issue16686

الثقافة CULTURE 17 Issue 16686 - العدد Sunday - 2024/8/4 الأحد حلقة جديدة من الحرب الثقافية في فرنسا لماذا انقلبتحفلة افتتاح الألعاب الأولمبية إلى هجوم ضد اليسار «الووكي»؟ لا يــــزال الـــخـــاف الــــذي يـقـسّـم النخبة الثقافية والسياسية بخصوص «الووكية» في فرنسا تترصّده وسائل الإعـــام، حتى إنـه لا يمر أسـبـوع مـن دون أن يكون هناك هـــجـــوم ضـــد هــــذه الــحـــركــة الآيــديــولــوجــيــة الثقافية المحسوبة على اليسار. للتذكير، فإن «الووكية»، المشتقة من فعل الاسـتـيـقـاظ باللغة الإنـجـلـيـزيـة، هي مـفـردة انتشرت فـي الــولايــات المتحدة في العقد الـثـانـي مـن هــذا الــقــرن، وهــي تعني حرفياً أن يكون الشخص يقظاً إزاء الظلم وانـــتـــهـــاك حـــقـــوق الأقـــلـــيـــات ســـــواء أكــانــت عرقية أم دينية أم جنسية. الدخول القوي لـهـذا الـتـيـار الـفـكـري إلـــى المـشـهـد الثقافي الـــفـــرنـــســـي تــــحــــولّ إلـــــى كــــابــــوس لـلـنـخـبـة اليمينية التي تعده «غـــولاً آيديولوجياً» يهدد ثقافة فرنسا ومؤسساتها العريقة ويـسـتـبـدل بـأنـسـاق ثقافية تـعـد أساسية لاســـــتـــــقـــــرار المــــجــــتــــمــــع، أخـــــــــرى تــفــتــيــتــيــة تـــخـــريـــبـــيـــة ومــــــدمــــــرة. آخــــــر حـــلـــقـــات هـــذه الــحــرب الـثـقـافـيـة كـانـت بمناسبة افتتاح دورة للألعاب الأولمبية التي تنظم حالياً مـــن أغــســطــس (آب)، 11 فـــي بـــاريـــس إلــــى حيث طالت موجة من الانتقادات اللذعة مـــن مـخـتـلـف أنـــحـــاء الـــعـــام مـنـظـمـي هــذه الاحــــتــــفــــالــــيــــات، تــــحــــديــــداً بـــســـبـــب مـشـهـد «العشاء الأخير» اللّوحة المعروفة للرسام ليوناردو دافنشي التي تمثل النبي عيسى عليه السلم والتي تم تجسيدها بطريقة ساخرة مثيرة للجدل؛ حيث تضّمن المشهد فـنـانـن مــن المـتـحـولـن جـنـسـيّـ والـــشـــواذ، إضـافـة إلــى ظـهـور المغني فيليب كاترين عارياً لتجسيد الإله اليوناني ديونيسيس في المشهد نفسه. العرض لم يصدم النخب السياسة والمجتمعات المسيحية والمسلمة فحسب، بل أيضاً النخب الفكرية اليمينية المحافظة التي عبرت عن غضبها موجهة أصابع الاتهام إلى اليسار «الووكي» الذي يسعى، حسب اتهامات اليمي إلى تفكيك المــجــتــمــع وفــــــرض ثــقــافــة دخـــيـــلـــة، بـحـجـة الدفاع عن حقوق الأقليات. الفيلسوف الفرنسي آلان فينكلكروت، في مقال علىصفحات جريدة «لوفيغارو» بــــعــــنــــوان: «الـــعـــبـــقـــريـــة الـــفـــرنـــســـيـــة تــألــقــت بغيابها فــي احـتـفـالـيـات افـتـتـاح الألـعـاب الأولمـــبـــيـــة» كــتــب: «أنــــا مـــذهـــول بـمـا رأيـتـه في حفل افتتاح الألعاب الأولمبية، لم أكن أتصور أن تصل المشاهد إلى هذه الدرجة مـــن الــقــبــح والابــــــتــــــذال... أيــــن كــــان الــــذوق الــرفــيــع، الـــرّقـــة، الـخـفـة، الأنـــاقـــة، الـجـمـال؟ الجمال لم يعد موجوداً بحجة الدفاع عن كل أنواع التمييز»، ملمحاً بصفة واضحة ومباشرة لا تدع مجالاً للشك إلى «اليسار الووكي». وكان هذا الأخير قد ربط في عدة مـنـاسـبـات بــن الــووكــيــة وثـقـافـة الـــــرداءة، حــيــث كـــتـــب: «عـــنـــدمـــا نــتــوقــف عـــن تعليم نــتــاجــات الـــشـــعـــراء والــفــاســفــة والــكــتــاب، وعـنـدمـا يصبح التعليم تعليماً للجهل، تنطفئ النظرة، ولا يعود هناك أي عائق أمام تقدم القبح، إنها مشكلة الووك، إنهم يـعـيـشـون فـــي غـطـرسـة الــحــاضــر وبحجة أنهم يقظون لكل أنواع التمييز فهم ليسوا بـــحـــاجـــة إلـــــى شـــــيء وتــــحــــديــــداً إنــــجــــازات الماضي التي لا يقرأونها لقراءة الذات، بل يستحضرونها ويستدعونها لمساءلتها وتوظيفها في خدمة روح العصر». الـــبـــاحـــث فــــرغــــان أزيـــــهـــــاري المـــنـــدوب العام للأكاديمية الحرة للعلوم الإنسانية هــاجــم فــي عــمــود بصحيفة «لـوفـيـغــارو» بـعــنـوان «حــفــل افـتــتــاح أكــثــر رجـعـيـة مما يبدو عليه»، التيار اليساري الــذي يـرُوج لثقافة الـرداءة تحت أسماء الحرية؛ حيث كتب: «يبدو أن مقياس نجاح الأداء الفني أصبح مقروناً بقدرته على الإساءة للآخر، عندما يكون أول رد فعل يتبادر إلى ذهنك بعد عرض فني ليس مشاركة إعجابك، بل متعة المشاكسة لأنك أزعجت جارك، فماذا يقول ذلك عنك وعن علقتك بالفن والثقافة والـــعـــالـــم؟ عــــدد الـــســـيـــاح الأجــــانــــب الــذيــن يتدفقون لــزيــارة متحف الـلـوفـر والتحف الــرائــعــة الــتــي يـضـمـهـا يــفــوق عـــدد الـذيـن زاروا عــمــل بــــول مـــاكـــارتـــي المــثــيــر لـلـجـدل بسبب إيــحــاءاتــه الجنسية، والــــذي تـألّـق فقط بسبب موقعه في ساحة فاندوم، لأن الجميع نسيه الآن». أما الباحث الحاضر بـــقـــوة فـــي وســـائـــل الـــتـــواصـــل الاجـتـمـاعـي إدريــــــس أبــــركــــان، فـــقـــال فـــي مــداخـــلـــة على حــــســــابــــه عــــلــــى «الـــــيـــــوتـــــيـــــوب» بــــعــــنــــوان: «الألـــعـــاب الأولمــبــيــة فــي بـــاريـــس: هــل يــزال هـنـاك مـكـان للجميل فــي مجتمعاتنا؟»، مـــا يـــلـــي: «أن تـــكـــون فــرنــســا بـــلـــداً يسمح بــحــق الــتــجــديــف شـــــيء، ولــكـــن أن تصبح الدولة هي حاملة هذا الشعار بسبب إرث و(شارلي إيبدو) فهذا عار كبير، ما 1968 كـنـا ننتظره مــن هـــذه الحفلة هــو التمتع بالجمال والـفـن ولـيـس عـرضـ استفزازياً لنخبة يـسـاريـة أنـانـيـة نـرجـسـيـة حـاولـت إحداث صدمة ليقال إنها طلئعية، لم يكن المكان مناسباً ولا الزمان». الـــفـــيـــلـــســـوف مــيــشــيــل أونـــــفـــــري، رغـــم ميوله اليسارية المزعومة ودفاعه عن حق التجديف فـي قضية «شــارلــي إيــبــدو»، لم يـــتـــرّدد فـــي الــهــجــوم عــلــى مـنـظـمـي عــرض الافتتاح في مدونتّه الخاصة، حيث كتب ما يلي: «كان حفل افتتاح الألعاب الأولمبية فرصة فرنسا لتقدم عرضها للعالم، فكان لحظة عظيمة مــن (الــتــهــريــج)». ويضيف أونــــــفــــــري: «أعــــلــــن رئــــيــــس دولـــــــة مــــن دون حــكــومــة افـــتـــتـــاح الألــــعــــاب الأولمـــبـــيـــة فـكـان بياناً (للووكية) عُرض على العالم بأسره وتّم فيه الاحتفال بالرجل الجديد... المفكك، مـن