـيّ، الــذي رفعته السرديّة الرسميّة جَــدًّا أوّل للوطن، كما نفوا جدّه الـثـانـي، بشير الـشـهـابـيّ. لـكـن العثمانيّة هـي أيـضـا صـــارت تـاريـخـا بـا وريـــث منذ ألــــغــــى أتــــــاتــــــورك ســلــطــنــتــهــا وخـــافـــتـــهـــا. وباملعنى هـذا أصبحت اإلحـــاالت الكثيرة إلـى األربعمائة سنة عثمانيّة ال تــدل إلى أحــد، إذ قبل رجـب طيّب إردوغـــان لـم يكن فـي تركيّا حـاكـم يتعصّب لها أو يُغضبه هجاؤها. أمّـــــا االمـــتـــحـــان األصـــعـــب الـــــذي عـبـره لـبـنـان فــكــان مــوضــوعــه جــمــال بــاشــا عـام . هـــكـــذا أُطـــلـــقـــت اســــتــــدراكــــات ثـاثـة 1916 لـتـطـويـق تـلــك الــــعــــداوة: فـــــــأوّالً، بـــولـــغ في الـــتـــوكـــيـــد عـــلـــى أن الــــرجــــل ســــفّــــاح، وهــــذا مـــا امـــتـــص مــضــمــون الــــعــــداوة الـسـيـاسـي وردّهــــا إلـــى ســاديّــة مَــرَضــيّــة أصـيـلـة فيه. وثانيا، كُــرّم الشهداء بـأن جُعل لهم عيد، فكأن املقصود أن هذا احتفال أو تنصيب يـحـصـل مــــرّة واحــــــدة، مـثـلـمـا الـــحـــال حني يُحتفل بعيد قـدّيـس مـعـ ّ. وثالثا، وبما أن جمال أعدم مسيحيّني ومسلمني، جُعل اإلعـــــــدام جـــســـرًا آخــــر يــــــؤدّي إلــــى الـــوحـــدة الوطنيّة ويمتّنها. آخـر األحــزان جعلناه، إذًا، أوّل األفراح. وكــــان مـــن أســـبـــاب الــبــســاطــة هــــذه أن األوضــــــاع نـفـسـهـا بـسـيـطـة ال تـــحـــوِج إلــى تعقيد. أمّا الحرّيّة فأكثر من كافية لجعل بلد قليل العداوات وكثير الصداقات شيئا قابل للحياة. وفي وقت الحق، نطق رجل، لم تصدر عنه إال الكليشيهات املضجرة، بـــعـــبـــارة مــبــدعــة هـــي أن «قــــــوّة لــبــنــان في ضــــعــــفــــه»، بـــمـــعـــنـــى أن الــــجــــســــور مـــدافـــع اللبنانيّني وسلحهم الثقيل. وظـــل تعبير «الــعــدوّ» غير مُستساغ فـــي الـــقـــامـــوس الــلــبــنــانــي الـــســـائـــد، شـأنـه شـــــــــأن بــــــاقــــــي الــــتــــعــــابــــيــــر الــــــتــــــي تـــــازمـــــه عـــــــــــادةً، كـــــ«االســــتــــعــــمــــار» و«الــــرجــــعــــيّــــة» و«الــــــصــــــهــــــيــــــونــــــيّــــــة». ولـــــكـــــثـــــيـــــريـــــن بـــــدا الــشــيــوعــيّــون الـــذيـــن يــشــهّــرون بــ«الـحـلـف األطـلـسـيّ»، والـعـروبـيّــون الـذيـن يتباهون بـمـعـارك الـيـرمـوك والــقــادســيّــة، أشخاصا غـــريـــبـــ يـــتـــحـــدّثـــون لـــغـــة عــجــيــبــة. ولــئــن تـــســـرّع الــبــعــض حـــ خــــوّنــــوا إمـــيـــل إدّه، إبّـــــان االســـتـــقـــال، بــقــي املــعــتــرضــون على فــكــرة