issue16681

دخــــلــــت الــــرصــــاصــــة الــــتــــي أُطـــلـــقـــت عـــلـــى المـــرشـــح الـجـمـهـوري دونـــالـــد تــرمــب خـــال حملته الانـتـخـابـيـة في بنسلفانيا، وأصابته في أذنــه، التاريخ من أوسع أبــــوابــــه؛ لأنــهــا أطـــاحـــت الــرئــيــس الــحــالــي جـــو بــايــدن، وقــربــت نـائـبـتـه كــامــالا هــاريــس مــن أن تـكـون مرشحة الحزب الديمقراطي، وقد تكون مرشحة صعبة وقوية، وهــــي تـحـظـى بــدعـــم قــــوي مـــن شـخـصـيـات مـــؤثـــرة في واشنطن. ولــــعــــل عـــــــدم حــــضــــورهــــا خــــطــــاب رئــــيــــس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو في الكونغرس الأميركي، الملقب «الكابيتول»، أضاف إليها بعض النقاط المهمة والـداعـمـة لها، رغـم أن مـا شاهدته ومـا استمعت إليه في الكونغرس كان فضيحة كبرى للسياسة الأميركية وللحزبين؛ لتصفيقهما وترحيبهما بنتنياهو. ومن المرجح أن تكون المواجهة الرئاسية المقبلة في الولايات المـتـحـدة مـــبـــارزة قـويـة ومــصــارعــة حـــرة بــ الـحـزبـ ، شبيهة بالتصفيق الحار لنتنياهو من أعضاء الحزبين تصفيقة 53 الذين تسابقوا على قطع كلمته كل دقيقة بـ دقيقة! 50 في تصفيق تاريخي لمجرم حرب، فهل تكون هاريس هـي «المــــرأة الـحـديـديـة» الثانية بعد مـارغـريـت ثاتشر رئـــيـــســـة الـــــــــوزراء الـــبـــريـــطـــانـــيـــة الـــســـابـــقـــة، وتــــفــــوز فـي الانتخابات الرئاسية الأميركية في حال نالت ترشيح حزبها بشكل رسمي، وهو متوقع نوعاً ما؛ لأنها تملك صفات تجعلها مختلفة عن رئيسها السابق بايدن في بعض الملفات السياسية والاقتصادية؟ وستظهر مـسـتـجـدات فــي مقبل الأيــــام مــن جانب هاريس ومن جانب الرئيس الجمهوري السابق دونالد تــرمــب كـــذلـــك. فــهــو ثــانــي رئــيــس ســابــق بــعــد ثــيــودور روزفلت يسعى إلى العودة للبيت الأبيض، فرصاصة بنسلفانيا التاريخية لـم تسقطه؛ بـل كانت سبباً في زيادة شعبيته وتصدره استطلعات الرأي حتى الآن، وسرّعت باستبعاد وتنحي الرئيس الحالي جو بايدن وإدخـــالـــه فــي غــرفــة الإنـــعـــاش الــســريــري، كـأنـنـا نتابع فيلماً مـن أفـــام هـولـيـوود المـثـيـرة والـغـريـبـة، ووحّـــدت الحزب الجمهوري تحت راية ترمب من جديد، وخلقت الفوضى في الحزب الديمقراطي. ومـــــن بــــ المــــفــــارقــــات أن الــجــمـــهـــوريـــ يــدخــلــون الجولة النهائية متّحدين على نحو غير متوقع، في حين لا يزال بعض الديمقراطيين من اليسار مترددين بــــشــــأن هــــاريــــس بـــوصـــفـــهـــا حـــامـــلـــة لـــــــواء الــــحــــزب فـي الانتخابات المقبلة. وأيضاً من المفارقات أن تكون هناك حشود شعبوية تطالب بمقاطعة الخطاب، وتخرج إلى الشوارع في واشنطن حاملة لافتات استهجان ومطلقة صــيــحــات تــطــالــب نــتــنــيــاهــو بــالــرحــيــل وبــالمــحــاكــمــة، وبوقف الحرب في غزة. اســـــتـــــقـــــبـــــال الــــــســــــاســــــة واســـــتـــــمـــــاعـــــهـــــم خــــطــــابــــ «استعراضياً» سقطة جديدة للديمقراطية الأميركية؛ فهذا الرجل مدان عالمياً، وتستعد «المحكمة