issue16683

Issue 16683 - العدد Thursday - 2024/8/1 الخميس كتب BOOKS 17 أكثر من مائة شاعر وروائي وكاتب منذ العصور الوسطى حتى الحاضر أدباء أبدعوا شخصيات ذات دلالات إنسانية باقية «إن الــشــعــر لا يــجــعــل شــيــئــا يــــحــــدث». هـــكـــذا كتب الشاعر الأنجلو - أميركي و. هـ. أودن في قصيدته «في ذكرى و. ب. ييتس» وهي مرثية للشاعر الآيرلندي الذي . فالشعر - والأدب 1939 ) توفي في يناير (كانون الثاني عموما - في رأي أودن عديم الفاعلية في العالم الواقعي. إنه مجرد كلمات لا تلبث أن تتبدد في الهواء ولا تحدث تغيراً ملموسا. وفي مواضع أخـرى من كتاباته النثرية يقول أودن إن تاريخ البشرية ما كان ليتغير قيد أنملة لو أن هوميروس ودانتي وشكسبير لم يكتبوا حرفا واحداً أو لم يمشوا على ظهر الأرض. لكن الكتاب الـذي نعرضه هنا يتخذ موقفا مغايراً Writers » لموقف أودن. إنـه كتاب «كـتّـاب غـيـروا الـتـاريـخ الذي اشترك في وضعه أحد عشر who Changed History ناقداً وباحثا، وقــدّم له الإذاعـــي والصحافي البريطاني .James Naughtie جيمس نوتي والكتاب صادر في هذا العام ) عـــن دار نــشــر «بــنــجــويــن: 2024( صفحة 368 رانــــــدوم هـــــاوس» فـــي مـن القطع الكبير محلاة بعشرات الـــــصـــــور والـــــلـــــوحـــــات المــــلــــونــــة فـي إخراج طباعي فائق الجمال. الـــكـــتـــاب - كـــمـــا يـــــدل عــنــوانــه - يـــذهـــب إلــــى أن الــكــلــمــة المـكـتـوبـة عظيمة التأثير وقادرة على توجيه مـجـرى الأحـــــداث. وهـــو مقسم إلـى ستة فصول تعرّف بأكثر من مائة شـــاعـــر وروائـــــــي وكـــاتـــب مـسـرحـي مـن مختلف اللغات منذ العصور الوسطى حتى يومنا هذا. لــن أتـوقــف هـنـا عـنـد الأسـمـاء الكبرى التي أشبعتها الأقلام بحثا وتكونت حولها مكتبات كاملة من الـــدراســـات (شكسبير، سرفنتس، ديـــــكـــــنـــــز، تــــولــــســــتــــوي، بـــــروســـــت، جـويـس، إلـــــخ...)، وإنـمـا سأتوقف وقــفــة قـصـيـرة مــع ثــ ثــة أدبــــاء من جنسيات مختلفة يكتبون بلغات مـــخـــتـــلـــفـــة ويــــمــــثــــلــــون الأجـــــنـــــاس الأدبـــيـــة الــثــ ثــة الـــكـــبـــرى: الـشـعـر، والمسرحية، والرواية. فالشعر يمثله شــارل بودلير ) الــشــاعــر والــنــاقــد 1867 - 1821( الفني الفرنسي الذي أحدث ديوانه ) «رعـــشـــة 1857( » «أزهــــــــــار الــــشــــر جديدة» في الشعر على حد تعبير فـيـكـتـور هــوغــو. لـقـد أقــــام بـودلـيـر جـــســـراً يـــصـــل بــــن الــرومــانــتــيــكــيــة والرمزية، واستوحى حياة المدينة الحديثة (باريس في هذه الحالة)، كـــمـــا اســـتـــوحـــى الأجــــــــواء المــــداريــــة لــجــزر المـحـيـط الـــهـــادئ. وقـــد كتب عن موسيقى رتشارد فاغنر، وقدم الأديب الأمريكي إدجار آلان بو إلى الــقــارئ الـفـرنـسـي، ونــــوّه بلوحات المـصـورَيـن ديــ كــروا ومـانـيـه. كان مــــن آبـــــــاء الــــحــــداثــــة الـــشـــعـــريـــة؛ إذ صوّر اغتراب الفرد وسط الجموع، وحـــــــالات المـــلـــل والــــعــــزلــــة والـــكـــآبـــة والـــقـــنـــوط، وجــمــع فـــي شــعــره - إذ يتجول فـي غابة مـن الـرمـوز - بي معطيات الحواس وتراسل العطور والأصــــــــــــوات والألــــــــــــوان فـــــي مـعـبـد الــطــبــيــعــة وعـــالـــج قــصــيــدة الــنــثــر، كما كـانـت لـه مــحــاولات قصصية. ومــــن مـعـطـفـه خــــرج رمـــبـــو وفــرلــن ومالارميه. والمـــســـرحـــيـــة يــمــثــلــهــا أديــــب إســـــكـــــنـــــدنـــــافـــــي هــــــــو الـــــســـــويـــــدي - 1849( أوغـــــســـــت ســــتــــرنــــدبــــرغ ) الــــذي لـــم تــكــن حــيــاتــه تقل 1912 درامـــــيـــــةً وعــــذابــــا واضــــطــــرابــــا عـن حياة بودلير. كانت حياة عاصفة (صوّرها في سيرته الذاتية المعنونة «ابن خادمة» وفي كتابه المعنون «الجحيم») ملؤها الصراعات العاطفية والأزمـــات العقلية، وصــور الـتـوتـرات فـي العلاقات بي الرجل والمــرأة، وكـان يعتبر الـزواج (تـزوج ثلاث مرات) مــــبــــارزة أو مـــيـــدان قـــتـــال أو ســـاحـــة صـــــراع بـــن الــذكــر والأنثى، كما في مسرحياته «الأب» و«الآنسة جوليا». وتـــ قـــت بــعــض أفــــكــــاره مـــع بــعــض أفـــكـــار شــوبــنــهــاور ونيتشه وفرويد. جرّب سترندبرغ يده في معالجة مختلف الأجناس الأدبية، وجمع بي النثر والشعر، ومارس فن التصوير. ولــكــنــه يـــذكـــر أســـاســـا بــتــجــاربــه فـــي المـــســـرح الـتـعـبـيـري والــرمــزي الــذي يغوص على أعمق الـذكـريـات والمـخـاوف والرغبات. لقد تقلب بي دراسة اللاهوت والطب، وانجذب إلى التصوف والسحر والخيمياء والخوارق. ومن أقواله فــي مسرحيته المـسـمـاة «مـسـرحـيـة حــلــم»: «لـيـس العالم والحياة والكائنات البشرية سوى وهم وطيف وصورة حلمية». وهو يمثل نقلة من ناتورالية (المذهب الطبيعي) القرن التاسع عشر إلى حداثية القرن العشرين. ومــن أعـــ م الــروايــة فـي عصرنا ج. م. كـوتـزي (ولـد ) وهـو أسـتـاذ جامعي ونـاقـد ولـغـوي ومترجم 1940 فـي لنماذج من الشعر الهولندي إلى اللغة الإنجليزية وحائز . قضى كـوتـزي فـتـرات من 2003 جـائـزة نـوبـل لـــأدب فـي حــيــاتــه فـــي لــنــدن والــــولايــــات المــتــحــدة الأمــيــركــيــة. وهــو أوروبــي الأفـق انجذب إلى حداثة إليوت وباوند وبكيت وإلى موسيقى باخ. كان معارضا للتفرقة العنصرية في جنوب أفريقيا ولحرب أميركا في فيتنام، كما كان نباتيا مدافعا عن حقوق الحيوان. تـــغـــيـــم فــــي روايـــــــــات كــــوتــــزي الـــــحـــــدود بــــن الــقــصــة والـــســـيـــرة الـــذاتـــيـــة والمـــقـــالـــة، وتـــصـــور صـــــراع الـطـبـقـات وتـــــصـــــادم الــــثــــقــــافــــات، وتـــحـــفـــل بـــمـــشـــاهـــد الاســـتـــجـــواب والـتـعـذيـب والـعـنـف، والمــاضــي في أعماله يطارد الحاضر بلا هوادة. ومـــــن أهـــــم روايـــــاتـــــه «فـــــي انـــتـــظـــار وعنوانها مأخوذ 1980( » البرابرة مـــن قــصــيــدة لـلـشـاعـر الــيــونــانــي – السكندري كـافـافـي)، وهــي تصور التواطؤ مع الأنظمة القمعية التي تتجاهل العدالة وحقوق الإنسان. ومما يثلج الصدر أن الكتاب يــتــضــمــن أديــــبــــن عـــربـــيـــن يــقــفــان إلــــــى