issue16681

الثقافة CULTURE 18 Issue 16681 - العدد Tuesday - 2024/7/30 الثلاثاء البداوة ليستجَدّاً لأحد هناك خلط بـن مفهومَي القبيلة والبداوة عند عموم الناس، خصوصاً عند من ينتمون منذ القِدم إلى المدن أو الــقــرى، وقـــد حـكـت كُـتـب الأدب العربي قــصــة شـــاعـــر حـــضـــري مـــن قـبـيـلـة بني تــمــيــم، هـــو المــــــرار بـــن مــنــقــذ، وهــــو من فحول الشعراء، تـزوّج امـرأة بدوية من قـبـيـلـتـه بـنـي تـمـيـم، لـكـن لـــم يَـــطِـــب لها الـعـيـش مـعـه، فــصــارت تُــعـيّــره بـهِـرَمـه، وتُـفـضّـل أبــنــاء عمها أهـــل الإبـــل عليه. فـــكـــتـــب قــــصــــيــــدة، اخـــــتـــــارهـــــا المـــفـــضّـــل الضبي في مفضّلاته، يقارن فيها بي الإبـل والنخل مقارنةً فريدة في تاريخ الشعر. المـسـألـة ذوقــيــة تـمـامـ ؛ إذ لــم يكن هـــــــذا مــــوقــــف كـــــل أهـــــــل الـــــبـــــاديـــــة، فــقــد انتقلوا فــي الـقــرن العشرين بعد قيام دولــــنــــا الـــحـــديـــثـــة إلـــــى الـــهـــجـــر الـــتـــي لا تختلف عـن الــقــرى، وتــحــوّل الـبـدو في أيـــامـــنـــا هـــــذه إلـــــى فــــ حــــن، يـــحـــفـــرون الأرض، ويزرعون البطاطس والبطيخ والــبــرســيــم، ويــنــتــظــرون بـصـبـر مـوعـد الحصاد. الانتقال من البداوة إلى الحضارة، ومن الحضارة إلى البداوة، كان يحدث بكل سلاسة في الجزيرة العربية عبر كــــل الــــتــــاريــــخ، إلا أن هـــجـــر الـــحـــضـــارة إلـــى الـــبـــداوة كـــان أقـــل، بسبب صعوبة الــــبــــداوة وشُــــــحّ المــــصــــادر، وخـصـوصـ بعد نهي الإســ م عن أن يرتدّ المهاجر أعرابياً. إذا تـأمـلـنـا هـــذا الانــتــقــال السلس فلربما نُبصر أن الفرق وهمي إلى حد ليس بالقليل، وأن لا فـرق بي العربي والأعرابي كما زعم البعض، خصوصاً عندما تجد أن أساليب العرب واحـدة، ونـــمـــط حــيــاتــهــم وتــقــالــيــدهــم واحـــــدة، حتى في عادات الطعام والشراب. البداوة ليست جَدّاً لأحد، هي شيء يـتـعـلـق بــالــجــغــرافــيــا فـــقـــط، وبـقـضـايـا ذوقية وجدانية لا أكثر. في زمن مضى، هناك من اختار الزراعة وسُكنى بيوت الطي، وهناك من اختار تربية المواشي وتــتــبّــع آثــــار المـــطـــر، كـــل هـــذا قـــد انتهى اليوم، ومع هذا لا يـزال الناس يجِدون صعوبة فـي تحديد هوية الــبــدوي؛ إذ لا يوجد اليوم في الجزيرة العربية من يعيش بصفة دائمة في البادية. الواقع هــو أن الـــبـــدوي قــد اخـتـفـى مــن عـالمـنـا، وانقرض من الوجود، مع أن هذا لم يقع على القبيلة. هــنــاك مـــن يـــرعَـــون الإبـــــل والــغــنــم، لكنهم ينامون كل ليلة في فلل حديثة التصميم، ويشاهدون ما تبثّه منصة «نــتـــفــلــيـــكــس». مــــن هــــو الــــبــــدوي إذن؟ هــل هــو مــن ينتمي إلـــى قبيلة كبيرة؟ هــذا أيـضـ غير دقـيـق؛ لـوجـود قبَليّي متحضّرين منذ زمــن مـا قبل الإســ م، الـــقـــبـــيـــلـــة تـــخـــتـــلـــف عـــــن الـــــــبـــــــداوة؛ لأن القبيلة قـد تـكـون حـضـريـة، وقــد تكون بدوية، كما يظهر من قصة الشاعر مع زوجــتــه، فكلاهما ينتمي إلـــى القبيلة ذاتـهـا، ولـيـس كـل قبَلي بـدويـ ، ولا كل بـــدوي قـبَـلـيـ ، كـمـا أنـــه لا يمكن وصـف الجماعات التي تقوم على رعاية الغنم بـــجـــوار الـــقـــرى بــأنــهــا بـــدويـــة. القبيلة البدوية تقوم ثروتها على الإبـل، وهي مـن كانت تملك الـقـدرة على الاستيلاء على المراعي الشاسعة. من جهة أخرى، عندما نحاول فهم القبيلة سنجد خللاً كبيراً في التصور، وعندما نـدرس القبيلة بمعايير ولغة الفيزياء سنجد أن القبائل ليست حالة جـــامـــدة (بــحــيــث نـتـخـيـل الـقـبـيـلـة بنت رجــل واحــــد)، ولا غــازيّــة (بحيث ننفي الـقـرابـة بــإطــ ق)، بـل هـي حـالـة سائلة (أي وسط بي الحالتي). عــنــدمــا نـتـخـيـل أن أبـــنـــاء القبيلة الواحدة ينتمون إلى جَدّ واحد، فلا بد أن يخبرنا أحــد بــأن هــذا غير صحيح عــلــى الإطـــــــ ق، الــقــبــيــلــة الــــواحــــدة هي فــي الحقيقة نــزائــع وأحــــ ف جمعتها المــصــلــحــة، والمــصــلــحــة لا تـعـنـي شيئاً أكــــبــــر مــــن الــــبــــقــــاء عـــلـــى قـــيـــد الـــحـــيـــاة، وتوفير الحاجات الضرورية الخمس، لا سيما الأمن والغذاء. فـي الأزمـنـة القديمة، كـان يقال إن القبيلة الـتـي لا تـــؤوي الـدخـيـل ليست بقبيلة. فهناك ميثاق عُرفي تواضعت عـلـيـه الـقـبـائـل الـعـربـيـة قــديــمــ ؛ أن لمن فـــرّ مــن قبيلته بسبب قضية ثـــأر حقاً على كـل القبائل أن تــؤويــه، فـــإذا آوَوه وزوّجـــــــوه وتــــزوّجــــوا مــنــه أصـــبـــح بعد عـدة عقود، مع أبنائه وأحـفـاده، قبيلة جــــديــــدة فــــي بـــطـــن قــبــيــلــة أخـــــــرى. هــذه صــورة من صـور التحالف ومـا يسمّى بالنزيعة. وهناك صــورة ثانية ليست فـــــرديـــــة، بــــل يــــحــــدث أن تــنــتــقــل أســــرة بكاملها، فتتحالف مع قبيلة أخرى، ثم ينصهر القليل في الكثير. هذه القبائل بعضها من بعض، قبل وبعد كل شيء. وثــمــة صــــورة ثـالـثـة، عـنـدمـا تـقـرّر قبيلة ما أن تترك أرضها الأم، وتنتقل لــــتُــــزيــــح قـــبـــيـــلـــة أخــــــــرى عـــــن مـــراعـــيـــهـــا الــــخــــصــــبــــة بـــــالـــــقـــــوة، وفــــــــي مــــثــــل هــــذه الــــتــــحــــولات الــــكــــبــــرى تـــخـــتـــفـــي أســـمـــاء