issue16716

الثقافة CULTURE 18 Issue 16716 - العدد Tuesday - 2024/9/3 الثالثاء قد تكون إثراء للموضوع وكشفا عن جوانب مخبوءة فيه تجربة التشارك في الكتابة الكتابة فعالية تتمنّع على املشاركة وتستعصي على كسر إطار الفردانية. هذا أحد القوانني األساسية في الكتابة. ليس األمــــر مــحــض قـــــرار رغـــبـــوي أو خصيصة استئثارية لــدى الـفـرد بقدر مـا إن طبيعة الفعالية الكتابية تستلزم هـذه الفردانية وتـفـرض شرطها املـوضـوعـي بشأن تمنّع املـــشـــاركـــة. الـــكـــاتـــب فـــي أي حــقــل مــعــرفــي، وســـــــــواء أكــــــــان فـــــي الــــحــــقــــول الــتــخــيــيــلــيــة )non-fiction( ) أم غـيـر اإلبــداعــيــة fiction( إنّــمـا هـو حصيلة عناصر إبـداعـيـة ونمط ذهــنــي وتــفــاعــات عصبية عـلـى املـسـتـوى الــــجــــزيــــئــــي الـــــدقـــــيـــــق لــــهــــا مــــــن املـــمـــكـــنـــات االحتمالية ما يجعل إمكانية تطابقها أو اقترابها مع خواص كاتب آخر أمرًا يقارب حـــــدود االســـتـــحـــالـــة. هــــذه االســتــحـــالـــة في تـقـارب الــخــواص الذهنية تُــتـرجـم بعبارة استعصاء التشارك في الفعالية الكتابية. مـــــن الـــبـــديـــهـــيـــات الــــــقــــــول إن اســـتـــعـــصـــاء املـشـاركـة فــي الـحـقـول الـكـتـابـيـة اإلبـداعـيـة أكــــثــــر بــكــثــيــر مــــن قــريــنــتــهــا فــــي الـــحـــقـــول غير اإلبــداعــيــة. هــذا أوالً، وثـانـيـا لننتبهْ: تـــجـــربـــة تـــحـــريـــر الـــكـــتـــب لـــيـــســـت مـــشـــاركـــة باملعنى الحقيقي بـل باملعنى االعـتـبـاري فحسب. عندما يختار أحد محرّري كتاب مـــا فـــي سـلـسـلـة كــتــب كـــامـــبـــردج املـرجـعـيـة ) مـثـا تحرير Cambridge Companions( كتاب فهو يلجأ أوال ملكاتبة مؤلف معروف بـــــذيـــــوع شـــهـــرتـــه الـــعـــاملـــيـــة فـــــي الـــجـــزئـــيـــة الخاصة ضمن املوضوع العام للكتاب؛ أي أن الكتاب املحرّر هو أشبه بكتب صغيرة بـمـوضـوعـات فـرعـيـة فــي سـيـاق املـوضـوع الرئيسي في الكتاب، والشاهد في هذا أنك تستطيع قـراءة فصل واحد فحسب يهمّك أكثر من سواه وتترك باقي فصول الكتاب. تـــوجـــد حـــــاالت مــخــصــوصــة بــذاتــهــا يمكن فيها تــشــارك الـكـتـابـة؛ بــل وتصبح الـــفـــعـــالـــيـــة الــــتــــشــــاركــــيــــة إثـــــــــــراء ملــــوضــــوع الـــكـــتـــابـــة وكـــشـــفـــا عـــــن جـــــوانـــــب مـــخـــبـــوءة فـيـه يــراهــا شــريــك الـكـتـابـة مــن جــوانــب قد تــكــون غــيــر مــرئــيــة لــشــريــكــه. أظــــن أن هــذا الـتـوصـيـف لـشـرط الـتـشـارك يـصـح بأعلى قـدر مـن املثالية مـع حالة الـزوجـ عندما يتآلفان على املستويني العقلي والروحي ويـعـيـشـان حـيـاة مــديــدة مفعمة بالنشاط الــذهــنــي. الـرفـقـة الــزوجــيــة املـمـتـدة لعقود طويلة، فضل عن تقارب االهتمامات، أمر بمستطاعه كـسـر قــوانــ حتمية التنافر بني التطلعات