issue16714

الثقافة CULTURE 17 Issue 16714 - العدد Sunday - 2024/9/1 األحد ألفاً 15 ألف شخص وعُذب نحو 156 اعتقل أكثر من 2024 و 2011 ّبين «معتقلون ومغيّبون» سوريون... التوثيق بالفن رد جـــان بـــول ســـارتـــر عـلـى ســــؤال «ملـــاذا نكتب؟»، بالقول: «ألننا حني نفعل، نَكشِف، بـحـيـث ال يـمـكـن ألحـــــد، بــعــد ذلـــــك، أن يــدّعــي البراءة أو يتجاهل ما حدث». رفضًا للتجاهُل وتغليب السكوت، تُصدر دار «رياض الريس للكتب والنشر»، من بيروت، كتاب «معتقلون ومـغـيّــبـون» فــي القضية الــســوريــة، بيقني أن «الـفـن يـوثّــق واألرشــيــف يـتـحـدّث»، كما أعلن غالفه األحمر بتسجيله هذا املوقف. انطلق الـكـتـاب مـن واقـــع اعـتـمـال مسألة االعـــــتـــــقـــــال والــــتــــغــــيــــيــــب فــــــي وجـــــــــــدان عـــمـــوم السوريني، وتحوّلها لتكون «مـن املشتركات الوحيدة تقريبًا بينهم اليوم». تؤكد إنسانية املـلـف، وبُــعــداه السياسي والحقوقي، أهمية الكتاب، ليُكمل ما أرسته املالحقات والدعاوى واألحــــــكــــــام الـــقـــضـــائـــيـــة فــــي بــــلــــدان الـــلـــجـــوء، وتـــحـــديـــدًا أوروبـــــــا، ضــــد مـرتـكـبـي انـتـهـاكـات حقوق اإلنسان في سوريا. يـعـود الـكـتـاب إلـى مــــــا وثّـــــقـــــتـــــه «الـــشـــبـــكـــة الـــــــــســـــــــوريـــــــــة لـــــحـــــقـــــوق اإلنـــــســـــان» الـــتـــي تــؤكــد «بلوغ حصيلة االعتقال الــتــعــســفــي فــــي ســـوريـــا 2011 ) منذ مارس (آذار ما 2024 حــتــى مـــــارس 156757 ال يــــقــــل عـــلـــى شـــخـــصـــ ، فـــيـــمـــا بـلـغـت حــــصــــيــــلــــة الــــضــــحــــايــــا بـسـبـب الـتـعـذيـب خـ ل املـــــدّة عـيـنـهـا مـــا ال يـقـل شـخـصـ . 15393 عـــلـــى أمــــا حـصـيـلـة االخــتــفــاء 30 الــــــــقــــــــســــــــري حـــــــتـــــــى ،2023 ) أغــســطـــس (آب فـبـلـغـت مــا ال يــقــل على شخصًا؛ بشكل 112713 أساسي على يد النظام، تليه جميع قـــوى األمــر الواقع املسيطِرة». هــــــــــــو ال يــــــــدّعــــــــي النقد الفنّي وال البحث الـــــــتـــــــحـــــــلـــــــيـــــــلـــــــي، وفــــــــق مقدّمته. «إنـمـا الكتابة الـتـوثـيـقـيـة والـــراصـــدة، تُسهم فـي بـنـاء املعرفة عــــن واقـــعـــنـــا الــــســــوري، وتبحث وتُنقّب وتجمع وتــــــــــؤرشــــــــــف، وتـــــربـــــط األحـــــــــــداث واألفـــــــعـــــــال». فـــــتـــــرصـــــد الــــصــــفــــحــــات ثــيــمــة االعـــتـــقـــال 474 الـــــــــ والــــتــــغــــيــــيــــب مــــنــــذ عــــام حــــــتــــــى نــــهــــايــــة 2011 ، اســـــتـــــنـــــادًا إلــــى 2020 مـــا شـــهـــده مـــجـــاال الــفــن والـــثـــقـــافـــة؛ وذلــــــك عـلـى مستويني: األول يرصد بشكل مـبـاشـر مبدعني اعــتُــقــلــوا أو خُــطــفــوا أو قُــتـلـوا ضـريـبـة موقفهم املُـــــعـــــارِض مـــن الــنــظــام، املُعبَّر عنه في