issue16693

رئيس الــوزراء البريطاني، السير كير ستارمر، فـــــي املـــــائـــــة عــقــب 16 الــــــــذي انـــخـــفـــضـــت شـــعـــبـــيـــتـــه بـــــــــ احــتــجــاجــات فـــي مـــدن عــــدة، مـتـهـم بـتـجـاهـلـه أسـبـاب املــــظــــاهــــرات (ضـــــد ســـيـــاســـة الــــهــــجــــرة)، وبــاســتــغــالــه االحتجاجات لفرض رقابة غير مسبوقة على حرية التعبير والنشر، وأنـه يحاول إكمال خطوات بدأتها حكومة توني بلير العمالية في فرض إجراءات تحوِّل املجتمع الليبرالي إلى «كابوس ديستوبي» بالتحكم في كل مقاليد األمور. صـــــرّح ســـتـــارمـــر، أول مـــن أمـــــس، بـــــأن مـنـصـات التواصل االجتماعي «ليست مستثناة من القانون»، خــال تفقده مركز أسكوتلند يـــارد، ردًا على أسئلة بشأن اعتقال أشخاص والحكم على اثنني بالحبس بتهمة نشر معلومات على «فيسبوك» أثارت كراهية وعنصرية أدَّت إلى العنف. رئيس الحكومة يرى أن األحكام القضائية (بني شـهـرًا حبسًا) على املـتـظـاهـريـن، الذين 38 شهرين و صنفتهم حـكـومـتـه «بـلـطـجـيـة مــن الـيـمـ املـتـطـرف» كانت الــرادع الـذي منعهم من التظاهر يوم األربعاء، بــيــنــمــا شـــهـــدت لـــنـــدن ومــــــدن عـــــدة فــــي الــــيــــوم نـفـسـه مـظـاهـرات مـضـادة رتبها اليسار وأبـنـاء املهاجرين. ســـبـــب تـــوقـــع املـــتـــاعـــب كـــــان مـــعـــلـــومـــات عـــلـــى مـــواقـــع 100 الـتـواصـل االجـتـمـاعـي وخــدمــة «تـلــغــرام» بتوقع مظاهرة احتجاج ضد الهجرة من «اليمني املتطرف»؛ مما دفـع اليسار ونشطاء املهاجرين وحلفاءهم إلى تنظيم مظاهرات مضادة. وكنت وزميل صحافي خضنا جـدال مطوال مع مستشاري رئـيـس الــــوزراء حــول تعريفهم لـ«اليمني املتطرف» دون أن نخرج بإجابة شافية، أو ما إذا كانت هناك أدلة بالفعل على إمكانية هذا «اليمني املتطرف» مدينة في 100 احتجاج في 100 وقدرته على تنظيم ألف عضو 50 يوم واحد (وهو ما يتطلب ما ال يقل عن في تنظيم متطرف). يـــوم الـخـمـيـس، اتــضـح أن مــا نُــشـر عـلـى مـواقـع »hoax« الـتـواصـل االجـتـمـاعـي مـا يُــعـرِّفـه اإلنجليز بـــــ أو خدعة مـزاح سخيف، لكن أصحابها برروها (من جماعة يسارية تسمي نفسها مناهضي الفاشية) بــأنــهــا ســـاعـــدت عــلــى حــشــد قــــوى الــيــســار الـتـقـدمـيـة والعرقيات املختلفة في استعراض قـوة ضد اليمني «املناهض للهجرة». ظهرت حالة انسجام بني الجماعات اليسارية (املــنــاهــضــة لـلـيـمـ املــتــطــرف، الــــذي ال تـعـريـف لـــه)، وحكومة «العمال»، وعمدة لندن، صديق خان، الذي قـال لــ«الـغـارديـان» إنـه «يخشى على حياته بوصفه مسلمًا في لندن»؛ بسبب ما ينشر من «اليمني» على منصات التواصل االجتماعي، وطالب بقوانني تجبر أصـحـابـهـا عـلـى حـجـب مــا ســمّــاه أخـــبـــارًا وشـائـعـات تسببت في املظاهرات. خـان كـان وزيــرًا في الحكومة العمالية السابقة ) فبعكس سابقيه، يتدخل ملنع اإلعلنات 2010 (حتى الــتــي ال تـعـجـب حـلـفـاءه مــن الـيـسـاريـ فــي األمــاكــن العامة. مثيرو الشغب الذين سمّاهم ستارمر «بلطجية اليمني