وتـحـلّ محلها أسـمـاء جـديـدة، وتتغير الـــتـــحـــالـــفـــات فـــيـــمـــا يــتــعــلــق بـــزعـــامـــات الـقـبـائـل، فـمـن يــشــارك فــي الــغــزو ليس كـمـن لـــم يـــشـــارك وبــقــي فـــي أرضــــه الأم، بـل يصبح كـل حليف جـديـد أقـــرب منه للجماعة الغازيَة. ويـــظـــهـــر دلــــيــــً ظــــاهــــراً عـــلـــى هـــذا كــثــرةُ الــزعــامــات فــي القبيلة الــواحــدة، مـع اعترافهم بشيخ واحــد للشمل، أي الــعــمــوم، ثـمـة احـــتـــرام عـمـيـق لـأسـمـاء الـــتـــاريـــخـــيـــة، لــكــن الــقــبــيــلــة كـــانـــت غير منغلقة تجاه الزعامات المتنافسة. وللزعيم صفات شخصية معينة تحبها القبيلة، من ضمنها الشجاعة والـــــــكـــــــرم وطــــــــــول الـــــقـــــامـــــة وضــــخــــامــــة الـــذراعـــن، أمـــا الــفــرســان فـيُـحـكَـى أنهم في الغالب كانوا قصار القامة خفيفي الـــحـــركـــة، لــكــن عــنــدمــا يـفـشـل زعـــيـــم ما فـــي حــمــايــة قـبـيـلـتـه أو قــيــادتــهــا نحو النصر، فــإن أبـنـاء قبيلته سيُنصّبون أمــيــراً جــديــداً يـكـون هــو مَـــن أبـلـى بــ ءً حسناً، أو أنقذهم من الهلاك، مع بقاء إمـــــرة الأول واحــتــفــاظــهــم بــــه. كـــل هــذا يحدوه شيء واحد؛ براغماتية العربي وواقعيته الشديدة الصميمة، ورغبته الـجـازمـة فــي الـحـفـاظ عـلـى نفسه ومـن يعول. لـــقـــد نــــشــــأت الــــــدولــــــة الـــســـعـــوديـــة فــــي رحـــــم الــقــبــيــلــة الـــعـــربـــيـــة، ووُلـــــــدت فـــي بـيـئـتـهـا، ومــــن نـسـيـجـهـا الـثـقـافـي والــعِــرقــي، ثـم تـحـوّلـت إلــى دولـــة تمثّل مــــهــــد الــــــعــــــرب، وصـــــــــــارت الـــســـعـــوديـــة قبيلة كل السعوديي، بكل تنوعاتهم، وطـنـ حـديـثـ يتخطى حـــدود القبيلة، ويتعايش معها في الوقت ذاته. * كاتب سعودي. * خالد الغنامي مثقفون وخبراء يرصدون أبرز المؤشرات وسط غياب إحصائيات دقيقة هل تراجعت القراءة في عصر الإنترنت ومنصات التواصل؟ فـــي الــبــدايــة يـشـيـر د. زيـــن عـبـد الـــهـــادي، أستاذ علم المعلومات وتـاريـخ المعرفة وخبير المـكـتـبـات، إلــى أن شبكة الإنـتـرنـت عملت على زيـــادة الـوصـول إلـى المحتوى؛ إذ يمكن للقراء العرب الوصول إلى الكتب والمقالات والأبحاث مـن خــ ل مـواقـع الـويـب والمـــدونـــات والمكتبات الرقمية، كما أن هناك تنوعاً شديداً في المحتوى الــــــذي يــمــكــن الــــوصــــول إلـــيـــه يــشــمــل الأخــــبــــار، والمـــقـــالات، والمـــدونـــات، والمـعـلـومـات الثقافية. ويــوضــح «عــبــد الـــهـــادي» أن كــل ذلـــك يـمـكـن أن يزيد من معدل القراءة لدى