الـتـخـويـن، واملــشــمــئــزّون مــن جـوّهـا الـتـشـهـيـريّ، كـثـيـريـن. وبـالـطـبـع لــم تنشأ محاكمات ولم تحصل إعدامات من النوع الــــذي يــــازم تـهـمـة الــخــيــانــة. هــكــذا رفـض الــلــبــنــانــيّــون، مـــــرّة أخـــــرى، أن يــكــون الـــدم أحـــــد آبـــائـــهـــم. وبـــعـــد ثـــــاث ســــنــــوات عـلـى االســـتـــقـــال، حــــوّل إمــيــل إدّه مــؤيّــديــه إلـى حـزب سياسي شـرعـيّ، وحـ تـوفّــي، بعد ثـاث سنوات أخــرى، أقيم له مأتم شعبي حاشد. تفادي ذيول النكبة وحـتّــى عندما نشبت حــرب فلسطني ، تــــــراءى أن إطـــفـــاء نـــارهـــا أمــر 1948 فـــي ممكن. وبالفعل وقّعت على هدنة رودُس، بعد عــام واحـــد، مصر وســوريّــا واألردن، ما حال دون ظهور لبنان كأنّه متفرّد، أي كــأنّــه مـسـيـحـي فــي عـالـم اإلســـــام. والـحـل هذا لم يكن سهل فحسب، بل كان مُربحا أيـضـا، إذ أعفى اللبنانيّني مـن احتماالت الـــحـــرب كـمـا أعــفــاهــم مـــن مـغـبّــة الـتـنـافـس مع مرفأ حيفا الصاعد في دولة إسرائيل ذات الوجه الغربيّ. وبهذا تمكّن الشاطر الـــلـــبـــنـــانـــي مــــن أن يــــؤكّــــد شـــطـــارتـــه الــتــي ال يُــــمــــارى فـــيـــهـــا. وبـــعـــد ســــنــــوات، تـــجـــرّأ لـــبـــنـــانـــيّـــون عـــلـــى أن يـــقـــدّمـــوا نــمــوذجــهــم الـــذي سـمّــوه «عيشا مـشـتـركـا»، بـديـا عن النموذج الصهيوني إلسرائيل. يـــومـــذاك كـــان الــتــأمّــل ممكنا ونـقـاش الـتـأمّــات ممكنا أيـضـا، تماما كما كانت الــشــطــارة. وبــرغــم الـنـكـبـة، ثـــم االنـقـابـات تضرب 1949 العسكريّة الـتـي راحـــت منذ الــــــجــــــوار الــــــــســــــــوريّ، ومـــــحـــــاولـــــة انــــقــــاب فولكلوريّة نفّذها أنطون سعادة، «زعيم» الـقـومـيّــ الــســوريّــ ، وأُعــــدم بنتيجتها، ، أكثر من «ثورة 1952 لم يعرف لبنان، في بيضاء» أطاحت ببشارة الخوري وعهده. وهـــــذه كـــانـــت أشـــبـــه بــمــشــاجــرة قـــرويّـــة أو مـــبـــاراة زجـــلـــيّـــة، انـــدرجـــت فـــي تـــاريـــخ من الــعــراضــات الــتــي كــانــت تنتهي بتبويس اللحى، وباكتشاف أنّنا أخوة متحابّون. وظـــــــــــــــل مــــــمــــــكــــــنــــــا، حــــــــتّــــــــى أواســــــــــــط الخمسينات، الحفاظ على طريقة الحياة هــــذه. وكــــان مـــا يــســهّــل األمــــر أن األنـظـمـة العربيّة، ما قبل االنقلبات، شابهت نظام لـــبـــنـــان. فــهــي أيـــضـــا حـــرصـــت عــلــى عـاقـة جـــيّـــدة مـــع الــــــدول الـــغـــربـــيّـــة، وأبـــقـــت على اإلدارة والتعليم كما أنشأهما االستعمار الغربيّ، كما أقدمت على محاوالت تجريب في البرملانيّة شابتْها، كما