issue16688

Issue 16688 - العدد Tuesday - 2024/8/6 الثلاثاء OPINION الرأي 14 ملاذ السلامة... وملاذ النهاية ازدهــــــــــرت فــــي الـــســـتـــيـــنـــات ظــــاهــــرة المــــاذ الــــثــــوري. وكــثــيــراً مـــا كــنــا نـلـتـقـي فـــي الــقــاهــرة ودمشق وبغداد، إلى جانب لقاءات في بيروت مـــع شـخـصـيـات ثـــوريـــة دفــعــت بــهــا الـعـمـلـيـات الانقلبية، وبذلك وجـد بعض هــؤلاء أنّ الملذ فــــي الــــدولــــة الـــتـــي عــلــى اســـتـــعـــداد لــقــبــول هــذا السياسي أو ذاك الضابط اللجوء فيها. ولنا على سبيل المـثـال، كيف أن الـقـاهـرة فـي الزمن الـنـاصـري بـاتـت المـــاذ لعبد الحميد الــســراج، الـــذي كــان أحــد أركـــان تجربة الـوحـدة المصرية – الـسـوريـة، ثـم بــات وغـيـره كثيرون مطاردين مــــن زمـــائـــهـــم الـــضـــبـــاط الــــذيــــن قــــامــــوا بـحـركـة الانفصال، مع التشفي من جانب بعض هؤلاء بالسراج، الذي كان في قمة صانعي القرار، ثم بات في السفح مغضوباً عليه، وبرسم الانتقام منه، لكن بموجب صفقة ناصرية - انفصالية جـيء بالسراج إلـى مصر، وأقــام فيها مطمئناً إلى أن سلمته مضمونة. وزيادة في الاهتمام، عيّنه عبد الناصر مديراً للضمان الاجتماعي، وبـقـي شـاغـاً هــذا المنصب إلــى أن تـوفـاه الله، ودُفن في القاهرة. وطـــــوال ســـنـــوات إقــامــتــه بــقــي فـــي الـحـفـظ والصون، مع أن الذين يتمنون إلحاق الأذى به، انتقاماً من حالات صعبة أعاشهم فيها عندما كان رمزاً لقساوة التعامل الأمني مع المعارضين، كانوا كثيرين. وما حصل من رعاية للسراج في مــاذه المـصـري، حصل لسياسيين وعسكريين سوريين كثيرين، ومن دون أن يتمكن خصوم العهد الانفصالي من الانتقام منهم. ومـــا حـــدث مـــع عـبـد الـحـمـيـد الـــســـراج في ملذه الناصري، حدث لمؤسس حزب «البعث» ميشال عفلق الذي رحمه نظام الرئيس حافظ الأســـد، فلم ينفّذ فيه حكم الإعــــدام، فلجأ إلى بـــيـــروت حــيــث أمـــضـــى ردحـــــ مـــن الـــزمـــن آمـنـ مطمئناً محروساً بعناية من رفاقه البعثيين، فيما العيون الأمنية اللبنانية بـدورهـا كانت ســــاهــــرة عـــلـــيـــه. وبـــقـــي عــفــلــق وأفــــــــراد عـائـلـتـه الشخصية في لبنان إلى أن اشتد صراع البعث السوري الأسدي مع البعث العراقي الصدامي، لـيـتـبـوأ مـــن جــانــب الــرئــيــس صـــــدّام حـسـ ما كـان يتمنى الحصول عليه فـي سـوريـا، أميناً عـامـ لـلـقـيـادة الـقـومـيـة لـحـزب الـبـعـث. وحتى أيام مرضه كان التعامل الصدّامي معه تعامل من هو الرفيق الأعلى مكانة حزبية. ثم بعدما تـوفـي، وهــو قيد الـعـاج فـي بـاريـس، دُفـــن في أرض مــبــنــى الـــقـــيـــادة الــقــومــيــة بــمــهــابــة غـيـر مسبوقة لطالب الملذ في نظام ثوري. ومــــا كــــان رئـــيـــس وزراء الأردن، وصـفـي الـتـل، ليلقى فاجعة الاغـتـيـال مـن جانب شاب فلسطيني معبأ غضباً، لـو أنـه كـان فـي مصر