issue16697

Issue 16697 - العدد Thursday - 2024/8/15 الخميس كتب BOOKS 17 عواطف عبد الرحمن تستعيد ذكريات الاعتقال في عهد السادات «أوراق منسجن النساء»... يوميات مثقفات وراء الأسوار يــتــضــمــن كــــتــــاب «أوراق مــــن سـجـن الـــنـــســـاء» لــأكــاديــمــيــة وأســــتــــاذة الإعــــام الــدكــتــورة عــواطــف عـبـد الـرحـمـن، تجربة فـــــريـــــدة تـــتـــمـــثـــل فـــــي اســــتــــعــــادة ذكــــريــــات الشهيرة 1981 ) اعتقالات سبتمبر (أيلول فـي مصر وكـيـف جمعتها زنــزانــة واحــدة بــعــدد مــن المـثـقـفـات المــصــريــات الـــبـــارزات، مــثــل الــكــاتــبــة الـــدكـــتـــورة لـطـيـفـة الـــزيـــات، والأديـــــبـــــة الــــدكــــتــــورة نــــــوال الــــســــعــــداوي، والناقدة صافيناز كاظم وأسـتـاذة الأدب الفرنسي الدكتورة أمينة رشيد. وتــشــيــر الـــدكـــتـــورة «عـــبـــد الــرحــمــن» فـــي كــتــابــهــا الـــــذي صــــدر حــديــثــا عـــن دار «العربي» بالقاهرة إلى أنها وأخريات كان نصيبهن الاعـتـقـال والــطــرد مـن الجامعة بعد اتهامهن بالخيانة العظمى والتخابر مـــــع الاتـــــحـــــاد الــــســــوفــــيــــاتــــي، ولــــــم تـــجـــرؤ الــســلــطــات عــلــى إبــــــراز الــســبــب الـحـقـيـقـي لاعتقالهن، وهو اعتراضهن على معاهدة الصلح مع إسرائيل. وقد مكثن بالسجن مـائـة يـــوم إلـــى أن اغـتـيـل الـرئـيـس الـراحـل أنور السادات. رحلة شاقة تــــروي عـــواطـــف عــبــد الــرحــمــن كيف 1981 ) أغـــســـطـــس (آب 28 أنـــهـــا فــــي يـــــوم ذهبت إلــى برلين الشرقية للمشاركة في المؤتمر الدولي الذي عقدته الأمم المتحدة واستطاعت بالتعاون مع بعض الأصدقاء إقــنــاع منظمي المـؤتـمـر بـإضـافـة بـنـد عن «الـعـنـصـريـة الـصـهـيـونـيـة» فــي فلسطين، وكــــان يصحبها ابـنـهـا هــشــام لأول مــرة. وبعد انتهاء المؤتمر الذي استغرق ثلثة أيام قررت الذهاب لزيارة الأديبة رضوى عاشور وزوجها الشاعر مريد البرغوثي في بودابست التي اختاراها آنـذاك منفى مــؤقــتــا بــعــد تـــوتـــر الـــعـــاقـــة بـــ المـثـقـفـ العرب وبين الرئيس السادات بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد التي أعقبت زيارته .1977 ) للقدس في نوفمبر (تشرين الثاني تـــركـــت «عـــبـــد الـــرحـــمـــن» هـــشـــام لــدى الصديق نبيل السلمي وزوجـتـه كاترين فــــي بـــرلـــ واســتــقــبــلــهــا مـــريـــد ورضـــــوى وابـنـهـمـا تـمـيـم بـتـرحـاب شــديــد، ومكثت ثلثة أيام في حوارات متصلة عن الأحوال في مصر وتداعيات اتفاقية الصلح التي 3 أبــرمــهــا الــــســــادات مـــع إســـرائـــيـــل. ويــــوم سـبـتـمـبـر اسـتـمـعـا إلــــى