issue16718

«مـــــأزوم الــعــدو اإلســرائــيــلــي»، تـتـكـرّر هـذه العبارة مع محمد رعد، النائب عن «حزب الله»، الـــــذي يـضـيـف دومــــــا: «إن أراد الـــعـــدو تـوسـيـع املــواجــهـة فنحن مــســتــعــدّون»، وكـلـمـا طـــال أمـد املشاغلة تـأكّــد حجم االنـتـصـار على الغطرسة الصهيونية، فنحن لـم نستخدم إ القليل من ترسانة «الحزب» الصاروخية! تــــوازيــــا، تـتـتـالـى «االنــــتــــصــــارات»! مـشـاهـد مـؤملـة مــن الــقــرى الــحــدوديــة، مــع قـيـام أهاليها بـنـقـل بــعــض املــقــتــنــيــات الـــتـــجـــاريـــة واملــنــزلــيــة، مــن مــنــازل ومـؤسـسـات لــم يطلها الــدمــار بعد، طــالــب األهـــالـــي الـجـيـش بـتـأمـن الـحـمـايـة لهم، فتواصلت «اليونيفيل» مع الجانب اإلسرائيلي، فمنحوا اإلذن لساعات قليلة، وحدَّدت لهم طرق الـدخـول والـخـروج مـن بـلـدات حوَّلها التوحش اإلســـرائـــيـــلـــي إلـــــى أرض مــــحــــروقــــة، لـــيـــبـــدو إذ ذاك تـصـريـحـات رعـــد وزمـــائـــه فــي كـتـلـة نــواب «املقاومة» أشبه بالرقص على الركام! ما كانت الحصيلة املروّعة مفاجِئة لـ«حزب الـلـه»، خــراب جنى أعـمـار أهـالـي املنطقة، فلئن كانت «مساندة» غزة لم تنجح في حماية إنسان واحـد أو سقف واحــد، فـإن «مشاغلة» إسرائيل والتبجُّح بأنها حرب «استباقية»، قد أدّت إلى بلدة 50 دمــار جنوب الليطاني، وحـوّلـت نحو إلى حزام أمني، حرب من هذا النوع كان يصفها بيسمارك بأنها انتحار، وهم أخذوا البلد إليها بـأعـن مفتوحة، ويـــــردّدون تُــرَّهــات مـن نــوع أن «اإلسناد» تحوّل إلى «حرب استنزاف، ال قدرة إلسرائيل على التعايش معها»! كــــانــــوا يـــعـــرفـــون أن هـــــذه الــــحــــرب سـتـدمـر الـــجـــنـــوب، وأخـــــــذوا لــبــنــان قـــســـرًا إلــــى الـــدمـــار، وتسبَّبوا بتعميق الشرخ الطائفي بي أبنائه، وهــم مـع إعـــان «حـــزب الـلـه» حــرب «املـشـاغـلـة»، أداروا نقاشا داخليا لكل أطراف محور املمانعة، و«كـان السؤال األساسي الذي طرحه (الحزب): هل تعتقدون أن انخراطنا في الحرب سيؤدي إلى وقف العدوان على غزة؟»، وحُسمت األجوبة بـأن أي أمـر تقوم به قـوى «املقاومة» لن «يمنع إسرائيل من السير في خطتها ضد القطاع». كذلك توافَقوا على أن أي «توسيع للحرب يــعــنــي اســـتـــدعـــاء الـــغـــرب املـــتـــوثِّـــب لـــلـــدفـــاع عن إسـرائـيـل إلــى االنــخــراط فـيـهـا». وفــي املحصلة لـم يكن عند أي طــرف اليقي بما سـتـؤول إليه األمـــور! رغـم ذلـك انخرطوا بالحرب؛ ألن اإلمـرة بيد طهران ومصالحها قبل حقوق أهل األرض! وعلى مدى األشهر األولى من الحرب كانت تتتالى التفسيرات عن أهـداف «اإلسـنـاد»، وأنه عـبـر فـتـح جـبـهـات مــواكــبــة لـلـحـرب مـــن جـنـوب لبنان والــعــراق والـيـمـن، يمكن إفـهـام إسرائيل وأمــيــركــا واألطــلــســي بـــأن غـــزة لـيـسـت وحــيــدة، واتسعَت التخيلت والــقــراءات املعلَّبة التي لم يلتفت أصحابها إلــى الــواقــع، صحيح أن قـرار «حـزب الله» فتْح الجبهة أدى إلـى إشغال جزء غـيـر قليل مــن الـجـيـش اإلسـرائـيـلـي ودفـاعـاتـه، لكن الرؤية كانت قاصرة لجهة الرهان على أن هذه