issue16717

الثقافة CULTURE 18 Issue 16717 - العدد Wednesday - 2024/9/4 األربعاء ميرزا الخويلدي ًبحثا عن بالد ماجان حجر آدم شاهدا ودليال تتحدّث النصوص املسمارية السومرية عن بالد ماجان الغنية بـ«النحاس الجبار»، غير أنها ال تذكر موقعها بــدقــة، مـمـا جـعـل تـحـديـد هـــذا املــوقــع موضع ســـجـــال بـــن املـخـتـصـن فـــي الــنــصــف األول مـــن الــقــرن املـــاضـــي. تـــواصـــل هــــذا الــســجــال فـــي الــعــقــود الـتـالـيـة، وأوضـــحـــت األبـــحـــاث اآلثـــاريـــة املـتـواصـلـة فــي الخليج العربي خالل العقود األخيرة أن اسم ماجان يشير إلى إقليم عُــمـان فـي جـنـوب شبه الـجـزيـرة العربية بشكل عــــام، وإلــــى شــمــال سلطنة عُــمــان وأراض واســعــة من اإلمارات العربية املتحدة بالتحديد. يـــحـــضـــر اســــــم مــــاجــــان فــــي نــــصــــوص مــســمــاريــة سـومـريـة مــن بـــ د مــا بــن الـنـهـريـن تـعـود إلـــى الـقـرون األخـيـرة مـن األلفية الثالثة قبل املـيـ د، ويقابله اسم مــاكــان فــي الـنـصـوص اآلكـــاديـــة. يــذكــر نـقـش سـومـري أن جــــوديــــا، «بـــاتـــيـــســـي» مـــديـــنـــة لـــكـــش، أي حـاكـمـهـا وكـاهـنـهـا، جلب الحجر مـن مـاجـان لصنع التماثيل. ويذكر نقش آكادي أن «سرجون ملك كيش انتصر في حملة، وهــدم املــدن جميعها حتى شاطئ البحر»، 34 وأرســــى الـسـفـن مــن مــاجــان عـلـى أرصــفــة مـديـنـة آكـــاد. وتـذكـر نـصـوص أخـــرى أن مانيشتوشو، ثـالـث ملوك اإلمبراطورية اآلكادية، قاد حملة ضد ماجان، وكذلك فعل من بعده وارثه نارام سي. انـشـغـل الـعـلـمـاء فـــي تـقـصّــي مــوقــع مـــاجـــان منذ ظـهـور هــذه الـنـصـوص، واختلفوا فـي تحديده بشكل كبير، كما ذكر جواد علي في «املفصل في تاريخ العرب قبل اإلســــ م». قيل إن اســم مـاجـان يشير إلــى «القسم الـشـرقـي مــن الــجــزيــرة، مــن أرض بـابـل إلـــى الـجـنـوب»، وقـيـل إنـهـا «تـقـع عـلـى مـقـربـة مــن سـاحـل الـخـلـيـج، في مـــوضـــع فـــي الــــرمــــال جـــنـــوب يـــبـــريـــن»، داخـــــل املـنـطـقـة الشرقية في اململكة العربية السعودية، وهـو موضع يُعرف باسم مجيمنة، املشابه السم ماجان. وقيل أيضًا إن مــاجــان تـقـع عـلـى مـقـربـة مــن الــســاحــل، عـنـد مصب وادي الشهبة. وقيل أيضًا إن مدلول اسم ماجان تغيّر بــن فـتـرة تـاريـخـيـة وأخــــرى، واألرجــــح أنـهـا بـــ د تقع على ساحل الخليج، وهي من البالد التي كان سكانها «يــتــاجــرون مـنـذ الـقـديـم مــع الـهـنـد وإيــــران والـسـواحـل العربية الجنوبية، ومع أفريقيا أيضًا». تجاوزت األبحاث املعاصرة هذه القراءات، وبات من املؤكد أن ماجان تقع في شمال إقليم عُمان، وأنها شـمـلـت أراضـــــي واســـعـــة مـمـا يُـــعـــرف الـــيـــوم بـــاإلمـــارات الـعـربـيـة املـتـحـدة، كـمـا أنـهـا شملت فـي بـعـض الحقب أراضــــــي تــقــع شـــمـــال مــحــافــظــة مــســنــدم الـــتـــي تــقــع في أقصى شمال عُمان، وتطل على مضيق هرمز. احتلت هــذه الـبـ د موقعًا مهمًّا على ساحل الخليج العربي وخليج عُمان في العالم القديم، ولعبت دورًا رياديًا في التجارة العابرة للخليج، ما بي بالد الرافدين وبالد وادي السند وبالد عيالم املمتدة على الهضبة اإليرانية فـي جـنـوب غـربـي آسـيـا. وكـانـت كما يـبـدو مملكة لها نظامها الخاص، ذكـرت النصوص املسمارية ملوكها «إينسي ماجان». خرج ميراث ماجان من الظلمة إلى النور بفضل أعــمــال املـسـح والتنقيب املـسـتـمـرة فــي زمـنـنـا، وتمثّل هذا امليراث بسلسلة من األبـراج املنتشرة على رؤوس الــجــبــال، وبـمـجـمـوعـة كـبـيـرة مــن املــقــابــر، إضــافــة إلـى مـجـمـوعـة أخــــرى مــن مـخـلـفـات صـهـر الــنــحــاس. حـوى هــــذا املــــيــــراث مــجــمــوعــة صــغــيــرة مـــن األخــــتــــام تشهد ،1990 ملمارسة هذه الصناعة في حقبة مبكرة. في عام استعرض الباحث األميركي دانيال بوت مجموعة من قطعة منها صورة ثور من فصيلة 11 ختمًا، حملت 29 الـدربـانـي، وهـي فصيلة «الزيبو» التي تُعرف بحدبة دهنية على أكتافها، ويـعـود أصلها إلــى شبه الـقـارة الهندية. صُنعت هذه األختام محليًا، غير أنها تحمل الـطـابـع الـــذي ســاد فـي وادي الـسـنـد، وتـشـهـد للعالقة الـوثـيـقـة الـتـي ربـطـت بــن بـــ د مــاجــان وبـــ د ملوخا، وهي البالد التي ذُكـرت كذلك في الكتابات املسمارية، واحتار أهل االختصاص في تحديد موقعها، واألرجح أنها في موقع يرتبط بوادي السند. في هذا السياق يبرز ختم مميّز عثرت عليه بعثة فــي مـوقـع رأس 1993 فرنسية إيـطـالـيـة مشتركة عـــام الجنز. يحتل هذا املوقع جغرافيًا أقصى نقطة في شرق شبه الجزيرة العربية، ويتبع محافظة جنوب الشرقية في سلطنة عمان، وهو موطن ملحمية سالحف، وفيه تـــم إجــــراء اكـتـشـافـات أثــريــة مـهـمـة، تـــدل عـلـى اتصاله بوادي السند في املاضي القديم. في هذا املوقع، عثرت البعثة الفرنسية اإليطالية على ختم «تجريدي» يحمل مــا يشبه كـتـابـات يصعب تفكيكها، كـمـا عـثـرت على ختم آخر زيّــن نقشًا تصويريًا آدميًا. خرج هذا الختم فـي تقرير املـسـح، ويعود 7 مـن املبنى الــذي حمل رقــم سـنــة قــبــل املـــيـــ د، ويــمــثّــل شخصي 2300 إلــــى نــحــو متجاورين يقفان منتصبي في وضعية واحــدة أمام ما يُشبه سعفة شجرة نخيل، احتلّت الطرف األيمن من مساحة الختم املستطيلة. تتكرر هذه القامة البشرية بشكل مفرد على