issue16691

بعد أن نشرت مقال: «الصحّاف الأخـيـر»، وصـل إلـيّ رد يعاتب على ضرب المثال بوزير الإعلام العراقي الشهير محمد الصحّاف على اعتبار أنه كان موظفاً ويـؤدي عمله، ولم يكن أمامه في نظام «البعث» إلا أن يــردد المعلومات المضللة وإلا فقد حياته. الإشــكــالــيــة فـــي هـــذا الــــرد أن الــصــحّــاف و«الــصــحّــافــيــة» تـحـولـت إلـــى ظــاهــرة وحــالــة تـتـجـاوز الـــفـــرد. ومـــع هـــذا يمكن الـقـول إن الـصـحّـاف نفسه كــان يــؤدي مهنته ولا نعرف فعلاً ماذا كان سيفعل لو كان يملك الحرية ولم يكن مجبراً على بث تلك المعلومات المزيفة. ولسنا متيقنين على وجه الدقة إذا كان مؤمناً بما قال أم لا. ولكن إذا قارنّا الصحّاف بمن أتوا بعده من «الصحّافيين» الــذيــن نــراهــم يـومـيـ ، فليس مــن المـبـالـغـة لــو قلنا إنـــه سيبدو صــحــافــيــ أكـــثـــر مــهــنــيــة مــنــهــم رغـــــم مـــبـــالـــغـــاتـــه. لـــقـــد تـــجـــاوز «الــصــحّــافــيــون» الــصــحّــاف وتــفــوقــوا عـلـيـه، وذلــــك عـلـى أربـــع مستويات: حجم الدعاية، والتأثير، والإرادة، والمردود المالي. أولاً- حجم الدعاية: كل الوقت الذي قضاه الصحّاف في ترديد دعايته المضللة مجرد ثلاثة أسابيع؛ من دخول القوات الأميركية إلى العراق حتى سقوط بغداد. وهذا يعني أن حجم الدعاية محدود بالمدة الزمنية. وقد شاهدت مجدداً مؤتمراته الصحافية وهـو يتحدث بلغة خطابية إنشائية نتذكر منها عـبـارات، مثل «ينتحرون على أســـوار بـغـداد» و«المـجـرم بوش الصغير»، ووصـفـه الشهير للجنود الأميركيين بـ«العلوج». عملياً مـا قـدمـه الـصـحّـاف كــان خطباً دعـائـيـة منبرية وليس تحليلاً عسكرياً مفصلاً. «الصحّافيون» بعده وزّعوا كماً كبيراً من الأكاذيب لوقت طويل امتد لأشهر وليست أسابيع. تقريباً كل المعلومات التي ذكروها خاطئة وغير دقيقة. كل التحليلات العسكرية تحولت إلـى عكسها. كل التنبؤات وقـــراءة مستقبل المـعـارك ثبت أنها قــراءات رغبوية تقترب من الخرافة. الصحّاف نفسه لم يصل إلى هذا المستوى ولم يقدم نفسه بصفته لواء وجنرالاً وخبيراً يعرف سير المعارك واستراتيجيات الحروب وإنما وزير إعلام ردد معلومات مطلوبة منه لرفع الروح المعنوية. ثانياً- التأثير: رغم أن الصحّاف ردّد دعاية مضللة فإنه لـم تنتج عنها أضـــرار عملية. لا نتوقع أن أحـــداً سمع حديث الصحّاف وقرر أن يأخذ بندقيته (ما عدا الفلاح منقاش الذي اعترف لاحقاً بأنه فبرك روايته حول إسقاط طائرة الأباتشي) وهاجم جحافل القوات الأميركية الزاحفة على بغداد، معتقداً أن لديها مناطق أو خواصر رخـوة يستطيع أن يهاجمها من خلالها ويقضي عليها. وبسبب المـدة القصيرة، من المشكوك فيه أن هـذا التضليل تسبب فـي قتل أحـد أو أقنع الأميركيين بـــأن هـنـاك