جــــانــــب أقـــرانـــهـــمـــا مــــن كــتــاب الـعـالـم فـي هــذه الصحبة المـاجـدة: )1931 - 2021( نـــــوال الـــســـعـــداوي .)1911 - 2006( ونجيب محفوظ ربـــمـــا كـــانـــت الـــســـعـــداوي (فــــي رأى كــــاتــــب هــــــذه الــــســــطــــور) مــــحــــدودة القيمة، توسلت إلى الغرب أساسا بآرائها النسوية الجسورة، ولكن لا ريـــــب فــــي أن مـــحـــفـــوظ كـــــان مـن أعظم كتاب الرواية في أي لغة في الـــقـــرن الــعــشــريــن. ويـحـمـل الـكـتـاب صورة لمحفوظ وهو يسير في أحد متأبطا 1989 شـــوارع الـقـاهـرة فـي عدداً من الجرائد والمجلات تعلوها جــريــدة «الأهــــــرام». ويــذكــر الكتاب عــــــدداً مــــن الـــحـــقـــائـــق عــــن مـحـفـوظ ربما كانت معروفة للقارئ العربي ولا جديد فيها، ولكنها ضرورية لــــلــــقــــارئ الأجــــنــــبــــي، كــــالــــقــــول بـــأن مــحــفــوظ وُلـــــد فـــي حـــي الـجـمـالـيـة الـــــشـــــعـــــبـــــي، وأنـــــــــــه أرّخ لـــلـــحـــيـــاة الاجتماعية والسياسية والثقافية المصرية في القرن العشرين، وأنه استوحى في رواياته الأولى تاريخ مصر القديمة، ثم انتقل إلى مرحلة واقعية توجها بثلاثيته المعروفة، ومـنـهـا إلـــى مـرحـلـة تـجـريـبـيـة بها عناصر رمزية (الغورية) ووجودية وسيريالية وعبثية. ونعود إلى الكلمة التمهيدية الــــتــــي صــــــدر بـــهـــا جـــيـــمـــس نـــوتـــي الـــكـــتـــاب فـــنـــجـــده يـــقـــول إن بـعـض الأدبــاء ينظرون إلى مهنة الكتابة نظرهم إلى مهنة الكاهن. فالأديب كــمــا يـــرونـــه مــفــســر لـحـقـيـقـة عليا يــنــقــلــهــا لمــــن يـــحـــتـــاجـــون إلـــــى نـــور الــــبــــصــــيــــرة وســــــــــداد الـــــهـــــدايـــــة. إن الكتابة رحلة فـي المجهول تنتهي بـاكـتـشـاف. وبـعـد أن كـانـت قديما مــــــــــرآة تــــعــــكــــس مــــــا تــــــــــراه صــــــارت مـصـبـاحـا يــضــيء دواخــــل الـنـفـس. لقد ختم الشاعر الآيرلندي شيمس هـــيـــنـــي حـــيـــاتـــه الأدبـــــيـــــة بــتــرجــمــة الــكــتــاب الـــســـادس مـــن «الإنــــيــــادة»، ملحمة الشاعر الروماني فرجيل، إلـــى الـلـغـة الإنـجـلـيـزيـة. وقـبـل ذلـك اسـتـوحـى دانـتـي فـي الـقـرن الـرابـع عشر، وإليوت في القرن العشرين، ذلك الشاعر القديم وأعادا تفسيره بغية زيادة معرفتهم بأنفسهم وبالآخرين. إن عـــظـــمـــاء الــــكــــتّــــاب يـــشـــتـــركـــون فــــي أنـــهـــم أبـــدعـــوا شخصيات ذات دلالــة إنسانية باقية (فـاوسـت المتعطش إلى المعرفة، دون جوان الساعي دائما أبداً وراء الحب، دون كيشوت الحالم، هاملت المتردد، إلــخ...) ونحن نعود إلى هذه النماذج البشرية المرة تلو المرة لأننا نريد أن نعيش خبراتها من جديد، ولأنها تلبي حاجات إنسانية باقية. وجــــزء مــن فتنة هــــؤلاء الـكـتـاب مــــرده أنـهـم يجعلوننا لا نكف عن التساؤل: كيف حققوا هذا الإنجاز؟ كيف سبروا أغوار هذه الشخصيات؟ كيف صوّروا هذه التجارب؟ لقد صنعوا ما لم يستطع غيرهم أن يصنعه، ومـن هنا كان احتياجنا الدائم إليهم وكان التغير – البطيء ولكنه ثابت - الذي يحدثونه في مجرى التاريخ. د. ماهر شفيق فريد كوتزي سترنبرغ بودلير نجيب محفوظ عاماً فاصلة في تاريخ الصراع على الموارد 60 روجر كراولي يكتب عن «التوابل» وليسالحرير شكلت العالم تستحوذ طريق الحرير على معظم مساحات الاهتمام والجدل في الغرب عندما يتعلق الحديث بتاريخ العلاقات مع شرق آسيا، إلا أن البروفيسور روجر كراولي في تاريخه الجديد «التوابل: منافسة الـقـرن الـسـادس عشر التي شكّلت العالم» يبيّ أن الــتــوابــل، ولـيـس الـحـريـر، كـانـت الــدافــع وراء بحث الغربيي عـن طـرق تأخذهم نحو ذلـك الجانب من الـــكـــوكـــب. فـــهـــذه كـــانـــت أول سـلـعـة مـــعـــولمـــة، نــــادرة وخفيفة الــــوزن ومتينة الـتـكـويـن، يمكن أن تصل هوامش ربح تجارتها إلى ألف في المائة، وأن تفوق قيمتها أكـثـر مــن وزنــهــا ذهــبــا. الــ فــت أن موضع حمى التنافس بي القوى الغربيّة على هذه التوابل لم يكن الصي أو الهند أو اليابان، بل جزر الملوك، وهي مجموعة من الجزر البركانية الصغيرة ضمن إقليم جزر إندونيسيا: تيرنات، وتيدور، وموتي، ومـــاكـــيـــان، وبــــاكــــان، الـــتـــي كـــانـــت بــمــثــابــة الأمـــاكـــن الـــوحـــيـــدة عــلــى الــكـــوكـــب الـــتـــي نــمــت فـيـهـا أشــجــار الـقـرنـفـل، وأيــضــا عـلـى بـعـد أربـعـمـائـة مـيـل جنوبا جـزر بـانـداس، حيث المصدر الفريد حينئذ لجوزة الطيب. وعنها يقول كراولي: «لقد كان مقدراً لهذه الجزر المجهرية أن تصبح مركزاً للعبة عظيمة في القرن السادس عشر شكلت العالم حرفيا». لقد ولّـــدت هـوامـش الـربـح المرتفعة هــذه على مدى ستي عاما خلال القرن السادس عشر حافزاً لتطور نـوعـيّ فـي رســم الـخـرائـط، وفـنـون المـ حـة، وحـــســـابـــات الــســفــر، وتــأســســت مـــن أجــلــهــا هـيـئـات اســـتـــكـــشـــاف ومــــراقــــبــــة تــــرعــــاهــــا الــــــــــدول، وتــفــشــى التجسس الـتـجـاري، وكـانـت كافية - بـالـتـوازي مع فضّة العالم الجديد بعد عثور كولومبوس على ما صار يعرف بأمريكا الشماليّة - للقفز بإسبانيا إلى مكانة الإمبراطوريّة العظمى. الستون عاما تلك بـــدأت مـن الـغـزو البرتغالي أغسطس 15 بقيادة ألفونسو دي البوكيرك لملقا في واستمرت إلى استيلاء الفاتح الإسباني 1511 ) (آب يونيو 24 ميغيل لوبيز دي ليغازبي على مانيلا في ، وتـــوفـــرت بفضلهما قــواعــد آمنة 1571 ) (حـــزيـــران للإيبيريي في الفضاء الجغرافيّ للملايو والفلبي، مـمـا سـمـح بـــدايـــة لـلـبـرتـغـالـيـن، وتــالــيــا لـ سـبـان، بـامـتـ ك مـيـزة عالمية - وإن مؤقتة - على مـا يقول كراولي من خلال احتكار تجارة التوابل مع أوروبا . ولعل حقيقة 1512 إثر اكتشاف جزر الملوك في عام أن كلا الانتصارينحدث في أيام الأعياد الكاثوليكية الكبرى (صعود السيدة العذراء مريم، وعيد القديس يوحنا المعمدان على التوالي) ربطت عامل التقوى الـديـنـيـة بــفــرص تحقيق الأربـــــاح الــتــجــاريّــة، وأدى ذلك إلى دفع بعض الأتقياء الإيبيريي إلى اقتراف أعمال شجاعة متهورة ربما بلغت ذروتها في طواف فرديناند ماجلان حول أمريكا الجنوبية بي عاميّ ، واكتشاف مضيقه، الذي يحمل اسمه 1522 - 1519 الآن، وبعض