issue16690

OPINION الرأي 12 Issue 16690 - العدد Thursday - 2024/8/8 الخميس وكيل التوزيع وكيل الاشتراكات الوكيل الإعلاني المكـــــــاتــب المقر الرئيسي 10th Floor Building7 Chiswick Business Park 566 Chiswick High Road London W4 5YG United Kingdom Tel: +4420 78318181 Fax: +4420 78312310 www.aawsat.com [email protected] المركز الرئيسي: ٢٢٣٠٤ : ص.ب ١١٤٩٥ الرياض +9661121128000 : هاتف +966114429555 : فاكس بريد الكتروني: [email protected] موقع الكتروني: www.arabmediaco.com هاتف مجاني: 800-2440076 المركز الرئيسي: ٦٢١١٦ : ص.ب ١١٥٨٥ الرياض +966112128000 : هاتف +9661٢١٢١٧٧٤ : فاكس بريد الكتروني: [email protected] موقع الكتروني: saudi-disribution.com وكيل التوزيع فى الإمارات: شركة الامارات للطباعة والنشر الريـــــاض Riyadh +9661 12128000 +9661 14401440 الكويت Kuwait +965 2997799 +965 2997800 الرباط Rabat +212 37262616 +212 37260300 جدة Jeddah +9661 26511333 +9661 26576159 دبي Dubai +9714 3916500 +9714 3918353 واشنطن Washington DC +1 2026628825 +1 2026628823 المدينة المنورة Madina +9664 8340271 +9664 8396618 القاهرة Cairo +202 37492996 +202 37492884 بيروت Beirut +9611 549002 +9611 549001 الدمام Dammam +96613 8353838 +96613 8354918 الخرطوم Khartoum +2491 83778301 +2491 83785987 عمــــان Amman +9626 5539409 +9626 5537103 صحيفة العرب الأولى تشكر أصحاب الدعوات الصحافية الموجهة إليها وتعلمهم بأنها وحدها المسؤولة عن تغطية تكاليف الرحلة كاملة لمحرريها وكتابها ومراسليها ومصوريها، راجية منهم عدم تقديم أي هدايا لهم، فخير هدية هي تزويد فريقها الصحافي بالمعلومات الوافية لتأدية مهمته بأمانة وموضوعية. Advertising: Saudi Research and Media Group KSA +966 11 2940500 UAE +971 4 3916500 Email: [email protected] srmg.com كم تدفع لفاتورة الهاتف؟ مـــــــــفـــــــــهـــــــــوم «الــــــــحــــــــكــــــــومــــــــة الإلـــــكـــــتـــــرونـــــيـــــة» بــــــــات الــــهــــدف المـــــــشـــــــتـــــــرك لــــــكــــــل مــــخــــطــــطــــات الإصـــــــــــاح الإداري فــــــي عـــالـــم اليوم. ولـذا؛ فهو عنصر ثابت، في البيانات والتقارير السنوية كافة التي ترصد تطور السوق والإدارة الحكومية، في مختلف بلدان العالم. تركز هذه التقارير على تـوافـر الخدمات الحكومية رقمياً، بمعنى إمكانية إنجازها كلياً أو جزئياً، من خلل شبكات الـهـاتـف والإنــتــرنــت. كـمـا ترصد قابلية السوق المحلية لاستيعاب الــــتــــطــــور فــــــي مـــــجـــــال الاتـــــصـــــال والمعلوماتية، أي إمكانية إنجاز الأعمال وخدمات القطاع الخاص من خلل الشبكات أيضاً. المـــؤكـــد أن جـمـيـع الـــنـــاس أو ربــمــا غـالـبـيـتـهـم، يـــريـــدون جعل الحياة والسوق على هذا النحو. فــهــو يـقـلـص مـــن كــلــف المـعـيـشـة، ويسهل الأعمال، ويقلل من تأثير الـــفـــوارق الطبقية عـلـى مستوى الخدمات المقدمة لعامة الناس. لـــكـــن ثـــمـــة ســـــــــؤالاً لا بـــــد أن يـــــواجـــــه الـــــذيـــــن اخـــــــتـــــــاروا هــــذه الــطــريــق: هــل يـأتـي الـتـحـول إلـى نمط الحياة هذا من دون ثمن؟ كنت قد وجهت هـذا السؤال إلـــى بـعـض الـــزمـــاء فــي مجلس، فـــأجـــابـــنـــي أحـــــدهـــــم بـــمـــا يـشـبـه النكتة، قــال: إننا جميعاً نعرف الـــثـــمـــن، وهــــــو فـــــاتـــــورة الـــهـــاتـــف والإنترنت الشهرية! - هل حقاً يقتصر الثمن على فاتورة الهاتف؟ - بالطبع لا. ثـــــمـــــة ثـــــمـــــن ثـــــقـــــافـــــي وآخـــــــر اجـــتـــمـــاعـــي، ربــــمــــا لا يـــشـــعـــر بـه الإنسان حين تعرضعليه الفكرة للمرة الأولـــى. لكنه - بالتأكيد - ســــيــــرى انـــعـــكـــاســـاتـــه الـــواســـعـــة بعد زمــن يسير، فـي نفسه وفي محيطيه العائلي والاجتماعي. «الــــحــــكــــومــــة الإلـــكـــتـــرونـــيـــة» تـجـسـيـد بــــارز لــــــإدارة الـحـديـثـة الشديدة العقلنية، أي التي تقوم عـلـى أنـظـمـة مـكـتـوبـة ومـــحـــددة، عـــــلـــــى نـــــحـــــو يــــخــــتــــصــــر الــــــــــدور الشخصي للمدير، ويحيل كثيراً مــن الأعـــمـــال إلـــى الآلات، الـتـي لا تـفـرق بــ زيـــد وعـبـيـد، حـتـى لو اختلفت مكانتهم الاجتماعية. لا نريد - بطبيعة الحال - المبالغة بإظهار الأمــر مثالياً، فثمة على الدوام خطوط مستقيمة وأخرى مــتــعــرجــة؛ لأنـــنـــا بــبــســاطــة بشر يتعاملون مع بشر آخرين، ولكل منهم خصائص نفسية وذهنية، تــخــتــلــف عــــن غــــيــــره، ولا يـمـكـن التعامل مع الجميع كما لو كانوا «روبـوتـات». كذلك، فإن مستوى الـــنـــمـــو الـــتـــقـــنـــي والاقــــتــــصــــادي، يـــتـــفـــاوت بــــ بـــلـــد وآخـــــــر. وهـــو ينعكس على العلقة بين الدولة والمـــجـــتـــمـــع، وطـــبـــيـــعـــة الــتــفــاعــل بـــيـــنـــهـــمـــا فــــــي كــــــل مــــــجــــــال، بــمــا فيها المــجــالات التقنية البحتة. نحن إذن لا نـدعـي أن الأوصـــاف المـــذكـــورة تــأتــي كـامـلـة أو قريبة مــــن الــــكــــمــــال. الــــــذي يــهــمــنــي فـي الـحـقـيـقـة، هــو تـوضـيـح الاتــجــاه الـعـام والـرسـالـة الـداخـلـيـة، التي يـــنـــطـــوي عــلــيــهــا الـــتـــحـــول نـحـو الحكومة الإلكترونية. لـــــــو أردنـــــــــــــا تــــلــــخــــيــــص هـــــذا الـــــتـــــحـــــول، فـــــســـــوف أجــــمــــلــــه فــي نــــقــــطــــتــــ : ســـــــيـــــــادة الـــــقـــــانـــــون، والمـــســـاواة بــ الـجـمـيـع. سـيـادة الــــقــــانــــون هــــي