فـعـً مـقـاومـة شــرســة، واسـتـخـدمـوا الــقــوة المفرطة للقضاء عليها وذهـــب ضحية ذلـــك مـدنـيـون. لا يـوجـد أيضاً مدنيون عراقيون قُتلوا بسبب دعاية الصحّاف، وإنما قُتلوا لاحـقـ لأســبــاب أخـــرى لا عـ قـة لــه بـهـا. هـــذا عـلـى الـعـكـس من «الــصــحّــافــيــ » الـــذيـــن جـــــاءوا بــعــده وتــفــوقــوا عـلـيـه. الـتـأثـيـر بدعايتهم المضللة تسبب في قتل آلاف المدنيين الذين اعتقدوا أنهم في أمــان وأن الأمــور تسير في صالحهم وأن معارك من مسافة صفر تعني انتصارهم الوشيك. ليجدوا أنفسهم تحت القصف وفي مرمى النيران. الكذب في الإعلام سيئ بشكل عام والأسوأ في وقت الحروب لأن الناس يفقدون حياتهم وبيوتهم الآمنة ويعيشون مشردين في الخيام والعراء. المسألة ليست نـزهـة، ودور الصحّافيين أن يـقـدمـوا لهم المـعـلـومـات الدقيقة لأنها قد تكون السبب في نجاتهم أو على الأقل معرفة ما يدور حولهم. وعـــادةً مَــن يغضب مـن تقديم المعلومات الصحيحة هم الناس البعيدون الذين يعيشون مع أطفالهم بسلام ودعة، ولـيـس الـنـاس الـذيـن هـم تحت القصف ووســـط لهب الـنـيـران. أضــــف إلــــى ذلــــك أن المــعــلــومــات غــيــر الــدقــيــقــة بـتـضـخـيـم دور المواجهة قد يبرر استخدام القوة العنيفة الوحشية للقضاء عـلـى مـــصـــادر الـتـهـديـد المـحـتـمـلـة، وعــــــادةً مـــا يــدفــع المـدنـيـون الثمن. والتضخيم يُستخدم أيضاً سياسياً وإعلامياً. أي إن «الصحّافيين» يقدمون بسذاجة وغباء خدمة مجانية وذخيرة دعائية للطرف الآخر، والمدنيون هم الضحايا. ثالثاً- الإرادة: تحب أو تكره الصحّاف. تتفق أو تختلف معه. إلا أننا نعرف أنـه كـان منزوع الإرادة ولـم يكن بمقدوره إلا أن يفعل مـا فعله. لـو كـان أيّ أحـد منّا فـي مكانه ويتخيل شـكـل المشنقة الـتـي سيعلّق فيها لــو أدلـــى بتصريحات غير المــتــفــق عـلـيـهـا، فــمــن المـــرجـــح أنـــنـــا كــنــا ســـنـــردد أكـــاذيـــب أكـثـر مـن تلك التي قالها حتى ننجو بجلدنا. مـن المهم وضــع هذا فـي الحسبان حتى نحكم عليه. ولا ننسى أن الـصـحّـاف كان داخـل العراق وليس خارجه. أي إنه كان يتحدث والصواريخ تسقط حوله وليس من خارج بغداد. كل ما سبق يمثل عكسه تماماً «الـصـحّـافـيـون»؛ فهم فـي الــخــارج مـرتـاحـون ويحللون مـن الاسـتـوديـوهـات المكيفة، ويتصرفون ويعملون بإرادتهم الكاملة، ولا أحد يصوّب المسدس إلى رؤوسهم ويُجبرهم على تقديم معلومات مزيّفة. وغالباً هم لا ينتمون إلى البلد وأبنائه الذين يواجهون الكارثة، وفي مـرات كثيرة نراهم يخونونهم ويصفونهم بالعمالة والـخـيـانـة لمـجـرد الاخــتــ ف معهم. أي إن الـذي يعيش في أمـان وراحــة ويتكسب شعبوياً يخون من يعيش تحت القصف وفقد نصف عائلته. الصحّاف لم يصل أبداً إلى هذا