issue16703

الثقافة CULTURE 18 Issue 16703 - العدد Wednesday - 2024/8/21 األربعاء كتابه «المأدبة» بدا انتصارا للحب على الحرب عشية السقوط األثيني هل طرد أفالطون الجسد من جنة الحب؟ لـم يكن كتاب «املــأدبــة» الــذي وضعه أفالطون قبل خمسة وعشرين قرنًا مجرد مـــدونـــة مـنـتـهـيـة الــصــ حــيــة حــــول الـحـب والــرغــبــة والـــعـــ قـــات بـــن الــبــشــر، بـــل هو العمل الـرائـد والتأسيسي الــذي استطاع أن يدمغ ببصمته الخاصة تـاريـخ الحب ومـفـاهـيـمـه والــنـــظــريـــات املـتـعـلـقـة بـــه في الــعــالــم، وفـــي الـثـقـافـة الـغـربـيـة عـلـى نحو خاص. ومع أن تسمية الكتاب قد استندت إلى املأدبة العامرة التي أُقيمت في منزل الشاعر التراجيدي أغاتون، إثر فـوزه في مسابقة لـلـدرامـا تــم تنظيمها فــي أعـيـاد ديونيسيوس، إله الكرمة والزرع والخمر، فإن الفيلسوف اليوناني األشهر أراد بتلك التسمية أن يتخطى البعد املادي للوليمة، مـتـلـمـسـ بُـــعـــديـــهـــا الـــثـــقـــافـــي والــفــلــســفــي، وموائمًا بي غذاء الجسد وغذاء الروح. عـــلـــى أن أي تــــأمــــل عـــمـــيـــق فـــــي آراء األشـــخـــاص املـــشـــاركـــن فـــي تــلــك املــنــاظــرة الــــنــــادرة فـــي عـمـقـهـا وتــنــوعــهــا، ال بـــد أن تسبقه وقفة مماثلة عند تاريخ املناظرة نفسها، وهي التي أقيمت في الفترة التي أعــقــبــت اشـــتـــعـــال الـــحـــرب الــــضــــروس بي أثينا وإسبارطة، وقبل سنوات قليلة من انهيار املدينة التي حملت شعلة التنوير في العالم القديم. ولعل من بي املفارقات الـــتـــي عـكـسـتـهـا مـــأدبـــة أفـــ طـــون أنـــهـــا لم تـكـن مـجـرد جلسة للمنادمة واألحــاديــث الساخرة، تنادى إليها مثقفون أثينيون مختلفو املشارب والثقافات، معظمهم من ذوي الـنـزعـات املثلية، بـل كـانـت مطالعة إنــســانــيــة فـــي الــحــب والـــشــغــف، لـــم يظهر بعدها أي تصور للتفكر أو التأمل الديني للرغبة، من دون أن يستند إليها مرجعًا تأسيسيًا، وفق املحلل النفسي جاك الكان. وإذا كـــان كـــل مـــن املــشــاركــن يستند إلــــى خـلـفـيـة ثــقــافــيــة ومــعــرفــيــة مـخـتـلـفـة، فـــهـــو أمــــــر أمـــــــ ه حــــــرص أفـــــ طـــــون عـلـى تلمّس الحقيقة مـن غير زاويـــة ومنظور. وهــــكــــذا كـــــان بــــن املــــشــــاركــــن فــــيــــدروس، الــفــتــى املــفــتــون بـاملـيـثـولـوجـيـا الـقـديـمـة، وبـــــاوســـــنـــــيـــــاس املــــخــــتــــص بــــالــــقــــوانــــن، وأركسيماخوس املهتم بالطب والفنون، وأريستوفان الشاعر الكوميدي، وأغاتون الشاعر التراجيدي املحتفى به، وسقراط الــفــيــلــســوف املــمــتــلــئ بــالــحــكــمــة. وحــيــث كانت أثينا تترنح تحت وطـأة الضربات اإلسبارطية القاسية، لم يفت أفالطون أن يـلـون مأدبته بنكهة حربية، فضم إليها