ختم آخر من موقع رأس الجنز، حيث تـحـضـر إلـــى جــانــب بـهـيـمـة تـمـثـل عـلـى مـــا يــبــدو كلبًا سلوقي ًا. تبدو القامتان مجرّدتي من املالمح، وهما أقرب إلى خيالي حُددا بشكل واضح، والالفت أنهما يمثالن معًا نموذجًا تصويريًا يتكرّر في مجموعة محدودة من الشواهد، تعود إلى أواخر األلف الثالث قبل امليالد. من هـذه الشواهد، تبرز قطعة تُعرف بـ«حجر آدم»، وهو عـلـى األرجــــح حـجـر جـنـائـزي خـــرج مــن مــدفــن يصعب تـحـديـد مـوقـعـه، ونُــقــل إلـــى غـابـة الـعـمـيـري فــي الجهة الغربية من والية أدم بمحافظة الداخلية، حيث جرى استخدامه ضمن بناء حجري بسيط. حمل هذا الحجر اسم الوالية التي اكتُشف فيها، وهو حجر مسطّح يبلغ سنتيمترًا، أُضيف إلى 92 سنتيمترًا، وعرضه 61 طوله تأليفه األصلي بعض اإلشارات واألحرف العربية. يتجلّى هـذا التأليف فـي نقش ناتئ يمثل كذلك شخصي مـتـجـاوريـن، فـقـد أحـدهـمـا جـــزءًا مــن قامته. يظهر في الجهة اليمنى شخص يرتدي ثوبًا طويالً، رافـــعـــ يــــده الــيــســرى نــحــو أســـفـــل صـــــدره. ويــظــهــر في اليسرى شخص يبدو عاريًا، يرفع يـده اليسرى نحو األعـــلـــى. يــرمــز هـــذا الـتـألـيـف إلـــى طـقـس مـــن الـطـقـوس االجـتـمـاعـيـة والـديـنـيـة، ويـشـيـر إلـــى صـلـة الــقــرب على األرجـــــح، غـيـر أن تـفـسـيـره بـشـكـل جــلــي ال يــــزال يمثّل تحديًا للباحثي في ميدان اآلثار العُمانية. ختمان من موقع رأس الجنز وحجر من موقع آدم محمود الزيباوي كتابه «فن الهوى» بدا عابرا لألزمنة وأثار خلفه غبارا لم يهدأ أوفيد «مفتياً» للعشاق ودليلهم إلى الحب الناجح! قد يكون من الصعب على أي باحث في شؤون الــحــب والــعــشــق، أن يـتـجـاوز اإلســـهـــام الـفـريـد وغير املــســبــوق الــــذي قــدمــه الــشــاعــر الـــرومـــانـــي أوفـــيـــد في معظم كـتـابـاتـه، وفــي كتابه «فــن الــهــوى» على وجه الخصوص. وإذا كان الكتاب املذكور عابرًا لألماكن واإلثنيات والعصور، فإن األمر ليس عائدًا إلى أهمية موضوعه املتناول بالدراسة فحسب، بل إلى مقاربته الذكية ملوضوعه، فضال عن وضوح األفكار ونصاعة الـلـغـة واألســـلـــوب الــســاخــر واتـــســـاع دائـــــرة الـخـطـاب اإلنساني. عـــلـــى أن الـــنـــجـــاح االســـتـــثـــنـــائـــي الــــــذي أصـــابـــه أوفــيــد، ال يمكن أن تتم قــراءتــه بمعزل عـن الـشـروط الـذاتـيـة واملـوضـوعـيـة الـتـي وفّـــر تـضـافـرهـا للشاعر قبل امليالد، لعائلة 43 املولود بالقرب من رومـا عام أرستقراطية مرموقة، أسباب الـفـرادة والتميز. فقد قُــــدّر لـلـشـاب الـطـمـوح واملـــصـــاب مـنـذ يـفـاعـتـه بلوثة الشعر، أن يتابع دراساته العالية في مجاالت البالغة