قـبـيـل اخــتــتــام أوملـــبـــيـــاد بـــاريـــس، وبــالــتــحــديــد في أغـــســـطـــس (آب) الــــحــــالــــي، نـــشـــرت مــجــلــة «املــصــلــحــة 9 الـــوطـــنـــيـــة» األمـــيـــركـــيـــة مــقــالــة بـــعـــنـــوان «الـــصـــن مـقـابـل أمـيـركـا... األوملـبـيـاد الجيوسياسية»، بقلم البروفسور غـــراهـــام ألــيــســون، الــكــاتــب الـسـيـاسـي املــشــهــور صـاحـب نظرية «فخ ثوسيديديس». قال فيها، يوم أصبح رصيد ذهبية ألميركا: «إن 30 ميدالية ذهبية، مقابل 32 الصي صعود الصي من العدم، لكي تصبح املنافس الرئيسي للواليات املتحدة في األلعاب األوملبية، يعكس صعودها فـــي كـــل املـــجـــاالت األخـــــرى تـقـريـبـا لـكـي تـصـبـح املـنـافـس الجيوسياسي الحاسم في القرن الحادي والعشرين». وذكــر أيضا أنَّــه كـان يـتـرأس فريقا مـن الخبراء من جامعة هــارفــارد، إلعـــداد تقرير حــول الـوضـع الحقيقي للتنافس األميركي الصيني قبيل االنتخابات الرئاسية . وفي النهاية، خلص التقرير الذي 2020 األميركية عام مــجــاالت أسـاسـيـة، 5 تــنــاول املـنـافـسـة بــن الـدولـتـن فــي هـــــي االقــــتــــصــــاد والـــتـــكـــنـــولـــوجـــيـــا والـــــقـــــوة الــعــســكــريــة والدبلوماسية واآليديولوجيا، إلـى أن النتيجة في كل من املجاالت الخمسة متطابقة، «فالصي التي لم يكن من املمكن رؤيتها في بداية القرن في مرآة الرؤية الخلفية، أصبحت اآلن تسير إلـى جانبنا، أو في بعض الحاالت تتقدم علينا». لـم تُــحـدث هـذه املقالة أصـــداء واسـعـة فـي األوســاط الثقافية الصينية، ألنَّها لم تـأت بأشياء جديدة كثيرة، إنـمـا جـــاءت لتأكيد حقيقة مـعـروفـة سابقا لــدى معظم املحللي داخـل الصي وخارجها، وإن رأى البعض أنَّها مبالغة في تقدير القوة الصينية. وربما للسبب نفسه، لـم يثر خبر تـعـادل الصي وأمـيـركـا فـي عــدد امليداليات ذهبية لكلتيهما)، ضجّة 40( الذهبية كالنتيجة النهائية إعـامـيـة أو نـشـوة شعبية كـبـيـرة فــي الــصــن، ألن الـهـم األســاسـي للمواطن الـعــادي هنا هـو املستوى املعيشي الذي ما زال متأثرًا سلبا بتداعيات زمن ما بعد الوباء. شـخـصـيـا، وبـصـفـتـي واحـــــدًا مـــن عــشــاق الـريـاضـة املخضرمي، وشـاهـدًا لــوالدة معظم امليداليات الذهبية التي حصدتها الصي في «األوملبياد» الصيفية، والتي ميداليات ذهبية مع انتهاء الدورة الحالية، لم 303 بلغت أعد أهتم كثيرًا بعدد امليداليات أو لونها، بقدر اهتمامي بــــأشــــيــــاء أخــــــرى خــــــارج مـــضـــمـــار الــــســــبــــاق. وســــأحــــاول تلخيصها بمشاهد تالية... في املشهد األول، خسرت امللكمة الصينية يانغ ليو في املباراة النهائية مع اللعبة الجزائرية إيمان خليف، ولـكـنَّــهـا هــنَّــأت خصمَها مبتسمة فـــور انـتـهـاء املــبــاراة، وصرّحت أمام الصحافيي الحقا بأن خليف التي كانت متفوقة في أدائها تستحق هذا النصر، وأن لديها بعض املهارات والقدرات الجيدة، والجديرة بالتعلم منها، دون أن تـحـاول تبرير خسارتها بالشكوك التي أثيرت حول الـهـويـة