أجــل فرنسا جـديـدة مختلطة، عالمية، مــفــتــوحــة عـــلـــى الأقــــلــــيــــات الـــجـــنـــســـيـــة...». الباحث والإعلمي ماتيو بوك كوتي انتقد بالشّدة نفسها اليسار الـووكـي في عمود بعنوان: «ماذا وراء الجدل الذي رافق حفلة افـــتـــتـــاح الألــــعــــاب الأولمـــبـــيـــة»، حــيــث كـتـب: «أراد مصممو هـــذه الألـــعـــاب سـحـق فكرة معينة عــن فـرنـسـا، أرادوا إذلال الوطنية الـــفـــرنـــســـيـــة، مــــن هـــنـــا جـــــاء مــشــهــد الـــــرأس المــقــطــوع لمــــاري أنــطــوانــيــت، أمـــا الـحـضـور القوي للمتحولي جنسياً والذين أصبحوا بــمــثــابــة حــامــلــي لـــــواء الــتــقــدمــيــة الـغـربـيـة فـــهـــو ســـعـــي واضـــــــح لــتــفــكــيــك حــضــارتــنــا بـــأكـــمـــلـــهـــا». وفــــــي عــــمــــود عـــلـــى صــفــحــات جـريـدة «لـوفـيـغـارو» بـعـنـوان: «الحفلة لم تـعـظـم الـــــروح الـفـرنـسـيـة بـــل فــرنــســا الـتـي يـريــد المـنـظـمـون أن يــروهــا فــي المستقبل» كتبت الفيلسوفة بيرينيس لوفي، ما يلي: «تـاريـخـنـا لــم يـكـن ســـوى ســـوق استغلها المنظمون كما أرادوا، كل شيء كان مقروناً بـ(الحاضر) ولكن من يصنع نكهة مدينة كـ(باريس) سوى ماضيها التاريخي؟ هذا الــعــرض كـــان رســالــة لـلـعـالـم بــأســره بأننا - نــحــن الـفـرنـسـيـن - لـــم نــعــد نــعــرف مـــاذا نفعل بتاريخنا وبماضينا، وكأننا نرمي (الاسـتـثـنـاء الفرنسي) فـي سـلّـة المهملت، أقـولـهـا وأعــيــدهــا، هـــذا الـحـفـل كـــان عرضاً (ووكيا) ولا يمكن لتوماس جولي وفريق المنظمي إنكار أن الهدف منه هو الدعاية للتعددية الثقافية والـهـويـات الـخـاصّـة». الـكـاتـب والمـفـكـر والمُــنــظــر الـسـيـاسـي، جـاك أتالي، في مداخلة على منصّات التواصل الاجـتـمـاعـي، صـــرّح بــأن الـتـاريـخ هـو الـذي سيحكم: «بعد عشر سنوات، إما أن تصبح هذه التجاوزات طبيعية ومألوفة وإمـا أن من 2024 تُــعــدّ مـقـيـاسـ لمــا كـــان عـلـيـه عـــام انحطاط». أونفري جاك أتالي إدريسأبركان بيرينيسلوفي باريس: أنيسة مخالدي الدخول القوي لتيار «الووكية» إلى المشهد الثقافي الفرنسي تحوّل إلى كابوسللنخبة اليمينية التي تعده «غولاً آيديولوجياً» إعادة نشر أول رواية مكتوبة باللغة الكرديّة صـــــــدرت حـــديـــثـــ عــــن «مــــنــــشــــورات رامينا» في لندن، بالتعاون مع «وكالة حـــــــرف» فـــــي الــــــريــــــاض، طـــبـــعـــة جـــديـــدة لرواية «السيّدة خاتي» للكاتب الكرديّ الراحل علي عبد الرحمن بترجمة قادر عكيد. تحظى الــروايــة بأهمّيّة كبيرة في تاريخ الأدب الكرديّ الحديث باعتبارها أوّل رواية كُتبت ونُشرت باللغة الكردية (اللهجة الكرمانجية)، ونُشرت لأوّل مرّة في يريفان بأرمينيا. 