واألدب والقانون. كما وفر له تسنمه سدة القضاء في رومـا لسنوات عـدة، سبل «الوصاية» على العشاق، وإســـداء نصائحه وتوجيهاته لكل راغــب فـي تنكب املغامرة العشقية. ولــعــل الــنــجــاح الــبــالــغ الــــذي لـقـيـه «فـــن الــهــوى» في أوسـاط املجتمع الروماني عشية ظهور املسيح، ال يعود إلــى موهبة مؤلفه البحتة فحسب، بـل إلى كـــون أوفــيــد قــد كـتـبـه فــي ســن الـنـضـج تــمــامــ ؛ حيث كـــان قــد اكـتـسـب مــع بـلـوغـه األربــعــن قـــدرًا غـيـر قليل مـــن الـــخـــبـــرات والـــتـــجـــارب الـشـخـصـيـة الـــتـــي أحـسـن استثمارها ووضْعها بي يدي قرائه ومتابعيه. وهو أمر لم يكن ليتيسر له تحقيقه لو كان قد وضع كتابه في سن العشرين. ومن يتتبع فصول الكتاب املختلفة ال بـد أن يـ حـظ أن مؤلفه لـم يكن يـريـد فـي تصديه ملوضوع الحب أن يحذو حذو التراجيديات اإلغريقية التي يتسلط القدر على املشاركي فيها، أو أن يتبع مسار الحب الروحاني الصوفي الذي ال ينال الجسد من خالله أي نصيب، بل رأى إلى الحب بوصفه نوعًا من املتعة واللهو واللعبة املـاكـرة، الـذي جهد في أن يضع لها أصوال وقواعد. ويــنــوه أوفــيــد فــي مـقـدمـة الـكـتـاب إلـــى أنـــه أراد أن يضع خبرته وعمله املضنيي في خدمة الشبان والـــشـــابـــات مـــن األجـــيـــال كـــافـــة، لـكـي يـسـاعـدهـم على تـــجـــاوز مـكـائـد الــحــب وآالمـــــه وعـــثـــراتـــه، بــأقــل تكلفة مــمــكــنــة. كــمــا يـــوضـــح لـــقـــرائـــه أن فــيــنــوس هـــي الـتـي اختارته كشاعر، لكي يكون وصيًا على ابنها املتحفز على الدوام إلطالق سهامه الجارحة على العاشقي. وإذا كــان قـد قــرر االنـتـقـام مـن كيوبيد، فــ ن سهامه املسمومة كادت أن تصيبه في مقتل، ذات حب جارف. ويـــخـــصـــص الـــشـــاعـــر الــــجــــزء األول مــــن كــتــابــه إلرشــاد الشبان املتعطشي للحب إلـى الطرق املثلى لـإيـقـاع بـالـنـسـاء، معتمدًا عـلـى خـبـرتـه الشخصية وثقافته الواسعة وذكائه املتوقد. وهـو إذ يستثني مـن استهدافاته الـنـسـاء الـحـرائـر املـحـصـنـات، فألنه كــان خائفًا مـن بطش اإلمــبــراطــور، رغــم أنــه يستطع دفعًا لهذا البطش في نهاية األمر. وحيث يعد أوفيد أن الـفـرق ليس شاسعًا بـن الحب والـحـرب، أو بينه وبـــن الـصـيـد، فـهـو يطلب مــن الــرجــل أن يـحـدد نـوع الطريدة التي يالحقها، ألن الفخاخ واألسلحة التي تنجح في تصيد امرأة من طراز ما ال تفلح في تصيد امــرأة من طــراز آخــر، رغـم أنـه يـرى في معظم النساء نقاطًا مـن الضعف تمكّن الـرجـل العاشق مـن الظفر بهن في نهاية املطاف. وأوفـيـد الـــذي يُظهر معرفة واسـعـة بعلم نفس املـــرأة، ال يـرى معظم حــاالت التمنع بوصفها