issue16709

إن مــعــظــم الــــنــــاس عـــلـــى الــــكــــرة األرضـــيـــة يعيش هـــذه األيــــام حـالـة تــوتّــر وقـلـق وتـرقّــب لـــلـــحـــروب واألحــــــــداث الـــتـــي تـــــدور رحـــاهـــا في أماكن متعددة من العالم؛ في غزة وإسرائيل ولــبــنــان، فـــي أوكـــرانـــيـــا وروســـيـــا، فـــي جـنـوب وشمال السودان، وربما في تايوان والصني، وغيرها من املناطق التي تنقل وسائل اإلعالم املختلفة صورًا وأخبارًا عنها. لهذا ال أعلم ما إذا كــان علينا أن نمدح بعض هـذه الوسائل اإلعالمية أو نذمّها، ال سيما أن معظم املشاهد والـــصـــور الـــتـــي تـظـهـرهـا بـشـكـل تـكـنـولـوجـي مــمــيــز وواضــــــح هـــي مــشــاهــد مــــروّعــــة لقتلى وجرحى وأشالء ودماء، وجل ما فيها مناظر تــجــعــل األطــــفــــال يُـــصـــابـــون بــالــهــلــع والـــقـــلـــق، واملــشــاهــد الــتــي يــرونــهــا قـــد تـبـقـى عـالـقـة في مخيلتهم وتجعلهم يفقدون الشعور باألمان. كما عرّف إيمانويل كانط الحرب باختراع إنـــســـانـــي، وفـــسّـــر ذلــــك بــــــإرادة الـطـبـيـعـة الـتـي وُضـــعـــت فـــي الــجــنــس الـــبـــشـــري لـــدفـــع الـبـشـر لوضع قوانني مقيّدة للحرية كي يتمكنوا من العيش بأمان. وذكــــر جـــون غــــراي أن خـصـائـص الـحـرب هي اجتماعية واقتصادية وسياسية. وعند كــل تكنولوجيا تغييرية، تـتـبـدّل خصائص الــــحــــروب. فـــالـــحـــروب الـــتـــي تُــــــدار بـــ الــــدول تـــهـــدف إلـــــى تــحــقــيــق أهـــــــداف اقـــتـــصـــاديـــة، أو استراتيجية، أو آيديولوجية، أو غيرها من األســبــاب؛ كالسيطرة على إقليم مـا لوضعه تحت سلطة مـا، أو تغيير نظام اجتماعي أو سـيـاسـي قــائــم. وعـنـدمـا سُــئـل آيـنـشـتـايـن عن موقفه من الحرب، كتب مصرّحًا: «لم أدّع يومًا أنـنـي رجـــل ســ م تـــام، فـكـل مــا قلته هــو أنني أفضّل السالم على الحرب وأريده، ولكي يحل السالم ال بد من وجود قوة تحميه». وكـــانـــت الــــحــــروب عــلــى امــــتــــداد الــتــاريــخ مـــصـــدرًا لـلـمـخـاوف بــشــأن أخــ قــيــات الـحـرب بعد اللجوء إلـى التفنّن في صناعة األسلحة املتطورة الدقيقة وغيرها من أسلحة الدمار الـشـامـل، لـكـن فــي الــوقــت نفسه تـكـون الـحـرب ضــــرورة وشــــرًّا ال بــد مـنـه لـلـدفـاع عــن الــبــ د. ولـلـمـفـارقـة فــي معظم األحــيــان تـكـون الـحـرب متشابكة مـع االقـتـصـاد، فكثير مـن الـحـروب مستند جزئيًا أو كليًا إلى أسباب اقتصادية. لـــذا، ولـلـمـفـارقـة أيـضـ وبــالــرغــم مــن الـظـروف والنتائج السلبية التي تحملها، فإن للحرب نــتــائــج إيـــجـــابـــيـــة، حـــيــث إنـــهـــا تُـــحـــفّـــز الـــبــ د وحكوماتها لإلنفاق على إنـتـاج وبيع مزيد مـن األسـلـحـة والــصــواريــخ والـــطـــائـــرات... وما شابه ذلــك للجيوش، لتصبح هــذه الصناعة فـــي وقــــت الـــحـــرب ســبــبــ الزدهـــــــار االقــتــصــاد والــــحــــد مـــن الـــبـــطـــالـــة، وغـــيـــرهـــا مـــن الــعــوامــل االقـتـصـاديـة اإليـجـابـيـة، الـتـي ولـسـوء الحظ، غالبًا ما تتبعها فترة ركود. أقـــدم حـــرب سُــجّــلـت وكـشـفـت عنها اآلثـــار حدثت بمنتصف العصر الحجري في مقبرة األثــــريــــة، أو جــبــل الــصــحــابــة فـــي وادي 117 الـــنـــيـــل، وحُـــــــدّد زمــــن حـــدوثـــهـــا قــبــل نــحــو من عــام، فـي مكان قريب من 13.140 إلـى 14.340 الـــحـــدود املــصــريــة - الــســودانــيــة. تـلـتـهـا فـتـرة «العصر الحجري» التي تطوّر فيها اإلنسان، وبـــــدأت مـــع ظــهــور الــــزراعــــة، وانــتــهــت عـنـدمـا تــــطــــوّرت األدوات واألســـلـــحـــة املــعــدنــيــة الـتـي أصــبــحــت واســـعـــة االنـــتـــشـــار. وشـــهـــدت بــدايــة العصر البرونزي (العصر النحاسي) إدخـال الـنـحـاس فــي صـنـاعـة الـخـنـاجـر والـــفـــؤوس... الــتــي كــانــت بـاهـظـة األثـــمـــان، وتــــ ه «الـعـصـر الحديدي» أو «العصر الكريمي»، الذي برز فيه استعمال اإلنسان للحديد في صناعة األدوات واألســـلـــحـــة، ويُـــعـــد آخــــر الــعــصــور الـرئـيـسـيـة الثالثة. لـلـحـروب تأثير مباشر على اإلنــســان ما يـجـعـلـه عــرضــة لـكـثـيـر مـــن الــصــدمــات وردّات الـفـعـل املـخـتـلـفـة، مـــا يــزيــد مـــن فـــرص مشاكل الصحة الجسدية والعقلية والنفسية، حيث ) أنـه WHO( ذكــــرت منظمة الـصـحـة الـعـاملـيـة فـي املـائـة من 10 فـي حــاالت الـنـزاع «سيعاني األشخاص الذين يتعرضون ألحـداث صادمة من مشاكل صحة عقلية خطيرة، وستتطوّر في املائة آخرين سلوكيات من شأنها 10 لدى أن تعيق قدرتهم على العمل بفاعلية». ويُعد االكتئاب والقلق واضطراب ما بعد الصدمة، واملشاكل النفسية والجسدية مثل األرق، من أكثر اآلثار شيوعًا. كما تتغيّر كيمياء الدماغ الــــذي يــبــدأ فـــي الـعـمـل بـشـكـل مـخـتـلـف، وهـــذا مـا يُسمى «دائـــرة الــخــوف»، وهــي آلــة وقائية نمتلكها جميعًا. كــذلــك تـنـعـكـس آثــــار الــصــدمــات النفسية على األطـفـال، فتكون سلبية وتسبّب قلقًا أو اكـتـئـابـ ، إذ يـصـبـحـون أكــثــر تــوتــرًا وانـفـعـاال وشــــعــــورًا بـــالـــخـــوف والــــفــــزع (الـــفـــوبـــيـــا)، كما تــــزيــــد مـــــن اضـــــطـــــرابـــــات الـــــنـــــوم لـــديـــهـــم مـثـل األرق واألحـــــ م املــزعــجــة، تـرافـقـهـا تـغـيـيـرات سلوكية مثل التهوّر والعدائية واالنسحاب االجتماعي. وقد يصبح األطفال األصغر سنًا أكـثـر تعلقًا بـذويـهـم، بينما يُظهر املـراهـقـون مشاعر الحزن أو الغضب الشديد. Issue 16709 - العدد Tuesday - 2024/8/27 الثالثاء املتابع إلصدارات أفالم ومسلسالت هوليوود ال بد أن يالحظ أن هناك تكريسًا واضحًا لنحت صورة نمطية عن العرب في أذهان املشاهدين في املجتمعات الغربية. كـانـت الـصـورة النمطية التقليدية األولــى التي تواترت في أفالم فترة األربعينات والخمسينات من القرن امليالدي املاضي تتناول العرب كشخصيات جاهلة ومتخلفة وسطحية غير متمدنة، تملك ثراء هــائــ وال يهمها ســـوى الـتـمـتـع بــشــهــوات ومــلــذات الحياة. وفـي فترة الستينات امليالدية، وخصوصًا ، الــتــي تـكـبـد فـيـهـا الـــعـــرب خـسـائـر 1967 بـعـد حـــرب فادحة، بدأت األفالم الهوليوودية تركز على تكريس صــــورة الــعــربــي كـمـخـلـوق دمــــوي وهـمـجـي وبــدائــي وإرهـابـي وغـــدار وال يؤتمن. ولعل الفيلم األبــرز في هـــذا الـسـيـاق كـــان «الـــخـــروج»، الـــذي كـــان مــن تأليف الـــروائـــي الـصـهـيـونـي األشــــد تـطـرفـ لــيــون أوريــــس، ومــن بطولة النجم بــول نـيـومـان، الــذي حكى هجرة الـيـهـود مــن أوروبـــــا «وعـــودتـــهـــم» إلـــى أرض املـيـعـاد التوراتية، واستخدم اسـم الفيلم ليتوافق مـع سفر الخروج في العهد القديم، الـذي يحكي قصة خروج اليهود من مصر، ويظهر الفيلم العرب بشكل همجي ووحـشـي، ويشكك في حبهم ألرضهم وعــدم والئهم لها. ولعل أهـم من تناول صـورة العربي في اإلعالم األميركي كان البروفيسور ذو األصول اللبنانية جاك شاهني، الـذي شرح هذا التناول في كتابني مهمني: األول «الـفـيـلـم الـعـربـي» عــن صـــورة الــعــرب فــي أفــ م هوليوود، والثاني «التلفزيون العربي»، عن صورة العربي في مسلسالت التلفزيون. وكنت قد قابلته ، وتـنـاولـت معه هذا 1987 فـي مؤتمر بالقاهرة عــام املوضوع، وقال لي وقتها إن هناك منهجية واضحة، وال يمكن أن تكون وليدة الصدفة لتكريس الصورة النمطية السلبية بحق العرب. ولـــــم تـــقـــف مــــحــــاوالت تـــكـــريـــس صــــــورة الــعــربــي السلبية في شاشات السينما والتلفزة، ولكن ظهرت أيــضــ بـعـض الـكـتـب بـعـنـاويـن مـثـيـرة لــلــجــدل، مثل «العقل العربي»، تحاول أن تـروج أن عقلية العربي مختلفة، وأن لها «قابلية فطرية وطبيعية» للشر والـعـنـف، وهــي بـذلـك الـطـرح تـقـوم تمامًا بما قامت بــه آلـــة الـتـرويـج والــدعــايــة الـنـازيـة فــي أملـانـيـا، وقـت أن كانت تــروّج بمنشورات سلبية عدائية ال سامية ضد اليهود، بعنوان «العقل اليهودي» لبناء سردية عدائية ضدهم استعدادًا للقضاء عليهم في أوروبا. وفـــــــــي حــــقــــبــــة الــــســــبــــعــــيــــنــــات والــــثــــمــــانــــيــــنــــات والــتــســعــيــنــات حـــدثـــت طــــفــــرة فــــي كــــم األفـــــــ م الــتــي تحمل فـي طياتها كـراهـيـة صريحة وعـــداء صارخًا للشخصية العربية، ولعل أبرزَها وأشهرَها كان فيلم «دلتا فـــورس»، الــذي أنتجه هارفي واينستني الذي أدخـــل الـسـجـن الحـقـ إثـــر قـضـايـا أخـ قـيـة فاضحة. لكن هناك شيئًا ما يتغير، شيئًا مهمًا جدًا أخذ في الـتـكـون. جـيـل جــديــد ينمو ويـكـبـر ويــتــرعــرع، وهـو يرى في الواليات املتحدة، تحديدًا والغرب عمومًا... نــمــاذج نـاجـحـة فــي