1959 عام أراد الــــكــــاتــــب فـــــي هـــــــذه الـــــروايـــــة الــقـــصــيـــرة إظــــهــــار قــــــوّة المـــــــرأة الـــكـــرديّـــة ودورهــــا ورسالتها فـي الـحـيـاة، وكيف أنّها تنهض بـأدوار قياديّة في أسرتها ومجتمعها، وتساهم بلعب دور كبير في حركة التغيير الاجتماعي. كتب الناشر: «حي تقرأ هذه الرواية تتعرّف إلى جوانب من قوّة المـرأة الكرديّة المضحّية وقدرتها على الصمود في وجه المحن، وكــيــف أنّــهــا تــضــرّ إلـــى إخــفــاء مآسيها تحت أقنعة العنف في بعض الأحيان. روايـــة (الـسـيّـدة خـاتـي) هـي مفتاح الــــروايــــة الـــكـــرديـــة الــكــاســيــكــيــة، روايــــة الــتــعــايــش والــــوفــــاء الــــكــــرديّ الأرمــــنــــيّ، وروايـــــــة الـــحـــبّ الـــطـــاهـــر الــعــفــيــف الـــذي يعاند قسوة الحياة». ويقول المترجم في مقدمته للرواية إنّ «مـا جذبه لترجمتها أكثر هو بطلة الــــروايــــة (الـــســـيّـــدة خـــاتـــي) الــتــي تحمل العبء الأكبر بعد رحيل زوجها تيمور، واعــــتــــقــــال بـــكـــرهـــا ووحــــيــــدهــــا ســلــطــان مـن قبل الجندرمة التركية، لأنّــه طالب بـأبـسـط حــقــوق عـشـيـرتـه، الــتــي تمثّلت بطلبه تخفيف الــضــرائــب. وهــكــذا أراد المؤلف إظهار قوة المرأة الكردية ودورها ورسالتها، وهذا يذكّرنا بنساء كرديّات أخــــريــــات كــــنّ بـــطـــات قــصــص وحــكــايــا قــــدم خــيــر الـتـي وروايـــــــات مــثــل ا ثـــــأرت لمــقــتــل أخــيــهــا الأمـــيـــر شــــاه مـــراد خـان الــذي قُتل غــدراً على يد رضـا شاه الحرب 1927 الفارسي إذ أﻋﻠﻨﺖ في عام عـــلـــيـــه، وألـــحـــقـــت بــــه الــــهــــزائــــم. وكـــذلـــك خـــانـــزاده سـلـطـان الـتـي حكمت إمــارَتــيْ حرير وسوران بعد وفاة زوجها وكانت تتولى قيادة الجيش بنفسها، والثائرة فـاطـمـة خـانـم الـتـي كـانـت تـتـولـى قـيـادة فرقة كردية في حرب القرم». المــــؤلــــف عـــلـــي عـــبـــدالـــرحـــمـــن شــاعــر ) ولــد في 1994 - 1920( وروائــــي كـــردي منطقة وان في تركيا. مرّ بطفولةصعبة، حيث أُجبر على الهجرة مع العشرات من أبناء عشيرته إلـى الاتحاد السوفياتي . ومـــــن أعــمــالــه 1926 الـــســـابـــق فــــي عـــــام الروائية: «قرية الشجعان»، «شجني»، «الحرب في الجبال/ شيخ ظاهر». ومن أعماله الشعرية: «مـــوروف»، «نهضة»، «كلستان»، «إجـــال»، «قلبان محبّان»، و«الأم». جاءت الرواية في مائة صفحة من الـقـطـع الـــوســـط، وكـــانـــت لــوحــة الـغـاف لـلـفـنـان الـــكـــرديّ الــعــراقــيّ رســتــم آغــالــه، وتصميم الفنّان ياسي أحمدي. لندن: «الشرق الأوسط» إريشكستنر يطرح سؤال الأخلاق بين الحربين العالميتين تُـعـيـد تـرجـمـة عـربـيـة لـــروايـــة «فـابـيـان - قــصــة رجــــل أخــــاقــــي» لــلــكــاتــب والــــروائــــي ) تأمل 1974 – 1899( الألماني إريـش كستنر الهُوة السحيقة في ألمانيا خلل الفترة بي الــحــربــن الـعـالمـيـتـن، وســـط تــداعــي القيمة الإنــســانــيــة بـــن رُحــــى الأزمـــتـــن الـسـيـاسـيـة والاقتصادية، وتشوّش قيم الحب والعدالة. في الرواية التيصدرت ترجمتها أخيراً بتوقيع المترجم المصري المقيم ببرلي سمير جــريــس عـــن دار «المـــنـــى» الــســويــديــة، يـقـود إريـــش كستنر مــفــارقــات الـــروايـــة بــن بطله «الأخلقي» أو «الباحث عن الأخلق» وسط واقـــع «لا أخــاقــي»، حيث تـبـدو المـديـنـة فيه مرتبكة