ألكبياديس، أحد قادة الجيش األثيني. وإذ يفتتح فـيـدروس جلسة الحوار، يــكــشــف عـــن حـنـيـنـه الـــبـــالـــغ إلــــى الـحـقـبـة الـورديـة لبزوغ الوعي اليوناني، معتبرًا إيروس اإلله العظيم الذي ال أم له وال أب، ومــشــيــدًا بـــاألجـــيــال الـســابــقــة الــتــي صنع أبطالها الشجعان من أمثال أخيل، مجد الــيــونــان وعظمتها الحقيقية. ويضيف فيدروس أن الحب يدفعنا نحو التصرفات الصائبة، بحيث ال يستطيع اإلنـسـان أن يفقد شرفه أمام محبوبه حتى في لحظات املـــوت، وأن جيشًا مـن العشاق قـــادر على هزيمة أعتى الجيوش وأكثرها بأسًا. ورأى بـوسـانـيـوس فــي مـداخـلـتـه أن للحب اإليروسي طبيعتي اثنتي، واحدة حسية وأخــــرى روحــيــة. وهـــو يـعـزو هـذه االزدواجـــــيـــــة إلــــى أفــــروديــــت، إلـــهـــة املـتـعـة والــجــمــال، الــتــي كــانــت مـــزدوجـــة الـهـويـة. فثمة أفروديت سماوية وُلدت من دون أم، من إله السماء أورانوس، وأخرى أرضية، هــي ابـنـة زيـــوس وديـــونـــا، الـتـي يسميها بوسانيوس بالوضيعة أو الدنيئة. وعد أركسيماخوس أن الحب يشيع في حركة الـطـبـيـعـة، ويـجـسـد خـيـر تـجـسـيـد حـاجـة الـكـون إلــى الـتـآلـف. وهــو إذ يتمتع بقوة عاتية تصعب مقاومتها، فـإن هـذه القوة «ال تظهر في النفوس البشرية وحدها، بل في الحيوانات والنباتات بقدر مماثل». بـــعـــدهـــا قــــــــدّم أرســـــتـــــوفـــــان مــطــالــعــة مـسـهـبـة حــــول الـــحـــب مـــفـــادهـــا أن الـبـشـر كـانـوا منقسمي إلــى أجـنـاس ثـ ثـة، ذكر وأنثى وخنثى، ليضيف بأن أجساد تلك الــكــائــنــات كــانــت مـسـتـديـرة فـــي الـسـابـق، وكان لكل منها أربع أيد وأرجل ووجهان مـــتـــمـــاثـــ ن، وكــــانــــت أجــــــزاؤهــــــا الــســفــلــى مــــزدوجــــة، وحــركــتــهــا فـــي املـــشـــي دائـــريـــة أيــــضــــ . وقــــــد ظــــل شـــأنـــهـــم كــــذلــــك إلــــــى أن تطاولوا على سلطة اآللهة، فقرر كبيرها زيوس قسمة كل منهم إلى كائني اثني؛ لـكـي يـضـعـف شــأنــهــم، ولــكــي يـنـشـغـل كل منهم بالبحث املضني عن نصفه املفقود. وحي يتفق ألحدهم أن يلتقي نصفه ذاك، يــنــتــاب كـلـيـهـمـا شـــعـــور مـــذهـــل بـالـتـعـلـق والتقارب، بحيث ال يرغبان مطلقًا في أن يفترق أحدهما عن اآلخر. ثم تحدث أغاتون، الشاعر التراجيدي املحتفى بــه، فرفض اعتبار إيـــروس أقـدم اآللــهــة، بـل عـــدّه أجملها وأصـغـرهـا سنًا، وأكـثـرهـا حـرصـ على رفــد العالم بالحب والـتـآلـف واإلخــــاء. وهــذا اإللــه بـالـذات هو الـــذي يستحق أن تـدبـج لـه املــدائــح، حيث زالـت بمولده معظم املنازعات بي اآللهة والبشر، وتراجع في كنفه منسوب الشقاء في السماء واألرض. أمــا ســقــراط، فينسب رأيـــه فـي الحب إلـى امــرأة محنكة تسمى ديوتيما، قائال بــلــســانــهــا إن رغــــبــــة االتـــــحـــــاد فــــي