كل املحاوالت األولى، شوائب ونواقص. وألنّــهــم رأوا البلد رائـقـا ومُطَمْئنا، الــتــحــم بـــه املــســيــحــيّــون الـــذيـــن أسّـــســـوه التحاما صوفيّا. فهو عندهم ليس وطنا فحسب، بـل هـو البيت والجبل والبحر، وهو عصارة الكون و«أرز الـربّ» الـذي ال يكون الشاعر شاعرًا إن لم يكتب نصف شعره عنه، وال يكون املغنّي مغنّيا إن لم يُغن لـه. هكذا رُفعت الوطنيّة إلـى ديانة متعالية ومطلقة تطالب باملوافقة على كـــل حـــرف فـيـهـا. أمّــــا الــــذي يـشـكّــك بـهـذه الفهم للوطنيّة فجرى التشكيك بلبنانيّته نـفـسـهـا. وفـــي املــقــابــل، حــافــظ املسلمون عـلـى مسافتهم الـهـادئـة الـتـي تـفـضّــل أن يــكــون الـــوطـــن جــــواز سـفـر وفـــرصـــة عمل وعـاقـة جــوار وال تستسيغ رومنطيقيّة الــريــف وهــــذا االحــتــفــال الـــدائـــم بالنفس. واملـسـافـة تـلـك كـــان يمكنها، لــو اختلفت الـــظـــروف، أن تعقلن الـوطـنـيّــة اللبنانيّة وتـــثـــبّـــتـــهـــا عـــلـــى ســــكّــــة أكــــثــــر دســـتـــوريّـــة وديمقراطيّة، بيد أن أواسط الخمسينات راحت تدفع في اتّجاهات أخرى. فــــمــــع تـــمـــكـــ جـــــمـــــال عــــبــــد الـــنـــاصـــر قبضته فـي مـصـر، نشأ قـامـوس سياسي جـــــديـــــد فــــــي املــــنــــطــــقــــة مـــــفـــــرداتـــــه الـــــثـــــورة والتحرير ومكافحة االستعمار وتخوين «أعـــــــوان االســـتـــعـــمـــار» والـــتـــحـــريـــض على إســــقــــاطــــهــــم، وهـــــــــذا فـــــضـــــا عـــــن تــعــطــيــل األحـــــــزاب الــســيــاســيّــة وتـــأمـــيـــم الـصـحـافـة وتدجني النقابات وهروب الرساميل. لقد استقرّت الرئاسة والزعامة في يد ضابط، تحديدًا، مع «حـرب السويس» 1956 وفـي أو «الـــعـــدوان الــثــاثــيّ»، انـهـالـت عـلـى ذاك الــضــابــط أوصـــــاف هـــي غــالــبــا مــمّــا يُــمـنـح لألنبياء والرسل. هـــــكـــــذا راح يـــــتـــــبـــــدّى كــــــــــأن الــــحــــيــــاة اللبنانيّة، كما رسمها القاموس السائد، هــــي فــــي أحـــســـن أحـــوالـــهـــا نــعــيــم مـضـجـر ال يـــــطـــــاق، وفــــــي أســـــوأهـــــا هـــــــروب جـــبـــان مــن صـنـاعـة األقـــــدار واملــصــائــر املـلـحـمـيّــة. فاملنطقة باتت تنتج العداوات وتستهلكها بــنــهــم وشـــــراهـــــة، فـــتـــطـــرد أفــــكــــار الـــتـــوافـــق والـــتـــســـويـــة، فـيـمـا هـــي تـغـلـق الــبــرملــانــات تباعا، وال تـرى طريقا إلـى املستقبل غير نـــكء جـــراح املــاضــي. وبـــات لـبـنـان مطالَبا بـــأن يـكـون لــه مــوقــف: فـبـدعـوة مــن رئيس الــجــمــهــوريّــة كـمـيـل شـــمـــعـــون، عُـــقـــدت في بيروت