الجنسية لخليف، األمـــر الـــذي أكسبها إعجابا ومحبة من قبل كثير من الجمهور، وخاصة في مواقع التواصل االجتماعي العربي، والجزائري بشكل أخصّ. وفــي املشهد الـثـانـي، تُظهر العـبـة كــرة الـريـش خه بينغ جياو شارة العَلم اإلسباني، وهي تقف على منصة التتويج لتسلّم ميداليتها الفضية، تـقـديـرًا واحـتـرامـا للعبة اإلسـبـانـيـة كـارولـيـنـا مــاريــن، الـتـي اضـطـرت إلى االنسحاب من مباراة نصف النهائي ضد خه، إثر إصابة خـطـيـرة فــي الـركـبـة أثــنــاء املـــبـــاراة، مــا أدَّى إلـــى صعود خــه تـلـقـائـيـا إلـــى املـــبـــاراة الـنـهـائـيـة. ونــالــت هـــذه اللفتة الطيبة ثناء اللجنة األوملبية الدولية واللجنة األوملبية اإلسبانية، باإلضافة إلى شكر اللعبة كارولينا مارين نفسها. وفـي املشهد الثالث، اجتمع اللعبون في منتخب العـبـن والعــبــات، 6 رفـــع األثــقــال الـصـيـنـي، املـتـكـون مــن وعلَّقوا امليداليات الذهبية الخمس التي فــازوا بها في بــاريــس عـلـى عـنـق أخـيـهـم األكــبــر، الـخـاسـر الـوحـيـد في املنتخب الصيني، الذي لم يحصد ميدالية، للتعبير عن تشجيعهم له والتضامن معه. وفي املشهد الرابع، كانت السبّاحة الصينية تشانغ يـــو فـــي تـــــرد عــلــى الـــتـــســـاؤالت املـــتـــكـــررة مـــن قــبــل بعض الصحافيي الغربيي حول مزاعم تعاطي املنشطات من قبل السباحي الصينيي، مستدلة باألرقام والحقائق، مبدية منطقا سليما وحججا مقنعة، ومن دون تذلل أو تكبر. أقتبس مما قالته مـا يلي: «نحن أبـريـاء فـي هذه القضية، وقــد أثـبـت بـراءتَــنَــا االتــحــاد الـعـاملـي للسباحة والوكالة العاملية ملكافحة املنشطات (وادا)... كنَّا نتلقَّى فحوصات أكثر من اللعبي في بلدانكم، أحيانا يكون الفحص فـي الـسـاعـة الخامسة فـجـرًا، ولكنَّنا لـم نتذمر كثيرًا، ألن قبول هذه الفحوصات واجب كل العب... أظن أن هذه املنظمات الدولية تلتزم العدالةَ، ولن تسمح ألي دولـة بأن تكون فوق النظام والقواعد، ولن تتستر على مـخـالـفـة أي العــــب. وإذا أصــــر بعضكم عـلـى عـــدم الثقة بها، فهذا شأنهم... ملاذا ينبغي أن يتعرض السباحون الصينيون للشكوك عندما يسبحون بسرعة ويفوزون بـاملـيـدالـيـات؟ وملـــاذا ال تـجـرؤون على إبـــداء الشكوك في ميداليات 8 مايكل فيلبس، السباح األميركي الذي فاز بـ ذهبية أوملبية؟». املشاهد الشبيهة بما ذُكر أعله كثيرة وال تتَّسع لها مساحة هذه املقالة. أهتم بها ألنَّها تذكرني بــــدفء الــريــاضــة وجــمــال اإلنــســانــيــة، والـــقـــوة األخـاقـيـة والعقلية الـتـي يتحلَّى بها الـاعـبـون أيـضـا، بـل أرى أن هذه املشاهد هي خير دليل على قوة الصي الناعمة. وعند ذكر القوة الناعمة، يتبادر إلى ذهني مقطع ممَّا كتبه املفكر اللبناني الشهير شكيب أرســان تحت عــنــوان «مستقبل الـــصـــن»، نـشـر فــي مـجـلـة «املـقـتـطـف» ، في وقت كانت الصي فيه غارقة في 1900 القاهرية عام مستنقع التخلف والفقر والهوان: «عُيّب الصينيون في ضعف نفوسهم وفقد اإلقدام الـشـخـصـي مــن بينهم، فـفـاقَــهـم األوروبـــيـــون