issue16710

الثقافة CULTURE 18 Issue 16710 - العدد Wednesday - 2024/8/28 األربعاء ماريو فارغاس يوسا على المحك ألفيّة بـــدأت بمطالعة الــروايــات عندما كنت ال أزال فـي الـعـاشـرة مـن عمري، وبعد مــرور كـل هــذه الـسـنـوات أعتقد أنــي قــرأت املـئـات، ال، بـل اآلالف منها، وأعـدت قـراءة بعضها، وأجريت بحوثًا حولها ودرّستها. ويسعني القول، مـن غير مـبـاهـاة، إن هــذه الخبرة أكسبتني الـقـدرة على تصنيف الـروايـات بني جيدة وسيئة ورديئة، لكنها أيضًا غالبًا ما حرمتني متعة املطالعة؛ إذ ما أن أبدأ بقراءة روايـة حتى أتب مواضع الخلل فيها، والشوائب التي ال يرصدها القارئ البريء (القارئ – األنثى كما كان يسميه كورتاثار) ويتسنى له بذلك أن يتمتع أكثر من القارئ الناقد بالسرد األدبي. أسوق هذا التمهيد بعد أن أمضيت أسابيع عدة تحطمت خاللها كل Millenium » دفاعاتي النقدية بفعل القوة املدمرة التي تحملها رواية «ألفية ملؤلفها ستيغ الرسن، بأجزائها الثالثة التي تقع في أكثر من ألفي صفحة، والتي غمرتني بسعادة ال توصف، واستعدت معها ذلـك الشوق الــذي كنا نشعر به مراهقني عندما كنا نطالع سلسلة «الفرسان الثالثة» التي وضعها ألكسندر دومـا، أو روايــات ديكنز وفيكتور هوغو، متسائلني في نهاية كل صفحة: واآلن، مـــاذا سـيـحـدث؟، ومتوجسني االقــتــراب مـن خاتمة الحكاية ونهاية املتعة. هـل مـن دليل أوضــح مـن ذلــك على أن الــروايــة ستبقى دائمًا دون مرتبة الكمال التي يمكن للشعر وحـده أن يبلغها؟ وأنها، رغـم بعض الــشــوائــب، قــد تـكـون روايــــة استثنائية. أعـتـقـد أن مـ يـ الــقــراء فــي العالم قــد شــعــروا، أو يـشـعـرون اآلن، بــاألســف لـكـون مـؤلـف هـــذه الـثـ ثـيـة الـرائـعـة الكاتب السويدي ستيغ الرسـن قد وافته املنيّة قبل أن يقطف ثمار النجاح الباهر الـذي حققه هذا اإلنجاز األدبـي الرائع. وأكـرر، من غير خجل، السرد الروائي الرائع تشوبه نواقص كثيرة، ربما يعود بعضها للترجمة من اللغة السويدية، والبنية فيها قدر ال يستهان به من الركاكة، لكن رغم ذلك تطغى حبكة الرواية وشخصياتها الساحرة التي تفاجئ القارئ باستمرار، على العيوب التقنية، وتدفعه إلى متابعتها جذال ومتشوقًا للمزيد من املغامرات واملكائد والبطوالت واملفاجآت في هذه السردية الحافلة باألشرار التي يكتب النصر لألبرار في نهايتها. عندما Millenium كاتبة الـروايـات البوليسية دونّــا ليون تجنّت على قالت إنها نشيد الشر والظلم. فادح مثل هذا الخطأ؛ ألن هذه الثالثية تندرج بشكل مباشر ضمن التقاليد األدبـيـة الغربية القديمة التي تناصر العدل واملساواة، مثل آماديس وتيرنت ودون كيخوته، بواسطة شخصيات تبادر إلى الدفاع عن الحق ضد الظلم عندما تفشل املؤسسات في منع التجاوزات واملـآسـي فـي املجتمع. مثل