أعمالهم الـــفـــنّـــيـــة أو أنــشــطــتــهــم الــفــعــلــيــة خــــــارج الـــفـــنّ؛ وهـــــو مــــا دَرَج بـكـثـافـة فـي سـنـوات الـثـورة السورية األولـــى، ليرصد املـــســـتـــوى الـــثـــانـــي - عــبــر األعــــمــــال اإلبـــداعـــيـــة املختلفة - مَـــن اعـتُــقـل أو غُــيِّــب مــن املـواطـنـ واملـواطـنـات بُعيد االنـخـراط فـي الـشـأن العام والعمل املُعارِض. طــــوال الــســنــوات الـعـشـر املــاضــيــة، تتبَّع فـريـق «ذاكــــرة إبــداعــيــة» هـــذه الـثـيـمـة، مُــحــدِّدًا االعتقال األول بأطفال درعا الذي شكَّل شرارة انـطـ ق الــثــورة الـسـوريـة، مـــرورًا بالتطوّرات والــتــحــوّالت فـي مسألة االعـتـقـال والتغييب، ســـاردًا تفاصيل األحـــداث الالحقة واملـتـوالـدة من إضرابات وعصيان في السجون، وحمالت وتـــحـــرّكـــات ومــــبــــادرات فـــي الـــداخـــل الـــســـوري ودول اللجوء، وصوال إلى جهود تدويل هذه الـقـضـيـة سـعـيـ نـحـو الـــعـــدالـــة، والــتــجــاذبــات الــســيــاســيــة حـــولـــهـــا، واملـــحـــاكـــمـــات الـــدولـــيـــة. ذلـك وسـط تأكيد املوثّقني على «املوضوعية والحيادية، بغرض تثبيت األحداث وحفظها من الضياع». يـتـنـاول كــل فـصـل مــن الـفـصـول الـعـشـرة التي تؤلّف الكتاب، سردية عـام كامل؛ فيبدأ بمقدمة تُلخّص املعطيات واألحداث املفصلية ِــا توصّل خـ ل السنة، يليها عـرض مفصَّل إلــيــه الـبـاحـثـون مــن «انــتــهــاكــات الـنـظـام وكـل قــــوى األمـــــر الــــواقــــع، واألحـــــــداث الــتــابــعــة لها والناتجة عنها، وفق املكان والزمان، استنادًا إلــــى مــئــات املـــصـــادر فـــي كـــل فــصــل، ومــــا تبع ذلـك من تحرّكات داخلية وخارجية، شعبية أو فــرديــة أو جـمـاعـيـة، وحــمــ ت فــي وسـائـل التواصل». وبفعل البحث، اكتُشفت مـئـات األعـمـال الفنية والثقافية، املرتبطة بالثيمة املُعالَجة بمختلف أنواعها، وجُمعت، ثم وُثِّقت تباعًا؛ لـــتـــرصـــد خـــاتـــمـــة الــــكــــتــــاب امـــــتـــــداد األحـــــــداث الـــرئـــيـــســـيـــة املـــتـــتـــابـــعـــة املـــتـــعـــلّـــقـــة بـــاالعـــتـــقـــال حتى 2020 والتغييب، التي حصلت بعد عام تاريخ االنتهاء من إعداده. يضيف عرض األعمال الفنية واإلبداعية والثقافية، إلى جنس الكتاب التوثيقي، بُعدًا بـصـريـ . فــالــ فــتــات، والــغــرافــيــتــي، ولــوحــات الــــــــفــــــــن الــــتــــشــــكــــيــــلــــي... املُـــحـــاكـــيـــة لــإشــكــالــيــة، يَــــــــسْــــــــهُــــــــل تــــصــــفّــــحــــهــــا بواسطة وســـوم وفالتر متنوّعة، مثل: أصناف، أصحاب أعمال، مناطق جـــــغـــــرافـــــيـــــة، تـــــــواريـــــــخ، وســــــــوم عــــامــــة ووســــــوم خاصة؛ إذ وُضعت لهذه األعــــــمــــــال، بــأغــلــبــيــتــهــا، الـــــســـــيـــــاقـــــات املـــرتـــبـــطـــة بــهــا. أمـــا دلــيــل مـشـروع «معتقلون ومـغـيّــبـون»، فيحسبه الكتاب «األول من نوعه