issue16679

حـال متابعة سلسلة لـقـاءات أجـراهـا الأستاذ غــــســــان شـــــربـــــل، مـــتـــمـــيـــزاً -مــــــن بــــواكــــيــــر تــجــربــتــه الصحافية حتى رئاسة تحرير «الشرق الأوسط»- بـتـدويـن شــهــادات الـسـاسـة «مــن النهر إلــى البحر: من الـعـراق إلـى ليبيا، مــروراً بالشام»، استوقفني أن عَزّ حضور اليمن. فمتى طَرقتَ باب الشهود عن عـهـود مـضـى عليها عـقـد ونـيـف مــن الــزمــن، أجــاب الفاعلون من ساسة وتكنوقراطيي اليمن بالامتناع والتحفظات. قَلّ أن ينبري أحد منهم بشهادة. كثيرٌ «من يكتمها...». الــخــوف والـــحـــذر، الافــتــقــار إلـــى مَـلَـكـة الحكي وموهبة الكتابة، مع شواغل وهموم حياة يومية مـصـحـوبـة بـإحـبـاط ويــــأس وخـيـبـة أمــــل، تُـــعَـــدّ من دوافـــــع كــتــمــان الـــشـــهـــادة عـــن الأحــــــداث والـــحـــوادث والشخصيات، فيُعيي المهتمين فهمُ الشأن اليمني الــــــذي يــــدّعــــي كـــــلٌ فـــهـــمـــه، ويـــظـــل مـــاضـــيـــه عـــرضـــةً لــلــتــفــســيــرات الــــشــــريــــرة، وحـــــاضـــــره أســــيــــرَ تـــكـــرار الأخطاء المريرة. بــعــد مــضــي فـــتـــرة زمـــنـــيـــة، عــلــى غـــــرار إتــاحــة الـــوثـــائـــق لـــاطـــاع الـــعـــام، تـــصـــدر شـــهـــادات تُـــعـــزّز «اســتــيــاء الـنـقـص عـلـى جملة الـبـشـر» مــن ضعف ذاكــــرة، وعـــدم دقـــة الــتــواريــخ لقلة اهـتـمـام بتدوين اليوميات. كما صـدرت مذكرات ولـقـاءات ثُلة ممن تـــصـــدّروا المـشـهـد الـيـمـنـي، يـــراهـــا بــعــضٌ محشوة بــــســــرديــــات جــــديــــدة بـــعـــيـــدة عــــن ظـــــــروف المـــرحـــلـــة المشهودة، مع تنزيه وتبرئة للذات، ووصم كل آخر ومختلِف ونعته بأسوأ النعوت، علوة على التأثر بدعايات معينة؛ كما تُنْتَقى المواقف والحكايات؛ «لأن مـن يحكي، لا يحكي كـل شـــيء». كما يتجلى ادعــــــاء المــظــلــومــيــات ونـــســـج الـــبـــطـــولات، واحــتــكــار الحكمة والصواب وتوهّم امتلك الحقيقة «إلا من رحم ربك» وشاء أداء أمانتهم... على الرغم من هذا فـإن ما نُشِر -وإن لم يشفِ غليل المهتمين- يُبَسِطُ فـهـم تـعـقـيـدات مــاضــي الـيـمـن الـسـعـيـد وراهـــنـــه... بتاريخه! أمـا الأحـاديـث الشفهية المـبـاشـرة، مثل بعض الكتابات، فمحكومةٌ بذهنية ومشاعر مقيمة غالباً تحت ظِــال أزمــات تُدين استمراريتها كل العهود المــاضــيــة الـضـالـعـة فـــي خـلـق تـلـكـم الأزمــــــات، وكـــذا العهود الراهنة المتورطة في ديمومة أزمات ستظل تصبغ عهود المستقبل الآتية من رَحِمِ سالفاتها. عـلـى الـــرغـــم مـــن الأزمـــــات المـــوروثـــة عــهــداً بعد عهد، يسري حنينٌ للعهود الماضية... يتسق منطق الحنين للعهد المفقود مـع إمـعـان النظر