هـذه الشخصيات تتجسد فـي الـروايـة بواسطة إليزابيث ساالندير ومايكل بلومفيست. وجديد الثالثية الذي هو أيضًا سر نجاحها األكـبـر، هو أن الرسـن خـرج عن املـألـوف عندما جعل من شخصية األنثى األكثر نشاطًا، وجرأة وفطنة في هذه الرواية، وترك ملايكل، الصحافي الــوســيــم، دورًا ثــانــويــ بــــارزًا كــونــه مــدافــعــ عــن الـحـقـيـقـة ومـتـشـبـثـ بالقيم واملبادئ العليا. أي مصير كــان ينتظر الـسـويـد مـن غير إليزابيث ســاالنــدر القرصان السيبرانية اللطيفة؟! هذا البلد الذي توافقنا على تصنيفه األقرب إلى مثل التقدم والديمقراطية والـعـدالـة واملــســاواة بـ بـلـدان الـعـالـم، يظهر لنا في هــذه الثالثية ضاحية مـن جهنم، يعبث فيه القضاة الـفـاسـدون، واألطـبـاء النفسانيون الذين يمتهنون تعذيب املرضى، ورجال الشرطة والجواسيس الذين يرتكبون أبشع الجرائم، والسياسيون املنافقون، واملؤسسات التي تبدو وكأنها وقعت فريسة جائحة فساد بال حدود أو ضوابط. ومن حسن الطالع أن ثمّة فتاة نحيلة وصغيرة القامة، يكسو الوشم جسدها وترتدي رث الثياب، سالحها الوحيد حاسوب تفتح به كل األبــواب املغلقة وصـوال إلـــى الـحـقـيـقـة، وتــتــصــدى لـلـمـجـرمـ والــفــاســقــ واألشــــــرار بــحــزم وجــــرأة، وقسوة تخفي وراءها سهوال من الحنان ونظافة الكف والرغبة الوطيدة في إحـقـاق الـعـدالـة. كثيرة هـي الشخصيات النسائية الـبـارزة فـي الــروايــة؛ إذ إن هـذا العالم الــذي مـا زالــت النساء تتعرض فيه لإلهانة واإلســــاءة، ازداد عدد اللواتي، مثل إليزابيث، حققن املساواة والتفوق، ويندفعن بجرأة كبيرة وروح إصـ حـيـة ليست شـائـعـة عـنـد الـــذكـــور املــيّــالــ عـــادة إلـــى التغاضي والـــخـــروج عــن الــقــانــون. مــن هـــذه الشخصيات مونيكا فـيـغـيـروا، الشرطية الرياضية، ورئيسة تحرير مجلة «ألـفـيـة» اريـكـا بيرغر األنيقة والرصينة فـي سلوكها وتصرفاتها وإدارتــهــا للصحافيني الـذيـن تـــوزّع عليهم مهام التحقيقات والتصدي لألقوياء، وأيضًا سـوزان ليندير الشرطية واملالكمة التي استقالت مـن وظيفتها وتفرغت ملكافحة اإلجـــرام مـن موقعها مديرة إلحدى الشركات األمنية الخاصة. تــــــدور أحـــــــداث الـــثـــ ثـــيـــة فــــي أجـــــــواء وعــــوالــــم مــخــتــلــفــة، وتــتــنــقــل بـ كـبـار األثـــريـــاء واملـغـامـريـن والـقـضـاة والـصـنـاعـيـ واملـصـرفـيـ واملـحـامـ والشرطيني. لكن عالم الصحافة هو الذي يبدع الكاتب في توصيفه؛ وذلك بفضل معرفته العميقة بـه مـحـررًا سابقًا. «ألـفـيّــة» مجلة شهرية، مكاتبها صغيرة وضيقة، وال يتجاوز عدد العاملني فيها أصابع اليد الواحدة. لكن الـقـراء يتهافتون عليها، ويتعاطفون مـع محرريها الـذيـن تحدوهم قناعة عميقة