issue16716

أميركا أيضا تتراشق بشهدائها تـنـدرج العاصفة السياسية حـول زيـــارة دونـالـد ترمب ملقبرة أرلينغتون الوطنية فـي سـيـاق النكايات السياسية الــفــظــة فـــي مــوســم انــتــخــابــي رئـــاســـي. ثــــار الــديــمــقــراطــيــون، ومعهم منصات إعالمية ليبرالية، على التقاط ترمب صورًا مع أنصاره مبتسمًا ورافعًا إبهامه عند قبور الجنود الذين سقطوا خالل االنسحاب األميركي من أفغانستان، وافتعلوا نـقـاشـ سـاخـنـ وحـــــادًا حـــول الــوطــنــيــة، واالحــــتــــرام، ومـوقـع الرموز القومية في الحياة السياسية األميركية. ال شك في أن مقبرة أرلينغتون تحتل موقعًا مهيبًا في سردية الهوية الوطنية األميركية، وتعامل كرمز شبه مقدس يراد وضعه فوق السياسة وانقساماتها. بيد أن ذلك يشكل قفزًا بهلوانيًا فوق حقيقة أن أصول املقبرة مرتبطة ارتباطًا وثــيــقــ بـــالـــتـــاريـــخ الــســيــاســي لـــلـــواليـــات املـــتـــحـــدة، وحــربــهــا األهلية واملصالحات التي تلتها. ليس أدل على ذلـك من أن املقبرة شُيدت خالل الحرب األهلية على أرض مصادرة من الجنرال الكونفدرالي روبرت إدوارد لي، لدفن وتكريم الجنود والضباط الذين قاتلوا من أجل االتحاد الفيدرالي األميركي ضد املتمردين الجنوبيني، ما يعني أن إنشاءها كـان بحد ذاته «مانيفستو» سياسيًا من الطراز األول. وما لبثت املقبرة أن ارتدت معاني أكثر شمولية لتصبح رمــــزًا أكــبــر لـلـتـضـحـيـات الــتــي قــدمــهــا الــجــنــود األمــيــركــيــون فـي مختلف الــحــروب، بـالـتـوازي مـع تـطـور الهوية الوطنية األمــيــركــيــة وقـيـمـهـا. فـاسـتـقـبـلـت املــقــبــرة جـــنـــودًا مـــن أصـــول أفــريــقــيــة ونـــســـاء قـــضـــوا خــــ ل الــخــدمــة الــعــســكــريــة بــعــد أن استبعدت هذه الفئات وغيرها في حقب أبكر. والــــحــــال، تــعــد االنـــتـــقـــادات املــوجــهــة لــتــرمــب والـضـجـة املفتعلة حول زيارته، بابًا من أبواب الغضب االنتقائي الذي يستغله السياسيون بكثير من الكيدية والنفاق، وجـزءًا من حمالت االغتيال املعنوي املتبادلة. فعلى سبيل املـثـال ثار على الرئيس األسبق بــاراك أوباما 2010 الجمهوريون عـام عندما تغيّب عن إحياء «عيد الشهداء» في مقبرة أرلينغتون، على جري العادات السياسية في واشنطن، مشككني بصالبة التزامه الوطني وضعف احترامه للقوات املسلحة. ومن زاوية أخرى، قد تكون بعض املبالغات التي دارت حـــول ســلــوك تـــرمـــب، خـــ ل زيـــارتـــه إلـــى أرلـيـنـغـتـون، تـهـدف إلـى طمس النقاش الحقيقي حـول قـــرارات وسياسات إدارة بايدن التي أدت إلـى سقوط هــؤالء الجنود في املقام األول، خـ ل االنسحاب األميركي الفوضوي مـن أفغانستان. أراد تـرمـب لـلـزيـارة أن تـكـون بمثابة تـذكـيـر بفشل إدارة بـايـدن وتوريط الجيش في عمليات قتالية