المستوى! رابعاً- المردود المالي: الصحّاف لم يحصل على أموال ولم يسكن فنادق ولم يعامَل على أنه فاتح نظير دعايته. لم يمضِ وقت طويل حتى غـادر العراق وعـاش منعزلاً ولم يعرف عنه أحد الكثير بعد ذلك. وقد تحوّل إلى رمز للتضليل والدعاية الكاذبة رغم أنه لم يفعل ربع ما فعله مَن أتوا بعده. خرج بلا مـال ولا سمعة. ولـكـنّ «الصحّافيين» مـن بعده حصلوا على المـــال فـي الـوقـت الـــذي يطالبون الآخــريــن الـذيـن لا يـجـدون ما يأكلون بالصمود، وحصلوا على شهرة وهم مجهولون في السابق. «الـصـحّـافـيـون» أداة وبـــوق لــن تجدهما إلا فــي وسـائـل الإعـ م الدعائية الرديئة. لا تهتم بالمعايير الصحافية حتى في أبسط صورها التي تعني نقل ما يحدث على الواقع وما يمر به الناس. وستجد دائماً «صحّافياً»، تحشو جيوب بدلته الأنيقة بالمال الملطخ بالدم، ليردد ما تريد قوله، حتى لو كان عـلـى حــســاب أهــالــي الـقـتـلـى والمــصــابــ والأطـــفـــال المـشـرديـن الجائعين الهائمين على وجوهم بحثاً عن مأوى وطعام. OPINION الرأي 12 Issue 16691 - العدد Friday - 2024/8/9 الجمعة وكيل التوزيع وكيل الاشتراكات الوكيل الإعلاني المكـــــــاتــب المقر الرئيسي 10th Floor Building7 Chiswick Business Park 566 Chiswick High Road London W4 5YG United Kingdom Tel: +4420 78318181 Fax: +4420 78312310 www.aawsat.com [email protected] المركز الرئيسي: ٢٢٣٠٤ : ص.ب ١١٤٩٥ الرياض +9661121128000 : هاتف +966114429555 : فاكس بريد الكتروني: [email protected] موقع الكتروني: www.arabmediaco.com هاتف مجاني: 800-2440076 المركز الرئيسي: ٦٢١١٦ : ص.ب ١١٥٨٥ الرياض +966112128000 : هاتف +9661٢١٢١٧٧٤ : فاكس بريد الكتروني: [email protected] موقع الكتروني: saudi-disribution.com وكيل التوزيع فى الإمارات: شركة الامارات للطباعة والنشر الريـــــاض Riyadh +9661 12128000 +9661 14401440 الكويت Kuwait +965 2997799 +965 2997800 الرباط Rabat +212 37262616 +212 37260300 جدة Jeddah +9661 26511333 +9661 26576159 دبي Dubai +9714 3916500 +9714 3918353 واشنطن Washington DC +1 2026628825 +1 2026628823 المدينة المنورة Madina +9664 8340271 +9664 8396618 القاهرة Cairo +202 37492996 +202 37492884 بيروت Beirut +9611 549002 +9611 549001 الدمام Dammam +96613 8353838 +96613 8354918 الخرطوم Khartoum +2491 83778301 +2491 83785987 عمــــان Amman +9626 5539409 +9626 5537103 صحيفة العرب الأولى تشكر أصحاب الدعوات الصحافية الموجهة إليها وتعلمهم بأنها وحدها المسؤولة عن تغطية تكاليف الرحلة كاملة لمحرريها وكتابها ومراسليها ومصوريها، راجية منهم عدم تقديم أي هدايا لهم، فخير هدية هي تزويد فريقها الصحافي بالمعلومات الوافية