باملبادئ، وال يخشون مواجهة األعداء األقوياء ويجازفون بحياتهم عند االقتضاء، ويحرصون بشغف وموهبة على إعطاء الـقـارئ معلومات موثوقة تحمل األمـــل فـي أنـــه، مهما كـانـت الـظـروف والـعـوائـق، ثمة وسيلة إعـ مـيـة دائــمــ تـبـقـى عـصـيّــة عـلـى الـفـسـاد والــتــهــديــد، وتـــحـــاول بـاسـتـمـرار التحقق من األخبار التي تنشرها منزّهة عن الشكوك والتلفيق. لو توقفنا ملي ًّا عند هذه القصة التي ترويها ثالثية الرسن، وأخضعناها لتحليل دقـيـق وهـــادئ، ال بـد مـن الـتـسـاؤل كيف استطاع الكاتب أن يجمع ويرتّب هذه األحداث الغريبة واملصادفات السينمائية والوقائع االستثنائية في مثل هـذا النص الطويل واملـشـوّق؟ أعتقد أن سر هـذا اإلنـجـاز يكمن في مـهـارة الـكـاتـب عند مـقـاربـة كـل التفاصيل الـواقـعـيـة، والـعـنـاويـن، واألمـاكـن واملشاهد التي تحيل القارئ إلى مواقع معروفة ومألوفة. وألنـه، من بداية الرواية، يحدد مجموعة من قواعد اللعبة التي ال يخرج عنها: االستثنائي ، والغريب هو املألوف، واملستحيل هو املمكن. Millenium هو العادي في عالم وعــلــى غــــرار الــــروايــــات الــكــبــرى الــتــي تـحـكـي مـــغـــامـــرات الـشـخـصـيـات الـبـطـولـيـة فــي األدب الــعــاملــي، تـسـتـدرجـنـا هـــذه الـثـ ثـيـة إلـــى االعــتــقــاد بـأن ثمة أمـ ال يـزال في هذا العالم، بفضل شخصيات دون كيخوته تدافع عن الضحية وتنتقم لها وتعوّض الضرر وتعاقب األشـرار. إليزابيث ساالندر، على الرحب والسعة في عالم الخيال الخالد. كتاب يدعي أن مؤلف مسرحياته امرأة جرت التغطية على هويتها األنثوية شكسبير من منظورات نقدية نسوية كــتــابــان صـــــدرا حــديــثــ – أحــدهــمــا فـــي هــذا ) ومتى 1564 - 1616( العام - عن وليم شكسبير كـان الحديث ينقطع عـن شاعر اإلنجليزية – بل شاعر اإلنسانية - األكبر؟ كال الكتابني من تأليف امــــــرأة، وكــ هــمــا عـــن شـكـسـبـيـر والـــنـــســـاء. ولـكـن الــطــرق تنشعب بهما بـعـد ذلـــك. فـأحـد الكتابني – عــلــى إســـهـــابـــه - ال يـــكـــاد يـــقـــول شــيــئــ مـقـنـعـ . والــكــتــاب اآلخـــر - عـلـى إيـــجـــازه - يضيف جـديـدًا إلى موضوعه. األول أقرب إلى اإلثارة الصحافية واآلخر بحث أكاديمي رصني. فهو 2024 أمّا الكتاب الصادر في هذا العام «شكسبير كان امرأة وهرطقات أخرى» Shakespeare was a woman and other Heresies من تأليف إليزابيث وينكلر Elizabeth Winkler وهـــي نــاقــدة وصـحـافـيـة أمـيـركـيـة. والـكـتـاب صـــــــادر عــــن دار نـــشـــر «ســـيـــمـــون شـــوســـتـــر» فـي صفحة. 400 نيويورك في أكثر من تـــــرمـــــي املـــــؤلـــــفـــــة - بـــحـــســـب قــــولــــهــــا - إلــــى «إمــــاطــــة الـــلـــثـــام