issue16700

الثقافة CULTURE 17 Issue 16700 - العدد Sunday - 2024/8/18 األحد الكاتب األميركي دانيال كالين يستعير أقوال ملهميه من الفالسفة «المعنى الحائر» في هوامش الفلسفة والحياة يستعير الكاتب األميركي دانيال كالين مـقـولـة الـفـيـلـسـوف رايـنـهـولـد نـيـبـور: «كلما وجدت معنى الحياة يغيّرونه» ليكون عنوان كـتـابـه الــــذي يـنـطـلـق فـيـه مـــن تـلـك «الــحــيــرة» التي تكتنزها عبارة نيبور، ويختبرها من خــــ ل «لــعــبــة مـــع األســئــلــة الـفـلـسـفـيـة»، على حـد تعبيره، التي خـاض تـأمـ ت طويلة في دروبها منذ شغلت الفلسفة حيزًا كبيرًا من تكوينه املعرفي والوجداني. صـدرت الترجمة العربية للكتاب أخيرًا عـــن دار «آفـــــــاق» لـلـنـشـر بـــالـــقـــاهـــرة بـتـوقـيـع املترجمة املـصـريـة الـدكـتـورة شـهـرت العالم، عـامـا) قارئه 85( وفيه يـشـارك دانـيـال كالين سـيـاق فـكـرة كتابه الـــذي يستعيد مـن خالله تـجـربـة تـدويـنـه املبكرة فـــي «دفــــتــــر» مـ حـظـات صـغـيـر كــــان يُــخـصـصـه لــــتــــســــجــــيــــل «األقــــــــــــــــوال املـــــــــأثـــــــــورة» لـــلـــفـــ ســـفـــة الــــــــــذيــــــــــن تــــــــأثــــــــر بـــــهـــــم، مـــصـــحـــوبـــة بـتـعـلـيـقـات وهـــوامـــش كـــان يُــدونـهـا تـــــحـــــت تـــــلـــــك األقــــــــــــــوال. وبـــــدأت رحــلــتــه مـــع هـذا الـــدفـــتـــر وهـــــو فــــي نـحـو الــــعــــشــــريــــن مـــــن عــــمــــره، قــــبــــل أن يـــتـــخـــذ قـــــــراره بالتخصص في دراسـة الـــفـــلـــســـفـــة فـــــي جـــامـــعـــة «هـــارفـــارد»، فيما يبدو أنه كان يبحث من خالل تلك األقـوال املأثورة عن «تــوجــيــه مـــن الـفـ سـفـة الـــعـــظـــمـــاء حـــــول أفــضــل السبل لعيش الحياة»، كما يروي في كتابه. بحثا عن المتعة اســــــتــــــمــــــر تــــــدويــــــن كـــــــــــــ يـــــــــــــن لـــــــــــــأقـــــــــــــوال الفلسفية املأثورة حتى مـنـتـصـف الــثــ ثــيــنــات. وكـــــــان آخــــــر تـــدويـــنـــاتـــه آنـــــــــــــذاك القـــــتـــــبـــــاس مـــن الفيلسوف والـ هـوتـي األمـــــيـــــركـــــي رايـــنـــهـــولـــد ) يقول فيه: «كلما وجدت 1971-1892( نيبور معنى الحياة يغيّرونه»، وهي العبارة التي سيختارها كـ يـن بـعـد نـحـو خمسني عاما عـنـوانـا لكتابه الـــذي قـــرر فـيـه تـأمـل املسافة بني ما يصفها «سذاجة» تلقيه واستسالمه األول ألقوال فالسفته امللهمني، وبني التراكم املعرفي الذي ساهم فيه اتفاقهم واختالفهم، وأحـــيـــانـــا تــنــاقــضــهــم، فــــي تـــوصـــيـــف مـعـنـى الحياة باعتباره السؤال والهاجس املركزي للفلسفة. يـسـتـهـل املـــؤلـــف كـــل فــصـل فـــي الـكـتـاب، صـــفـــحـــة، بـــأحـــد أقـــــوال 255 الــــــذي يـــقـــع فــــي ملهميه من الفالسفة، مصحوبا بتعليقاته املُبكرة «الشابة» عليه، و«املُسنة» التي تمثل أثر السنوات والخبرة في إعـادة النظر لتلك املقوالت وأصحابها. يــتــوقــف الـــكـــاتــب أوال عــنــد الـفـيـلـسـوف ق.