فـي العهد المشهود: رُبّ يومٍ بكيتُ منه فلما صرتُ في غيره بكيتُ عليه هـذه «النوستالجيا» اليمنية غير مستجدة، وحـاضـرة في المـذكـرات المكتوبة والشفهية... فلما تـولـى الأئـمـة حكم شـمـال اليمن بعد جــاء الأتـــراك شاع قول: «يا حيانا من التُرك»... وفي أثناء عهد الجمهورية شمالاً تذكروا حكم الأئمة، بسلبياته... وعقب الاستقلل جنوباً عن الإنجليز ترحّموا على الاسـتـعـمـار، بـسـيـئـاتـه... وبـعـد الــوحــدة حـنّـوا إلى التشطير، بمراراته...! فـــي أثـــنـــاء الـــحـــرب والـــفـــوضـــى، يــغــدو مـعـقـولاً ومقبولاً التوق إلـى السلم و«الاستقرار النسبي» لحسناته. مسلسل الحنين أو «النوستالجيا» المستديمة تنافسه سلسلة «الشماعات، والجدران القصيرة» المــســتــديــمــة هـــي الأخـــــــرى؛ فــعــلــى تــلــك الــشــمــاعــات والــجــدران القصيرة أخــذ كـل عهد -مـشـطـراً كــان أم موحداً، مستقراً أو مضطرباً- يعلّق -حقاً وباطلً- مبررات التقصير. طيلة القرن العشرين بتحولاته، من إمامة إلى جمهورية، من استعمار إلى استقلل، ومن تشطير إلى وحدة، أمضى ساسة اليمن يعلّقون مشاكلهم الـداخـلـيـة عـلـى شـمـاعـة الـــخـــارج، ويـسـتـنـدون إلـى جــــــــدران الـــــظـــــروف الـــقـــديـــمـــة؛ أمـــــا الــــقــــرن الـــحـــادي والـعـشـرون بتحولاته مـن نظام إلــى فـوضـى، ومن استقرار إلى حرب، فلن ينقضي دون استغلل هذه النعمة الوفيرة، لأن مصانع الساسة والميليشيات دائمة الإنتاج للمبررات المُستَهلَكة (...). غـــيـــر مــســتــغــرب بـــتـــاتـــ إلــــقــــاء أســــبــــاب أزمـــــات الـــداخـــل عــلــى شــمــاعــة الـــخـــارج وجــــــدران الـــظـــروف القديمة، مثلما لا يُستغرب إرجــاء المعالجة، ومن ثم لا يُضاف الجديد الملموس إلى رصيد الأمجاد الـــتـــاريـــخـــيـــة... الــقــديــمــة، لــفــقــدان ذاكــــــرة و«إرادة» تَحَمُل الـواجـبـات الأساسية تجاه مستقبل اليمن واليمنيين. Issue 16679 - العدد Sunday - 2024/7/28 الأحد كـــاتـــب الــتــحــلــيــل الــســيــاســي لــيــس مــطــلــوبــ منه إصدار حكم بل تقديم قراءة تكون متماسكة ومقنعة ومحايدة في الانتخابات الرئاسية الأميركية الماضية لعام ، كتبت مقالة هنا، قلتُ فيها إنّ تلك الانتخابات 2020 ســـتـــكـــون الأخــــيــــرة لــلــمــرشــحــ الـــرئـــاســـيـــ ؛ بـــايـــدن وتـرمـب، بسبب تقدمهما في العمر. وإنّـنـا سنحظى ، بين 2024 بتنافس في الانتخابات التالية لها لعام مـرشـحـ أصــغــر ســنّــ وأكــثــر حــيــويــة. لـكـن الأحــــداث سـارت في مجرى مخالف لتكهّناتي. والسبب: لأنّي بنيت رأيي على أساس منطق يأخذ في اعتباره عامل الـسّـن وتـأثـيـراتـه المـتـعـددة سلبياً على قـــدرات البشر العقلية والبدنية. كُـــتّـــابُ التعليقات