الجنائية» لإصـدار مذكرة توقيف بحقه، وتطارده المظاهرات في كـــل مـــكـــان، وتــطــالــب بـمـحـاسـبـتـه أيـنـمـا حـــل وارتـــحـــل، وبـــهـــذا يـــكـــون الـتـصـفـيـق فـــي الــكــونــغــرس والـتـرحـيـب الـسـيـاسـي بــه عـامــة سيسجّلها الــتــاريــخ عــن أمـيـركـا ووجهها الحقيقي. فبهذا الموقف قد أضرّت أميركا بالديمقراطية أكثر من الديكتاتوريات المعادية لها، وأصبح العالم يعدّها نموذجاً كاذباً للديمقراطية والإنسانية والحريات. ولا أنـــســـى أيـــضـــ انـــســـحـــاب الـــرئـــيـــس الأمـــيـــركـــي الديمقراطي جو بايدن من السباق الانتخابي بتغريدة على منصة «إكس»، وليس عبر بيان معتاد من البيت الأبـــيـــض، وهــــذا سـقـطـة أخــــرى لــهــذه الــديــمــقــراطــيــة... والكوارث الأميركية تتوالي والسقطات كذلك، وهذا ما أكده الرئيس الأسبق باراك أوباما الذي قال، بعد إعلن انسحاب بايدن بقليل: «سوف نبحر في المجهول». رصــــاصــــة بــنــســلــفــانــيــا غــــيــــرت أمـــيـــركـــا بــالــفــعــل، بـانـسـحـاب بـــايـــدن وظـــهـــور امـــــرأة تـنـافـس عـلـى مقعد الرئيس في دولـة كبرى، وبتثبيت الحزب الجمهوري ترمب، وتصفيق الكونغرس للمجرم... وكـل ما حدث خــال الـفـتـرة المـاضـيـة، يجعل الأقــــدار تصب فـي خانة رؤيـة عالم جديد، بعد توجيه النقد القوي في أميركا إلـــــى إســــرائــــيــــل ورئــــيــــس وزرائـــــهـــــا عـــلـــى الــصــعــيــديــن الشعبوي والنخبوي. فــالمــواجــهــة الانــتــخــابــيــة مـخـتـلـفـة هــــذه المـــــرة، ولا أعتقد أن فـرصـة نـجـاح أي مـن المـرشـحَـ كـبـيـرة، قبل المناظرة الثانية، فالرصاصة التاريخية خلطت ملفات كثيرة، والنزاعات الدولية والإقليمية ستتصدر المشهد فـــي مــقــبــل الأيـــــــام، خــصــوصــ أن الـــعـــاقـــة بـــ «وادي السيليكون» ودونـالـد ترمب تكون مشحونة بالتوتر أحياناً؛ لأنه معقل للديمقراطيين، ولأن فشل السياسة الخارجية الأميركية في عهد بايدن في الشرق الأوسط سـيـكـون لمصلحة تـــرمـــب... وكـــل ذلـــك يمهد لرصاصة الـقـنّـاص الأمـيـركـي، ويعجّل بإيجاد تـوافـق عالمي كي يعود الأمن والاستقرار للعالم أجمع، بدلاً من التصفيق الحار الذي لقيه نتنياهو في «الكابيتول» والكم الهائل من الأكاذيب التي تحدث عنها، وكأن الحضور مغيبون عن الحقائق والواقع. فالكونغرس الأميركي الذي يُفترض أن يكون رمزاً لأرقـى الممارسات الديمقراطية في العالم، يتحوّل إلى مسرحية صهيونية وكـذب ونفاق وتشويه للحقائق، في دولـة وُجهت إليها السهام والانتقادات القوية من كل مكان، لتخرج الولايات المتحدة عن أن تكون الطرف الأكثر ضماناً للسلم والعدالة بعد أن فقدت مكانها، وأصبحت سلطنة عمان والمملكة العربية السعودية والصين وغيرها الأكثر ثقة في استضافة الوساطات. وما لم يقع شيء مفاجئ آخر في الأيام المقبلة، فمن المرجح أن تكون المواجهة الرئاسية المقبلة في الولايات المـتـحـدة مــبــارزة صعبة بــ الـرئـيـس الـسـابـق دونـالـد 5 تـرمـب ونـائـبـة الـرئـيـس الـحـالـي كــامــالا هــاريــس فــي نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل. فهل تكون الرصاصة الــتــي غــيــرت أمــيــركــا بـشـكـل مــلــحــوظ سـبـبـ أيــضــ في تغيير سياسي آتٍ في العالم والشرق الأوسط؟ * كاتب عماني معضلة الحديدة والمقاربات العاقلة هــنــاك إعـــــادة تـقـيـيـم ومـــراجـــعـــات جـــــادّة يجب أن تــســـتــثــمــرهــا الـــحـــكـــومـــة الـــشـــرعـــيـــة فـــــي الــيــمــن والـفـرقـاء الـذيـن يجب أن يتحدوا فـي إعـــادة البلد المختطفة لـصـالـح الميليشيا والمـــشـــروع الإيـــرانـــي، هـذه المـراجـعـات جــاءت بعد انحسار ردود الأفعال المستعجلة والمنفعلة في الصحافة الغربية المؤيدة لإسرائيل لتعقبها العشرات من الأوراق البحثية، وتـــقـــديـــر المــــوقــــف فــــي مــــراكــــز الأبـــــحـــــاث وخــــزانــــات الـتـفـكـيـر، وخـاصـتـهـا أن ردة الـفـعـل الإسـرائـيـلـيـة بهذه الطريقة التي استهدفت فيها تدمير البنية الـتـحـتـيـة كـشـفـت عـــن عــــدد كـبـيـر مـــن الأخــــطــــاء في مـقـاربـة المـجـتـمـع الـــدولـــي والـــقـــوى الـغـربـيـة للملف اليمني وتعقيداته. يمكن تلخيص هذه الثغرات في جملة واحدة: عـــدم الاســتــمــاع لـــلــريـــاض... مـنـذ الـلـحـظـات الأولـــى لــ«عـاصـفـة الــحــزم» كــان مـوقـف الـسـعـوديـة واضحاً مـــن أن تـدخـلـهـا كــــان لاســـتــعــادة الــشــرعــيــة، ووقـــف مـــشـــروع اخــتــطــاف الــيــمــن وتــجــريــف هــويــتــه، وأن الأولوية لمصلحة الشعب اليمني وتجنيبه كوارث الحرب الأهلية أو الاقتتال بين القوى المسلحة، أو اسـتـحـالـتـه إلـــى منطقة تــوتــر مـسـتـدامـة، لـكـن ذلـك قـــوبـــل بـتـغـطـيـات غــربــيــة صــحــافــيــة مــتــحــيّــزة، لأن تغطيات الحرب ترصد الظواهر السلبية والكوارث الإنسانية، وهـو متفهم ومستحق، لكن خطيئتها أنـهـا كـانـت صــمّــاء، عـن المتسبب فـي هــذه الـكـارثـة، ومن دون تقدير لآليات التغيير لـ«عاصفة الحزم» فـــي مــشــروعــهــا لاســـتـــعـــادة الــيــمــن وبــتــحــالــف قــوي ومتماسك، والأهم أنه مستند على القانون الدولي، وهـــو الأمـــر الـــذي كـــان سـيـحـمـده الـيـمـنـيـون طـويـاً حين يؤتي أُكـلـه. ما فعلته المقاربة الغربية آنــذاك، خصوصاً من الصحف وبعض المنظمات الحقوقية، هو إنتاج قصص مبتورة ومشوهة ومنح الشرعية للميليشيا بوصفها ضحية، واستجابة لخطاب المظلومية الـذي تحاول فيه تسويق كوارثها التي سببتها لليمنيين، والــيــوم نشهد سـقـوطـ مـدويـ لصمت الإعـام الغربي عن ردة الفعل الإسرائيلية، رغم أنها أضرت بمقدرات اليمنيين من دون أن تمس الميليشيا بأذى. مــــايــــكــــل نــــايــــتــــس المـــتـــخـــصـــص فـــــي الــــشــــؤون العسكرية والأمـنـيـة للعراق وإيـــران ودول الخليج الـــعـــربـــي، وهـــــو أحـــــد مـــؤســـســـي مــنــصــة «الأضـــــــواء الكاشفة للميليشيات» كتب ورقة مهمة عما حدث في الحديدة، مؤكداً على العواقب الإنسانية، وخطر تدمير البنى التحتية، لكنّه حمّل الحوثيين وإيران مسؤولية مخاطر المجاعة ونقص الـوقـود، والأهـم قــام بتتبع كيف استطاعت طـهـران تحويل اليمن لممر لبيع منتجاتها النفطية الخاضعة للعقوبات. خــزانــ 28 فـــي المـــقـــابـــل، اســتــهــدفــت