املتطرف» كانوا أقلية، وكثيرهم تحت تأثير الـــشـــراب، بـيـنـمـا أغـلـبـيـة املـتـظـاهـريـن املـسـتـائـ من تجاهل مطالبهم (ارتفاع أعداد املهاجرين، خصوصًا غـيـر الـشـرعـيـ ، ونـقـص الــخــدمــات) كــانــوا مساملني، لكن ما زاد من استيائهم كان رد فعل حكومة ستارمر ومــؤســســات اإلعــــام الــكــبــرى، إذ رحــبــوا بـاملـسـيـرات واملـظـاهـرات املـضـادة، التي عُــرفـت بـ«مظاهرات دعم مــزيــد مـــن الـــهـــجـــرة» (مـثـلـمـا سـمَّــتـهـا صــحــافــة يمني الوسط وهي أقلية في املشهد اإلعلمي). ظهرت في املسيرات الفتات وأعـام (أكثرها العلم الفلسطيني) لـقـضـايـا ونــــزاعــــات خـــــارج بــريــطــانــيــا مـــا عــــدا الـعـلـم الـــبـــريـــطـــانـــي، مـــمـــا يـــشـــكّـــل اســــتــــفــــزازًا لـلـبـريـطـانـيـ مـــن ســـكـــان الـــبـــاد األصـــلـــيـــ . هــــذا أيـــضـــ يـــزيـــد من قناعتهم بـخـطـاب الـيـمـ الـشـعـبـوي، بـعـد فقدانهم الــثــقــة بــالــحــزبــ الـكـبـيـريـن واملـــؤســـســـات اإلعــامــيــة الـكـبـرى. تـعـامـل سـتـارمـر وحـلـفـاؤه مثل عـمـدة لندن مــع الـتـذمـر بـوصـفـه قـضـيـة أمـنـيـة يمكن مجابهتها بفرض أحكام رادعـــة، وقيود الرقابة على ما يُنشر. وإذا كانت حكومة ستارمر فشلت في وضع تعريف دقـــيـــق لـــ«الــيــمــ املـــتـــطـــرف»، فـكـيـف يـمـكـنـهـا وضــع مقاييس وتعريفات دقيقة لنوعية األخبار، وما يمكن نشره أو حجبه على منصات التواصل االجتماعي؟ ومَــن الجهة صاحبة الكلمة الفيصل فـي وضـع هذه املقاييس؟ أعـــداد مـتـزايـدة مـن البريطانيني تتجه ملصادر غير تقليدية كالتواصل االجتماعي، لفقدانها الثقة باملؤسسات الكبرى العريقة. األخــــيــــرة بــــدورهــــا تـــســـايـــر ســـتـــارمـــر فــــي إلـــقـــاء الــلــوم عـلـى «الــيــمــ املــتــطــرف» ومــنــصــات الـتـواصـل االجتماعي، وربما يمكن تقييد بعضها، لكن الناس تستطيع متابعة الوسائل البديلة من وراء الحدود. مكتب ستارمر وإيـلـون ماسك تراشقا الكلمات على منصة «إكس» التي يمتلكها األخير؛ بسبب تغريدة توقّع فيها «حربًا أهلية في بريطانيا». Issue 16693 - العدد Sunday - 2024/8/11 األحد الـصـيـف ضــيــفٌ، هـــذا مــا يــؤكــده مـثـل عربي قـــديـــم. املــقــصــود أن إقــامــتــه قــصــيــرة. والــصــيــف الــــبــــريــــطــــانــــي ضــــيــــف مــــحــــبــــوب ولــــيــــس ثـــقـــيـــاً، خـصـوصـ حـــ يــأتــي بـعـد مــعــانــاة فـصـل شـتـاء رمــــادي ومـمـطـر وبــــارد وطــويــل ومـسـبـب للكآبة، ربـــمـــا جَــــرّبــــه وعـــرفـــه الـــذيـــن أتــيــحــت لــهــم فـرصـة العيش في بريطانيا فترة من الزمن. الصيف البريطاني من نوع خاص، بمعنى أنه يتميّز بالقِصر، وقد ال يأتي، أو يأتي مثقل بـغـيـوم وســحــب وأمـــطـــار وعـــواصـــف، وقـــد يـأتـي جافًا وشديد السخونة. وصيف هذا العام وصل متأخرًا. وعلى غير املتوقع، تحوّل من ممطر إلى ساخن جدًا. وهي ميزة أخرى تضاف إلى املزايا املذكورة أعله. فـــي الـــبـــدايـــة انــتــظــر