أبـــــــرز تــجــســيــدات الــــحــــيــــاة الــــحــــديــــثــــة، وهــــــي أحـــد الـــفـــوارق الـرئـيـسـيـة بينها وبـ الـــنـــظـــام الــــقــــديــــم. وهـــــي تــــقــــود - بالضرورة - إلى النقطة الثانية، أي المـــــــســـــــاواة، حـــيـــث يــتــقــلــص، نسبياً على الأقل، تأثير الانتماء الاجتماعي على نوعية ومستوى الخدمات المقدمة لعامة الناس. لا أحـــد - عـلـى الأرجـــــح - من الـــقـــراء سـيـجـد مـشـكـلـة فـــي هـــذا. لكني أدعـوهـم إلـى التعمق أكثر فـي معنى المــســاواة، التي تشمل أيـــــضـــــ تـــقـــلـــيـــص الـــــــفـــــــوارق بــ الــــرجــــال والـــنـــســـاء فــــي مـــجـــالات كثيرة، اجتماعية وقانونية. أعلم أن شـريـحـة مـــن المـجـتـمـع تـرحـب بـــهـــذا الـــتـــطـــور، وهــــي الـشـريـحـة الـــتـــي تــمــيــل - عـــــادة - إلــــى نمط الحياة الحديثة. لكن ثمة شرائح أخــــــــرى، أظـــنـــهـــا أوســـــــع حــجــمــ ، تشعر بالقلق حين ترى الشباب والـفـتـيـات، قــادريــن على اختيار أنـــمـــاط عــيــش جـــديـــدة، مختلفة جداً عما ألفه الجيل الأكبر منهم سناً. حين تتحول الإنترنت جزءاً محورياً من حياتنا اليومية، فإن مصادر ثقافتنا وطريقة تفكيرنا فـــي الـــحـــيـــاة، تـتـغـيـر بــالــتــدريــج. وبـالـنـسـبـة للجيل الــجــديــد، فـإن تــأثــيــر الآبــــــاء ســيــكــون فـــي حــده الأدنـى، وسوف تتشكل هويتهم عـــلـــى ضـــــوء الــــصــــات الـــجـــديـــدة التي تربطهم مع العالم، وتوفر لـهـم المـعـلـومـات الـتـي يحتاجون إليها. هذا إذن مثال واحـد على ما قلته في مقال سابق، وخلصته أن الانـــتـــقـــال إلــــى الـــحـــداثـــة ليس اختياراً، ولن يكون محدود الأثر. توفيق السيف سيناريوهات أربعة لليوم التالي لغزة عــــــــــادتِ الــــقــــضــــيــــةُ الـــفـــلـــســـطـــيـــنـــيـــة، بــعــد سنوات عديدة من الغياب عن الجدول الفعلي للأولويات الإقليمية الضاغطة، بسبب وجودِ حرائقَ عديدةٍ في المنطقة، إلى مركزِ الصدارة عـــلـــى جـــــدول الــقــضــايــا الإقــلــيــمــيــة الـسـاخـنـة والمفتوحة على كافة الاحـتـمـالات. عــادت عبر بوابةِ الحربِ الإسرائيلية الاستئصالية على غـزة. الحرب التي أدّت إلـى حـربٍ مفتوحة في الـــزمـــان والمـــكـــان مـــع دخــــول عـنـصـرٍ جــديــد في الصراع قوامُه استراتيجية وحـدة الساحات. وهي استراتيجية أدّت إلى التوسع الجغرافي للحرب بشكل تصاعدي، وإلـى أشكال جديدة في المواجهة التي كانت في الماضي، منذ نصف قــــرن مـــع حــــرب أكــتــوبــر(تــشــريــن الأول)، آخــر الـحـروبِ العربية الإسرائيلية، محصورةً في دول الجوار المباشر، بين هذه الدول وإسرائيل، لتتحوّل لاحقاً إلى حروب «غير متماثلة» بين أطـرافـهـا. حـــروب بـ دولـــةٍ محتلة، ومقاومة