إســـرائـــيـــل للنفط ورافـعـتـ جسريتين فـي ميناء الـحـاويـات، وهـذا وفقاً للخبراء العسكريين جزء من استهداف المنتجات الهيدروكربونية الـتـي يتم نقلها لأذرع إيـران في المنطقة، في مقابل دعم مباشر من إيران لـلـمـيـلـيـشـيـا فــــي الـــيـــمـــن، يـــضـــاف إلـــــى اقــتــصــادهــا الموازي الذي يأتي من الإتاوات وفرض الضرائب. عـدم الاكـتـراث الإسرائيلي بالحالة الإنسانية والمـدنـيـة هـو فـي حقيقته أيضاً الـوجـه الآخــر لعدم اكتراث إيـران وميليشيا الحوثي باليمنيين، حيث تـحـويـل مـيـنـاء الـحـديـدة إلـــى مـركـز يــمــارس أدواراً هجينة، وكلنا يتذكر كيف كـانـت قـــوات التحالف والشرعية اليمنية بدعم السعودية قريبة من حالة الحسم فيما يخص استغلل ميناء الحديدة، لولا تـدخـل الــقــوى الـغـربـيـة بــدعــوى الـحـالـة الإنـسـانـيـة، وهــــو مـــا تـــحـــوّل إلــــى تــأيــيــد ومـــســـانـــدة مـــع الـحـالـة الإسـرائـيـلـيـة رغــم الــفــارق فـي الأولـــى بـ استعادة الــيــمــن لأهـــلـــه، والــثــانــيــة فـــي ردة الــفــعــل ومــحــاولــة إيصال رسالة خشنة لطهران. المعضلة أن ميناء الحديدة سيظل هو المركز الأهـــم لعمليات نقل الــغــذاء والــــدواء والمــــوارد التي يـحـتـاجـهـا الـشـعـب الـيـمـنـي، ورغــــم أنـــه فـقـد طاقته وقدرته الإنتاجية بشكل متدرج مع إهمال الميليشيا لاشـتـراطـاتـه التشغيلية، فـإنـه الــيــوم يُـشـكّـل نقطة عــبــور غـيـر محببة لــشــركــات الـنـقـل بـسـبـب الـحـالـة الخطرة على المستويين الأمـنـي والبيئي، وهـو ما يعني زيادة المعاناة والعبء على الحالة الإنسانية فــي الــداخــل الـيـمـنـي، والــتــي تسعى الميليشيا إلـى تعميقها مـن خــال إهـمـال صيانة مـولـدات الطاقة ومـــضـــخـــات المــــيــــاه، وعـــــدم الــســيــطــرة عــلــى أســعــار الـــوقـــود، وهـــو الأمــــر الــــذي تـــحـــاول الــســعــوديــة سد فـــجـــوتـــه مــــن أجـــــل الـــيـــمـــنـــيـــ . ومـــــن يــــراجــــع أرقـــــام الـبـرنـامـج الـسـعـودي لتنمية وإعــمــار الـيـمـن يــدرك ذلـــك، حيث تـم إنـفـاق مـا يـزيـد على المـلـيـار ونصف مشروعاً شملت أهم عشرة 159 المليار على أكثر من قـطـاعـات، وعـلـى رأسـهـا الـطـاقـة والـنـقـل والإصـــاح البيئي والتعليم والصحة. تفاقم الحالة اليمنية من دون ضغط المجتمع الـــدولـــي عـلـى كـــل الأطــــــراف لإعـــــادة مــقــاربــة الـحـالـة اليمنية، من شأنه أن يـؤدي إلـى الـــدوران في حلقة مــفــرغــة، حـيـث الـنـتـائـج مـسـبـبـهـا واحــــد وهـــو عـدم فهم اليمن وتعقيداته، وستقوم ميليشيا الحوثي بتضخيم صـورتـهـا وشعبيتها بهجمات لإعـــادة تسخين المنطقة بحجة نـصـرة فلسطين، وأنـهـا لم تخذل اليمنيين. الـحـل أن يـأخـذ المـجـتـمـع الـــدولـــي والـــولايـــات المتحدة والاتــحــاد الأوروبــــي خـطـوة أكـبـر لمقاربة جـــديـــدة ومـخـتـلـفـة لـلـيـمـن والمـيـلـيـشـيـا، مستندة مـجـدداً إلــى دعــم الحكومة الشرعية، والاسـتـمـاع للرياض أيضاً. تتجسّد روحُ المنافسة الأميركية في «سباق الـدجـاج» الـذي جسده جيمس ديـن في مقطعٍ من Rebel