عــــن بـــعـــض األســـاطـــيـــر املـتـعـلـقـة باسم شكسبير وإدانـــة مَــن يقبلون نسبة أعمال شـكـسـبـيـر إلــيــه دون فــحــص وال تــدقــيــق ورفـــض لـعـبـادة الـشـاعـر فــي األوســــاط األكـاديـمـيـة وكـأنـه وثن مقدس ال يمس». ودعــوى املؤلفة - كما هو واضـح من عنوان الـكـتـاب - أن شكسبير لـيـس مــؤلــف املـسـرحـيـات سوناتة) 154( والقصائد القصصية والسوناتات الـــتـــي تــنــســب إلـــيـــه وإنــــمــــا مــؤلــفــهــا امـــــــرأة جـــرت التغطية على هويتها األنثوية ألسباب مختلفة. قــديــمــ أنـــكـــر الــبــعــض أن يـــكـــون لـشـكـسـبـيـر ذاتـــه وجود تاريخي، واآلن تنكر وينكلر عليه أن يكون مؤلف املآسي واملـ هـي واملسرحيات التاريخية التي ارتبطت باسمه منذ القرن السادس عشر. مــا الــبــراهــ الــتــي تستند إلـيـهـا إلـيـزابـيـث ويـــنـــكـــلـــر تــــأيــــيــــدًا لـــــدعـــــواهـــــا؟ يـــمـــكـــن تــلــخــيــص حـجـجـهـا فــيــمــا يـــلـــي: (أوالً) لـــم تــصــل إلــيــنــا أي مـسـرحـيـة بــخــط شـكـسـبـيـر (ثـــانـــيـــ ) كــــان الـعـصـر بقيمه األبـويـة ال يسيغ أن تـكـون املـــرأة كاتبة أو أن تخرج إلى الفضاء العام ومن ثم كان كثير من النساء املوهوبات ينشرن أعمالهن بال توقيع أو تحت اسم ذكـري مستعار (ثالثًا) نحن نعرف أن شكسبير لم يغادر حـدود بلده إنجلترا قط فمن أيــــن تـسـنـى لـــه أن يـــديـــر أحـــــداث مـسـرحـيـاتـه في بلدان ومدن أجنبية مثل أثينا ورومـا والبندقية وفيرونا والدنمارك وصور واإلسكندرية (رابعًا) اهتمامًا يذكر بني 1616 لم تثر وفاة شكسبير في معاصريه مما يبعث على الشك في أنه كان مؤلفًا مرموق ًا. والـــواقـــع أن ويـنـكـلـر لـيـسـت أول مَـــن يشكك في نسبة مسرحيات شكسبير إليه فقد عبّر عن هذه الشكوك قبلها آخرون. ويتذكر املرء في هذا املقام أن الروائية اإلنجليزية فرجينيا وولف في ) – وهو 1929( » كتابها املسمى «غـرفـة خـاصـة مثل كتاب سيمون دي بوفوار «الجنس الثاني» ) من األعمال املؤسسة للنقد النسوي في 1949( الـــقـــرن املـــاضـــي - راحــــت تـتـخـيـل أنـــه ربــمــا كـانـت لوليم شكسبير شقيقة تعادله نبوغًا وعبقرية. ولكن ظروف عصرها واستبداد الرجال بالنساء لم تتح ملوهبتها النمو واالزدهار وتركتها ملقاة في منطقة الظل على حني حظي أخوها وليم – ألنــه ذكــر - بالنجاح املـــادي وذيـــوع الصيت عبر األجيال. على أن وينكلر تكتفي بإثارة الشكوك حول تأليف شكسبير ألعماله دون أن تقدم أي بديل واضح معزز باألسانيد املوثقة ملؤلفها الحقيقي. وتـذكـر على سبيل التخمني ال الـجـزم أن أعمال شكسبير ربما كانت من تأليف إميليا باسانو وهي معاصرة لشكسبير ومؤلفة ديـوان شعري واحد ظهر أثناء حياتها. وخـ صـة مـا تقوله وينكلر أن مسرحيات شكسبير «ثـقـب أســــود» مـجـهـول وأن اعـتـبـارات شتى - قومية وإمبراطورية ودينية وأسطورية وجــنــوســيــة وطــبــقــيــة - تــكــمــن وراء نــســبــة هــذه املسرحيات إليه. وقــد قوبلت آراء وينكلر هــذه بالرفض من كبار دارسـي شكسبير في عصرنا مثل ستانلي ويلز وجوناثان بيت وجيمس شابيرو. وعـــلـــى الـنـقـيـض مـــن كـــتـــاب ويـنـكـلـر يــقــف كـتـاب «نساء شكسبير ذوات الرؤى» Shakespeare›s Visionary Women من تأليف لورا جني رايت Laura Jayne Wright صـفـحـة) 86( وهــــو كــتــيــب صــغــيــر الــحــجــم صدر عن مطبعة جامعة كمبردج يستوفي جميع شرائط البحث العلمي املتزن الرصني. مــــوضــــوع الـــكـــتـــاب شـــخـــصـــيـــات شـكـسـبـيـر النسائية التي تملك بصيرة نافذة وتستطيع أن تتنبأ باملستقبل وما هو آت (مثل زرقاء اليمامة فـي تـراثـنـا). مـن هــذه الشخصيات كـاسـنـدرا في مـسـرحـيـة «تـــرويـــلـــوس وكــريــســيــدا» وهـــي امـــرأة إغريقية (ابنة بريام ملك طـــروادة) منحها الرب أبولو ملكة القدرة على التنبؤ. وحني رفضت أن تستجيب ملحاوالت أبولو الغرامية عاقبها بأن جعل كل الناس ال يصدقون نبوءاتها. وقد لقيت مصرعها بعد سقوط طروادة في أيدي اإلغريق. وهناك كالبورنيا في مسرحية «يوليوس قيصر» وقــد رأت فيما يــرى الـنـائـم حلمًا منذرًا بــالــشـؤم وحـــاولـــت ثـنـي قـيـصـر عــن الـتــوجــه إلـى مــجــلــس الـــشـــيـــوخ فــــي مــنــتــصــف مــــــارس (آذار) ق. م. ولـكـنـه اسـتـخـف بـكـ مـهـا «إفـــراطـــ في 44 الثقة بنفسه» ومـن ثـم كـان مصرعه على ساللم الكابيتول في روما بخناجر كاسيوس وبروتس وسائر املتآمرين. وهــنــاك الـلـيـدي مكبث الـتـي تــوالهــا شعور غـــامـــر بـــالـــذنـــب بــعــد أن حـــرضـــت زوجـــهـــا الـقـائـد مـكـبـث عـلـى قـتـل املــلــك دنـــكـــان واغــتــصــاب عـرشـه فــاضــطــربــت قـــواهـــا الـعـقـلـيـة وصـــــارت تـسـيـر في نومها وتهذي. ولكن مكبث ال يعير هذه املخاوف اهتمامًا ويمضي في طريقه الدموي حتى النهاية املحتومة فيلقى مصرعه في مبارزة مع ماكدوف. وهـــنـــاك جــــان دارك «عـــــــذراء أورلـــــيـــــان» في الـــجـــزء األول مـــن مـسـرحـيـة «هـــنـــري الـــســـادس». وكـانـت فـي نظر الفرنسيني بطلة أشبه بـ«نبية مـن أنـبـيـاء الـكـتـاب املــقــدس» وفــي نظر اإلنجليز أشــبــه بــ«الـشـيـاطـ والـــســـاحـــرات» مستوجبات الحرق وقد كان. وتبقى حقيقة مؤداها أن كتاب رايـت إبراز لـــلـــدور املــهــم الــــذي تـلـعـبـه املـــــرأة فـــي مـسـرحـيـات شكسبير (لرجاء النقاش كتاب سطحي متواضع القيمة عـن بـطـ ت شكسبير). إن كـتـاب وينكلر – مهما يكن من مآخذنا عليه - دعـوة إلى إعادة النظر في املسلمات. والكتابان - من هذه الزاوية – عـــمـــ ن مـــفـــيـــدان يــحــثــان الــــقــــارئ عــلــى فحص أفـــكـــاره املـسـبـقـة وعــلــى رؤيــــة األمــــور مــن منظور جديد. د. ماهر شفيق فريد غالف «شكسبير كان امرأة وهرطقات أخرى» غالف «نساء شكسبير ذوات الرؤى» كانت فرجينيا وولف قد تخيلت أنه ربما كانت لوليم شكسبير شقيقة تعادله نبوغا وعبقرية يمثالن طرازا وسيطا ألسلوب محلي بأساليب متعددة مجسّمان جنائزيان من مقبرة «سار» األثرية خـــرجـــت مــــن مـــقـــبـــرة «ســـــــار» األثــــريــــة فـي الـبـحـريـن مـجـمـوعـة كـبـيـرة مــن الـقـطـع الفنية النحتية تـعـود إلــى الحقبة الـتـي عُــرفـت فيها الجزيرة باسم تايلوس، بني القرن األول قبل امليالد، والقرن الثاني للميالد تحديدًا. تشهد هــذه املجموعة لـثـراء هــذا املـوقـع االستثنائي في ميدان الفنون الجنائزية، وتتميّز بتعددية الطُّرُز الفنية املتّبَعَة في النقش والنحت، كما يتّضح عند دراسـة نماذجها املختلفة. وفيما يتبنّى جزء كبير من هذه القطع قوالب جامعة، يتفرّد بعض القطع في املقابل بأساليب تبدو غير شائعة، ومنها قطعة عُرضت في باريس ضـمـن مـعـرض مـخـصّــص لـلـبـحـريـن، أُقــيــم في .1999 معهد العالم العربي في صيف عُـــثـــر عـــلـــى هـــــذه الــقــطــعــة خـــــ ل أعـــمـــال التنقيب التي أجرتها بعثة محلية بني عامي في مساحة مـحـدّدة من مقبرة 1996 و 1995 «ســـــار» الــتــي تـقـع فـــي املـحـافـظـة الـشـمـالـيـة، كيلومترات غـرب العاصمة 10 وتبعد نحو املـنـامـة. وكُــشــف عــن هـــذا األثـــر الـفـنـي للمرة األولــى في املعرض الــذي أُقيم في العاصمة أشهر، وهو على شكل 4 الفرنسية على مدى مجسّم آدمي صُنع من الحجر الجيري، يبلغ سنتيمترات، 10 سنتيمترًا، وعرضه 27 طوله سنتيمترات. نُــحـت هــذا النصب 7 وسُــمْــكـه الصغير في كتلة واحـدة تتكون من مساحة مستطيلة تـعـلـوهـا مـسـاحـة دائـــريـــة. تمثّل املساحة املستطيلة بدن هذا املجسّم اآلدمي، وتمثّل املساحة الدائرية رأس هذا البدن. تـحـاكـي بنية هـــذا الـتـكـويـن بشكل عـام طـــرازًا مـعـروفـ بـاسـم «نـفـيـش»، وهــو تعبير آرامـــي مـــرادف لتعبير «نـفـس» فـي العربية. وهــــــذا الــــطــــراز مــــعــــروف فــــي الـــبـــحـــريـــن، كـمـا تـــشـــهـــد مـــجـــمـــوعـــة مـــــن الـــقـــطـــع خــــرجــــت مـن مـقـابـر أثـــريـــة تـقـع فـــي املـحـافـظـة الـشـمـالـيـة، مـنـهـا مــقــبــرة الـــشـــاخـــورة، ومــقــبــرة الـحـجـر، ومقبرة أبـو صيبع. كما أنـه مـعـروف خـارج البحرين، كما تشهد قطع مماثلة عُثر عليها فـي جـزيـرة تـــاروت، فـي املنطقة الشرقية من اململكة العربية السعودية. يتميّز