كان يمكن تفاديها، ما دفع خصومه لتشتيت االنتباه عن ذلك عبر اللعب على قيم االحترام والوطنية والسرديات الشعبوية. بوسع ترمب أن يدعي أن أسمى أشكال االحترام للجنود الـــذيـــن ســقــطــوا هـــو رفــــع الـــصـــوت بـــوضـــوح بــشــأن األســبــاب الـتـي أدت إلــى فقدانهم حياتهم، بــدل التلهي «باالستقامة الـجـوفـاء»، والتركيز على سـلـوك تـرمـب أيــ تكن قلة لياقته واستحقاقه للنقد. فال يجوز، بحجة الوحدة الوطنية وصون القيم الجماعية في حضرة تضحيات الشهداء، أن يصار إلى تـدبـيـج نـسـخ مـشـوهـة ومــبــتــورة لـلـتـاريـخ، ال سـيـمـا عندما يتصل األمر بصواب أو خطأ قرارات الحرب والسلم. لكن من شنوا الحملة ضد ترمب يدركون بال شك املوقع الحساس الذي تحتله الرموز القومية عامة، ال سيما املقابر الوطنية، في السرديات السياسية وفي نفوس الجماهير. ، واجه الرئيس األميركي الراحل رونالد 1985 ففي عام ريــغــان انــتــقــادات شــديــدة بـعـد زيـــارتـــه ملـقـبـرة بـيـتـبـورغ في أملــانــيــا الـغـربـيـة آنـــــذاك، حـيـث دفـــن عـــدد مـــن الــجــنــود األملـــان الذين قاتلوا في الحرب العاملية الثانية، وبينهم جنود قوات «فـافـن إس إس» الـنـازيـة. كـان هـذا الـحـدث جــزءًا مـن محاولة ريــغــان لـتـقـويـة الــعــ قــات األمـيـركـيـة - األملــانــيــة، لـكـن نـقـاده رأوا فيه إهانة لذكرى الجنود األميركيني الذين قاتلوا في الحرب، في حني أن أصواتًا يهودية عدّته تقليال من احترام ضــحــايــا الــهــولــوكــوســت. لــيــس مـــن بــــاب املــبــالــغــة الـــقـــول إن الشهداء يحكمون من قبورهم ديناميات الشأن العام في كل املجتمعات تقريبًا، ال سيما حني تتحول ذكراهم إلى مصنع للمخيال الوطني والسياسي ومسرح للعبة الهوية وتعزيز الشرعيات السياسية أو نقضها. والــــحــــال، لــئــن كــانــت مــقــبــرة أرلــيــنــغــتــون، كـغـيـرهـا من املقابر الوطنية، أكثر من مجرد موقع للدفن والتكريم، فإن استغاللها ألغــراض سياسية ليس جديدًا وال يقتصر على طـــرف واحــــد. وإذ ال تخفى الـصـلـة بــ زيــــارة تـرمــب وبقية اسـتـعـراضـاتـه الـوطـنـيـة، وبـــ أهـــدافـــه الـسـيـاسـيـة وخطابه الــشــعــبــوي، فـــإن املــبــالــغــات الــتــي مــيــزت ردود الـفـعـل عليها سيّست هي األخرى قضية احترام الجنود الشهداء، وأمعنت في استغاللها لتحقيق مكاسب سياسية. يوضح هذا الجدل كيف أن أكثر الجوانب قداسة في الحياة العامة تكون دومًا عرضة للتسييس في أوقــات االنقسامات العميقة، كما هي الحال في أميركا اليوم. تنتصب سياسات الحداد والذاكرة، بهذا املعنى، طقسًا سياسيًا معقدًا تشكل املجتمعات عبره الذاكرة الجماعية والهوية الوطنية والسرديات القومية، من خالل قرارات انتقائية تتعلق بمن يُذكر وكيف يُكرم، في حني يلعب السياق الزمني لعمليات