الــبــريــطــانــيــون وصـــول الضيف، واسـتـعـدوا لـه. إال أنّــه تأخر فـي املجيء وأقـلـقـهـم. وحـــ ازداد تــأخــره بـشـكـل الفــــت، ولـم يــتــوقــف ســـقـــوط األمــــطــــار، خــــرج خـــبـــراء الـطـقـس البريطانيون، في وسائل اإلعلم، يعلنون للناس أن صيف هذا العام ضل الطريق، ولم يعثروا له على أثر. أحد كُتّاب الزوايا الصحافيني البريطانيني اشتكى في مقالة، من تأخر الصيف، محتجًّا بأنه لــم يــــرو حـديـقـة بـيـتـه بــاملــاء وال مــــرّة خـــال شهر يونيو (حـــزيـــران)، وأنّـــه فـي شهر يوليو (تـمـوز) ظل حريصًا على مواصلة بلع حبة فيتامني «د» كــل صــبــاح، كـمـا كـــان يفعل خـــال فـصـل الـشـتـاء، الستمرار غياب الشمس. الـــصـــيـــف فــــي بـــريـــطـــانـــيـــا صـــيـــفـــان: طـقـسـي وســــيــــاســــي. وإذا غــــــاب أحـــدهـــمـــا أو تــــأخــــر فـي الحضور، توفر اآلخـــر. هـذا الـعـام تأخر الصيف طقسيًا، لكن الصيف السياسي حضر في وقته. وكــــان شـهـر يـونـيـو شـهـر الـحـمـات االنـتـخـابـيـة، الـتـي انـتـهـت بــخــروج املـحـافـظـ مــن الـحـكـم بعد نحو عقد ونصف العقد مـن الـزمـن، وبهزيمة ال تنسى، ومكانهم اعتلى العماليون اليساريون كــرســي الـحـكـم وبـأغـلـبـيـة تــكــاد تــكــون تـاريـخـيـة. آخــذيــن فــي االعـتـبـار االنــتــصــارات الـتـي حققتها أحزاب اليمني املتطرف في فرنسا وهولندا واملجر والنمسا، كانت هزيمة املحافظني بمثابة نكسة لـلـيـمـ املــتــشــدد عـلـى نـحـو خــــاص، لكراهيتهم لحزب العمال، لتعاطفه التاريخي مع الجاليات اإلثنية والعرقية. عــــــودة الـــعـــمـــال إلـــــى الـــحـــكـــم، مــضـــافــ إلـيـهـا قـــرار رئـيـس الحكومة بـإلـغـاء ترحيل املهاجرين غــيــر الــقــانــونــيــ إلــــى روانـــــــدا، وازديـــــــاد وصـــول قـوارب املهاجرين عبر القنال اإلنجليزي، تكفلت مجتمعة في رفع درجة حرارة األجواء السياسية، ومهدت األرض أمـام اليمني املتطرف إلى العودة مللعب العنف. لـــم يــكــن مــتــوقــعــ أن يـــكـــون شــــــابٌ، لـــم يبلغ الثامنة عشرة من العمر، مولود في بريطانيا ومن أصـــول روانــديــة، الــشــرارة الـتـي ستشعل الفتيل، بقيامه بالهجوم على مدرسة أطفال وطعن ثلث بنات منهن قتل بسكني، وجـرح ثمانية آخرين. حدث ذلك في بلدة صغيرة، اسمها ساوث بورت قـــرب مـديـنـة لــيــفــربــول. الـجـريـمـة كــانــت مــروعــة، وأثارت ردود أفعال كبيرة في جميع أنحاء البلد، واسـتـنـكـار كــل األطــــراف الـسـيـاسـيـة. وفـــي الـوقـت ذاتــــه، قـــدم الــشــاب الـــروانـــدي لليمني املـتـطـرف ما كانوا يتمنّونه. الجالية اإلسـامـيـة، رغــم انـتـفـاء وجـــود أي عـــاقـــة ألفــــرادهــــا بـجـريـمـة الــقــتــل، كـــانـــت الـــهـــدف املقصود من إشعال نيران األحداث مؤخرًا. وكانت وقودها؛ بأن تم الترويج من خلل اإلنترنت، من قبل العنصريني، بأن القاتل مهاجر غير قانوني مسلم، وصل إلى بريطانيا عبر بحر املانش. اللفت في األمر أن أحداث الشغب العنصري تـــزامـــنـــت مــــع رحـــلـــة قـــامـــت بـــهـــا