issue16682

وقت كتابة هذه السطور، كان الرئيس الأميركي جو بايدن، وفيما تبقى له من أيام في البيت الأبيض، يــســعــى لــتــقــديــم مــــبــــادرة لإصــــــاح المــحــكــمــة الــعــلــيــا، وفـــي يـقـيـنـه أنــهــا كــانــت مـجـامـلـة لـتـرمـب بـــصــورة أو بأخرى، ويحتمل أن تكون هي عينها، الملجأ الأخير حـــال الــنــزاعــات المـتـوقـعـة بـعـد الــخــامــس مــن نوفمبر (تـشـريـن الـثـانـي) المـقـبـل، للفصل بــ الديمقراطيين والــجــمــهــوريــ حــــال رفــــض أيــهــمــا نــتــائــج صـنـاديـق الاقتراع. على أنـه ضمن بنود خطة بـايـدن، هناك حديث عــــن مـــحـــاولـــة إجـــــــراء تـــعـــديـــات دســـتـــوريـــة تـــحـــد مـن حصانة الرئيس الأميركي، أي رئيس أميركي قادم. لامـــــس هـــــذا الـــبـــنـــد حـــديـــثـــا مــــطــــولاً دائـــــــراً داخــــل الولايات المتحدة منذ عقدين تحديداً عن صلحيات الرئيس بشكل عــام، ومـا إذا كـان مـن المتوجب إعـادة النظر فيها هذه الآونـة، حيث الخوف كل الخوف من أن صاحب البيت الأبـيـض الـقـادم، وفـي ظـل السيولة الجيوستراتيجية العالمية، يمكن أن ينجرف بأميركا فـي حـــروب ومــغــامــرات، تـأخـذهـا إلــى مـوقـع وموضع الانفلت الحقيقي، الذي تكلم عنه المؤرخ بول كيندي مراراً وتكراراً. تتميز الرئاسة الأميركية بأنها مؤسسة قيادية فــريــدة فــي نـوعـهـا وبـالـغـة الـحـسـاسـيـة ومـكـمـن دائــم للخطورة، ولقد استوعب واضعو الدستور الأميركي هذه الحقائق جيداً، فقد أدركوا أنهم إذا قاموا بتكوين مؤسسة رئاسية ذات سلطان بالغ، فستكون مخاطرة قد تسفر عن إفراز حاكم مستبد في نهاية الأمر. وعلى الجانب الآخر، إذا كانت المؤسسة الرئاسية ذات سلطات محدودة، فإنّ الأمة قد لا تحظى بالقيادة الحازمة التي ينبغي أن توجد في أوقات الأزمات. هــــل هــــنــــاك مــــن يـــتـــوقـــع صـــــدامـــــات ســـاخـــنـــة فـي الــــســــنــــوات الأربــــــــع المـــقـــبـــلـــة، بــــ أمـــيـــركـــا المـــتـــراجـــعـــة إمـبـراطـوريـتـهـا مــن دون شـــك، لـكـن مــن غـيـر أن تفقد مكانتها لـعـقـود طــــوال، وبـــ أقــطــاب عـولمـيـة جـديـدة قادمة؟ كثر الحديث عن الفخاخ المنصوبة لسيد البيت الأبيض الجديد، من أوكرانيا الفاغرة فاهها لحرب عــالمــيــة، إلـــى جـــزيـــرة تـــايـــوان، حـيـث يــقــول الـــرائـــي إن ثيوثيديديس ينتظر تحقيق تنبؤاته الحربية بين واشـــنـــطـــن وبـــكـــ ، وصــــــولاً إلــــى إيــــــران الـــتـــي يتمنى أحـــدهـــم سـحـقـهـا مـــن الـخـريـطـة الـجـغـرافـيـة الـعـالمـيـة، ناهيك عن عشرات النقاط الملتهبة، وسخونة الرؤوس الـــواردة، ما يجعل من صلحيات الرئيس