م) الذي ارتكز 270-341( اليوناني إبيقور مــحــور فلسفته عـلـى االنــغــمــاس الـكـامـل في الـــحـــاضـــر: «ال تـفـسـد مـــا لـــديـــك بـرغـبـتـك في مــا لـيـس لــديــك». يـتـأمـل كـ يـن هـــذا املنطلق الفلسفي للحياة، ويقول إنه ينسجم بشكل كـبـيـر مـــع شـكـل الــحــيــاة الــتــي اخــتــارهــا هـذا «الفيلسوف النادر الـذي تتطابق أفعاله مع أقـــوالـــه»، ولـكـن مسألة تجنب التفكير فيما هو أبعد من اللحظة اآلنية، املتأثرة بفلسفة «الـــــــــزن»، تــفــتــح نـــقـــاشـــا حـــــول طــبــيــعــة أكــثــر األسئلة البشرية إلحاحا، وهو سؤال: «وماذا بعد؟»، وتفتح كذلك أطيافا مختلفة للتفكير في أطروحات مذهب املتعة وفالسفته. فإذا كـان إبيقور متطرفا في مذهبه ومـن أنصار املتعة الحريصة، فإن اليوناني أريستيوبس ق.م) كـــان جـامـحـا، وهـــو صاحب 356-435( مــقــولــة: «يــكــمــن فـــن الــحــيــاة فـــي االسـتـمـتـاع باملُتع في أثناء مرورها، وأفضل املتع ليست فكرية، وال هي أخالقية دائما». األلم والملل هـل تكمن الـسـعـادة إذًا فـي غياب امللل؟ يــتــســلــل هـــــذا الـــــســـــؤال بــــ فـــصـــول الــكــتــاب الــتــي تــتــقــدم فـــي الــفــضــاء الــزمــنــي للفلسفة أفـــقـــيـــا، مـــن األقــــــدم إلــــى األحـــــــدث، فـــي سعي لرصد تقاطعاتها. فعلى سبيل املـثـال، فإن )1860-1788( الفيلسوف األملاني شوبنهاور صاحب مقولة: «تتأرجح الحياة كالبندول، جـــيـــئـــة وذهــــابــــا بــــ األلــــــم واملـــــلـــــل»، هــــو فـي الـحـقـيـقـة مـــن أنـــصـــار مــذهــب «املـــتـــعـــة»؛ ألنـه يقر بالسعادة كهدف نهائي للحياة. ومثل إبــيــقــور قــــدم شــوبــنــهــاور تـعـريـفـا لـلـسـعـادة واملتعة بأنهما «غياب للخوف واأللــم»، كما اتــــفــــق مـــــع الـــفـــيـــلـــســـوف الــــــيــــــونــــــانــــــي عــــــلــــــى أن تقليص تـوقـعـاتـنـا هو الــــوســــيــــلــــة األســــاســــيــــة لــلــتــغــلــب عـــلـــى الـــحـــزن، حـــتـــى إنــــــه قـــــــال: «أكـــثـــر الــــطــــرق أمــــانــــا لـتـجـنـب الــــتــــعــــاســــة الـــــشـــــديـــــدة، هـو أال تتوقع أن تكون ســـعـــيـــدًا جـــــــــدًا». يُــعــلــق هنا مؤلف الكتاب على إغـــــراق شــوبــنــهــاور في الــــتــــشــــاؤم، مــســتــشــهــدًا بـــذلـــك عــلــى اسـتـخـدامـه تـــــعـــــبـــــيـــــر «الــــــتــــــعــــــاســــــة الــــــشــــــديــــــدة»، فــــــي