البعض، كما أتاح الإنترنت الوصول لأشكال جديدة من المحتوى تضمن الـصـور والأفــــ م وتسجيلات الفيديو ومـــنـــصـــات الــــدردشــــة الاجــتــمــاعــيــة، وتــحــولـت أشـــكـــال الــــقــــراءة مـــن الــــقــــراءة المــتــزنــة لـسـاعـات طويلة في الكتب إلى قـراءات قصيرة وسريعة لا تــتــوقــف فـيـهـا الإنـــتـــرنـــت عـــن دعــــم مـحـتـوى قاصر لا يمكنه أن يعيد بناء العقل إلا بشكل سلبي؛ إذ تشجع منصات الـسـوشـيـال ميديا على استهلاك المحتوى العابر مثل المنشورات، والتغريدات، ومقاطع الفيديو القصيرة. ويــلــفــت إلــــى أن هــــذا الـــنـــوع مـــن الـــقـــراءة يـمـكـن أن يــزيــد مــن مـعـدلـهـا الــيــومــي، لـكـنـه قد يقلل من الـقـراءة العميقة والمـركـزة، كما يعمل على تشتيت الانـتـبـاه ويـقـل مـعـدل الـوعـي بما تتم قـراءتـه، وبالتالي صعوبة قـــراءة الأعمال الـضـخـمـة كـالـكـتـب والـــــروايـــــات. ويـــشـــدد على أن هــنــاك أيــضــ ظــاهـــرة «مــجــمــوعــات ونــــوادي الـــقـــراءة» الـتـي ربـمـا تـكـون مــن أفـضـل الأدوات لقراءة الأعمال الرصينة والكبيرة ومناقشتها عبر الإنـتـرنـت، وهــي تساهم فعلياً فـي زيــادة مـــعـــدلات الـــــقـــــراءة، كــمــا أن هـــنـــاك مـجـمـوعـات مـنـتـشـرة عـلـى مـنـصـات الــتــواصــل الاجـتـمـاعـي تقترح كتباً وأعمالاً طويلة يمكن قراءتها، لكن مردودها برغم انتشارها ما زال يحتاج لوقت أطول للانتباه لهذه القراءات. نوادي القراءة إشــــــارة د. زيــــن عــبــد الــــهــــادي إلــــى الــــدور المـلـحـوظ الــــذي تلعبه «غـــروبـــات الـــقـــراءة» في الــتــرويــج للكتب جعلتنا نــســأل مــــرام شـوقـي، مسؤولة غــروب «نــادي الـقـراء المحترفي»، عن تـلـك الــظــاهــرة ومــــدى تـأثـيـرهـا فـــي خـلـق جيل جديد من القراء المرتبطي بمنصات التواصل الاجتماعي. تقول مــرام إن مجموعات القراءة ومـراجـعـات الكتب بـاتـت تـقـوم بــالــدور القديم الــــذي كــانــت تـخـتـص بــه الـصـحـف فــي عــروض الـكـتـب، الـتـي نجحت بـالـفـعـل فــي تـقـديـم جيل جـديـد مـن شـبـاب الـقـراء ممن كـانـوا فـي حاجة للإرشاد والنصح، وساهمت في تواصلهم مع الأجيال الأكبر سناً؛ مما أدى لتبادل الخبرات، كما ساهمت في توطيد العلاقة ما بي الكُتاب والقراء وساعدت دور النشر في فهم متطلبات السوق وميول المتلقي. وتــــ حــــظ مـــــــرام مــــن خــــــ ل مـــوقـــعـــهـــا فـي «نـــادي الــقــراء المـحـتـرفـن» أن الـعـنـاويـن الأكثر رواجـ تتمثل في كتب التنمية البشرية يليها الـــفـــانـــتـــازيـــا والــــرعــــب والأدب الـــبـــولـــيـــســـي ثـم المــتــرجــمــات، وإن كــانــت لا