issue16681

4 تحقيق FEATURES Issue 16681 - العدد Tuesday - 2024/7/30 الثلاثاء ASHARQ AL-AWSAT العراقي: طبخ البكر لحم الغزال وأوقع النايففي قبضة صدام 1968 تموز أثـــارت هزيمة الجيوش العربية في غضب الشارع العربي وحمّل 1967 حرب الأنظمة مسؤولية «النكسة»، وهي كانت في الواقع نكبة. بدا الرئيس العراقي عبد الــرحــمــن عــــارف الــــذي خـلـف شـقـيـقـه عبد الـــســـام، ضـعـيـفـا. قـبـضـتـه مــتــراخــيــة في الـجـيـش ورصـــيـــده مـــحـــدود فـــي الـــشـــارع. تكاثر الهمس في الحلقات 1968 في ربيع الضيقة عن تحفز جهات عدة للنقضاض على السلطة. ثمة من توقّع أن تقع البلد في قبضة عسكري. كانت قيادة «البعث» تراقب المشهد. تخوفت مـن أن تستيقظ على انـقـاب أو مـا يشبهه. بـــدأت التخطيط للعودة إلى الحكم ثـــأراً مـن التجربة الـتـي حـدثـت في وغرقت في الدم وانقضّ عليها من 1963 جاءت به، وهو عبد السلم عارف. ســـعـــت الـــقـــيـــادة إلـــــى تــــفــــادي دخــــول عـودتـهـا فــي نـفـق الــــدم وراحــــت تـفـكـر في المـــواقـــع والـــعـــوائـــق. كــــان المـــقـــدم إبــراهــيــم الـــــــداود آمـــــراً لــلــحــرس الـــجـــمـــهـــوري الـــذي يبلغ عـــدد منتسبيه نـحـو عـشـريـن ألـفـا. إذا اختار الداود المقاومة ستندلع معركة دامية على أسوار القصر وأبعد منه. ومَن يـدري فقد يـؤدي الصدام نفسه إلى تقدم طــرف ثـالـث ومــن الـجـيـش، لتقديم نفسه في صورة المنقذ. قلّب المجتمعون الخيارات وفضّلوا فـي النهاية خـيـار مفاتحة الــــداود وعلى أمـــل اجــتــذابــه إلـــى الــحــركــة الانـقـابـيـة أو تحييده على الأقـــل. توقفوا قبل قـرارهـم عند نقطة مهمة وهي أن إبراهيم الـداود شديد التأثر بصديقه عبد الرزاق النايف، مــعــاون مــديــر الاســتــخــبــارات العسكرية. وكـــان الـشـائـع عــن الـنـايـف أنــه رجـــل قـوي بــــــارع فــــي الإمــــســــاك بـــالـــخـــيـــوط وتــربــطــه عـــاقـــات غــامــضــة بـــأجـــهـــزة غـــربـــيـــة، وأن الداود ينقاد له بشكل أعمى. مهمة معقدة مـن هـذا الـنـوع تحتاج إلــى الــدهــاء. كــان لا بـد مـن أن تُسند إلى أحـــــمـــــد حــــســــن الــــبــــكــــر الـــــــــذي يـــجـــمـــع فــي شخصه صورة العسكري وبراعة الحزبي مع خبرة في نصب المكائد. ضــــمــــن مـــنـــظـــمـــو الانــــــقــــــاب تــــعــــاون الضابط سعدون غيدان الذي كانت لديه قــوة مـتـمـركـزة فــي قـصـر الـرئـاسـة وتضم عدداً من الدبابات. بــــدوره الـتـقـى الـبـكـر الــــداود وأطلعه على مشروع إطاحة عارف. قال له: «دعنا نـضـمـن بـــقـــاء هــــذا المـــوضـــوع ســــراً بيننا وبـــيـــنـــك. أنــــت رجــــل مــتــديــن فـنـقـسـم على الــقــرآن أن هــذا الـكـام الـــذي أحــدّثــك