خــطــاب الـــســـادات مواطنا 1365 الــذي أعـلـن فيه عـن اعتقال مـــــن المـــــعـــــارضـــــة، فــــصــــاحــــت رضــــــــوى فــي انزعاج إنه لم يستثنِ أحداً ولم يبقَ سوى أمـــي وأمــهــا والمـحـتـمـل أن يـتـم اعتقالهما بــالــفــعــل. قـــــررت «عــــواطــــف» الــــعــــودة إلــى برلين لإحضار ابنها والسفر إلى القاهرة وتوالت اتصالات الأصـدقـاء الهاتفية من بـــاريـــس ولـــنـــدن وألمـــانـــيـــا، أخـــبـــروهـــا بــأن قــائــمــة المــعــتــقــلــ تــضــم جــمــيــع الأســـمـــاء مـن أصـدقـاء مشتركين، ويتصدرهم عبد الـــســـام الــــزيــــات، وفــــــؤاد مـــرســـي ولـطـيـفـة الــــــزيــــــات، وكـــــــان اســـمـــهـــا ضـــمـــن الــقــائــمــة ونــصــحــوهــا بـــعـــدم الــســفــر إلــــى الــقــاهــرة، لكنها رفضت. ودّعــــهــــا مـــريـــد ورضــــــوى فـــي المـــطـــار. وصــلــت إلــــى بــرلــ فـــي المـــســـاء لـتـجـد في انـــتـــظـــارهـــا نــبــيــل الــســلــمــي وفــتــحــي عبد الــفــتــاح وبـــعـــض الأصــــدقــــاء الـــذيـــن كــانــوا يــــلــــحّــــون عــــلــــى ضــــــــــرورة بـــقـــائـــهـــا وعـــــدم المجازفة بسفرها إلـى القاهرة. أخبرتهم بـــأن بـقـاءهـا هـنـاك يعني الـضـيـاع وأنـهـا تـفـضـل الـــذهـــاب إلــــى زنـــزانـــة الـــوطـــن فقد تـــكـــون أرحـــــم لــهــا وســــط أهــلــهــا ونــاســهــا من البقاء في الغربة. كـان إصـرارهـا على الـــعـــودة إلــــى مــصــر أقــــوى مـــن إلـحـاحـهـم، وهيأت نفسها لأسـوأ الاحتمالات وبدأت في الطائرة تحاول أن تهيئ ابنها هشام. فـــأخـــبـــرتـــه عــــن تـــجـــربـــة ابــــنَــــي صـديـقـتـهـا الــنــاقــدة فـــريـــدة الــنــقــاش «رشــــا وجــاســر» الـــلـــذيـــن تــحــمــا بــشــجــاعــة ســـجـــن أمـهـمـا فريدة وأبيهما الكاتب الصحافي حسين عبد الرازق. عــنــد وصــولــهــا إلــــى مـــطـــار الــقــاهــرة فوجئت بممدوح طــه، والــد ابنها، وكانا انفصل منذ عشر سنوات، ينتظرها على باب الطائرة ممسكا بصحيفة «الأهـرام». انتحى بها جانبا وقبل أن يتحدث سألته فـي انـزعـاج هـل مــات أحــد مـن أهلها، فقد نسيت تماما موضوع الاعتقال. أخبرها أن المـوضـوع أخطر من المــوت، ثم أطلعها على الصحيفة التي وجدت بها صورتها تـتـصـدر الصفحة الأولــــى مــع صـــور بقية المـــطـــلـــوب اعـــتـــقـــالـــهـــم. أطـــلـــعـــت الـــضـــابـــط على صـورتـهـا بالصحيفة وأبلغته أنها مطلوبة للعتقال، ثم اتجهت نحو ابنها وعانقته مـحـاولـة إظـهـار تماسكها، لكن جـــســـدهـــا كــــــان يـــنـــتـــفـــضحــــزنــــا وغــضــبــا وحيرةً فل تدري هل ستكون هذه هي آخر مرة تلتقي