تـشـجـع دور النشر المـحـتـرمـة والـكـبـيـرة عـلـى الـتـخـصـص فــي تلك الأنــواع فقط، بل يجب إبـراز الأدب الاجتماعي والــنــفــســي والمــجـــمـــوعـــات الـقـصـصـيـة والـشـعـر الــــذي لاقــــى تــراجــعــ مـلـحـوظـ فـــي دور الـنـشـر وأصـبـحـت دور نـشـر قليلة تُـقـبِـل عـلـى إصـــدار دواويـــنـــه. ويـصـف الـنـاشـر أحـمـد بــديــر، مدير عام دار «الشروق»، غياب الإحصائيات الدقيقة المـوثـوق بها وغير المتضاربة باعتبارها «آفة الـــصـــنـــاعـــات الإبــــداعــــيــــة» كـــكـــل، مـــثـــل صــنــاعــة الكتاب والموسيقى والسينما وغيرها، مشيراً إلـــى أن المــؤكــد لـديـه أن أرقــــام الـكـتـاب المطبوع تراجعت في الآونــة الأخـيـرة، لكنه لا يستطيع أن يـــرد الـسـبـب إلـــى طبيعة الـتـكـنـولـوجـيـا في العصر الحالي من إنترنت و«سوشيال ميديا» وخـ فـه. ويضيف: «لا يمكن أن يكون السبب في تراجع الكتاب الـورقـي هو منافسة نظيره 2 الإلكتروني له؛ إذ إن الأخير لا يشكل أكثر من في المائة من نسبة مبيعات الكتاب إجمالاً على المستوى العربي، بينما تصل تلك النسبة إلى في المائة من الكتب المنشورة بالإنجليزية 15 فــــي المــــائــــة مــــن المـــنـــشـــورة 20 والإســــبــــانــــيــــة، و بــالــيــابــانــيــة». وأوضـــــح أن مـنـصـات الـتـواصـل الاجـــتـــمـــاعـــي لــهــا تــأثــيــر آخــــر شـــديـــد الأهــمــيــة في 95 يتمثل في أنها أصبحت تمثل أكثر من المائة من خطة تسويق العناوين الجديدة، لا سيما علىصعيد تحديد الفئات المستهدفة من حيث العمر والاهتمامات، في حي أن وسائل الدعاية التقليدية مثل الصحف والمطبوعات والملصقات تَراجَع دورها بشكل لافت. بديلاً للنقاد ويــلــفــت الـــنـــاشـــر شـــريـــف بـــكـــر، مـــديـــر دار «الـــعـــربـــي» إلــــى أن هـــنـــاك مــــؤشــــرات إيـجـابـيـة للغاية لمتغيرات عصر الإنترنت على انتعاش حالة الـقـراءة عموماً، بصرف النظر عـن قيمة المحتوى المقروء، كما يحدث على سبيل المثال لــلــعــديــد مـــن «الـــبـــلـــوجـــرز» و«الـــتـــيـــك تـــوكـــرز»، وغــيــرهــم مـــن المــؤثــريــن عـلـى مـــواقـــع الـتـواصـل الذين يستغلون شهرتهم الواسعة في العالم الافتراضي ويصدرون مؤلفات قد نتحفظ على قيمتها، لكن المـؤكـد أن بعضها يشهد إقـبـالاً غير مسبوق، ويصطف المئات حول أصحابها في حفلات التوقيع بمعرض الكتاب. ويـــشـــيـــر بـــكـــر إلـــــى أن مــــواقــــع الـــتـــواصـــل الاجـــتـــمـــاعـــي أصـــبـــحـــت الـــبـــديـــل الـــعـــصـــري فـي ظـل تـراجـع دور النقاد فـي الترويج للعناوين الـــجـــيـــدة، وهــــو مـــا دفــــع مـعـظـم الــنــاشــريــن إلــى