الكتابية لكل من الزوجني؛ لكن هذه الرفقة ليست شرطا الزما لتحقّق نـجـاح الـتـشـارك الكتابي الــذي يحتاج في األغـلـب انعطافة وجـوديـة فـارقـة وخطيرة فــــي حــــيــــاة الـــــزوجـــــ تـــــهـــــدّد كـيـنـونـتـهـمـا الزوجية. ال تحصل املشاركة الكتابية بني الزوجني بفعل إرادي مجرّد بقصد الكتابة عـــن مـــوضـــوع أكـــاديـــمـــي أو غــيــر أكــاديــمــي بـمـحـض الـرغـبـة املـــجـــرّدة؛ بــل تتحقق في الـــعـــادة بـفـعـل تـهـديـد وجـــــودي قـــد يـتـرتّــب عليه فـصـم الـعـاقـة الـزوجـيـة أو التمهيد النتهائها رغما عن الزوجني. يحضر لذاكرتي من التجارب العربية الـــــرائـــــدة فــــي املـــشـــاركـــة الــكــتــابــيــة تــجــربــة املـعـمـاري الــراحــل رفـعـت الــجــادرجــي الــذي تشارك مع زوجته بلقيس شرارة في كتابة كـتـابـهـمـا املــشــتــرك «جــــــدار بـــ ظـلـمـتـ ْ»، وهـــــو كـــتـــابـــة تــوثــيــقــيــة بــمــنــحــى إبــــداعــــي مميز ال يغفله الـقـارئ ملـا يـقـارب السنتني مــن حــيــاة الـسـجـن الـرهـيـبـة الــتــي قـاسـاهـا الجادرجي. رتِبت فصول الكتاب بطريقة قصدية متناوبة تـنـاول فيها الـــزوج أوال ثم زوجته الكتابة عن جزئية محدّدة كما رآهـــا الـكـاتـب وعـاشـهـا. أحـسـب أن شـروط املشاركة حاضرة هنا: زوجان عاشا حياة هـنـيـئـة لـــعـــدّة عـــقـــود مـــن الـــســـنـــوات، وكـــل منهما له وضعه املهني الناجح باملقاييس العامة، يواجهان تجربة وجـوديـة مهدّدة الستمرارية علقتهما الزوجية إذا ما غاب الـزوج جسديا. هي تجربة مثالية لتحقق املشاركة الكتابية. لنلحظ دقـة االختيار للعنوان (جــدار بني ظلمت ْ): الجدار هنا هو جـدار السجن الـذي جعل كل من حياة الـزوج وزوجته ظلمة مديدة، وتلك إشارة إلى مدى تعلّق كل منهما باآلخر. تجربة أخرى، من العالم الغربي هذه املـــرة، هـي تلك الـتـي تـشـارك الكتابة عنها ) وزوجته Irvin D. Yalom( إرفن دي. يالوم ). ربما عرف Marilyn Yalom( مارلني يالوم كثير منّا الدكتور إرفن يالوم عبر ترجمات أعـــمـــالـــه الــــعــــديــــدة إلـــــى الـــعـــربـــيـــة: الـــعـــاج الـنـفـسـي الـــوجـــودي، عـنـدمـا بـكـى نيتشه، مشكلة سبينوزا، علج شوبنهاور، تعرية الـحـب. الكتاب الــذي تـشـارك كتابته يالوم مـع زوجـتـه عنوانه «مسألة مــوت وحياة» ). عـمـل A Matter of Death and Life( الدكتور يالوم ألكثر من نصف قرن أستاذًا ) في Psychiatry( لــعــلــم الــنــفــس املـــرضـــي جامعة ستانفورد، وكـانـت لـه طــوال فترة عـمـلـه األكــاديــمــي عــيــادة نفسية وفّــــرت له مادة خصبة استثمرها في كتبه العديدة؛ أما زوجته التي عاش معها أكثر من ستة عـــقـــود فـــكـــانـــت أســـــتـــــاذة األدبــــــــ األملـــانـــي والـفـرنـسـي فــي الـجـامـعـة ذاتــهــا الـتـي عمل فيها زوجـهـا. الحقيقة املــؤكّــدة أن كــا من الـزوج والزوجة كان رائـدًا عامليا في نطاق اختصاصه األكاديمي. مــن الـفـصـول التمهيدية تتحقق لنا شـروط املشاركة الكتابية: زوجــان محبّان عـــاشـــا عــــقــــودًا طـــويـــلـــة مــكــتــنــفــة بـــضـــروب التفوق األكاديمي والهناءة العائلية على كــل األصـــعـــدة، ثــم تــصــاب الـــزوجـــة بـعـد أن تجاوزت الثمانني بسرطان عنيد في خليا بلزما الدم، وهذا ما جعل الزوج الذي كان يعاني ضروبا من األمراض قلقا أشد القلق من فكرة موت زوجته التي أحبها وأحبّته. كيف تعامل مع هذا القلق؟ لجأ بنصيحة ملحّة مـن زوجـتـه املريضة إلـى تأجيل كل مــشــاريــعــه الــكــتــابــيــة الـــفـــرديـــة واالنـــغـــمـــار فــي مـشـاركـة زوجــتــه بكتابة هـــذا الـكـتـاب. الجميل في األمر أن يالوم وزوجته وضعا مـخـطـطـا ابـــتـــدائـــيـــا لــهــنــدســة مــوضــوعــات الكتاب، وهــذا يعلّمنا دروســا رائعة منها التأكيد على القيمة العلجية للكتابة، وأن الكتابة الجادة واملنتجة تستلزم قـدرًا من االنـضـبـاط والـهـنـدسـة املـوضـوعـاتـيـة ولـن تـأتـي عفو الـخـاطـر أو بفعل هبة مجانية تحت ستار ادعاء عبقرية وهمية زائفة. الكتاب مكسو بغللة من الحزن. هذا أمـر مؤكّد ومفهوم وال يمكن التغافل عنه بـادعـاء عقلنية الغربيني في التعامل مع الـحـقـائـق الـــوجـــوديـــة (املـــــوت مـــثـــاً)؛ لكنه ) بكائية. نحن إزاء عمل Elegy( ليس مرثية انكب عليه الزوجان بكل ما في قلبيهما من طاقة الحياة وعنفوانها حتى لو كان املوت يحوم فوق رأسيهما، وقد أكّد الزوجان ذلك فـي عـبـارة رائـعـة تـصـدّرت الكتاب «الحزن هو الثمن الـذي ندفعه لقاء شجاعتنا كي نحب اآلخرين». إلى جانب حالة التعاطف الوجداني مع الزوجني، وهي حالة إنسانية طبيعية متوقّعة، فالكتاب حافل بضروب الشروحات والتعليقات عن تفاصيل كثيرة بعضها أكاديمي وبعضها اآلخـر يقع في نـطـاق االرتـــقـــاء بــالــقــدرات الـفـكـريـة العامة للقارئ، فضل عـن االسـتـرشـاد بموجبات العيش الطيب. كـثـيـرة هـــي الـــــدروس الــتــي نتعلمها مــــن تـــجـــربـــة الـــعـــيـــش املـــشـــتـــرك والـــكـــتـــابـــة املشتركة بني الزوجني يالوم. يكتب الزوج في بعض هـذا الشأن: «بعد أن نستعرض تلك الذكريات الرائعة تضغط مارلني على يـدي وتقول: إيـرف (إرفـــن)، ال يوجد شيء في حياتي معك أريد أن أغيّره. من جانبي أوافــــق عـلـى ذلـــك مــن أعــمــاق قـلـبـي. نشعر كـانـا بأننا عشنا حياتنا بـالـكـامـل؛ فمن بـ جميع األفــكــار الـتـي كنت أستخدمها ألريح املرضى الذين يخافون املوت لم أكن أجـــد فـكـرة أقـــوى مــن فـكـرة أن يعيش املــرء حــيــاة تـخـلـو مـــن الـــنـــدم، وال تــوجــد لدينا أنا ومارلني أي مشاعر بالندم؛ فقد عشنا حياة جريئة كاملة، وكنا نحرص على أ تضيع منا أي فرصة للستكشاف...». الــزوجــة كـذلـك مــن جـانـبـهـا، وهـــي في خـــضـــم تــصــارعــهــا الـعـنـيـف مـــع الــســرطــان الـقــاتــل، لــم تـنـس التفكير بـحـيـاة زوجـهـا: «أشــــــعــــــر بــــالــــقــــلــــق أيـــــضـــــا عــــلــــى صـــحـــتـــه، خـــصـــوصـــا عــــــدم مــــقــــدرتــــه