حــ اكـتـفـى إبـيـقـور بتعبير «غير سعيد». فـــــي هــــــذا الـــســـيـــاق يـــتـــأمـــل كــــ يــــن املـــذهـــب «االنعزالي» الذي ساهم فــــــــي تــــــكــــــويــــــن فـــلـــســـفـــة شوبنهاور. ويروي أنه صادف أقدم الترجمات لــكــتــاب «أوبـــانـــيـــشـــاد»، وهـــــــو نـــــص هـــنـــدوســـي مستوحى من البوذية، يقول: «وجد شوبنهاور فــــــــي هــــــــــذه الـــــكـــــتـــــابـــــات الصوفية امليتافيزيقية صـدى عميقا لفلسفته، عــــــلــــــى الــــــــرغــــــــم مــــــــن أن الفلسفة الشرقية تحمل في النهاية نظرة أكثر إيجابية، ويطرح كتاب األوبانيشاد كيف أن الشخص قد يتمكن من خالل االنفصال واالعتزال من تجربة القبول السلمي للحياة، وهو موقف بدأ شوبنهاور في تبنيه في نهاية حياته»، حتى إنـه كتب فــي هـــذه الـفـتـرة األخـــيـــرة أن تـلـك النصوص البوذية «كانت سلواي في حياتي وستكون سلواي في موتي». ويــتــوقــف كــذلــك عــنــد فـلـسـفـة الـفـرنـسـي ) الوجودية، ويتأمل 1960-1913( ألبير كامو مــقــولــتــه: «ال تــوجــد ســــوى مـشـكـلـة فلسفية واحــدة جديّة حقا، وهـي االنـتـحـار». ويربط كـ يـن بــ خـيـوط مـتـعـددة لـسـجـاالت كامو الوجودية، ومنها طرحه في روايته الشهيرة «الغريب» التي يقول فيها: «لـن تعيش أبدًا إذا كنت تبحث عن معنى للحياة»، فالحياة ليست شيئا نبحث عنه بـقـدر مـا هـي شيء نخلقه. وحـسـب كـامـو، فـإنـه حتى مـن خالل التفكير في االنتحار، فإننا نكون حاضرين تـــمـــامـــا. ويـــكـــشـــف املــــؤلــــف عــــن مـــــدى تـــأثـــره بشعبية فلسفات ستينات وسبعينات القرن العشرين، وكيف أنه تقبل بشكل غير نقدي العدمية االجتماعية والتمركز حــول الــذات لدى ألـدوس هكسلي، وتيموثي ليري، «إلى جــانــب مــلــل وكـــآبـــة ألــبــيــر كــامــو وجــــان بــول سارتر»، كما يقول عن نفسه: «كنت حينذاك منغمسا بال شك في عقلية القطيع، ومع ذلك ساعدني هؤالء املفكرون على رؤية الفلسفة كوسيلة لتنوير حياتي». وكـان قد صدر لدانيال كالين عدة كتب بحثية فـي مـجـال الفلسفة الـتـي يتخصص بــهــا، أشـهـرهـا كــتــاب «رحــــ ت مــع إبـيـقـور»، و«أفـ طـون وحيوان خُلد البحر»، وكالهما حــاز على اهتمام نـقـدي، كما وصــ لقائمة األفضل مبيعا لصحيفة «نيويورك تايمز». القاهرة: منى أبو النصر دانيال كالين مئوية الفيلسوف الفرنسي وثالثة عقود على رحيله دولوز... انحاز إلى المقهورين ووقف مع الشعب الفلسطيني لــــم يــكــن جـــيــل دولــــــــوز، الــفــيــلــســوف الــفــرنــســي )، مـمـن يــرجــون فــائــدة من 1995 – 1925( الـشـهـيـر الكتابة عن حياة املؤلفني الشخصيّة، إذ كان يعتقد بأهمية أن تستحوذ على اهتمامنا أفكارُهم حصرًا، ومـــا يـمـكـن أن يـنـشـأ عــن تـلـك األفـــكـــار حــ نشتبك معها. دولـــــــوز