لتأدية مهمته بأمانة وموضوعية. Advertising: Saudi Research and Media Group KSA +966 11 2940500 UAE +971 4 3916500 Email: [email protected] srmg.com ستجد دائماً «صحّافياً» تحشو جيوب بدلته الأنيقة بالمال الملطخ بالدم ليردد ما تريد قوله بانتظار الرد تكوّنت مسافات وساحات داخلية إيرانية وأسئلة حقيقية لها تأثيرها في النظام ممدوح المهيني مصطفى فحص «الصحّافيون» يتفوقون على «الصحّاف» أخطاء إيرانية شائعة مــن الأخــطــاء الـلـغـويـة الـتـي تُـسـتـخـدم بـكـثـرة فــي الحياة الــعــامــة، خـصـوصـ بــ الإعــ مــيــ والـسـيـاسـيـ ، اسـتـخـدام مـفـردة «قــــادم» لغير الإنــســان، وآخـــر الأمـثـلـة عليها مـا يـتـردّد فــي وســائــل الإعــــ م وعــلــى ألـسـنـة الـــنـــاس، بـــأن الــــرد الإيــرانــي على اغتيال زعيم حركة «حماس» إسماعيل هنية في طهران «قـــادم»، فمفردة «قـــادم» يعدّها اللغويون خطأ شائعاً، وهي محصورة فقط بمن يسير على قدمين، لذلك الأصـح القول إن الرد الإيراني «مقبل». سياسياً، يمكن أيضاً تفسير الفرق بين القادم والمقبل، إذ إن إيـران لن تأتي على قدميها للانتقام من إسرائيل رداً على فعلتها، وذلـــك لأسـبـاب ليست فقط لـغـويـة، بـل هـنـاك أسباب طبيعية جغرافية عدة، وأخرى أكثر أهمية سياسياً وعسكرياً واستراتيجياً واجتماعياً، فاجتياز المسافة الجغرافية الفاصلة ما بين إيران وفلسطين المحتلة مثلاً، تفرض على طهران جهداً وكلفة كبيرين، وهـــذا الأمـــر يلغي فـكـرة اسـتـخـدام القدمين أو حتى الانتقال المباشر إلى الحدود اللبنانية - الفلسطينية، رغم أن الطريق من طهران إلـى بيروت كانت آمنة لعقود، لأسباب غُـــضّ الــطــرف عـنـهـا، وهـــي الآن خـطـيـرة وغـيـر سـالـكـة، بعدما استُخدمت لأهداف أخرى. هذه الجغرافيا المعضلة دفعت الداخل الإيراني، الرسمي والــنــخــبــوي والــشــعــبــي، إلــــى طــــرح الـــســـؤال حــــول إمــكــانــيــة أو ضرورة قطع كل هذه المسافة، من أجل الرد أو الانتقام للإهانة التي تعرّضت لها إيـران، ما دامت هناك طرق إيرانية مباشرة ولو محدودة. فعلياً، هذه المعضلة ليست جديدة، ولكنها باتت تتكرّر عند كل استحقاق استراتيجي تواجهه طهران، لكن هذه المرة أيـضـ تـرتـبـط بمعادلتها الـجـيـواسـتـراتـيـجـيـة، أي مــا يُسمى «وحـــدة الـسـاحـات»، فطهران معنية فـي هــذه المرحلة الدقيقة بتذكير أعدائها وأصدقائها ومن يسير خلفها، بأنها ليست لـديـهـا حـــدود مشتركة مــع فلسطين المـحـتـلـة، وكـــأن جغرافيا «وحدة الساحات» تلاشت أو حُصرت في لحظة معينة لصالح جغرافيا شائكة ومعقدة؛ ما يعني أن القيادة الإيرانية، التي حسمت أمرها في اليوم الثاني لعملية «طوفان الأقصى» بأنها لــن تـتـدخـل، وأنــهــا فــي مـوقـع الــدعــم عـلـى المـسـتـويـات