اآلخــــر ال قـيـمـة لـهـا مـطـلـقـ إذا لـــم تـعـكـس نـــزوع صاحبها إلــى الخير والـجـمـال والخلود. ويضيف سقراط أن بعض البشر يسعون إلـــى الـخـلـود عــن طـريـق الــنــزوع الجسدي إلـــى اإلنـــجـــاب وتــأبــيــد الــســ لــة، فـــي حي أن املـبـدعـن منهم يـــؤثـــرون «الــحــبَــل» في أرواحــــــهــــــم، فـــيـــســـعـــون إلـــــى إعــــــ ء الــعــقــل ومـعـانـقـة الـجـمـال األســـمـــى. ومـــا الـجـمـال الـجـسـدي بـشـيء يُــذكــر إزاء ذلـــك الجمال الــــذي يـشـع بـاملــعــرفــة والـحــكــمـة والـسـمـو األخالقي. وإذ وافـــــق أفــــ طــــون نــــظــــراءه على بــعــض آرائــــهــــم، لـــم يـــوافـــق عــلــى اعــتــبــار إيــــــروس إلـــهـــ ، بـــل عـــــدّه شــيــطــانــ يلعب دور الوسيط بـن البشر واآللـهـة. وهـذه املـاهـيـة الشيطانية إليــــروس تـعـود إلـى والدتــه من عالقة عابرة أقامها بـوروس إله الرفاه املخمور، مع بينيا إلهة الفقر، أثناء وليمة صاخبة أقامها األول احتفاء بــــوالدة أفـــروديـــت. وأضــــاف بـــأن إيـــروس كــــان خــــادم أفــــروديــــت األمــــن ألنــــه مـديـن لها بــوالدتــه، وأنـــه كــان بطبيعته محبًا لـــلـــجـــمـــال ألن أفــــــروديــــــت كــــانــــت تـتـمـتـع بـجـمـال أخـــــاذ. كـمـا أن نـظـريـة أفــ طــون عــن إيــــروس تــقــوم عـلـى مـــزاوجـــة جدلية بـــــن املــــتــــنــــاقــــضــــات، كـــالـــفـــقـــر والــــــثــــــراء، الحكمة والجهل، القسوة والرقة، واملوت والخلود. ويـــؤكـــد أفـــ طـــون أن الــحــب ال يتم تـــوســـلـــه بــالــعــقــل وحـــــــده، بــــل إن لـلـقـلـب إســهــامــه املـــهـــم فـــي االنـــتـــقـــال مـــن املــجــال الـــحـــســـي إلــــــى الــــــروحــــــي، ومــــــن الــنــســبــي إلــى املطلق. كما أن على الشخص الـذي ينشد الحكمة أن يـتـدرج فـي العشق من االفـتـتـان بـجـمـال األجــســاد إلـــى االفـتـتـان بجمال الـنـفـوس، بما يسمح للسالك أن يتحرر من عبودية التعلق بهذه املرأة أو ذلك الفتى، لكي يتمكن من رؤية الجمال األزلـي الـذي هو الغاية القصوى لكل من الفكر والعاطفة. وإذا كانت آراء أفالطون في الحب قد شكّلت املرتكز األهـم لنظريات الحب في الـعـالـم، وفــي الـغـرب املسيحي على وجه الـــخـــصـــوص، فــــإن الــكــثــيــر مـــن الـفـ سـفـة والنقاد لم يروا في تلك اآلراء ما يتعارض مـع مـبـدأ الـعـ قـة الجسدية الـهـادفـة إلى حفظ الـنـوع بشكل مطلق، بـل مـع تحول النزوع الشهواني غاية وحيدة ونهائيةً. ولعل غلو البعض في شططهم الروحي، هــو الـــذي دفـــع هـــؤالء إلـــى تـحـويـر الحب األفــ طــونــي وفـصـلـه الــتــام عــن طبيعته الجسدية. فالحب األرضي - وفق أفالطون - هـــو الـــدرجـــة األولــــــى مـــن ســـلّـــم الـحـركـة االرتـــقـــائـــيـــة