الجبهة ستُوقِف حرب التوحش على غزة، وسـتـخـلـق تـــحـــوّالت مـيـدانـيـة وسـيـاسـيـة تدعم أداء «حماس» وتـعـزِّزه! ودومـا في مواقف قوى املمانعة وفي خطب «نصر الله» التعبوية، كان يــبــرز الـــرهـــان بــــأن إســـرائـــيـــل لـــن تـتـحـمـل حجم الخسائر االقتصادية في شمالها، حيث حجم مليار دوالر، ويضيف 250 االستثمارات يفوق الـ «نصر الله» أن خسائر لبنان ستكون متواضعة لضعف دورة االقتصاد الجنوبي (...). وإلى التجاهل الكبير لحجم الدعم املفتوح مليار 50 إلسـرائـيـل ماليا وعسكريا بأكثر مـن دوالر حتى اآلن، مقابل غــرق لبنان فـي أخطر انـهـيـار مبرمج مـالـي واقـتـصـادي فـي تاريخه، ويـــعـــيـــش فـــــوق ذلـــــك عـــزلـــة تـــســـبَّـــب بـــهـــا مــحــور املمانعة وواجهاته الرسمية في بقايا السلطة والبرملان، ليطلقوا استنتاجا من نوع أن الحرب الــطــويــلــة ســتــدفــع إســـرائـــيـــل إلــــى «الـــبـــحـــث عن مخرج لوقف الحرب على غــزة»! إذن هي حرب لوقف الحرب؟ ثبت فشل ذلك، وها هو نتنياهو يُفشل مبادرات الهُدَن، وبينها مبادرة الرئيس األمـــيـــركـــي بـــايـــدن بــعــدمــا فــخَّــخــهــا بــالــشــروط، وجعل قضية األسرى آخر األولويات، وبعد ذلك نـقـل الـتـفـاوض إلـــى بـقـاء االحــتــال عـلـى محور فيلدلفيا (رفــح) إلطباق الحصار على القطاع املحتل، وإلــى البقاء فـي معبر نيتساريم الـذي يفصل شمال القطاع عن جنوبه! األمر الوحيد الذي نجح به محور املمانعة بــقــيــادة طـــهـــران هـــو عــــدم تـمـكـن نـتـنـيـاهـو من توسيع نـطـاق الــحــرب، مــر أكـثـر مـن شهر على اغتيال هنية في قلب طهران والنظام اإليراني يـدرس خطواته، رغم كل الخطب عن رد مُوجِع ومُـــــزلـــــزِل، وفــــي املـحـصـلـة يـعـلـن املـــرشـــد إعــــادة فتح الباب للتفاوض مع أميركا بشأن النووي اإليراني! فيما جاء رد «حزب الله» حذِرًا ودقيقا ومـنـسَّــقـا وخــاضــعــا - وال شـــك - لــ«تـفـاهـمـات» مـسـبـقـة؛ ألنـــه مــن املــهــم االسـتـعـانـة بـاألمـيـركـي لتجاوز مرحلة بالغة الخطورة، طمعا بالسخاء األميركي وحماية للمشروع النووي! ال تكمن مأساة لبنان بصلف «حـزب الله» وتـجـبُّــره وحـسـب، بـل بطبقة سياسية لـم يــرِف لها جفن وهي تتابع مخطط ربط مصير البلد بـأمـر يتوقف على مـا يـقـرِّره اإلسرائيلي. نكبة الجنوب وكارثة لبنان لم تُدرَج مرة واحدة على جـدول أعمال مجلس الـــوزراء، ومـا من مساءلة جدّية من برملان مُــصـادَر يُــدار كجزء من ملكية رئــيــســه، حــــان وقــــت تـحـمـيـل املــســؤولــيــة كـامـلـة ملن قـال: الكلمة للميدان، وشطَب أحـام الناس وآمـالـهـا، وحقها بالعيش والـحـيـاة، وآن أوان وقف الهمس االحتجاجي في الغرف املغلقة! Issue 16718 - العدد Thursday - 2024/9/5 اخلميس تـتـداول أحيانا فـي املجاميع الشعبية أسئلة تتعلق بأهمية الفلسفة على واقعنا، هـذه الرؤية على سـذاجـة تعتورها غير أن انتشارها يجعلنا أمــام دفــاع عن الفلسفة، بوصفها النشاط العلمي األكـــثـــر تــمــاسّــا بـــاإلنـــســـان ووجـــــــوده. يـمـكـن قــــراءة الــحــداثــة كـأثـر مــن آثـــار الـفـلـسـفـة؛ ذلـــك أن الفلسفة كانت هي محتوى الحداثة، فتلزم