كــافّــة إلا التدخل المباشر؛ تحاول مرة جديدة أن ترسم حدود تدخلها أو انتقامها أو ردها، وفقاً لمقتضيات مصالحها الجيوسياسية، ولعل هذا قد يفسّر أحد جوانب الأخطاء اللغوية التي تُستخدم عند الحديث عن المواقف الإيرانية. بـانـتـظـار الـــرد وهـــو حـتـمـي، تـكـوّنـت مـسـافـات وسـاحـات داخــلــيــة إيـــرانـــيـــة وأســئــلــة حـقـيـقـيـة لــهــا تــأثــيــرهــا فـــي الـنـظـام والــثــورة والــدولــة ومستقبلها مـعـ ، فـي مرحلة انتقالية غير مستقرة فيها صراعات لم تعد خافية على السلطة والثورة، وصُـنـاع قــرار يضغطون مـن أجــل تحديد حجم الـــرد، بوصفه رد اعتبار لهيبة النظام داخلياً بعدما تكسّرت خارجياً، وليس حــربــ إقـلـيـمـيـة مــبــاشــرة لا يــريــدهــا مـــن أخــطــأنــا فـــي وصفهم لغوياً أعــداء إيــران، وهـم على الأغلب يحاولون الالتفاف على الأزمـــة حفاظاً عليها، حتى لا تسقط الشعرة الأخـيـرة بينها وبينهم، خصوصاً أن الطرف المعني منحاز بالكامل إذا حصل مـا لا يمكن احـــتـــواؤه. وعـلـيـه، فــإن «الــصــح» الإيــرانــي الشائع أو الحقيقي هــو الـــرد «الـــقـــادم» قـــولاً وفــعــً -ولــيــس استثناء لغوياً- من المسافة صفر على الحدود اللبنانية - الفلسطينية، كونه الحقيقة الجغرافية المرتبطة بالتاريخ والقضية وحق الـدفـاع عـن النفس، ولكنه تـكـرار للمشهد العربي المـؤلـم الـذي » من القرن الماضي، 73« » و 67« حصر الـصـراع ما بعد حربي بالفلسطينيين واللبنانيين فقط. فـــي خــطــاب زعــيــم «حــــزب الـــلـــه» مـسـاء ، فــي اغـتـيـال إسـرائـيـل 2024-8-6 ، الــثــ ثــاء لـقـائـدٍ عـسـكـريٍ بـالـحـزب مـــرت كلمة لافـتـة: «لـــيـــس عـــلـــى إيـــــــران أن تـــشـــنّ حـــربـــ دائـــمـــة وإنما عليها هذه المرة أن تردّ بسبب اغتيال الشهيد إسماعيل هنية على أرضــهــا»! لو أكـمـل نصر الـلـه عبارته لـقـال: ليس عليها أن تشنّ حرباً دائمةً من أجل فلسطين، لكنه لـم يفعل. لكن إيـــران فـي الـواقـع ومنذ أكثر من عقدين تشنّ حروباً بنفسها أو بواسطة مـيـلـيـشـيـاتـهـا المــنــتــشــرة بـالمـنـطـقـة. ونـحـن نـعـلّـل ذلـــك دائــمــ باشتباكها مــع الــولايــات المتحدة لأسباب عدة، وباستراتيجيتها في زعزعة الاستقرار بجوارها العربي. ونقول إن الولايات المتحدة تتبع تجاهها سياسة «الاحـتـواء» وليس المصادمة. ونقول أيضاً وأيضاً إنّ إيـران حققت مكاسب، بالمعنيَين السياسي والاستراتيجي، بالاستيلاء على مساحاتٍ وموارد، وإزعاج الولايات المتحدة وإسـرائـيـل وهــي تتجه لتحالفٍ وثـيـق مع روسيا في الوقت الـذي تكاد فيه الولايات المتحدة تشتبك مع روسيا في أوكرانيا. بـــيـــد أن هــــــذه المــــكــــاســــب المـــحـــقـــقـــة أو المـــتـــصـــورة ذات