الـــتـــي يــنــجــم عــنــهــا إنـــجـــاب األطفال وإرضاء الحاجة إلى التكاثر. أما الدرجة الثانية فترتبط باإلبداع الشعري والـــفـــنـــي والـــعـــلـــمـــي، وصـــــــوال إلـــــى أعــلــى نماذج املعرفة والتعلق بالجمال األسمى. واألرجـــــح أن مـــقـــوالت فـــرويـــد حـــول األنـــا األعـلـى، وتحويل الغرائز الحسية دافعًا للفن لـــإبـــداع، لــم تـكـن بـعـيـدة تـمـامـ عن املقوالت األفالطونية بهذا الخصوص. يـــبـــقـــى الـــــقـــــول أخـــــيـــــرًا إن «مـــــأدبـــــة» أفـ طـون قـد استطاعت بثرائها الداللي وبنيتها التعددية املفتوحة على التأويل أن تـــشـــكـــل املــــحــــور األســـــاســـــي لـــعـــشـــرات الكتب واملؤلفات والدراسات االجتماعية والـنـفـسـيـة الـ حـقــة. ولـــم يـفـت الكثيرين أن املـــأدبـــة بـرمـتـهـا كــانــت الــذريــعــة الـتـي ابـــتـــكـــرهـــا أفـــــ طـــــون لـــ حـــتـــفـــاء بــالــحــب والكشف عن وجوهه امللغزة، في اللحظة التي انتصر فيها «السيف على الكتب»، وعشية السقوط األثيني أمـام الجبروت اإلسـبـارطـي. وهـو نفس ما فعله أراغــون بعد أربعة وعشرين قرنًا من الزمن، حي لم يجد خلفية مالئمة لحب إيلسا، أفضل مــــن ســــقــــوط غـــرنـــاطـــة ولـــحـــظـــة الــــغــــروب األندلسي. مأدبة أفالطون شوقي بزيع على الشخص الذي ينشد الحكمة أن يتدرج في العشق من االفتتان بجمال األجساد إلى االفتتان بجمال النفوس هل يمثّالن مالمح الفاتح المقدوني الكبير؟ وجهان فتيّان من فيلكا يتبعان األسلوب اليوناني في نهاية خمسينات القرن املاضي، شـــرعـــت بـعـثـة دنــمــاركــيــة فـــي اسـتـكـشـاف جزيرة فيلكا الكويتية، وأظهرت الحفائر األولــــــى مـسـكـنـ كــبــيــرًا عُـــــرف بـــاســـم «دار الضيافة». من هذه الدار، خرجت مجموعة كبيرة مـن اللقى، بينها قطعة على شكل قالب فـخـاري يحوي صــورة غـائـرة لـرأس آدمـــــي، قـيـل إنّــــه يـمـاثـل فــي مـ مـحـه وجـه اإلســـكـــنـــدر األكــــبــــر. واصـــلـــت هــــذه الـبـعـثـة مهمتها في مطلع الستينات، وكشفت عن أسس مجمع شُيّد على شكل مربع، عُرف باسم القلعة اليونانية. حوت هذه القلعة مـجـمـوعـة أخــــرى مــن الــلــقــى، مـنـهـا تمثال صغير من الطي املحروق يمثّل رأس شاب أمـرد يحمل كذلك سمات الفاتح املقدوني الشهير. تــــقــــع فـــيـــلـــكـــا فــــــي الــــــركــــــن الـــشـــمـــالـــي الغربي من الخليج العربي، ويضم الجزء الـجـنـوبـي الـغـربـي مــن هـــذه الــجــزيــرة أهـم مواقعها األثرية، التي تتوزع على سلسلة مــــن الــــتــــ ل، أشـــهـــرهـــا «تـــــل ســـعـــد» و«تــــل ســعــيــد». عــلــى مــقــربــة مـــن الـــســاحـــل، وفــي منطقة منخفضة بـن هـذيـن الـتـلّــن، تقع غـرفـة، منها 12 «دار الـضـيـافـة»، وتـحـوي غـرفـة تـضـم مجموعة كـبـيـرة مــن الـقـوالـب