أمــراً محل نقاش مكثف، لضمان عدم الانقياد وراء شهوات قلب شـخـصـيـة، لا تــأخــذ فـــي حـسـبـانـهـا الاسـتـراتـيـجـيـات العظمى للبلد. ولعل الحقيقة التي لا مراء فيها هي أن واشنطن الــيــوم تفتقد جـيـل الـــرؤســـاء الــعــظــام، أمــثــال لنكولن وويلسون وفرانكلين وروزفلت وترومان، الذين كانت لهم بصيرة نــافــذة، ولـهـذا وضعهم الأمـيـركـيـون في مكانة وطنية خاصة. لـكـن عـلـى الــرغــم مــن ذلــــك، فـــإن تــاريــخ اسـتـغـال الـرؤسـاء الأميركيين الصلحيات المخولة لهم أثناء الحروب، سواء تم ذلك بصورة إيجابية أم سلبية، كان مثار جدل شديد، فبينما يبدي البعض استحسانهم لمـــا قــــام بـــه الــــرؤســــاء فـــي هــــذا الإطـــــار ويــــبــــررون أنـهـم فعلوه في الوقت المناسب، يرى البعض الآخر أن هيبة الدستور الأميركي أصبحت تتآكل بتعاقب الرؤساء الـــذيـــن قـــامـــوا بـتـفـريـغ الــصــاحــيــات المــخــولــة لـهـم في أوقــــات الـــحـــروب مــن مـضـمـونـهـا، وأعــطــوهــا للسلطة التنفيذية بـــدلاً مـن أن تـكـون مسؤولية مشتركة مع الكونغرس. تــــزداد إشـكـالـيـة صـاحـيـات الـرئـاسـة الأميركية هذه الأوقــات، مع حالة العداء، لا المنافسة السياسية بين الحزبين الكبيرين، الأمر الذي قد لا يقود إلى ما يسمى «الإغــــاق الـحـكـومـي»، حــال عــدم الاتــفــاق على مـوازنـة الـدولـة فحسب، بـل إلــى تـشـارع وتـنـازع حال المضي في طريق مواجهة مسلحة خارج البلد، وربما داخلها. ســــوف تــبــدو أزمــــة تـــوزيـــع الــســلــطــات الــتــي أراد الآباء المؤسسون من خللها ألا يستأثر فرع من أفرع الحكومة الثلث التشريعية والتنفيذية والقضائية، الهيمنة والانفراد بالقرار الوطني، أعمق وأخطر. على سبيل المـثـال لـو أفـــرزت الانتخابات المقبلة رئيسا جمهوريا له توجهات بعينها في الـدفـاع عن أميركا، وكونغرس بأغلبية ديمقراطية يـرى قـرارات الـبـيـت الأبـــيـــض مـــــورداً لــهــاك الـــبـــاد والـــعـــبـــاد... هل ستصاب أميركا بالشلل التام في تلك الآونة، وفي ظل خصوم يتربصون بها؟ الأسئلة المتعلقة بمراجعة صلحيات الرئاسة الأميركية عديدة وأكثر إثـــارة، وبعضها على سبيل المثال لا الحصر: هل يتخلى الكونغرس تماما عن صلحية اتخاذ إعلن قرارات الحرب؟ هل كان يجب إنشاء دستورين للبلد يستعمل أحدهما في وقت السلم، بينما يُترك الآخر لاستغلله فـــي زمـــن الـــحـــروب أو فـــي الأوقـــــات الــتــي تـشـهـد فيها البلد تهديدات إرهابية؟ هـل يملك الأمـيـركـيـون الــقــدرة على المــوازنــة بين الوطنية المفرطة والحق في محاسبة الرؤساء؟ الـسـؤال الأخـطـر: هـل أوضـــاع أميركا المجتمعية الحاضرة تسمح بهيكلة جديدة للمحكمة العليا أو لصلحيات الرئاسة في هذا المناخ الداخل المحتقن؟ تُــعَــدّ الفلسفة قمة التحصيل المـعـرفـي؛ إذ تـطـرح الفلسفة الأسـئـلـة المـحـوريـة على الحقل المـعـرفـي، وتـتـحـدى متانة اسـتـدلالاتـه، ليبحث طـالـب العلم فـي مــصــادره حتى يجد مـا يثبّت أو يدحض ما توصّل إليه. فالفلسفة تحفر في المـفـهـوم الـبـشـري لـأشـيـاء، وتعيد التفكير في المسلّمات لتقوي الثابت منها وتقصي الموضوع والـضـعـيـف. بـالـتـالـي، فـهـي المـرجـعـيـة الفكرية الـــتـــي يـــفـــتـــرض أن يـــعـــرض عــلــيــهــا المـتـعـلـمـون والمثقفون ما يتلقونه من أفكار. لـفـتـرة طــويــلــة، ظـــل الــخــطــاب الــديــنــي الـــذي يـحـيـل كـــل شــــأن مــعــرفــي أو اجــتــمــاعــي لثنائية الــكــتــاب والـــســـنّـــة مـهـيـمـنـا عــلــى الـــســـاحـــة، بفعل الــعــنــوان المــقــدس لمـجـامـيـع الـنـصـوص الـديـنـيـة، بشكل تعميمي لا يقبل النقاش في التفاصيل. فـالمـتـلـقـي الـبـسـيـط يـسـمـع ويـنـصـت مــن دون أن يناقش فكرة الـفـرق بـ النص الديني و«الفهم البشري» للدين! فكثير من محظورات الأمس التي تحولت لمباحات اليوم كانت تستند إلى شرعية «فهم النص» وليس النص نفسه، وليست قضية قيادة المرأة للسيارة بالمثال الوحيد. لـــعـــل أخــــطــــر مــــا عـــانـــتـــه مــجــتــمــعــاتــنــا مـن الـــجـــمـــود ورفـــــض قــــــراءة الــــتــــراث كــــان الـتـطـرف بـكـافـة أنـــواعـــه. وإذا كـانـت الـصـحـوة قـد حفزت العنف الـفـكـري، فــإن بـــذرة الـتـطـرف بسبب هذا الاحتكار كانت موجودة قبلها بعقود. الفارق أن الـصـحـوة قــد حــفّــزت هـــذا الـتـطـرف ليتحدى الـدولـة والمجتمع، مـتـذرّعـا ببعض التفسيرات المتعسفة للنصوص الدينية. ولـــكـــن يـبـقـى الــــســــؤال: مـــا الـــــذي تستطيع مناهج الفلسفة تقديمه للمجتمع؟ )Socialization( إن التنشئة الاجـتـمـاعـيـة هــــي عــمــلــيــة تــهــيــئــة الــــفــــرد لـــيـــكـــون عـــضـــواً فـي المجتمع. وكما نعلم، فإن التعليم هو المؤسسة الثانية -بعد الأسـرة- التي تعمل على التنشئة الاجتماعية. وعليه، فـإن ما يتلقاه الطالب في المـــدرســـة يــشــكّــل الــبــنــاء المــعــرفــي المــمــنــهــج، في مـرحـلـة الـتـكـويـن الــفــكــري فـــي فـتـرتـي الـطـفـولـة والمـــراهـــقـــة. ولــســنــوات كــانــت الـــــدروس الدينية مـهـيـمـنـة عــلـى الــفــصــول الـــدراســـيـــة، لـيــس فقط بعدد الحصص التي يدرسها الطالب؛ بل حتى بدخولها في مناهج المواد الأخرى، مذكرة إياه بالنسق الـذي يحكم العملية التعليمية بشكل عام. إن غـــيـــاب دروس الــفــلــســفــة والمـــنـــطـــق عـن العملية التعليمية قــد أدى إلـــى غـيـاب العقل؛ ليس لصالح النقل فقط؛ بل لصالح تفسير فئة مــحــدودة للنقل! فكيف لـطـالـب أن يُـعـمِـل عقله فيما يتلقى، إن لــم يمتلك أدوات الـنـقـد وعلى رأسها المنطق؟ بناء على مخرجات التعليم في السنوات المـاضـيـة، لا نستغرب وجـــود طلبة جامعيين؛ بـل وبعض طلبة الــدراســات العليا، لا يفرّقون بين الرأي والمعلومة والادعاء! والخلط بين هذه المفاهيم يقود المتلقي إلى عرضها على محكمة المــقــدس الـــذي سيحكم لـصـالـح الاتـــجـــاه الأكـثـر تطرفا ومزايدة، وهذا ما أدى إلى ارتفاع وتيرة التطرف، من التعنت في ممارسة الحسبة بشكل رسمي أو غير رسـمـي، وخنق الأفـــراد فـي فترة الثمانينات، إلــى الانـتـقـال لمـواجـهـة الــدولــة في التسعينات. فالطالب الذي اعتاد الجلوس على مقعد الــدراســة والتلقي دون فلترة مـا يسمع، سيمارس الـدور نفسه عندما ينضم إلى حلقة دينية أو تجمع شبابي يحمل عنوانا دينيا. خلصة القول: إن إدخال الفلسفة للمدارس لــيــس إلا خـــطـــوة أولــــــى، لــيـــمـــرّن الــجــيــل الـــقـــادم عقله على النقد، وليمارس إنسانيته بتمييزه بــ الــديــن وفــهــم الآخـــريـــن لـلـديـن. وعـلـيـه، فـإن مــنــاهــج الـفـلـسـفـة -إن تـــم إحـــســـان صـيـاغـتـهـا- سـتـلـقـي بـظـالـهـا عـلـى بـقـيـة المــنــاهــج الأخــــرى، وستغير الكثير في عقلية المجتمع الذي يرفض الـتـطـرف ويـتـنـزّع نحو تحسين جـــودة الحياة. ذلـــك الــتــطــرف الــــذي وإن أصــبــح يـــحـــارب الـيـوم عـلـى الأرض، فـــإن ظـالـه فــي وســائــل الـتـواصـل الاجتماعي أقوى من أن ننكرها، وكأن كثيرين يتحينون الفرصة ليعاودوا اختطاف المجتمع من جديد. لذلك أقول: فليتعلم أبناؤنا الفلسفة، ليكونوا منطقيين فـي خـيـاراتـهـم، وأحــــراراً في تفكيرهم. Issue 16682 - العدد Wednesday - 2024/7/31 الأربعاء OPINION الرأي 14 هل أوضاع أميركا المجتمعية الحاضرة تسمح بهيكلة جديدة للمحكمة العليا جمال الكشكي إميل أمين عبداللهفيصل آلربح نحن أمام مسارين مختلفين يتعلقان بمستقبل أميركا وبالتالي مستقبل العالم فليتعلم أبناؤنا الفلسفة ليكونوا منطقيين في خياراتهم وأحراراً في تفكيرهم الرئاسة الأميركية... حديث مراجعة الصلاحيات بين «الهاريسية» والترمبية «الترمبية» نسبة إلى الرئيس الخامس والأربعين دونالد ترمب، والمرشح الحالي عن الحزب الجمهوري المحافظ. أما «الهاريسية» فهي تنسب إلى كامالا هاريس، نـــائـــبـــة الــــرئــــيــــس الـــــســـــادس والأربــــــعــــــ ، جــــو بــــايــــدن، والمرشحة حتى الآن عن الحزب الديمقراطي الأميركي. شــتــان الـــفـــرق بـــ الــنــظــرتــ ، فــــإذا بـــدأنـــا بـكـامـالا هــاريــس، الـتـي لـم يتصور أحــد أن تصبح يـومـا نائبة