فــــي ذلـــــك ربـــمـــا كـــــان يــســيــر عـــلـــى نـهـج فـــ ســـفـــة الــــقــــارة األوروبـــــــيّـــــــة، مــــن األملــــانــــي مـــارتـــن هايدغر -الذي لخّص يوما لتالمذته سيرة أرسطو، فيلسوف اليونان العظيم، بقوله: «لقد ولد، وأَعمل فكره، ثم مات»- إلى روالن بارت صاحب فكرة موت املـــؤلـــف، مــــــرورًا بــمــوقــف صــديــقــه ومـــعـــاصـــره جــاك دريـــدا الــذي رأى أن «حـيـاة املـؤلـف مـا هـي إال تراكم سلسلة من التجارب - الحوادث»، على أن مَن يدرس نهجه الفلسفي سرعان ما يرى أن موقفه ذاك نتاج نظرة كليّة للحياة والعالم ومـوقـع اإلنـسـان فيها، مما يجعل سرد سيرة شخصية ما نوعا من إيداع لتلك الحياة في سجن قالب محدود، يفرض عليها شكال نهائيا غير قابل للتغيير، مما يحرمنا من فرصة إعادة التفاوض مع تلك الشخصية وتجديد قراءتها في ظل التحوالت املستمرة للفكر. هذا، إلى جانب تصوره الذي رافق مساره املهني كفيلسوف، وهـــو ال مــحــدوديــة اإلنـــســـان، واسـتـحـالـة انفصاله بوصفه هـويـة فـريـدة عـن محيطه الكلي فـي نقطة تقاطع الزمان واملكان (أو التاريخ - الجغرافيا)، إذ يظل دائـمـا مـجـرد جــزء مـن كــل تـكـون الـعـ قـات في إطاره سائلة، ودائمة التحرك، ومتغيّرة، وفي طور التكوّن. ومــــع ذلــــك، ويــتــفــق كــثــيــرون مــعــي، إن ثــمّــة ما يغري دائما باستعادة محطات أساسيّة في حياة قـــــادة الــفــكــر –والـــفـــ ســـفـــة تـــحـــديـــدًا– واسـتـنـطـاقـهـا تـوازيـا مـع اإلبـحـار فـي املنتج الفكري الـــذي أنجزه أولـــئـــك الــــقــــادة، إذ قـــد يـسـعـفـنـا الــحــظ ونــعــثــر على مفاتيح هنا قد تعني على فك مستغلقات هناك، أو مواقف هناك تفسّر خيارات هنا، وبالعكس، فكأننا نفكك الجدليّة التي هي مجمل الحياة، ونعيدها إلى مكوناتها األساسيّة. فـــي حــالــة دولــــــوز، هــنــاك مـــا يــلــح عــلــى الـجـيـل املــعــاصــر الــــذي لـــم يـلـحـق بـــه، أن يُـــقْـــدم عـلـى قـــراءة جديدة للفيلسوف سيرة وفكرًا. إذ إننا على وَشَك أن نشهد مئوية والدته وأيضا مرور ثالثة عقود على غيابه، وتلك مناسبات صــارت تجد صـدى واسعا ربما بفضل وسـائـل التواصل االجتماعي، ناهيك بسعي الحكومات والـــدول إلـى تكريم الشخصيات الـفـكـريـة الـــبـــارزة فـــي تـاريـخـهـا بــوصــف ذلـــك نـوعـا مـن تدعيم مـصـادر قوتها الناعمة فـي عالم ديدنه تنافس الــبــرجــوازيــات. لكن األهـــم، أن إعـــادة قــراءة دولوز لعصرنا، واالشتباك مع نصوصه، وتجديد تأويلها هو أعلى أشكال الوفاء للرجل الذي قال عنه ميشيل فوكو: «ذات يوم، ربما، سيُعرَف هذا القرن بالدولوزيّ». كــــان الــعــهــد بـــدولـــوز دائـــمـــا صـــرفـــه الــنــظــر عن طــفــولــتــه بــوصــفــهــا غـــيـــر ذات قـــيـــمـــة. لــكــنــنــا