الذي يجمع في مكان واحد جميع أنواع املـــــبـــــادرات املـتـخـصِّــصـة أو الـتـي تُــولـي موضوع االعـــــتـــــقـــــال والـــتـــغـــيـــيـــب اهتمامًا فريدًا». ويــــــــــــتــــــــــــابــــــــــــع أنــــــــــه «يـــحـــوي تــوثــيــقــ كـبـيـر ًا 155 لــلــمــبــادرات، بـلـغـت مــــــــبــــــــادرة مــــــــوزَّعــــــــة فـــي تـــصـــنـــيـــفـــات مــــتــــعــــدّدة، مـــثـــل: مـــراصـــد حـقـوقـيـة دولية، ومراصد محلية وإقـــلـــيـــمـــيـــة، ومــنــظــمــات وجـــهـــات، ومـجـمـوعـات، وحـــــــــمَـــــــــ ت مُــــــنــــــاصــــــرَة ومــــــــــــبــــــــــــادرات فـــــــرديـــــــة، ووســـــــــــــائـــــــــــــل تــــــــواصــــــــل اجتماعي»، مع التأكيد عـــلـــى دور هــــــذا الـــدلـــيـــل فـــــي فـــهـــم طـــبـــيـــعـــة عـمـل املــــــــبــــــــادرات واألنــــشــــطــــة والفئات املُستهدَفة. مـــــــن الــــصــــعــــوبــــات والـــــــــتـــــــــحـــــــــدّيـــــــــات، وُلـــــــــد اإلصدار. فالكتاب يشير إلـــى شـقـاء تـلـك الــــوالدة، لـــــــــتـــــــــضـــــــــارُب تــــــــواريــــــــخ االعــــــــتــــــــقــــــــال أحــــــيــــــانــــــ ، وتـــواريـــخ تخلية سبيل املــــعــــتــــقــــلــــ ، وتــــــواريــــــخ تــــــنــــــظــــــيــــــم الـــــــحـــــــمـــــــ ت واملــــبــــادرات. ثــم يتوقّف عـــنـــد «تـــبـــايـــن املــــصــــادر الحقوقية لدى تناول حدث بعينه واختالفها، بــــشــــأن أعـــــــــداد املـــعـــتـــقـــلـــ واملـــخـــتـــفـــ قـــســـر ًا والشهداء تحت التعذيب». ويُكمل عد صعوبات املسار: «صعوبات مُـــرهـــقـــة تـــتـــعـــلّـــق بـــــروابـــــط بـــعـــض املــــصــــادر، الخــتــفــاء بـعـضـهـا فـــي أثـــنـــاء الـعـمـل أو بـعـده ألسباب خارجة على إرادتنا؛ ما فرض البحث عـــن مـــصـــادر بــديــلــة، وإضـــافـــة أخــــرى جـديـدة لـــدى مـراجـعـة الـــدراســـة وتـدقـيـقـهـا»، مــن دون اسـتـثـنـاء تـــحـــدّي شـــح املــعــلــومــات واملـــصـــادر عـن حــدث، والـتـحـدّي املعاكس ممثَّال بغزارة املصادر واملراجع واملقاالت املتعلّقة بأحداث أخرى. كـــثـــيـــرًا مــــا تـــســـاقـــط دمــــــع خـــــ ل الــبــحــث والـكـتـابـة، وغـــدر الـنـوم بالباحثني أمـــام هول االعـــتـــقـــال والــتــغــيــيــب. وألن كــثــيــريــن فــقــدوا قريبًا، أو صديقًا، أو جـارًا، أو حبيبًا، شاؤوا االعـتـراض على «وحشية الظلم»، مدركني أن «طــريــق الــعــدالــة الـطـويـلـة بــــدأت، ولـــو خطوة خطوة». بيروت: «الشرق األوسط» من أعمال عمر الجبين من غير عنوان» لنجاح البقاعي الكاتب العماني يرى أن اللحظات الجميلة تأتي بدون تخطيط والحجم الصغير ال يقلل قيمة الرواية محمود الرحبي: ال أكتب لنيل جائزة يـعـد الـكـاتـب مـحـمـود الـرحـبـي أحـد أبرز األصوات في خريطة السرد بسلطنة عمان. وعلى الرغم من