issue16690

Issue 16690 - العدد Thursday - 2024/8/8 الخميس OPINION الرأي 14 المنطقة والحرب التيلا تنتهي المنطقة على فوهة بركان، والأسئلة كثيرة: متى الــــرد الإيـــرانـــي؟ وهـــل يــتــزامــن مــع ردّ «حــــزب الـــلـــه»؟ أو تـقـوم إسـرائـيـل بـضـربـات اسـتـبـاقـيـة؟ لـكـن لا مـؤشـرات لحرب شاملة. المسألة مرتبطة بالخلل في التوازن بين النظام الإيراني وأذرعه، من جهة، وإسرائيل وحلفائها (الــــــولايــــــات المـــتـــحـــدة والــــقــــوى الأطـــلـــســـيـــة الــرئــيــســيــة) مـــن الــجــهــة الأخــــــرى. ولأن الـــفـــارق كـبـيـر بـــ عمليتَي القنصلية الإيرانية في دمشق ومقتل إسماعيل هنية في طهران. في الأولى تبنّ إسرائيلي، فيما لم تشر إلى مسؤوليتها عـن الثانية، ولا تملك طـهـران الأدلـــة التي تبرر لها بدء الحرب، رغم أن عملية طهران تندرج في عقيدة الاغتيالات الثابتة في أداء العدو. لكن ما عاد ممكناً تجنب حرب قاسية تمتد عدة «أيـام قتالية»، وفق «الأخبار» المقربة من «حـزب الله». أو «أيــام من تبادل الضربات»، وفـق دبلوماسي غربي تحدث إلى «هـآرتـس». ما يعني أن الضربات المتبادلة ستكون مفتوحة، وسيكون لبنان المستباح، بــدءاً من جــنــوبــه، مــســرحــ لــهــا، وتــمــتــد إلــــى أجـــــزاء مـــن ســوريــا وأبعد منها. وقد تكون الحرب التي يمكن لها أن تفرض تعديلاً مـا فـي خـرائـط نفوذ إسرائيل وإيـــران على حدٍ سواء! لماذا لبنان؟ لأن السؤال فرض نفسه بشأن انخراط إيـــــران عـسـكـريـ ، كـمـا أمـــر المـــرشـــد وهــــــدّد. فــطــهــران في مـــأزق، غير قـــادرة على ابـتـ ع الإهــانــة الـتـي وضعتها أمــام حتمية الـــردّ، مـع مـا تحمله مـن مخاطر اسـتـدراج أعــقــد مـــن أن تــكــون تـمـريـغـ لهيبتها ومـــسّـــ بـشـرفـهـا. وغير قـادرة كذلك على اعتماد «الصبر الاستراتيجي» والاكـــتـــفـــاء بــــــإدارة حــــروب صـغـيـرة بــالــوكــالــة. كـــل ذلـك يفسر التريث في بحث إيــران كيفية حفظ مـاء وجهها وتلافي الانزلاق الكبير. هنا لفت الانتباه زيارة سيرغي شــويــغــو المــفــاجــئــة لـــطـــهـــران الـــتـــي اســـتُـــتـــبِـــعَـــت بجسر جـوي عسكري، لأنــه، بالتزامن معها، قالت الخارجية الإيرانية إن طهران «لا تسعى إلى زيـادة التوتر»، وإن الرد «على الكيان الصهيوني سيكون في إطار القوانين والأعراف الدولية». توازياً، يعلن مستشار قائد الحرس الـثـوري: «الانتقام من إسرائيل لاغتيال هنية سيكون عـبـر سـيـنـاريـو جـديـد يُـنـفّـذ بـشـكـلٍ مـفـاجـئ»، فـمـا هـذا الــســيــنــاريــو؟ وهـــل يـمـكـن بـعـد مــفــاجــأة كـــل «الأرمــــــادا» الأميركية الغربية والإسرائيلية؟ المشهد المتغير يـسـرّع مـسـار الـدفـع إلــى مـزيـد من العنف والمـعـانـاة. بــدأ هــذا المنحى مـع رفــض نتنياهو مـــبـــادرات وقـــف الـــنـــار، ثـــم تـجـاهـلـه مـــبـــادرة بـــايـــدن في خطابه أمــام الكونغرس، بحيث بـدا كمن نـال «شيكاً» عــــلــــى بــــيــــاض لـــنـــهـــجـــه الإجـــــــرامـــــــي فـــــي شــــــــراء الــــوقــــت حـمـايـةً لمـوقـعـه الـسـيـاسـي والمــضــي بـعـيـداً فــي المخطط الصهيوني؛ دولة واحدة بين النهر والبحر! لقد ضمن نتنياهو واشنطن في صف تل أبيب، بـعـدمـا صــــوّب عـلـى إيـــــران، رأس «مــحــور الـــشـــر»، التي ينبغي فتح المواجهة معها. لذا أمر بعمليتَي الاغتيال، وأتبعهما بإعلان نجاح عملية اغتيال محمد الضيف. هـنـا يفضي الـتـمـعّـن بالمشهد الــعــام بـأنـه مهما فعلت إيـــران، فنتنياهو في موقع الـرابـح الكبير الحائز على مكافأة، فيما المطلوب دولياً معاقبته، وربما كان هذا الأمر بين أبرز اهتمامات شويغو في زيارته لطهران! فـي زمـن يعيش فيه «مـحـور الممانعة تحت وطـأة حالٍ من الإحباط واللايقين وفوضى الرؤى حول كيفية الرد على الضربتين الثقيلتين التي نجحت تل أبيب في توجيههما إلــى رأس المــحــور»، وفــق توصيف الكاتب إبراهيم بيرم المطّلع على مواقف «حزب الله»، فإن لبنان المسلوب القرار مرتبط قسراً بساحاتحروب مرجعيتها طهران. هذا الارتباط المفروض مصيري، ويطرح وجود لبنان على طاولة البحث. هنا مفيد التذكير بأنه، رغم تحريك طهران لساحات عديدة مواكبة لحرب التوحّش على غزة، فإن الصهاينة هددوا باستنساخ نموذج غزة في الجنوب وبيروت وكل لبنان! إن هاجسإيران منحروبها، عبر أذرعها، الوصول إلى صفقة سياسية تمنحها الاعتراف الغربي بالقدر الأكبر من النفوذ في المنطقة، مع محاذرة الانـزلاق إلى حرب واسعة. لذا لا يدخل في الحساب الإيراني ما يُنزل بالساحات من ويلات تعدها خسائر جانبية بالنسبة لمـشـروعـهـا. فبعدما تـحـوّلـت بــلــدات جـنـوب الليطاني الحدودية إلى ركام وحـزام أمني، وطال التهجير نحو ضحية، والخسائر فلكية 600 ألفاً، وسقط أكثر من 150 في بلدٍ مُنهَك اقتصادياً، موجوع اجتماعياً، وخائف صـحـيـ ، يسيطر الــذعــر، والمــواطــنــون تـحـت وطـــأة قلق . وكيف 2006 ) يفوق ما عاشوه في حرب يوليو (تموز لا، وهم يتابعون دعـوات إجلاء الرعايا، التي توّجَتها مناشدة السفارة الأميركية للأميركيين «حجز أي تذكرة متاحة والاتـصـال بالسفارة فـي حـال عـدم توفر أمـوال لديهم للعودة إلـى أمـيـركـا»؟! لتبدأ ترجمة هـذا الذعر بتكثيف مـغـادرة الـقـادريـن إلــى الــخــارج، ونـــزوح ألـوف الأسر المتحدرة من البقاع عن الضاحية الجنوبية، فيما ألوف أخرى تبحث عن سقف آمن يؤويها! لـــم يــعــد مـمـكـنـ تـغـطـيـة مــســؤولــيــة «حـــــزب الــلــه» ومـــحـــوره عــن شـقـاء اللبنانيين الــذيــن