issue16689

الثقافة CULTURE 18 Issue 16689 - العدد Wednesday - 2024/8/7 الأربعاء ننّوس اليوناني في قصيدته الرؤيوية «ملحمة بيروت الميمونة» جمال بيروت الفريد هو مصدر ثرائها وشقائها الأبديين قليلة هــي المـــدن الـتــي كـانــت مسرحاً لــلــنــزاعــات وصــــراعــــات الـــقـــوى المــتــنـاحـرة، كـمـا هــي حـــال بــيــروت ذات الـجـمـال الآســر والتاريخ الحافل بالمفارقات. فقد قُدّر لهذه المـديـنـة الـعـريـقـة، الـتـي اشـتـقـت أسـمـاؤهـا المـخـتـلـفـة، بـيـريـتـوس وبــئــروت وبـيـرويـه، مـن لفظة البئر، وفـق بعض المـؤرخـن، أن تدفع غالياً ثمن موقعها ودورها المميزين، وأن تـهـبـط إلـــى بـئـر عــذابــاتــهــا السحيقة كـلـمـا وصــــل مــجــدهــا إلــــى ذراه. والأرجــــح أن الـــجـــغـــرافـــيـــا المـــلـــتـــبـــســـة الــــتــــي وهـــبـــت بـــيــروت نـعـمـة الــجــمــال، هـــي نـفـسـهـا الـتـي جعلتها ضحية فالقي زلزاليي، أحدهما جــيــولــوجــي يــكــافــئ قــيــامــاتــهــا المــتــجــددة بالدمار الكلي أو الجزئي، والآخر حضاري ثقافي، يحول تاريخها الطويل إلى محل لـلـتـنـازع الــدائــم بــن الــداخــل والـــخـــارج، أو بي جماعاتها الأهلية المتنابذة. كأن بيروت بهذا المعنى أشبه بالوعد الـــذي يصعب تحققه، أو بمدينة مؤجلة تــظــل أبـــــداً قــيــد الإنــــجــــاز، أو هـــي قـصـيـدة مموهة بهيئة مـديـنـة. ولأنـهـا كـذلـك، فقد حظيت عبر الـعـصـور المتعاقبة باهتمام الـــكـــثـــيـــر مــــن الــــشــــعــــراء الــــذيــــن رأوا فـيـهـا صــورة عـن الشعر نفسه، ســواء فـي بحثه اللانهائي عن يقي ما، لا يكف عن الهروب، أو فــي احـتـفـاء الـلـغـة بحريتها المجترحة خارج سجون المعاجم. وإذا كانت بـيـروت قـد شكّلت محوراً أســـاســـيـــ لــلــمــئــات مــــن قـــصـــائـــد الـــشـــعـــراء ومقطوعاتهم ونصوصهم، فإن القصيدة الــطــويــلــة الـــتـــي كـتـبـهـا نـــنّـــوس الــيــونــانــي فـــي الـــقـــرن الـــرابـــع المـــيـــ دي، تـحـت عـنـوان «ملحمة بيروت الميمونة»، هي واحدة من أهم النصوص التي كُتبت في حب بيروت وحـولـهـا، عبر العصور المختلفة. لكن ما يبعث على الحيرة والاسـتـغـراب هـو كون الشاعر الــذي قـدم هـذا الإنـجـاز المتميز قد ظل مغموراً وغامض الهوية إلى حد بعيد، إضافة إلى أن عمله المدهش لم يلفت انتباه أحـد من النقاد والـدارسـن العرب، قبل أن يتولى المـــؤرخ والـكـاتـب اللبناني يوسف الـــحـــورانـــي نــقــلــه إلــــى الــعــربــيــة فـــي الــعــام الأخير من القرن العشرين. المـــ حـــظ أن كـــل مـــا ذكــــره المـــؤرخـــون ودارسو الأدب عن ننوس، هو أنه ولد في الإسكندرية أواخر القرن الرابع الميلادي، ثم جاء بعد ذلك إلى بيروت ليستقر فيها، وهــي الـتـي كـانـت فـي الآونـــة الـتـي سبقت زلزالها الشهير مدينة الشرائع وعاصمة الثقافة التعددية، التي