الـتـفـاعـل المــبــاشــر مــع الـــقـــرّاء مــن خـــ ل تنظيم الــــعــــديــــد مـــــن الـــفـــعـــالـــيـــات والمــــســــابــــقــــات، مـثـل «مـسـابـقـة أفــضــل مـراجـعـة كــتــاب» عـبـر الــواقــع الافتراضي. ويلاحظ د. شريف الجيار، عميد كلية الألسن بجامعة بني سويف، أن الأجيال الــجــديــدة تـقـضـي مـعـظـم وقـتـهـا أمــــام الـشـاشـة الزرقاء، وقد نتج عن هذا اتساع معدلات القراءة الإلـــكـــتـــرونـــيـــة، فـــضـــً عـــن أنـــهـــا مــنــحــت كــتّــابــ كثيرين الــقــدرة عـلـى الـنـشـر الإلــكــتــرونــي، مما جعلهم يحققون جزءاً من الشهرة بحسب قوة النص، فضلاً عن قـدرة هذا الواقع الافتراضي عـلـى الـتـرويـج لـنـصـوص بعينها دون أخـــرى. ويضيف أنه رغم هذه النقلة التكنولوجية في عالم المعرفة والنشر لا يـزال كثيرون، لا سيما الأجيال القديمة، تُفضّل قــراءة الكتب الورقية التي شكّلت وجدانهم وثقافتهم لفترات طويلة، وفي النهاية فإن النص الجاد هو الذي يفرض حـــضـــوره لــــدى الــــقــــارئ المــثــقــف الــــواعــــي الـــذي يمتلك قدرة على الفرز والانتقاء. ظواهر سلبية وتقول الكاتبة زينب عفيفي: «الكثير من شباب اليوم يرى أن التقنيات الحديثة ساعدت على انتشار القراءة لسهولة الوصول للكتاب وحمله في أي مكان، لكن للسف دون اعتبار للقيمة، فكل ما ينشر على وسائل السوشيال مـــيـــديـــا لا يــخــضــع لـــ نـــتـــقـــاء، وإنــــمــــا تـحـمـلـه فوضى النشر مما يتسبب فـي ضياع الكتاب الـجـيـد وســـط الـــزحـــام الإلــكــتــرونــي. وفـــي رأيــي هـذا يحتاج لتقنيات تواكب تقنيات الانتشار المــذهــل لـلـكـتـاب تـتـسـم بـالانـتـقـاء والـقـيـمـة. إن القراءة هنا لا تفرق بي عمل أدبي أو روائي أو كتب تنمية بشرية، السوق الإلكترونية تختلط فيها كــل الأجـــنـــاس والــنــوعــيــات، والـــقـــارئ هو الوحيد الذي يملك حق الاختيار». ومــن جانبها، تــرى الأديــبــة عــزة سلطان أن هـنـاك انطباعاً رائـجـ بــأن الإنـتـرنـت ساعد على انتعاش القراءة لكنها لا ترى على أرض الــواقــع مـا يـؤيـد ذلـــك، لا سيما فـي ظـل انـعـدام الـــدراســـات أو الأبــحــاث بـشـأن مـعـدلات الـقـراءة في مصر والعالم العربي، رغم وجود توصيات ومــــشــــاريــــع فــــي اتــــحــــاد الـــنـــاشـــريـــن المــصــريــن ولـــجـــنـــة الــــكــــتــــاب والــــنــــشــــر بـــالمـــجـــلـــس الأعـــلـــى للثقافة في هـذا السياق، لكنها لم تسمع بأي دراسة تم إنجازها بهذا الصدد، كما أن تصفح مواقع التواصل والمـواقـع على الإنترنت يُهدر الـوقـت وليس العكس. وتـؤكـد عـزة سلطان أن من استفاد من مواقع التواصل بعضُ الكتّاب من خـ ل إعلانهم عن