السياسية مـعـرّضـون للخطأ والــصــواب، وهـــذه حقيقة لا يختلف حولها عـاقـان. وهــــم فـــي حـقـيـقـة الأمـــــر حـــ يـــخـــوضـــون فـــي تحليل قضايا سياسية، فإنهم يدلون بآراء، يعلمون مسبقاً أنّـهـا قابلة للنقاش، ولـأخـذ والـــرد، والـرفـض كذلك، وليست أحكاماً باتة قاطعة. تلك الآراء، القراءات، قد تصدف وتقترب من الحقيقة، وقد يجانبها الصواب، فـــهـــم يــعــيــشــون فــــي عـــالـــم مــتــغــيــر، ومــهــمــتــهــم رصـــد تـحـوّلاتـه ووصـفـهـا، والتنبؤ بتوجهاتها المحتملة، لكن الرياح قد تسير بشكل معاكس. وبـــالـــطـــبـــع، لا يـــتـــســـاوى المــعــلــقــون فـــي قــدراتــهــم ومصداقيتهم؛ هناك فروق بين معلق سياسي وآخر. لكن كلّما كان المعلق قريباً من مصادر الأخبار ودوائر صنع الــقــرار ازدادت مصداقية تحليلته. وأحـيـانـ ، يصير البعض منهم ناطقين غير رسميين للنظمة السياسية في بلدانهم، وتحظى تعليقاتهم بالمتابعة والرصد، وبمصداقية واسعة، بسبب قربهم من دوائر صنع القرار على أعلى مستوى. ومـــــا دعــــانــــي لـــلـــخـــوض فــــي هـــــذا المـــــوضـــــوع هـو أنني، في مقالة سابقة، تعرضتُ بالتحليل للموقف السياسي في أميركا عقب انسحاب الرئيس بايدن من السباق، في وقت يعدّه المعلقون متأخراً جداً، قد يعود بـالـخـسـارة عـلـى الــحــزب الـديـمـقـراطـي فــي انتخابات شهر نوفمبر (تـشـريـن الـثـانـي) المـقـبـل. وفــي قـراءتـي للموقف، وصلت إلى خلصة مفادها أن «خيول ترمب قادمة لا محالة»؛ بمعنى أن على دول العالم الإعـداد لـلـتـعـامـل مــع فــتــرة ثـانـيـة لـلـرئـيـس تــرمــب فــي البيت الأبيض. تلك الخلصة، كانت رأياً لا حكماً، ولم تكن تحت تـأثـيـر الـتـعـاطـف مــع تــرمــب، أو مــن بـــاب الـشـمـاتـة في المرشح الديمقراطي أيّاً كان، بعد انسحاب بايدن. بل هي قناعة أو رأي شخصي ومحايد في آن معاً، وُلد ونما تدريجياً، وتعرضلتعديلت وتصحيحات، عبر متابعة يومية متواصلة لما ينشر في وسائل الإعلم المختلفة من أخبار وتقارير، ومن خلل رصد لما يكتبه المعلقون في أميركا وخارجها، مضافاً إليهم متابعة نتائج استطلعات الرأي العام أولاً بأول. وجميعها، في نظري، كانت تفضي إلى استنتاج يقضي بترجيح كفة ترمب انتخابياً على خصمه. تـلـك الــخــاصــة أثـــــارت انــتــبــاه بـعـض الأصـــدقـــاء، وخــالــفــونــي الــــــرأي، وحـجّـتـهـم فـــي ذلـــك أن مـــا كتبته يـتـجـاوز الـــــرأي، ويــعــدّ بـمـثـابـة إصــــدار حـكـم نـهـائـي، ودليلهم أن وجـود كلمة «لا محالة» في آخر العنوان يؤكد ذلــك. فاجأني قولهم؛ لأن ما ذكــروه لم يـرد في بالي، وذلك خطئي. وفي ردّي عليهم، أوضّـحُ أنّه من المهم لمن يخوض في كتابة رأي سياسي أن يكون على بينة مما يكتب وينشر، من خلل رصده للقضية التي يتعرض لها مـن كـافـة