وزيـــــــرة الـــخـــزانـــة الـبـريـطـانـيـة إلـــى أمــيــركــا لتشجيع املستثمرين األميركيني على استثمار أموالهم في بريطانيا، والـــجـــزرة الـتـي كـانـت تـعـد لتقديمها إلـيـهـم، هو االستقرار السياسي الــذي تتمتع بها بريطانيا بـــعـــد خــــــــروج املـــحـــافـــظـــ مـــــن الــــحــــكــــم، وعــــــودة حــزب العمال إلــى اإلمـسـاك بمقاليد األمـــور! لكن اليمينيني العنصريني سحبوا من تحت قدميها البساط. أحــــــــداث الـــشـــغـــب األخـــــيـــــرة أســـقـــطـــت ورقــــة الـــتـــوت عـــن الــيــمــ الــعــنــصــري فـــي بـريــطــانــيــا. وأصبح عداؤهم سافرًا نحو العرب واملسلمني، هـذا من ناحية. ومـن ناحية أخــرى، وفـي الجهة املقابلة، يقف املناهضون لهم واملناوئون للعنف والــــــداعــــــون إلـــــى الـــتـــعـــايـــش بـــســـام بــــ جـمـيـع الـتـعـددات اإلثنية فـي بريطانيا، وهــم األكثرية لحسن الــحــظ. وأبـــانـــوا عــن ذلـــك بـخـروجـهـم في مظاهرة كبيرة فـي لندن يـوم األربـعـاء املاضي. كما تمكنوا من التصدي للمخربني في عدة مدن، وحـالـوا بينهم وتحقيق أهـدافـهـم، فـي االعـتـداء على املساجد، واملمتلكات. هـنـاك خــوف بـ أفـــراد الجالية اإلسـامـيـة، خــــصــــوصــــ الـــــنـــــســـــوة، مــــــن عـــــــــودة االعـــــــتـــــــداءات العنصرية إلــى الـــشـــوارع، كونهن هـدفـ واضحًا وســــهــــا لــلــعــنــصــريــ ، عـــلـــى نـــحـــو يـــذكـــر بـفـتـرة الثمانينات من القرن املاضي، حني انتشر «حليقو الرؤوس» من العنصريني املتطرفني في الشوارع، ملـــمـــارســـة االعــــــتــــــداءات الــعــنــفــيــة عـــلـــى األجــــانــــب، خصوصًا من ذوي البشرة غير البيضاء. هـل حـــرب الـتَّــحـريـر - كما قــال عبد الحميد أبو سليمان - هي الصيغة العصرية للجهاد؟ أعيد طرح سؤال املقال املاضي، ألكمل اإلجابة عنه في هذا املقال. فــي الــخــطــاب الــقــومــي الـعـلـمـانـي وفـــي الـخـطـاب الـــيـــســـاري بـمـخـتـلـف تـــيـــاراتِـــه كـــانـــت تـسـتـعـمـل كلمة «مـنـاضـل» وكلمة «الـنـضـال» وكلمة «الـكـفـاح» بديل علمانيًا لكلمتي «مجاهد» و«الجهاد». وفي األدبيات املاركسية العربية يسمى الجهاد «الـــجـــهـــاد املــــقــــدس». صــحــيــح أن ســـواهـــم - والـــذيـــن منهم مـن ينتمون إلــى الـخـطـاب الـديـنـي اإلســامــي - يستعملون هذه التسمية، إال أن هؤالء يستعملونها بـعـفـويـة لــغــويــة وبــــبــــراءة آيــديــولــوجــيــة تـــأثـــرًا بلغة الـصـحـافـة وبـلـغـة األدب املـتـأثـرتـ هـمـا أيـضـ بلغة الترجمة من اللغة اإلنجليزية واللغة الفرنسية إلى اللغة العربية. فعن طريق التأثر بالترجمة من هاتني اللغتني صارت صفة القداسة - بالتذكير والتأنيث - تلحق بكلمات لم يكن معهودًا في األسلوب والبيان العربي القديم أو األصلي إلحاق هذه الصفة بها. في الكتاب التجميعي «الجهاد في سبيل الله» لــلــمــودودي والـبـنـا وقــطــب، الـــذي أحـــال عـبـد الحميد أبـــو سليمان إلـيـه فــي غـيـر مـوضـعـه - كـمـا أوضـحـت