فــي الـجـرأة والـعـزم، كما فـاقـوا األوروبــيــن فـي الثبات والصبر، وال ينكر أنَّــهــم مــن أهـــل الــكــد والـسـعـي فــي كـسـب معاشهم، لكن اعتمادَهم في السعي على الثبات أكثر ممَّا هو على اإلقدام. وتقل عند الصينيي املطامح السياسية، ويندر عـنـدهـم هـــذا الـــولـــوع بـالـرئـاسـة والــتــطــاول إلـــى الـسـيـادة والغلب كما هـو عند كثير مـن األمـــم. وفـي غرائزهم من حب السَّلم والركون إلى الدعة ما ال يوجد عند أمة على وجـــه األرض. وال أظـــن أنـــه تـوجـد أمـــة تـقـل فيها أشـعـار الحماسة وأهازيج الفتوّة قلّتها عند الصينيي...». وإن دل هذا املقطع، وما وراءه من درس محزن على شيء، فإنما يدل على أن القوة الناعمة وحدها ال تكفي، بــل إن نـعـومـة الـنـفـس لــن تشكل مـصـدر قـــوة إن لــم تكن مـدعـومـة بـالـقـوة الصلبة، وأن االحــتــرام ليس عطية بل اكتساب. واملشهد التالي في أوملبياد باريس كان بمثابة برهان حي على هذه الحقيقة. فـــي مـــراســـم تـــوزيـــع املــيــدالــيــات بـعـد فـــوز املنتخب متر (متنوع 100×4 الصيني في سباق سباحة التتابع - فئة الـــرجـــال)، متقدما على املنتخب األمـيـركـي الفائز بالفضية، والفرنسي الفائز بالبرونزية، وجد اللعبون منتخبات، أن 3 العبا من 12 الفائزون، وإجمالي عددهم منصة التتويج أقـصـر مـن أن تتسع لـلـوقـوف جميعهم عليها. فـبـادر املنتخب الصيني، وبالتواضع الصيني املعهود، للجلوس على املنصة، لكن العبا من املنتخب األمـــيــركــي يــصــر عــلــى أن يــقــف املـنـتـخـب الـصـيـنـي على املنصة، ليجلس تحتهم أصحاب الفضية والبرونزية. وكأنَّه يقول: هذا مكانكم، ألنَّكم أبطال اليوم. علما بأن بـعـض الـاعـبـن األمــيــركــان كــانــوا يـتـجـنَّــبـون مصافحة نظرائهم الصينيي، ال لشيء إال للستخفاف بهم. هكذا، وبالقوة، اكتسب العبو الصي احترام نظيرهم األميركي! قبل قرني من الزمن، قال نابليون مقولته الشهيرة: «الـــصـــن أســــد نـــائـــم، فـدعــهــا تــنــم، ألنَّـــهـــا إذا استيقظت فسوف تهز أركان العالم». لقد استيقظ ذلك «األسد» الذي اسمه الصي، لكنه «أسد» ودود ومحبوب. Issue 16700 - العدد Sunday - 2024/8/18 األحد طور آخر دخلته مؤخرًا الحرب بي روسيا وأوكرانيا، بـــقـــرار حــكــومــة كـيـيـف فــتــح جـبـهـة جــــديــــدة، واجـتـيـاحـهـا األراضي الروسية. نقلة تكتيكية مفاجئة، أربكت حسابات الكرملي. آخر األخبار تقول، إن القوات الروسية ما زالت تـتـقـدم داخــــل منطقة دونـيـتـسـك األوكـــرانـــيـــة ولـــم تـتـراجـع بعد. وإن القوات األوكرانية تتقدم في األراضــي الروسية في منطقة كورسك، على الحدود الشمالية الشرقية. قوات البلدين، اسـتـنـادًا إلــى تـقـاريـر إعـامـيـة، تتقدم فـي خطي متعاكسي، وهو أمر غريب، يكاد يكون غير مسبوق. األوكـــرانـــيـــون بمحاولتهم األخـــيـــرة نـقـل املـعـركـة إلـى روسيا يسعون إلى تخفيف الضغط على قواتهم املدافعة فــي منطقة دونـيـتـسـك بــدفــع الــــروس إلـــى سـحـب قـواتـهـم. آالف جندي أوكـرانـي دخلوا 10 األخبار تؤكد