مسار الفلسفة بمسار الحداثة شديد اإللحاح، أو على حد وصف هيغل: «يستحيل التوصل إلى املفهوم الـذي تدرك به الفلسفة ذاتها، خارج مفهوم الحداثة». الدكتور عبد الله املطيري أصدر كتابه عن «دار فلسفة» املنضوية مع الجمعية الفلسفة السعودية واملـــعـــنـــون بـــ«الــفــلــســفــة حـــن تــنــصــت فـــي الـــظـــام» مؤسسا للموقع الفلسفي في 2008 الـذي كـان منذ السعودية ولــه الجهد الـرفـيـع فـي تأسيس «حلقة الــريــاض الفلسفية»، وهــو حـالـيـا رئـيـس «جمعية الفلسفة السعودية». وبـحـسـب الــكــاتــب فـــإن مـؤلـفـه «الـفـلـسـفـة حي تنصت فــي الــظــام» يشكل امـــتـــدادًا لـكـتـاب املـؤلـف السابق «فلسفة اآلخــريــة» الــذي أصـــدره قبل ثلث ســـنـــوات، حــيــث قـــــدّم املـــؤلـــف أطـــروحـــة تـــهـــدف إلــى اســتــقــبــال أرحـــــب لـــآخـــر مـــن خــــال دراســــــة نـقـديـة لــفــيــلــســوفــن وجــــوديــــن هـــمــا ســــارتــــر ولـيـفـيـنـاس وتـوصـيـف فينومينولوجي للضيافة باعتبارها العلقة التي تمظهر فيها الفضاء الرحب للعلقة باآلخر. فــــي هـــــذا الـــكـــتـــاب يـــعـــود املــــؤلــــف فــــي مــحــاولــة لـإنـصـات الـجـديـد لـعـدد مـن الـظـواهـر والـعـاقـات. هذا اإلنصات ال يراهن على نور خارجي يلعب دور الكاشف األكبر، ولكن على إنصات عميق ال يتوفر إال فـي الـظـام وأنـمـاط الـوجـود الليلي. فـي الظلم تتقلص هيمنة الذات على العالم، وهذا ما يهيئها أكثر من أي وقت آخر للنصات بشكل مختلف. يــشــتــمــل الـــكـــتـــاب عـــلـــى تــــأمــــات فــــي الــصــمــت واالعــــتــــذار واملــــــوت والــكــتــابــة والــتــرجــمــة والـشـكـر والـــهـــديّـــة والـــتـــوقّـــع واالســـتـــكـــشـــاف واالســـتـــشـــراف والــعــفــو والــحــريــة واملـــواطـــنـــة والــحــيــاء واملـشـافـهـة والكتابة. في كل هذه الظواهر علقة أولـى باآلخر بــاعــتــبــاره آخــــر وتــكــمــن مـهـمـة هــــذه الـــتـــأمـــات في اإلنـــصـــات لـتـلـك الــعــاقــة. يـعـتـمـد املــؤلــف فــي كثير مــن تــأمــاتــه عـلـى الـكـلـمـات بـاعـتـبـارهـا رحــمــا أول للعلقة الـتـي جمعت اإلنــســان بــاآلخــر. كـامـنـة في تلك الكلمات تلك األنـمـاط الـوجـوديـة األولـــى. وإذا كانت الكلمات تبدو مع الوقت مألوفة وعـاديّــة أو مستعملة في سياق محدد مما يجعلها محتجبة أو محتكرة، فإن اإلنصات املقصود في هذا الكتاب يسعى إلى لقاء جديد معها يأمل في عودة الرحم األول إلى اإلنجاب. الـخـاصـة؛ أن املـؤلـف يطلب مـن املتلقي وهو الكائن اللغوي إلى االلتفات للكلمات واألشياء التي تعطي ذاتـهـا لكن انـعـطـاءهـا هــذا ال يكفي إلنشاء عـاقـة مـعـهـا. ال بــد هـنـا مــن الـتـفـات وتــوقــف يتيح أفق اللقاء. بهذا املعنى يكون الكتاب دعـوة للبطء ومحاولة استعادة معدل الحركة الذي يتيح اللقاء مــع اآلخـــريـــن. الــحــيــاة املــعــاصــرة أســــرع مــن وجــود اإلنـــســـان، لـــذا يـمـر الكثير مــن دون أن يـتـحـوّل إلـى خبرة ومعنى وذاكرة وتاريخ، وكأن الذات أصبحت أسرع من الزمن الذي يمكن أن يولد فيها اللقاء مع اآلخرين. هذا البطء