فيها بنجلها الوحيد؟! صدمة اللحظات الأولى تــصــور «عــبــد الـــرحـــمـــن» كــيــف كـانـت صـــدمـــة الـــلـــحـــظـــات الأولــــــــى فــــي الــســجــن، قائلة: «عندما وصلت إلـى سجن النساء فـــــي الــــقــــنــــاطــــر وجـــــــــدت بـــــوابـــــة حـــديـــديـــة هـــائـــلـــة وبــــهــــا بــــــاب صـــغـــيـــر، دخــــلــــت مـن الـبـاب الصغير ورأيـــت السجّانات اللتي نشاهدهن في السينما يعلقن المفاتيح في الحزام الجلدي، شكلهن مخيف جداً وغير مريح. وفجأة صفقت السجّانات ونادين عـلـى الــســت زيــنــب سـجّـانـة الـسـيـاسـيـات؛ لأن هناك (إيــــراداً) جـديـداً عليه استلمه. استغربتُ جـداً كيف يتحول الإنـسـان في لحظة مجرد شـيء، خصوصا أني قادمة مــــن مـــؤتـــمـــر دولــــــي أطــــالــــب فـــيـــه بــحــقــوق الـــشـــعـــوب. كــيــف أتـــحـــول فـــي نــظــرهــم إلــى (إيـــراد)، أي أن قيمتي انخفضت لتصيح مـــجـــرد شــــــيء. وكــــــان هـــــذا المــــوقــــف أولــــى الـصـدمـات وبـعـدهـا دخـلـت سـاحـة كبيرة تـتـوسـطـهـا شــجــرة عـلـمـت أنــهــا الـشـجـرة الـتـي رسمتها الفنانة التشكيلية إنجي أفلطون في لوحاتها؛ فهي سبقتنا إلى هذا السجن ومكثت فيه خمس سنوات». لم تنم الليلة الأولى بسبب الأصوات المنبعثة من عنبر اللصوص المجاور لهن وعندما غفت عينها من الإرهـــاق، وجدت حــــشــــرة كـــبـــيـــرة وفــــزعــــت وقــــامــــت تـــنـــادي نـــــوال الـــســـعـــداوي مــنــزعــجــة: «يــــا نـــــوال... يـــا نـــــــوال... إحـــنـــا فـــي فـــنـــدق إيــــــه؟»؛ وهــو مـــا أثـــــار الــضــحــك بـــشـــدة. سـلـمـتـهـا إدارة الـسـجـن جـلـبـابـ ، واحــــد تغسله والآخـــر ترتديه. وبحكم خبرتها السابقة معتقلةً سياسية، اقترحت الدكتورة لطيفة الزيات تنظيم الحياة العامة في العنبر وتحديد مسؤولة عـن نظافة المـكـان ومسؤولة عن الطعام، وهـكـذا. أيضا لا يمكنها نسيان حملة التفتيش المفاجئة التي قلبت العنبر رأسا على عقب؛ لأنه بلغهم أن هناك أوراقا وأقلما، وهي أخطر من أي سلح! وزيرات اقتصاد تُــــعــــدّ المـــعـــتـــقـــات الـــســـيـــاســـيـــات أخــطــر النزيلت في السجن، أما سجينات المخدرات فهن «وزيـرات الاقتصاد»؛ لأنهن ينفق على الـسـجـن، خصوصا «الـحـاجـة مـنـاعـة» التي كانت تُسجن وتـخـرج ثـم تعود مـرة أخـرى، والسجن بالكامل يعرفها وكانت حجرتها مفروشة بالموكيت وبها تلفزيون. وعندما علمت بـقـدوم الـنـزيـات السياسيات بعثت لهن بأقلم وورق وراديو. وكانت تبعث لهن كل يوم بالصحف في السر عن طريق إحدى السجينات التي كانت تخفيها في ملبسها. وكــانــت «الـحـاجـة مـنـاعـة» تحظى بمعاملة استثنائية لتقديمها الرشى لصغار وكبار المسؤولين في