نـعـثـر فـي حياته قبل تفلسفه على نـقـاط ارتــكــاز تساعد القارئ على رسم مخطط يستند إليه في عبور فكر الفيلسوف. أوالها، أنّه وُلد في باريس، وعاش فيها معظم أيّـــام حياته باستثناء فـتـرات قصيرة خالل شـبـابـه، واخــتــار أيـضـا أن تـكـون مـكـان مـوتـه، فكان مخلوقا باريسيا بامتياز -إن جــاز التعبير- بكل ما يعنيه ذلك من تأثيرات دامغة ال يمكن تجاهلها فـــي الـــتـــاريـــخ، واملـــجـــال الـــحـــضـــري، ونــظــم الـعـيـش، والــتــقــلــبــات الـــحـــادة فـــي املـــنـــاخ الــثــقــافــي والــفــكــري والسياسي االستثنائي الـــذي حفلت بـه العاصمة الفرنسية في مــوازاة عمر دولــوز. أما ثانيتها فإنه وُلـــد ألســـرة مـحـافـظـة، بــرجــوازيــة األهـــــواء، يمينية التوجهات السياسيّة، األمر الذي ترك بصمات على طريقته فـي الـتـحـدث والـسـلـوك واخـتـيـار الكلمات، لكن لعله كان محفزًا مستفزًا قاد إلى انحياز فلسفته وأدائه كمفكر إلى املقهورين ضد كل أشكال السلطة. وثالثتها أن الحرب العاملية الثانية أنهت طفولته ونقلته إلـــى مـرحـلـة جــديــدة بـعـيـدًا عــن أهـلـه الـذيـن ، أن يبقى 1940 فــضّــلــوا، بـعـد سـقـوط بــاريــس عـــام وشقيقه جـــورج فـي الـنـورمـانـدي ويــرتــادا املـدرسـة هناك، ومـن ثم التحاق جـورج باملقاومة الفرنسيّة قبل وقوعه في األسر، ومن ثم مقتله على يد آسريه الـنـازيـ . لقد كـانـت تلك تجربة قاسية دون شك، وتركت، سوى جروح الفقدان، نوعا من ثقل العيش الدائم في ظل األخ البطل الغائب -الذي ال يمكن للخ الـبـاقـي أن يــبــزّه فــي القيمة عـنـد األبــويـــن. كـل ذلــك، كان خلفيّة لبُعد دائـم في فلسفته، حيث تفتقر كل األشـــيـــاء، واألشـــخـــاص، واملـجـتـمـعـات إلـــى الـثـبـات، وتستمر أبدًا في االنتقال، والتحوّل، والتكوّن. جـــاء دولــــوز إلـــى الفلسفة مــن بــوابــة األدب، إذ سحرته قدرة الروائيني على خلق العوالم وتصوّر الـــحـــيـــوات املــمــكــنــة، وســــرعــــان مـــا وجــــد فـــي تــاريــخ الفلسفة وأعمال أسالفه املفكرين فضاء شحذ همته للمعرفة، وفتح له مسارات لتوظيف دهشته الدائمة وبراءته الصافية في مساءلة القائم من التركيبات والنظم واألفـكـار، في وقت كان الناس قد انصرفوا عـــن ذلــــك الـــتـــاريـــخ، وطـــفـــقـــوا يـــأتـــون إلــــى الـفـلـسـفـة مـن بــوابــات أخـــرى: الهيغلية وهـايـدغـر، أو هسرل والفينومولوجيا (الظاهراتية)، أو مادية ماركس التاريخيّة، أو املناهج اللغوية والتفكيكيّة. يمكن قطعا التعامل مع تاريخ انخراط دولوز مـع الفلسفة عبر مـراحـل ثــ ث متباينة: بـدايـة في قــــــراءة تــفــاعــلــيّــة مـشـتـبـكـة مـــع كـــتـــابـــات الــســابــقــ : سبينوزا، وكـانـط ونيتشه وبـرغـسـون، وتـالـيـا في شـــراكـــات فـكـريـة وكـتـابـيّــة