يستهدف بطء التفكير كذلك، حيث يستعيد اإلنسان قدرته على املراوحة والبقاء واإلقــــامــــة. وإذا كــانــت الـفـلـسـفـة تـــرحّـــل، كـمـا يـقـول دولوز، فإن الترحّل علقة باألرض تتطلب تلمّسها من دون محاولة امتلكها، وهذا ما يفعله اإلنسان حي ينصت. وتحديدًا حي ينصت في الظلم. «تأثير الحقيقة الوهمية» مصطلح معروف في أساليب الحرب النفسية، وتفسيره املبسط: هو تأثير تكرار املعلومة الزائفة أو الكذبة على اإلنسان املتلقي، بما يشوش على تفكيره ويدفعه لتصديقها حتى لـو كــان يعلم فـي الـبـدايـة أنها غـيـر صـحـيـحـة، وذلـــك جـــراء الــتــكــرار، خصوصا إذا جاء هذا التكرار من عدة جهات ومنابر. هذا املفهوم قد ال يختلف كثيرًا عن مقولة «اكــذب... اكـذب حتى يصدقك الناس» املنسوبة لجوزيف غوبلز، وزير دعاية هتلر، لكن في عصر اإلنترنت وثورة االتصاالت ووسائل التواصل االجتماعي أصبح األمـر أسهل وأخطر بكثير مما كان عليه قبل عقود. الحرب الدائرة في السودان حاليا ال تختلف عـن غيرها مـن الــحــروب الـتـي تشهد استخداما مكثفا ألدوات الدعاية، وأساليب الحرب النفسية، بهدف التأثير على الــرأي العام في املقام األول، أو للتشويش من خلل إغـراق الفضاء اإلعلمي بــــروايــــات و«مـــعـــلـــومـــات» مـضـلـلـة، حــتــى أصـبـح الـــنـــاس فـــي حـــيـــرة مـــن أمــــرهــــم، ال يـــمـــيـــزون بي الحقيقة والتزييف، وال يعرفون مـاذا يصدقون أو يكذبون. يحدث هذا كثيرًا من خلل بث مقاطع فيديو مجتزأة أو مفبركة، بهدف تضليل املتلقي، والتأثير على تفكيره، أو لبث مشاعر اإلحباط واليأس لتوجيه تفكير الناس نحو وجهة معينة بشأن مسار العمليات العسكرية. ال يختلف الناس كثيرًا حول أن «قوات الدعم السريع» والـغـرف اإلعلمية التابعة لها، برعت فـي هــذا األمـــر منذ انـــدالع الـحـرب وربـمـا قبلها، وتفوقت على إعلم الجيش الذي كان تأخره مثار كثير مــن الــتــســاؤالت. وكـثـيـرًا مــا أسـمـع أو أقــرأ تعليقات مواطني يسألون: أين إعـام الجيش؟ وملاذا التأخر في إصدار البيانات واملعلومات، ما يجعل الناس عرضة للحباط؟ حــتــى األمـــــس الـــقـــريـــب، كــــان بــعــض الــنــاس يتساءلون عن تأخر املعلومات الرسمية بشأن الهجوم الـذي شنّته «قـوات الدعم السريع» على مـعـسـكـر «حـــطـــاب» والــــكــــدرو، ونـتـيـجـة املـــعـــارك العنيفة التي شهدتها منطقة الخرطوم بحري. صحيح أن تصريحات صدرت متأخرة، مع بعض مــقــاطــع الــفــيــديــو مـــن جـــانـــب الــجــيــش عـــن صـــدّه للهجوم، وتكبيد الــقــوات املهاجمة خسائر في األرواح والعتاد واألسرى، إال أنها جاءت بعدما كانت «قوات الدعم السريع» نشرت مقاطع فيديو مختلفة تروج فيها أنها سيطرت على «حطاب»، ما أحـدث قـدرًا كبيرًا من االرتـبـاك واإلحـبـاط بي املواطني، وبشكل خاص املوجودين في املناطق القريبة التي كانت تُسمع فيها أصــوات املعارك العنيفة. حــــالــــة االســــتــــقــــطــــاب الــــشــــديــــد فـــــي املــشــهــد السياسي التي أجّجت األوضاع ودفعت بالتوتر إلى أقصاه، وأسهمت بالتالي في اندالع الحرب، انــعــكــســت أيـــضـــا فـــي مــشــهــد الـــحـــرب اإلعــامــيــة الـــدائـــرة الـــيـــوم، والـتـشـويـش