طـالـب مـــاذ، كما سـائـر الـذيـن رأوا فيها أكثر الملذات ضمانة على الحياة. لــم تـعـد بــيــروت مقصد الــذيــن يحتاجون فــــي ســــاعــــات الــــشــــدة إلـــــى المــــــاذ الآمــــــن فـيـهــا، وذلـك لأنها باتت عملياً، في جـزء من أرضها، ومــــن الأرض الــلــبــنــانــيــة، فـــي جـــنـــوب الـــبـــاد، مـــاذاً لحركة «حــمــاس»، إضـافـة إلــى أفـــراد في الحركة الحوثية. ولا يقتصر المــاذ اللبناني على زيـارات قياديين من «حماس»، من بينهم الــــرجــــل الأول فــــي الـــحـــركـــة إســـمـــاعـــيـــل هـنـيـة، وعلى لقاءات تخطيط مع الأمين العام ﻟ«حزب الله» حسن نصر الله، وعلى موفدين ثوريين ودبلوماسيين إيـرانـيـ يـأتـون خصيصاً من إيـران بقصد التخطيط والتشاور، وإنما بات جـزء من الأرض اللبنانية في الجنوب ميدان عمليات لمقاتلين «حمساويين»، ويتم الإعـان بـــــ حـــــ وآخــــــــر مـــــن جــــانــــب مــــســــؤولــــ مــن «حماس» عن هذه العمليات. هــــنــــا، لا يــــعــــود لـــبـــنـــان المـــــــاذ الآمـــــــن لمـن يحلّقون في الفضاء الثوري الإيراني. ويصبح مـــن وجــهــة نـظـر إســرائــيــل كـمـا لـــو أنـــه امــتــداد لقطاع غزة. فـــي ضــــوء ذلـــــك، تـــفـــادى الــنــظــام الإيـــرانـــي أن يـكـون سـاحـة انـطـاق عمليات، كما لبنان، واقــتــصــر دوره عــلــى تـنـشـيـط الأذرع الـعـامـلـة تحت رايته، لكن رغم ذلك، فإن إسرائيل ترى في الدور الفلسطيني الذي تمارسه ما تراه بلبنان. ومــــن هـــنـــا، جـــــاءت عـمـلـيـة اغـــتـــيـــال إسـمـاعـيـل هنية عكس ما يرسمه النظام الإيـرانـي لـدوره الفلسطيني، بمعنى أن يكون الداخل الإيراني مــــاذاً لـلـتـحـادث مــع قــيــاديــي «حـــمـــاس» الـذيـن يأتون أو يستدعون للتشاور والتمويل ورسم الخطط، وأن يـكـون الـخـارج كما يتمثل بجزء من لبنان وباليمن الحوثي والعراق الإيراني، الولاء والتنظيم لتنفيذ العمليات. ولــقــد افــتـرضـت إيــــران أنــهــا نـائـيـة عــن أن تـكـون مـجـرد المـــاذ الــثــوري الآمـــن، كما مصر. وفـــي الـــوقـــت نـفـسـه، يـسـتـمـر الـــــدور الـخـارجـي كما هـو عليه، يبقيها فـي مـنـأى عـن المخاطر والــعــمــلــيــات الـــتـــي تــتــســبــب فـــي إحــــــراج بـالـغ القساوة لمهابة الحكم، على نحو واقعة اغتيال إســمــاعــيــل هــنــيــة، خــصــوصــ أنــــه أتــــى مــدعــواً وضـــيـــفـــ لــلــمــشــاركــة فــــي احـــتـــفـــالـــيـــة تـنـصـيـب الرئيس الجديد مسعود بزكشيان، بما يعني أن طـهـران هـي المــاذ الآمـــن، وليست العاصمة الـتـي كـانـت الـنـهـايـة لمـسـيـرة نـضـالـه، مــن أجـل وطنه فلسطين، في شقة الاستضافة الإيرانية المتميزة له. وهـــكـــذا المـــــاذ لأهــــل الــســيــاســة والأحـــــزاب والــــحــــركــــات الــــتــــي تـــتـــنـــوع مـــقـــاصـــدهـــا. مـــاذ السلمة وملذ النهاية. أعان الله