أن بعض رواياته صفحة، فهو يراهن «على 60 ال تتجاوز الـتـكـثـيـف والــشــحــنــة الــجــمــالــيــة وجـــذب الـــقـــارئ لـيـكــون فـــاعـــ فـــي الـــنـــص»، كما يـقـول. مـن أعماله الـروائـيـة والقصصية «املـمــوِّه» و«صـرخـة مونش» و«أرجـوحـة فوق زمنني» و«حديقة السهو»، ووصلت روايــــتــــه «طـــبـــول الــــــــوادي» إلــــى الــقــائــمــة الـقـصـيـرة لــجــائــزة «كـــتـــارا» فـــي دورتــهــا الـحـالـيـة، هـنـا حـــوار مـعـه حـــول تجربته األدبية: فــــــي «طــــــبــــــول الـــــــــــــــــوادي»، تــســتــعــيــد > خصوصية مجتمعات ريفية في قرى عمانية تكاد تبتلعها الجبال، كيف جعلت من األصوات وسيلة لرسم مالمح البشر واملكان في النص؟ - بالنسبة لـروايـة «طـبـول الـــوادي» الـــــتـــــي تــــرشــــحــــت أخــــــيــــــرًا إلـــــــى الـــقـــائـــمـــة الـــقـــصـــيـــرة لــــجــــائــــزة «كــــــتــــــارا» لـــلـــروايـــة العربية املـنـشـورة فـي دورتــهــا الحالية، تعمدت اختيار «وادي السحنت»، املكون من قرى عدة وسط الجبال تمتاز بوفرة فـــي الـــثـــمـــار، حــتــى سـمـيـت بــــ«مـــنـــدوس» عـمـان. و«املــنــدوس» كلمة شعبية تعني الـصـنـدوق الثمني، كما اخـتـرت باملقابل حيًا يُــعـد فـي تلك الفترة مـثـاال للتمازج وتعدد األلسنة والثقافات والطباع وهو «وادي عــــدي»، وعـبـر تفاصيل األحـــداث نعرف ملــاذا اخـتـار بطل الــروايــة «سالم» الـحـريـة مـقـابـل الــجــاه ومشيخة القبيلة حتى وإن جاع. اهتممت بالتفاصيل كمقوم سردي، مثل الـطـرقـات التي كانت فـي ذاك الزمن متربة وخشنة حتى فـي أحـيـاء املدينة، والقرى كانت رهيبة وشاقة. أتذكر مثال أننا كنا لكي نشق بعض الطرق الصاعدة نضطر إلى وضع الحجارة داخل السيارة وقت الهبوط، حتى تحافظ على توازنها وال تنزلق من املرتفعات. واألصوات هنا قــد تـوحـي بكمية األغــانــي الـتـي تشتمل عــلــيــهــا الـــــروايـــــة. هـــنـــاك أيـــضـــ أنــاشــيــد بعضها باللغة السواحلية الزنجبارية، ناهيك عن طبول الجوع التي تعرض لها بطل الرواية «سالم»، وقد اختار الحرية مــضــحــيــ بـــكـــل شـــــيء وخــــــرج مــــن قـريـتـه حـافـي القدمني حـاسـر الـــرأس، وفــي ذلك داللة مقصودة. ألن يكون صادمًا لبعض القراء التعرف > على وجه آخر لــ«دول الخليج» من خالل قرى متقشفة يعاني أبناؤها من مستويات متباينة من الفقر والجوع والحرمان؟ - ال يخلو أي مجتمع من مفارقات، ومـــــن هـــنـــا يــســتــثــمــر األدب فــــي جــانــبــه الـــســـردي هــــذه املـــؤونـــة ويــصــعّــدهــا إلــى مـسـتـوى الـــقـــص. صـحـيـح أن عــمــان بلد نفطي وعدد سكانه قليل لكنه في النهاية مجتمع متنوع، به طبقات ومستويات، به ثراء فاحش وبه فقر مدقع. ولست في سياق مناقشة األسباب، إنما يمكن ذكر أمثلة، منذ فترة قريبة مثال سمعت عن قريب لي سُرّح من عمله، ولديه أبناء كُثر، التعويض لـم يكن يكفيه إلعـالـة أبنائه، فاضطر إلى السير في الخالء ليعود من هناك بأشجار يحرقها ليحولها