أن أكثر من األراضـــــــــي الــــروســــيــــة ويــــواصــــلــــون الـــــزحـــــف. والـــاجـــئـــون والـــنـــازحـــون واملـــــشـــــردون، مـــن الــجــانــبــن، يـــــــزدادون عـــددًا ومعاناة. وترتفع أعداد القتلى والجرحى على الجانبي كل يوم، وكذلك الخسائر في املعدات واملمتلكات. واألكاذيب ال تتوقف عن الصدور عن الطرفي. والحقيقة الوحيدة التي يدركها الطرفان، ويتجاهلنها عمدًا، هي أن الحروب على اختلفها، من السهل جدًا إشعال نيرانها، ومن الصعب جدًا إطفاء تلك النيران، أو حتى معرفة االتجاه الذي تأخذه. الــكــرة اآلن، وبـــوضـــوح، فــي ملعب الـرئـيـس الـروسـي فـــاديـــمـــيـــر بــــوتــــن. ومـــــن الــــواضــــح أن الــــغــــزو األوكــــرانــــي لألراضي الروسية فاجأ الرئيس الروسي وجنراالته، كما فاجأ السكان املدنيي في إقليم كورسك الروسي، وعرّضهم ملحنة هجر قـراهـم وبيوتهم حفاظا على أرواحـهــم. ورغـم التأكيدات الـصـادرة عن قصر الكرملي بـأن الوضع تحت السيطرة، فإن األخبار املقبلة من جبهات املعارك تشير إلى العكس. ويـــبـــدو أن قــــرار الــقــيــادة الــروســيــة اسـتـقـر عـلـى عـدم تحقيق هدف القيادة األوكرانية من الهجوم، بدفعهم إلى سحب قواتهم من منطقة دونيتسك األوكرانية، والحرص على استمرار قواتهم في مواصلة مهامها املوكلة إليها. وعلى الجانب األوكراني، التزم الرئيس زيلينسكي الصمت طيلة األيـام الخمسة األولـى من االجتياح، ولم يصدر منه تصريح إال في اليوم السادس للعمليات، معترفا بدخول قوات بلده األراضي الروسية. املناورة العسكرية بدخول األراضــــي الـروسـيـة رفـعـت مــن مـعـنـويـات الــقــوات املقاتلة، وكـــذلـــك الــســكــان املــدنــيــن األوكـــرانـــيـــن. واكــتــفــى الـرئـيـس زيلينسكي بــاإلدالء بتصريحات قصيرة لوسائل اإلعـام تؤكد مواصلة الزحف داخل األراضي الروسية، بهدف نقل املعركة ألراضي العدو، و«إجبار موسكو على الجلوس إلى مفاوضات سلم عادل»، حسب وصفه. ويعني بذلك، قبول موسكو باالنسحاب مـن كـل األراضـــي الـتـي احتلتها منذ ، مقابل انسحاب القوات األوكرانية من األراضي 2014 عام الروسية. ومـــــــن جــــهــــة أخــــــــــرى، حــــظــــي االجـــــتـــــيـــــاح الـــعـــســـكـــري األوكراني بغزو األراضي الروسية بتغطية إعلمية غربية واسـعـة. ويظل جـديـرًا بالذكر أن االجـتـيـاح األوكــرانــي قد فاجأ أيضا عديدًا من العواصم الغربية الحليفة ألوكرانيا. إال أن املفاجأة لـم تقف عائقا أمــام رصـد شعور ال يخفى باالرتياح نحوه. وفي يوم الثلثاء املاضي أدلى الرئيس األمـيـركـي بـايـدن بتصريح، قــال فيه إنــه ظـل على اتصال دائم بنظيره األوكراني طيلة األسبوع املاضي. في حي أن البيت األبيض أكد في وقت سابق، أنه لم ينخرط مطلقا، وبأي شكل، في عملية التخطيط للهجوم األوكراني. ومن املــهــم اإلشـــــارة إلـــى أن واشـنـطـن مــا زالـــت تـصـر عـلـى منع حكومة كييف من استخدام الصواريخ األميركية بعيدة املـدى لضرب مواقع داخـل روسيا، رغم إلحاح الجنراالت األوكرانيي. وعلى العكس