التذكر دوره في التعبير عن هياكل سلطة وعالقات القوة في لحظة وطنية ما. حديث المصالحة مع «اإلخوان» يتصاعد بني حني وآخر «حديث املصالحة» مع جماعة «اإلخـوان املسلمني» بمبادرة تأتي من داخل السجون أو من خارجها، أو من االثنني معًا، مثلما تردد في مصر في نهايات شهر أغسطس (آب) املاضي، من أن الجماعة طرحت مبادرة 15 تعلن فيها أنها ستتوقف عن القيام بأي عمل سياسي ملدة عامًا، وتعتذر عما قامت به من ممارسات في أعقاب سقوط ، مقابل اإلفراج عن عناصرها، وطَي 2013 حكم «اإلخوان» في صفحة املاضي. والــحــقــيــقــة أن مـعـضـلـة الـــنـــقـــاش حــــول املــصــالــحــة مع «اإلخـوان» أنه يخلط بني مصالحة مقبولة مع أفراد راجعوا فكرهم، أو رفـع مظالم عن أفــراد أيضًا لم يرتكبوا عنفًا ولم يـحـرِّضـوا عليه، وبــ املـوقـف مـن صيغة الجماعة نفسها، والتي تظل إشكاليتها مختلفة تمامًا عن مسألة التصالح مع األفراد. إن أزمــــة جـمـاعـة «اإلخــــــوان املـسـلـمـ » لـيـسـت -فــقــط أو أســـاســـ - فـــي مــمــارســات خـاطـئـة ارتـكـبـتـهـا، وال فـــي خطايا قادتها، وسيطرة القطبيني على مفاصلها، إنما أساسًا في صيغتها وبنيتها التنظيمية القائمة على وجـــود جماعة دينية عقائدية تدخل املجال السياسي بشروطها، بوصفها جماعة دينية، وليس بشروط الحزب السياسي املدني، وهي الصيغة التي تحمل في ذاتها فشال حتميًا لـ«اإلخوان» وأي جـمـاعـة ديـنـيـة أخــــرى تقتحم املــجــال الـسـيـاسـي بشروطها الدينية، بصرف النظر عن طبيعة النظام القائم؛ ألنها صيغة فــريــدة حملت جــوانــب قـــوة، ولـكـن هـــذه الـجـوانـب كـانـت هي عوامل األزمة والفشل. لقد استغلت جماعة «اإلخــــوان» ظــروف مـا بعد «ثـورة يــنــايــر (كــــانــــون الـــثـــانـــي)» مـــن انـــفـــتـــاح ســيــاســي وفـــوضـــى، وأسست حزبًا سياسيًا سمَّته «الحرية والعدالة»، كان مجرد واجــهــة للجماعة الـديـنـيـة الـتـي ربـــت أعـضـائـهـا عـلـى رفـض األحزاب ومبادئ الدولة املدنية الحديثة، حتى لو قال بعض قادتها العكس؛ ألن من شـروط بناء الدولة املدنية الحديثة هو تداول السلطة بني أحزاب وقوى مدنية، وليس مع جماعة دينية مشروعها الحقيقي هو التمكني. لقد تبنى «اإلخــــوان املـسـلـمـون» منذ بـدايـة تأسيسهم فـي عشرينات الـقـرن املـاضـي خطابًا لـم يعتمد على العمل السياسي بصيغته الديمقراطية أو الدستورية، إنما ركزوا عــلــى الـــجـــوانـــب الــتــربــويــة والـــدعـــويـــة، ورفـــــض حــســن الـبـنـا التعددية الحزبية، ورأى أنها «أفسدت على الناس كل مرافق حـيـاتـهـم، وعـطـلـت مـصـالـحـهـم، وأتــلــفــت أخــ قــهــم، ومـزقـت روابـــطـــهـــم، وكــــان لـهـا فـــي حـيـاتـهـم الــعــامــة والــخــاصــة أســوأ األثر». وعـــــد الـــرجـــل الــحــزبــيــة مــنــافــيــة ملـــبـــادئ اإلســـــــ م: «ألن اإلســــ م هــو ديـــن الــوحــدة فــي كــل شـــيء، فـضـ عــن أن األمــة الواحدة والشعب الواحد ال يقر نظام الحزبية وال يرضاه». معضلة البنية العقائدية لــــ«اإلخـــوان» أنها ظلت ترى نفسها فـــوق املـنـظـومـة الـحـزبـيـة الـتـي دخـلـت فيها مــن دون أن تلتزم بقواعدها، ورأت أن «الجماعة فوق الجميع»: فوق الــحــزب الـــذي أسـسـتـه، وفـــوق الــوطــن والــدســتــور والــقــانــون. ويكفي أن الجماعة أنشأت مقرات لها في كل مدن الجمهورية عــقــب «ثـــــورة يـــنـــايـــر»، وفــــي الـــوقـــت ذاتـــــه رفـــضـــت أن تـقـونـن أوضــاعــهــا وفـــق قــانــون الـجـمـعـيـات األهــلــيــة، وقــالــت إنـهـا ال تعترف به، ورأت أنها جماعة فوق القوانني املوجودة، على عـكـس تــجــارب الــتــيــارات السياسية املـدنـيـة الـنـاجـحـة، التي تنطلق مـن احـتـرام الدستور والـقـانـون القائم، ثـم تبدأ بعد وصولها للحكم في تعديل ما تختلف فيه. لــقــد انـــتـــشـــرت مـــقـــرات الــجــمــاعــة فـــي مــحــافــظــات مصر املـخـتـلـفـة فـــي أشــهــر قـلـيـلـة، ولـــم تـجـد سـلـطـة تـجـبـرهـا على قوننة وضعها القانوني ومراقبة حساباتها وأموالها، حتى تحولت إلـى تنظيم فـوق الـدولـة والقانون؛ بل وصـل مرشح الـجـمـاعـة غـيـر الـقـانـونـيـة لــســدة الـــرئـــاســـة، وظــلــت جماعته تهيمن على توجهات الرئاسة والحزب، وترسم له تحركاته بـوصـفـه ذراعــهــا الـسـيـاسـيـة، فـهـل سـمـع أحـــد فــي الـدنـيـا عن جماعة دينية لها ذراع أو أرجـل أو أصابع سياسية، إال مع تنظيم «اإلخوان»؟ في 1928 أزمــــة جــمــاعــة اإلخــــــوان مــنــذ تـأسـيـسـهـا عــــام صيغتها وبنيتها التنظيمية، فقد أرادت أن تقتحم املجاالت السياسية واالجتماعية والثقافية بشروطها بوصفها جماعة دينية. وإن أزمتها الكبرى اتضحت حني وصلت للسلطة في ، فعمقت خطأها التاريخي بأنها عدَّت الجماعة الدينية 2012 هي القيمة العليا والهدف، ومنها تتفرع بقية األنشطة، مثل الحزب السياسي الـذي رفضت فصله عن الجماعة الدينية، إنـمـا تـحـول ملـجـرد ذراع لـهـا، ولـــذا لـم يكن مشروعها طـوال العام الذي حكمت فيه تأسيس دولة قانون، أو القبول بمبدأ تداول السلطة، إنما كان مشروع تمكني بامتياز؛ ألن عناصره تربَّت داخل تنظيم ديني عقائدي، يرتاب في املجتمع، ويكره قوانني الدولة ومؤسساتها، ويتمنى التخلص من خصومه مـا لـم يـكـونـوا «إخـــوة لـه فـي الجماعة الـربـانـيـة» وتجاهلت قواعد العمل السياسي في أي دولــة حديثة، وهـي األحــزاب املدنية، سواء كانت محافظة («العدالة والتنمية» في تركيا) أو ليبرالية (الـحـزب «الديمقراطي» فـي أمـيـركـا) أو يسارية (حـزب «فرنسا األبـيـة») وليس الجماعة الدينية التي يكون نتيجة حكمها الفشل املدوي. يقول القائد العسكري والفيلسوف