وأكــاديــمــيّــة مــع عـــدد من الفالسفة واملفكرين والفنانني والـطـ ب مجايليه: فيليكس غـــوتـــاري، وميشيل فــوكــو، وجـــاك دريـــدا، وكـــلـــيـــر بــــارنــــيــــت، وآالن بــــاديــــو، وغـــيـــرهـــم –وهــــي شراكات أخذت أشكاال متنوعة تراوحت بني الحوار املــكــثــف والــكــتــابــة املــشــتــركــة، وبــــ الــنــقــد املــتــبــادل لـلـنـصـوص واملـــــراســـــ ت، وبــــ الــعــمــل األكــاديــمــي والنشاط السياسي، وأيضا بني الصداقات العميقة والــــجــــدل الـــعـــدائـــي. وأخــــيــــرًا، كـفـيـلـسـوف مـــمـــارس: يختبر مفاهيمه الفلسفية والعالم عبر التَّماس مع الـفّــنـون –الــرســم، والـعـمـارة والسينما– وأيـضـا مع األلم، واملرض، وخيبات األمل. لـــقـــد كـــانـــت بـــحـــق حـــيـــاة ثـــريـــة تــلــيــق بـفـلـسـفـة عـمـيـقـة، والـــتـــي مـــع أهـمـيـتـهـا لـــم تـنــل مـــا تستحقه مـقـارنـة بـمـا انـتـهـت إلـيـه أعــمــال مفكرين أقـــل شأنا منه. جــزء مـن ذلــك يعود إلــى أن الثقافة األميركيّة مالت إلى الهيغليني والهايدغرية، ودولوز كان على مستوى ما نقيضا فلسفيا لهما، فتجاهله العالم األنـغـلـوسـاكـسـونـي طـــويـــ ً، كـمـا أنّــــه شـــن هجوما ال يرحم على من سمَّاهم تيار «الفالسفة الجدد»، تلك املجموعة من الراديكاليني املرتدين بعد ثورة ممن انقلبوا على املاركسيّة وقيم 1968 الطالب في نــصــرة املـضـطـهـديـن، لـيـنـتـهـوا إلـــى ثـلـة مــن أنـبـيـاء كَــذَبَــة، تدعو إلـى الليبرالية، والصهيونية، وثقافة السوق. وكان أن تولى هؤالء تحديدًا قيادة اإلنتاج الـثـقـافـي عـبـر املــؤســســات الـثـقـافـيـة، واألكــاديــمــيــة، والــــصــــحــــف، واملـــــجـــــ ت الـــثـــقـــافـــيـــة، ودور الــنــشــر واستوديوهات التلفزيون. وفوق ذلك كله، فإن هذا الفيلسوف املـتـرفـع عـن الـثـرثـرة، ذي العقل املـبـدع، والــنــزاهــة الـفـكـريـة اتـخـذ مــواقــف سـيـاسـيـة خالفت الـتـيـار الـسـائـد وأفــقــدتــه صـــداقـــات كـثـيـرة ال سيما مـع رفيقه املــقــرّب فـوكـو: ضـد الـحـرب على فيتنام، ومــع الشعب الفلسطيني. لقد آملــه احـتـ ل أراضــي الفلسطينيني واملعاملة التي تلقوها على يد املحتل الــصــهــيــونــي، وأصـــابـــتـــه مــذبــحــة صـــبـــرا وشــاتــيــ ) بالصدمة واالكتئاب، فكتب لشريكه الفكري، 1982( غوتاري، شاكيا: «لقد عم الظالم العالمَ. ال يمكنني احتمال هذا الذي يجري (للفلسطينيني) في لبنان»، كما نشر في غير مناسبة نصوصا ومقابالت نظّر فيها للمقاومة الفلسطينية، مؤكدًا دائما أن أساس املـسـألـة الفلسطينية يكمن فـي تجاهل مـن أقـامـوا دولـــة عبرية واقـــع وجـــود شعب فلسطيني يعيش بالفعل على أرض تلك الدّولة امللفقة. الـــتـــركـــة الــــدولــــوزيــــة ظــلــت مـــوضـــع