يقصدها الآلاف من كل صوب، لجنْي المعرفة والمتعة على حـد ســـواء. وقـد قُيض للشاعر اليوناني المأخوذ بدور بيروت الحضاري أن تتفتح موهبته فـي كنف الـتـوتـرات المقلقة التي شـهـدتـهـا الإمـــبـــراطـــوريـــة الـــرومـــانـــيـــة في تـلـك الـحـقـبـة؛ حـيـث لــم يـجـد الـــرومـــان ما يــردون به على دعـوة المسيحية إلـى قيام «مــمــلــكــة الــــســــ م»، والمـــحـــبـــة بـــن الـبـشـر، سوى خوض الحروب المتكررة والمدمرة، قـبـل أن يــأخــذهــم ملكهم قسطنطي إلـى مصير آخر. وحـــيـــث كـــانـــت عـــبـــادة ديــونــيــزيــوس، إلـــه الـكـرمـة والــــزرع والــخــمــرة، شـائـعـة في ذلـك العصر، فقد جهد نـنـوس، الــذي لُقّب بـالـديـونـيـسـي لـشـدة تعلقه بـالـحـيـاة، في أن يُبعد إلهه الأثير عن صورته العنيفة، ليحوله إلى مرشد ثقافي وجمالي، وداعية لــلــوحــدة الإنــســانــيــة، حـيــث لا خــيــار أمـــام قطبي العالم المتصارعي سـوى التكاتف والــــتــــآزر لــهــزيــمــة الـــبـــربـــريـــة. وإذ اعـتـنـق الشاعر فـي الـوقـت ذاتــه العقيدة الأورفـيـة المنسوبة إلى أورفيوس، التي ترى في الفن والـحـب هديتي الـحـيـاة المـثـلـى، فقد أبـدى إعــجــابــ مـنـقـطـع الـنـظـيـر بـلـبـنـان وأهـــلـــه، فامتدح قدموس الذي خرج من صور بحثاً عــن أخـتـه أوروبــــا الـتـي اختطفها زيــوس، والتي أهدت اسمها إلى القارة الأوروبية، فيما أهـداهـا من جهته حــروف الأبجدية. كما أبدى في الوقت ذاته إعجاباً بأدونيس الذي قتله الخنزير البري على ضفة النهر الذي ما لبث أن حمل اسمه، وأظهر اعتزازه بالشاب الإلهي الفاتن الـذي فطر مصرعه قلب أفروديت. أمـــــا المـــلـــحـــمـــة نــفــســهــا فــــتــــروي بـلـغـة مترعة بالاستعارات وطافحة بالحماس الـــعـــاطـــفـــي قـــصـــة المــــديــــنــــة - الأنـــــثـــــى ذات الجاذبية القصوى، التي باتت مع الزمن مدينة الـعـالـم وحـاضـنـة الـحـيـاة الهانئة، والمـــحـــصـــنـــة بــــســــور مـــنـــيـــع مـــــن الـــشـــرائـــع والـــقـــوانــن. وإذ أرادت أمــهــا أفـــروديـــت أن تبحث لـهـا عــن زوج مـنـاسـب، فـقـد طلبت من ابنها إيــروس أن يوتّر قوسه الذهبي ويضرب بسهم واحد قلب بوسايدون إله البحر، وديونيسيوس إله الـزرع والخمر. وبــوثــبـــة رشــيــقــة وجــنـــاحـــن يــخــفـقـان في الـــخـــواء، أنــجــز إلـــه الــحــب الـصـغـيـر فعلته المــــاكــــرة، مــخــتــرقــ بـسـهـمـه المـــســـنـــون قلب الإلهي معاً، فأقبل الأول من جهات صور لـــيـــقـــدم لمـــديـــنـــتـــه المـــشـــتـــهـــاة ولاءه وحــبــه وعناقيد عنبه السوداء، بينما راح مزلزل الأرض بــــوســــايــــدون يــــــدور حـــــول المـــكـــان، مـسـلـحـ بــأمــواجــه الـــهـــوج ودوامــــــات قلبه الفائرة. وبعد أن جعله الخجل فريسة للحذر والـــــتـــــردد، وعـــقـــد لـــســـانـــه