issue16711

تـمـنـيـت لـــو أنــــي أعــــرف مـحـمـد الـــشـــكـــري، مـحـافـظ البنك املركزي الليبي املكلف، ألصافحه ال أكثر، وأشد على يديه ال أقل. لقد أعاد الرجل تذكيري باألمير كمال الدين حسني، ابــــن الــســلــطــان حــســ كـــامـــل، الـــــذي كــــان ســلــطــانــا على . كان 1917 إلـى أن غـادر دنيانا في 1914 مصر بـدءًا من مـن الطبيعي بعدها أن يخلفه ابنه األمـيـر كمال الدين الـذي رفض الكرسي السلطاني وأعلن زهـده فيه، فجاء السلطان فؤاد الذي صار امللك فؤاد في مرحلة تالية. هـــذا املــوقــف مــن جـانـب األمــيــر الـــزاهـــد ال مثيل له فـي تـاريـخ مصر املـحـروسـة الـحـديـث، وربـمـا فيما هو أبعد من تاريخها الحديث، ألن الناس عاشوا يعرفون التقاتل على مقاعد السلطة، ولـم يعرفوا هـذه الدرجة املثالية في النظر إلى الكرسي. فإذا كان الكرسي كرسي سلطان بكل ما يعرفه صاحبه حوله من هيلمان، فإن الدهشة من موقف األمير تظل مقرونة بدرجة مماثلة من اإلعجاب. وال يكاد الكرسي الذي زهد فيه املحافظ الشكري يقل عن كرسي األمير الـزاهـد، وإ فهل يمكن لكرسي مـحـافـظ الـبـنـك املـــركـــزي فـــي بـلـد نـفـطـي مـثـل لـيـبـيـا أن يكون أقل شأنا من كرسي الحكم أو السلطة بمعناها السياسي املباشر؟ والـذيـن يتابعون الشأن العام الليبي يعرفون أن املجلس الـرئـاسـي الـــذي يـرأسـه محمد املـنـفـي، كــان قد أصـــدر قــــرارًا يـتـولـى بموجبه محمد الـشـكـري منصب مـحـافـظ الـبـنـك املـــركـــزي، خـلـفـا لـلـصـديـق الـكـبـيـر الــذي تولى املنصب لسنوات طويلة. كــان الصديق قـد بقي في منصبه طويال إلى حد أن كثيرين صـاروا يقرنون بني الكيان وبني الشخص، وال يتصورون وجود البنك املركزي الليبي بغير أن يكون الصديق على رأسه، كما ال يتخيلون الصديق بغير أن يكون على قمة البنك. ولـأمـانـة، فـإن األنـبـاء التي كانت تأتي عـن البنك طــــوال وجــــود الــرجــل عـلـى قـمـتـه، كــانــت تـشـيـر إلـــى أنـه عاش يحرص على إبعاد البنك املركزي عن الصراعات السياسية التي تموج بها البالد منذ ما يزيد على عقد مـن الـزمـان، وعــاش يـراعـي الـحـدود الدنيا فـي الحفاظ على استقاللية الكيان الـذي جعلته الـظـروف مسؤوال عنه، وقـد كـان يفعل ذلـك ويمارسه عن درايــة بـأن ألف باء عمل أي بنك مركزي في العالم هو استقالليته عن السلطة التنفيذية في البلد. وهذا بالضبط هو ما يدركه املحافظ املكلف أيضا، وقـــد أدركــــه أكـثـر فــي اللحظة الـتـي جـــاءه فيها تكليف املجلس الرئاسي بـأن يكون على رأس البنك املسؤول عن وضع السياسة النقدية في البلد، واملسؤول كذلك عن عدم السماح للحكومة بأال تطغى سياستها املالية على سياسة البنك النقدية، واملسؤول للمرة الثالثة عن أن يظل يعمل في هذا النطاق، فتأتي سياسة الحكومة املــالــيــة فـــي الــنــهــايــة ســيــاســة رشـــيـــدة، وال تــكــون على حساب السياسة النقدية، أو على حساب استقالليتها التي ال فصال حولها في أي اقتصاد متماسك. أدرك املـحـافـظ الـشـكـري هــذه املـعـانـي االقتصادية كـــلـــهـــا، فـــقـــال