الأبــعــاد والــجــوانــب، مـا أمكن، وأنــنــي وصــلــت إلـــى تـلـك الــخــاصــة فــي مـقـالـتـي آنفة الـذكـر، بـنـاءً على مـا تـراكـم لــديّ مـن معلومات، خلل الــشــهــور المــاضــيــة. وأضـــــرب مــثــاً عـلـى مـــا حـــدث في الانتخابات البريطانية الأخيرة؛ إذ إنني كنتُ ضمن جمهرة كبيرة مـن المعلقين فـي بريطانيا وخارجها ممن أكدوا حتمية هزيمة حزب المحافظين، وفوز حزب العمال. ذلك الاتفاق في الـرأي لم يأتِ جزافاً، بل بناءً على رصد ومتابعة دائمين، وعلى مؤشرات وحقائق أبانتها الأحـداث، وعلى ما كان يصدر عن مؤسسات استطلعات الـرأي العام من نتائج أسبوعياً، وحالة الانـقـسـام الـواضـحـة فـي حــزب المحافظين. وبالتالي، كان الرأي بانتصار العمال وهزيمة المحافظين مكتوباً بخط كبير على الحيطان ومرئياً بوضوح، إلا لمن لم يكن راغباً في الـقـراءة، أو متظاهراً بالعمى. وكتابة تحليل سـيـاسـي يـؤكـد تـلـك الحقيقة، تـظـل فــي إطــار الرأي، وإن بدا قريباً من إصدار حكم. وحتى أوضّـح أكثر، آخذين الفارق في الاعتبار، فـــإن الـقـضـاة فــي المـحـاكـم يــصــدرون أحـكـامـ قضائية مــبــنــيــة أســــاســــ عـــلـــى آراء قـــانـــونـــيـــة تـــتـــكـــوّن لـديـهـم تـدريـجـيـ مــن خـــال اطـاعـهـم عـلـى مـلـفـات الـقـضـايـا، واستماعهم لآراء هيئات الدفاع والنيابة والشهود. ومن تلك الآراء يصلون إلى قناعة/ رأي بإصدار أحكام بالبراءة أو بالإدانة، ويحرصون على بيان الأسباب التي دعتهم إلـى إصــدار تلك الأحـكـام. ولأنهم قضاة، لا بـد لهم مـن إصـــدار أحــكــام، بطبيعة الوظيفة التي يعملون بها. وأحكامهم ليست نهائية، وقابلة للطعن وللستئناف؛ أي إنهم يخطئون ويصيبون. أمـا كاتب التحليل السياسي فإنه ليس مطلوباً مـنـه إصـــــدار حـكـم أو مـلـزمـ بـــذلـــك، بـــل المــطــلــوب منه تقديم قراءة تحليلية هادئة لحدث سياسي ما، تكون متماسكة ومقنعة ومـحـايـدة مــا أمــكــن، وآراؤه تظل قـابـلـة لـأخـذ والــــرد، والـتـعـديـل والـتـصـحـيـح، وكـذلـك الرفض والاستهجان. ردّ أبو سليمان على قول خدوري: «ويبدو أنّ الشرك حُدد بما يقرب من الوثنية دون إقرار ضمني بوجود إله علوي»، بأنه «يصعب القول بذلك نظراً لعدم وجود إجماع على هذا التعريف». قــالَ بهذا الــرّد مع أنّ ملحظة خــدوري قائمة على أنّ أيّ فقيهٍ لم يضع تعريفاً لمن هو المشرك، مع إجماع الفقهاءِ كلّهم تقريباً على أنّ الإسلمَ والشّرك لا يمكن أن يتعايشا، فعلى المشركين بالله – كما قــال – أن يـخـتـاروا بـ الــحــربِ والإســــام. فتلمّسه لمعنى الشّرك عند الفقهاء، استند إلـى استثنائِهم لـلـمـجـوس (الـــزرادشـــتـــيـــ ) مــن المــشــركــ وتطبيق أحكامِ أهل الذّمة عليهم، مع أنّ إيمانهم بالله – كما قـال عنه: يعتبر غامضاً، ولكن لهم كتاب على كلّ حال. لقد