تـكـلـفـةٍ بــاهــظــةٍ لــيــس على اقتصادها وشعبها بسبب الإنفاق الهائل عـــلـــى الـــعـــســـكـــر والمـــيـــلـــيـــشـــيـــات والـــحـــصـــار الأمـــيـــركـــي، بـــل وعـــلـــى هـيـبـتـهـا وقـــدراتـــهـــا وتــقــدمــهــا وعــ قــاتــهــا بـــالـــجـــوار والمــحــيــط. ويبدو ميزان الأرباح والخسائر في لحظته الحاسمة الآن، حيث تتثاقل إيـران في الردّ على الاختراقات الإسرائيلية التي لا تنفع فيها تـحـرشـات الميليشيات المـوالـيـة، أو لا تكفي. سمحت الولايات المتحدة، أو لم ترفع الصوت وإيــران تتغلغل في الـدول العربية ولا تــــزال، لكنها لــم تسمح لـهـا بالتعرض الـــحـــقـــيـــقـــي لإســـــرائـــــيـــــل. وهـــــــذا فـــــي الـــوقـــت الــــذي اقـتـنـع فـيـه الإســرائــيــلــيــون بـأنـهـم لن يحظوا بالأمن ما دام الإيرانيون مصمّمين عـــلـــى اســـتـــمـــرار المـــواجـــهـــة ولـــــو مــــن طــريــق الميليشيات. الأشـــهـــر الــعــشــرة الأخـــيـــرة مـــن الـحـرب بــ غـــزة وجــنــوب لـبـنـان والــيــمــن، أظـهـرت أموراً عدة أهمها صمود «حماس»، وتفوق الـجـيـش الإسـرائـيـلـي لـيـس عـلـى «حـمـاس» فــقــط، بــل وعــلــى «حــــزب الــلــه» وعــلــى إيـــران نــفــســهــا. وبــالــطــبــع لــــولا الـــدعـــم الــســ حــي واللوجيستي والاستخباراتي من الجيش الأميركي ما كان التفوق الإسرائيلي ليظهر بـهـذا الـــقـــدر. لـكـن هـــذه هــي حـقـائـق المـوقـف الذي لم يتغير منذ عقود عدة. فــإلــى أيــــن تـتـجـه إيـــــران فـــي المستقبل القريب؟ نـــصـــر الــــلــــه أشـــــد أنــــصــــار إيــــــــران قــــوةً وثقة، يرى أنه ليس من «واجب» إيران شن حروبٍ دائمة. والإيرانيون انتخبوا رئيساً إصـــ حـــيـــ يـــريـــد عــــ قــــاتٍ أخــــــرى بــالــغــرب والــــعــــالــــم، ويــــريــــد مــــن طـــريـــق ذلـــــك إدخـــــال شـــــيء مــــن الــــهــــدوء والـــــراحـــــة عـــلـــى الـشـعـب الإيراني الذي انتخبه. والمرشد المتقدم في الـسـن يهيئ لخلافته، ومــن الطبيعي رغم الغضب الـــذي يـحـسّ بـه نتيجة اخـتـراقـات الــتــفــوق الإســرائــيــلــي، أن يـشـعـر بـالـحـاجـة إلـــى تـــرك انـطـبـاعـاتٍ طـيـبـةٍ عــن نفسه وعـن مـواريـثـه لــدى الشعب الإيـــرانـــي. وإلـــى ذلك كـلّـه فـفـي مـنـاطـق انـتـشـار الـنـفـوذ الإيــرانــي هناك تـذمـرٌ كبير مـن جانب الأكـثـريـات في الـــعـــراق وســـوريـــا ولــبــنــان، والـــفـــرق ضئيل بـــ الـشـيـعـة والـــفـــئـــات الأخـــــرى فـــي مطلب الاســـتـــقـــرار، وأن تـدعـهـم إيــــران وشــأنــهــم... فليس مــن الطبيعي أن تـكـون فــي الـبـلـدان الثلاثة المذكورة جيوش وقوى