السجن، بـدءاً من السجاجيد وحتى السيارات. أمـا أشــرف العناصر في السجن، بناءً عــلــى أقــــــوال الـــســـجـــانـــات ومــــأمــــور الــســجــن، فـــهـــن الـــقـــاتـــات لأنـــهـــن «ارتــــكــــن جــرائــمــهــن فـــي لـحـظـة غــضــب دفـــاعـــا عـــن الـــشـــرف وعــن الكرامة». وكان من بينهن مَن لم ترتكب أي جريمة على الإطـاق ولكنهن اعترفن بديلً عــن أزواجـــهـــن الــذيــن ارتــكــبــوا هـــذه الـجـرائـم بـالـفـعـل، خـصـوصـا الـسـجـيـنـات المنتميات إلـــــى الـــصـــعـــيـــد. وكـــــن يــــبــــررن تـضـيـحـاتـهـن بحرصهن على أن تظل بيوتهن مفتوحة، ولا يضيرهن أن يقترن أزواجهن بأخريات؛ فالمرأة الصعيدية السجينة تضحي بذاتها من أجل الجماعة ومن أجل العائلة ومن أجل الـتـقـالـيـد. ويــأتــي تـرتـيـب الــلــصّــات فــي ذيـل قـائـمـة الـسـجـيـنـات؛ لأنــهــن مــوضــع احـتـقـار شديد داخل السجن ولا يمكن منحهن الثقة. وتصف «عبد الرحمن» أجواء السجن، لافتة إلى أن الزنزانة لا تزيد مساحتها على متر ونصف المتر، أما التعذيب × متر واحد فـــا يـقـتـصـر عــلــى الـــعـــقـــاب الـــجـــســـدي الـــذي يـتـمـثـل فـــي الــصــعــق بــالــكــهــربــاء وتغطيس الـــســـجـــ فــــي المــــــاء الـــســـاخـــن والــــــبــــــارد، بـل الــتــعــذيــب الــنــفــســي وفـــــرض الـــعـــزلـــة، ومـنـع الــــتــــواصــــل مــــع الآخــــــريــــــن، وهــــــي الـــوســـائـــل الأخطر تأثيراً على شخصية السجين. القاهرة:رشا أحمد تُعدّ المعتقلات السياسيات أخطر النزيلات أما سجينات المخدرات فهن «وزيرات الاقتصاد» «اكتشاف إيران»...رحالة إسبانية في بلاد الحدائق والسجاد تـــســـعـــى الـــــرحـــــالـــــة والــــكــــاتــــبــــة الأكــــاديــــمــــيــــة الإســـبـــانـــيـــة بـــاتـــريـــثـــيـــا ألمـــارثـــيـــجـــي فــــي كـتـابـهـا «اكتشاف إيران» الصادر أخيراً عن دار «العربي» بـالـقـاهـرة، تـرجـمـة آيـــة عـبـد الـرحـمـن أحــمــد، إلـى تقديم وجــه آخــر غير مـعـروف لـهـذا البلد بعيداً عن السياسة وصخبها. وتركز ألمارثيجي على فكرة الحدائق التي تعشقها وتبحث عنها في كل بلد تزوره، وكيف أنه توجد وشائج وروابط بين الحديقة بصفتها إحـدى مفردات الطبيعة وبين السجاد كونه إبداعا بشريا في الثقافة الإيرانية. ويعدّ الكتاب خلصة زياراتها إلـى الجمهورية .2017 و 2014 و 2005 الإيرانية خلل سنوات تقول المؤلفة إنها لم تحتج أبداً إلى حديقة بالقدر نفسه الذي احتاجت لها في إيران بسبب مـــدنـــهــا المـــرهـــقـــة ومــنــاطــقــهــا الـــجـــافـــة والــقــاحــلــة وســـاســـل جــبــالــهــا الــخــانــقــة، فــالــحــدائــق تنشر هــدوءاً مريحا لـلـروح، ومـن