عـــلـــى الـــــتـــــوازن فـيـضـطـر إلــــى اســـتـــخـــدام عـــكّـــاز فـــي الـبـيـت ومـشّــايـة خـــارج الـبـيـت. إن مـجـرّد التفكير بأنه قـد يسقط ويصيبه أذى شديد يثير ذعـــــــري. نـــحـــن نـــشـــكّـــل زوجــــــا جــــيــــدًا؛ فــأنــا مــصــابــة بــالــســرطــان الـــقـــاتـــل وهــــو يـعـانـي مشكلت في القلب واضطراب في التوازن. يــتــوزّع الـكـتـاب عـلـى خمسة وثـاثـ فصل متفاوتا في الطول، تناوب كتابتها الــــزوجــــان، ثـــم بـعـد وفــــاة الـــزوجـــة يختص الــــــزوج بــالــفــصــول األخـــيـــرة (وهـــــي ليست كـثـيـرة عـلـى كــل حــــال)؛ وكــأنــه أراد الـقـول: ال أريــــد املــضــي فـــي مـــشـــروع الــكــتــابــة بعد وفاتك يا مارلني. تتفاوت طبيعة الفصول املـــكـــتـــوبـــة بـــــ الـــــبـــــوح املـــفـــعـــم بـــاملـــشـــاعـــر املخلصة واالسـتـبـصـارات الفلسفية التي تساعدنا على العيش الطيب حتى ونحن في أوج أزماتنا الوجودية املتوقعة. ربما الـعـنـاويـن الـتـالـيـة لبعض فـصـول الكتاب تكشف عن املحتوى الداللي ملتونه: عندما أصـبـحـت عــاجــزة، إدراك الـفـنـاء، التقاعد: لــحــظــة اتـــخـــاذ الــــقــــرار، انـــتـــكـــاســـات وآمــــال مــتــجــددة، مـواجـهـة الـنـهـايـات، وحــيــدًا في الــبــيــت، مــســاعــدة مـــن شــوبــنــهــاور، سبعة دروس مـتـقـدمـة فـــي عــــاج الـــحـــزن. ينهي إرفـــــن الــكــتــاب بـفـصـلـ مـــؤثـــريـــن: أولـهـمـا عــنــوانــه «تـعـلـيـمـي يـسـتـمـر»، وهـــو إشـــارة جريئة إلـى استمرارية العيش في الحياة بــعــزيـمــة تــــرى فـــي االســــتــــزادة مـــن املـعـرفـة واجبا أخلقيا، وثانيهما عنوانه «عزيزتي مارلني»، وهو تذكرة لنا أن عيش الحاضر بكل قـوة واندفاعة بعد غياب من نحب ال يعني نسيان أو تناسي من نحب. كـــــتـــــاب عـــلـــى شـــاكـــلـــة «مــــســــألــــة مـــوت وحـــيـــاة» تــجــربــة حـــيّـــة وتـطـبـيـقـيـة رفـيـعـة في كيفية عيش حياة تستحق، بكل وقار وجـال وكـرامـة، بلوغ نهاياتها القصوى، وهــي تتمايز نوعيا عـن الكتب املوصوفة بـــ«الــتــنــمــيــة الــــذاتــــيــــة» الـــتـــي تــبــيــع الــوهـــم ألنـاس يعانون مــرارة العيش في متاهات عاملنا املضطرب. لطفية الدليمي من التجارب العربية الرائدة في المشاركة الكتابية تجربة المعماري الراحل رفعت الجادرجي وزوجته بلقيس شرارة في كتابهما المشترك «جدار بين ظلمتيْن» رواية «األفغاني... سماوات قلقة» لهوشنك في دراسة نقدية عن دار «الحكمة» للنشر في لندن، صـدر للباحث والناقد املصري الدكتور أحــــمــــد الـــصـــغـــيـــر آل تــــمــــام كــــتــــاب نــقــدي بـعـنـوان «الــســرد بــ الـتـاريـخ واملتخيّل الـــتـــاريـــخـــي... مــتــاهــة الــهــويــة فـــي روايــــة (األفــــغــــانــــي ســـــمـــــاوات قـــلـــقـــة) لــهــوشــنــك أوسي». جـــــــــــاء الـــــكـــــتـــــاب صـــفـــحـــات 205 فـــــــي