issue16717

10 أخبار NEWS Issue 16717 - العدد Wednesday - 2024/9/4 األربعاء ASHARQ AL-AWSAT قواته تواصل التقدم في دونيتسك وتعلن عن «خسائر فادحة» لكييف في كورسك بوتين يتحدى «الجنائية » في منغوليا لتعزيز الشراكة العسكرية سار الرئيس الروسي فالديمير بوتني خطوة جـديـدة، الثالثاء، في كسر الحصار الـــدولـــي املـــفـــروض عـلـيـه مــن جــانــب الــغــرب، وإظهار قدرته على تطوير العالقات بحلفاء بـــــــ ده رغــــــم الـــصـــعـــوبـــات الــــتــــي تــواجــهــهــا روســـــيـــــا، ومــــســــاعــــي مـــ حـــقـــتـــه مــــن جــانــب محكمة الجنايات الدولية. وشـكـلـت الـــزيـــارة الـتـي قـــام بـهـا بوتني إلـــــى مــنــغــولــيــا املـــــجـــــاورة واســـتـــمـــرت يــومــا واحـــــــــدًا، نــقــطــة فــــارقــــة فــــي تـــحـــدي الـــغـــرب، لــكــونــهــا الـــــزيـــــارة األولـــــــى لـــبـــوتـــ إلـــــى بـلـد عضو فـي محكمة الـجـنـايـات الـدولـيـة التي أصـدرت العام املاضي مذكرة اعتقال ضده. وسبق لبوتني الذي قلص إلى درجة كبيرة تــحــركــاتــه الـــخـــارجـــيـــة مــنــذ انــــــدالع الــحــرب فــي أوكــرانــيــا، أن قـــام بــزيــارات نــــادرة داخــل الفضاء السوفياتي السابق، كما زار الصني وكوريا الشمالية. وحـــظـــي بـــوتـــ بـاسـتـقـبـال دافـــــئ لــدى وصـولـه إلـى العاصمة املنغولية فـي الليلة السابقة قبل بــدء الــزيــارة العالية املستوى الـــتـــي تـــعـــد تـعـبـيـرًا عـــن الــتــحــدي للمحكمة وكـــيـــيـــف والــــغــــرب ومـــجـــمـــوعـــات حــقــوقــيــة، والتي دعت جميعها إلى اعتقاله. والتقى بعد ذلك بالرئيس أوخنانغني خــورلــســوخ فـــي ســاحــة جـنـكـيـز خـــان وسـط العاصمة. وعزفت فرقة موسيقى عسكرية الـنـشـيـديـن الـوطـنـيـ الــروســي واملـنـغـولـي، بـيـنـمـا وقــــف الـــرئـــيـــســـان فـــي الـــســـاحـــة قــرب جــنــود مـنـغـولـيـ بـــزي تـقـلـيـدي وبعضهم على األحصنة. وبــــدا االرتــــيــــاح عــلــى الــزعــيــم الــروســي وهــــــو يــــجــــدد عــــ قــــات الـــتـــحـــالـــف الــوثــيــقــة الـتـي كـــان االتــحـــاد الـسـوفـيـاتـي الـسـابـق قد أقامها مع الجمهورية املـجـاورة التي تقيم عالقات متوازنة بكل من الحليفني الروسي والصيني. ووصــف نتائج املـفـاوضـات مـع نظيره املنغولي أوخناجني خوريلسوخ في أوالن باتور بأنها شكلت نقطة تحول مهمة نحو تعزيز العالقات التقليدية. وقال: «خالل مفاوضات اليوم، ناقشت أنا والرئيس خوريلسوخ مجموعة واسعة من قضايا التفاعل في املجاالت السياسية واالقتصادية واإلنسانية، وتبادلنا وجهات الـنـظـر حـــول املـشـكـ ت الـدولـيـة واإلقليمية األكثر إلحاحا». وأشـــــــــار الــــرئــــيــــس إلــــــى أنــــــه تـــــم خـــ ل االجـــتـــمـــاع إيــــ ء كـثـيـر مـــن االهـــتـــمـــام لـبـنـاء الـــعـــ قـــات الـــتـــجـــاريـــة واالســـتـــثـــمـــاريـــة ذات املنفعة املـتـبـادلـة. وفــي الـوقـت نفسه، أشـار إلى أن روسيا هي أحد الشركاء االقتصاديني األجانب الرئيسيني ملنغوليا. وأشـــــــــــــــار بـــــــوتـــــــ إلــــــــــى أن مــــوســــكــــو تــســتــجــيــب دائــــمــــا لـــطـــلـــبـــات أوالن بــــاتــــاور لتلبية االحتياجات املتزايدة للوقود ومواد التشحيم، بما في ذلك الشروط التفضيلية. وشـــــــدد عـــلـــى أن روســـــيـــــا زودت اقـــتـــصـــاد الـجـمـهـوريـة لـفـتـرة طـويـلـة وبـشـكـل مـوثـوق بموارد الطاقة املطلوبة. ووفقا لبوتني فإن فـي املـائـة مـن احتياجات منغوليا 90 نحو من البنزين والـديـزل جـاء العام املاضي من روسيا. وتوقف بوتني بشكل خاص عند ملف الــتــعــاون الـعـسـكـري الـتـقـنـي والـــتـــعـــاون في مجال مكافحة اإلرهـــاب، مـع منغوليا التي تعد بـ أبـــرز الـشـركـاء العسكريني لـبـ ده. وقـــــال إن تــعــزيــز تــفــاعــل الــبــلــديــن فـــي هــذه املجاالت يساهم في ضمان األمن في آسيا. كـــمـــا نـــــوه إلـــــى انـــفـــتـــاح مـــوســـكـــو عـلـى إطـــــ ق مـــشـــاريـــع نـــوويـــة سـلـمـيـة مـــع أوالن باتور. وشـــــدد عــلــى أن «الـــعـــمـــل املـــشـــتـــرك مع األصـــــدقـــــاء املـــنـــغـــولـــيـــ واالتــــفــــاقــــات الــتــي تـــم الــتــوصــل إلـيـهـا سـتـسـاهـم فـــي مـواصـلـة تطوير الشراكة الروسية املنغولية متعددة األوجه». وخــــــ ل الـــــزيـــــارة وصـــــف بـــوتـــ خـــ ل اجــــتــــمــــاعــــه مــــــع رئـــــيـــــس وزراء مـــنـــغـــولـــيـــا لــوفــسـانــمــســريــن أويــــــون إرديـــــــن، الــعــ قــات بمنغوليا بأنها أولـويـة بالنسبة لروسيا، واآلن يـــــواجـــــه الــــبــــلــــدان مـــهـــمـــة تــنــويــعــهــا وتعزيزها بمجاالت جديدة. وتــأتـي زيــــارة الـرئـيـس الــروســي وسـط جدل حول مذكرة «االعتقال» التي أصدرتها املحكمة الجنائية الدولية مع قبول منغوليا اختصاص املحكمة الجنائية الدولية، لكن مـوسـكـو بـــدت مطمئنة عـلـى هـــذا الصعيد، وقـــال السكرتير الـصـحـافـي لـرئـيـس الـدولـة ديمتري بيسكوف، ردًا على ســؤال عما إذا كانت هناك مفاوضات مع أوالن باتور بشأن هـــذه املـسـألـة، إن جميع جــوانــب الـرحـلـة تم إعدادها بعناية. وأعـــــربـــــت كــيــيــف عــــن اســـتـــيـــاء بـسـبـب الـــــزيـــــارة، مــتّــهــمــة مــنــغــولــيــا بـــ«املــســؤولــيــة املشتركة» مـع روسـيـا عـن «جــرائــم الـحـرب» الــــتــــي لــــوحــــق بــــوتــــ مــــن جــــانــــب املــحــطــمــة الــدولــيــة بـسـبـبـهـا، وحــضّــت مـنـغـولـيـا على تــطــبــيــق مــــذكــــرة الـــتـــوقـــيـــف، بــيــنــمــا أفـــــادت املحكمة الجنائية الدولية األسبوع املاضي، بـــأن مــن «واجـــــب» جميع أعـضـائـهـا