issue16676

Issue 16676 - العدد Thursday - 2024/7/25 الخميس كتب BOOKS 17 إيقاف نشر التقييمات «مؤقتاً» خشيةَ الآراء السلبية مذكرات فانستعود لقائمة الأفضل مبيعاً بفضل ترمب نــــال جـــيـــه. دي. فـــانـــس شـــهـــرة واســعــة عـــلـــى الــصــعــيــد الـــوطـــنـــي بـــعـــد نـــشـــره كــتــاب ) عـام Hillbilly Elegy( » «هيلبيلي إلــيــجــي ، (مـرثـيـة هيلبيلي، وهيلبيلي تعبير 2021 يُراد منه السخرية من سكان المناطق الجبلية في غرب البلاد)، واستفاد فانس من شهرته في ترشّحه لعضوية مجلس الشيوخ وفوزه .2022 بمقعد به عام مذكرات «هيلبيلي إليجي» تدور حول طفولة فانس الفقيرة في أبالاتشيا، ونجحت فـي إكـسـاب مؤلّفها شهرة كبيرة فـي أعقاب .2016 فوز دونالد ترمب في الانتخابات عام فـــي ذلــــك الـــوقـــت كــــان فـــانـــس مـــعـــاديـــا بـشـدة لـــتـــرمـــب، ووصـــــف الـــرئـــيـــس الـــســـابـــق بشتى الأوصاف الرديئة، مثل «الأحمق» إلى «هتلر أميركا»، عادّاً إياه بمثابة «كارثة أخلاقية». واستغل النقاد رواية فانس، وما كشفته عــــن الـــفـــقـــر وســــــوء المـــعـــامـــلـــة والإدمــــــــــان الــتــي أحاطت بحياته في ميدلتاون بولاية أوهايو، بوصفها دليلاً إرشاديا لفهم محنة الناخبين البِيض من الطبقة العاملة، عبر المنطقة المعروفة باسم «نــــــطــــــاق الــــــــصــــــــدأ»، الــــذيــــن أســــهــــمــــوا فــــــي فـــــــوز تـــرمـــب بفترة رئاسته الأولـــى. وقد وصفت صحيفة «نيويورك تايمز» الكتاب بأنه «تحليل اجـــتـــمـــاعـــي لـلـطـبـقـة الــدنــيــا الــــبــــيــــضــــاء، الــــتــــي ســـاعـــدت في دفـع سياسات التمرد»، وبـــالـــفـــعـــل، أصـــبـــح الــكــتــاب مـن أكـثـر الكتب مبيعا على المستوى الوطني. سـنـوات، عـادت 8 بعد «هيلبيلي إليجي» إلى قمة قــوائــم الــكــتــب، أمـــا الاخـــتـــ ف الـــيـــوم فـهـو أن فــانــس يـتـرشـح عـلـى مـنـصـب نــائــب الـرئـيـس مع ترشّح ترمب لمنصب الرئيس، وقد تأتي مراجعات مذكراته اليوم مؤلمة بشدة له. الأربـــــعـــــاء، احـــتـــلّـــت نُـــســـخ الـــكـــتـــاب ذات الــــغــــ ف الــــورقــــي والمـــــقـــــوّى المــــركــــزَيــــن الأول والثاني فـي قائمة الكتب الأكـثـر مبيعا عبر مـــوقـــع «أمــــــــــازون». وجـــــرى تـصـنـيـف الـفـيـلـم 2020 المـقـتـبَـس عــن الـكـتـاب الــــذي صـــدر عـــام -والـــــذي لاقـــى ردود أفــعــال شــديــدة السلبية مــن الـنـقـاد، عـلـى عـكـس الـكـتـاب- ضـمـن أكثر أفــــــــ م جــــــرت مـــشـــاهـــدتـــهـــا عـــبـــر مـنـصـة 10 «نـتـفـلـيـكـس» داخـــــل الــــولايــــات المـــتـــحـــدة، مع مليون 1.5 وقت المشاهدة خلال يوم فقط من مليون دقيقة، طبقا للبيانات 19.2 دقيقة إلى الصادرة عن مؤسسة «لومينيت». الواضح أن هناك أموراً كثيرة تبدّلت منذ ، فقد جـرى انتخاب 2016 إصــدار الكتاب عـام فـــانـــس لـتـمـثـيـل ولايــــــة أوهــــايــــو فــــي مجلس ، بعد حصوله على تأييد 2022 الشيوخ عـام ترمب، ودعم مالي من ملياردير التكنولوجيا بيتر ثـيـل. فـي الـوقـت