أوردت مقتطفاً مـن مجادلةِ الفقيه وهبة الـزحـيـلـي ومـقـتـطـفـ مـــن مــجــادلــة الإســـامـــي عبد الحميد أبـو سليمان لـخـدوري، مع أنّ رسالتيهما لـلـدكـتـوراه لا صلة لهما لا مـن قـريـب ولا مـن بعيد بما قاله البهي عن خــدوري في تقريره «المبشرون والمـسـتـشـرقـون وموقفهم مـن الإســــام»؛ لأقـــفَ عند مــجــريــات زمـــن مـتـأخـر عـــن مـجـادلـتـهـمـا مـــع مـــؤرخ مـتـخـصـص فـــي الـــــدراســـــات الإســـامـــيـــة والـــقـــانـــون الــدولــي كمجيد خــــدوري، وأنــظــر إلـــى مجادلتهما معه وفق ما حصل في مجريات الزمن المتأخر. وأقـــصـــد بــذلــك الـتـطـبـيـقَ الـعـمـلـي لــلــقــول بـــأنّ الجهاد الإسلمي حربٌ هجوميةٌ مستمرة على غير المسلمين، والذي كان ذروته تفجيرات الحادي عشر .2001 من سبتمبر (أيلول) عام ،1950 هذا القول انتقل إلى العالم العربي عام مع صدورِ ترجمةِ مسعود الندوي لكتاب المودودي «الجهاد في سبيل الله» عن لجنةِ الشباب المسلم بـالـقـاهـرة. ومــوضــوع الـكـتـاب هـو أصـــاً محاضرة لـلـمـودودي طُبعت فـي كـتـاب باللغة الأورديــــة عام .1939 وهـــذا الــقــولُ حــ انـتـقـل إلـــى الـعـالـم الـعـربـي، كــانَ الفكرُ الإسـامـي الإصـاحـي فيه مستقراً على القول بـأنّ الأصـل في الجهاد الإسلمي هو الدفاع لا الهجوم والتوسع، وهـو القول الــذي بــدأه الإمـام مـحـمـد عــبــده فـــي مـسـتـهـلّ الـــقـــرن الــعــشــريــن، وقــــالَ بـه قبله الفكر الإســامــي الإصــاحــي فـي الهند في منتصف القرن التاسع عشر. فـي رسـالـة الزحيلي لـلـدكـتـوراه «آثـــار الحرب فـي الفقه الإســامــي: دراســـة مـقـارنـة» المطبوعة في ، كـانَ كتاب المـــودودي «الجهاد 1963 كتاب في عـام فــــي ســبــيــل الــــلــــه» ضـــمـــن قـــائـــمـــة المــــراجــــع الــعــربــيــة لرسالته، فبحثت فيها عن موضع الإحالة إلى كتاب المــــــودودي، فـلـم أعــثــر عـلـيـه بــ الإحـــــالات الـعـديـدة من 24 وص 23 فــي رسـالـتـه. ولـكـنّـي عـثـرت فــي ص الرسالة على حاشية، قالَ فيها: «ولا يصحّ أن يُفهمَ الجهاد على أنّه وسيلة عدوانية نحو الشعوب غير المسلمة كما فهمه المستشرقون والمتعصبون على الإســــام. فـقـد اعــتــاد الأجــانــب أن يـعـبـروا عــن كلمة الجهاد بالحرب المقدسة (راجع العقيدة والشريعة، ) وفسروها تفسيراً 125 ، ص 106 جولدتسيهر: ص ، حياة 60 منكراً (راجــع الإســام والمستشرقون: ص ،)27 ، العقيدة والشريعة: ص 103 محمد، إرفنج: ص حتى أصبحت تلك الكلمة عندهم عبارة عن شراسة الطبع والخلق والهمجية وسفك الدماء حتى كأنّ المسلمين يمثلون قوة متوحشة تتوثّب للنقضاض على العالم بأسره، يمل قلوبهم الحقد والتعصب، فتقضي على الحضارة والمدنية وتفتك بالأبرياء وتــشــرد الأطـــفـــال والــنــســاء، ولا