خــــ ف بني النقاد واملفكرين. باديو مثال رأى أنّها ليست ذات فــائــدة للمنخرطني فــي الـعـمـل الـسـيـاسـي، واتهمه ســـــ فـــــوج جـــيـــجـــيـــك بــــأنــــه «صـــــانـــــع آيـــديـــولـــوجـــيـــا الـرأسـمـالـيّــة املـتـأخـرة»، فيما رآه أنطونيو نيغري ومايكل هــاردت مصدرًا إللهامها في وضـع ثالثية «اإلمـــبـــراطـــوريـــة» -مساهمتهما الـفـكـريـة املشتركة األهـــم فـي البحث عـن عـالـم بـديـل- ووصـفـه البعض برائد للبيبوليتيك (السياسة الحيوية)، وفيلسوف للراديكالية. ومهما مـال الـــرأي، فإنه ال أحـد يجرؤ على نفي وعود دولوز لإلنسانية: البراءة واإلصرار على حتمية املمكنات في مواجهة فالسفة االنغالق ومشعوذي نهاية التاريخ. ندى حطيط دولوز ال أحد يجرؤ على نفي وعود دولوز لإلنسانية: البراءة واإلصرار على حتمية الممكنات في مواجهة فالسفة االنغالق ومشعوذي نهاية التاريخ مختارات شعريّة لحسين درويش بالكردية صدر حديثا عن «منشورات رامينا» بلندن ديوان Toza Rojên« شــعــري بـالـلـغـة الــكــرديــة يـحـمـل عــنــوان » لـلـشـاعـر الــــســــوري حــســ درويــــــش، وهــــو من Berê ترجمة الشاعر واملترجم ياسني حسني. وجـــــاء فـــي كــلــمــة الـــنـــاشـــر: «يـــمـــثّـــل هــــذا الـــديـــوان الـــــذي هـــو عـــبـــارة عـــن مـــخـــتـــارات مـــن قــصــائــد الـشـاعـر مـن مجموعة مـن دواويــنــه الــصــادرة باللغة العربية، ويحمل عنوان (غبار األيــام الـراحـلـة)، إضافة جديدة ومــمــيـزة إلـــى األدب الـــكـــرديّ، حـيـث يـجـسّــد مــن خـ ل قصائده مجموعة متنوّعة من األحاسيس واملشاهد الــتــي تـعـكـس الــحــيــاة واإلنــــســــان واملــجــتــمــع املــشــرقــي عموما. يتضمّن الــديــوان قصائد تعبّر عـن موضوعات متعددة تشمل الحبّ، الفراق، الطبيعة، والحنني إلى املـاضـي، وهـي مرتبة بشكل يعكس تسلسال منطقيا وجماليا يسهم فـي تعزيز التجربة القرائية. تتنوع الصور الشعرية في الديوان لتشمل مشاهد طبيعية وصـفـا لتفاصيل الـحـيـاة الـيـومـيـة، مـمّــا يعكس عمق التجربة اإلنسانية التي يسعى الشاعر إلى نقلها. تـــمـــازجـــا بـــ الـشـعـر Toza Rojên Berê يــشــكّــل والـصـورة، وبني املاضي والحاضر، ليقدّم رؤيـة فنية ثـاقـبـة تـمـس الــقــارئ فــي أعــمــاق روحــــه، وتـفـتـح أمـامـه نوافذ جديدة لالرتحال في عوالم إبداعية». صفحات، وكانت لوحة 108 جاءت املختارات في الغالف للفنان الكردي شيروان يوسف. وكانت قـد صـدرت للشاعر عـدة دواويـــن شعرية بالعربية منها: «قبل الحرب... بعد الحرب»، الذي فاز بـجـائـزة يـوسـف الــخــال الـشـعـريـة التي 1992 فــي عـــام كانت تمنحها مجلة «الناقد» األدبية، و«خزانة األهل.. سيرة الجدران»، و«حديقة الغرباء»، و«شامة ليل». لندن: «الشرق األوسط»

RkJQdWJsaXNoZXIy MjA1OTI0OQ==