إنـــــه ال يــقــبــل أن يـــكـــون جــــــزءًا مــــن الـعـبـث السياسي الدائر في ليبيا، وأن مجلس النواب إذا كان ال يوافق على توليه هذا املنصب وال كذلك مجلس الدولة، فإنه لن يوافق على تولي منصب املحافظ، إال إذا توافق املجلسان عليه، وإال إذا رضيا معا بأن يكون في موقع املحافظ بدال من الصديق الكبير. ولــيــس ســـرًا أن الــجَــمــل بـمـا حَــمــل يــتــصــارع عليه كثيرون في ليبيا، وأن تكليف الشكري وجه من وجوه هـذا الـصـراع، وأن الخالف الحاصل على تكليفه ينقل الصراع من صراع على السلطة إلى صراع على الثروة، ولـذلـك يرفض التكليف الــذي يأتي كأنه قناع ألشياء وراءه يراها بالقطع الليبيون جميعا ويعرفونها كما يعرف كل مواطن منهم يديه. والحقيقة أن في ليبيا ستة رجال لو جلسوا على مائدة واحدة واتفقوا على تقديم الوطن على ما سواه، فلن تـكـون فـي الـبـ د مشكلة، وعـنـدهـا ستكون ليبيا على ما يتعني أن تكون عليه. في البالد خليفة حفتر قائد الجيش، وعقيلة صالح رئيس البرملان، وأسامة حـمـاد رئـيـس حـكـومـة االســتــقــرار فــي الــشــرق، ومحمد املنفي رئيس املجلس الرئاسي، ومحمد تكالة رئيس مجلس الدولة املنتهية واليته، وعبد الحميد الدبيبة رئيس حكومة الوحدة في الغرب. ولو توافقوا جميعهم على أن تكون ليبيا أوال ال ثانيا، فلن تكون بالدهم في حاجة إلـى املبعوث األممي الـذي يـروح عليها ويجيء من دون تقديم أي شيء. ليبيا فــي حــاجــة إلـــى رجــــال مــن نـوعـيـة محافظ البنك املكلف، الذي أظهر لنا ما يشير إلى أنه ال يشغله منصبه فــي الـبـنـك بـقـدر مــا يهمه بــلــده، والــــذي يقدم استقرار البلد على وظيفته الرفيعة في البنك، والذي ال يغريه الجَمل بما حَمل. ال يغريه ذلك وال يتردد في التخلي عنه إذا ما أحـس بـأن سمعة البنك، هي ثمن قبوله بالجلوس على رأس الكيان املختص بصناعة الـسـيـاسـة الـنـقـديـة فـــي الــبــلــد، وحــمــايــة مــركــز عُملته الوطنية بني بقية العُمالت. مـهـمـا قـيـل فـــي الـتـأثـيـر الــهــائــل ألنـظـمـة الـدعـايـة الحديثة على تفكير الـنـاس وميولهم، فلن تستطيع تحويل اإلنـسـان إلـى شبه آلــة، تحركها تلك األنظمة. بـــل أزعــــم أن الـتـسـلـيـم املـطـلـق بــهــذه الــفــكــرة، يناقض الحكمة وتـجـربـة البشر الـتـاريـخـيـة. نعلم جميعا أن التقدم املستمر كــان سمة ثابتة فـي تـاريـخ البشرية. وما ينتجه البشر اليوم من املعارف واملنتجات املادية، دلــيــل صــريــح عـلـى الـــفـــارق الـعـظـيـم بــ حـالـنـا وحــال البشرية قبل ألف عام مثالً. تزيد العلوم التي ينتجها إنسان اليوم في عام واحـد، عما كان ينتجه األسالف في عشرات السنني. وينتج من الغذاء ومصادر الطاقة ووسائل املعيشة، ما لم يصل إليه األسـ ف حتى في الخيال املجرد. - حسنا... تأملوا معي فـي معنى التقدم، أليس جـوهـره هـو التمرد على األفـكـار الـسـائـدة والقناعات املعتادة واألعراف املعهودة. تخيل أن نيكوالس كوبرنيكوس لـم يتمرد على املــبــدأ املـــــوروث، الـقـائـل بـــأن األرض مـركــز الــكــون وأن الشمس تــدور حولها، فهل كـان علم الفيزياء والفلك سيقفز تـلـك الـقـفــزة الـعـظـيـمـة الــتــي نـعـيـش نتائجها اليوم، في حقل االتصاالت والطيران وتنبؤات املناخ وتطوير اإلنتاج الـزراعـي... إلـخ؟ في تلك األيـام كانت الــكــنــيـســة تـعـتـمـد نــظــريــة الــفــلــكــي الـــيـــونـــانـــي الــقــديــم بطليموس، وفحواها أن األرض مركز الـكـون. ولهذا جوبه كوبرنيكوس بالعزل والتكفير، فتردد كثيرًا في نشر كتابه املتضمن نظريته الجديدة، حتى األشهر األخيرة من حياته. تخيل أيضا أن آالن تورينغ لم يتمسك بنموذج رغم إخفاقاته 1938 الحاسبة الذكية التي طوّرها في األولـيـة وسخرية زمـ ئـه وأربـــاب عمله، فهل سيكون لدينا الكومبيوتر واإلنترنت التي باتت محرك حياة العالم في هـذا الـزمـان؟ هـذا وذاك، بل تاريخ البشرية كله، دليل على أن فطرة اإلنـسـان األولـيـة، هي التمرد على السائد واملتعارف، وليس االنصياع له. أقول هذا رغم أني - مثلكم - أنظر للحياة الواقعية املاثلة أمـامـي، فــأرى غالبية الـنـاس، تتأثر - كثيرًا أو يسيرًا - بتوجيه «األيــدي الخفية» التي تدير املسرح من وراء الستار. - كيف نوازن إذن بني االستنتاج املثبت علميا، عن تأثير الدعاية والبيئة االجتماعية على تفكير اإلنسان وسلوكه، وبني رفضنا التسليم بهذا القول على نحو مطلق؟ الســـتـــيـــضـــاح املـــــفـــــارقـــــة، دعــــنــــا نـــســـتـــعـــن بـــرؤيـــة إيمانويل كانط، رائـد الفلسفة الحديثة، حول الفارق بني حقيقة األشياء وصورتها في الذهن. أدرك قـــدامـــى الــفــ ســفــة أن صــــورة األشـــيـــاء في الـــذهـــن، ال تــطــابــق دائـــمـــا حـقـيـقـتـهـا الــواقــعــيــة. حني يخبرك شخص عن فرس سباق، فربما تتخيل صورة أجمل فـرس رأيته. لكن حني تـرى الفرس في الواقع، ستجده مختلفا عن صورته في ذهنك. أولــئــك الـفـ سـفـة قــالــوا أيـضـا إن مـعـايـنـة الـشـيء تنهي تلك االزدواجية، حيث تتطابق الصورة الذهنية مع الواقع. وقالت العرب قديما «فما راء كمن سمعا». لكن إيمانويل كانط وجد أنك حني تنظر للشيء فإنك تراه من خالل الصورة التي في ذهنك، والتي غالبا ما تخالف الواقع قليال أو كثيرًا. أي أن الفارق يبقى حتى لــو رأيـــت الــشــيء بعينيك. هـــذه النقطة هــي مـوضـوع عمل الـدعـايـة، التي تـحـاول تثبيت صــورة ذهنية عن األشياء، بغض النظر عن واقعها. لكن كانط يقول أيضا – وهو بالتأكيد صادق تماما – إن عقل اإلنسان ليس مرتبة واحدة. فهناك العقل العملي الــذي يدير حياتك اليومية، وهناك العقل النظري الــذي يتأمل حقائق األشـيـاء ويفكك معانيها، باحثا عما وراء ظاهرها كـي يتجاوزه، فيتحرر مـن الـحـاجـة إلـيـه، أو يستبدله بما يغني عنه. الـدافـع الخـتـراع الطائرة – مثال – كـان شعور الــــنــــاس بـــــأن الــــســــيــــارة عــــاجــــزة عــــن تــــجــــاوز قــيــود الــجــغــرافــيــا، مـــع أن أحــــدًا ربــمــا لـــم يـتـخـيـل يــومــذاك إمكانية أن يطير الحديد فوق الهواء. هذا العقل هو الــذي يتمرد على تأثير الدعاية والتربية والبيئة ويختار