كتبهم وتسويقها، لكن مـن المـؤسـف أنــه ليس للجميع فــرص متكافئة فـــي الـــدعـــايـــة والـــظـــهـــور والـــتـــســـويـــق، ويــرجــع ذلـــك لـكـسـل بـعـض الــكــتّــاب أو عـــدم اهتمامهم بــالــجــانــب الـــتـــرويـــجـــي، ومــــن ثـــم بـــاتـــت شـهـرة بـعـض الـكـتـب تـعـتـمـد عـلـى مـــهـــارة مـؤلـفـهـا أو نـاشـرهـا الـتـسـويـقـيـة، فــي حــن أن كتباً جيدة جـــداً تـذهــب أدراج الـــريـــاح، خـصـوصـ مــع هـذا الكم الهائل من العناوين التي تصدر كل عام في العالم العربي. ويؤيد هذه الفكرة الكاتب الشاب يوسف الـشـريـف الـــذي يعمل لـــدى صـحـف ودور نشر محللاً اتجاهات وميول القراء، كما تظهر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، مؤكداً أن الكاتب الــــــذي لا يــمــتــلــك حـــســـابـــ عـــلـــى أي مــنــصــة مـن منصات السوشيال ميديا أو لا يمتلك مهارات الـــواقـــع الافــتــراضــي يـصـبـح كـاتـبـ غـيـر مـقـروء ولا يسمع أحد عن أعماله شيئاً حتى ولو فاز بجائزة أو أكثر. ويشير إلى أن تغلل الإنترنت في تفاصيل الثقافة والـحـركـة الأدبــيــة أفـــرز ظـواهـر سلبية مـنـهـا ظــهــور جـيـل مـــن المــؤلــفــن لـــم يـــقـــرأوا في حياتهم إلا روايـات الجريمة والأعمال الرديئة فـنـيـ ، ومـــع ذلـــك نــراهــم يــقــدّمــون أنفسهم على أنـــهـــم مـــبـــدعـــون عــظــمــاء لمـــجـــرد أن لــهــم مـئـات الآلاف مـــن المـتـابـعـن عـلـى مـنـصـات الـتـواصـل الاجتماعي المختلفة. القاهرة:رشا أحمد شريف بكر عزة سلطان مرام شوقي زين عبد الهادي شريف الجيار أحمد بدير زينبعفيفي هل تراجعت القراءة في عصر الإنترنت، أم أن الزمن الرقمي الذي نعيشه فتح نوافذ وفرصاً حقيقية للترويج للكتب وعناوين الإصدارات الجديدة؟ المشكلة الأبــرز التي تواجه من يتصدى للبحث عن حالة القراءة في العصر الرقمي هي نفسها التي كانت موجودة في عصر ما قبل الإنترنت، ونعني بها غياب الإحصائيات الدقيقة والدراسات الموثقة عربياً وعالمياً. وظلت الإحصائية الأبرز التي سادت طويلاً طوال عقدَين من بداية الألفية الثالثة هي أن المواطن العربي يقرأ في دقائق فقط في الـيـوم، ليتضح لاحقاً 6 المتوسط العام أن تلك المقولة الشهيرة المنسوبة إلى منظمة «اليونسكو» الـتـي تـداولـهـا كـثـيـرون يعيبها الكثير مـن أوجـــه الخلل المنهجية والبحثية. فــي هـــذا التحقيق تستطلع «الــشـــرق الأوســـــط» آراء مثقفين وخبراء مختصين حول المؤشرات الأبرز في هذا السياق. «تحولت أشكال القراءة من القراءة المتزنة لساعات طويلة إلى قراءات قصيرة وسريعة لا تتوقففيها الإنترنتعن دعم محتوى قاصر لا يمكنه أن يعيد بناء العقل إلا بشكلسلبي»

RkJQdWJsaXNoZXIy MTI5OTky