الصيني صن تزو: «العاقل من يتجنَّب الـــحـــرب»، وهــــذا لـكـونـهـا تـنـطـوي على مـــــجـــــهـــــول، وعـــــلـــــى تــــبــــعــــات خــــطــــيــــرة؛ فاالنتصار فـي الـحـرب غالبًا مـا يكون بــــذرة تُـــولِّـــد حــربــ أعـــظـــم، ألن املــهــزوم لـن يقبل بهزيمته، وكـذلـك املتحالفون مـــعـــه. فـــالـــحـــرب الـــروســـيـــة األوكـــرانـــيـــة الـتـي وصـفـهـا الـرئـيـس بـوتـ بعملية خـاصـة يفترض أنـهـا قصيرة تحولت إلـــى حـــرب وســـاحـــة مـفـتـوحـتـ لـحـرب مــصــالــح أكـــبـــر. وكــــعــــادة الــــــدول فـإنَّــهـا تـــــدخـــــل الــــــحــــــروب لــــتــــرجــــح فــــئــــة عــلــى أخـرى، أو تستفيد دونما انغماس من الجانبني. هـذا بالذات ما أراد تحقيقه رئـيـس وزراء الـهـنـد مـــودي فــي زيـارتـه ألوكـــرانـــيـــا بـــأن يــكــون صـديـقـ لـلـروس واألوكـــــــــــــران. لـــكـــن فــــي الـــســـيـــاســـة فــــإن أحـجـام األطــــراف تـقـرر حـريـة تحركها، والهند كونها بلدًا صاعدًا واقتصادها كبير، وبالتالي فانحيازها لطرف ولو قليال سيؤثر على رجحان كفة أطراف أخـــــــرى فــــي صـــــراعـــــات تـــتـــعـــدى حــــدود أوكرانيا وروسيا؛ فمنطق الحياد ليس دائـمـ ممكنًا، والـلـعـب على الـتـوازنـات مـــخـــاطـــرة. فــعــنــدمــا زار رئـــيـــس وزراء الهند الرئيس بوتني احتضنه ووصفه بالصديق الــصــدوق، ورفـــض التوقيع على بيان مؤتمر سويسرا الداعي إلى احــــتــــرام وحـــــدة األراضـــــــي األوكـــرانـــيـــة، ورفــــض إدانــــة روســيــا فــي مـؤتـمـر قمة العشرين في بــ ده، واستمر في شراء الـــنـــفـــط مــــن روســــيــــا وبـــكـــمـــيـــات كـبـيـرة تــجــاوزت مـؤخـرًا الـصـ . بـهـذا املوقف أظـهـر مــــودي، دونــمــا مـــراعـــاة للموقف األميركي، أن سياسته الخارجية ترتكز على مبدأين: االستقالل االستراتيجي، وتــــعــــدد الـــتـــحـــالـــفـــات. لـــكـــن االســـتـــقـــ ل االسـتـراتـيـجـي بـقـدر مــا يفيد صاحبه يــــؤدي إلــــى خـــســـارة آخـــريـــن، ويـتـحـول بـنـظـرهـم إلـــى انــحــيــاز ضــــار. وهــــذا ما دعـا السفير األميركي لـدى الهند أريك غــريــســتــي لــلــقــول إن عـــ قـــة الــهــنــد مع أمــيــركــا أُســسُــهــا قـــويـــة، وعـمـيــقـة، لكن لــيــس بــمــا يـكـفـي مـــن الــعــمــق، وأضــــاف أنـــــه «ال يـــوجـــد شـــــيء اســـمـــه اســتــقــ ل استراتيجي». واستخلص أن العالقة مــــــع أمـــــيـــــركـــــا لــــيــــســــت مُـــــســـــلَّـــــمـــــة، وأن «األصـــــدقـــــاء املـــوثـــوقـــ يــعــمــلــون وقــت الحاجة يدًا واحدةً». هذا التصريح من أكـبـر قـــوة عـلـى األرض يـزيـح الـغـشـاوة عــــمــــن