املجتمع مــن املـهـاجـريـن الـعـرب، نماذج متألقة في مجاالت الطب والهندسة والقانون والـتـعـلـيـم واآلداب والــفــنــون والــريــاضــة والـسـيـاسـة واالقـــتـــصـــاد واملـــــــال، نــــمــــاذج مــهــمــة ورائــــعــــة أثـبـتـت نجاحاتِها عن جدارة واستحقاق. وبــــــــدأت فــــزاعــــة «الــــعــــربــــي الــــشــــريــــر»، الــــتــــي تـم ترسيخُها بتركيز شـديـد وبمجهود حثيث ونهج دقيق، عبر فترة ليست بسيطة من الزمن، يصيبها الشرخ املستمر والتآكل املتواصل. ثم جـاءت تقنية اإلنـتـرنـت ومـنـصـات وسـائـل الـتـواصـل االجتماعي، لـــتـــكـــون وســـيـــلـــة مــــضــــادة ملـــعـــرفـــة حـــقـــائـــق ونـــمـــاذج وأمـثـلـة تـضـرب منهجية ترسيخ الــصــورة النمطية التقليدية السلبية، الـتـي تـم تأسيسُها عـن العربي الشرير، وتضربها في مقتل. وبدأ الناس في وسائل الــتــواصــل االجـتـمـاعـي يـتـنـاقـلـون الـــصـــور واألخــبــار والتعليقات التي تب وجــود «شـريـر آخــر» دمـوي، إجـــرامـــي ســـفـــاح، كــــان يــــروج لـــه دائـــمـــ بــأنــه الــطــرف املظلوم األضعف املغلوب على أمره، الواجب نصرته والضروري تأييده. عـــنـــدمـــا يـــكـــون الـــحـــديـــث عــــن تـــرســـانـــات الـــــدول وقوتِها العسكرية، وقدراتها على الحسم والتأثير، ال تــذكــر كـثـيـرًا الـــقـــدرات اإلعــ مــيــة وأدوات التأثير عــلــى الـــعـــقـــول، والــســيــطــرة عــلــى الـــــرأي الـــعـــام، وهــي الـتـي وصـفـهـا األكــاديــمــي األمــيــركــي الـشـهـيـر نـاعـوم تـشـومـسـكـي «أنـــهـــا أهــــم وأخـــطـــر مـــا لــــدى الـــواليـــات املتحدة، وهي في خطورتها وتأثيرها تتفوق على األسلحة النووية». العرب خسروا بشكل فاضح وفادح معركة الرأي الـعـام فـي الـغـرب منذ عقود مـن الـزمـن، وهـي هزيمة أكبر من النكبة والنكسة مجتمعتني، ويبقى السؤال قائمًا ومهمًا عـن مــدى االسـتـفـادة ممَّا حصل، وهل من املمكن تفاديه مجددًا إذا ما حصل مرة أخرى في املستقبل؟ إلـــــــــى اآلن ووفـــــــقـــــــ لـــلـــتـــصـــريـــحـــات املــهــمــة الــعــســكــريــة الــبــحــريــة األوروبــــيــــة (أسبيدس)، أمـس (االثـنـ )، فـإن النيران ال تـزال مشتعلة في السفينة «سونيون» الــتــي تــرفــع الـعـلـم الـيـونـانـي بـعـد هجوم الحوثيني، وعلى الرغم من تأكيدها على عدم وجود أي مؤشرات واضحة حتى اآلن على تسرب نفطي، فـإن هـذا الـحـدث وما سبقه يعيد طـــرح أسـئـلـة حـالـة السيولة الشديدة للتوترات فـي املنطقة، وإهمال املجتمع الدولي رغم كل املطالبات من دول االعـتـدال، وفـي مقدمتها السعودية على ضرورة الوصول إلى حل شامل في إطار رؤية كلية إزاء امللفات العالقة منها قضية فـلـسـطـ ، والـــتـــغـــول اإليــــرانــــي، وصــعــود امليليشيات، وعسكرة املنطقة في اليمن ولـبـنـان والـــعـــراق؛ وهـــو مــا يعني دخــول املـنـطـقـة فــي أتــــون