لــاحــتــال ســـــواء فـــي فـلـسـطـ أو فـــي لـبـنـان. ثـم تحوّلت مـع حـرب غــزةَ إلـى حــربٍ بـ دولـة محتلة مــن جـهـة، ومـنـظـمـات وقـــوى مــن جهة أخـــرى، تدعم وتساند المـقـاومـةَ على الأراضــي المحتلة. يحصل ذلك باسم التضامن العقائدي الــهــويــاتــي «الــعــابــر لــلــدولــة» والاسـتـراتـيـجـي الــــعــــمــــانــــي، الــــــــذي يـــوظـــفـــه الـــبـــعـــض لـيـبـقـى أيضاً ورقـــةً أساسية فـي الـصـراع على النفوذ الإقليمي في «لعبة الأمم» في المنطقة. مــــا هــــي الـــســـيـــنـــاريـــوهـــات المــحــتــمــلــة فـي «اليوم التالي» عندما يأتي ذلك اليوم؟ أولاً: سـيـنـاريـو حـــرب اســتــنــزاف ممتدة ومفتوحة فـي الــزمــان، مـع مـحـاولات ضبطها فـي المـكـان حتى لا تنزلق إلــى حــرب إقليمية: حـــــرب تُــــهــــدّد الاســــتــــقــــرارَ والأمـــــــن فــــي الـــشـــرق الأوســــــط، وتُــعــيــد خــلــط «أوراق الــلــعــبــة»، في الإقليم، مع ما لذلك من ارتدادات على الجميع. أحد متفرعات هذا السيناريو يشمل التوصلَ إلـى تفاهمات عبر «الأطـــراف الثلثة» المؤثرة لـضـبـط الـــصـــراع فـــي الـجـغـرافـيـا وفـــي طبيعة الــقــتــال، وتخفيضه إلـــى أن يــجــري وقــفــه. إنـه سيناريو من الهدن المؤقتة المرتبط استمرارها بتحقيق الأهــــداف الـتـي تحملها، وتــذكّــر بها إسرائيل كلّ يوم، وقوامُها: الإفراج عن الأسرى، والقبول بالسيطرة الأمنية والعسكرية الكليّة لإسرائيل على القطاع، مع تسليم إدارة الحياة العامة في القطاع لسلطة مركبة قوامُها شراكةٌ فلسطينية عربية دولـيـة، ضمن صيغة يُتّفق عـلـيـهـا. أمـــــرٌ يـسـتـحـيـل حـــصـــولُـــه، لأنــــه يعني عـمـلـيـ شــرعــنــة إعــــــادةِ الاحـــتـــال الإســرائــيــلــي لغزة، بصيغة غير مكلفة لإسرائيل. ثـانـيـ : سـيـنـاريـو قــوامُــه الانــــزلاق نحو حــربٍ مفتوحة على مستوى الإقـلـيـم؛ تُعيد خـلـطَ الأوراق فـي لعبة الـنـفـوذ فـي المنطقة. وقفُ حربٍ من هذا النوع يستدعي التوصلَ إلـــــى «صـــفـــقـــة كــــبــــرى» تــــشــــارك فــيــهــا الـــقـــوى الإقليمية والدولية الفاعلة. لكنّ ذلك لا يعني تــســويــةً مــســتــقــرةً ودائــــمــــة، لأنـــهـــا لا تـعـالـج المسببات الأساسية للحرب، وهي استمرار الاحتلل ومحاولات تعزيزه. وبالتالي تبقى عمليةُ الـعـودةِ إلـى الحرب بأشكال مختلفة أمــراً أكـثـرَ مـن واقـعـي مـا دام لـم تتم معالجة جذرية لتلك المسببات. ثــــالــــثــــ : مــــــحــــــاولات إســـــرائـــــيـــــل المـــعـــلـــنـــة والمكشوفة عبر ازدياد سياسات تهويدِ الضفة الـغـربـيـة، جغرافياً وديـمـغـرافـيـ ، على تعزيز قيام دولةِ إسرائيلَ الكبرى. ذلك يبقى الهدفَ الاســـتـــراتـــيـــجـــيّ والـــعـــقـــائـــديّ المـــعـــلـــنَ والمـــؤكـــدَ للسياسة