أمنية وإلى جانبها أو فوقها ميليشيات تأتمر بأمر «الحرس الثوري» الإيراني. فهل تكون هـذه هي اللحظة المناسبة لمراجعة استراتيجيات التدخلات والحروب والمــــيــــلــــيــــشــــيــــات، لــــيــــس تـــــجـــــاه إســــرائــــيــــل بـالـتـحـديـد، بـــل تــجــاه ســائــر الـــبـــلـــدان: فما جـــــدوى الإنـــفـــاق عــلــى عـــشـــرات الألــــــوف من المـــيـــلـــيـــشـــيـــات الأفــــغــــانــــيــــة والـــبـــاكـــســـتـــانـــيـــة الشيعية في سـوريـا؟ ومـا المصلحة في أن تتلوث سمعة «الثورة الإيرانية» من طريق أذرعــــهــــا بــصــنــاعــة المـــــخـــــدرات وتــهــريــبــهــا، والـدخـول في مجموعات الجريمة المنظمة في أميركا اللاتينية والوسطى وأفريقيا؟! ولـــنـــتـــأمـــل فــــي الـــســـمـــعـــة الـــســـيـــئـــة لــكــتــائــب «الـحـشـد الـشـعـبـي» الــعــراقــي فــي اسـتـغـ ل أمــــوال الـــدولـــة، وفـــي مـمـارسـة «الصلبطة» عـلـى الــنــاس بــالــداخــل الــعــراقــي؟ وكـمـا ثـار ، ثــار اللبنانيون في 2019 الـعـراقـيـون عــام الــــعــــام نــفــســه ولـــأســـبـــاب ذاتــــهــــا: الــفــســاد و«الصلبطة» والمذهبية والإذلال، وانتهاك الحقوق وتجاوز الحدود. ولــــنــــدع هــــــذا وذاك وذلــــــــك. ولــنــتــأمــل الــــعــــ قــــات مــــع الــــــــدول الـــعـــربـــيـــة الــســلــيـمـة والمريضة. هي علاقات التربص من جانب الإيرانيين، والحذر من جانب العرب. ومع ذلـــك لـــولا المـنـافـذ مــن دبـــي والاسـتـئـثـار من الـــعـــراق، لمـــا أمــكــن تــصــور بــقــاء لـ سـتـقـرار الهش في إيران. ما الحاجة إلى هذا الكلام غير ذي التعقل حـول تصدير الـثـورة: فهل النموذج الذي يُراد تصديره قابل للتصدير بـــالـــفـــعـــل؟ وإذا كـــــان الأمــــــر كــــذلــــك، فــلــمــاذا الـتـمـردات الشعبية الكبيرة عليه بالداخل الإيراني؟ إذا قسنا نـجـاح «الـــثـــورة» بـمـا فكّكت وخـــرّبـــت مـــن بـــلـــدان، وبــمــا حــرمــت شعبها مـــــن ضـــــــروريـــــــات الــــعــــيــــش؛ فـــــــــإنّ الـــتـــوجـــه الاستراتيجي لهذا البلد الغني جـداً يكون مـسـتـحـقـ لـلـتـرحـاب والــتــقــديــم. لــكــنّ الأمـــر ليس كذلك كما يدركه أكثر الإيرانيين. فهل يمتلك النظام الإيراني الشجاعة لإعـــادة النظر فـي الـتـوجـهـات والسياسات كما حصل في سنغافورة والصين وحتى فــــي روانــــــــــــدا؟! إن لــــم يـــحـــصـــل ذلـــــك فـنـحـن مقبلون عـلـى المــزيــد مــن الــنــزاعــات، بسبب إسرائيل وبسبب إيـران، على ملفاتٍ أخرى نافرة أهمها الملف النووي الإيراني. رضوان السيد الاستراتيجية الإيرانية وإلى متى الحرب؟

RkJQdWJsaXNoZXIy MTI5OTky