جـــمـــال المـــديـــنـــة، قـــرر ديـونـيـزيـوس وقـــد استشعر خـطـورة خصمه المتربص، الانتصار على هواجسه الـــســـوداء، فـتـقـدم نـحـو معشوقته الفاتنة داعياً إياها إلى القبول به زوجاً بقوله: إنني فلاح من لبنان الذي يخصّك وإذا كان ذلك يرضيك فسأسقي لك أرضك وأعتني بقمحك خـــذيـــنـــي كــبــســتــانــي كــــي أغــــــرس شــجــرة الحياة فأنا أعرف كيف ينضج التفاح وأجعل الزعفران اللطيف ينمو إلـى جانب اللبلاب إلا أن قصائد الإله البري ومناشداته الــلــهــفــى لــــم تــنــجــح فــــي اســـتــمــالــة المــديــنــة الفتية التي أعطت لتوسلاته أذنـ صماء. وإذ كــان بـوسـايـدون يتابع حـرقـة غريمه وصـــدود معشوقته بـفـرح بـالـغ، خــرج من بي الأمواج ليقدم هو الآخر أوراق اعتماده للمدينة التي خلبت لبه، فخاطبها بالقول: اتركي الأرض أيتها الصبية فأمكِ أفروديت لم تكن من الأرض بل هي ابنة المياه المالحة إنني أقدّم لك بحري المترامي كهدية عرس لن أقدّم لكِ البصّارات بعيونهنّ الزائغة بل سأقدم لك الأنهار كهدية زواج وستكون جميعها وصيفاتٍ لك وعـنـدمـا ظهر لأفــروديــت أن الطرفي مـتـسـاويـان فــي حبهما لابـنـتـهـا الـفـاتـنـة، أعــلــنــت أن عـلـيـهـمـا أن يــتــقــاتــ مـــن أجــل الـــعـــروس، الـتـي سـتـكـون مـكـافـأة المنتصر على شجاعته. وإذ وافق الإلهان العاشقان على الاقـتـراح، لم يترك كل منهما سلاحاً يملكه إلا واستخدمه في المعركة، فاقتلع ديـونـيـسـيـوس كــــروم لـبـنـان مــن جــذورهــا وبـــــدأ يــجــلــد بــهــا عـــريـــن خــصــمــه الـــلـــدود. وانتضى بوسايدون شوكة البحر المثلثة، وأجـهـز بها على الكثير مـن كائنات البر، قــبــل أن تـشـتـبـك الأســـمـــاك مـــع الـسـحـالـي، وزهــــور الــلــوز مــع رغــــوة الـــزبـــد، والأمــــواج مـع جـــذوع الـزيـتـون. ورغـــم شـعـور المدينة الخفي بأن قلبها بدأ يميل إلى فتى الكروم الوسيم، فإن زيوس كان له رأي آخر فزلزل بــصــواعــقــه الــعــاتــيــة كـــيـــان ديـونـيـسـيـوس المذهول، تاركاً لغريمه البحري أن يكسب الحرب، ويصبح عريس المدينة بلا منازع. ومـــــــع ذلـــــــك فـــــــإن بـــــوســـــايـــــدون أدرك بــحــدســه الـــثـــاقـــب أن ألــــق بـــيـــروت الـفـعـلـي لــن تحققه ســـوى الـتـسـويـات الـعــادلــة بي المتنازعي حولها، فقرر بعد الانتهاء من مراسم الزفاف، أن يتصالح مع اللبنانيي، وأن تــكــون مـسـاعـدتـهـم فـــي خـــوض غـمـار البحر بمثابة الهدية الثمينة لمصاهرته لـهـم. أمــا ديونيسيوس المثقل بـألـم الحب ووطــأة الهزيمة، فقد أقنعه أخـوه إيـروس أن يـــتـــرك جـــبـــال لـــبـــنـــان ومــــيــــاه أدونـــيـــس لـيـلـتـحـق بـــبـــ د الـــيـــونـــان؛ حــيــث تـنـتـظـره نساء فاتنات ليعوضنه عن خسارته. والـحـقـيـقـة أن قـــــراءة مـتـأنـيـة لملحمة ننوس، لا بد أن تُشعرنا بالذهول إزاء ذلك الثراء التخييلي