يــــتــــوهــــم قــــــــــدرة الـــــتـــــ عـــــب عــلــى التوازنات، ألنه عند املنعطف ال بد من موقف، وإال فإن تسامحك مع عدوي لن يجعلك صديقي. أدرك رئيس الوزراء الهندي أنه في ورطـــة مـع أمـيـركـا، ولـذلـك قــرر بزيارته ألوكـــرانـــيـــا إرســـــال رســـالـــة لألميركيني والــروس لتقليل األضــرار قـدر اإلمكان؛ أوالً، لـــلـــرئـــيـــس بــــوتــــ ومــــــن مــفــهــوم االستقالل االستراتيجي: «لست حليفك لـــلـــرمـــق األخــــــيــــــر»، وذلــــــــك بــتــصــريــحــه مــــن أوكــــرانــــيــــا أنـــــه مــــع وحــــــدة أراضـــــي أوكرانيا، مما يعني رفضه عالنية قرار بــوتــ ضـــم أراض مـــن شــــرق وجــنــوب أوكرانيا، وثانيًا، لألميركيني أنه ليس كما يظنون. هـذا الحرص على الرضا األميركي يعود أوال إلدراكــه أن روسيا تعثرت فـي حربها األوكـرانـيـة، وثانيًا اقـتـربـت أكـثـر مــن الـصـ عـــدوة الهند، وتـغـازل باكستان عــدوة الهند، وثالثًا ألن مصالح الهند تتوسع وتـــزداد مع الغرب، ومشتريات األسلحة األميركية مليارًا بعدما كـانـت ال شيء 25 بلغت . كـــمـــا يــــــدرك مــــــودي أن 2008 فــــي عـــــام مـصـالـح بــــ ده األمــنــيــة واالقــتــصــاديــة أكـــبـــر مــــع أمـــيـــركـــا، ولــــذلــــك انـــضـــم إلـــى اتفاقية «كواد» األميركية التي تحاصر الـصـ ، وإلــى الخط التجاري البحري الــــرابــــط لــلـهــنــد بـــــأوروبـــــا عــبــر مـنـطـقـة الـــخـــلـــيـــج، واملـــنـــافـــس لـــطـــريـــق الــحــريــر الــصــيــنــيــة، ويــســعــى ألن تـــكـــون الـهـنـد بــديــ لـلـشـركـات األمـيـركـيـة املنسحبة من الصني؛ بحسبة بسيطة يرى مودي أن بـوسـعـه االبــتــعــاد قـلـيـ عــن بوتني ودونما ارتدادات روسية عليه، ملعرفته بأن العالقة الروسية الهندية تاريخية، وأن خيارات روسيا محدودة، ومجبرة على بيعها النفط له بأسعار مُخفَّضة، ومحتاجة أكـبـر للعالقة الـتـجـاريـة مع الـهـنـد. واألهـــم يـعـرف مـــودي أن بوتني يحتاجه لكيال يصبح تـابـعـ للصني؛ فهو لم يخض حربًا مع «الناتو» ليجد نفسه في السلة الصينية. بـــهـــذا الـتـفـكـيـر أراد رئـــيـــس وزراء الـهـنـد مـــودي أن يحقق بـزيـارتـه ثالثة أهــــــــداف: أوالً، إظــــهــــار نــفــســه صــانــعــ لـلـسـ م، وثـانـيـ اإليــعــاز ألمـيـركـا بأنه صديق موثوق، وثالثًا القول للرئيس بـوتـ إن الــســ م قــد يحقق لــك بعض مـطـالـبـك وبـتـكـلـفـة قـلـيـلـة، وإن الـبـديـل حــرب اسـتـنـزاف طويلة األمـــد، مـا دمت لــم تحسم الــحــرب الـتـي تسير اآلن في عامها الـثـالـث. ورغـــم إدراكـــه أن بوتني رجل عنيد ولن يقبل مبادرته، فإنه يرى في زيارته ألوكرانيا، وبمواقفه املؤيدة لـوحـدة أراضـيـهـا، وبتقديم مساعدات إنسانية لها، فرصة