قمّة للتضامن مع مصر، وأكّد بيان القمّة الختامي على «مناصرة مصر ضد العدوان الثلثي (...) واعتبار سيادة مصر أساس حل قضيّة السويس، وتأييد نضال الـشـعـب الـــجـــزائـــري مــن أجـــل االســتــقــال». لـكـن عبد الناصر أراد أكـثـر كثيرًا، فطلب مـــن الــحــكــومــة الــلــبــنــانــيّــة قــطــع الــعــاقــات مـع فرنسا وبـريـطـانـيـا. وكـــان طبيعيّا أن يرفض شمعون طلبا كهذا. فهو، من جهة، يـقـطـع بــعــض الـــشـــرايـــ األســـاســـيّـــة لبلد ناشئ يرى أن علقته بالغرب شرط شارط الزدهاره ولتعليمه. وهو، من جهة أخرى، يـــغـــيّـــر مــعــنــى لـــبـــنـــان كـــمـــا رســـمـــه «اآلبــــــاء املؤسّسون». وعلى عكس ما أشيع، لم يكن في ذلك شيء من «االنعزال عن العرب»، إذ األكثريّة الساحقة من الحكّام العرب كانت ترى ما رآه شمعون، وتتخوّف من «املارد األسمر» مثلما تخوّف. لــــكــــن األمـــــــر لــــم يــقــتــصــر عـــلـــى حــاكــم مــصــر الـــعـــســـكـــريّ. فـيـومـهـا كــــان االتّـــحـــاد السوفياتي ما بعد الستالينيّ، والضالع فــــي حـــــرب بـــــــاردة مــــع الــــغــــرب، يـــتـــقـــدّم مـن الشرق األوسط، وكانت سوريّا، التي تحد لبنان من الشمال والشرق، تخضع لحكم ضـــبّـــاط يـخـتـبـئـون خـلـف واجـــهـــة مـدنـيّــة. وكـــــان هـــــؤالء الـــضـــبّـــاط، مـــن ذوي املــيــول الـقـومـيّــة الـعـربـيّــة والـبـعـثـيّــة، قــد سحقوا خصومهم من «حزب الشعب» والقوميّني الـسـوريّــ وشـرعـوا يدفعون بلدهم نحو وحدة اندماجيّة مع مصر الناصريّة. وفي املعمعة هذه بدأت إعادة تأسيس القضيّة الـفـلـسـطـيـنـيّــة بـوصـفـهـا قـضـيّــة ال تُــعـالَــج بالهدنة والسياسة والوساطات الدوليّة، بل بتحرير يعيد األمور إلى ما كانت عليه . هـكـذا ارتـسـمـت الـــعـــداوة، التي 1948 قبل حرص لبنان على تجنّبها، قدرًا ال سبيل إلى تجنّبه، وال تستطيع الشطارة تذليله. عودة المكبوت وكـــانـــت قــضــيّــة فـلـسـطـ بـالـطـريـقـة الـــــــتـــــــي صــــــــــــــارت تُـــــــــطـــــــــرح فـــــيـــــهـــــا أشـــــبـــــه بـــــعـــــودة املــــكــــبــــوت وهــــــو جــــريــــح مُـــــدمّـــــى. فالفلسطينيّون الذين طُـــردوا من أرضهم وبيوتهم، وفـي عـدادهـم مائة ألـف نزحوا مـــن الـجـلـيـل إلـــى لــبــنــان، وجـــــدوا فـــي عبد الناصر وإذاعة «صوت العرب» ما يغريهم بــالــعــودة والــتــحــريــر، ويـقـنـعـهـم بـانـسـداد طـــرق الـسـيـاسـة والــتــســويــات. وفـــي لبنان اســتــيــقــظ مــكــبــوت آخــــر هـــو تـــاريـــخ الـبـلـد نــفــســه، إذ صــــار إنـــشـــاء «لـــبـــنـــان الـكـبـيـر» قـابـا إلعـــادة الـنـظـر. فهو ضـمّ، 1920 فـي