بـه لن يــخــرج إلـــى شـخـص ثـــالـــث». وطـبـعـا كـان 15 البكر يقصد النايف. أقسم الـداود في يوليو، لكنه لم يتردد في إبلغ النايف. وقعت قـيـادة «الـبـعـث» فـي مـــأزق. لم يـعـد الــســر ســـراً وصـــــارت المــعــلــومــات في يد رجـل خطر اسمه عبد الـــرزاق النايف، فكيف سيتصرف بها. بات مفتاح إنجاح أو إفــــشــــال المــــحــــاولــــة فــــي يـــــــده. لــــم يـكـن «الـبـعـث» راغــبــا عـلـى الإطــــاق فــي إشـــراك رجـــــل يــهــمــس كـــثـــيـــرون فــــي الــــبــــاد بــأنــه «صــاحــب عــاقــات مشبوهة مــع الأجـهـزة الغربية». في تلك المرحلة، لعب عضو القيادة صـــاح عـمـر الــعــلــي دوراً كــبــيــراً. ســأتــرك الـــقـــارئ مــع مــا سمعته مــنــه. قـــال الـعـلـي: تــمــوز أبــلــغْــنــا زُمَـــــر التنفيذ 16 «صـــبـــاح المـدنـيـة والـعـسـكـريـة بالصيغة النهائية لمـــهـــامـــهـــا. فــــكّــــرنــــا فـــــي الــــبــــدايــــة بـتـنـفـيـذ تـــمـــوز لـقـيـمـتـه الــرمــزيــة 14 الـعـمـلـيـة فـــي الـــذي أُعـلـنـت بعده 1958 (ذكــــرى انــقــاب الجمهورية)، ثم فكرنا في اليوم التالي، لـــكـــنّ اعــــتــــبــــارات عــمــلــيــة اضـــطـــرتـــنـــا إلـــى أخرجنا الأسلحة المخبأة 16 التأخير. في فـــي الأوكـــــــار الــحــزبــيــة ومــعــهــا كــمــيــة من الملبس العسكرية للتمويه. وفي الثامنة مساءً التقينا في بيت البكر في حي علي رمــــضــــان. كــان 14 الـــصـــالـــح عـــلـــى شــــــارع علينا أن نضع اللمسات النهائية بانتظار ساعة التنفيذ عند الثانية والنصف بعد منتصف الليل. وهنا وقعت المفاجأة». الرسالة الصاعقة كان المجتمعون كأعضاء في القيادة الـــقـــطـــريـــة لـــلـــحـــزب يـــــتـــــداولـــــون فـــــي آخـــر الاســــتــــعــــدادات حــــن طـــــرق الــــبــــاب. ذهـــب البكر، ففتح ثم عاد حاملً ورقة صغيرة. فجأة قال البكر إنها رسالة من المقدم عبد الرزاق النايف يقول فيها: «لديّ معلومات أنـــكـــم ســـتـــقـــومـــون بـــهـــذه الــعــمــلــيــة. أضـــم صــوتــي إلـــى صـوتـكـم. أنـــا مـعـكـم وجـاهـز لتنفيذ أي مهمة وتوكلوا على الله». يــتــذكــر الــعــلــي أن «الــبــكــر قـــــال: هــذه الــــرســــالــــة بــــن أيــــديــــكــــم. أريــــدكــــم الآن أن تـــبـــحـــثـــوا فـــــي الأمـــــــــر وتـــــتـــــخـــــذوا الـــــقـــــرار المــــنــــاســــب. كـــــان لـــلـــرســـالـــة الــــتــــي حـمـلـهـا ضابط برتبة ملزم يعمل مرافقا للنايف وقع القنبلة. ناقل الرسالة بعثيّ من دون أن يــــدري رئــيــســه، لــكــنّ ذلــــك لا يُــقــلــل من حـجـم المـشـكـلـة. حـصـل تـــشـــاور مـــع شـيء من الارتباك. النايف ضابط قوي وشديد الــذكــاء وطَــمــوح، مما يجعل دوره يفوق موقعه. قلّبنا الأمر على مختلف الجهات؛ إذا ألغينا العملية مَن يضمن أن النايف لــــن يــغــتــنــم المـــنـــاســـبـــة لـكـشـفـهـا وذبْـــحـــنـــا تماما، فهو سيرى أننا تحركنا من دون اقتراح بإشراكه وألغينا العملية لأنه علم بها؟ بدا واضحا أن الإلغاء سيعني كارثة للحزب. من جهة أخرى فإن إشراك النايف يعد مغامرة بدوره. كان واضحا أن الداود لم يلتزم اليمي الذي أقسمه وأدخلنا في ورطة سيدفع ثمنها. في النهاية قررنا السير في التنفيذ وبــعــثــنــا إلـــــى الـــنـــايـــف بـــالـــجـــواب الآتـــــي: تــعــمّــدنــا عـــن قــصــد ودرايــــــة عــــدم إبــاغــك والــــســــبــــب وجـــــــــودك فـــــي مــــوقــــع حـــســـاس وخوفنا عليك. إننا أبلغنا الأخ إبراهيم الـــــــــداود كــــي لا نــبــلــغــك مــــبــــاشــــرةً تـجـنـبـا لـــــإحـــــراج واعـــتـــبـــرنـــا أن هــــــذه الــطــريــقــة الأجدى والأنفع وكنّا نعرف أنه سيبلغك. لـقـد اتـخـذنـا قــرارنــا بالسير فــي العملية وستكون رئيسا لـوزراء العراق إذا وفقنا الله. الواقع أننا اتخذنا قرارين متلزمي: الأول إغــراء النايف بالمشاركة عن طريق عرض رئاسة الوزراء عليه. القرار الثاني وجـوب التخلص من النايف والـــداود في أقــــرب فـــرصـــة. وقـــررنـــا أن يــكــون اقـتـحـام القصر الجمهوري من مسؤولية أعضاء القيادة القطرية. قـبـل الـتـنـفـيـذ الـتـقـيـنـا فـــي بـيـت عبد الكريم الـنـدى، شقيق زوجــة أحمد حسن البكر. كـان عبد الكريم موظفا في السكة الـحـديـد ويـقـيـم فــي مــبــانٍ مخصصة لها قرب الإذاعة في منطقة الصالحية. طبعا لا داعـــــــي إلــــــى وصــــــف المـــشـــاعـــر فــــي تـلـك الـسـاعـات الـحـاسـمـة. جلسنا فــي الشقة، أعــضــاء الــقــيــادة الـتـسـعـة، وبـيـنـهـم البكر وصـــدام، إضـافـةً إلـى عـدد مـن الأشخاص بينهم حردان التكريتي على ما أذكر. أي إن رقم الموجودين في الشقة كان أقل من عشرين. وكانت الخطة تقتضي أن يكون الداود وغيدان في انتظارنا». القبضعلى القصر وأضـــاف: «ارتدينا ملبس عسكرية وشـــــارات ضــبــاط. وفـــي الـتـوقـيـت المـحـدد حضرت شاحنة عسكرية فصعدنا إليها واستقلّ القسم الآخر سيارتي مدنيتي. ووصـــلـــنـــا إلـــــى مـــدخـــل الـــقـــصـــر بـثـيـابـنـا العسكرية ورشاشاتنا. عند مدخل كتيبة الدبابات كان سعدون غيدان في انتظارنا وفتح باب الكتيبة. انضم إلينا أيضا عدد مـن الـشـبـان الحزبيي كنا قـد أرسلناهم ســـراً لــلــتــدرب عـلـى اســتــخــدام الــدبــابــات. فوجئنا أن الدبابات المرابطة حول القصر حــديــثــة ولــــم يـتـمـكـن هـــــؤلاء الــشــبــاب من تشغيلها. صدفةً نجح شاب في تشغيل دبـابـة وراح ينتقل مـن واحـــدة إلـى أخـرى فاستكملنا محاصرة القصر. فـي مقر كتيبة الـدبـابـات أقمنا مقر قيادتنا. وبـادر البكر إلى الاتصال بعبد الـــرحـــمـــن عــــــارف الــــــذي كـــــان نـــائـــمـــا. بـن الــرجــلــن صــداقــة وزمـــالـــة ولـــقـــاءات عــدة. فـوجـئ عـــارف وقـــال للبكر الـــذي كـنـا إلـى جـانـبـه: خير أبــو هيثم، مـا الـقـصـة؟ فـردّ عليه: يا أبو قيس إن قيادة الثورة أنجزت مهمتها وسيطرت على كـل البلد. باسم قــــيــــادة الــــثــــورة نــــدعــــوك أن تـــكـــون عـــاقـــاً ومدركا للأمور وأن تتحاشى أي محاولة. أنصحك بأن تسلّم نفسك لقيادة الثورة، وفـــي المــقــابــل لـــك الأمـــــان الــكــامــل والمـطـلـق والأمــــــــر نـــفـــســـه بـــالـــنـــســـبـــة إلــــــى عــائــلــتــك. الـعـمـلـيـة لا تـسـتـهـدف شــخــصــك. الــهــدف إنـــقـــاذ الـــبـــاد مـــن مـشـكـات ربــمــا تترتب عـلـى اســتــمــرار حكمكم الـضـعـيـف وربـمـا تدخل البلد مجدداً في حمام دم. أرجوك أرجـــوك أرجـــوك سـلّـم نفسك ولا تَـقُـم بأي مــحــاولــة. كـــل شـــيء انـتـهـى وأنــــت تـعـرف ماذا أعني. لـيــس مـــن الــســهــل عــلــى رئــيــس دولـــة التجاوب مع دعـوة من هذا النوع. حاول عـبـد الـرحـمـن عـــارف اسـتـكـشـاف الأجـــواء فاتصل بعدد من قادة الفرق في معسكرات خــارج بـغـداد ووجــد الأبـــواب مقفلة. بعد نـــحـــو عـــشـــر دقــــائــــق طـــلـــبـــه الـــبـــكـــر ثــانــيــة وألـــــحّ عـلـيـه أن يـسـلّـم نفسه. وبـــــعـــــد دقــــــائــــــق أجـــــــــرى مــعــه اتـــصـــالاً أخـــيـــراً حـــازمـــا وقـــال لــه: إذا لـم تسلّم نفسك فأنت الرئيسالعراقي الأسبق أحمد حسن البكر ونائبه صدام حسين (أ.ف.ب) (غيتي) 1968 مدرعة أمام قصر الرئاسة بعد الانقلاب في ليس من الحكمة في شيء أن تحشر في زاوية ضيقة رجـاً اسمه صـدام حسين وتُرغمه على القبول بك شريكاً في إدارة الـعـراق. لا «البعث» يحب الشركاء ولا صدام يطيقهم. في دفاتر «البعث» الذي عاد إلى السلطة في أيــام منعطفات باهظة 1968 ) تموز (يوليو 17 يــولــيـو (تـــمـــوز) مـــن تــلــك الـسـنـة 30 . الــتـكــالـيــف كـان المنعطف الأول، إذ أتــاح لـ «البعث» الانـفـراد بالسلطة برئاسة أحمد حسن البكر وسـاعِـده الأيـــمـــن صـــــدام. شــــاءت المــهــنــة أن ألــتــقــي بعض المعنيين المباشرين بذلك النهار فقلت أشرك قراء «الشرق الأوسط» في رواياتهم. سنوات 10 رفض النايف عرضاً حمله طارق عزيز فطاردته رصاصة صدام وأدركته بعد لندن: غسانشربل الداود والنايف صلاح العلي عنصدام: > شجاعته لا تحتاج إلى دليل وقسوته كذلك ضمن الانقلابيون تعاون > غيدان الذي كانت لديه قوة متمركزة في قصر الرئاسة مع عدد من الدبابات سعدون غيدان وعبد الرزاق النايف

RkJQdWJsaXNoZXIy MTI5OTky