issue16701

OPINION الرأي 12 Issue 16701 - العدد Monday - 2024/8/19 الاثنين وكيل التوزيع وكيل الاشتراكات الوكيل الإعلاني المكـــــــاتــب المقر الرئيسي 10th Floor Building7 Chiswick Business Park 566 Chiswick High Road London W4 5YG United Kingdom Tel: +4420 78318181 Fax: +4420 78312310 www.aawsat.com [email protected] المركز الرئيسي: ٢٢٣٠٤ : ص.ب ١١٤٩٥ الرياض +9661121128000 : هاتف +966114429555 : فاكس بريد الكتروني: [email protected] موقع الكتروني: www.arabmediaco.com هاتف مجاني: 800-2440076 المركز الرئيسي: ٦٢١١٦ : ص.ب ١١٥٨٥ الرياض +966112128000 : هاتف +9661٢١٢١٧٧٤ : فاكس بريد الكتروني: [email protected] موقع الكتروني: saudi-disribution.com وكيل التوزيع فى الإمارات: شركة الامارات للطباعة والنشر الريـــــاض Riyadh +9661 12128000 +9661 14401440 الكويت Kuwait +965 2997799 +965 2997800 الرباط Rabat +212 37262616 +212 37260300 جدة Jeddah +9661 26511333 +9661 26576159 دبي Dubai +9714 3916500 +9714 3918353 واشنطن Washington DC +1 2026628825 +1 2026628823 المدينة المنورة Madina +9664 8340271 +9664 8396618 القاهرة Cairo +202 37492996 +202 37492884 بيروت Beirut +9611 549002 +9611 549001 الدمام Dammam +96613 8353838 +96613 8354918 الخرطوم Khartoum +2491 83778301 +2491 83785987 عمــــان Amman +9626 5539409 +9626 5537103 صحيفة العرب الأولى تشكر أصحاب الدعوات الصحافية الموجهة إليها وتعلمهم بأنها وحدها المسؤولة عن تغطية تكاليف الرحلة كاملة لمحرريها وكتابها ومراسليها ومصوريها، راجية منهم عدم تقديم أي هدايا لهم، فخير هدية هي تزويد فريقها الصحافي بالمعلومات الوافية لتأدية مهمته بأمانة وموضوعية. Advertising: Saudi Research and Media Group KSA +966 11 2940500 UAE +971 4 3916500 Email: [email protected] srmg.com قصور الدبلوماسية الجزئية واليوم التالي «الحرب الإعلامية»... نظامية أم عصابات؟ غزة وأزمة الفكر الفلسفي عند هابرماس كــل الـعـيـون شـاخـصـة عـلـى مـفـاوضـات وقـــف الــنــار في غزة وإطلاق الرهائن، إنّما وعلى الرغم من الجهود الحثيثة المـــبـــذولـــة، لا يــبــدو المـشـهـد ورديـــــا، وقـــد تـتـعـثـر كـمـا حصل سابقا لنعود إلى المربع الأول. لكن لنفترض أن المفاوضات نجحت، واتفق على المطالب والمطالب المضادة على كثرتها وتعقيدها بفضل الجهد الأميركي؛ وبخاصة الدبلوماسي والعسكري، وأعلنت الهدنة وأطلقت الرهائن وتـم احتواء حـرب أوســع فـي المنطقة بـن إسرائيل وإيـــران، ومـن خلفها «حـزب الله»، مـاذا ينتظرنا في اليوم التالي؟ وهل سيفتح هذا النجاح الباب أمام مزيد من المفاوضات التي قد تفضي إلى حل شامل؟ فـــي الــــواقــــع، الـــيـــوم الـــتـــالـــي فـــي غــــزة مــكــبــل بـــعـــدد من الإشكاليات والأسئلة الصعبة قد يبدد التفاؤل بوقف آلة القتل، وتوفير مساحة لمزيد من المفاوضات المتممة. أولى هـــذه الإشــكــالــيــات هـــو مـصـيـر «حـــمـــاس» ودورهــــــا فـــي غـزة والصيغة التي ستسمح ليحيى السنوار بممارسة مهامه قائداً لها من فوق الأرض، وليس من الأنفاق والخنادق، في الوقت الذي تحمّله إسرائيل شخصيا مسؤولية التخطيط أكتوبر (تشرين الأول)، وتطالب برأسه مع عدد 7 لعملية آخـــر مــن مـسـاعـديـه. لا شــك أنّ نـجـاح المــفــاوضــات سيعطي «حـمـاس» نفحة حياة، ولا شك أيضا أنّ مصيرها سيبقى مرتبطا بالقضية الإقليمية الـكـبـرى؛ وهـــي دور إيــــران في المنطقة، واستمرار دعمها لوكلائها ما دامت تعدّهم ضرورة لنفوذها الإقليمي. هــــذا لا يـلـغـي أنـــهـــا خـــارجـــة مـنـهـكـة مـــن حــــرب مــدمــرة يحملها الـفـلـسـطـيـنـيـون قـبـل الإســرائــيــلــيــن مـسـؤولـيـتـهـا، وتعاني انقسامات وشقوقا جمة بي «حماس الخمينية» و«حـمـاس الإخـوانـيـة»، كما الداخلي والـخـارجـي. لـن تعود «حــــمــــاس» إلـــــى حـــكـــم غــــــزة، لـــكـــن ســـيـــنـــاريـــوهـــات اســـتـــمـــرار وجودها فيها متعددة قد تشمل انضمامها مجردة السلاح إلى حكومة وحـدة وطنية مع السلطة الوطنية، أو حكومة تكنوقراط تـشـارك فيها بصمت، أو الانـضـمـام إلــى منظمة التحرير الفلسطينية تحت اسم مختلف. في جميع الأحوال، ومـهـمـا كــانــت طبيعة وجـــودهـــا، المــرجــح أنــهــا ستستميت للاحتفاظ بقدرات عسكرية وكذلك بمبادئها السياسية. وينسحب ذلـك الاحتمال فـي لبنان على «حــزب الله» ، فــلــن يـقـلـب صـفـحـة المــقــاومــة، 1701 الــــذي إن طــبــق الـــقـــرار وسيظل البيدق الأسـاسـي فـي خطة إيـــران: لا حـرب شاملة تـطـولـهـا ولا تـسـويـة شـامـلـة للقضية الفلسطينية تنعدم مـعـهـا «شــرعــيــة» تـدخـلـهـا فـــي المـنـطـقـة، بـــل حــــروب متنقلة وفتيل جاهز دوما للاشتعال وفقا لمصالحها. الإشـكـالـيـة الـثـانـيـة تكمن فــي عـقـل بـنـيـامـن نتنياهو وحـكـومـتـه المـتـطـرفـة، إضــافــة لـ نـقـسـامـات داخــــل المجتمع الإسـرائـيـلـي الـتـي تعمقت بعد تـحـول حــرب غــزة إلــى حرب اســـتـــنـــزاف. بـــات واضـــحـــا أن هـــذه الـحـكـومـة تـنـكـر الـحـقـوق الــفــلــســطــيــنــيــة كــــافــــة، وأعـــطـــتـــهـــا عــمــلــيــة طــــوفــــان الأقـــصـــى سببا لـلـدخـول فـي حــرب سعت مـن خلالها إلــى استئصال القضية الفلسطينية من جذورها، وليس فقط القضاء على «حماس»، ونراها تستدعي حربا موسعة تجر العالم إليها؛ وعلى رأسه الولايات المتحدة. قد يعتقد البعض أن نتنياهو أخطأ عندما أمر باغتيال إسماعيل هنية في طهران وفؤاد سـاعـات. لكنّه فـي الـواقـع تقصّد 7 شكر فـي بـيـروت بـفـارق ذلـك رفعا لمستوى استفزازاته، ليرفع بالمقابل من مستوى رد إيران و«حزب الله» عليه بما يجرهما، خصوصا طهران، إلى