بفعل الأزمــة الاقتصادية التي تلت الـحـرب العالمية الأولـــى، فيما تُمهد أحــداث الـــروايـــة بتلك الاضــطــرابــات إلـــى الاسـتـيـاء الوشيك على السلطة فيها من قبل النازية، وفـــي هـــذا الـسـيـاق تـرتـفـع مــعــدلات البطالة التي يجد بطل الرواية «فابيان» نفسه أحد الواقفي في طوابيرها الطويلة، بعدما يتم تسريحه بخطاب بارد من جهة عمله، حيث كان يعمل في مجال الدعاية والإعلنات، فل تشفع له درجة الدكتوراه التي حصل عليها ولا عمره الثلثيني في أن يحتفظ بوظيفته، ويبدو فابيان على مـدار الـروايـة حتى بعد تـــســـريـــحـــه مــــن عـــمـــلـــه، أبــــعــــد مــــا يــــكــــون عـن الانفعالات الصاخبة أو الثورية، فهو يتلقى الـعـالـم بطبيعة ســارِحــة فــي جـنـون المدينة الـــتـــي يـنـهـشـهـا الــفــقــر والـــبـــطـــالـــة بــالــنــهــار، وتـصـدح حياتها الليلية بصخب ومجون الملهي الليلية التي تُمثل في الرواية حياة مــــوازيــــة يــربــطــهــا بــطــل الـــــروايـــــة «فـــابـــيـــان» بسياق وجـــودي أوســـع، فهو ينظر للحياة بـعـن ســاخــرة وأخــــرى تـشـاؤمـيـة، فــي وقـت بـاتـت فيه «الـحـيـاة عـــادة سيئة» فـي مدينة صار فيها «حتى الشجر مهموم». مفارقات تهكمية يــــبــــدو الــــحــــس الـــنـــقـــدي الـــســـاخـــر فـي المـــقـــابـــل هـــو حــيــلــة الــبــطــل لمـــواجـــهـــة حـالـة العبثية الأخلقية والاقتصادية التي بات عليها مجتمعه، وهــو الحس الــذي تسلل عبر العديد من مشاهد الرواية، بداية من أروقـــة الصحافة التي تتعامل فيها إدارة تحرير بأريحية تامة مع تحريف الأخبار وتزييفها لتتماشى مع الاتجاه السياسي للدولة الألمانية في هذا الوقت، و«تأليف» أخـــبـــار لإكـــمـــال فـــراغـــات الــصــحــف، فـالمـبـدأ لــديــهــم يـــقـــول إنــــه «إذا كــــان المـــــرء بـحـاجـة إلى خبر، وليس لديه أخبار، فإنه يخترع خبراً»، وهنا يخترع القائم على التحرير أو «مالئ الأعمدة»، حسب تعبير كستنر، خـــبـــراً عــــن مـــصـــرع أربــــعــــة عـــشـــر شـخـصـ ، وإصابة اثني وعشرين آخرين في معارك بي المسلمي والهندوس في كالكوتا، في عبثية كـامـلـة فــي الـتـعـامـل مــع أخـاقـيـات الصحافة وتهكم صـارخ من قيمة الصدق بشكل عام. فـــي مـشـهـد آخــــر مـــن الـــــروايـــــة، يـدخـل فابيان إلى متجر كبير يقول إن دوره صار أن يــقــدم الـتـسـلـيـة للمفلسي الـــذيـــن ليس معهم مظلت فـي سـاعـات المـطـر، فيتجوّل داخـــــل المــتــجــر بــالــقــرب مـــن طـــاولـــة للكتب يـطـالـع كـتـابـ لـشـوبـنـهـاور فينظر لكتاب الفيلسوف الألماني الشهير وكأنه يُحدثه: «اقــــتــــراح هــــذا الـــعـــم المـــســـتـــاء مـــن الـبـشـريـة لــارتــقــاء بـــأوروبـــا عـبـر عـاجـهـا بـالـطـرق الهندية، كـان لا شـك فكرة حمقاء»، ورغـم عدم قدرته على شراء شيء من المتجر فإنه يـنـحـاز فــي مـوقـف أخــاقــي لـفـتـاة صغيرة يتحلق من حولها أمن المتجر لأنها سرقت منفضة سجائر، فيقرر أن يدفع هـو ثمن المــنــفــضــة ويـــخـــلـــص الـــفـــتـــاة الـــفـــقـــيـــرة ذات الـعـشـرة أعــــوام مــن