اعتقال املطلوبني من قبل املحكمة. ولــم تُـــدِن منغوليا العملية العسكرية الــــروســــيــــة فـــــي أوكـــــرانـــــيـــــا، وامـــتـــنـــعـــت عـن التصويت خالل الجلسات املتعلّقة بالنزاع في األمم املتحدة. رغم ذلك، خرجت مظاهرة صغيرة في العاصمة املنغولية قبل الزيارة، رفع خاللها بعض املحتجني الفتة كتب عليها «أخرجوا مجرم الحرب بوتني من هنا». ومــنــعــت اإلجــــــــراءات األمـــنـــيـــة املـــشـــددة مـظـاهـرة أخــــرى كــانــت مــقــررة الــثــ ثــاء، من االقتراب من مكان وجود الرئيس الروسي. وتـجـمّــع املحتجون بـــدال مـن ذلــك على مــقــربــة مـــن «الــنــصــب الـــتـــذكـــاري املـخـصـص للمقموعني سياسيا»، الذي يكرّم األشخاص الــــذيــــن عــــانــــوا فــــي ظــــل الـــنـــظـــام الــشــيــوعــي املـدعـوم من االتـحـاد السوفياتي الــذي حكم منغوليا لعقود. 85 وتـــأتـــي الـــزيـــارة إلحـــيـــاء لــلــذكــرى الــــ النـتـصـار حـاســم حققته الـــقـــوات املنغولية والسوفياتية على اليابان. وقــبــل الــــزيــــارة، أشــــار بــوتــ إلـــى عـدد مــن «املــشــروعـــات االقـتــصـاديــة والصناعية الـــواعـــدة» بـ الـبـلـديـن، فـي مقابلة أجرتها معه صحيفة «أونودور» املنغولية ونشرها الكرملني. وقـــــــــال إن هــــــــذه املــــــشــــــروعــــــات تــشــمــل بـنـاء خـط ألنـابـيـب الـغــاز يـربـط بــ الصني وروسيا ويمر باألراضي املنغولية. وأضـــاف أنــه «مهتم بمواصلة العمل» باتّجاه عقد قمة ثالثية مع نظيريه املنغولي والصيني. مـــن جــانــبــهــا، حــــــذّرت مـنـظـمـة «الـعـفـو الـــدولـــيـــة»، االثــــنــــ ، مـــن أن فــشــل مـنـغـولـيـا فـــي تــوقــيــف بــوتــ يـمـكـن أن يـــقـــوّض أكـثـر شرعية املحكمة الجنائية الدولية، ويعطي دفـعـة إلــى األمـــام لبوتني لتحدي السلطات القضائية الدولية. وقـــــالـــــت املــــــديــــــرة الـــتـــنـــفـــيـــذيـــة ملـنـظـمـة «الـــعـــفـــو الــــدولــــيــــة» بــمــنــغــولــيــا، ألــتــانــتــويــا باتدورج، في بيان، إن «الرئيس بوتني فار من الـعـدالـة... أي زيــارة إلـى دولــة عضو في املحكمة الجنائية الدولية ال تنتهي بتوقيفه فـسـتـشـجّــع الــرئــيــس بــوتـــ عــلــى مـواصـلـة سلوكه الحالي، ويجب أن يُنظر إليها على أنـهـا جــزء مـن جهد استراتيجي لتقويض عمل املحكمة الجنائية الدولية». وتـــأتـــي زيــــــارة بـــوتـــ فـــي وقــــت معقد للغاية على صعيد العمليات الحربية في أوكرانيا. وفي حني تواصل القوات الروسية تقدمها البطيء ولكن املستمر على محور دونيتسك جنوب الـبـ د، وتعزز هجماتها الكثيفة فـي اتـجـاه خـاركـيـف شـرقـا، تواجه البالد منذ بداية الشهر املاضي أكبر اختراق أوكـــــرانـــــي داخــــــل الـــعـــمـــق الـــــروســـــي. بـعـدمـا نجحت كييف في التوغل بشكل مفاجئ في إقليم كورسك الـروسـي الـحـدودي