الحرب المباشرة. الحرب الموسعة هي الطفل الذي يرعاه نتنياهو، ولن تستطيع هذه الحكومة بتركيبتها التكيّف مع الرؤية الدولية لليوم التالي في غزة التي عبر عنها الرئيس جو بايدن، عندما أوضـح أن لديه أولوية واحـدة لمتابعتها في الفترة المتبقية له بمنصبه: إنهاء حرب غزة واستعادة عملية صنع السلام الأميركية في الشرق الأوسط. المشهد أعلاه ليسورديا؛ بل وحمال لحروب مستقبلية. علمتنا التجارب في المنطقة أن الدبلوماسية التي تـداوي موضع الألــم ولا تتوجه إلـى المسببات والمعالجة الجذرية الشاملة لا تكفي، وما يجري يبقى بعيداً عن الدبلوماسية الــهــادفــة لـتـسـويـة شــامــلــة. هـــل هـــذه الـلـحـظـة هـــي المـنـاسـبـة لـتـغـيـيـر مــســار المـنـطـقـة؟ وهـــل يـمـكـن فـيـمـا تـبـقـى مـــن وقـت التأمل بتسويات وسط حدة التوتر بي الأطراف المتنازعة؟ يفترض معظم المراقبي أن بايدن سيعجز عن إنجاز الكثير في الأشهر المقبلة، بينما يعتقد آخرون أنّ بمقدوره التركيز على إبــرام صفقة تطبيع إسرائيلية - عربية من المرجح أن تـكـون مـشـروطـة بـإنـهـاء الــحــرب فــي غـــزة وتـسـويـة شاملة. كل ذلك بحاجة إلى دور نشط جريء للشريك العربي الذي ينبغي أن يتطلع إلى حلول دبلوماسية شاملة ومستدامة تنشل المنطقة من حال التخبط ومآسي دورات العنف. طــبــعــا لــــن يـــأتـــي الــــســــ م بــــن عــشــيــة وضـــحـــاهـــا، لـكـن الفرصة لا تزال سانحة لدفع إدارة بايدن المنخرطة في مسار دبلوماسي منذ أشهر، وكامالا هاريس التي تتطلع إلى أربع سنوات في البيت الأبيض، إلى رسم مسار مختلف هادف. لا أحد يستطيع محو مآسي الأشهر التسعة الماضية، لكن النهج الأفضل القادر على مداواتها ومعالجة تداعياتها هو البدء بفصل جديد في الشرق الأوســط، ويجب على بايدن ونائبته - كما العرب - عدم إضاعة الفرص المتاحة. لـديـك ميزانية ضخمة وتـريـد أن تستثمر فـي الإعـــ م. سـألـتَـنـي نصيحتي. قــلــت: «الإجـــابـــة بـسـيـطـة». المـؤسـسـات النظامية تتمتّع بمزايا لا غنى عنها: ثقل العلامة التجارية، وجــاذبــيــتــهــا لأفـــضـــل الـــكـــفـــاءات، وتــعــامــل الــجــمــهــور معها بـــجـــديـــة، وقـــدرتـــهـــا عـــلـــى الــــوصــــول إلـــــى مــــصــــادر مــعــتــبــرة، واستضافة ذوي حيثية. دارت الأيـــــام، نجحت مـؤسـسـتـك وتــوفــرت لــك ميزانية جــديــدة. هاتفتني تسألني الــســؤال نـفـسـه. لكنني لــم أجـب الإجابة نفسها. سألتُك عن الكواليس خلف هذا النجاح، عن المعوقات التي تواجهك، ولمــاذا تستشيرني مـرة أخــرى بدل تكرار التجربة؟ ذكــــــرت لــــي الــتــكــلــفــة الـــعـــالـــيـــة لـــلـــضـــروريـــات مـــثـــل المــقــر والتجهيزات وأعمال الصيانة والتطوير والموظفي وسعر الـبـث الــهــوائـي، الـتـي تجعل مــا تنفقه عـلـى الإنــتــاج الفعلي جــزءاً ضئيلاً. المشكلة أنـه كلما تضخمت الميزانية، ووجـب الـتـرشـيـد، مـا استطعت الاقــتــراب مـن هــذه الـبـنـود، فتختزل مـــن مــيـزانـيــة اســتـضــافـة ضـــيـــوف، أو إرســـــال مــراســلــن إلـى مواقع الأحداث. وهي توابل الإعلام التي تعطي هذه الوليمة طعمها. قلتَ إن الجمود حتمي فـي المؤسسة الكبيرة، لأن البيروقراطية حتمية، وإلا انفلتت الأمور وأصابك الهدر في الميزانية. وإنــك مهما أولـيـتَ من جهد، وثني ومــد، لمعالجة هذا الجمود فأقصى ما تنجزه خشونةٌ في الحركة. والتوظيف، صـداع صـداع. تتحرى أفضل العناصر ثم على أرض الواقع تكتشف نقاط ضعفها. هذا لا يجيد العمل مع فريق، وذلـك يمرر رسائل مؤدلجة، وتلك تفتقد الدافع. ثم إن استبدال هذه العناصر مهمة محبطة، تجعلك تضطر في أحيانٍ كثيرة إلـى تحمل تبعات بقائها. وهكذا تتكلس شـــرايـــن المـــؤســـســـة. وتــحــجــزُ الــعــنــاصــرُ الــســيــئــةُ الـعـنـاصـرَ الــجــيــدة. ذكّــرتــنــي بـمـؤسـسـات بــــدأت قــويــة ثــم تـــراجَـــعَـــتْ أو عجزت عن المواكبة. وقلت إنك الآن تفهم السبب. ذكّـرتـنـي أيـضـا بعصر مـا قبل الـسـوشـيـال مـيـديـا، كيف ارتــبــط الــنــاس بـأسـمـاء المــؤســســات، وتـقـبـلـوهـا بـمـجـمـوع ما تـقـدمـه، كـمـا تـقـبـلـوا الصحيفة الــتــي أحــبــوا فـيـهـا كـاتـبـن أو ثلاثة. أما الآن فكل برنامج مفرد له ألف منافس، وما أسهل أن يتحول المشاهدون عنك إلى غيرك. يمكن أيضا، في عصر الخوارزميات، لبرامج تكلفتْ ثروة أن تخرج أقل من توقعاتك الـجـمـاهـيـريـة. المـؤسـسـة الـكـبـيـرة لــن تستطيع اسـتـبـدال هـذه البرامج بسهولة. عقّبْتَ: «صِيغت المواقيتُ ورُسِمَت الخُطَط». قلتَ لي إن السوشيال ميديا فرضت قواعد جديدة. في المؤسسة الكبيرة إن خصصنا للبرنامج ساعة فهي الدقائق الستون لا تزيد ولا تنقص، أكان الضيف مسليا أم كان مملاً. ترك الجمهورَ عطشانَ إلى مزيدٍ أم تركه متخما بالزَبَد؟ قــلــتُ لــك إنــنــي أفــهــم هـــذه الـنـقـطـة جــيــداً. فــي الـشـركـات الصغيرة نتلاعب في وقت البرنامج كعازف في أكورديون. ليس لدينا «أمر جارٍ» يحكمنا، ولا جدول بث يقيدنا. أحيانا يـفـاجـئـنـا الـجـمـهـور بــالإعــجــاب بـمـقـطـعٍ لـــولا فـسـحـة الـوقـت لتخلصنا منه، لكن الجمهور يعزله ويتداوله ويحوله إلى ميم، فيعيش وإن ماتت الحلقة. قــاطــعــتــنــي قــــائــــً إنـــنـــي أُقَـــــلّـــــب عــلــيــك المـــــواجـــــع، فــهــذه الشركات الصغيرة نفسها مشكلة، لا يفهم حجمها إلا من يدير مؤسسة في هذا الزمن. كلنا نستخدم تعبير «الحرب الإعـــ مـــيـــة»، ونـــحـــن نــصــف المـــواجـــهـــة الــشــرســة مـــع مــحــاور رؤوسُ حَـرْبـتِـهـا ميليشياتٌ وجـمـاعـاتٌ إعـ مـيـة. المؤسسة الإعـ مـيـة النظامية فـي هــذه الـحـرب تـخـوض مـواجـهـةً غير متكافئة، كجيش يخوض حـرب عصابات. وضَـرَبْـتَ لي من الواقع أمثلة. المــــؤســــســــة