تـحـاصـرهـم من ناحية المجاعة نتيجة منهَبَة منظمة، ومن الأخرى خطر الإبادة نتيجة حرب «مشاغلة» ارتدّت دماراً عميماً... لا بديل عن الدولة التي تحمي كل شعبها وتصون حياته وحقوقه. لكنها اليوم دولة مؤجلة بعد الانكشاف المريع لتبعية الطبقة السياسية: «معارضة» نظام المحاصصة الطائفي الغنائمي، كما مــوالاتــه، وتـعـذر قيام البديل السياسي! حنا صالح لا بديل عن الدولة التي تحمي كلشعبها وتصون حياته وحقوقه فجر التطرّفات في لبنان يعتقد مـعـظـم الـلـبـنـانـيـ أن الــدولــة قــد انـــهـــارت، بــل الــصــ حـتـى كـتـابـة هـذه المقالة تحذّر رعاياها من السفر إلى لبنان، مـنـضـويـةً مــع دول غـربـيـة وعـربـيـة منعت أو حــــــذّرت مـــن الــســفــر إلــــى لـــبـــنـــان، وهـــذه الــــدول لـديـهـا مــؤشــرات الـخـطـر الحقيقي، والانفجار المقبل، كل ذلـك يحدث من دون جــهــد مــؤسّــســي حــكــومــي لـبـنـانـي حثيث يمنع الانزلاق. لطالما أكدتُ أن التحدي الرئيسي في المنقطة يتعلق بـ«مفهوم الـدولـة»، ذلك أن أي انـهـيـار لـهـا يصحبه زلـــزال فـي شبكة العلاقات بين أفراد المجتمع، وبين المجتمع كـلـه والـــقـــانـــون، وانـــعـــدام إمـــكـــان الـتـعـويـل على إبـــرام أي تعاقدٍ مدني مُـزمَـع بـ أي فـــــردٍ وآخــــــر، وبــــ أي مـــؤســـســـةٍ وأخـــــرى، لـتـكـون الــحــال الطبيعية الأولــــى حـالـة ما قبل المجتمع، بكل وحشيّتها وحيوانيّتها وغابيّتها، هي الشّرعة والحَكَم، ويُعيدنا هـــذا إلـــى ربـــط هـيـغـل فــي «مـــبـــادئ فلسفة الـــحـــق»؛ إذ يـــرى أن «المـجـتـمـع المــدنــي هو دولــة الــضــرورة والـفـهـم، فهو يتطابق مع لحظة الــذاتــيــة، فــي مُـجـمَـل فلسفة الـحـق، وفيه يعتقد الأفراد أنهم يحقّقون حرياتهم الفردية والذاتية. إن الـدولـة الحقيقية الـتـي أعضاؤها مــواطــنــون واعـــــون بـــأن إدارة وحــــدة الـكـل تــرتــفــع فــــوق المــجــتــمــع المــــدنــــي، مـــا دام أن الـدولـة هـي واقــع الإرادة الجوهرية، واقـع تتلقّاه في وعيها لذاتها الذي أصبح كلياً، إنها العقل في ذاته ولذاته، وهذه الوحدة الـــجـــوهـــريـــة هــــي غــــايــــة خــــاصــــة ومــطــلــقــة وثابتة، تحصل الحرية منها على قيمتها العليا». قــــبــــل أيـــــــــام أصـــــــــدر مـــــركـــــز «المــــســــبــــار لــــلــــدراســــات والــــبــــحــــوث» كـــتـــابـــ بـــعـــنـــوان «فجر التطرّفات في لبنان: فصائل إيـران وطـ ئـع طُــوفــان حــمــاس»، رصــد التطرف في لبنان خلال العشرية الأخيرة، فيرصد التحوّر الجديد لدى «الجماعة الإسلامية» فـــي لــبــنــان وجــنــاحــهــا الــعــســكــري «قــــوات الـفـجـر»، الـــذي بـاشـر العمل المـسـلّـح تحت مـظـلّـة «حـــمـــاس»، إثـــر عملية الــســابــع من ، وحـربـهـا 2023 ) أكــتــوبــر (تــشــريــن الأول مــــع إســــرائــــيــــل. وهــــــو كــــتــــاب حــــفــــيّ مــهــم، ومــــمــــا لــفــتــنــي مــــا عــــرضــــه الــــبــــاحــــث عـبـد اللطيف محسن حـــول مــؤشــرات التطرف لـــدى الـجـمـاعـة (قــــوات الــفــجــر)، وعلاقتها بالتنظيم الدولي للإخوان المسلمين، منذ بــدايــاتــهــا حـتـى الـــوقـــت الـــراهـــن، مـــا يـؤكـد -كـــمـــا يــــقــــول- الـــــروابـــــط الـــقـــويـــة بـيـنـهـمـا، ومـحـاولـة إعـــادة تنسيق هــذه العلاقة في أُطُـر جديدة، كما حدث في ملتقى العدالة والـديـمـقـراطـيـة، الــــذي ضـــمّ قـــوى وأحــزابــ إخوانية من دول عدة حول العالم. أمــــا الـــبـــاحـــث المـــصـــري مـــاهـــر فـرغـلـي فــقــدّم لـلـعـ قـات بــ الـجـمـاعـة و«الإخــــوان المسلمين» في مصر منذ خمسينات القرن المـــنـــصـــرم، مُــــبــــرزاً الــتــأثــيــر الأيــديــولــوجــي لإخوان مصر في الجماعة، ودور قياداتها في التنظيم الدولي، والعلاقة بينهما بعد .2011 أحداث وعلى الضفة الأخــرى تطرّق الباحث رامــــــــــز طــــنــــبــــور إلــــــــى عـــــ قـــــة «الــــجــــمــــاعــــة الإسلامية» بمنظمة «حـمـاس»، علماً بأن هـــذه الــعــ قــة قــويــت بـعـد انــتــخــاب الأمـــ ، ما أدّى 2022 العام الجديد للجماعة سنة إلــى تنامي نـفـوذ «حــمــاس» داخـــل هياكل «الجماعة الإسلامية» ومنسوبيها، بطرق تأثير مادية ومعنوية. وإذا كـــانـــت إيــــــران الـخـمـيـنـيـة راعــيــة «حـــــزب الـــلـــه» فـــي لـــبـــنـــان، بــوصــفــه حـركـة إسلاموية شيعية مسلّحة، فإن العلاقة بين الجماعة وإيـــران قائمة منذ فترة طويلة، على الرغم من الحساسية السياسية التي يُظهرها إخوان لبنان حيالها. الـــكـــتـــاب تـــنـــاول فـــي دراســـــــات ثمينة خطر هذا الارتــداد والانفجار على مفهوم الـــــدولـــــة مـــــن جــــهــــة، وعــــلــــى أســــــس الــــــدول المحيطة من جهةٍ أخرى. الخلاصة، أن مجتمع الدولة الفاشلة أفـــــــراده دومـــــ كــــلّ لــحــظــةٍ فـــي حـــالـــة حـــربٍ مـــســـتـــمـــرة، حـــتـــى لـــــو لـــــم يـــمـــلـــك بـعـضـهـم الـــســـ ح، هــنــاك شــراهــة لـ قـتـسـام، أنـيـاب ومـــخـــالـــب مـــجـــهّـــزة لـــ نـــقـــضـــاض، أحـــقـــاد مرعيّة تُحرَس من قِبل الدّوَيلة الصغيرة ضــد الـــدّوَيـــلـــة الـصـغـيـرة الأخـــــرى، ومهما كــــان حــــال المــجــتــمــع ثــقــافــيــ ، أو مـسـتـوى تـطـوّره وإرثــه المدني تاريخياً، فـإن إمكان الحرب واحتمال القتل هو الأساس ساعة أفــول الـدولـة، حـدث هـذا فـي