هذا الطراز بـــأســـلـــوبـــه الـــتـــجـــريـــدي الـــــصـــــرف، إذ تـخـلـو مـســاحــتــه املــســطّــحــة مـــن أي مـــ مـــح آدمـــيـــة، وتمثّل القطع التي تتبنى هذا الطراز شواهد قبور تُغرز في األرض، وذلـك لتحديد موقع الدفن، وتخليد ذكرى من دُفن فيه. يـحـاكـي املـجـسّــم الــــذي خـــرج مــن مقبرة «ســــــار» هــــذا الــــطــــراز فـــي الـــظـــاهـــر، غــيــر أنــه ال يــتــبــنّــاه كــمــا يـــبـــدو. تــتــكــوّن مــســاحــة هــذا املجسّم من كتلة عمودية أسطوانية، وتتميّز بحضور املالمح اآلدمية بشكل جليٍّ. الوجه بــــيــــضــــاوي يـــغـــلـــب عـــلـــيـــه الـــشـــكـــل الـــــدائـــــري، ومالمحه مختزلة غير أنها واضحة، وتتمثل بعينني لــوزيّــتــ صـغـيـرتـ نُــقـشـتـا بشكل غائر، يتوسّطهما أنف مستطيل طويل نُقش بـشـكـل نــاتــئ. يـحـضـر الـثـغـر بـشـكـل بسيط، ويــتــمــثّــل فـــي كـتـلـة بــيــضــاويــة نــاتــئــة بشكل طفيف، يخرقها في الوسط شق غائر يفصل بــ الـشـفـتـ املـــجـــرّدتـــ . وتـحـضـر األذنــــان بـشـكـل مــشــابــه، وتــتــمــثّــل كـــل مـنـهـمـا بكتلة نصف دائرية تستقر عند حدود العني. تحمل مساحة البدن شبكة من النقوش املـــتـــوازيـــة تـشـيـر إلــــى ثــنــايــا رداء يـتـلـفـع به صـــاحـــب املــــجــــسّــــم، ومـــــن طـــــرف هـــــذا الــــــرداء املــــنــــســــدل، تـــخـــرج راحــــــة كــــف الـــيـــد الـيـمـنـى املنبسطة، مع خمسة خطوط متوازية غائرة ترسم حدود أصابعها الخمس. كذلك، تظهر اليد اليسرى في الطرف املقابل، وتأخذ شكل كتلة بيضاوية مجرّدة تحتجب تحت ثنية الــــرداء الـتـي تُــمـسـك بـهـا كـمـا يــبــدو. يصعب تـحـديـد وظـيـفـة هـــذا املــجــسّــم، واألرجـــــح أنـه صُــنـع لـيـرافـق املـتـوفـى الــراقــد فــي الـقـبـر كما يــرى أهــل االخـتـصـاص. يشابه هــذا املجسّم شـــواهـــد الـــقـــبـــور الـــتـــي تــصــنّــف تــحــت خـانـة «نفيش»، ويختلف عنها بكتلته األسطوانية وبمالمحه الواضحة. في املقابل، تشير كف اليد اليمنى املنبسطة عند أعلى الصدر إلى نـسـق فـنـي شــائــع، يحضر بشكل واســـع في شواهد القبور التي تتبنى نسقًا تصويريًا يخرج بشكل كامل عن هذا النسق التجريدي. ويـشـيـر هـــذا العنصر تـحـديـدًا إلـــى وضعية املـبـتـهـل الـــتـــي تــكــوّنــت فـــي الــعــالــم اإليـــرانـــي القديم، في ظل اإلمبراطورية الفرثية، وبلغت نـواحـي عـديـدة مـن الـشـرق الـقـديـم، واتّــخـذت في هذه البقاع أشكاال متفرّعة جديدة. محمود الزيباوي مجسّمان من مقبرة «سار» محفوظان في متحف البحرين الوطني بالمنامة النص الكامل على الموقع اإللكتروني

RkJQdWJsaXNoZXIy MjA1OTI0OQ==