مـن القطع املتوسط، وتـــــــضـــــــمّـــــــن دراســــــــــــة مطوّلة تناولت رواية أوســــــــي مـــــن جــــوانــــب عـــــــــــديـــــــــــدة تـــــحـــــلـــــيـــــا وتقييما نقديا، على صعيد الشخصيات واألمــــكــــنــــة واألزمــــنــــة والـتـاريـخ واألحـــداث، فــــــضــــــا عـــــــن عــــرضــــه لـــظـــروف كــتــابــة هــذه الــــــــــــروايــــــــــــة. وأشـــــــــــاد الـــــبـــــاحـــــث بـــــالـــــروايـــــة فـي أمـاكـن عـديـدة مـن دراســتــه، واختلف مع كاتبها في أماكن أخــرى، مما أكسب عملية التحليل النقدي والدراسة النقدية املوضوعية والـتـوازن، إذ لم تجنح نحو املـديـح املجّاني املـفـرط، ولـم تنزلق نحو الــتــهــجّــم الـــعـــشـــوائـــي غــيــر املــســتــنــد إلــى براهني وأسانيد موثّقة. ومـــن الــعــنــاويــن الـفـرعـيـة الـداخـلـيـة ألقـــســـام الــــدراســــة نـــقـــرأ: «ظــــــروف كـتـابـة الـــــروايـــــة»، «الـــســـرد الــتــاريــخــي وتـكـويـن الـوعـي الثقافي»، «األفـغـانـي... سماوات قلقة، أولى عتبات النص»، «إهداء الرواية وعـتـبـات أخــــرى»، «تـعـدد الـنـوع الـروائـي في السردية»، «البداية السردية»، «السرد عبر السلب في مفتتح الـروايـة»، «البناء السردي وتكوين الرواية»، «الشخصيات كـثـرتـهـا وتــنــوّعــهــا»، «املـــكـــان ودوره في الـــبـــنـــاء الـــــســـــردي»، «الـــــزمـــــان فــــي الــبــنــاء السردي»، «الوصف في الرواية وعلقته بـــالـــســـرد»، «تــوظــيــف الــشــعــر فـــي الــســرد الــــــروائــــــي»، «تــوظــيــف الــجــنــس فـــي الـــســـرد»، «تـــــوظـــــيـــــف املـــــــــــوروث الــــشــــعــــبــــي»، «املــــوقــــف الثوري للسارد ورؤية السلطة»، وغيرها. يــقــول الــنــاقــد في مـــقـــدّمـــة دراســــتــــه إنـهـا «مـــحـــاولـــة الســتــكــمــال عــــــمــــــل الـــــــــــســـــــــــارد فـــي إبــــــــداعــــــــه، وهــــــــو عــمــل وســـط بــ دور املـبـدع ودور الــــــــــقــــــــــارئ أو املــــتــــلــــقــــي». وذكـــــــر أنـــه «اخــــــتــــــار درايــــــــــة هــــذه الرواية لسببني. األول: يــتــعــلّــق بــالــقــيــمــة الــفــنــيــة واملــوضــوعــيــة للسردية وأفكارها التي المست حاضر غـــالـــب الـــشـــعـــوب الـــعـــربـــيـــة وغـــيـــرهـــا مـن الــشــعــوب املـــقـــهـــورة، كـمـا المــســت تـاريـخ العاملني العربي واإلسلمي منذ بداياتها تــقــريــبًــا... وتــعــرّضــت لـــنـــواح اجتماعية وفلسفية وغيرها على درجــة عالية من الخطورة واألهمية». أمّــا السبب الثاني فلخّصه الـنـاقـد بـالـقـول: «الــســارد نفسه وتمكنه مــن الـفـن الـــروائـــي. وأحــســب أنـه في زمن غير بعيد سوف يكون أحد أهم كُتّاب الرواية العربية». لندن: «الشرق األوسط» أفالم تنقل للمشاهد الصورة التي يريد أن يراها جزيرة العرب على شاشة السينما يــتــحــدث