والأسلوبي المدهش الذي يمتلكه المــؤلــف، كـمـا إزاء وقــوفــه العميق عـلــى مـعـنـى بـــيـــروت ودورهــــــا الــتـنـويــري، فـــضـــً عــــن رؤيــــتــــه الاســـتـــشـــرافـــيـــة لمــــآلات المـــديـــنـــة الـــتـــي ظـــلـــت عـــبـــر الـــتـــاريـــخ مــحــً لــتــنــازع الـبـشـر والآلـــهـــة، وصـــــراع الــداخــل والـــــخـــــارج، وحـــصّـــالـــة لــلــمــآســي الـــتـــي لـم يـكـن انـفـجـار مرفئها المــــروع قـبـل سـنـوات أربــــع ســـوى حـلـقـة مــن حـلـقـات مكابداتها المتواصلة. ولعل أفضل مـا أختم بـه هذه المـقـالـة هـو اسـتـعـادة مـا كتبه سباستيان كــرامــوازيــه فـي الـقـرن الـسـابـع عـشـر، الـذي وصـــــــف نـــــنـــــوس بــــالــــقــــول «إنـــــــــه يــــســــاوي جــ ل هـومـيـروس وسـمـو بـنـدار وتماسك سـوفـوكـلـيـس وبــســاطــة هـــزيـــود ومـلـوحـة أريستوفان. إنـه الشاعر الـذي كـان يبحث عنه أفلاطون دون أن يعثر عليه». جانب من مدينة بيروت (أ.ف.ب) شوقي بزيع حظيت بيروتعبر العصور المتعاقبة باهتمام الكثير من الشعراء الذينرأوا فيها صورة عن الشعر نفسه يعكسان تلاقح الأساليب وتداخل الطرق الفنية في إقليم دلمون تمثالان نحاسيان من معبد باربار في البحرين أشهر المجسمات الأثرية التي عُثر عليها فــي جــزيــرة الـبـحـريـن مـجـسّـم نـحـاسـي يمثل رأس ثور ذا قرني هلاليي ضخمي، ويُعرف بـثـور بــاربــار، نسبة إلــى اســم المعبد الأثــري الــــذي خـــرج مــنــه. يُـــعـــرض هـــذا الـــثـــور الــذائــع الــصــيــت فـــي واجـــهـــة خـــاصـــة بـــه فـــي متحف البحرين الوطني، وسط مجسّمي صغيرين خـرجـا كـذلـك مـن المـوقـع الأثـــري نفسه، يمثّل أحـدهـمـا طـيـراً ذا عنق طـويـل، ويـمـثّـل الآخـر شاباً حليق الرأس، يقف منتصباً، رافعاً يديه المتشابكتي فوق محيط صدره. يـحـمـل مـعـبـد بـــاربـــار اســـم الـقـريـة التي تـــجـــاوره فـــي شــمــال غــــرب مـمـلـكـة الـبـحـريـن، وتتبع المحافظة الشمالية، وهو موقع أثري مــوغــل فــي الـــقـــدم، كـشـفـت مـعـالمـه الأولــــى في بــعــثــة دنـــمــاركــيــة مـــن مــتــحــف ما 1954 عــــام قبل التاريخ في آرهـوس، خلال أعمال المسح والتنقيب الـتـي قـامـت بها بغية البحث عن أولـــــى المــســتــوطــنــات فـــي أراضــــــي الــبــحــريــن. تواصلت أعمال المسح في السنوات التالية، وتــبــنّ أنّ هـــذا المـعـبـد هــو فــي الــواقــع مجمع يحتضن ثـ ثـة مـعـابـد مـتـعـاقـبـة، بُـنـيـت في مـــــراحـــــل مــخــتــلــفــة فــــــوق تـــــل مـــنـــخـــفـــض يـقـع جـــنـــوب قـــريـــة بــــاربــــار، بـــن مـنـتـصـف الألـــف الثالث ومطلع الألف الثاني قبل الميلاد، يوم كانت جـزيـرة البحرين حاضنة رئيسية من حواضن إقليم دلمـون الـذي امتدّ على ساحل شبه الـجـزيـرة العربية، وانفتح على أقاليم عدة من بلاد الشرق