وبسطت سيطرتها على عشرات البلدات والقرى. وخـــــ فـــــا لـــلـــتـــأكـــيـــدات الــــروســــيــــة بـــأن الـــهـــجـــوم تــــم تــنــســيــقــه بــعــنــايــة بــــ كـيـيـف وحليفاتها في الغرب، نقلت وسائل إعالم حكومية روســيــة، الـثـ ثـاء، تـقـريـرًا نشرته مجلة «فورين أفيرز» األميركية خلص إلى أن «الهجوم األوكراني على مقاطعة كورسك ســـلـــط الــــضــــوء بــشــكــل حـــــاد عـــلـــى االفـــتـــقـــار الـــواضـــح لـلـتـنـسـيـق بـــ كـيـيـف وحـلـفـائـهـا الغربيني». وكـــتـــب مـــايـــكـــل كـــوفـــمـــان، الــخــبــيــر فـي مـؤسـسـة كـارنـيـغـي وروب لـــي، الـخـبـيـر في معهد أبحاث السياسة الخارجية األميركية فــي مـقـال لـــ«فــوريــن أفـــيـــرز»: «إذا كـــان األمــر قبل الهجوم غير واضـــح، فـإن هـذا الهجوم يـسـلـط الـــضـــوء بـشـكـل حــــاد عــلــى االفــتــقــار الواضح الستراتيجية منسقة بني أوكرانيا وشركائها الغربيني». وأضاف الكاتبان أن «مثل هذا التحول فـــي األحــــــداث يـجــب أن يــــؤدي إلــــى مـراجـعـة االســـتـــراتـــيـــجـــيـــة الـــحـــالـــيـــة (لـــشـــركـــاء كـيـيـف الغربيني) في هذه الحرب». وفي الوقت نفسه، يؤكد كوفمان ولي، أن «الــواليــات املتحدة ال تـعـرف كيف يمكن إنهاء الصراع في أوكرانيا بشروط مواتية لكييف». ومع استمرار مواجهة موسكو الهجوم األوكــرانــي، شهدت الجبهة الشرقية تقدما مــهــمــا لـــلـــقـــوات الـــروســـيـــة الـــتـــي بـــاتـــت على بعد كيلومترات قليلة مـن مدينة كراسنو آرمـيـيـسـك، (بـاكـروفـسـك بــاألوكــرانــيــة) التي تعد مركزًا لوجيستيا حيويا لقوات كييف، فــــي ظــــل مـــكـــاســـب مـــيـــدانـــيـــة مـــســـتـــمـــرة مـنـذ أسابيع كانت آخرها السيطرة على بلدتي بتيتشيا وفييمكا في دونيتسك. وفـــي أحـــدث حصيلة روســيــة لــم تؤكد كييف صحة املعطيات الواردة فيها، أعلنت وزارة الدفاع الروسية، الثالثاء، أن قواتها عـسـكـري 8900 نــجــحــت فــــي الـــقـــضـــاء عـــلـــى دبابة ومئات املدرعات 80 أوكراني وتدمير والــــدبــــابــــات وراجــــمــــات الـــصـــواريـــخ لــقــوات من 6 كــيــيــف فـــي مــقــاطــعــة كـــورســـك مــنــذ الــــــ أغسطس (آب) عندما شنت كييف هجومها املباغت. قـالـت الــقــوات الـجـويـة األوكــرانــيــة إنها طــــائــــرة مـسـيـرة 35 مــــن أصـــــل 27 أســـقـــطـــت أطلقتها روسيا خالل هجوم الليلة املاضية. وأضـــافـــت الـــقـــوات الـــجـــويـــة، فـــي بـــيـــان على تــطــبــيــق «تــــلــــغــــرام»، أن الـــــقـــــوات الـــروســـيـــة اســـتـــخـــدمـــت ثــــ ثــــة صــــــواريــــــخ بــالــيــســتــيــة وصاروخا موجها في الهجوم. قــــال الـــرئـــيـــس األوكـــــرانـــــي فـولـوديـمـيـر شخصا على األقــل قُتلوا 41 زيلينسكي إن ، الـــثـــ ثـــاء، عـنـدمـا 180 