فـي األطـــراف، أكـثـريّــات إسلميّة مشدودة اقـتـصـاديّــا وقـرابـيّــا وعـاطـفـيّــا إلــى سـوريّــا وفلسطني، لـكـن األطــــراف هــذه وُحّــــدت مع مـا كــان متصرفيّة جبل لبنان ذات اللون املـــســـيـــحـــي الـــطـــاغـــي. وفـــــي ظـــــل تــــوازنــــات القوى الجديدة، من تحوّالت الديموغرافيا اللبنانيّة إلى الصعود الناصريّ، لم يعد مقبوال ما بدا مقبوال على مضض صامت فــــي زمـــــن أســــبــــق. فــالــســيــاســة املـــوصـــوفـــة بــمــمــاألة الــغـــرب وبـــمـــنـــاوأة عـبـد الـنـاصـر، والـــنـــظـــام الـــرئـــاســـيّ، خــصــوصــا وقــــد زوّر وأســـقـــط مـعـظـم الـــقـــادة 1957 انــتـــخــابــات املسلمني لتعاطفهم مـع الـزعـيـم املـصـريّ، بـــاتـــا عــبــئــا عــلــى اســـتـــمـــرار الـــنـــظـــام. وفــي ، وبــعــد شـهـريـن عـلـى قــيــام الــوحــدة 1958 املـصـريّــة الــســوريّــة، انـفـجـرت حـــرب أهليّة طـائـفـيّــة كـانـت تمرينا أوّلـــيّـــا عـلـى حــروب أشد شراسة سوف تلي. هكذا بدا أن يقظة القديم املسكوت عنه ال تأتي إال على شكل حرب. وفي تسوية أميركيّة - مصريّة، جيء بفؤاد شهاب رئيسا موصوفا بالقدرة على توحيد لبنان. فـهـو، وإن كــان مـارونـيّــا ال يرقى الشك إلى مارونيّته، لم يزج الجيش، . لكن 1958 بوصفه قائدًا لـه، في مواجهة نجاح تجربة اإلصلح الشهابي استدعت ربط السياسة الخارجيّة للبنان بالقاهرة، وأُحكمت السيطرة على اإلعـام اللبنانيّ. مثلما زُوّرت 1964 كذلك زُوّرت انتخابات إنّما على نحو معكوس، 1957 انتخابات فأُسقط كميل شمعون وريمون إدّه، ومُنح جهاز «الشعبة الثانية» صلحيّات يصعب تــبــريــرهــا فـــي نـــظـــام بـــرملـــانـــيّ. ومــــا كـــادت تنتهي الـتـجـربـة الـشـهـابـيّــة، فــي النصف الـثـانـي مـن عهد شـــارل حـلـو، حـتّــى انشق اللبنانيّون من حول املقاومة الفلسطينيّة الناشئة للتوّ، ووجدنا أنفسنا على أبواب حرب لن تلبث أن تندلع. فـــي تــلــك الـــغـــضـــون حـــــاول الــرحــابــنــة وفـــيـــروز إقـنـاعـنـا بــــأن مـشـاكـلـنـا بسيطة، ناجمة عـن ســوء فهم وقابلة ألن تُـــحـــل بـالـتـفـهّــم واملــحــبّــة، عــــلــــى غــــــــرار مـــــا يـــحـــصـــل فــي الـــــقـــــرى بــــرعــــايــــة الــــشــــاويــــش *حازم صاغية (غيتي) 1970 الملك حسین وجمال عبد الناصر وياسر عرفات والقذافي في القاهرة عام األمين العام للجامعة العربية عبد الرحمن عزام باشا وسفير العراق في واشنطن علي جودت ومندوب العراق في األمم المتحدة فاضل جميلي ومندوب لبنان شارل مالك (غيتي) تجرّأ اللبنانيّون على تقديم نموذج سمّوه «عيشا مشتركاً» بديال عن النموذج الصهيوني إلسرائيل

RkJQdWJsaXNoZXIy MjA1OTI0OQ==