الإسرائيلية، في ظل هيمنة اليمين المـــتـــشـــدد الـــديـــنـــي والــتــقــلــيــدي فـــي المـجـتـمـع، وإمـــســـاكـــه بـالـسـلـطـة فـــي إســـرائـــيـــل. الــعــنــوان الضمني أو المكمل لتلك السياسة يكمن في إحياء ما يُعرف بـ«الخيار الأردنــي». وقد بدأ الحديث عن صيغ مختلفة «ناعمة» لتحقيق ذلـك الربط بين الضفة الغربية والأردن. ومن نافل القول أنّ هنالك رفضاً أردنياً وفلسطينياً واضحاً وحازماً لتلك المحاولات. رابــــعــــ : الـــســـيـــنـــاريـــو «الــــواقــــعــــي» لــوقــف الحرب يتم عبرَ إصدارِ قرارٍ عن مجلس الأمن بالوقف الـدائـم لإطــاق الـنـار، وليس بالوقف الـــجـــزئـــي أو المــــشــــروط، كــمــا هـــي الـــطـــروحـــات الـــقـــائـــمـــة حـــالـــيـــ . مـــســـؤولـــيـــة مـــجـــلـــس الأمــــن فــي الـحــفــاظ عـلـى الأمــــن والــســلــم والاســتــقــرار والتسوية السلمية للنزاعات تستدعي ولوجَ هذا الطريق: اتخاذ القرار المطلوب وممارسة الــضــغــوطــات الـــضـــروريـــة والـــواقـــعـــيـــة لـتـلـتـزم إســرائــيــلُ بتنفيذه كــونــه لمـصـلـحـةِ مــا أشـرنـا إليه من أهـــداف، التي تعني مصالحَ الجميع في الإقليم وخـارجـه. يلي ذلـك تنظيمُ مؤتمرٍ دولـــي، تـشـارك فيه الأطــــراف الـدولـيـة الفاعلة لإعـــــــــادة إحـــــيـــــاء عـــمـــلـــيـــةِ الــــــســــــام، ومـــواكـــبـــة ورعاية هذه العملية، على أساس المرجعيات والقواعد الأممية والدولية المعروفة والتمسك بحل الدولتين. حـلّ دونـه الكثير من العوائق والصعوبات الإسرائيلية أساساً، ولكنّه يبقى الـحـلّ الوحيدَ القانونيّ والأمـمـيّ والأخـاقـيّ والـواقـعـي، لتحقيق الـسّـام الشاملِ والـعـادلِ والـــــدائـــــم. فـــالـــخـــيـــارات الأخـــــــرى الـــتـــي أشـــرنـــا إليها هـي حـلـولٌ مؤقتة، وعمليةُ شـــراءِ وقـتٍ نحوَ مزيدٍ من التعقيدات في طريق استمرار الـــصـــراع بـــأشـــكـــالٍ وصـــيـــغٍ ومـــشـــاركـــة أطــــراف مختلفة. خلصة القول؛ إنّ هذه الحلول الجزئية سهلةُ التحقيق نسبياً، ولكنّها تبقى مؤقتةً، وتشكّل نوعاً مـن الـهـروب المكلف إلــى الأمــام، وهنالك استحالةٌ لتحقيق السّلم عبرها. في المقابل فإنّ حلّ الدولتين وإنهاءَ الاحتلل حلّ صعب التحقيق، لا بل شديد الصعوبة في ظل المعطيات القائمة، ولكنّه الحلّ الوحيد الذي يـسـمـح، إذا مــا تــوفــرت الـــشـــروط الــتـي أشـرنـا إليها، وهـذا أكثر من ممكن، بتحقيق السّلم الـــشـــامـــلِ والــــعــــادل والـــــدائـــــم، ويــفــتــح صـفـحـةً جــديــدةً فـي الأولـــويـــات وأنــمــاط الـعـاقـات في الإقليم الشرق أوسطي. ناصيفحتي انتصار محمد يونس وسـط المشاهد القاتمة، يأتينا بصيصُ أمــــــــــلٍ مــــــن بـــــنـــــغـــــاديـــــش، بــــلــــد الــــفــــيــــضــــانــــات والأعـــاصـــيـــر