وأُصــــيــــب أكـــثـــر مـــن اســـتـــهـــدفـــت روســـــيـــــا بــــصــــاروخــــ مــعــهــدًا عسكريا في مدينة بولتافا بوسط أوكرانيا فـــي أعــنــف هــجــوم مـنـفـرد مـنـذ بـــدايـــة الـعـام الـــحـــالـــي. وأضـــــــاف زيــلــيــنــســكــي فــــي مـقـطـع مصور أن القوات الروسية أطلقت صاروخني باليستيني، مما ألحق أضــرارًا بمبنى تابع ملعهد االتـــصـــاالت الـعـسـكـري. وأمـــر بـإجـراء تحقيق شامل وسريع في مالبسات الهجوم. وبحسب وزارة الخارجية األوكــرانــيــة، فإن نوعية األسـلـحـة املستخدمة لـم تـتـرك وقتا يُــذكـر للناس إليـجـاد ملجأ بمجرد انطالق اإلنذار الجوي. وقــــــــال وزيــــــــر الــــداخــــلــــيــــة األوكـــــــرانـــــــي، 25 إيـــــهـــــور كـــلـــيـــمـــيـــنـــكـــو، إنـــــــه «تـــــــم إنـــــقـــــاذ شــخــصــا، عــلــى األقـــــل، مـــن تــحــت األنـــقـــاض. وفـــي املـنـطـقـة السكنية املـــجـــاورة، تحطمت النوافذ وتـضـررت الواجهات بسبب موجة االنفجار». الرئيس الروسي فالديمير بوتين والرئيس المنغولي أوخناجين خوريلسوخ (أ.ف.ب) موسكو: رائد جبر كييف: «الشرق األوسط» بوتين يخطو خطوة جديدة في كسر الحصار الدولي المفروض عليه روسيا... بأي اتجاه؟ ال يمكن لروسيا أن تهرب من قدرها الـــجـــغـــرافـــيّ... ال يـمـكـن لـروسـيـا أن تهرب مــن تــاريــخ حـروبـهـا؛ إن كـانـت مــع الـشـرق اآلســــيــــوي فـــي الــــغــــزوات املــغــولــيّــة، أو من الغرب بغزوات نابليون وهتلر. إنها األمة الـقـلـقـة. مـتـطـلّــبـاتـهـا األمــنــيــة أكــبــر بكثير من إمكاناتها املاديّة. وصفها السيناتور األميركي الراحل جون ماكني بأنها محطّة بنزين تتنكّر فـي دولـــة. وصفها الرئيس األميركي األسبق باراك أوباما بأنها «قوّة كبرى؛ لكن إقليمية». يــمــكــن وصـــــف تــــاريــــخ روســــيــــا بــأنــه «صـراع سيزيفي»؛ (أسطورة سيزيف من أكبر األساطير اليونانية القديمة شهرة بسبب عقوبته فـي العالم السفلي)، فهي كانت، وال تزال، مُضطرة إلى إثبات نفسها وانتزاع الشرعية واالعتراف بها من الغرب على أنها «قوّة عظمى». لذلك تلعب روسيا دائـــمـــا دور الـــ عـــب «املُـــعـــطِّـــل - املُـــخَـــرْبِـــط )» على مسرح النظام العامليّ... Disruptor( )» مع Asymmetry( تلعب لعبة «الالتماثل الغرب. تعبّئ الفراغ وتوجد حيث ال يوجد الغرب... هكذا هو دور شركة «فاغنر» في «القارة السوداء». يـــتّـــســـم تــــاريــــخ روســــيــــا بـــأنـــه تـــاريـــخ الصراع مع الغرب، فنادرًا ما كانت تتجّه شرقا، إال لخلق العازل الـذي يحمي مركز الـثـقـل الــســيــاســيّ؛ مــوســكــو. وسّــــع إيـفـان الرهيب الوجود الروسي شرقا حتى جبال األورال، فخلق العازل شرقا. وسّع بطرس األكــبــر مـسـاحـة روســيــا غــربــا، فــهــزم امللك الـسـويـدي وبـنـى مدينة بطرسبرغ. تنكّر بطرس األكبر في ثياب عادية ليزور أوروبا الغربية؛ فقط ليتعرّف على التكنولوجيا الــغــربــيّــة، خــصــوصــا فـــي مــجــالَــي املــ حــة البحريّة وبناء السفن. أما كاترين الكبرى، فــهــي الــتــي وسّـــعـــت نــطــاق االمـــبـــراطـــوريّـــة جنوبا باتجاه البحر األســـود، فسيطرت على شبه جزيرة القرم، وأسست لألسطول البحري الروسي هناك. يُــنـسـب لـكـاتـريـن الـكـبـرى أنـهـا قـالـت: «لـــــو عـــشـــت مـــائـــة ســـنـــة، لــكــنــت أخـضـعـت أوروبا، وضربت عنجهيّة الصني، وفتحت الباب واسعا أمام التجارة مع الهند». فهل ال تـــزال روســيــا الــيــوم ضـمـن هـــذا النطاق الجغرافيّ؟ بالطبع. »)Great Game( خالل «اللعبة الكبرى في آسيا الوسطى مع بريطانيا، اتُّفق على خلق منطقة عـازلـة بـ اإلمـبـراطـوريـتـ ّ، فـــــــكـــــــان «خـــــــــــــط مـــــــورتـــــــمـــــــور دورانـــــــــــــــــــد»، الدبلوماسي البريطانيّ، األمر الذي خلق ما تسمى اليوم دولة أفغانستان. في كل نظام عاملي مُستحدث، تسعى روســيــا إلـــى حـجـز مكانها عـلـى أنـهـا قــوّة عظمى. شكّلت فـتـرة الـحـرب الــبــاردة أهـم مرحلة لروسيا بوصفها قوّة عظمى؛ ففي هـذه املرحلة كانت روسيا الند األساسي لـــــ«الــــعــــم ســـــــام» فــــي نــــظــــام عــــاملــــي ثـــنــائـــي القطب. كما شكّلت مرحلة الحرب الباردة االمتداد الجغرافي األقصى لروسيا. لكن قدر روسيا الجغرافي يترنّح بني االمتداد واالنحسار، فعند كل تمدّد تتسبب روسيا فـي مشكالت جيوسياسيّة ألوروبــــا، كما عـــنـــد كــــل انـــحـــســـار، خـــصـــوصـــا أن مــوجــة االنحسار تكون عادة مؤقتة؛ ألنها تشكّل مـرحـلـة االســـتـــعـــداد لـلـتـمـدد مـــجـــدّدًا، كما موج البحر. إذا أردت أن تـعـرف الـسـلـوك الحالي لـلـرئـيـس الـــروســـي فـ ديـمـيـر بــوتــ ، فما عليك إال قـــراءة نـص خطابه فـي «املؤتمر . شـكّــل 2007 األمــــنــــي» فـــي مــيــونــيــخ عــــام هــــذا الـــخـــطـــاب خــريــطــة طـــريـــق لـلـمـخـطّــط الــجــيــوســيــاســي لــلــرئــيــس بـــوتـــ . رفــض الهيمنة األميركية األحــاديّــة على العالم، وانـتـقـد اسـتـعـمـال أمـيـركـا الــقــوّة املـفـرطـة؛ «األمـر الـذي جعل العالم أقـل أمنا». وختم بالقول إن القيم األميركيّة ليست كونيّة. ذهب بوتني بعدها إلى حرب محدودة في جورجيا. بعدها جرّب عسكره وعتاده في الحرب السوريّة. لكن التحوّل األكبر كان في غـزوه أوكرانيا. عاقبه الغرب، وعزله، وساعد أوكرانيا على الصمود، كما وسّع حلف «الناتو» ليضيق الخناق أكثر حول روسيا. الشرق مقابل الغرب يــــــتّــــــبــــــع حــــــالــــــيــــــا الـــــــرئـــــــيـــــــس بــــوتــــ Look East( ْ استراتيجيّة «إلــى الشرق دُر )». لكن األسـس والبنى التحتيّة Strategy لـــــهـــــذه االســــتــــراتــــيــــجــــيّــــة لـــيـــســـت جــــاهــــزة لـلـتـنـفـيـذ. ويـــعـــود هــــذا األمــــر إلــــى