Without( » الفيلم الشهير «متمرد بل سبب ، إذ يتسابق مع صديقه بسيارتين 1955 )a Cause نحو الهاوية، ليفوز من يوقفها أقــرب لحافتها. فــي ثقافتنا نسمي هـــذه اللعبة «عـــض الإصـبـع» لعنترة العبسي، حيث يخسر من يصرخ من ألمه أولاً. هـذه الأيــام، بطريقة أو بأخرى، تلعب الـدول الــــكــــبــــرى، بــعــضــهــا ضــــد بـــعـــض، الـــلـــعـــبـــةَ ذاتـــهـــا. لــيــتــدحــرج عــالمــنــا نــحــو مــجــابــهــة واســـعـــة يــــزداد احتمالها يوماً بعد يوم. بدءاً من الشرق الأوسط، أو أوروبــا، أو بحر الصين، فل شك أن تداعياتها ستتردد في أرجاء العالم بأسره. فلقد تـبـدلـت، مـنـذ حـــرب أوكــرانــيــا، الفلسفة الاســتــراتــيــجــيــة الـــغـــربـــيـــة. ويــنــظــر لـــهـــذه الــحــرب كــــإثــــبــــات عـــلـــى فـــشـــل اســـتـــراتـــيـــجـــيـــات الاحــــتــــواء الإيــــجــــابــــي لــــروســــيــــا، عـــبـــر طــمــأنــتــهــا عــســكــريــ ، ودمـجـهـا اقــتــصــاديــ ، حـيـث يـتـهـم الــغــرب روسـيـا باستخدام الـعـاقـات الاقـتـصـاديـة سـاحـ وليس أداة للتقارب. حلت محل هذه الفلسفة رؤية معاكسة تماماً تقول إنه لا يمكن جر روسيا لطاولة المفاوضات إلا بردعها وإنهاكها استراتيجياً. وجـوهـر هذا الرهان هو اعتبار روسيا الحالية أضعف بكثير مـــن الاتــــحــــاد الـــســـوفـــيـــاتـــي، الـــــذي ســبــق لأوروبـــــا والــــولايــــات المــتــحــدة أن تـفـوقـتـا عـلـيـه اقـتـصـاديـ وعسكرياً في الثمانينات من القرن العشرين. بعد أن صار واضحاً أنه لا يمكن إثناء روسيا عــن حـربـهـا ضــد أوكــرانــيــا، يخطط الــغــرب لحرب تـــدوم عـقـداً أو عـــقـــوداً. ليصبح الــهــدف الرئيسي للحرب «إنــهــاك روســيــا» على عــدة جـبـهـات. بـدءاً مــن إقـحـامـهـا فــي ســبــاق تـسـلـح، سـبـق أن خسره الاتحاد السوفياتي عندما كان أقوى خمس مرات أكثر من روسيا المعاصرة، ثم إضعافها اقتصادياً بـإجـهـاض قـدرتـهـا عـلـى شـــراء لــــوازم حـربـهـا، من إيـران والصين وكوريا الشمالية، وإخــراج نفطها من السوق العالمية، بدءاً من منابعه حتى أسواقه. أوروبـــيـــ ، وبـسـبـب الإربـــــاك الألمـــانـــي، تصبح فرنسا الـقـائـد الطبيعي لـلـقـارة. كما أن موقعها الـبـعـيـد عــن ســاحــة المـعـركـة يمكنها مــن المـغـامـرة بمخاطر طفيفة، مقابل انـتـزاع دورهــا في زعامة أوروبـــــــــا، بـــالاســـتـــفـــادة مــــن قـــدرتـــهـــا عـــلـــى تـــدويـــر مجمعها الـصـنـاعـي الـعـسـكـري بـكـفـاءة أكــبــر من معظم الــدول الأوروبـيـة. فبعد أن فقدت الشركات الـفـرنـسـيـة إوزتـــهـــا الـذهـبـيـة فــي روســـيـــا، تحولت نحو ريادة القارة الأوروبية استراتيجياً، والقبول بتحدي المجابهة مع روسيا. بـدورهـا تعمل أوكـرانـيـا على تبريد الصراع بمحاولتها فتح المحادثات مع روسيا، لكنها، في الوقت ذاته، تعد لضربات خلف حدودها الغربية وفي محيط بيلوغراد. وتعد أيضاً لحرب أنصار مليون 25 داخــــل المــنــاطــق المـحـتـلـة، مـعـولـة عـلـى أوكراني يتحدثون الروسية بطلقة. أما ألمانيا، فتتحدث عن إعـداد الجيل القادم للحرب! فعبر