الـــتـــي ارتــبــطــت أخـــبـــارهـــا طــويــاً بــالــفــقــر والمـــجـــاعـــات والانــــهــــيــــارات الأرضـــيـــة، والانـقـابـات، لكن أيـضـ بالقفزات الطموحة، مــن تعليم ونـمـو فـاقـا الـتـوقـعـات، وقـيـل إنها ستلحق بالنمور الآسيوية. سجلت رئيسة الـــوزراء المستقيلة قسراً، الشيخة حسينة، في سنوات حكمها، خطوات اقتصادية جبّارة، وشهد لها العالم بقدرتها على نقل بلدها صوب استقرار وأمن نادرين. لكنها فــي الـنـهـايـة، افـــتـــرت، وطــغــت، واتــكــأت عاماً في السلطة، وسطوة قوى الأمن 15 على ثــم الـجـيـش، كــي تـقـمـع، وتـسـكـت، وتـخـفـي من يعاندها. تـحـرك طــاب الـجـامـعـات بعد أن بطشت الـــشـــيـــخـــة، وظـــــنّـــــت أنــــهــــا ورثــــــــت الــــعــــبــــاد عـن والدها الزعيم مجيب عبد الرحمن، فسجنت المـــعـــارضـــ ، وعــاقــبــت الـصـحـافـيـ ، وكبحت الحريات، وكان ينتظر منها أن تعمل حكمتها وتظهر تسامحها. الغضب اجتاح الشوارع، وحين خضعت ضحية، 300 لبعضالمطالب بعد أنسالت دماء لا ســيــمــا إلــــغــــاء الـــحـــصـــص فــــي الــتــوظــيــفــات المخصصة لعائلت المحاربين القدامى وذوي النفوذ، وسط بطالة متصاعدة، كان الوقت قد تأخر. نـجـت بنفسها الـشـيـخـة حــ هــربــت مع شقيقتها إلــى الــجــارة الـهـنـد، قبل أن يكتسح المـحـتـجـون مـقـر إقـامـتـهـا، وأعــفــت بــادهــا من أزمة دستورية، والهند من محنة دبلوماسية، حين استقالت. لا بد أن تشعر بالفرح، لو كنت من دولة، قـــام جـــلّ شعبها ذات يـــوم، بـكـبـاره وصــغــاره، وتظاهر وهتف لشهور ضد استبداد السلطة، ولــــــم يـــتـــغـــيـــر شـــــــيء. أمــــــا طـــــــاّب بـــنـــغـــاديـــش فكانت قوتهم، فـي وحدتهم، ورفضهم حكماً انتقالياً للجيش، مطالبين بـرجـل واحـــد، قلة من اختلفوا على دوره النبيل في تقدم البلد وتـــطـــورهـــا، هـــو الـــبـــروفـــســـور مـحـمـد يــونــس، حامل جائزة نوبل للسلم. الـــرجـــل الــــذي خـشـيـتـه الـشـيـخـة حسينة يــوم بــدأت تنمو عضلتها، ومــع ذلــك صـارت تخشى ظلها، فاتهمته بالفساد، وهــي ترى فــوران شعبيته وتنامي مؤيديه، وخطيئته، أنــه فـكّـر، ذات مــرة، بتأسيس حــزب سياسي. وجــــهــــت لـــيـــونـــس الـــــــذي ألــــهــــم الـــعـــالـــم أجــمــع بإبداعه الاقتصادي، ما يزيد على مائة تهمة، أقلها «امتصاص دمـاء الفقراء»، وكلها تدور فـي فلك الفساد وانتهاك قـانـون العمل. أديـن يونس بالسجن لستة أشهر مع وقف التنفيذ. عدّت المحاكمة «مهزلة قضائية» ورأى محامي يــــونــــس أن الـــشـــيـــخـــة «أرادت الانــــتــــقــــام مـنـه سياسياً، وإذلاله أمام العالم أجمع». هـــذا رجـــل تـحـركـه إنـسـانـيـتـه. حــ عـاد بــعــد حــصــولــه عــلــى الــــدكــــتــــوراه مـــن أمــيــركــا أســـــتـــــاذاً جـــامـــعـــيـــ ، شـــعـــر بـــعـــجـــز وعــــقــــم كـل الـنـظـريـات الـتـي تعلمها فــي الـكـتـب. مليون ونصف المليون جائع في مطلع السبعينات قـــضـــوا فــــي بـــنـــغـــاديـــش أمــــــام أعـــــ يـــونـــس، قــرر أن يـتـرك الـصـفـوف والـكـتـب، ويـنـزل إلى الأرض، يسأل الناس عما بمقدوره أن يفعل لمساعدتهم. بـدأ بقرية واحــدة هي «غـوبـرا». تـــبـــ لــــه أن الـــــديـــــون الـــصـــغـــيـــرة والمـــــرابـــــ ، شــخــصــ قــــد لا 43 يــخــنــقــون الـــســـكـــان، وأن دولاراً، فأقرضهم من 27 تزيد ديونهم على جيبه، واسترد قروضه. أسس بنكه الشهير «غـرامـ » أو «بنك القرية» الـذي تقاسم معه نــوبــل، وبـــقـــروض غــايــة فــي الــصــغــر، طويلة الأمد، دون ضمانات تقليدية، انتشل مليين مـــن مــواطــنــيــه مـــن غــائــلــة الـــعـــوز. لا تـتـوقـف عبقرية يـونـس على فـكـرة الإقـــراض نفسها، بـل على ابـتـكـاره، ضـوابـط محلية نابعة من طبيعة مجتمعه، كي يلزم المستدينين إعادة ما اقترضوه، وتفضيله مساعدة النساء على الرجال، بعدّهن عماد البيت والقادرات على تنشئة الأطفال، والتضحية من أجلهن. هــــــــذه الـــــــرؤيـــــــة الــــــــفــــــــذّة، الــــطــــالــــعــــة مــن احـتـيـاجـات المجتمع الـلـصـيـقـة، استنسخت من مصارف في أكثر من أربعين دولة، وعُدّت إنجازاً عالمياً في الفكر الاقتصادي، من رجل أثبت أن عالماً خالياً من الفقر، هو أمر ممكن. وسّـــع يـونـس، نـشـاطـاتـه، وبلغت قروضه مـــلـــيـــارات، شـمـلـت الـتـعـلـيـم والــصــحــة والـسـكـن، والـــــزراعـــــة ووظــــفــــت بـــنـــوكـــه أكـــثـــر مــــن مـلـيـونـي شـخـص. إنـمـا الشيخة حسينة، لـم تـرتـح يوماً لـــهـــذا الـــرجـــل الـــطـــمـــوح، فـــقـــررت أن تـحـيـلـه إلــى التقاعد. رحـــلـــة مــحــمــد يـــونـــس لـــم تــنــتــه، واحـــتـــرام مـواطـنـيـه لـــه، أعــــاده إلـــى الــواجــهــة. هــا هــو يتم اخــــتــــيــــاره لــتــشــكــيــل حـــكـــومـــة انـــتـــقـــالـــيـــة، تـنـقـذ الـــبـــاد مـــن مـخـلـفـات أحـــقـــاد الـشـيـخـة حسينة، وإخفاقاتها الثقيلة، دون أن يؤسس حزباً. يونس الــذي صنع معجزة اقتصادية في أكثر دول العالم فقراً، لعله ينجح في أن يزيح عـن بنغلديش وصـمـة الـبـاد «الأكــثــر فـسـاداً». فتلك كارثة لم تتمكن من القضاء عليها عهود الحكم المتعاقبة. الرجل «مصرفي الفقراء» في الــرابــعــة والـثـمـانـ مــن الـعـمـر، يـقـبـل بحماسة الشباب على مهمة قاسية، لإنـقـاذ بنية إداريــة مــتــهــالــكــة، وثـــاثـــ مــلــيــون عـــاطـــل عـــن الـعـمـل، وإنـصـاف مساجين رأي بالمئات، والعثور على مـفـقـوديـن لا يـعـرف إن كــانــوا أحــيــاءً أو أمــواتــ ، ودولة عميقة، ليست بالضرورة مؤيدة له. سوسن الأبطح

RkJQdWJsaXNoZXIy MTI5OTky