ذلـك فـي املـقـال املـاضـي - يقول أبـو األعـلـى املـــودودي: «فـــأنـــت تــــرى أن اإلســـــام قـــد تــجــنّــب لـفـظـة (الـــحـــرب) )war( وغيرها من الكلمات التي تـؤدي معنى القتال فـــي الــلــغــة الــعــربــيــة، واســـتـــبـــدل بــهــا كـلـمـة (الــجــهــاد) التي تــؤدي معنى (بــذل الجهد والـسـعـي)، ويرادفها ) فـي اللغة اإلنجليزية، غير أن لفظة struggle( كلمة (الــجــهــاد) أبــلــغ منها تـأثـيـرًا وأكــثــر إحــاطــة باملعنى املقصود». ترجمتها إلى اللغة العربية هي: يكافح، Struggle والكفاح؛ إذ إنها فعل واسم في آن واحد. وحني تُراجع معانيها بقواميس اللغة اإلنجليزية، وتُراجع معاني كلمة «جهاد» بقواميس اللغة العربية، ستعرف أن ما قاله املودودي هو قول صحيح. بـعـد الـــثـــورات الـعـلـمـانـيـة عـلـى صُــعُــد شـتـى في الـغـرب ونجاحها، اكتسى مصطلح «حــرب مقدسة» و«حــــرب أو حملة صليبية» مـعـنًــى سـلـبـيـ، لـــذا فــإن املصطلح األخـيـر مـن أجــل اسـتـمـرار استعماله أُفــرغ من معناه الديني األصلي، واستُبدل به معنى دنيوي نافع، مثل قولهم: سنشن حملة صليبية على املرض أو على الفقر أو على الـفـسـاد؛ الفساد السياسي أو االقــتــصــادي... إلـــخ. وعـلـى الضفة السوفياتية قيل: سنشن حربًا مقدسة على اإلمبريالية. وملَّـــا تـرجـم الـغـرب كلمة «الـجـهـاد» إلــى «الـحـرب املقدسة»، فهو ترجمها بهذا املصطلح غير املستحَب فـي الـغـرب بعد أن تعلمن. ومـمَّــا زاد األمـــر ســـوءًا أن أوروبــا كانت في قرونها الدينية ساحة حرب بارزة صال فيها الجهاد اإلسلمي قرونًا عدة. بدأ الغرب استعمال كلمتي «جهاد» و«جهاديني» بلفظيهما العربيني في وسائل اإلعلم وفي األوساط األكاديمية، في نهاية الثمانينات وبداية التسعينات املــيــاديــة. وقـــد ذاعــتــا عـنـد أهـلـه كـثـيـرًا بـعـد هجمات .2001 ) الحادي عشر من سبتمبر (أيلول في اللغة العربية معنى كلمة «جهاد» متعدد، وال يقتصر معناها على املصطلح اإلسلمي «الجهاد في سبيل الله». وألن معانيها متعددة أطلقت عائلت مسيحية فـلـسـطـيـنـيـة وســـوريـــة ولـبـنـانـيـة عــلــى أبــنــائــهــا اســم «جـــهـــاد» بـاملـعـنـى الــلــغــوي ولــيــس بـمـعـنـاه الـفـقـهـي. وتقصر معرفتي عما إن كانت العائلت القبطية في مصر، والعائلت املسيحية في العراق، سمّت أبناءها بهذا االسم، أم أنها ال تسمي أبناءها به. أَخـلـص مـن بعض مـا ذكـــرت إلـى أن اعتبار عبد الحميد أبو سليمان في رسالته للدكتوراه «النظرية اإلســـامـــيـــة لـــلـــعـــاقـــات الــــدولــــيــــة: اتـــجـــاهـــات جـــديـــدة للفكر واملنهجية اإلسلمية» حروب التحرير صيغة عصرية للجهاد، وتسميته لها جهاد «التحرير» كان خطأ بيِّنًا. رأى عـــبـــد الــحــمــيــد أبـــــو ســلــيــمــان أن «الــتــأثــيــر املاركسي على العلقات الدولية من الفكر املاركسي ذو أهمية ال تُذكَر (كذا في الترجمة العربية لرسالته)، كما كانت املفردات املاركسية، بشكل عام، منبع إرباك وحــيــرة مـتـزايـديـن، ولـــم يـكـن مــن الــواضــح مـمـن يُـــراد التحرر وملاذا. ولـــلـــداللـــة