الـقـبـض عليها بتهمة الـــســـرقـــة، لــيــكــتــشــف بـــعـــدهـــا أنـــهـــا ســرقــت المنفضة لتهديها لوالدها في عيد ميلده. وفــــي مـــفـــارقـــة يـصـنـعـهـا كـسـتـنـر بي تقدم الميكنة الصناعية مـن جهة وانهيار بنية العمالة من جهة أخـرى، يجعل بطله «الأخـــاقـــي» فـابـيـان يتعثر بــرجــل عجوز من المخترعي الذين ساهم اختراعهم في مضاعفة إنتاج النسيج وبالتالي تسريح الــعــمــال بـسـبـب الاعــتــمــاد عـلـى المـاكـيـنـات، يـقـول المـخـتـرع الـعـجـوز «مـاكـيـنـاتـي كانت مـــدافـــع، أصــابــت فــي مـقـتـل جـيـوشـ كاملة من العمال، لقد دمـرت أسـاس الحياة لدى مـئـات الآلاف، عندما كنت فـي مانشستر، رأيــــــت رجــــــال الـــشـــرطـــة عـــلـــى الـــخـــيـــل وهـــم يدهسون الموقوفي عن العمل. بالسيوف انهالوا على رءوسهم. فتاة صغيرة وجدت نفسها تحت أقــدام حصان. وأنــا المسؤول عن ذلك». يثير هذا الموقف الأخلقي للرجل المُسن حفيظة أسرته بعدما يقرر أن يتبرع بـأمـوالـه للعمال المـتـضـرريـن، فيعتبرونه فــــقــــد عـــقـــلـــه ويــــــطــــــاردونــــــه لـــلـــحـــجـــر عــلــيــه وإقحامه في مستشفى الأمــراض العقلية، ما جعل الرجل يتنقل بي الأرصفة وأسطح الـــبـــيـــوت هـــربـــ مــنــهــم، ويـــجـــد فـــابـــيـــان في مساعدته عملً أخلقياً، فيجعله يبيت في غرفته، وفي مفارقات ساخرة كان يجعله يختبئ في خزانة ملبسه. مُدونة مفتوحة يبدو صوت المدينة الـذي يتقاطع معه فابيان مشوهاً، حيث «الحب مجرد بضاعة» كما يُروّج أهل المدينة في حانات الليل، أما الانــتــحــار فـيـبـدو وسـيـلـة لإنـــهـــاء تـعـقـيـدات الحياة وإحباطات الحالمي كما يحدث مع صديق فابيان «لابوده»، الذي ينتحر يأساً، أمـا حبيبة فابيان فتختار طريق الوصول الــســريــع لارتـــقـــاء سـلـم طـمـوحـهـا، فـتـتـحـوّل من «حقوقية» إلى نجمة سينمائية وتهجر فـابـيـان، الـــذي يـبـدو حتى النهاية متمسكاً بمفاهيمه حـول الأخــاق، دون أن يستطيع مجاراة المستفيدين من هذا النظام. الـــافـــت أن إريـــــش كـسـتـنـر اســتــهــل كل فصل مـن فـصـول الــروايــة بـومـضـات مُكثفة تبدو أقــرب لمُـدونـة مفتوحة تُسجل تأملت فـــابـــيـــان لــلــعــالــم الـــفـــاســـد الـــــذي يـكـتـفـي فيه بـمـوقـع المـتـفـرج الـسـلـبـي الــســاخــر، فيفتتح أحـــــــد الــــفــــصــــول بــــقــــولــــه: «هــــــنــــــاك ســــيــــدات متطفلت جداً. المحامي لا يُعارض. التسوّل يفسد الشخصية». ويطرح مترجم الـروايـة سمير جريس كـلـمـة فـــي نـهـايـة الـــروايـــة يُـعـقـب فـيـهـا على السياق الثقافي والسياسي لصدور روايـة . الـتـي يقول 1931 «فــابــيــان» لأول مـــرة عـــام عـنـهـا إنــهــا روايـــــة عـــن بــرلــن الـعـشـريـنـيـات وحــــقــــبــــة جــــمــــهــــوريــــة فــــايــــمــــر والانـــــهـــــيـــــار الاقتصادي، مضيفاً، أن كستنر في مقدمة إحدى طبعات الرواية التيصدرت في مطلع الخمسينات أشار إلى أنه أراد بروايته «أن يُحذر من الهوة التي كانت ألمانيا وأوروبـا تقترب منها». القاهرة: منى أبو النصر

RkJQdWJsaXNoZXIy MTI5OTky