الـــنـــظـــامـــيـــة مــــقــــيــــدة بــــالــــقــــانــــون، فـــــي حــن الميليشيات الإعلامية تراوغه. المؤسسة النظامية لا تستطيع أن تصف شخصا بأنه ينتمي إلـى «تنظيم» مـا لـم يقل هو ذلك، وإلا لاحقها بالقانون الفرنسي أو البريطاني وهو يعلم أن الحقيقة فـي صفها، لكن الـقـانـون فـي صفه. الميليشيات الإعـ مـيـة الـتـابـعـة للتنظيم نفسه تـزيـنـه وتجمله وتصفه بــــأوصــــاف مـــحـــايـــدة وســـمـــعـــة مــصــطــنــعــة جــــيــــدة، ثــــم تـنـقـل تصريحاته إلى أفرادها في مؤسسات كبرى. عملية «غسل إعلام» لا يجرمها القانون كما يجرم «غسل الأموال». نـاهـيـك بـالـحـسـاسـيـات الـسـيـاسـيـة، وهــــذا أصــعــب من الـــقـــانـــون. قـــلـــتَ، ونـــبـــرة كـــ مـــك تــنــقــل ابــتــســامــتــك، إن قـنـاة الضفيرة لن تهاجمك، التزاما بتعهد سياسي، لكنها تقطع لـــك مـــن طــــرف الــضــفــيــرة خــصــلــة. كـــل شــعــرة مـنـسـولـة منها ستلتف حــول عنقك، وتـدخـل فـي ثنايا الأخـبـار إلــى حلقك. فـي كلتا الحالتي ستقف بمؤسستك النظامية عــاجــزاً، لا تستطيع أن تفتح فمَك إلا مُتَأوّها. هنا قلتُ لك إنـك لم تُـرِد استشارتي إذن. أردتَ فقط شخصا تفضفض إليه بأفكارك. لقد أجبتَ يا صديقي عن سؤالك، وقررتَ قرارك. مشروعك الجديد وحـداتٌ إعلامية صغيرة، أقل تكلفة، وأكثر مرونة. تراوغ القانون مع مراوغيه، وتضرب النذل بما يوجعه ويبكيه. الإعلام المؤسسي مدفعية ثقيلة، وهذا جيد في نواحٍ. والإعلام الخفيف مُسَيّرات متنقلة، وهذا جيد في نواحٍ. الذكاءُ، كيف تسد بها الثغرات التي أدركتها وحددتها. المـديـر الفني الجيد يـقـرأ المــبــاراة على أرض الملعب، ويغير الـتـكـتـيـك بـمـا يــطــرأ. والمـــديـــر الـفـنـي المـــحـــدود يـعـبـد الخطط السابقة ويعجز عن تجديدها. نـــوفـــمـــبـــر (تــــشــــريــــن الـــثـــانـــي) 13 فـــــي (أسابيع قليلة بعد هجوم «حماس» 2023 عـلـى إســـرائـــيـــل) نـشـر أربـــعـــة مـفـكـريـن ألمـــان (مـــن ضمنهم الـفـيـلـسـوف المـشـهـور يـورغـن هـــــابـــــرمـــــاس)، عـــلـــى مـــنـــصـــة «نـــورمـــاتـــيـــف أورضــرز»، بيانا غريب الأطـوار يطرح أكثر مـن ســـؤال جـوهـري حــول تناقضات وأزمــة الفكر الأنواري الغربي. يــقــول بــيــان هــابــرمــاس ورفـــاقـــه إن ما سموه «فظائع (حماس) وردّ إسرائيل» أديا إلـــى ارتـــفـــاع الاحــتــجــاجــات وتــصــاعــد حـدة المــــواقــــف. وهـــــذا يــجــب ألا يـحـجـب ضــــرورة التضامن مع إسرائيل واليهود في ألمانيا، مضيفي أن ردّ إسـرائـيـل أمــر مــشــروع، مع أن هـــنـــاك مَــــن يـــجـــادل فـــي كـيـفـيـة تـدبـيـرهـا لهذا الرد، ولكن الأساس هو احترام مبادئ التناسب وحماية المدنيي من الأذى، ولكن الـــذهـــاب إلــــى حـــد اتـــهـــام إســـرائـــيـــل بـجـرائـم