الـتـعـقـيـدات الـسـيـاديـة بسبب حـالـة الـتـجـاذب بـ إسـرائـيـل من جهة وإيران وحلفائها الذين يستثمرون سـيـاسـيـ فــي مـلـف غـــزة ويـلـقـون بــــأوراق الشعارات على طاولة محاولة التحشيد والتلويح بـالـرد واستغالل عامل الوقت فــــي ظـــــرف اســـتـــثـــنـــائـــي بـــرســـم االنـــتـــظـــار للرئيس القادم للواليات املتحدة. كـــــل هــــــذه الـــهـــجـــمـــات املــــتــــكــــررة ومـــا يقابلها من املواقف الدولية تطرح حقيقة ال تقبل الشك، وهي أنه ال يمكن خلق حالة إجماع أمني في مسألة البحر األحمر مع انقسام أخالقي وسياسي حول العدوان عـــلـــى غــــــــزة، وتـــعـــمـــيـــق حــــالــــة االنـــــســـــداد ألي حــــل يــــحــــاول تـــوســـيـــع دائـــــــرة الـنـظـر وتحويل املقاربات من ردود األفعال إلى االستراتيجيات والحلول البعيدة األمد والــــتــــي تــــراعــــي املـــــــآالت ولـــيـــس الــنــتــائــج السريعة، وبإزاء هذه الحقيقة تقف أختها وهي أن أي استراتيجيات الحل ملعضلة أمن البحر األحمر شأن إقليمي بالدرجة األولى ال يمكن إال أن تلعب الدول املعنية به وفي مقدمتها السعودية وباقي الدولة املطلة دورًا أساسيًا في أي مقاربة للحل. هــــذه الـــفـــوضـــى الـــتـــي يــمــعــن الــكــيــان اإلسرائيلي بوحشيته تجاه الفلسطينيني في تعميقها وتغذيها، هي حالة اإلهمال الـدولـيـة وتـراجـع دور االتـحـاد األوروبـــي وارتــــبــــاك اإلدارة األمـــيـــركـــيـــة وخــذالنــهــا لـــأصـــوات الــعــاقــلــة فـــي املـنـطـقـة وإعـــــادة إنتاج ثقافة امليليشيات كواقع سياسي مــــــــؤرق لــــأمــــن الــــقــــومــــي لــــــــدول املــنــطــقــة وعلى رأسها دول الخليج، وبسبب عدم الـضـغـط الـحـقـيـقـي عـلـى تــل أبــيــب لوقف الــعــدوان والـحـرب ستتلبس امليليشيات بفعل الهجمات على البحر األحمر قناع الـــ عــب الـسـيـاسـي ولـــو بـتـدمـيـر الــداخــل اليمني فـي حـالـة متزامنة مـع الهجمات التي تأتي على حساب الـداخـل اليمني، كــمــا سـتـسـاهـم فـــي الــتــســويــق لــشــعــارات عـــســـكـــرة املــنــطــقــة والـــحـــلـــول الــتــدمــيــريــة بحيث تستحيل امليليشيات والتنظيمات املسلحة املرفوضة واملقوضة لالستقرار أدوات ضـــغـــط ســيــاســيــة عــلــى املـجـتـمـع الدولي وكيانات مهددة الستقرار الدول والتلويح بنذر الحرب التي تقترب كلما فشلت املفاوضات بإيقاف الحرب أوال ثم بصيغ توافقية تراعي السياق األكبر في الشرق األوسط. الـــعـــواقـــب املــجــتــمــعــيــة فــــي حـــواضـــن امليليشيا في الدول املرهونة إلرادة طهران خـطـرة وطـويـلـة األمـــد، حيث الــوقــوع في أحـــضـــان املـيـلـيـشـيـا وشـــعـــاراتـــهـــا يعني باختصار تسيّد طرق الفوضى واإلكـراه السياسي الذي تمارسه امليليشيات على جـــمـــوع الـــشـــعـــب الــــذيــــن يـــتـــوقـــون لـحـيـاة أفـــضـــل، ومــــن