الغريب أنها وصلت إلــــى رمـــزيـــة تــلــك الـــحـــدائـــق مـــن خــــال الــســجــاد. كــانــت روعــــة تـكـويـن الــســجــاد الإيـــرانـــي تـذكّـرهـا بـالـحـدائـق ومـــن خـــال الـبـحـث فـيـه تـعـرفـت على مـــعـــنـــاهـــا الـــــروحـــــي، فـــيـــجـــب أن يــــبــــدو الـــســـجـــاد كـحـديـقـة والـحـديـقـة تــبــدو كــســجــادة، ويــجــب أن تتمتع كلتاهما بهذا الجمال المثالي الذي يذكرنا بالجنة. تــاحــظ بـاتـريـثـيـا أن الـــحـــدائـــق الحقيقية الـفـارسـيـة تــعــرف بــاســم «شــــار بــــاغ» وهـــو نظام تخطيط رباعي الأضــاع تم تصميمه في الهند المغولية وتتمتع الحديقة فيه بترتيب هندسي صــــــارم، حــيــث تــحــتــوي عــلــى قـــنـــوات وأحـــــواض مليئة بـالـزهـور والــتــي تـعـدّ نـمـوذجـا لمــا يسمى «ســــجــــادات الـــحـــديـــقـــة» مـــع تــوظــيــف الــكــثــيــر من العناصر المكملة، مثل أشجار الفاكهة والظلل، والمـــــاء الـــجـــاري والــحــمــايــة بـــالـــجـــدران المـحـيـطـة، وتجميل المـبـانـي الغنية بــالــزخــارف والـخـضـرة المبعثرة. وتـــشـــيـــر إلـــــى أنـــــه فــــي رحــلــتــهــا إلـــــى مـديـنـة «كـــاشـــان» زارت واحــــدة مــن أشــهــر الــحــدائــق في الـــبـــاد وهـــي حـديـقـة «فـــــ »، إنـــه مــكــان للترفيه والاستجمام يرمز جريان الماء فيه إلى الانتقالية والتجديد وتعبر الانـعـكـاسـات على سطح المـاء عــــن الانــــتــــعــــاش. وحـــــ جـــــاء الـــــــــزوار المــحــلــيــون للستمتاع بالمساء وتـنـاول الوجبات والتجول في الحديقة، تراجعت الـرؤيـة الرمزية والمشرقة وأصـبـحـت الـبـاطـات الــزرقــاء والـقـنـوات وألـعـاب المياه وأشجار السرو أكثر كآبة بعض الشيء. عـــنـــدمـــا بـــــــدأت الـــشـــمـــس تـــــغـــــرب، انــــحــــدرت المــؤلــفــة بصحبة مـرافـقـيـهـا عـبـر الــجــبــال البنية المتعرجة. كان يبدو أنهم يغوصون في الطريق ويحيطون أنفسهم بالجبال نفسها التي تظهر في الرسومات الصغيرة. هنا بدأت تتذكر كلمات المخرج السينمائي الإيراني عباس كياروستامي في مقابلة قرأتها له قبل سنوات حين قال إنه رغم أن إقامته كانت في طهران فإنه يقضي الكثير من الوقت في منزله الريفي في «كرمانشاه»، فهناك يـقـتـرب مــن الـطـبـيـعـة ويـحـضـر تـعـاقـب الـفـصـول الأربعة. عندما يشعر بالسرعة المعاصرة المفرطة وبسرعة تغير العالم يستطيع أن يركز على شيء واحد يظل ثابتا وهو الطبيعة، على حد تعبيره. وتـــصـــف المـــؤلـــفـــة قـــريـــة «أبــــيــــانــــه» الـجـمـيـلـة الواقعة بين الجبال المهجورة المعتادة في البلد ويـزورهـا الكثير مـن السياح الإيـرانـيـ وبعض الأجــانــب أيـضـا: كـانـت حـمـراء الـلـون