للرئيس الأميركي، ناهيك عن أن تكون مرشحة لتسكن الـبـيـت الأبـــيـــض، وإذا مــا نـجـحـت، فـإنـهـا سـتـكـون أول امرأة تحكم أميركا منذ الرئيس الأول جورج واشنطن، صحيح أن هناك امرأة أخرى سعت إلى منصب الرئيس فـــي الانــتــخــابــات قــبــل الــســابــقــة، هـــي الــســيــدة هــيــاري كـلـيـنـتـون، وزيـــــرة خــارجــيــة أوبـــامـــا، وزوجـــــة الـرئـيـس الأسبق بيل كلينتون، لكنها فشلت أمام ترمب. قال البعض إن أميركا غير مؤهلة لتنصيب امرأة رئيسا للولايات المتحدة، ولا تــزال تميل إلـى الرؤساء الرجال، عكس أوروبا. كـــامـــالا هـــاريـــس، هـــي الـخـلـيـط الــعــالمــي لـلـسـالات الـــعـــالمـــيـــة، فــهــي هــنــديــة - آســـيـــويـــة - أفـــريـــقـــيـــة، لـديـهـا جـذور في أميركا الشمالية، وزوجـة المحامي اليهودي دوغلس إمهوف، وقد يصبح السيد الأول إذا ما فازت زوجته بالانتخابات الرئاسية في الخامس من نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل. إن زخم هاريس يكمن في أنها من قلب الأقليات، وتـــنـــتـــمـــي إلـــــــى الـــــوظـــــائـــــف الأمــــيــــركــــيــــة الـــــتـــــي تــحــتــك بالجماهير، مــن خـــال كـونـهـا محامية أولاً، ومدعيا عاما، وعضواً بمجلس الشيوخ عن ولايـة كاليفورنيا ، ثـم نائبة للرئيس الأمـيـركـي منذ عام 2017 منذ عــام ، حتى الآن. 2021 هذا المسار وهذه المسيرة يضعان الحالة الأميركية أمــــام زخـــم هــائــل فــي الانــتــخــابــات المـقـبـلـة، فـقـبـل إعــان انسحاب الرئيس جو بايدن من المنافسة لم يكن أحد يتصور أن الأوراق ستختلط، وسيتم إعادة ترتيبها من جديد، فقد تفاجأ المرشح المنافس دونالد ترمب بهذه السيدة القادمة من خلفية قانونية قد تعامله معاملة وكيل النائب العام للمتهمين، وقـد قالت ذلـك مباشرة عندما سُئلت عن كيفية مواجهتها لترمب في المناظرات المقبلة. هـــي امــــــرأة حـــديـــديـــة، لــديــهــا طـــمـــوح بـــا حــــدود، قاموسها السياسي يؤمن بأميركا المتعددة في الأعراق والـــديـــانـــات، والألــــــوان والــثــقــافــات، كـمـا تــؤمــن بـقـيـادة أمـيـركـا للعالم، والـتـدخـل فـي مشكلته كقطب وحيد، وهو الإيمان نفسه الذي قاد أميركا إلى الموقف المنحاز لأوكرانيا، في حربها مع روسيا، وأيضا مع إسرائيل بحربها في غزة، وكذلك الدعم المطلق لاستمرار وتقوية حـلـف الــنــاتــو، وتـــرى هــاريــس أنـــه يـجـب أن يـضـم دولاً أخرى تحيط بروسيا القيصرية، فضلً عن أن هاريس لديها موقفها المتوارث من تنامي قوة الصين، وأن هذا التنامي ربما يخرج أميركا من مقعد القطب الواحد، ومـــن ثــم فـــإن هــاريــس لـديـهـا إيــمــان تقليدي بالثوابت الأميركية المـعـتـادة تـجـاه الـعـالـم، فـي القلب منه إقليم الشرق الأوسط. لا شك أن خوض هاريس هذا السباق أعطى زخما كبيراً للنتخابات الأميركية، التي كان ينظر إليها في الـسـابـق كـكـرنـفـال أمـيـركـي لـلـمـشـاهـدة، بينما الآن من سيأتي على رأس الــدولــة العظمى فـي الـعـالـم ستأتي معه متغيرات بنيوية عميقة، ربما تقود أميركا والعالم معها إلى مسارات مفتوحة. وإذا كـــــــــان ذلـــــــــك جـــــــــــزءاً مـــــــن مــــــامــــــح الــــنــــظــــريــــة «الهاريسية»، فـإن نفس الجدل والاشتباك والمفاجآت نـــجـــدهـــا مـــطـــبـــوعـــة عـــلـــى نـــظـــريـــة «الــــتــــرمــــبــــيــــة»، الــتــي تختلف اخـتـافـا جــذريــا فــي مـضـمـونـهـا عــن المنافسة «الهاريسية»، فالترمبية لديها قواعد جماهيرية تؤمن بما طـرحـه تـرمـب فـي فترته الأولــــى، وفــي تصريحاته الحالية كمرشح، وتقوم على منع الحروب، واستعادة عافية الاقتصاد الأميركي المحلي، وخفض الضرائب، والامــتــنــاع عــن الـتـدخـل فــي الـسـيـاسـات الـعـالمـيـة، وقـد يـــصـــل إلـــــى الانـــســـحـــاب مــــن المـــنـــظـــمـــات الــــدولــــيــــة، وقـــد فعلها عندما انسحب مـن اتفاقية «بــاريــس للمناخ»، و«الترمبية» لا تخفي توجهاتها المحافظة، خصوصا في التعليم والصحة والإجهاض، وهو عكس ما تؤمن به «الهاريسية»، الديمقراطية. إذن، نـــحـــن أمـــــــام مـــســـاريـــن مــخــتــلــفــ يـتـعـلـقـان بـمـسـتـقـبـل أمـــيـــركـــا، وبـــالـــتـــالـــي مـسـتـقـبـل الـــعـــالـــم، لأن أمـيـركـا منخرطة فـي كـل زاويـــة مـن زوايـــا الـعـالـم، ومن ثـم فـإن نجاح «الهاريسية» يعني أن العالم سيستمر مـــع الــســيــاســة الأمـــيـــركـــيـــة الــنــمــطــيــة، بـيـنـمـا لـــو فـــازت «الترمبية»، فإننا سنشهد عالما مختلفا قد تتغير معه قواعد اللعبة التي استمرت أكثر من ثمانية عقود، ففي هذه المرة سيأتي دونالد ترمب، حاملً أجندة انعزالية تقوم على الابتعاد عن ملفات العالم المزمنة. إن الـــهـــوة الــواســعــة بــ الـنـظـرتـ «الـهـاريـسـيـة» و«الترمبية»، جعلت العالم ينتظر بحذر ما ستفضي إلـيـه هــذه الانـتـخـابـات، خشية أن تـــؤدي نتائجها إلى مــســارات لها تأثيراتها العميقة على خـرائـط العالم، خـصـوصـا أنــنــا أمــــام درامـــــا غـيـر مـسـبـوقـة فـــي المشهد الـــســـيـــاســـي الأمـــيـــركـــي الــــــذي اتـــســـم خـــــال عـــقـــد مـضـى بصعود وهبوط بين أقصى اليمن، وأقصى اليسار. من ثم، فإنني أستطيع القول إن هذه المرة ستكون هناك بصمة أميركية مختلفة، عن كل مسار الرؤساء الأميركيين الستة والأربعين السابقين. الفلسفة وعلاج التطرف

RkJQdWJsaXNoZXIy MTI5OTky