الــــذي يــحــدث جــراء ذلــك. ففي ظـل أجـــواء الشحن والتأجيج، وحـرب املـعـلـومـات، وتــضــارب الـــروايـــات، ال يـــزال الناس يتجادلون حتى اللحظة حول كيف بدأت الحرب، ومن أطلق الرصاصة األولى، وهل كانت البداية أبـــريـــل (نــيــســان) عـنـدمـا طــوقــت «قـــوات 11 يـــوم الدعم السريع» قاعدة مـروي العسكرية وأعـادت 15 تــوزيـــع ونــشــر قــواتــهــا فــي الــعـاصــمـة، أم فـــي أبـــريـــل عــنــدمــا ســمــع الـــنـــاس أصــــــوات الـــنـــار في الخرطوم؟ هــنــاك بـــا شـــك كـثـيـر مـــن الـحـقـائـق املغيبة حتى اآلن حــول الـحـرب، التي تحتاج إلــى لجنة تحقيق ذات يـــوم لكشف خـبـايـاهـا. لـكـن هـــذا لم يمنع أن تعج منصات التواصل املختلفة بمقاطع الفيديو واملقاالت والتصريحات التي تصب كلها فـي تلخيص الـحـرب فـي جملة «حــرب الكيزان»، وكـــأن «قــــوات الــدعــم الـسـريـع» ليست لـهـا يــد في الحرب، أو أن قواتها ليست هي التي ظلت تهاجم وتـتـمـدد، وتـدمـر فـي طريقها املـنـشـآت الخدمية والـصـحـيـة، والـبـنـيـة التحتية ووســائــل اإلنـتـاج الصناعي والـــزراعـــي، ولــم تسلم منها املكتبات والوثائق واملتاحف، بما فيها متحف السودان القومي الــذي تعرض لنهب مجموعة من آثــاره، التي ذُكر أنها هُربت إلى دول أخرى. الــحــرب الـسـودانـيـة أعـقـد مــن أن تلخص أو تختصر فـي جملة «حــرب الـكـيـزان»، التي كثيرًا ما طغت على االنتهاكات الواسعة التي ارتكبتها «قـــوات الـدعـم الـسـريـع» وجعلت حربها موجهة بــاألســاس ضـد املــواطــن الـــذي تـعـرض للتشريد، واحــتــال مـنـازلـه، وانـتـهـاك حـرمـاتـه، وإذاللــــه إن سلم من القتل. املـفـارقـة املضحكة املبكية أنــه حتى «قــوات الـــدعـــم الـــســـريـــع» صـــــارت تـــكـــرر أن حــربــهــا هــذه هــي ضــد «الــكــيــزان والــفــلــول»، وكـــأن ذلـــك يعطي مشروعية لكل املمارسات واالنتهاكات الواسعة الــتــي قــامــت بــهــا. ووصــــل األمــــر إلـــى حــد أن أحـد فـــي املـــائـــة مـــن الشعب 80 مـسـتـشـاريـهـا زعـــم أن الـسـودانـي يـؤيـد ويساند قـواتـهـم، بـل هـنـاك من ينادون باستعجال مد سيطرتهم إلى الواليات التي يسيطر عليها الجيش! يقول املستشار هذا الــكــام، فـي حـن أن مشاعر أغلبية السودانيي باتت ضد «الدعم السريع» بسبب ممارساتها. هــذا التصريح نـمـوذج صــارخ للمدى الـذي بلغته لهجة الـدعـايـة والـتـضـلـيـل، وغــيــره كثير مـــمـــا يــــنــــدرج تـــحـــت مـــفـــهـــوم اســــتــــخــــدام «تــأثــيــر الحقيقة الوهمية» للتشويش على املواطن، الذي تتناوشه الحرب من كل اتجاه. الحرب السودانية أعقد من أن تلخص أو تختصر في جملة «حرب الكيزان» الترحّل عالقة باألرض تتطلب تلمّسها من دون محاولة امتالكها وهذا ما يفعله اإلنسان حين ينصت وتحديدا في الظالم فهد سليمان الشقيران عثمان ميرغني حنا صالح OPINION الرأي 14 «تأثير الحقيقة الوهمية» في حرب السودان! الفلسفة حين تنصت في الظالم كانوا يعلمون... وأخذوا لبنان إلى الدمار! حان وقت تحميل المسؤولية كاملة لمن قال: الكلمة للميدان... وشطَب أحالم الناس وحقها بالحياة

RkJQdWJsaXNoZXIy MjA1OTI0OQ==