رفضًا قاطعًا للرجل العاشق، بل يرى فيها اختبارًا لنياته، ووسيلة ناجعة إلذكاء رغبته. وألن نساءه املعنيات باملخاطبة لسن أبـدًا من بائعات الهوى الساقطات، بــل مــن الـشـرائـح االجـتـمـاعـيـة املــوزعــة بــن املحافظة والــتــحــرر، فـهـو يـوصـي الـشـبـان بـاسـتـخـدام املعرفة واالطالع واألجوبة الحاذقة كأداة ناجعة لالستحواذ على إعجاب معشوقاتهن املستهدفات. كما أنه يحذر الرجال من الجمال الخادع الـذي تظهر عليه النساء في حالة الشراب أو تحت أضواء املصابيح الخافتة، داعيًا كل شـاب طامح للفوز بقلب امــرأة إلـى تجاوز مخاوفه، بالقول: املرأة في كل مكان صيد سهل انصب شرَكك وكفى تغريد الطير قد يسكن في كل ربيع وصرير الجندب قد ينقطع في الصيف لكن املرأة ال تصمد إذا انساب في أذنيها معسول الغزل إال أن أوفيد العارف بطباع املرأة ودواخلها يؤكد فـي الـجـزء الـثـانـي على أن املحافظة على االنتصار أصـعـب مــن بـلـوغـه. فــاألهــم فــي عملية الـعـشـق ليس الوصول إلى قلب املرأة، بل العمل املضني للبقاء في صميمه؛ حيث الحظ يلعب لعبته في البدء، بينما ال بد الحقًا من استخدام الحذق واملـهـارة. وهـو يشير إلى أن الغاية من كتابه لم تكن تلقي األغنياء فنون الهوى، ألن أموالهم الطائلة تتكفل وحدها بإغواء من يـشـاؤون، مؤكدًا أنـه أراد االنتصار لحق الفقراء في الـحـب، وتـزويـدهـم بما يحتاجونه مـن عـدة املغامرة ومستلزماتها. وهو يدعو العشاق العازبي إلى ترك األزواج والزوجات يغرقون في شجاراتهم املتواصلة، لجعل السلوك الـحـاذق والـغـزل الطري يقومان مقام الهدايا الثمينة. فالحب والعشق ال ينموان في رأيه إال فـــي أرض الـتـدلـيـل واألصــــــوات الـنـاعـمـة والــكــ م املنمق. وفـــيـــمـــا يــــؤكــــد أوفــــيــــد أن فــــي كـــلـــمـــات اإلطـــــــراء الشاعرية ما يغني العاشق عن تقديم املال ملعشوقته، يـعـود ليسخر مــن كـلـمـات الــغــزل الـتـي ال تُــسـمـن وال تغني من جوع، فيهتف بعاشقه الفقير قائالً: هل أنصحك بأن ترسل أشعارًا عاطفية؟ واأسفاه، فالشعر عظيم، لكنه لن يلقى ما يليق به فهي قد تمتدح قصيدك لكن أثمن ما تَنشدُه هو ما تُهديه إليها فال تعجب إن نال الهمجي األحمق إعجاب فتاتك ما دام غنيًا أمـــا الــجــزء الـثـالـث مــن الـكـتـاب فيكرسه املـؤلـف لتزويد النساء بالوسائل الناجعة التي تكفل لهن االســـتـــحـــواذ عــلــى قـــلـــوب الــــرجــــال، وتــجــنــب الـكـسـاد املحبِط والعنوسة البائسة. وهو إذ يخاطب النساء بقوله «ليس من العدل أن أعرّضكن عزّال من السالح أمـــــام عــــدو كـــامـــل الــــعــــدة»، يــــرى أن عــلــى الــــرجــــال أن يشكروه على فعلته، ألنه ال يليق بهم االنتصار على كائنات ضعيفة ومجردة من السالح. وهو