الأوسط ووادي السند. عُــثــر عـلـى مـجـسّـم رأس الــثــور فــي ركـن مركزي من معبد باربار الثاني، وهو الموقع الــــذي يــوصــف بــقــدس الأقــــــداس، وعُـــثـــر على مجسّمي الـطـيـر والــشــاب المنتصب فــي ركـن يـقـع فــي الـنـاحـيـة الـشـمـالـيـة مــن هـــذا المعبد، يـبـدو أشـبـه بحفرة خُـصّـصـت لحفظ القطع النذرية المتعدّدة الأنــواع والأشـكـال. صُنعت هـــذه الـقـطـع الأثــريــة مــن الـنـحـاس، غـيـر أنها تــــحــــوي نـــســـبـــة مــــن الـــقـــصـــديـــر، وتــــبــــدو فـي ظاهرها كأنّها مصنوعة من البرونز. يبلغ سنتمتراً، 13 طــول الـطـيـر كـمـا عـرضـه نـحـو وهـــو مــكــوّن مــن قـطـعـة واحــــدة يـغـلـب عليها طــابــع الــتــجــريــد والاخــــتــــزال. الـــــرأس صغير لـلـغـايـة، ويـتـمـثّـل بكتلة بـيـضـاويـة مــجــرّدة، والــعــنــق طـــويـــل ونــحــيــل، وهــــو أشـــبـــه بعنق الطاووس. على العكس، يبدو البدن ضخماً، ويتمثّل كذلك بكتلة بيضاوية تخلو من أي مــ مــح تـــحـــدّد الـــصـــدر والــبــطــن والــخــاصــرة والـــظـــهـــر. الــجــنــاحــان ذائـــبـــان كـلـيـ فـــي هــذه الـكـتـلـة المـــتـــراصـــة، والـــذيـــل عـلـى شـكـل مثلث بــســيــط. مــثــل الــجـــنــاحــن، تـــبـــدو الـقـائـمـتـان ذائـبـتـن فـي كتلة مستطيلة، ويـوحـي شكل هـــذه الـكـتـلـة بـأنـهـا بـمـثـابـة حـلـقـة تـصـل بي هــــذا الــطــيــر وأداة يـصـعـب تــحــديــد هـوّيـتـهـا ووظيفتها. يبدو هذا الطير في تكوينه المختزل من طيور الفنون البدائية، ولا نجد ما يماثله في مـيـدان الأخـتـام الدلمونية التي تزخر بصور الطيور. من جهة أخرى، ربط بعض البحاثة بـيـنـه وبــــن طـــيـــور مــعــاصــرة لـــه خـــرجـــت من وادي السند، في المناطق الشمالية الغربية من جنوب آسيا. ظهرت ملامح هذا التشابه في قطعة مصدرها موقع لوتهار الأثري في ولاية غوجارات، شمال غرب الهند، في الجزء الـغـربـي مــن خـلـيـج كـامـبـي، غـيـر أن المـقـارنـة بــن الـطـيـريـن تُـظـهـر أنّ هـــذا الـتـشـابـه يبقى محدوداً، ولا يصل قطعاً إلى التماثل. يختلف مـجـسّـم الــشــاب المـتـعـبّـد بشكل كبير، بـالـرغـم مـن حـضـوره فـي كتلة واحــدة غلب عليها طـابـع الـسـكـون والـجـمـود. يبلغ ســنــتــمــتــراً، 11 طـــــول هـــــذا المـــجـــســـمّ المــنــمــنــم سـنـتـمـتـر، ويــتــمــيّــز بـمـ مـحـه 2.5 وعـــرضـــه التصويرية. يقف هذا الشاب بثبات، وتبدو ســـاقـــاه مستقيمتي ومـلـتـصـقـتـن الـــواحـــدة بـــــالأخـــــرى، كـــمـــا تـــبـــدو ذراعــــــــاه مـلـتـصـقـتـن بــصــدره، ويــــداه مضمومتي ومتشابكتي. الــــكــــتــــفــــان صــــغــــيــــرتــــان وضــــيــــقــــتــــان، الــعــنــق عــريــض، ويـشـكـل قــاعــدة لـــرأس دائــــري يبدو حـلـيـق الـشـعـر، وســمــات وجـــه هـــذا الــــرأس لا تزال ظاهرة