الأمة. لم تعد بيروت مقصد الذين يحتاجون في ساعات الشدة إلى الملاذ الآمن فيها فؤاد مطر معضلة الذات المأزومة: اليمين والإسلاموفوبيا جــرس الإنـــذار يــدق فـي بريطانيا بشكل خاص وأوروبــــــــا بـشـكـل عـــــام، ويـــجـــب أن يـحـظـى بـقـلـق في الــعــالــم الإســـامـــي تــجــاه المــنــاظــر المــزعــجــة الــتــي يتم بثها وتوثيقها في شوارع المملكة المتحدة، مع موجة اضــطــرابــات عنيفة لليمين المــتــطــرف شـهـدتـهـا مـدن إنجلترا وآيـرلـنـدا الشمالية على يـد مثيري الشغب المناهضين للهجرة، والمـتـأثـريـن بخطابات التمييز والإسلموفوبيا. صـــحـــيـــح أن الـــــخـــــطـــــاب الــــســــيــــاســــي الـــرســـمـــي الـــعـــام وجـــهـــود الــشــرطــة وأجـــهـــزة الأمـــــن وكــثــيــر من أعـضـاء الـبـرلمـان بأطيافه السياسية المختلفة، أدان تـــلـــك الأحــــــــداث الـــتـــي وقـــعـــت فــــي لـــنـــدن ومــانــشــســتــر وســـــاوثـــــبـــــورت وهــــارتــــلــــبــــول وســـــنـــــدرلانـــــد، والـــتـــي استهدفت المساجد والمباني المخصصة للمهاجرين، لكن السؤال الذي يعود للواجهة عن مدى تجذر هذه الأفكار غير المتسامحة وصعودها مع خطاب اليمين، وهل يمكن أن تكون عرضاً لمرض أكثر خطورة يحدق بـالـسـلـم المـجـتـمـعـي فـــي بــلــد هـــو مـــن أكــثــر الــتــجــارب الأوروبية نجاحاً في الاندماج؟ »Runnymede Trust« بـحـسـب وصــــف مـنـظـمـة الــبــحــثــيــة الـــتـــي تُـــعـــنـــى بــمــلــفــات المـــــســـــاواة الــعــرقــيــة والــحــقــوق المــدنــيــة، فـــإن «الـعـنـصـريـة الـعـنـيـفـة كانت تغلي منذ فـتـرة طويلة تحت سطح المجتمع، وهو الأمر الذي أكدته بيانات وزارة الداخلية البريطانية الـتـي قــالــت: «جــرائــم الـكـراهـيـة العنصرية والدينية مــرتــفــعــة، حــيــث يُــعــد المــســلــمــون المــجــمــوعــة الـديـنـيـة الأكـــثـــر اســـتـــهـــدافـــ »، وبــلــغــة الأرقــــــام فــآخــر الـتـقـاريـر أكــدت أن الـحـوادث 2023 التي نشرت فـي أواخـــر عـام المعادية للإسلم تضاعفت في جميع أنحاء بريطانيا بسبب زيـــادة نشاط اليمين 2022 و 2012 بـ عامي المتطرف، والهجمات العالمية المناهضة للمسلمين، والـــخـــطـــاب الـــســـيـــاســـي، وحــــمــــات اســـتـــفـــتـــاء خــــروج بــريــطــانــيــا مــــن الاتــــحــــاد الأوروبــــــــــي، وصـــــــادف ذلـــك مــع تــوقــف عـمـل مـجـمـوعـة الـعـمـل المـعـنـيـة بمكافحة ) التابعة للحكومة AMHWG( الكراهية ضد المسلمين المحافظة لمدة تزيد على أربع سنوات. مـــا الـــــذي تــقــولــه هــــذه الـــتـــحـــولات؟ هـــنــاك غـيـاب لاستراتيجية واضحة في أوروبـا مع صعود خطاب الـــيـــمـــ المـــتـــطـــرف فــــي فـــئـــة الـــشـــبـــاب وعـــلـــى شـبـكـات التواصل الاجتماعي وبشكل لافـت، وهو ما يعكسه انتقال مشكلة التعامل مـع ملف الهجرة والانـدمـاج ومكافحة التمييز من مربع البحث عن حلول حاسمة لمــعــضــلــة وجــــوديــــة وهـــويـــاتـــيـــة لــفــئــة مــــن المـــواطـــنـــ البريطانيين مـن الجيل الـثـانـي والـثـالـث إلــى مجرد خطابات استقطاب سياسي برغماتي. العقلء في مراكز التحليل والدراسات يؤكدون على معضلة المـحـتـوى التضليلي تـجـاه المهاجرين والمــســلــمــ وتــعــمــيــم الــــصــــورة الـسـلـبـيـة تــحــت اســم الإرهــــــــــاب، وفـــــي ظــــل اســــتــــمــــرار ذلـــــك فـــــإن «الــجــحــيــم سيندلع» بحسب تقرير قــرأ تنامي الـظـاهـرة خلل السنوات الخمس الماضية. صحيح أنـــه لا يمكن الـحـكـم بخلو أي مجتمع من التطرف أو الإرهـاب، لكنه في الحالة البريطانية أكـــثـــر تـــعـــقـــيـــداً بــســبــب ســـيـــاســـات واســـتـــراتـــيـــجـــيـــات الخطاب السياسي في قراءة ملف الإرهاب والتطرف المـعـقـد، وحـتـى اسـتـخـدام وتبني بعض التنظيمات المتطرفة مثل أوراق ضغط على الـــدول الـتـي قدموا منها، ومــع الضغط الاقـتـصـادي الـهـائـل فــإن العنف هـو الإجــابــة غير المنطقية عـن ســـؤال الـــذات المنهكة، ويـــزيـــد الأمـــــر تــعــقــيــداً فـــي نـــظـــري ســيــولــة مصطلح اليمين المتطرف ووحـــدة الاستقطاب، خصوصاً مع فوز اليسار الليبرالي وحكومة حزب «العمال» التي سيكون عليها كثير من العمل تجاه مناقشة واضحة وصريحة لملفات الهجرة وخطاب الكراهية والتطرف والعنف والتعامل مع ثقافة اليمين بشكل عام، حتى المحافظ منه الـذي وإن كـان يدين الكراهية والعنف، لكنه يعكس الانقسامات الحادة والقلق في المجتمع البريطاني وأوروبــا بشكل عـام، والـذي أحـدث فجوة انقطاع كبير بين الأجيال من الشباب الذين يعيشون بشكل مشترك، لكنهم يتجاذبون خطابات متعارضة حادة، تعززها منصات التواصل الاجتماعي، وتؤدي إلى إعادة إنتاج للهويات الصغيرة المتشظية بشكل قـلـق تـجـاه الـفـكـرة الأسـاسـيـة «المــواطــنــة» الـتـي تسع الجميع. الفتنة لا تنام اليوم في ظل هذا التدفق الهائل للمحتوى المـضـلـل عـلـى جــــوالات وحـواسـيـب الجيل الجديد، الذي يعيشساعات على مدار اليوم في واقع افتراضي وعالم موازٍ، لكن الضغط على هذه المنصات لـلـتـعـامـل الـــجـــاد مـــع المـــحـــتـــوى الــعــنــيــف وخــطــابــات الكراهية، كما فعلت نيوزيلندا بعد مذبحة مسجد كرايستشيرش ونـــادي العقلء مـن حـول العالم، هو ضــــرورة لإعــــادة الـنـظـر فــي سـيـاسـات المـحـتـوى، لكن مـا يحدث الـيـوم أكثر ســـوءاً، بسبب اتـجـاه المنصات الـكـبـرى للتخصيص والـربـحـيـة، وصــعــود الخطاب الـــشـــعـــبـــوي والـــبـــيـــئـــة الـــحـــاضـــنـــة لأصـــــــوات الـتـمـيـيـز والـعـنـف فـي عـالـم مضطرب يمر بفترة عصيبة من نـــزاعـــات وحـــــروب وانــتــهــاكــات كـــبـــرى، يــتــراجــع معه صوت العقل ولغة القانون في مجتمعات مأزومة من الحالة الاقتصادية التي تـحـاول ترحيل مشكلتها وأزمـاتـهـا عبر مـوجـات مـن العنف. ومــن المـرشـح في القابل من الأيام أن تصبح معضلة الاندماج وخطاب الــكــراهــيــة مـــأزقـــ يـــــؤرق الــعــالــم جـنـبـ إلــــى جــنــب مع الإرهاب والتطرف وجرائم الحرب. المرشح في القابل من الأيام أن تصبح معضلة الاندماج وخطاب الكراهية مأزقاً يؤرق العالم يوسف الديني هل مطلوب «هداية» الغرب؟ أثـــارت بعض استعراضات افتتاحية الأولمبياد فـــي الــعــاصــمــة الــفــرنــســيــة بـــاريـــس انـــتـــقـــادات واســعــة داخـــل فـرنـسـا وخــارجــهــا، بعضها تعلق فيما اعتبر إســـقـــاطـــ مــســيــئــ عـــلـــى لـــوحـــة الـــعـــشـــاء الأخــــيــــر الــتــي رسمها الفنان الإيطالي ليوناردو دا فينشي ويظهر فيها الـسـيـد المـسـيـح، كـمـا انـتـقـد كـثـيـرون فــي الـشـرق وخـصـوصـ فـي عالمنا الـعـربـي بعض الاستعراضات التي عرضت مشاهد قبول المثلية الجنسية، وفي كلتا الحالتين يمكن اعتبار هذا النقد مشروعاً ومنسجماً مــع منظومة الـقـيـم الـسـائـدة فــي مختلف المجتمعات الشرقية. إن رفضمجتمعاتنا التطبيع مع المثلية الجنسية طبيعي، لأن ثقافة هـذه المجتمعات ومنظومة قيمها ترفض من يروجون لفكرة أنهم جنس ثالث جديد من حقهم أن يتزوجوا ويتبنوا أطفالاً لم يختاروا أن يكون «أبواهم» من نفس الجنس، وهو خيار رفضته بعض الدول الأوروبية ومعظم دول العالم. كـمـا رفـضـت مجتمعاتنا مـسـألـة ازدراء الأديـــان وبــشــكــل أصـــيـــل دون ادعــــــاء، واعـــتـــدنـــا أن يـــكـــون هــذا الازدراء موجهاً ضـد الإســــام، ولكنه هــذه المـــرة وجه ضـــد المـسـيـحـيـة رغـــم نـفـي الـقـائـمـ عـلـى اسـتـعـراض بـاريـس وجــود هـذه النية وعــدم اعتبار اللوحة محل الجدل لها علقة بلوحة العشاء الأخير. ولم تكن فرنسا تنتظر رد فعل مسيحيي العالم العربي على لـوحـة العشاء الأخـيـر لتتأكد أن مسألة رفض المساس بالمقدسات الدينية هي قيمة موجودة لــــدى المـسـيــحـيــ والمــســلــمــ مـــعـــ ، وأن مـــا يــجــب أن نـقـوم بـه ليس هـدايـة الـغـرب «للطريق الـقـويـم»، إنما أن يضع ضمن منظومة قيمه الأساسية قيمة أخرى تـتـعـلـق بــاحــتــرام الـــحـــضـــارات والــثــقــافــات الأخـــــرى ما دامت لا تتعارض مع قيم إنسانية محل توافق من كل المجتمعات والثقافات، مثل رفض العنصرية وانتهاك حقوق الإنسان والتحريض على العنف تحت مسمى الخصوصية، ولكن هناك مكان لخصوصية ثقافية تتعلق برفض الإســـاءة للمقدسات الدينية أو رفض تقنين المثلية الجنسية وقبولها في المجال العام. صحيح أن فرنسا تـديـن الإســـاءة للمؤمنين من أبناء الديانات المختلفة، فمثلً الإساءة للسيد المسيح ولـلـعـقـيـدة المسيحية مـقـبـول، لـكـن إهــانــة المسيحيين كأفراد أو مواطنين مدان قانوناً، ونفس الأمر ينسحب على باقي الديانات الأخـرى. والسؤال هو كيف يمكن للعالم الـعـربـي أن يشتبك مــع أوروبـــــا، وتـحـديـداً مع فـرنـسـا، ونــقــول إن الإســـــاءة