الصغيرة املصنوعة من اآلجرّ، ممّا يوحي بأن هذه الغرفة شكّلت في األصل محترفًا محليًا لهذه الصناعة. تنتمي هذه القوالب إلـى صناعة تقليدية شاعت بشكل واسع فـي الـشـرق القديم، وتتمثّل وظيفتها في صــب املـجـسـمـات الصلصالية املصنوعة من الطي املحروق. حــســبــمــا جـــــاء فــــي الـــتـــقـــريـــر األولـــــي الــخــاص بـأعـمـال البعثة الـدنـمـاركـيـة، تـم صب مادة طرية في عدد من هذه القوالب، فخرجت منها تماثيل صغيرة، وتبي أن أحـــد هـــذه التماثيل املنمنمة يـمـثّــل رأســ تحيطه هالة ويتميّز بأسلوبه اليوناني. وقــيــل يـومـهـا إن هـــذا الـــــرأس يـمـثّــل رأس اإلســـكـــنـــدر الـــكـــبـــيـــر، «ولــــيــــس مــــن املـــؤكـــد بالطبع أنها تمثّل رأس اإلسكندر، إال أن مالمح الوجه تشابه مالمحه املشهورة». 6 يبلغ ارتـفـاع هـذا التمثال املنمنم نحو سـنـتـيـمـتـرات، وقـــد وصـــل بـشـكـل مـجـتـزأ؛ بسبب كسر في القالب األثـري الذي خرج منه، وما تبقّى منه يمثّل الجانب األيسر مـن الـــرأس، مـن طـرف الرقبة األسـفـل، إلى أعـــلـــى الــشــعــر الـــــذي يــكــلــل الـــــــرأس، وذلـــك ضمن قالب بيضاوي يحيط به على شكل هالة. قــــيــــل فــــــي الــــــبــــــدء إن هــــــــذا الــــــــرأس يـمـثّــل اإلسـكـنـدر الـكـبـيـر، ويـشـهـد لألثر اليوناني املبكر فـي جـزيـرة فيلكا التي عُـــرفـــت كـــذلـــك بـــاســـم إيـــــكـــــاروس، تـيـمّــنـ بــالــجــزيــرة الــشــهــيــرة الـــواقـــعـــة فـــي بحر إيجة الذي يشكّل خليجًا صغيرًا ممتدًا لـلـبـحـر األبـــيـــض املــتــوســط بـــن أوروبـــــا وآسيا. وقيل إن هذا القالب هو واحد من القوالب التي تعود إلى جنود اإلسكندر الــذيـــن قــدمــوهــا نـــــذورًا بـعـد انـتـصـارهـم عـــلـــى أعــــدائــــهــــم فــــي الـــهـــنـــد، وعـــودتـــهـــم «ســاملــن إلـــى هـــذه الـجـزيـرة الـقـريـبـة من بــــابــــل، عـــاصـــمـــة اإلســـكـــنـــدر الـــشـــرقـــيـــة». ورأى الـبـعـض أن الـهـالـة املحيطة بهذا الــوجــه الـفـتـي األمــــرد تــحــوي شـبـكـة من الخطوط تحاكي تقليديًا شُعُع الشمس، ممّا يوحي بأن هذا الوجه يمثّل األمير الـــبـــطـــلـــمـــي اإلســـــكـــــنـــــدر هــــيــــلــــيــــوس، أي إسكندر الشمس، ثاني أبناء كليوباترا الثالثة، أو اإلسكندر باالس، ملك الدولة الــســلــوقــيــة وابـــــن أنــطــيــوخــوس الـــرابـــع. فـــي املــقــابــل، رفـــض الـبـعـض اآلخــــر هـذه القراءات املختلفة، ورأى أن الرأس يمثل البطل اإلغريقي هيرقليس فـي شبابه، واستندت هذه القراءة إلى حضور هذا البطل فـي فيلكا الـــذي تشهد لـه نقوش وقطع أثرية متفرقة. تـكـرّر هــذا الـسـجـال حــول تمثال آخر مــــن الـــطـــن املـــــحـــــروق، خـــــرج مــــن «الــقــلــعــة الـيـونـانـيـة» الـتـي تـقـع عـلـى «تـــل