ثلثة عقود من النيرفانا السلمية الاستراتيجية، كانت ألمانيا عرابة اتفاقيات حظر الصواريخ متوسطة المدى في أوروبا. ودفعت نحو تطبيق اتفاق ريغان وغورباتشوف بالابتعاد عن حـافـة الــهــاويــة، وإخـــــراج الأسـلـحـة المـتـوسـطـة من ساحة الصراع. اعتمد منطق هذه الاتفاقيات على إجــهــاض احـتـمـال حـــرب نــوويــة تكتيكية، بحيث تقتصر مخاطر المجابهة على احتمال الاشتباك بـــالـــصـــواريـــخ الاســتــراتــيــجــيــة الـــعـــابـــرة لـــلـــقـــارات، التي من المرجح أن أياً من الجانبين لا يرغب، ولا مصلحة له، في أن ينزلق نحوها. أمــــا الآن فـتـطـالـب ألمــانــيــا بـــإعـــادة نــشــر هــذه الـــصـــواريـــخ فـــي أوروبـــــــا. وفــيــمــا تـتـهـم الـــولايـــات المتحدة روسيا بخرق اتفاقيات حظر الصواريخ )، تـــحـــركـــت، مـــنـــذ عـــهـــد تـــرمـــب، INF( المـــتـــوســـطـــة نحو الانسحاب من معاهدة الصواريخ النووية المــتــوســطــة فـــي أوروبـــــــا. وبـــعــد إحـــجـــام الـــولايـــات المـــتـــحـــدة لمـــا يـــقـــارب الــخــمــســ عـــامـــ عـــن تـطـويـر ونشر هـذه الصواريخ، تعود لتنفض الغبار عن الصواريخ الفوق صوتية و«توما هوك - كـروز»، وتنشرها في ألمانيا وإستونيا ولاتفيا وليتوانيا ومولدوفا والقسم الشمالي الشرقي من رومانيا وبولندا وصولاً إلى القوقاز، وآسيا الوسطى. ولا يقتصر السباق نحو حافة الهاوية على أوروبا فحسب، بل يمتد نحو بحر الصين. يــنــظــر الاســتــراتــيــجــيــون الأمـــيـــركـــيـــون بقلق لاندفاع الصين لتوسيع نفوذها في بحر الصين وجـــنـــوب آســـيـــا، فــيــمــا يـــعـــدّونـــه تـــهـــديـــداً صينياً لــحــلــفــاء الـــــولايـــــات المـــتـــحـــدة؛ الـــيـــابـــان والــفــلــبــ وتـــايـــوان وإنـدونـيـسـيـا وســنــغــافــورة، خصوصاً بعد أن صـارت هـذه البلدان في مطال الصواريخ كم. ويرى 5000 إلى 500 الصينية متوسطة المدى هــــؤلاء الــبــاحــثــون أن سـبـب تــوســع نــفــوذ الـصـ يكمن فــي تـراجــع الــــردع الاسـتـراتـيـجـي الأمـيـركـي فـــي الـبـاسـيـفـيـك، نـتـيـجـة لـتـكـبـيـل أمــيــركــا يـديـهـا فـي اتفاقات حظر الـصـواريـخ متوسطة المــدى مع روســـيـــا. لـتـبـدو الــصــ المـسـتـفـيـد الأول مـــن هـذه الاتـــفـــاقـــات. يـفـسـر هـــذا المـنـطـق الــتــحــرك الحثيث لأميركا وحلفائها لنشر جماعي لأنظمة الأسلحة متوسطة المدى على امتداد الساحل الصيني. وهكذا ترتسم خطوط النار على مدار كرتنا الأرضية. وفيما تدفع القوى الكبرى بعالمنا نحو حـافـة الــهــاويــة، يشهد الـعـالـم بعجزها الــتــام عن كبح جماحها في اللحظة الأخـيـرة، ومنع العالم من السقوط في الهاوية. Issue 16681 - العدد Tuesday - 2024/7/30 الثلاثاء الحل أن يأخذ المجتمع الدولي خطوة أكبر لمقاربة جديدة والاستماع للرياض * أحمد بنسالم باتميرا يوسف الديني سمير التقي OPINION الرأي 14 ترتسم خطوط النار على مدار كرتنا الأرضية فيما تدفع القوى الكبرى بعالمنا نحو حافة الهاوية كما في «سباق الدجاج»... يندفع العالم نحو الكارثة رصاصة بنسلفانيا غيّرت أميركا

RkJQdWJsaXNoZXIy MTI5OTky