ال يتردد في إطالع املرأة على قواعد السلوك املثلى مع الرجل، وحثها على العناية بمظهرها وحماية جمالها من التلف دون مبالغة أو أفــراط. ويحذر املؤلف النساء مـــن تـصـديـق الـــرجـــال املـــخـــادعـــن، مـــن ذوي الـشـعـور املـمـزوجـة بالطيب واملـفـرطـن فـي التزين بالخواتم، فقد يكون أشدهم أناقة لصًا ال يهيم باملرأة لذاتها، بل بما تملكه من أموال. أوفيد شوقي بزيع أراد أوفيد أن يساعد الشباب على تجاوز مكائد الحب وآالمه وعثراته «أيام الماعز» وأفالم «الماساال»! ال تـخـتـلـف روايـــــة «أيـــــام املـــاعـــز»، عـــن الفيلم الـــذي حـمـل اسـمـهـا، كـ هـمـا يتخفف مــن القيود املهنية لصالح الحكاية التي تُــروى. في العملي كليهما هيمنت السردية التي أصبحت «قضية» تــم طرحها بشكل صـــارخ ومثير وصـــادم أيضًا، لــتــحــاكــي تــمــامــ الــســيــنــمــا الـــتـــجـــاريـــة املـخـلـوطـة بــالــبــهــارات الــهــنــديــة الـــحـــارة واملـــشـــوقـــة، والــتــي، باملناسبة، يُطلق عليها أيضًا أفالم «املاساال». الـروايـة على بساطتها وأسلوبها اإلنشائي وخـــلـــوّهـــا مـــن املــعــايــيــر املـهـنـيـة لـــلـــروايـــة، جـــاءت مثيرة، ألنها صيغت ضمن خلطة هندية بامتياز تجمع بـن الفقر واالسـتـغـ ل والقهر والعبودية والـــضـــعـــف، مـــع ثــيــمــات روحـــيـــة المـــســـت الـقـصـة فأوقدت فيها معاني وجدانية، أسهمت املوسيقى والـغـنـاء فـي صناعة توليفة سـاحـرة وشعبية... وهو بالضبط ما تفعله أفالم «املاساال»! السعوديون الذين صدمهم الفيلم كانوا على حـــقّ. ومـــن حقهم أن يـــروا أن زمـنـهـم تــجــاوز هـذا الفيلم بـمـراحـل، فـضـ عـن أولـئـك الـذيـن جـادلـوا بأن وجود شخص سيئ ال يعني مجتمعًا سيئًا، وأن الغالبية العظمى مـن الـنـاس فـي هـذه البالد يـنـبـذون الظلم ويميلون نحو الـرحـمـة والعطف واإلحسان. لكن ليست هنا القضية... القضية أن الفيلم أظـــهـــر أن األمـــــة األكـــبـــر عــلــى وجــــه الـــكـــوكـــب الـتـي تجاورنا ال تعرفنا، أظهر أن هناك فجوة ثقافية 4 بيننا وبـن األمـة الهندية التي يعيش أكثر من ماليي من أبنائها في بالدنا ومثل هذا العدد في دول الخليج من حولنا، يمثلون أكبر تجمع هندي خـارج القارة، يمثلون نحو نصف عدد املغتربي مليون 18 الهنود في العالم الذين يقدّر عددهم بــ نـسـمـة. الـــروايـــة والـفـيـلـم مـعـ يـبـالـغـان فــي وصـف «الـعـربـي» بصفات ال تـــدل على املـعـرفـة، بـل تبدو كأنها كُتبت فـي الـظـ م. بكثير مـن التهويل يتم نـحـت شخصية الـعـربـي بسكي فــي حـجـر لتبدو راسخة على مدى السردية، فهي: متوحشة، فظة، عبثية، وســخــة، ال تستحم وال تتنظف، أعينهم كعيون السمك امليت...! وال