الإبــــادة أمـــر فـيـه كثير مــن المـــغـــالاة. غـيـر أن كل هذا لا يبرر، حسب هابرماس وزملائه، تصاعد الردود المعادية للسامية في ألمانيا. لـــذا عـلـى الــكــل احـــتـــرام خـصـوصـيـة حماية الـيـهـود مـن أي أذى فـي ألمـانـيـا تماشيا مع الـخـط الـسـيـاسـي والأخـــ قـــي المـعـتـمَـد لــردء أي شـيء يُـذكّـر باضطهادهم وإبادتهم في الفترة النازية. كانت هناك ردود عدة على هذا البيان، ولــكــن الــــرد الأكــثــر دلالــــة كـــان لآســـف بـيـات، أســتــاذ الـسـوسـيـولـوجـيـا بجامعة إلينوي بأوربانا شامباين. في رسالة موجهة إلى هـابـرمـاس، يقول بيات إن بيان هابرماس ورفــاقــه يشجع عـلـى خـنـق الـنـقـاش حينما تَعمّد الخلط بـن انتقاد سياسة إسرائيل ومعاداة السامية. وتساءل بيات: ماذا جرى لمفهوم هابرماس حول «المجال العام»، الذي يــقــول بـــــ«الــــتــــداول» و«الــــحــــوار الــعــقــ نــي»، في وقـت يتم فيه قمع النقاش حـول حقوق الفلسطينيي فـــي ألمــانــيــا، واضــطــهــاد مَـن تجرأ على الدعوة إلى وقف إطلاق النار أو انتقاد الاحـتـ ل الإسـرائـيـلـي والتقتيل في فلسطي. هـــذا فـــي وقـــت لا يـــجـــادل فـيـه منتقدو إسـرائـيـل ضـــرورة «حماية حـق اليهود في الحياة وحق إسرائيل في الوجود»، يضيف بـــيـــات، ولــكــنّــهــم يــنــتــقــدون إنـــكـــار «حــقــوق الفلسطينيي وحق فلسطي في الوجود». يتساءل بيات مخاطبا هابرماس: «لا أفهم هــــذه الــــبــــرودة الأخـــ قـــيـــة والــــ مــــبــــالاة من جـانـبـكـم فــي مــواجــهــة» الـتـقـتـيـل والـتـدمـيـر المـــمـــنـــهـــجـــن فـــــي حـــــق الـــفـــلـــســـطـــيـــنـــيـــن فــي غـــــزة. وكــــــأنّ هـــابـــرمـــاس يـخـشـى مـــن أن أي تـعـاطـف مـــع الفلسطينيي قـــد يـنـقـص من الـتـزامـه الأخـ قـي مـن أجــل حـق اليهود في الـــحـــيـــاة، يـضـيـف بـــيـــات. وهــــذه «الـبـوصـلـة الأخـــ قـــيـــة المـــلـــتـــويـــة» مــلــتــصــقــة الــتــصــاقــا وثـــيـــقــا بـــمـــا يــســمــيــه بـــيـــات «الــخــصــوصــيــة الألمـانـيـة» فيما يخص الـيـهـود وإسـرائـيـل، التي يتبناها هـابـرمـاس. يفكك بيات هذه النزعة الخصوصية على أنها تجعل حقوق الــبــعــض (الـــيـــهـــود وإســـرائـــيـــل) تـعـلـو على حقوق الآخرين، وهي بهذا تغلق الباب أمام الـحـوار العقلاني الــذي يقول بـه هابرماس في كتاباته. فــي الــخــتــام، يـنـاشـد بــيــات هـابـرمـاس أنــــــه فــــي زمــــــن الـــحـــيـــرة والـــقـــلـــق مــــا أحــــوج الإنـــســـانـــيـــة إلــــى مــفــاهــيــم هـــابـــرمـــاس حــول «التواصل، والكونية، والمواطنة المتساوية، والديمقراطية التداولية، وكرامة الإنسان». غـــيـــر أنّ الــــقــــول بـــالـــخـــصـــوصـــيـــة الألمـــانـــيـــة والتقوقع الأوروبــــي