الإنـــزالات المجنونة التي قـام بها رفقة حفنة مـن المـغـامـريـن فـي مـواجـهـة آلاف مـن السكان المــحــلــيــن لـيـنـتـهـي أحـــدهـــا (عـــلـــى شـــواطـــئ جــزيــرة ماكتان الفلبينية) بمقتله ضربا مبرحا حتى الموت. مـــاجـــ ن كــــان كـــلّـــف مـــن قــبــل الـــتـــاج الإســبــانــي للبحث عن طريق جديدة إلى جزر الملوك الأسطوريّة الـــتـــي عــثــر عـلـيـهـا الــبــرتــغــالــيّــون أولاً وجــعــلــوا من موقعها ســـرّاً يخضع لـحـراسـة مــشــددة. ومـاجـ ن، المغامر البرتغالي، كان من البحارة الذين نزلوا في ملقا رفقة البوكيرك. ووفقا لمعاهدات الكاسوفاس وتـــوردســـيـــ س بـــن الــبــرتــغــال ومـمـلـكـتـي قشتالة وأراغون الإسبانيتي، وبموافقة البابا الكاثوليكي، فقد قسّم العالم بينهما ليحتكر البرتغال المحيط الهندي والجزء الأكبر من جنوب المحيط الأطلسي، فيما يمتلك الإسبان كل الساحل الأميركي والمحيط الـــهـــادي تـقـريـبـا، مـــع أي مـنـاطـق جـــديـــدة قـــد تـكـون موجودة غرب ذلك. وبناءً على هذه المعاهدات، فإن الـسـفـن الــتــي تــدخــل مـنـاطـق نــفــوذ المـمـلـكـة الأخـــرى تـخـاطـر بتدميرها أو الاسـتـيـ ء عليها. لـقـد طمع تــشــارلــز الــخــامــس مـلـك إسـبـانـيـا بـاكـتـشـاف طريق بــديــلــة تــصــل إلــــى جــــزر المـــلـــوك دون المــــــرور بـالمـيـاه المـقـتـصـرة عـلـى الأســاطــيــل الـبـرتـغـالـيـة فــي المحيط الهندي، ووعــده ماجلان بالبحث عن طريق غربية تلتف حـــول أقـصـى طـــرف أمـيـركـا الجنوبيّة مقابل المـشـاركـة فـي الــثــروة وحـكـم الأراضــــي الـتـي تكتشف أثناء تلك الرحلة الاستكشافيّة. بعد مقتل مــاجــ ن، أكـمـل خـــوان سيباستيان إلـكـانـو الــطــواف حــول الـعـالـم مـن جهة الـغـرب وعـاد إلــــى إســبــانــيــا بـحـمـولـة ضـخـمـة مـــن جـــــوزة الطيب كـــانـــوا تـــعـــداد طاقم 270 رجــــً فـقـط مـــن أصـــل 18 و مــاجــ ن عند انـطـ قـه، ليتحطم بـذلـك أهـــم احتكار تـجـاريّ للإمبراطورية البرتغاليّة، رغـم أن الأخيرة لـــم تـفـقـد الــســيــطــرة عــلــى جــــزر المـــلـــوك نـفـسـهـا. لكن التوسع الإسباني غربا وقد تداخل أخيراً مع الشرق الــذي يسيطر عليه البرتغاليون، وحتى محاولات الإنجليز للدوران حول روسيا للوصول بدورهم إلى جـزر الملوك دون المــرور بمناطق نفوذ البرتغاليي، تبدأ جميعها بــإدراك ضآلة قيمة مهمتهم الأصلية - لاكتشاف طرق توابل جديدة - مقابل ضخامة ما وجــــدوه فــي مستعمراتهم عـلـى الـطـريـق. الإنجليز مثلاً أسسوا علاقات تجارية مع موسكو وأسسوا هـنـاك شـركـة مساهمة إنـجـلـيـزيـة، وهـــو نــمــوذج تم تطبيقه بنجاح أكبر في شركة الهند الشرقية لاحقا، فيما توفرت لدى الإسبان كميات ضخمة من السلع الثمينة الأخــرى المطلوبة للتجارة المعولمة، بما في ذلك العاج والأحجار الكريمة والفضة. لقد تقاطعت تلك الحمى الدينية - التجاريّة خلال الستيعاما التي عينها كراولي مع إرهاصات الــتّــقــدم الـعـلـمـي المـبـكّـر الـــذي أطـلـقـتـه، لتخلقا معا اللحظة الرّمزية لانتهاء صفحة العصور الوسطى المظلمة في أوروبــا ونثر البذور لانطلاق العصور