تماما مثل الــطــ وظــــال الـــطــوب لــلـمــنــازل، كـمـا هــو الـحـال في كثير من المناطق الريفية وبــدا السكان أكثر اســــتــــرخــــاءً وارتــــيــــاحــــا مـــقـــارنـــة بـــالمـــديـــنـــة، وكــــان لـبـاسـهـم يـعـكـس هـــذا الاســـتـــرخـــاء وهـــي مـابـس تقليدية زاهية الألوان وأوشحة مطبوعة بأزهار عـلـى رؤوس الــنــســاء وبـنـاطـيـل ســـــوداء ولامـعـة واسعة على سيقان الرجال تكشف الكاحلين. وباتريثيا ألمارثيجي، إلى جانب مؤلفاتها في مجال أدب الرحلت، هي كاتبة إسبانية بارزة وهي أستاذة للدب المقارن. ولدت في سرقسطة ونشرت العديد من المقالات في صحف 1969 عام بارزة. نشرت كتابها الأول تحت عنوان «الرسام صدر كتابها الثاني 2016 وفي 2011 » والمسافر «مـــســـافـــرة عــبــر آســـيـــا الـــوســـطـــى»، كــمــا أصــــدرت الكثير من الروايات أشهرها «ذكريات الجسد»، .2017 القاهرة: «الشرق الأوسط» تهميشتاريخ القبيلة العربية لعلنا لا نـشـتـطّ فــي الـــدعـــاوى إذا قلنا إن القبيلة العربية هي التي جعلت الشرق شرقا عربيا كما نعرفه متصلً بــعــضــه بــبــعــضــه الآخــــــر مــــن نـــجـــد إلـــى ليبيا، بعيداً عن الحديث عن دورها من جهة التطور أو محاربته. عندما تنظر في كتابات عالم كبير مثل علي الوردي ستجد أنه جعل القبيلة ثالثة الأثافيّ الــتــي أضــــرت بــالــعــراق، بــالإضــافــة إلـى الـفـرس والــتــرك، لكننا لـن نتحدث في هذا الموضوع الآن. والــقــبــيــلــة الــعــربــيــة تــعــنــي أيـضـا الـشـعـب الــعــربــي الــــذي عــايــش تصحر جزيرة العرب التي كانت خضراء وذات أنـهـار وبساتين فـي الأحـقـاب القديمة. وقــــد كـــافـــح ذلــــك الــشــعــب مـــا حــــدث من تـحـول بيئي قـــاسٍ فتكيف معه ودمـج حياته فيه على الصورة التي نعرفها. والقبيلة العربية تعني بصورة أخص المـمـلـكـة الــعــربــيــة الـــســـعـــوديـــة، أي ذلــك الـــتـــمـــدد فــــي المــــراعــــي الــخــصــيــبــة وبـــث العنفوان وروح الحرية التي لم تعرف الاســــتــــبــــداد قـــــط، كـــمـــا أنـــهـــا لــــم تــعــرف أي نــــوع مـــن أنـــــواع الإقــــطــــاع. فـــي هــذه المساحة التي همشها المؤرخون لفترة طــويــلــة تــأســســت حــــضــــارات مـسـتـقـرة ومتعاقبة. ولــــــم تـــحـــصـــر الـــقـــبـــيـــلـــة الـــعـــربـــيـــة نـــفـــســـهـــا فـــــي الـــــجـــــزيـــــرة، بـــــل انـــســـابـــت وصــعــدت شــمــالاً بحيث أصـبـحـت هي النسيج الـــذي تـكـونـت مـنـه الـنـزوحـات التاريخية الكبرى خارج جزيرة العرب مـــنـــذ الأزمــــنــــة الـــبـــعـــيـــدة، حــــ تـكـونـت الحضارات والدول التاريخية في بلد الرافدين والهلل الخصيب، بل وأبعد من ذلك، إلى المغرب العربي والأندلس. وإذا عــــدنــــا لاســــتــــعــــراض تـــاريـــخ قبيلة الجزيرة السياسي فسنقول إن الــقــبــائــل لـــم تـخـضـع قـــط إلا لــدولــتــ ؛ دولــــــــــة الـــــخـــــافـــــة الــــــــراشــــــــدة والــــــدولــــــة الــــســــعــــوديــــة، ولــــعــــل خـــــــروج الــخــلــيــفــة الــرابــع عـلـي بــن أبـــي طـالـب مــن المدينة إلــى الـكـوفـة هـو بـدايـة التهميش الـذي حدث فيما بعد. لم تعد الجزيرة مركزاً لـلـدولـة، حتى حــ . خـــروج المـركـز أدى إلـــى بـقـيـة أنـــــواع الـتـهـمـيـش، ولـــم يعد بـالإمـكـان الحديث عـن حـضـارة. بقيت مكة والمدينة بسبب مكانتهما الدينية بـحـيـث تــحــرص الــــدول المـتـعـاقـبـة على ضمهما إلــى الـدولـة بـالـقـوة، ومــع ذلك لـم تكونا مـركـزاً سياسيا، بـل بقي من يحكمهما تابعا لدولة خارج الجزيرة؛ الأمويون ثم العباسيون ثم الأيوبيون ثم المماليك ثم العثمانيون. وفــــــي نــــظــــري أن عــــــرب الـــجـــزيـــرة يــخــضــعــون فــقــط لــلــزعــيــم الـــــذي يـكـون منهم ويقيم معهم، ولـذلـك لـم تخضع الــقــبــيــلــة الـــعـــربـــيـــة فــــي نـــجـــد لأحـــــد مـن المـــمـــالـــك الـــقـــديـــمـــة والــــــــدول المــتــعــاقــبــة، ولــــذلــــك كـــــان الـــســـاطـــ يــتــصــالــحــون مـــع الـقـبـيـلـة بــــأن يــتــركــوا لــهــا المـــراعـــي الـخـصـيـبـة، فــي مـقـابـل أن تـحـصُـل من القبائل على نـوع من الحلف في وقت الحاجة، وهو حلف لم يكن يـدوم على كــل الأحـــــوال، وكــانــت القبيلة تستفيد أيضا من هذا الحلف، أعني حصولها على غنائم من الغزو، ولم تكن تتضرر كثيراً من هزيمة جيش الدولة الحليفة. وربـــمـــا تـــمـــردت الـقـبـيـلـة الـعـربـيـة على دولـة الخلفة في البداية ورفعوا شعار: ِأطعنا رسول الله إذ كان بيننا فيا لعباد الله مالِ أبي بكر ِأيورثها بكراً إذا مات بعده وتلك لعمر الله قاصمة الظهر إلا أنها عادت وخضعت للراشدين لأنـــهـــا رأت أنـــهـــا فــــي ظــــل دولــــــة عـربـيـة قبائلية تعرف طبيعة القبيلة. القبائل العربية أو الأعـــراب أو الـبـدو هـم «أصـل الــعــرب ومــــادة الإســــــام»، حـسـب تعبير عمر بن الخطاب (جامع البخاري، حديث ) وهــــو مـــن هـــو فـــي مـعـرفـتـه 3700 رقــــم وخـبـرتـه بالقبيلة الـعـربـيـة وحميّتها، ولذلك كان حريصا على كل العهود التي قُــطــعــت لــهــم، وألا تُــمــس أمـــوالـــهـــم، وإن كـــان لـلـدولـة حــق فــي حــواشــي أمـوالـهـم، فـقـد كــانــت تُــــردّ عـلـى فـقـرائـهـم هـــم، وألا تُـنـقـل الـقـبـيـلـة إلـــى مــكــان آخــــر، لأن هـذا قــــد يــــــؤدي إلـــــى شـــعـــورهـــا بـــــأن ثــروتــهــا