فحمًا يبيعه. تحول إلـى حطّاب. وهـذه األمـور لم نكن نسمع بها إال في الحكايات. فـــــي مـــقـــابـــل الــــقــــريــــة، تـــطـــل املـــنـــاطـــق > واملـــــدن األكـــثـــر تــحــضــرًا، وهـــى تــحــتــوي، وفـق تـعـبـيـر الــــــراوي، عـلـى «الـضـجـيـج الــــذي يُسمع اآلن متداخال بني العربية والهندية واألفريقية والـــبـــلـــوشـــيـــة... كــيــف تــــرى بــعــ الــــروائــــي هــذا «املــــوزايــــيــــك» أو «الــفــســيــفــســاء» الـــــذي تحمله سلطنة عمان واملجتمع الخليجي عمومًا بني طياته؟ - هـــــــــذا املـــــــوزايـــــــيـــــــك يــــشــــكــــل ثـــــــــراء اجتماعيًا تنتج عنه تفاعالت يمكن أن يستفيد مـنـهـا الـــقـــاص. لــو فـقـط تأملنا تاريخ األسـواق العمانية، لحصلنا على ذخيرة مهمة، ناهيك عن األغاني، سواء تلك املتعلقة بــاألفــراح أو حتى األتـــراح. املهم هنا هو كيف تعبر عما هو موجود وليس تفصيل ما هو موجود. الكم يعد انحرافًا عن طريق األدب الذي من سماته الـــبـــ غـــة واالقـــتـــصـــاد. الـــكـــاتـــب الـــروســـي نـــيـــقـــوالي غــــوغــــول اخـــتـــصـــر فــــي روايـــــة «املـعـطـف» تـاريـخ الخياطني فـي روسيا في عمل صغير، كـان املعطف هو البطل ولـــيـــس صـــاحـــب املــعــطــف فـــي الـحـقـيـقـة. لكنه قــدم عـمـ هـائـ ال يمكن نسيانه. أتذكر حني قــرأت «املعطف» أول مـرة في التسعينات وكـانـت مـنـشـورة كـامـلـة في مـجـلـة «عـــيـــون املـــقـــاالت» بـكـيـت بـحـرقـة. ولــحــظـة الــتــأثــر الــصـــادقــة هــــذه ال يمكن أن يــقــدمــهــا لـــك إال كـــاتـــب عـظـيـم بحجم غوغول. جـــاءت روايـــتــك «املـــمـــوِّه» قـصـيـرة إلـى > 60 حــد الـصـدمـة حـتـى أنــهــا تـقـع فــي أقـــل مــن صفحة، كيف ترى مسألة «الحجم» وتأثيرها في استقبال وتصنيف األعمال األدبية؟ -الحجم عــادة ليس مقياسًا. روايـة «الـــلـــيـــالـــي الـــبـــيـــضـــاء» لـدوسـتـويـفـسـكـي روايـــة قصيرة لكن ال تقل أهمية وذكــرًا عــــن روايـــــاتـــــه الـــكـــبـــيـــرة. األهـــــــم فــــي هـــذا الـسـيـاق هــو الـتـأثـيـر. وســــواء كُــتـب على الغالف رواية أو «نوفيال»، يظل هذا األمر يـــدور فـي قلة الحجم. ثمة مواضيع من األفضل تقديمها قصيرة خصوصًا تلك القصص التي تعتمد على اللعب. وحني أقــــول قـصـصـ فــإنــه حـتـى الـــروايـــة كـانـت تـسـمـى قــصــة، فـالـقـصـة عـنـصـر أسـاسـي في السرد، سواء كان هذا املسرود قصة قصيرة أو رواية. هــــل أردت أن تـــحـــرر فـــكـــرة الـــســـرد > الـــروائـــي مــن «املـــطـــوالت» الــتــي أثـقـلـتـه مـؤخـرًا صفحة دون دواع 500 أو 400 أعمال تتجاوز فنية؟ - لـــم أكــــن أقـــصــد حـــ كـتـبـت ســوى الـتـعـبـيـر بـــأقـــل الــكــلــمــات وأحـــيـــانـــ ألـجـأ ملــــجــــرد اإلشــــــــــــارات. حـــالـــيـــ أعــــكــــف عـلـى نـوفـيـ بطلها شـــاب ال يـتـكـلـم، انـطـ قـ مــن مـقـولـة لـبـريـخـت مـفـادهـا أن الـــذي ال يـتـكـلـم لـــديـــه كــــ م كــثــيــر لــيــقــولــه، وهـــذا الكثير يـعـبّــر عـنـه بمختلف حــواســه، ال سيما العني وليس فقط اإلشــــارات. قبل أن أكـتـب روايــــة «أوراق الـغـريـب» دخلت فـي دورة للصم مدتها أسـبـوعـان، وذلـك ألنه ضمن شخصيات هذه الرواية امرأة خــــرســــاء. ورغــــــم أن دورهـــــــا ثــــانــــوي فـي الرواية، لكن كان من املهم فهم شعورها وطريقة تعبيرها بدقة وإال أصاب النص نقص مخجل، ليس في عدد الصفحات، وهذا ليس مهمًا كثيرًا، لكن في الفهم... كيف تكتب عن حالة أو شخصية قبل أن تفهمها؟ هذا أمر في غاية األهمية حسب وجهة نظري. تـذهـب روايــــة «املـــمـــوه» إلـــى «املـسـكـوت > عنه» من خالل تجارة املخدرات وترويجها عبر الحانات... هل تعمدت ذلك وكيف ترى محاذير تناول مناطق شائكة في الرواية الخليجية؟ - طــــريــــقــــة تـــــنـــــاولـــــي لـــلـــمـــواضـــيـــع الـــســـرديـــة حـــــذرة جـــــدًا، لـكـنـه ذلــــك الــنــوع مـن الـحـذر الــذي ال يفرط بصياغة املـادة الحكائية بقدر ما يكون في التعالي على مطابقتها حرفيًا بـالـواقـع. أستفيد من معطيات الواقع املوجودة واملباشرة لكن في حدود مدى خدمتها للعمل أدبيًا. لو كنت أرغب في كتابة موضوع اجتماعي ملـــا الــتــجــأت إلــــى الــــروايــــة. كــنــت سـأكـتـب بـحـثـ حـسـب مـنـهـج عـلـمـي بـــه تفاصيل ومـسـمـيـات صــريــحــة، لـكـن كـتـابـة األدب تـتـقـصـد أوال إمـــتـــاع الـــقـــارئ عــبــر الـلـغـة والتخييل، وال يمنع الكاتب أن يستفيد من كل معطيات الواقع وتنوعه طاملا أن مـا يكتبه يــدور فـي فلك التخيل. وطاملا أنــه لـم يستخدم كتابته ألغـــراض أخـرى مثل تصفية الحسابات مثالً. هــــل خـلـفـيـتـك كــــاتــــب قـــصـــة قـصـيـرة > جعلتك تنحو إلى التكثيف واإليجاز وقلة عدد الشخصيات في أعمالك الروائية؟ - الــبــدايــة كــانــت مـــع الـقـصـة وربـمـا قبل ذلك محاوالت شعرية بسيطة تحت تـــأثـــيـــر قــــــــراءات لــقــصــيــدة الـــنـــثـــر. بــــدأت الكتابة القصصية في سن مبكرة، نحو عــــامــــ ، لــكــنــي لــــم أنـــشـــر مـجـمـوعـتـي 19 الـــقـــصـــصـــيـــة األولـــــــــى إال بـــعـــد الـــثـــ ثـــ ســــنــــوات حـــتـــى أصـــــدرت 9 ثــــم انـــتـــظـــرت املـــجـــمـــوعـــة الــقــصــصــيــة الـــثـــانـــيـــة «بـــركـــة الـــنـــســـيـــان». بــعــد ذاك تـــوالـــت املـجـامـيـع الـــقـــصـــصـــيـــة، وكــــــان ضــمــنــهــا مـجـمـوعـة «ساعة زوال» التي فازت بجائزة وطنية مهمة في مسقط، وهي جائزة السلطان قـــابـــوس فـــي دورتـــهـــا األولــــــى، بـالـنـسـبـة للرواية فقد اقتحمت ساحتها بشيء من الحذر، بدأت تدريجيًا بنوفيال «خريطة الـحـالـم» التي صــدرت عـن «دار الجمل»، ثـــم «درب املـــســـحـــورة» الــتــي صــــدرت عن «دار االنتشار»، بعد ذلك كتبت «فراشات الــــــروحــــــانــــــي» وكــــــانــــــت كــــبــــيــــرة نــســبــيــ ومــتــعــددة األصـــــوات، كـتـب عـنـهـا الـنـاقـد املغربي الراحل إبراهيم الحجري دراسة موسعة نُشرت وقتها في مجلة «نزوى». بـعـد صــــدور مـجـمـوعـتـك القصصية > 10 ملــاذا انتظرت 1998 » األولـــى «الـلـون البني سنوات كاملة حتى تصدر املجموعة الثانية؟ ربما كنت مسكونًا أكثر بـالـقـراءة. ورغــــم أن «الـــلـــون الــبــنــي» لـقـيـت نـجـاحـ وكُتب عنها بصورة مفرحة فإنني كنت أكتب أيضًا. أتذكر أن مجموعتي الثانية «بـــركـــة الـــنـــســـيـــان» كــتــبــت الـــجـــزء األوفــــر مـنـهـا فـــي دكــــان والـــــدي بـمـديـنـة مـطـرح. كـان معي دفتر أنكب عليه للكتابة وقت الـظـهـيـرة غـالـبـ عـلـى عـتـبـة الـــدكـــان حني يقضي أبـــي قيلولته فــي مسجد قـريـب. أحدهم قال لي الحقًا إنه كان حني يعود مــن عـمـلـه بـالـسـيـارة ال يــرانــي إال منكبًا وكـان يستغرب. بعد أن أنهيت دراستي ســــاعــــدت والــــــــدي فــــي دكــــانــــه كـــمـــا كـنـت أساعده أثناء اإلجـازات الدراسية إلى أن وجــدت عمال فـي وزارة التعليم العالي. لذلك يمكن مالحظة الكثير من الدكاكني في تلك املجموعة القصصية. حــصــلــت عــلــى الـــعـــديـــد مـــن الــجــوائــز > فضال عن الوصول للقوائم القصيرة لجوائز أخــــــرى... كـيـف تـنـظـر لـحـضـور الــجــوائــز في املشهد األدبـــي الـعـربـي، وهــل تشكل هاجسًا ملحًا بالنسبة لك؟ - لـم أكتب يومًا لنيل الـجـوائـز، أنا مقتنع أن اللحظات الجميلة تأتي بدون تخطيط، ومـــا عليك ســـوى الـعـمـل. كـان أبي (رحمه الله) يقول لي «عليك أن تفتح الدكان صباح أول الناس وتنتظر». وفي هـــذا دعــــوة إلـــى االســتــمــراريــة. بالنسبة للكاتب، عليه أن يقرأ كثيرًا وربما أيضًا عليه أن يكتب، أما النشر فيأتي الحقًا. كـذلـك الـجـوائـز ال تستجيب بـالـضـرورة ملن يخطط لها. أخــــــيــــــرًا... مــــا ســــر حـــضـــور الــــروايــــة > الـعـمـانـيـة بــقــوة مـــؤخـــرًا فـــي املــشــهــد الـثـقـافـي العربي؟ - ربما بسبب النزوح الجماعي نحو هـــذا الـــلـــون. مـــرة كـتـبـت مـــقـــاال فـــي مـوقـع «ضفة ثالثة» بعد رحيل عزيزنا القاص والروائي والطبيب عبد العزيز الفارسي، قلت فيه إنه حني كتب أول رواية وصعدت إلى القائمة الطويلة لجائزة «البوكر» في دورتـــهـــا األولــــى حـــوّل املـشـهـد مــن كتابة الــقــصــة إلــــى كــتــابــة الــــروايــــة فـــي سلطنة عــــمــــان، فـــاتـــجـــه مـــعـــظـــم مــــن كــــــان يـكـتـب قصة إلـى هـذا الفضاء الجديد واملغري. هناك من ظل يراوح مزاوالته بني القصة والرواية وعبد العزيز كان واحـدًا منهم. وبذلك استطاع الكاتب العماني عمومًا أن يـسـاهـم ويـنـافـس فــي مـسـابـقـات ذات طـــابـــع تــنــافــســي عــــربــــي، كـــمـــا حـــــدث مـع جوخة الحارثي وبشرى خلفان ومحمد اليحيائي وزهران القاسمي وآخرين في مجاالت إبداعية مختلفة. القاهرة: رشا أحمد محمود الرحبي ال يخلو أي مجتمع من مفارقات ومن هنا يستثمر األدب في جانبه السردي هذه المؤونة ويصعّدها إلى مستوى القص

RkJQdWJsaXNoZXIy MjA1OTI0OQ==