حـــروبٍ أهليّة أوروبية. فهد سليمان الشقيران مجتمع الدولة الفاشلة أفراده دوماً كلّ لحظةٍ فيحالة حربٍ مستمرة السودان... خلط الأوراق قبل المفاوضات! بــمــجــرد الإعــــــ ن عـــن دعـــــوة أمـــيــركــا لمـــفـــاوضـــات في جـنـيـف بـــ الـجـيـش الـــســـودانـــي وقـــــوات الـــدعـــم الـسـريـع، انـطـلـقـت أصــــوات ســودانــيــة، مــن خــصــوم الـجـيـش بوجه خــــاص، تـشـكـك فـــي جــــدوى الـتـمـسـك بـــإعـــ ن جـــدة المـوقـع ، وتحديداً بالجزء المتعلق بخروج 2023 ) في مايو (أيــار الدعم السريع من بيوت المواطنين ومن المنشآت الخدمية والمدنية. واتجهت هذه الأصوات بعد ذلك لتهاجم موقف قيادة الجيش التي حـددت مطالبها للذهاب إلـى جنيف وأصــرّت على أنّها لن تدخل في مفاوضات جديدة ما لم تلتزم قوات الدعم السريع تنفيذَ ما اتفق عليه في إعلان جدة، لا سيما إخلاء قوات الدعم السريع منازل المواطنين والمـــنـــشـــآت المـــدنـــيـــة والــخــدمــيــة الـــتـــي احــتــلــتــهــا، بـوصـفـه خطوة أولــى يعقبها انـسـحـابُ هــذه الـقـوات مـن مراكزها وتجميعها في معسكرات محددة. يقول الذين يبحثون عن الأعذار للدعم السريع بينما لا يضيعون أي فرصة للهجوم على الجيش، ثم يدعون أنّـــهـــم مـــحـــايـــدون، إنّ «إعـــــ ن جـــدة تــجــاوزتــه الأحــــــداث». ويــــتــــســــاءلــــون: مــــا مــعــنــى الإصــــــــرار عـــلـــى إخـــــــراج الـــدعـــم السريع من البيوت ومـن المنشآت الخدمية والمدنية بما فيها مساجد ومـدارس ومستشفيات، بينما هو يتوسع ويحتل المدن ويسقط الحاميات؟ وبـلـغ الأمـــر بـأحـدهـم أن كـــذّب وجـــود بـنـد فــي إعــ ن جدة ينصعلى إخلاء بيوت المواطنين المحتلة، وهو ما لم يفعله حتى إعلام قوات الدعم السريع الذي لم أسمع أنه نفى وجود هذا البند ضمن بنود الإعلان الذي سبق نشره في منصات رسمية. «الـــدعـــم الــســريــع» وقــعّــت إعــــ ن جـــدة أمــــام الـــرعـــاة - الشهود ولم تنفذ منه حرفاً. فما فائدة ذلك التوقيع أو أي توقيع في اتفاق لاحق، إذا لــم تـكـن هـــذه الــقــوات وقـيـادتـهـا تـلـتـزم مــا تـوقـع عليه وتنفذه؟ من يضمن أن «الدعم السريع» ستنفذ أي اتفاق آخر إذا كنا نعفيها مما لم تلتزمه، ونبحث لها عن أعذار غير موجودة في الأساس؟ وإذا كنا لا نلزمها الآن الاتفاق والـخـروج من بيوت المواطنين، فمن يضمن أنها ستخرج منها لاحقاً وتسلمها لأصــحــابــهــا، بــعــد أن اســتــوطــنــهــا مــجــنــدوهــا، وأحـــرقـــت قواتهم كثيراً من سجلات المِلكية، ضمن ما أحرقت ودمّرت من وثائق ومنشآت الدولة بشكل منهجي متعمد؟ فـهـنـاك بالفعل تسجيلات صـوتـيـة ومـقـاطـع فيديو لمنسوبين فيها أو مناصرين لها يدعون «الدعم السريع» وعــرب الشتات لأخـذ البيوت والـعـمـارات التي سكنوها، وعــدم إعادتها؛ لأن السجل المدني دمّــر ولا يوجد إثبات ملكية لها، كما يدعون. قــــوات الـــدعـــم الــســريــع تـقـاتـل مــن هـــذه الــبــيــوت الـتـي اتـــخـــذتـــهـــا مـــســـاكـــن وثــــكــــنــــات لــــهــــا، ومــــــخــــــازن لــلــســ ح والمــنــهــوبــات، ونــقــاطــ تـقـصـف مـنـهـا بــالمــدافــع المـواطـنـ في الأحياء الأخـرى الواقعة في مناطق سيطرة الجيش، ووثقت لكل ذلك في فيديوهات منتشرة، وهو ما يجعل المــطــالــبــة بــخــروجــهــا مـــن هــــذه الــبــيــوت مـطـلـبـ جـــديـــ بل ضرورياً في نظر الجيش. هل رأى المنخرطون في إيجاد المبررات للدعم السريع هـــذه الــقــوات تـقـاتـل مــن ثـكـنـات ومـعـسـكـرات مثلما يفعل الــجــيــش، أو أنــهــا تحتمي بــالأحــيــاء الـسـكـنـيـة والـبـيـوت وتتخذ المواطنين دروعاً بشرية؟ هل بيوت المواطنين هي «النقعة» التي تحدث عنها حميدتي؟ لا أشك أنه إذا قام الجيش غداً بقصف البيوت التي جعلها الدعم السريع ثكنات عسكرية، فسوف يتعرض للهجوم والنقد العنيف. فـمـاذا يـريـدون مـن الجيش أن يفعل؟ فهو يُهاجم فـي تكتيكاته البطيئة الـتـي اتبعها لكي يتفادى قصفَ وتدمير البيوت على الرؤوس، ولكي يتجنّب، أو فلنقل يقلل، الخسائر المدنية حتى لا ندخل في جـدل بسبب خسائر وقعت بالخطأ أحياناً، وأرواح غـالـيـة فــقــدت، وهـــو أمـــر يـحـدث فــي كــل الـــحـــروب، ناهيك من حـروب المـدن المعقدة، والباهظة الثمن. الخيار الآخر أمـام الجيش هو الإصـــرار على التمسك بتنفيذ ما اتفق عليه في جـدة، وخـروج هذه القوات من بيوت المواطنين والأعيان المدنية. الـــجـــيـــش فــــي مـــوقـــفـــه هـــــذا لا يـــتـــحـــرك مــــن فـــــــراغ، بـل الذين ينطلقون من فـراغ هم هـؤلاء الذين يريدون إعـادة المـفـاوضـات إلـى مربع البداية ونقطة الصفر، وهـم بذلك يــقــدمــون لـــقـــوات الـــدعـــم الــســريــع مـخـرجـ مـــن الـتـزامـاتـهـا السابقة، بل يحاولون إعطاءها أفضلية في مفاوضات جنيف المقترحة بحجة المتغيرات التي حدثت على الأرض. بل إنه في هذا الإطـار هناك من خرج ليقول إنه ليس من المنطق تجريد قوات الدعم السريع المنتصرة ميدانياً، من أي مكاسب سياسية أو اقتصادية في المرحلة المقبلة! تقديري أنّ أي مـفـاوضـات مقبلة، ســـواء فـي جنيف أو غيرها، لكي تحقق اختراقاً ملموساً، لابـد أن تنطلق مــن الـبـنـاء عـلـى مــا تحقق فــي جـــدة، أمــا مــا نـــراه الآن من مـــحـــاولات خـلـط الأوراق وإعـــــادة المـــفـــاوضـــات إلـــى مـربـع البداية، فلن يقود إلا إلى إفشالها إن عقدت. عثمان ميرغني لكي تحقق المفاوضات المقبلة اختراقاً ملموساً لا بد من البناء على ما تحقق فيجدة

RkJQdWJsaXNoZXIy MTI5OTky