الـحـديـثـة فيها ومـــا رافـقـهـا مــن الاسـتـكـشـافـات في الـجـهـات الأربــــع، والـتـوسـعـات الإمـبـريـالـيـة للقوى الصاعدة. على أن كراولي يصحح لنا النهج الأورومركزي الــــذي يـــرى تــاريــخ الـعـالـم بـعـيـون الـــقـــارة الـبـيـضـاء، ويــؤكــد أن الأوروبـــيـــن لــم يـكـونـوا أول مــن جـــال في تلك البلاد البعيدة، إذ قبل أكثر من قرن من وصول الإيبيريي إليها كان الأدميرال الصيني تشنغ خاه قد أبحر فيسبع حملات عبر الأرخبيل الإندونيسي بغرضالتجارة وربما بسط النفوذ أيضا، كان أولها ألـفـا من 28 واشـتـمـل عـلـى طــاقـم مــن 1405 فــي عـــام سفينة انطلقت من ميناء 317 البحارة وما لا يقل عن سوتشو. ويبدو أن الأساطيل الصينية لم تعانِ من مرض الأسقربوط - بسبب نقص الخضار والفواكه من نظام طعام البحارة - الــذي أنهك طواقم السفن الأوروبية حتى أوائل القرن التاسع عشر، إذ إن سفن الـصـن كـانـت تصمم كأنها حـدائـق نباتية عائمة، مع تقنيّة متقدمة لعزل المقصورات عن الماء سرقها الأوروبيّون في أواخر تسعينات القرن السابع عشر بــعــد دراســـــة الــســيــر صـمـوئـيـل بــنــثــام مـــن الـبـحـريـة الملكية البريطانية لخردة السفن الصينية. وفــيــمــا يـــبـــدو وثـــيـــق الــصــلــة بـــصـــراع المـــــوارد الـعـالمـي فــي أيــامــنــا، يـصـف كـــراولـــي نـهـجـا صينيا مغايراً لذلك الأوروبـــي في الفتوحات البحريّة، إذ برغم ضخامة أسطول الأدميرال تشنغ خاه وقوته الناريّة الساحقة، لم تقع مذابح للسكان المحليي، ونقرأ في العمل الموسوعي العظيم «المسح الشامل » الـــــذي وضـــعـــه مـتـرجـم 1433 - لــشــواطــئ المــحــيــط صيني مسلم رافــق رحــ ت الأدمــيــرال وصفا أدبيا راقــيــا لـثـقـافـات شــعــوب عـشـريـن دولــــة مــن تشامبا (جـــنـــوب الــفــلــبــن) إلــــى مـــكّـــة المـــكـــرمـــة فـــي الــجــزيــرة العربيّة. أما الأوروبـيّـون، الإيبيريون بداية ولحق بهم البريطانيون والهولنديون، فلم يعرفوا - مع اســـتـــثـــنـــاءات نــــــادرة - ســــوى لــغــة الــعــنــف المــجــانــيّ وأنـهـار الـدّمـاء وأكـــوام الجثث بـدايـة مـن نهب ملقا مـرات على الأقل 6 ، وكانت حينها أكبر بــ 1511 في من لندن في عصر هنري السابع، وانتهاء بمعركة سـوربـايـا (ثــانــي أكـبـر مـديـنـة فــي إنـدونـيـسـيـا) مع .1945 الغزاة البريطانيي عام تنتهي حـكـايـة تــوابــل كــراولــي فــي بـوتـوسـي، بمنجم الفضة البوليفي الذي يعني اسمه «الجبل الـــــــذي يــــأكــــل الــــــرجــــــال»، وهــــــو نــــذيــــر بـــالاســـتـــغـــ ل الاستعماري واسع النطاق الذي سيأتي في المرحلة الـتـالـيـة لمـنـافـسـة الـــوصـــول إلـــى الــتــوابــل، ويستمر مغرقا عالمنا بـــالآلام والّـــدمـــاء حتى نهاية الحرب العالمية الثانية. التوابل: منافسة القرن السادس عشر التي شكّلت العالم 16th-Century Contest that Shaped the Spice: The ,Modern World المؤلف: روجر كرولي 2024 ,Yale University Press ندىحطيط يصفكراولي نهجاً صينياً مغايراً لذلك الأوروبي في الفتوحات البحريّة إذ لم تقع مذابح للسكان المحليين

RkJQdWJsaXNoZXIy MTI5OTky