سعيد»، مــتــر إلــــى الـــشـــرق مـــن «تــل 300 عــلــى بــعــد سـعـد»، وهــي قلعة محصنة مـن زوايـاهـا األربــــع بـأربـعـة أبـــــراج، وتــحــوي معبدين، األول مبني على الـطـراز اإلغريقي، وعلى مقربة منها عُثر على لـوح حجري يُعرف بـ«حجر إيــكــاروس»، يحوي نقشًا كتابيًا طويال ساهم بالتعريف بتاريخ فيلكا في الحقبة التي عُرفت فيها باسم إيكاروس. من هذه القلعة، خرجت مجموعة صغيرة مـــــن املـــجـــســـمـــات الـــطـــيـــنـــيـــة ذات الـــطـــابـــع اليوناني الـصـرف، منها الـــرأس املعروف بـــاســـم «رأس اإلســــكــــنــــدر»، وهـــــو تــمــثــال مـــن الــحــجــم الــصــغــيــر، يــبــلــغ طـــولـــه نحو سـنـتـيـمـتـرات. حــافــظ هــــذا الـــــرأس على 8 ســـمـــاتـــه، وتــــعــــرّض إلـــــى تـــلـــف طــفــيــف فـي الجانب األيسر من األنف. املالمح واقعية، وتختزل مثال الفتى األمـــرد النضر الـذي عُـــرف بشكل واســـع فــي الـعـالـم الـيـونـانـي، كـــمـــا فــــي الـــعـــالـــم الــهــلــنــســتــي الــــــذي شـكـل امتدادًا له. قيل عند اكتشاف هذا الرأس إنه يمثل «رأس اإلسكندر أو أحد امللوك السلوقيي الذين كانوا يحكمون في الشرق األوسط»، واملـــعـــروف أن حـامـيـة تـابـعـة للسلوقيي استقرّت في الجزيرة، قبل أن تتحوّل فيلكا إلى مستعمرة في مطلع القرن الثالث قبل املــــيــــ د، بـــأمـــر مــــن أنـــطـــيـــوخـــوس الــثــالــث األعــظــم، الـحـاكـم الــســادس لـإمـبـراطـوريـة السلوقية. وتوسّعت القلعة في ذلك العهد حتى سـقـوط السلطة السلوقية فـي بالد قـبـل ميالد 114 مــا بــن الـنـهـريـن فــي عـــام املـسـيـح، وأدّى هــذا الـسـقـوط إلــى التخلي عن هذه الحامية التي استقرت في فيلكا، وطبعتها بثقافتها. رأى الـــبـــعـــض أن هـــــذا الـــــــرأس يـمـثـل املــلــك الـسـلـوقـي اإلســـكــنـدر بـــــاالس، ورأى البعض اآلخر أنه يمثل امللك ديميتريوس األول الـذي حكم قبله. في املقابل، قيل إن هـــذا الــــرأس يُــمـثـل هيرقليس فــي شبابه، واستندت هـذه الـقـراءة إلـى شواهد أثرية مشابهة خرجت من طرسوس في جنوب تـــركـــيـــا، وديــــلــــوس فــــي الــــجــــزء الــجــنــوبــي مـن بحر إيـجـة، كما اسـتـنـدت إلــى نقوش تــصــويــريــة ظـــهـــرت عــلــى قــطــع مـــا يُــعــرف بـ«العمالت الصورية»، أي القطع املعدنية التي جرى سبكها قديمًا في مدينة صور. فـــي الــخــ صــة، تـبـقـى هـــذه الـــقـــراءات املتعددة افتراضية، واألكيد أن الوجه الذي ظهر في قطعتي أثريتي من ميراث فيلكا يـتـبـع فـنـيـ األســـلـــوب الـــيـــونـــانـــي، ويـمـثّــل شــخــصــ يــصــعــب تــحــديــد هــويــتــه بشكل قاطع في غياب أي عنصر تصويري يشكّل صفة خاصة به. مجسمات من محفوظات متحف الكويت الوطني مصدرها جزيرة فيلكا محمود الزيباوي

RkJQdWJsaXNoZXIy MjA1OTI0OQ==