مـن الإبــل تُغتصب. هكذا كانت القبيلة الــعــربــيــة الـــتـــي شــكّــلــت روح الـفـروسـيـة الــعــربــيــة والــرومــانــســيــة الــعــربــيــة. وقــد كانت الجسد الرئيسي الفاعل في معارك الدفاع والهجوم التي قادها العرب بعد الإسلم فهزمت معظم الممالك التي كانت سائدة في ذلك الزمان. ومع الدولة السعودية التي نشأت أصلً في حضن القبيلة وبنت ذاتها من نسيج ذلك الحضن، لم يكن ثمة إشكال فيما يتعلق بـــولاء القبيلة السياسي، وإن كـــانـــت الــقــبــيــلــة قـــد تــــمــــردت، على سبيل المثال في معركة السبلة التي كان النصر فيها للملك عبد العزيز، إلا أن معظم القبائل والإمــارات القبلية كانت مع الملك وضد المتمردين. يغلب على ظني أن أهــل الجزيرة الــعــربــيــة شـــاركـــوا فـــي مــحــاربــة المــغــول والصليبيين مــع إخـوانـهـم أهـــل الـشـام والـــعـــراق ومــصــر، لــكــنّ هـــذا الــتــاريــخ لا يـبـدو جليا، فكما أسـلـفـت، عـانـى عرب الـــجـــزيـــرة مـــن الــتــهــمــيــش عــبــر الـــقـــرون المتعاقبة. بالنسبة إلى القرون القريبة الأمـــــــــر واضــــــــــح، ثــــمــــة تـــهـــمـــيـــش مـــريـــع ومــكــتــمــل الـــجـــوانـــب. ولا شـــك أن عــرب الـــجـــزيـــرة يُــــامــــون بــــدورهــــم لأنـــهـــم لـم يصنعوا مؤرخيهم الخاصين بهم ولم يــكــتــبــوا تـــاريـــخـــهـــم، وإن وجـــــدت كتب تاريخ فهي كتب تؤرّخ لسير رجال الدين والفقهاء ولا تتحدث عما هو حضاري ومـن نتاج الإنـسـان الـعـادي. وكــان جُـلّ إنتاجهم الثقافي -ســـواء التاريخي أو الأدبـــي– شفهيا لا يعتمد على الكتابة إلا نـــادراً. تـاريـخ مـا قبل الإســـام دونـه الشعراء الفحول ورواة الشعر من أمثال المفضّل الـضّـبّـي والأصـمـعـي وغيرهما ممن بـذلـوا جـهـوداً لتثبيت السرديات الـــــتـــــي تــــصــــف مــــنــــاســــبــــات الـــقـــصـــائـــد والوقائع والمعارك التي صاحبتها. كما أن الإشـــارة إلـى تلك القصائد فـي كتب من الأمهات ككتاب «الأغاني» أدى إلى مزيد من السرد والتاريخ. ومع ذلك فقد جــرى، بـالإضـافـة إلــى التهميش، شيء من التشويه. لـــــقـــــد حــــظــــيــــت بـــــــغـــــــداد ودمـــــشـــــق والــــــقــــــاهــــــرة وبــــــــــاد المــــــغــــــرب الــــعــــربــــي والأنـــــدلـــــس بـــمـــن حـــفـــظـــوا تــــاريــــخ مـــدن الــعــرب الــكــبـرى هــــذه، لـكـن الــجــزيــرة لم تحظَ في الزمن القديم بشيء من هذا، وهذا أمر قد يكون إصلحه على درجة كبيرة من الصعوبة لو قررنا أن نعيد كتابة تاريخ هذا الجزء من العالم الآن بعد قـرون طويلة من موت كل الشهود وغياب المراجع الموثوقة. * كاتب سعودي * خالد الغنامي

RkJQdWJsaXNoZXIy MTI5OTky