من ذلك، ذكرت تقارير إعلمية بريطانية أن حكومة لندن - عبر وزارة الدفاع البريطانية - قد أذنـت لحكومة كييف باستخدام السلح البريطاني فـي ضـرب أهـــداف داخــل روسـيـا. والتقارير ذاتـهـا أشـارت إلـى تصريح أدلـى به نائب برملاني روسـي ينتمي لحزب الـرئـيـس بــوتــن، أكـــد فـيـه أن جـهـاز املــخــابــرات الخارجية » يقف وراء MI6« الـبـريـطـانـي، املــعــروف اخـتـصـارًا بـاسـم عملية الغزو األوكراني. عـــــديـــــد مــــــن املــــعــــلــــقــــن اإلعــــــامــــــيــــــن الــــغــــربــــيــــن مــن املتخصصي فـي تحليل الــشــؤون العسكرية، يتساءلون حول مدى قدرة القوات األوكرانية على مواصلة االجتياح داخل األراضـي الروسية، ومدى استطاعتها الحفاظ على مواقعها املكتسبة. ويـعـبّــرون عـن دهشتهم مـن مواصلة األوكرانيي الزحف داخل األراضي الروسية. االتــجــاه الـــذي تسير فـيـه الــحــرب، ال يـبـدو واضـحـا. ومهما كان االتجاه الذي ستأخذه في األيام املقبلة، فإنه ال يقود إال إلى تقليل فرص إيجاد حل سلمي عبر املفاوضات، ما لم تحدث مفاجآت عسكرية في ميادين املعارك. ذهب عبد الحميد أبو سليمان في رسالته لـــلـــدكـــتـــوراه «الـــنـــظـــريـــة اإلســـامـــيـــة لـلـعـاقـات الــدولــيــة: اتـجـاهـات جــديــدة للفكر واملنهجية اإلســـامـــيـــة» إلــــى أن املـــســـاعـــدات االقــتــصــاديــة والتقنية والسياسية السوفياتية التي تلقتها الحكومات العربية االشتراكية «أفـرزت بعض جـــوانـــب الــنــظــريــة املــاركـــســيـــة وأوفـــدتـــهـــا إلــى مـحـيـط الـفـكـر اإلســـامـــي، وخـصـوصـا مفهوم حروب التحرير». إن التأثر باملاركسية والتأثر باالشتراكية في العالم العربي بـدأ قبل أن تتَّجه حكومات عربية إلى تبني االشتراكية وإلى التحالف مع االتحاد السوفياتي بسنوات عديدة. وفــي ظني أنَّـــه حـن ذهــب إلــى ذلــك القول كـــان يـفـكّــر بـمـصـر، وتــحــديــدًا بـحـكـومـة جمال عـبـد الـنـاصـر الـتـي كـانـت أول حـكـومـة عربية تـتـبـنـى االشـــتـــراكـــيـــة وتــتــحــالــف مـــع االتـــحـــاد الــســوفــيــاتــي. وكـــانـــت أول دولــــة عـربـيـة تلقت «املساعدات االقتصادية والتقنية والسياسة الـسـوفـيـاتـيـة». كـــان يـفـكّــر بـمـصـر، مـصـر التي درس فيها العلوم السياسية بكلية التجارة 1959 إلى عام 1955 في جامعة القاهرة من عام فـــي مـرحـلـة الــبــكــالــوريــوس، وأكــــب فـيـهـا على إعداد رسالة املاجستير «السياسة البريطانية وعــام 1799 فــي عـــدن واملـحـمـيـات مــا بــن عـــام إلـى شهر مـن أشهر عام 1960 » مـن عـام 1961 . فــظــن أنــــه يــعــرف مــصــر عـــن قــــرب وعــن 1963 معايشة. والـــــذي مــــال بـــي إلــــى هــــذا الـــظـــن، املــثــاالن الــــلــــذان أتـــــى بـــهـــمـــا، وهــــمــــا: «حــــــرب الــتــحــريــر الــــجــــزائــــريــــة والـــــحـــــرب األهـــلـــيـــة فــــي الـــيـــمـــن»؛ لـلـتـدلـيـل عـلـى أن املـــفـــردات املــاركــســيــة حملت معاني مبهمة ملفهوم الجهاد، وطرح عليهما، قبل إتيانه بهما، سؤاليه العجيبي: «ولم يكن من الواضح ممن يراد التحرر؟ وملاذا؟». حكومة جمال عبد الناصر لها دور بارز فـــي الــــثــــورة الـــجـــزائـــريـــة، ولـــهـــا يـــد طـــولـــى في الثورة اليمنية. إن االتــحــاد الـسـوفـيـاتـي لــم يـكـن لــه صلة «اقـــتـــصـــاديـــة وتـقـنـيـة وســـيـــاســـيـــة»، ال بـحـرب الـــتـــحـــريـــر الـــجـــزائـــريـــة وال بـــالـــحـــرب األهــلــيــة اليمنية. وحــرب التحرير الجزائرية والحرب األهــــلــــيــــة الـــيـــمـــنـــيـــة لــــم تـــقـــومـــا عـــلـــى مــــفــــردات مـاركـسـيـة، ولـــم يُــرفــع فيهما شــعــار «الـجـهـاد فــي سبيل الــلــه»، ليحكم بـــأن مـفـهـوم الجهاد فيهما اتخذ معاني مبهمة. كما أن اليمن لم يشهد حـرب تحرير وطنية، وال حـرب تحرير شعبية، فالحرب التي عاشها هـي حــرب بي جـــمـــهـــوريـــن تــــحــــرريــــن عــــروبــــيــــن ومــلــكــيــن إماميي محافظي. ومـع أن مثال اليمن كـان مثاال خاطئا إال أنني سأجيب عن سؤاليه العجيبي إزاء هذا املثال بجواب واحـد، هو: الجمهوريون كانوا يـــريـــدون الــتــحــرر مـــن حــكــومــة مـلـكـيـة إمـامـيـة زيـديـة ثيوقراطية، بإسقاطها وبـنـاء حكومة جمهورية عصرية تحل محلها. أمَّــا مثال الجزائر، وكـان مثاال صحيحا، فـــاملـــراد كـــان تـحـريـر الــجــزائــر مـــن االسـتـعـمـار الفرنسي، وتأسيس دولة وطنية مستقلة ذات سيادة. املــــــســــــاعــــــدات االقـــــتـــــصـــــاديـــــة والـــتـــقـــنـــيـــة والسياسية والسوفياتية لم تكن هي املسرب في التأثر بـ«بعض جوانب النظرية املاركسية» وبــجــانــب مـــن جــوانــبــهــا، وهــــو الــجــانــب الـــذي خـصّــه بـالـذكـر، والـــذي سـمّــاه تسمية مبهمة، هــي: مـفـهـوم حـــروب الـتـحـريـر. وال كـانـت هـذه املـــســـاعـــدات مــســربــا مـــن مـــســـارب الـــتـــأثـــر بــأي جـــانـــب مــــن جــــوانــــب الـــنــظـــريــة املـــاركـــســـيـــة فـي الـعـالـم الــعــربــي. فـمـسـارب الـتـأثـر باملاركسية وبـــأي جـانـب منها، هـو فـي مـوقـع نـــاء وبعيد عـــن قـضـيـة املـــســـاعـــدات والـتـقـنـيـة والـسـيـاسـة السوفياتية للدول العربية االشتراكية. وأرجّــــــح أن حـــــروب الــتــحــريــر يـعـنـي بها حــــروب الـتـحـريـر الـوطـنـيـة وحــــروب التحرير الشعبية معا. حـــــــروب الـــتـــحـــريـــر أشـــــــار إلـــــى مــــثــــال لـهـا فـي الـجـزائـر، لكنَّه لـم يشر إلــى مـثـال لحروب التحرير الشعبية. فــــي الـــســـنـــوات الــــثــــاث الـــتـــي أعــــــد وكــتــب وأنـــجـــز عــبــد الــحــمــيــد أبــــو ســلــيــمــان رســالــتــه لـلـدكـتـوراه، وهـــي أول السبعينات املـيـاديـة، كـانـت ثـــورة ظـفـار ال تـــزال مستعرة، ومــع هذا لــــم يـــشـــر إلـــيـــهـــا، رغـــــم أن الـــقـــائـــلـــن بـــضـــرورة حـرب التحرير الشعبية إلشعال ثـورة شاملة في منطقة الجزيرة