على الـــذات يُــفــرِغُ هذه المقولات من محتواها، يضيف بيات. غـــيـــر أنّ لــــي رأيـــــــا مـــخـــالـــفـــا لمــــا يــقــولــه آســـف بـــيـــات. أظـــن أنّ الـفـكـر الـهـابـرمـاسـي، ومــعــه الـفـلـسـفـة الأنــــواريــــة والــفــكــر الـغـربـي بشكل عـــام، لــم يـكـن يـومـا مــا غـيـر متقوقع عــــلــــى الــــــــــذات الأوروبــــــــيــــــــة وعــــلــــى الـــجـــنـــس الأبـــيـــض (انـــظـــر حـمـيـد ضــبــاشــي: «بـفـضـل غـــــزة تــــم فـــضـــح الــفــلــســفــة الأوروبــــــيــــــة عـلـى 18 ، أنّها أخلاقيا مفلسة»، ميدل إيست آي ، الـذي أتفق مع 2024 يناير/ كانون الثاني أطروحته، ولكنني لا أشاطره كيف شرحها وفـصّـلـهـا). مقولة هـابـرمـاس الــرائــدة حول «المــــجــــال الــــعــــام» مـلـتـصـقـة الـــتـــصـــاقـــا تــامــا بتاريخ تطور البورجوازية والديمقراطية الأوروبـــــيـــــة، وهـــــذا شـــــيءٌ طــبــيــعــي. مـــا هو غير طبيعي أن هابرماس لم يتكلم قط في كــتــابــاتــه حــــول كــيــف أن صــعــود الــرأســمــال والبورجوازية والمجال العام كفضاء لتداول الأفكار لم يكن ليكون لولا استغلال خيرات الـــدول غير الأوروبـــيـــة، ولـــولا وجـــود حركة «استكشافية»، أي استعمارية، استعبدت شـعـوب دول الـجـنـوب وسلبتها سيادتها ومواردها. لـــهـــذا فـــمـــن الـــصـــعـــب عـــلـــى هـــابـــرمـــاس الــــــذي يـــســـانـــد الــصــهــيــونــيــة، اعـــتـــبـــار هـــذه الأخـيـرة نوعا مـن الاستعمار الاستيطاني المبني على تهجير الـسـكـان الفلسطينيي الأصليي، لأن هــؤلاء مثلهم مثل الشعوب المـــســـتـــعـــمَـــرة لا دلالـــــــة لـــهـــم فــــي مـنــظــومـتــه المفاهيمية. فبينما يقوض الفلسطينيون الحكي المثالي المتمثل في أسطورة الرجوع والميعاد ووطـن يحمي اليهود من الإبــادة، فـــــإن الـــشـــعـــوب المـــســـتـــعـــمَـــرة تــفــكــك مـثـالـيـة «المجال العام» كفضاء للتداول الديمقراطي، لأنها تقاوم الاستغلال الذي هو أصل البنية المـــاديـــة الــتــي أسّـــسَـــتْ لمـجـتـمـعـات أوروبـــيـــة تتداول حول قضاياها بطريقة عقلانية. كما أن نـازيـة هيدغر لا يمكن فصلها عـــن فـلـسـفـتـه كــمــا يــفــعــل الــبــعــض (ومــنــهــم هــــابــــرمــــاس)، فـــــإن ســـكـــوت هـــابـــرمـــاس عـن الاســـتـــيـــطـــان والاحــــتــــ ل وخــلــطــه بـــن نقد إسرائيل ومعاداة السامية، لا يمكن فصله عن فلسفته المتقوقعة على الذات الأوروبية، وهي فلسفة لا تعير أدنى اهتمام للخلفية الاستعمارية والاستغلالية للثري الأوروبي الـــــــذي أوجـــــــد الـــــرأســـــمـــــال والــــبــــورجــــوازيــــة والديمقراطية، أي البنية التحتية لتطور «المجال العام». لحسن حداد سام منسى خالد البري

RkJQdWJsaXNoZXIy MTI5OTky