الـفـيـلـم الــهــنــدي «حـــيـــاة املـــاعـــز» عـن شــاب هـنـدي يـأتـي إلــى الـسـعـوديـة بغرض العمل فيختطفه شخص من املطار وينقله إلى الصحراء البعيدة لكي يرعي مواشيه باملجان، لكنه ال يعطيه املـال الـذي يستحق، بل يحرمه الطعام واملاء ويضربه ضربا مبرحا إذا طالب بحقوقه. نحن نعرف أهلنا جيدًا ونعرف كيف يترفعون عن االعتداء على الضعيف، ونعرف أيـــضـــا كـــرمـــهـــم مــــع الـــضـــيـــف، وخـــصـــوصـــا مـع الغريب. ولو كان هذا الفيلم يتحدث عن حادثة فردية ملا غضب أحد، فاملجرمون موجودون في كـل مكان وال يوجد مجتمع طهراني خالص، لـكـن الفيلم تعمد أن يسقط هـــذه الـقـصـة على املجتمع الـسـعـودي واملجتمع الخليجي ككل، ولم يكن مشغوال بحكاية قصة فريدة، بل كان يسير في سياق السينما الغربية التي رسمت الصورة منذ زمن قديم، أيام بدايات السينما. وال غــرابــة أن الفيلم بـإنـتـاج هـنـدي - أميركي مشترك. هــــذا الــفــيــلــم الـــهـــنـــدي اشــتــهــر وشــاهــدتــه شريحة ليست بالقليلة مـن املـشـاهـديـن حول الـعـالـم بسبب الـضـوضـاء الـتـي أثــيــرت حـولـه، لكنه مـن الناحية الفنية فقير للغاية وتعيبه املبالغات الشديدة التي ال نجدها في األعمال الفنية املحترمة. مـن املــواقــف غير املقنعة في القصة التي زعموا أنها حقيقية، هو أنه على رغـــم الـتـعـذيـب والــتــجــويــع، لـــم يــهــرب الـعـامـل. أصــحــاب اإلبــــل ال يـبـقـون مـعـهـا طــــوال الــوقــت، بل يعودون إلى بيوتهم، فلماذا لم يهرب وهو مـطـلـق الـــســـراح ولـــم يـقـيـده أحـــد بـالـسـاسـل؟! كـان بإمكانه طــوال الوقت أن يهرب إلـى الخط السريع وأن يركب مع أي عابر وأن يتوجه فورًا إلى سفارة بـاده التي ستطالب بمستحقاته. لكن شيئا مـن هــذا ال يـحـدث. هــذا مـا يمنعني من متابعة السينما الهندية، املبالغات املفرطة الــتــي تـــحـــوّل الــــدرامــــا كــومــيــديــا. وزعــــم املـمـثـل الخليجي الذي قام بدور الشرير أن هذا الفيلم ترشح لجائزة األوسـكـار، وبمرور سريع على مـوقـع «آي إم دي بــي» اتـضـح أن هــذه الـدعـوى أيــضــا غــيــر صـحـيـحـة. هــــذه الـــدعـــوى مـحـاولـة كوميدية فاشلة أخرى عند هذا الفريق. نحن نعلم أن هناك تجاوزات فيما يتعلق بموضوع الكفيل واملكفول، ونعلم أن كل دول الخليج تسعى إلى التخلص من نظام الكفيل برمته، لكن كل من عاش في السعودية يعلم أن الوصف الذي أدلى به الفيلم مزيف، ولم نسمع قـــط بــمـن يـخـتـطـفـون الــعــمــال مـــن املـــطـــار، فمن يستقبلهم هم كفلؤهم. إنــــهــــم ال يــــعــــرفــــون بـــــادنـــــا. فـــثـــمـــة فـيـلـم سـيـنـمـائـي يـحـمـل عـــنـــوان «كــــل املــــال الــــذي في العالم» يحكي قصة اختطاف شاب ينتمي إلى أســرة غنية، وسعي عائلته الستعادته ودفـع الفدية. وكان الداعي إلى االهتمام بهذا العمل الـفـنـي هـــو أنـــه مـــن إخـــــراج الـبـريـطـانـي ريـدلـي ســكــوت، ذلـــك الـفـنـان املـمـيـز الــقــادر عـلـى صنع صـــــورة الفـــتـــة