عــلــى ذلــــك فــقــد حـمـلـت هــــذه املـــفـــردات مــعــانــي مُــبـهـمـة ملــفــهــوم الــجــهــاد فـــي حــــرب الـتـحـريـر الجزائرية والحرب األهلية اليمنية. إن نقده هذا فيه ارتباك، وفيه أخطاء معلوماتية؛ فليس واضـحـ إن كــان يتحدث عـن حـــروب التحرير الوطنية أم حروب التحرير الشعبية. لــقــد مــهّــد لـلـحـديـث عـــن تــأثــر الــعــالــم اإلســامــي باملاركسية، بقوله: «وكان االتجاه املتنامي لعلقات الـــــدول اإلســامــيــة الــخــارجــيــة، بـعـد الـــحـــرب الـكـونـيـة الـثـانـيـة مـبـاشـرة، يبتعد عــن الــســام، ويـخـطـو نحو املـــواجـــهـــة مـــع الـــغـــرب. وشـــهـــدت هــــذه املــرحــلــة تـــورط الدول العربية باملسألة الفلسطينية (!) وثورة العرب املسلمني في شمال أفريقيا ضد االحـتـال األوروبــي لبلدهم، وكان اإلندونيسيون املسلمون منشغلني في حرب عصابات ضد املستعمر الهولندي». إندونيسيا من البلدان التي شهدت حرب تحرير شــعــبــيــة. ودول جـــنـــوب شـــرقـــي آســـيـــا عـــامـــة شـهـدت حروب تحرير شعبية. الجزائر شهدت حرب تحرير وطنية وحرب تحرير شعبية. حُـــدِّد تـأثـر الـعـالـم اإلســامــي باملاركسية زمنيًا ببروز االتحاد السوفياتي كقوة عظمى بعد انتهاء الــحــرب الـعـاملـيـة الـثـانـيـة، مــع أن زمـنـه أقـــدم مــن ذلــك. فعلى نحو عام، هذا التأثر بدأ بُعَيْد الثورة البلشفية ، إذ أنشئت أحـزاب شيوعية في بلدان إسلمية 1917 عدة. الــنــطــاق الــجــغــرافــي فـــي الــعــالــم اإلســـامـــي الـــذي خصّه بالوقوف على تأثره باملاركسية، هو البلدان العربية. وكـان بذلك يشير إلى البلدان العربية التي ربطتها علقات صداقة ونصرة وتحالف مع االتحاد السوفياتي. مــــرة أخـــــرى، نــحــن أمـــــام تــحــديــد زمــنـــي خــاطــئ، فمصر وسوريا والعراق والجزائر واليمن الجنوبي لم يكن لها هذا النوع من العلقة باالتحاد السوفياتي بعد انتهاء الحرب العاملية الثانية. كما أن هذه العلقة الخاصة بني هذه البلدان واالتحاد السوفياتي نشأت في أعـوام متفاوتة، ولم تنشأ دفعة واحـدة. ولم يكن سببها سببًا عـامـ - كما قــال - وهــو ظـهـور االتـحـاد السوفياتي بعد الحرب الكونية الثانية كقوة عظمى، فلكل بلد من هذه البلدان أسبابه في تكثيف العلقة باالتحاد السوفياتي. وللتنبيه، أنا لم أنس ليبيا، فلم أذكرها ألنه في ،1973 العام الذي أنجز أبو سليمان فيه رسالته، عام كـــان رئـيـسـهـا مـعـمـر الــقــذافــي ال يــــزال يـــذم فــي العلن العقيدة الشيوعية. فليبيا ارتبطت بعلقة خاصة مع . وللحديث بقية. 1974 االتحاد السوفياتي عام حروب التحرير صيغة عصرية ًللجهاد وتسميته لها جهاد «التحرير» كان خطأ بيِّنا ازدياد وصول قوارب المهاجرين عبر القنال اإلنجليزي مهد األرض أمام اليمين المتطرف إلى العودة للعنف جمعة بوكليب علي العميم عادل درويش OPINION الرأي 14 البديل العلماني للجهاد صيف ساخن في ربوع إنجلترا االحتجاجات... وسيطرة «السوشيال ميديا» أعداد متزايدة من البريطانيين تتجه لمصادر غير تقليدية كالتواصل االجتماعي

RkJQdWJsaXNoZXIy MjA1OTI0OQ==