سببني أســـــاســـــيّـــــ ؛ هــــمــــا: الــــعــــائــــق الــــجــــغــــرافــــيّ. وتاريخ روسيا الذي ارتبط دائما بأوروبا. بعد الحرب األوكرانيّة، سُدّت األبواب أمام بــوتــ وفـــي كـــل األبـــعـــاد بــاتّــجــاه الــغــرب. تـــمـــدّد «الـــنـــاتـــو» فــأصــبــح بــحــر الـبـلـطـيـق بحيرة خارجة عن السيطرة الروسيّة. هذا عدا ديناميكيّة الحرب في البحر األسود، فــي ظـــل الــحــرب األوكــرانــيــة عـلـى البحرية الـــروســـيّـــة هـــنـــاك. كــمــا أن الــبــحــر األســــود هو أصــ بحيرة يطوّقها حلف «الناتو» ويتحكّم في مضائقها عبر تركيا. فها هو بوتني في «منظّمة شنغهاي للتعاون»؛ املنظمة التي ابتكرتها وتديرها الــصــ ، وهـــي مـنـظّــمـة دولـــيـــة، ذات طابع سياسيّ، وأمنيّ، واقتصاديّ. زاد التبادل الـــتـــجـــاري بـــ الـــصـــ وروســــيــــا، فـوصـل مليار دوالر العام املاضي. 240 إلـى نحو هـــذا عـــدا الــعــ قــات الـتـاريـخـيّــة بــ الهند وروســـيـــا. فـهـل بـــدأنـــا نـــرى تـشـكّــل املثلث الجيوسياسيّ، املؤلّف من روسيا، والهند والصني؟ وهل يمكن لهذا املثلث أن يكون البديل ملشروع الرئيس الصيني «الحزام والـــطـــريـــق»، خــصــوصــا أنــــه يـــحــوي مـركـز الثقل العاملي؛ إن كـان في البُعد البشريّ، أو حتى االقتصادي؟ يـــــحـــــاول الــــرئــــيــــس بـــــوتـــــ مـــأســـســـة الـــعـــ قـــة مـــع الــــشــــرق، عــبــر بـــنـــاء مـشـاريـع كبيرة، تهدف كلّها إلى الربط والوصل مع الشرق، مقابل تجميد التواصل مع الغرب األوروبـــــــــــيّ. فـــهـــنـــاك، عـــلـــى ســبــيــل املـــثـــال، مـــشـــروع «الــــكــــوريــــدور» مـــن الـــشـــمـــال إلــى الجنوب، الذي يربط روسيا بإيران ومنها إلى الهند. هذا عدا محاوالت الربط البرّي بـ الصني وروسـيـا فـي الـشـرق الـروسـي، ومحاولة التموضع البحري الروسي في الـبـحـر األحـــمـــر عـبـر الـطـلـب مـــن الـــســـودان إنشاء قاعدة بحريّة. التحدّيات هـــــل يـــمـــكـــن لــــروســــيــــا أن تـــــمـــــوّل هـــذه املشاريع؟ أو حتى إيران؟ وإذا موّلت الصني، فـــهــل ســيــبــقــى الـــطـــابـــع الــــروســــي مـسـيـطـرًا على أي مشروع؟ كيف يمكن التوفيق بني الــصــ والــهــنــد، وهــمــا الـــعـــدوان الـــلـــدودان املتجاوران، واملتنافسان على قيادة العالم في القرن الـحـادي والعشرين؟ كيف يمكن للصني أن تتملّق دول آسيا الوسطى؛ وهي املنطقة الـتـي تشكّل أحــد أعـمـدة املُسلّمات الجيوسياسية لروسيا؟ هل يمكن لروسيا أن تلعب دور «العــب جونيور» إلـى جانب الصني في صراعها مع «العم سـام»؛ وهي التي تتحدّى العالم لالعتراف بها على أنها قــــوّة عـظـمـى؟ ومــــاذا لــو عــــادت الــصــ إلـى املـطـالـبـة بــاســتــرداد أراض حصلت عليها ّروسيا من الصني بالقوّة؟ كتب: المحلّل العسكري

RkJQdWJsaXNoZXIy MjA1OTI0OQ==