طريقه املنفرد. ســـوف أعـــود لـهـذا املـــوضـــوع فــي وقـــت الحــق. لكن يهمني التأكيد على لب املوضوع، أي وجود حالتني متوازيتني في واقع الحياة: سلوك القطيع ومـــســـايـــرة الـــنـــاس، مــقــابــل الــشــك فـــي هــــذا الــواقــع والــتــمــرد عـلـى مـسـلـمـاتـه. األولـــــى تـــكـــرّس الـنـظـام والـــراحـــة الـنـفـسـيـة، واألخـــــرى تــؤكــد قـيـمـة العقل وكونه ماكينة التقدم اإلنساني. OPINION الرأي 12 Issue 16711 - العدد Thursday - 2024/8/29 اخلميس اليد الخفية التي تدير العالم الجمل بما حَمَل في ليبيا وكيل التوزيع وكيل االشتراكات الوكيل اإلعالني المكـــــــاتــب المقر الرئيسي 10th Floor Building7 Chiswick Business Park 566 Chiswick High Road London W4 5YG United Kingdom Tel: +4420 78318181 Fax: +4420 78312310 www.aawsat.com [email protected] املركز الرئيسي: ٢٢٣٠٤ : ص.ب ١١٤٩٥ الرياض +9661121128000 : هاتف +966114429555 : فاكس بريد الكتروني: [email protected] موقع الكتروني: www.arabmediaco.com هاتف مجاني: 800-2440076 املركز الرئيسي: ٦٢١١٦ : ص.ب ١١٥٨٥ الرياض +966112128000 : هاتف +9661٢١٢١٧٧٤ : فاكس بريد الكتروني: [email protected] موقع الكتروني: saudi-disribution.com وكيل التوزيع فى اإلمارات: شركة االمارات للطباعة والنشر الريـــــاض Riyadh +9661 12128000 +9661 14401440 الكويت Kuwait +965 2997799 +965 2997800 الرباط Rabat +212 37262616 +212 37260300 جدة Jeddah +9661 26511333 +9661 26576159 دبي Dubai +9714 3916500 +9714 3918353 واشنطن Washington DC +1 2026628825 +1 2026628823 املدينة املنورة Madina +9664 8340271 +9664 8396618 القاهرة Cairo +202 37492996 +202 37492884 بيروت Beirut +9611 549002 +9611 549001 الدمام Dammam +96613 8353838 +96613 8354918 الخرطوم Khartoum +2491 83778301 +2491 83785987 عمــــان Amman +9626 5539409 +9626 5537103 صحيفة العرب األولى تشكر أصحاب الدعوات الصحافية املوجهة إليها وتعلمهم بأنها وحدها املسؤولة عن تغطية تكاليف الرحلة كاملة ملحرريها وكتابها ومراسليها ومصوريها، راجية منهم عدم تقديم أي هدايا لهم، فخير هدية هي تزويد فريقها الصحافي باملعلومات الوافية لتأدية مهمته بأمانة وموضوعية. Advertising: Saudi Research and Media Group KSA +966 11 2940500 UAE +971 4 3916500 Email: [email protected] srmg.com توفيق السيف سليمان جودة إيـــلـــون مـــاســـك بــكــل ســطــوتــه يـشـكـو من تكميم األفـواه في الغرب بعد اعتقال صاحب قد 2030 «تلغرام»، ويعتقد «أنـه بحلول عام يتم إعدامك في أوروبا ملجرد إعجابك بصورة ســاخــرة»، مـع علمه أن أمـيـركـا ليست أفضل حاالً. أن يـقـول الـرئـيـس الـفـرنـسـي إيمانويل مـــاكـــرون، إن تـوقـيـف بـافـيـل دوروف صاحب الــتــطــبــيــق الـــشـــهـــيـــر، ال ســـبـــب ســـيـــاســـيـــا لـــه، يجعلنا نتأكد من أن ما يُثار حـول االعتقال املباغت لهذا العبقري الـروسـي هـو فـي جزء مـنـه صـحـيـح. صحيفة «لــوكــانــار أنشينيه» الـفـرنـسـيـة تـحـدثـت عــن دعــــوة لـــــدوروف على العشاء مـن مــاكــرون، ومــا أن هبطت طائرته قـــادمـــة مـــن أذربـــيـــجـــان حــتــى تـــم اعــتــقــالــه. إن صــــح الـــخـــبـــر، فـــهـــذه خـــديـــعـــة رســـمـــيـــة كــبــرى ملـواطـن روســي يحمل الجنسيتني الفرنسية واإلمـــاراتـــيـــة. لـكـن دوروف يبقى روســيـا إلـى يـوم الـديـن، وإال لوجدناه مـدلّــ معظّما كما زمـيـلـه زوكــربــيــرغ صـاحـب «فـيـسـبـوك» الــذي غالبا ما يقارن بينهما. لكن دوروف، وهــو مـحـقّ، يـعـد تطبيقه سابقا كـل تطبيقات املحادثة األخـــرى بسبع سنوات على األقــل، وأنهم نسخوا عنه فكرة املـــجـــمـــوعـــات والـــــقـــــنـــــوات، فــــجــــاءت مـــشـــوّهـــة ينقصها اإلتقان وتعوزها األمانة في الحفاظ على املعلومات. يؤكد هـذا املخترع الــذي وضـع تطبيقه األول وهـــو فــي الـحـاديـة والـعـشـريـن، وفـضّــل أن يـتـخـلـى عـــنـــه، ويــــغــــادر روســــيــــا، عــلــى أن يكشف بيانات مشتركيه، أنه ال يـزال يرفض تسليم خصوصيات مستخدميه ألي جهة، ويـصـر على أن يكون «تـلـغـرام» ملكه وحــده، وال سلطة ألي مساهمني عليه، وهــو يقاوم ضـــغـــوط حـــكـــومـــات شـــتـــى، لـــذلـــك يـــحـــاولـــون اخــــتــــراق أجـــهـــزتـــه، وتــجــنــيــد مــهــنــدســيــه كي يـفـتـحـوا ثــغــرات ســرّيــة يمكن الـتـسـلّــل منها. هــذا يـمـارسـه األمـيـركـيـون وغـيـرهـم، الضغط األكــبــر يـأتـيـه مــن شـركـتـي «أبــــل» و«غـــوغـــل»، كل منهما بمقدورها حذف تطبيقه بالكامل من متجرها إن لم يخضع لشروطها، شروط أخـــ قـــيـــة مـــثـــل حـــمـــايـــة األطـــــفـــــال، ومــكــافــحــة الجريمة، لكنها عند التطبيق تأخذ منحًى آخر، لتصبح التنازالت حتمية؛ كي يُسمح له باالستمرار. ليست حياة هـذا الـروسـي، ابـن األستاذ الــجــامــعــي الـــــذي آمــــن بـالـلـيـبـرالـيـة والــحــريــة الغربيَّني، وترك بالده من أجلها، بالسهلة وال السلسة، فهو قابض على كنز مـن البيانات يـحـمـيـهـا مــــن عـــيـــون املـــتـــلـــصّـــصـــ ، إال حـ يقتنع بأن املعلومات التي يكشف عنها تُسهم في خدمة صالح ما. تعرّض البـتـزازات، مُورِست عليه أنواع قـمـيـئـة مـــن الــحــيــل، بـعـد غــــزوة «الـكـابـيـتـول» هــــدّده الـديـمـقـراطـيـون بـأنـه يـخـالـف الـقـانـون إن لـــم يــكــشــف بـــيـــانـــات املـــهـــاجـــمـــ ، وأعــلــمــه الجمهوريون بأنه ينتهك الدستور األميركي إذا لــــم يــعــطــهــم مــــا يـــحـــتـــاجـــونـــه، فــتــجــاهــل الطلبَني. قــرّر تجنّب السفر إلـى دول عديدة، مـنـهـا أمـــيـــركـــا وروســــيــــا والــــصــــ ؛ لتخفيف الضغط. حـــقـــا، مــــا الـــفـــخ الــــــذي نُـــصـــب لــــــدوروف كـــي يــســافــر إلــــى فـــرنـــســـا؟ هـــل قــصــة الــعــشــاء صـــحـــيـــحـــة؟ قـــــد تــــكــــون بــــيــــانــــات «تــــلــــغــــرام» أساسية ألميركا في إدارة الحرب األوكرانية - الـــروســـيـــة؟ ولــيــس بـعـيـدًا أن دوروف الـــذي يبدو روسيا يتيما في غابة اللئام، مطلوب إخـــــضـــــاعـــــه إلرضـــــــــــاء املــــــــوســــــــاد، خـــصـــوصـــا أن مــنــصــتــه هــــي آخـــــر مــــا تـــبـــقّـــى ملــجــمــوعــات «حماس»، بعد أن حُذِفت من كل منصة. تـــكـــاثـــر الـــــذبـــــاب حــــــول ولـــيـــمـــة دوروف الدسمة، الـذي لجأ إلـى دبـي بحثا عن األمـان والحياد، رفـض املقابالت اإلعالمية ملا يزيد على سبع سنوات، إلى أن ظهر قبل أشهر مع املــحــاور والــكــاتــب الـسـيـاسـي األمــيــركــي تاكر كـــارلـــســـون، مـــؤكـــدًا أنـــه يـعـمـل بـتـركـيـز كبير، ويستعني بعدد قليل جدًا من املوظفني، ويقوم بغالبية األعباء بنفسه، مما فتح الشهية على اتهامه باالستهتار، بسبب فريقه املـحـدود. لكن دوروف أعاد الفضل في الحماية العالية التي يوفرها تطبيقه، وتميّزه فـي استقبال مجموعات بأعداد هائلة من الناس، وتقديم أفضل الخدمات، بفضل شقيقه نيكوالي الذي له موهبة استثنائية في الرياضيات وابتكار البرامج. هذا كله لم يمنع اتهامه بإفساح تطبيقه لـــتـــجـــار املــــــخــــــدرات واإلرهــــــابــــــيــــــ ، وغــســيــل األموال، مما يعرضه للسجن عشرين عاما. مــا يعيشه املـلـيـارديـر الــروســي املــطــارَد يثير الـفـضـول حـــول طبيعة الــتــنــازالت التي يـقـدّمـهـا زمــــ ؤه مــن أصــحــاب املـنـصـات التي قبضت على بياناتنا، ليُسمَح لها بارتكاب أكبر املوبقات؛ من بيع بيانات إلى حذف مواد سياسية، إلى اعتداء على األطفال، والسماح لــجــهــات أجـنـبـيـة بــالــتــدخــل فـــي االنــتــخــابــات األمــــيــــركــــيــــة. جـــــرائـــــم فـــعـــلـــيـــة، لــــكــــن جُــــــــل مــا يتعرض له أصحابها هو االستماع لهم في الكونغرس، هنا يقدَّم دوروف كبش محرقة إلفهام اآلخرين بحدود سلطتهم، وما يمكن أن يصيبهم، لو تردّدوا في الخضوع الكامل. والـــحـــالـــة الــخــطــيــرة هـــــذه، يـفـتـح إيــلــون مـــاســـك الــــنــــار عـــلـــى زوكــــربــــيــــرغ املَـــحـــمـــي مـن مــصــيــر دوروف؛ ألنّـــــه «يـــفـــرض رقـــابـــة على حرية التعبير، ويمنح سلطات الدول األخرى إمـكـانـيـة الـــوصـــول إلـــى الـبـيـانـات عـبـر الـبـاب الخلفي». لــيــس بـــوتـــ هـــو مـــن اعــتــقــل دوروف، بـــل بـلـد غـــربـــي، لــهــذا يـعـلّــق الـصـحـافـي تـاكـر كـــارلـــســـون حـــزيـــنـــا مــــن «الــــظــــ م الــــــذي يــحــل بسرعة على عالم كان في السابق حرًا». هـــل نــحــن أمـــــام جــولــيــان أســـانـــج جـديـد سـيـقـبـع فـــي الـسـجـن لــســنــوات؟ أم سـيـتـنـازل املــــواطــــن الــــروســــي أمـــــام الـــتـــهـــديـــدات، ينجو بجلده، ويرسل اآلخرين إلى املشنقة. هذا ما لن نعرفه إال بمرور الوقت. محنة «تلغرام» سوسن األبطح تكاثر الذباب حول وليمة دوروف الدسمة الذي لجأ إلى دبي بحثا عن األمان والحياد

RkJQdWJsaXNoZXIy MjA1OTI0OQ==