لـلـمـقـدسـات يـمـثـل أيضاً إســـاءة لــأفــراد، ولا يمكن الـقـول إن الــرســوم المسيئة للرسول الكريم مقبولة، وتكرار القول إن الإسلم دين يحرض على العنف لا يسيء للمسلمين أيضاً كأفراد. إن مشكلة تعامل جـانـب مـن الـــرأي الـعـام وكثير من رجال الدين في العالم العربي مع هذه التوجهات الغربية ليس في رفضها وإدانتها، فهو أمر طبيعي ومــــشــــروع، إنـــمـــا فـــي طــريــقــة مــواجــهــتــهــا وذلـــــك منذ نـشـر الـــرســـوم المـسـيـئـة لــلــرســول الــكــريــم فـــي أكــثــر من صحيفة أوروبية إلى الإسـاءة للسيد المسيح في أحد استعراضات أولمبياد باريس، حيث الاكتفاء بالإدانة والـــرفـــض ورفــعــت أحـيـانـ دعــــوات مـقـاطـعـة البضائع الدنماركية تـــارة والفرنسية تـــارة أخـــرى أو الحديث عــن مـخـاطـر الاخـــتـــراق الـثـقـافـي الـغـربـي لحضارتنا، وأن مـشـهـداً هـنـا أو لـقـطـة هــنــاك سـتـهـدم حـضـارتـنـا الضاربة في جذور التاريخ، وستضعف إيمان الناس بعقيدتهم الإسـامـيـة أو المسيحية، فـي حـ أنــه من المؤكد أن هذه العقائد راسخة في نفوس الناس ولن تهزها مثل هذه الأشياء. وقــــد حــــاول بــعــض «الــــدعــــاة الـــجـــدد» وعــــدد من رجــــــال الــــديــــن، عـــقـــب أي إســـــــاءة لــــ ســــام أو عـمـلـيـة إرهـابـيـة تلصق أسـبـابـهـا بـــالإســـام، الـتـرويـج لمقولة يجب أن نقنع الغرب أو على الأقل نشرح لهم «الإسلم الــصــحــيــح» وهــــو مــفــهــوم يــنــم عـــن عــــدم فــهــم العقلية الـغـربـيـة الـتـي ليست عـلـى اسـتـعـداد لمناقشة تعاليم الإســام الصحيح ولا أي ديانة أخــرى، إنما أن يلتزم فقط المؤمنون بهذا الدين بدستور البلد وقانونه. إن المـطـلـوب لـيـس «هــدايــة الــغــرب» وإقـنـاعـه بما تمثله الأديـــان مـن قيم سامية أو الاكـتـفـاء برفض أي إساءة أوروبية للمقدسات الدينية، لأن هذا الرفض لا يمثل الرسالة البديلة المطلوب تقديمها في مواجهة «بضاعة الــغــرب»، إنما مطلوب التأكيد على التنوع الحضاري واحترام ثقافة المجتمعات الأخرى. إن النقاش العربي الغربي ودور كثير من الرموز الثقافية والدينية في منطقتنا يجب أن يتخلص من عقدة إننا الصح وهم الخطأ ما دمنا دخلنا في حوار مشترك، إنما يجب أن يكون على أرضية أن كلينا قد يـكـون على صـــواب، وأن القضية فـي قـبـول الاخـتـاف والــتــنــوع فــي هـــذا الــعــالــم، ولــيــس أن مـنـظـومـة قيمنا يجب أن تعلو، إنما يجب أن تحترم، لأنها في الحقيقة هي الغالبة خـارج المنظومة الحضارية الغربية، وأن احـتـرام الثقافات الأخــرى قد يفتح الباب أمـام تجاوز الــتــحــيــزات الـغـربـيـة فـــي الـسـيـاسـة والــكــيــل بمكيالين ووجـــود نظرة عـادلـة تجاه مختلف الثقافات تحترم التنوع الحضاري في العالم وترفضحديث الأفضلية أو الاستعلء من أي جانب. مطلوب التأكيد على التنوع الحضاري واحترام ثقافة المجتمعات الأخرى عمرو الشوبكي

RkJQdWJsaXNoZXIy MTI5OTky