لنزع فتيل التوتر مع الواليات املتحدة، وبالوقت ذاتـه ال يخسر صــداقــة مـوسـكـو. لـكـن الــســؤال: هل فعال سيتمكن من ذلك؟! فــــي الـــــحـــــروب املـــصـــيـــريـــة ال تـقـبـل الــــــدول الــكـــبـــرى أنـــصـــاف الـــحـــلـــول: إمَّـــا معنا أو ضدنا، وبالتالي فـإن سياسة االســــتــــقــــ ل االســــتــــراتــــيــــجــــي، وتـــعـــدد الــتــحــالــفــات، تـسـقـط عــنــد أول اخـتـبـار حـقـيـقـي فـــي الـــصـــراعـــات الــكــبــرى. ففي ظل التنافس بني الصني وأميركا، فإن فـــكـــرة تـــعـــدد الـــتــحـــالــفــات واالســـتـــقـــ ل االستراتيجي لن تعدو كونها مقامرة، قــد تـــودي بصاحبها، وإن كـسـب مــرة، إلى خسارات أكبر، ولعل السيد مودي أدرك ذلك قبل فوات األوان. OPINION الرأي 12 Issue 16716 - العدد Tuesday - 2024/9/3 الثالثاء وكيل التوزيع وكيل االشتراكات الوكيل اإلعالني المكـــــــاتــب المقر الرئيسي 10th Floor Building7 Chiswick Business Park 566 Chiswick High Road London W4 5YG United Kingdom Tel: +4420 78318181 Fax: +4420 78312310 www.aawsat.com [email protected] املركز الرئيسي: ٢٢٣٠٤ : ص.ب ١١٤٩٥ الرياض +9661121128000 : هاتف +966114429555 : فاكس بريد الكتروني: [email protected] موقع الكتروني: www.arabmediaco.com هاتف مجاني: 800-2440076 املركز الرئيسي: ٦٢١١٦ : ص.ب ١١٥٨٥ الرياض +966112128000 : هاتف +9661٢١٢١٧٧٤ : فاكس بريد الكتروني: [email protected] موقع الكتروني: saudi-disribution.com وكيل التوزيع فى اإلمارات: شركة االمارات للطباعة والنشر الريـــــاض Riyadh +9661 12128000 +9661 14401440 الكويت Kuwait +965 2997799 +965 2997800 الرباط Rabat +212 37262616 +212 37260300 جدة Jeddah +9661 26511333 +9661 26576159 دبي Dubai +9714 3916500 +9714 3918353 واشنطن Washington DC +1 2026628825 +1 2026628823 املدينة املنورة Madina +9664 8340271 +9664 8396618 القاهرة Cairo +202 37492996 +202 37492884 بيروت Beirut +9611 549002 +9611 549001 الدمام Dammam +96613 8353838 +96613 8354918 الخرطوم Khartoum +2491 83778301 +2491 83785987 عمــــان Amman +9626 5539409 +9626 5537103 صحيفة العرب األولى تشكر أصحاب الدعوات الصحافية املوجهة إليها وتعلمهم بأنها وحدها املسؤولة عن تغطية تكاليف الرحلة كاملة ملحرريها وكتابها ومراسليها ومصوريها، راجية منهم عدم تقديم أي هدايا لهم، فخير هدية هي تزويد فريقها الصحافي باملعلومات الوافية لتأدية مهمته بأمانة وموضوعية. Advertising: Saudi Research and Media Group KSA +966 11 2940500 UAE +971 4 3916500 Email: [email protected] srmg.com نديم قطيش عمرو الشوبكي سقوط نظرية تعدد التحالفات أحمد محمود عجاج

RkJQdWJsaXNoZXIy MjA1OTI0OQ==