ذاتـــه طــرأ انـقـ ب كامل .45 على آراء فانس تجاه الرئيس الـ وفـــي فـبـرايـر (شـــبـــاط)، قـــال السيناتور الـــجـــديـــد إنــــه لـــو كــــان نــائــبــا لــلــرئــيــس خــ ل لـكـان قــد فـعـل مــا لــم يفعله 2020 انـتـخـابـات مايك بنس، تحديداً دعم جهود ترمب لإبطال نتيجة التصويت في الولايات الحاسمة. واليوم، وفي إطار تطوّر أصبح جزءاً لا ، بدأ 21 يتجزّأ من ثقافة الإنترنت بالقرن الــــ معجبو فانس ومنتقِدوه على حد سواء في التعبير عن آرائهم تجاه مذكراته. فـــي تقييم 400.000 وشـــــارك أكــثــر عـــن كـتـاب «هيلبيلي إلـيـجـي» عـبـر مـوقـع «غــود فـــي المـــائـــة بتقييم 70 ريـــــدز»، وصـــــوّت نـحـو نــجــوم. وهـــذا الأســبــوع جـــرى تعليق 5 أو 4 التقييمات والمــراجــعــات للكتاب مـؤقـتـا، في إشارة إلى أن الموقع ربما يحاول منع تعرّض المذكرات لطوفان من التعليقات السلبية، بعد ترشيح فانس لمنصب نائب الرئيس. واليوم، يحمل موقع «غود ريدز» رسالة تقول: «تقييم هذا الكتاب غير متاح مؤقتا، يخضع هذا الكتاب لقيود مؤقتة فيما يخصّ نشر التقييمات والمــراجــعــات، قـد يـكـون هذا بسبب رصدنا نمط سلوك غير عادي لا يتبع إرشادات المراجعة الخاصة بنا». ومــــع ذلـــــك، فــــإن المـــراجـــعـــات الـــتــي جــرى تحديثها في الفترة الأخيرة تكشف أن القراء يـــتـــولّـــون تــعــديــل آرائــــهــــم مـــع تـــطـــور مـسـيـرة فانس السياسية. عـلـى سـبـيـل المـــثـــال، كـتـب أحـــد المعلّقين ، في 2022 ) بتاريخ نوفمبر (تشرين الثاني أعقاب انتخاب فانس بفترة قصيرة: «مؤلف هــذا الكتاب أصبح شخصية قميئة... وهو يـــســـاعـــد فــــي خـــلـــق ثــقــافــة أزمة داخل ديمقراطيتنا». يـولـيـو 15 يـــذكـــر أن (تـــــمـــــوز) كــــانــــت آخـــــر مـــرة ترك أحدهم تعليقا جديداً على الـكـتـاب، كانت هناك إيجابية، 3 ؛ مــراجــعــات 5 واثنتان سلبيتان. وكتب أحـــــــد الأشــــــخــــــاص الــــذيــــن تــــركــــوا مــــراجــــعــــة بـنـجـمـة واحـــــدة بـبـسـاطـة «أتـمـنـى لو لم أتمكّن من قراءتها». وعـــــــــــــــلـــــــــــــــى مـــــــــوقـــــــــع «أمــــــــــــــازون»، الـــــــذي يـمـلـك موقع «غــود ريـــدز»، يبدو أن المراجعات للكتاب قد زادت كذلك، وقالت إحدى القارئات التي تركت مراجعة إيجابية إنها كتبت على منصة التجارة الإلكترونية؛ لأن موقع «غود ريـدز» أوقف نشاط التعليق عـلـى الـكـتـاب عـلـى المـــوقـــع، فــي حــ تحدثت نجوم عن 5 قارئتان تركتا تقييما من فئة الــ موافقتهما على اختيار المؤلف لمنصب نائب للرئيس ترمب. الملاحظ أن هجمات التعليقات السلبية تــــشــــكّــــل صــــــداعــــــا مــــســــتــــمــــراً عــــلــــى مـــنـــصـــات التصنيف، فقد يستخدمها القراء والمعجبون سلاحا لإغراق كتب معينة بتعليقات سلبية، وفي بعض الحالات قبل إصدارها. فــــي هــــــذا الـــــصـــــدد، لـــفـــتـــت فــضــيــحــة فـي ديــســمــبــر (كــــانــــون الأول) الأنــــظــــار إلــــى هــذه القضية، عندما اعترفتمؤلفة قصصخيالية أصدَرت لتوّها كتابها الأول، وكانت