مـنـجـاة إلا بـإعـان الإسلم كرهاً وبدون نظر أو تثبت...». هذه الحاشية مقتبسة من كلم المـودودي مع شيء من التصرف فيه والزيادة عليه. المــــــــــودودي فــــي مــفــتــتــح كـــتـــابـــه، قــــــال: «جــــرت عـادة الإفرنج أن يعبروا عن كلمة الجهاد بالحرب إذا أرادوا ترجمتها بلغاتهم. Holy Way المقدسة وقد فسروها تفسيراً منكراً وتفنّنوا فيه وألبسوها ثـوبـ فضفاضاً مـن المعاني المموهة والملفقة، وقد بلغ الأمـــر بـذلـك أن أصبحت كلمة الـجـهـاد عندهم عبارة عن شراسة الطبع والخلق والهمجية وسفك الدماء». الـحـاشـيـة كتبها الـزحـيـلـي شـرحـ لـكـام قاله في متن رسالته، وهو قوله: «هذا هو معنى الجهاد عند المسلمين كما صوره فقهاؤهم، ومنه يظهر لنا أنه فرض على المسلمين لنصرة الإسلم بعد وجود مقتضياته من قبل العدو بخلف الحرب فقد تكون للعدوان، ولهذا فضّل الإسلم كلمة جهاد عن كلمة حرب، فالجهاد إذن كلمة إسلمية». إنّ رجـــوع الزحيلي إلــى كـتـاب المــــودودي كان للستفادة منه في متن رسالته فيما قاله عن سبب اخـتـيـار الإســــام لكلمة جــهــاد، وهـــي المـسـألـة التي فـصّـلـهـا المــــــودودي فـــي كـتـابـه فـــي ثـــاث صـفـحـات، ولــاســتــفــادة مـنـه فـــي حـاشـيـتـه فـــي رفـــض تسمية الغربيين الجهاد بالحرب المقدسة، وهو ما أفاضَ المودودي في الحديث عن سبب رفضه له بما يقرب من أربع صفحات من كتابه. فـــرجـــوعُـــه إلــــى كــتــاب المـــــــودودي اقــتــصــر على الاســــتــــفــــادة مـــنـــه فــــي هـــاتـــ المـــســـألـــتـــ ، لـــكـــنّـــه لـم يتعرض لأقــوالــه عـن الـجـهـاد والـتـي منها أنــه بعد تـــكـــوّن الــجــمــاعــة (ســـمـــاهـــا بـــثـــاث تــســمــيــات، هــي: الـجـمـاعـة الإســامــيــة، والـــحـــزب الإســـامـــي، وحــزب الله) يجب على أعضائها الشروع بإحداث الانقلب المنشود والسعي وراء تغيير نظم الحكم في بلدهم التي يسكنونها. وذلك في سبيل غاية عليا وهدف أســــمــــى، وهـــــو الانــــقــــاب الـــعـــالمـــي الـــشـــامـــل المـحـيـط بجميع أنحاء الأرض! قـــال بـهـذا فــي مــحــاضــرة، والمــحــاضــرة طُبعت فـــي كــتــاب بـلـغـة الأوردو قـبــل تــأســيــس «الـجـمـاعـة الإســـامـــيـــة» الـــتـــي اخــتــيــر أمـــيـــراً عــلــيــهــا، بسنتين وأربعة أشهر. وللحديث بقية. رجوع الزحيلي إلى كتاب المودودي كان للاستفادة منه في متنرسالته كاتب التحليل السياسي ليسمطلوباً منه إصدار حكم بل تقديم قراءة تكون متماسكة ومقنعة ومحايدة جمعة بوكليب علي العميم لطفي فؤاد نعمان OPINION الرأي 14 الزحيلي والمودودي آراء أم أحكام؟ شماعات... و«نوستالجيا» يمنية في أثناء الحرب والفوضى يغدو معقولاً ومقبولاً التوق إلى السلام و«الاستقرار النسبي»

RkJQdWJsaXNoZXIy MTI5OTky