العربية، اجتمعوا فيها، كالجبهة الشعبية لتحرير فلسطي، والجبهة الـديـمـقـراطـيـة لـتـحـريـرهـا، وجـمـهـوريـة اليمن الــديــمــقــراطــيــة الــشــعــبــيــة، الـــنـــظـــام الـشـيـوعـي الوحيد في العالم العربي. وعـــلـــى كـــــلٍ، فـــحـــروب الــتــحــريــر الـشـعـبـيـة مـن الناحية التنظيرية ومـن ناحية استلهام الــــتــــجــــربــــة الــــعــــمــــلــــيــــة، لــــــم تــــكــــن مــرجــعــيـتــهــا ســـوفـــيـــاتـــيـــة، بــــل كـــانـــت صــيــنــيــة وفـيـتـنـامـيـة وكوبية. ولــــلــــتــــوضــــيــــح، فــــــــإن عــــبــــد الـــحـــمـــيـــد أبــــو سـلـيـمـان خــــص جــانــبــا مـــن جـــوانـــب الـنـظـريـة املـــاركـــســـيـــة بــــالــــذكــــر، وهـــــو جـــانـــب مــــا ســمــاه «مـفـهـوم الـتـحـريـر» ألنَّـــه كــان يـنـاقـش املنظور الــلــيــبــرالــي لــلــجــهــاد، واملـــنـــظـــور املـــاركـــســـي له في العالم اإلسلمي بالنسبة لــ ول، والعالم العربي بالنسبة لألخير. ألدع اآلن مـنـاقـشـتـه املــنــظــور الـلـيـبـرالـي للجهاد؛ ألنَّني إلى اآلن لم أعرضها لكم. أعـــــــود إلــــــى اســـتـــكـــمـــال نــــقــــدي مــنــاقــشــتــه املنظور املاركسي للجهاد، فأسأل: ملـاذا أسلم حروب التحرير في العالم العربي بتسميتها تــــارة صـيـغـة عـصـريـة لـلـجـهـاد، وتـــــارة جـهـاد التحرير، مع أنَّه في مثال الجزائر لم تسم جهة الـتـحـريـر الـوطـنـي الــجــزائــريــة حـــرب اسـتـقـال الــجــزائــر، جــهــادًا فــي سبيل الــلــه، ولـــم تسمها حربا إسلمية على فرنسا النصرانية؟ الــــــجــــــواب: أســـلـــمـــهـــا ألنَّــــــــه كــــــان مــــمــــرورًا ومـحـزونـا بـأنَّــهـا لـم تكن حـربـا إسـامـيـة على فرنسا املحتلة بلدًا إسلميا. ومن السهل عليه أن يؤسلم، ما ليس بإسلمي أصلً. وقد يسّر عليه هذا األمر أن له تاريخا قديما مع األسلمة. فــفــي أثـــنـــاء دراســــتــــه بـــالـــقـــاهـــرة أصـــــدر هـنـاك ، كـتـابـا اسـمــه «نـظـريـة اإلســـام 1960 فــي عـــام االقتصادية: الفلسفة والوسائل املعاصرة». أبو سليمان له تاريخ الحق مع األسلمة بـعـد إنــجــازه رسـالـتـه لــلــدكــتــوراه، كـــان ذروتـــه ارتــــبــــاط اســـمـــه مــــع رفــــــاق لــــه فــــي أمـــيـــركـــا مـن مــنــتــصــف الــثــمــانــيــنــات املـــيـــاديـــة بـمـسـمـيـن شـــامـــلـــن وشـــمـــولـــيـــن، هـــمـــا: أســـلـــمـــة املــعــرفــة وإسلمية املعرفة. وللحديث بقية. أبو سليمان له تاريخ الحق مع األسلمة بعد إنجازه رسالته للدكتوراه االتجاه الذي تسير فيه الحرب ال يقود إال إلى تقليل فرص إيجاد حل سلمي عبر المفاوضات جمعة بوكليب علي العميم شوي تشينغ قوه بسام OPINION الرأي 14 تاريخ «أبو سليمان» مع األسلمة الحرب في أوكرانيا تتجه إلى أمر خطير أولمبياد باريس والقوة الناعمة الصينية لقد استيقظ ذلك «األسد» الذي اسمه الصين لكنه «أسد» ودود ومحبوب
RkJQdWJsaXNoZXIy MjA1OTI0OQ==