يجد الكاتب حرجًا في أن يصوّر ما يسميه العربي، واملقصود السعودي، وهــو ينهال على الـعـامـل املسكي وهــو فـي باحة الـسـجـن وعـلـى مـــرأى الــحــراس حـيـث «انــدفــع إليه كنمر جائع، وأمطره بوابل من الضربات، متسلحًا ). وكيف 28 بـكـل مـن يــده وحــزامــه وعـقـالـه»، (ص فاته أن (الحزام والعقال) ال يجتمعان في جزيرة العرب؟! لـــكـــن، بـــــدل إلــــقــــاء الــــلــــوم عـــلـــى الــفــيــلــم وعــلــى املمثلي، دعونا نجتهد قليال في تعريف أنفسنا للشعوب مـن حولنا، ونـعـرّف أنفسنا للجاليات الــتــي تـعـيـش بيننا وتـشـاركـنـا الـعـمـل والتنمية واملــصــيــر. خـصـوصـ أن شــعــوب ســاحــل الخليج متشربون بالثقافة الهندية، ووجودها بـارز في عاداتهم وتقاليدهم وطعامهم وتراثهم الشعبي، وكانت خطوط التجارة مزدهرة بي هذه البلدان والـــهـــنـــد قــديــمــ وحـــديـــثـــ ، وثـــمـــة ســـمـــات روحــيــة واجتماعية مشتركة بي الجانبي... وأمام حالة إخفاق، هناك آالف الحاالت والتجارب الناجحة، وأكثر ما يميّز الجاليات اآلسيوية أنها تختلط تـمـامـ بالنسيج االجـتـمـاعـي املـحـلـي، وثــمــة ثقة متبادلة بي الطرفي. أمــام هـذا الفيلم الهندي، وأمــام الحاجة إلى التواصل، نستذكر السينمائي واملخرج املسرحي الـهـنـدي (الـسـعـودي األصــــل)، إبـراهـيـم حمد علي الـــقـــاضـــي، الـــــذي وُلـــــد قــبــل نــحــو قــــرن مـــن الـــزمـــان ، وعـمـل مبكرًا على 1925 فـي مدينة «بــونــا» عــام تأسيس الفنون في الهند، وأصبح رائـد اإلنتاج املـسـرحـي وعـمـ ق األدب الـهـنـدي، وألَّـــف وأخــرج مـسـرحـيـة، وأسَّــــس مـنـظـمـات تُعنى 50 أكــثــر مــن بالفنون وتنمية املــواهــب، وأشـــرك كبار املمثلي الهنود في مسرحياته، وبعضهم بدأ مسيرته معه عبر مسرحه، ويُــعـد املـؤسـس الحقيقي للمسرح الـهـنـدي بشكله األكـاديـمـي الــراقــي املـتـطـور. وفي املـحـصـلـة، فـقـد تـــرك أكــبــر األثــــر فــي تـأسـيـس أهـم حــركــة مـسـرحـيـة عـرفـتـهـا الــهــنــد، وتـتـلـمـذ بعض أهم روّاد «بوليوود» على يديه حي دراستهم في مدرسة «الـدرامـا الوطنية» التي أسَّسها وأدارهـا لـخـمـسـة عـشـر عـــامـــ . وقـــد كـــان لـلـقـاضـي الفضل األكبر في إحـداث نقلة تاريخية في التراث الفني للهند، تـأتّــى ذلــك مـن مزيج الثقافات التي اطَّلع عليها ودرسها وقطف أينع ثمارها عائدًا بها إلى الهند، كاإلنجليزية واليونانية. يمكن للعمل األدبـــي والفني أن يبني جسرًا لـــلـــتـــواصـــل بــــن الـــثـــقـــافـــات، وأن يـــوقـــظ الــشــعــور باإلنسان وبكرامته، ويمكنه أن يثير العصبيات البغيضة، املهم هي كيفية االستجابة.

RkJQdWJsaXNoZXIy MjA1OTI0OQ==