رغم تآكلها. ينتصب هذا المتعبّد بوقار، قابضاً بكفّه اليمنى على كفّه اليسرى، وفقاً لوضعية ثابتة عُرفت في بلاد النهرين بشكل واسع على مدى قرون من الزمن، منذ مطلع الألفية الثالثة قبل الميلاد. يحضر هـــذا المـجـسّـم فـــوق كتلة مقوّسة تـحـمـل فـــي طـرفـيـهـا ثـقـبـن دائـــريـــن، وتـوحـي هــــذه الــكــتــلــة بــــأن المــتــعــبّــد الـــــذي يــقــف فـوقـهـا يـزيّـن فـي الـواقـع مقبضاً لأداة مـا. أثـــارت هذه القطعة سجالاً لا يزال مفتوحاً منذ اكتشافها إنــهــا في 1970 ، وقــيــل فــي عـــام 1954 فــي عـــام الواقع مقبض لمرآة نحاسية ضاعت صفحتها الـدائـريـة المصقولة، تُماثل فـي تكوينها مـرآة من هذا النسق خرجت من موقع ميهي الأثري فـــي جــنــوب إقــلــيــم بـلـوشـسـتـان الـبـاكـسـتـانـي. هكذا تـمّ الـربـط بـن مــرآة بـاربـار ومـــرآة ميهي التي تنتمي إلى فرع من فـروع حضارة وادي ،1983 السند، وســادت هـذه الـقـراءة حتى عـام حـــيـــث قــــورنــــت مـــــــرآة بـــــاربـــــار بــــمــــرايــــا أخــــرى مشابهة خرجت مـن مـواقـع أثـريـة تقع جنوب آسيا الوسطى، تحديداً في أوزبكستان. توسّع ، خرجت 2008 هذا السجال المفتوح، وفي عام قــــــراءة جـــديـــدة تـــربـــط هــــذا الــنــســق مـــن المـــرايـــا بمواقع فـي محافظة لُرستان الإيـرانـيـة، غرب جبال زاكروس. في الواقع، تتكوّن هذه المرايا في الغالب منصفحة دائرية مصقولة ومقبضعلى شكل مجسّم آدمي. يأخذ هذا المجسم طابعاً أنثوياً مــجـــرّداً مــن الـتـفـاصـيـل، يغيب رأســـه كلياً في صفحة المرآة الدائرية المتصلة مباشرة بعنقه. على العكس، تتألّف مرآة باربار في تكوينها الأصلي من صفحة دائرية ثُبّتت تحت قدمي الــشــاب المتعبد الـــذي يــزيّــن مقبضها، لا فـوق رأســـــه، ويـتـمـيّـز هـــذا الـــشـــاب بـظـهـور ملامحه الـــتـــصـــويـــريـــة الـــنـــاتـــئـــة بــشــكــل جـــلـــي، بــخــ ف المـقـابـض الأنــثــويــة الــتــي يـطـغـى عليها طابع يجمع بي التحوير والتجريد الهندسي. فـــي الـــخـــ صـــة، يـتـبـنّـى مـتـعـبّـد بــاربــار نـسـقـ فـنـيـ نــشــأ فـــي بــــ د مـــا بـــن الـنـهـريـن وشـــــاع فــيــهــا، كــمــا تـشـهـد حـــركـــة كـــفّـــي يـديـه المـضـمـومـتـن، ويـــحـــلّ هـنـا فـــي مـعـصـم مـــرآة نحاسية تـعـود إلـــى عـصـر سـبـق ظـهـور هـذا الـــنـــوع مـــن المـــرايـــا فـــي مـصـر الــقــديــمــة. يـبـدو هـــــذا المـــجـــسّـــم المــنــمــنــم فــــريــــداً مــــن نـــوعـــه فـي هـــذا المـــيـــدان، ويـعـكـس بـشـكـل ســاطــع تـ قـح الأســالــيــب وتـــداخـــل الــطــرق الـفـنـيـة المعتمدة وسط إقليم دلمون الذي شكل في زمنه طريقاً للتجارة العالمية ربطت بي أقاليم متباعدة من الشرق القديم. تمثالان منمنمان من محفوظات متحف البحرين الوطني محمود الزيباوي

RkJQdWJsaXNoZXIy MTI5OTky