يــطــالــع تـــقـــاريـــر املـنـظـمـات الـحـقـوقـيـة والـتـحـقـيـقـات االسـتـقـصـائـيـة عن تعطل املدارس ونمو حاالت التجنيد للطفال واملراهقني في البيئات الحاضة لــلــمــيــلــيــشــيــات وثـــقـــافـــتـــهـــا، ســــيــــدرك أن املــوضــوع يـتـجـاوز اسـتـهـداف سفينة أو إطالق مسيّرة. األكيد أن املنطقة اليوم تعيش حالة فـــراغ سـيـاسـي كـبـيـر، وتتحمل الــواليــات املـتـحـدة واملجتمع الــدولــي الـجـزء األكبر مـن املـسـؤولـيـة؛ نـظـرًا ملـا تملكه مـن قـدرة على التأثير وحشد قرار سياسي دولي، كـــمـــا أن الـــلـــعـــب بــمــكــيــالــ فــيــمــا يـخـص مسألة مساندة إسرائيل باملطلق والتلكؤ في الضغط عليها وإهمال عواقب تفشي خـــطـــاب الــتــطــرف والــعــنــف وكــــل الـحـزمـة الـدعـائـيـة للميليشيات وشـعـاراتـهـا إلـى الــــحــــد الـــــــذي نــــكــــاد نـــعـــيـــش مـــعـــه «ربـــيـــع امليليشيات»، وسيزيد الطني بلة صعود حــالــة عــــودة تنظيم «داعـــــش» السـتـغـ ل الـــــفـــــراغ والــــنــــشــــاط فــــي مـــنـــاطـــق الـــتـــوتـــر والـتـي هـي أيـضـ محل تـحـذيـرات الكثير مـن مـراكـز الــدراســات والتقارير البحثية وهي املعادل أيضًا لحالة االستثمار في «املأساة» باستغالل حالة امللهاة من قِبل الـدول الكبرى ومن دون فعل شيء سوى الشعارات فحسب. الــحــفــاظ عــلــى مـــكـــون الـــدولـــة مهمة صــــعــــبــــة وتـــــحـــــتـــــاج إلــــــــى تــــفــــهــــم ودعــــــم دولـــيـــ ، وفــــي الـــوقـــت نـفـسـه فـــي حـاجـة إلــى فهم املـكـونـات السياسية، ال سيما األطـــــراف الـسـيـاسـيـة الـفـاعـلـة فــي الـــدول املـــتـــوتـــرة والـــخـــطـــاب اإلعــــ مــــي الـعـربـي الـذي يقع أحيانًا في فخ نصرة القضية الفلسطينية مـن خــ ل الـتـرويـج لثقافة امليليشيات وانتصاراتها الوهمية، كما يرسل رسائل خاطئة للجمهور املتلقي فــي قــــراءة دقـيـقـة لــلــواقــع، حـيـث إنــهــا ال تعي أنها الضحية األولى في حال انهيار الدولة وسقوطها في قبضة امليليشيات املسلحة. ما تحتاج إليه دول الخليج اليوم هو تـحـويـل أمـنـهـا الـقـومـي املـرتـبـط بتطوير الـقـطـاعـات األمـنـيـة والـدفـاعـيـة للوصول إلـــــى «اســـتـــراتـــيـــجـــيـــات األمــــــن املـــســـتـــدام» املسنود بخطاب إعالمي وثقافي يحاول املــشــي بــخــطــوات الـــوعـــي فـــي حـقـل ألـغـام التطرف! دول الخليج في حاجة إلى «استراتيجيات األمن المستدام» المسنود بخطاب إعالمي وثقافي عندما يكون الحديث عن ترسانات الدول وقوتِها العسكرية ال تُذكر كثيرا القدرات اإلعالمية حسين شبكشي يوسف الديني سعاد كريم OPINION الرأي 14 األمن القومي الخليجي ضرورة ال خيار إعالم الصورة النمطية متى تنتهي الحروب ويعم السالم األرض؟ للحروب تأثير مباشر على اإلنسان ما يجعله عرضة لكثير من الصدمات وردّات الفعل المختلفة

RkJQdWJsaXNoZXIy MjA1OTI0OQ==