لـــانـــتـــبـــاه. ســـكـــوت رجــــل مثقف ومهتم بالتاريخ، وقـد صنع عـددًا من األعمال التاريخية املـهـمـة، ومــع ذلــك وجــدنــاه فـي هذا الــفــيــلــم الــــدرامــــي يـــصـــور إحـــــدى الـشـخـصـيـات املحورية تزور جزيرة العرب (السعودية)، وكم هـو مذهل تـصـوّر املـخـرج الفنان الشهير لها. لقد صـوّر قطارًا يشق الصحراء املمتدة قادما من الشمال، ليصل في النهاية إلى نهاية سكة الحديد التي ينقطع امتدادها وسط الصحراء وتـقـف عـنـد فــرســان أمــــراء مــن الــبــدو يمتطون صهوات جيادهم وبجوارهم بيوت شَعر وبئر ، أي أن الفيلم 2017 بترول. هذا الفيلم من إنتاج حديث نسبيا، كما أنــه يحكي قصة معاصرة ليست من التاريخ القديم. إذا كــــان فـــنـــان مــثــقــف، لـعـلـه أحــــد عـشـرة هــــم أفـــضـــل مــــن يـــخـــرج األفــــــــام الــســيــنــمــائــيــة الـيـوم، يتصور بلدنا على هـذه الـصـورة فما بـالـك بمخرج «حـيـاة املــاعــز»؟ صـحـراء جــرداء وبيوت شَعر وبئر بترول لكل ساكن في تلك الـصـحـراء. ال مـدن حديثة وال شـــوارع ضخمة وال طرقات وال فنادق وال سيارات وال مطارات. هـل يعقل أنـهـم ال يعلمون أن الــريــاض وجـدة ودبــي وأبــو ظبي والكويت والـدوحـة واملنامة ال تختلف اليوم عن كل املـدن العاملية؟ ال شك أنــهــم يـعـلـمـون، لكنهم يـــريـــدون أن يـتـصـوروا هذه الجزيرة خارج إطار الحداثة. هناك رغبة في أن يبقى الغرب غربا والـشـرق شرقا، وفي أال يلتقيا أبدًا رغم جهود العوملة في أن تجعل العالم قرية واحدة. ثـــمـــة تــقــصــيــر كـــبـــيـــر فــــي الــــحــــرص عـلـى الدقة عندما يأتي الحديث عن جزيرة العرب ودولها، لكن، يبدو أن مثل هذه األعمال الفنية غير مشغولة بما يعتقده العرب، وغير معنية بتثقيف الغربيني عن هذا الجزء من العالم، بل تكتفي أن تنقل للمشاهد الـصـورة التي يريد أن يراها. يريدون أن يروا العربي بدويا يقيم فـــي الـــصـــحـــراء ويــســكــن فـــي بــيــت شـــعـــر. رجــل مهووس بالنساء، سريع الغضب، همجي في كل سلوكه، وكأنه ال يملك حسنة واحدة. هناك سياق واحد تسير فيه كل األعمال الفنية التي تتعلق بالجزيرة العربية منذ أن خـــرج لـلـعـالـم أول فـيـلـم سينمائي عــن الـعـرب والــــصــــحــــراء، الــفــيــلــم الـــصـــامـــت «الـــشـــيـــخ» في وهـو يحكي قصة درامية ومغامرة 1921 عـام شاب عربي يتعلق بسيدة إنجليزية مستقلة التفكير فيخطفها ويهرب بها إلى الصحراء. ولـــم يلبث رودولــــف فالينتينو، بـطـل الفيلم، أن صنع فيلما آخـر بعنوان «ابــن الشيخ» في مؤسسا لصورة نمطية ال يـراد للعربي 1926 أن يــخــرج عـــن إطـــارهـــا، فـهـو الــعــاشــق الكبير ورمز الرومانسية الشرقية وأيضا هو خاطف النساء. يبدو لي أن فيلم «الشيخ» هو املؤسس للصورة النمطية للعرب على الشاشة الكبيرة، ثـــم تــتــالــت بــعــده اإلضــــافــــات الــتــي تـبـنـي على األساس األول. * كاتب سعودي مشهد من فيلم «حياة الماعز» *خالد الغنامي

RkJQdWJsaXNoZXIy MjA1OTI0OQ==