متعاقدة مـع «بنغوين رانـــدوم هـــاوس»، بأنها أنشأت حـسـابـات مـزيّـفـة عـبـر «غـــود ريــــدز» للترويج لكتابها القادم، مع العمل في الوقت ذاته على تخريب جهود العديد من الكُتّاب الآخرين. وفـــي الـصـيـف المــاضــي أجّــلــت إليزابيث ،»Eat, Pray and Love« غيلبرت، مؤلّفة كتاب نشر روايتها الجديدة، التي تــدور أحداثها حول سيبريا، لأجَل غير مسمى، بعد أن ترك قـــارئ عبر مـوقـع «غـــود ريــدز» 500 أكـثـر عـن تـقـيـيـمـات بـنـجـمـة واحـــــدة عـلـى الــكــتــاب قبل أشهر مـن نـشـره، وقـالـت غيلبرت إنها تلقّت ردود فعل عنيفة من القرّاء الأوكرانيين؛ لأنها ستختار إصـــدار الـكـتـاب فـي خضم الـصـراع الروسي ـ الأوكراني. * خدمة «نيويورك تايمز». * سيموسوبستر فانسمع ترمب (رويترز) أسئلة بسيطة تكشف لنا أعمق أسرارها مشاعر إنسانية تترافق مع تعلّم الرياضيات نـــقـــرأ فــــي بـــعـــض تــفــاصــيــل ســـيـــرة ويـــــــ رد غـبـس )، الــفــيــزيــائــي الأمـــيـــركـــي الـــــذي حـقّـق Willard Gibbs( مـنـجـزات كـبـرى فــي حـقـل الـفـيـزيـاء الإحـصـائـيـة، وإلـيـه ) ذائـــع الـشـهـرة، Entropy( » يُــعــزى مـفـهـوم «الإنــتــروبــيــا أنّـه سُئل - عندما كان أستاذاً للفيزياء في جامعة ييل الأميركية بدايات القرن العشرين - عن رأيه في تخفيض عــدد دروس الـريـاضـيـات لـصـالـح زيــــادة دروس اللغة؛ فأجاب غِبس باقتضاب مفرط: «الرياضيات لغة». لا يــكــاد رأي غـبـس يـخـتـلـف عـــن رأي كـثـيـريـن من المــخــتــصــ بـــالـــفـــيـــزيـــاء والــــريــــاضــــيــــات بـــشـــأن طـبـيـعـة الــريــاضــيــات؛ فـهـم يــرونــهــا لـغـة مـثـل بــاقــي الــلــغــات مع خصوصيتها المميزة في كينونتها الغارقة في الرمزية والــقــواعــد المنطقية الــصــارمــة؛ هـــذا أولاً، وثـانـيـا تمثل الرياضيات لغة عالمية لم تبلغها أي لغة متداولة، وربما في هذا الشأن تتماثل الرياضيات مع الموسيقى، وثمة مــن يــراهــا «مـوسـيـقـى كـونـيـة مـكـثـفـة». حـتـى الـفـوضـى ) محكومة بقانون رياضياتي!! Chaos( الرياضيات في جوهرها أحد المنجزات الحضارية الرائعة للإنسان، وهي إحدى الخصائص اللصيقة بكلّ مجتمع متقدّم تقنيا فـي وقتنا الـحـاضـر. كــلّ مجتمع متقدّم من هذه المجتمعات لا بدّ أن تكون له «مدرسته الخاصة في التفكير الرياضياتي»، تماما مثل حقول الأدب والموسيقى والتقنية والـعـمـارة. يبدو هـذا الأمر أقــرب لقانون حتمي؛ لـذا كانت دراســة الرياضيات من كلّ أوجهها (التعليمية والفلسفية والتطبيقية) ضرورة لازمة. حتى نفهم أهمية الـريـاضـيـات بعيداً عـن الأمثلة الـتـقـلـيـديـة الــســائــدة ســـأقـــدّمُ شـــاهـــدة واحـــــدة نعيشها ونختبرها كـل آن. لـو دققنا فـي طبيعة التقنيات عبر العصور لرأينا زيـــادة نسبة العنصر الـرمـزي فـي هذه الـتـقـنـيـات مـــع الـــزمـــن. يـمـكـن الـــقـــول إنّ مــركــز الاهـتـمـام والتطوير التقني صـار يبتعد عـن المشخصات المادية الــصــلــبــة ويـــقـــتـــرب مـــن الــتــشــكــيــ ت الـــرمـــزيـــة المـــعـــقّـــدة. ) مـثـ ً: كانت الهندسة المدنية Engineering( الهندسة بكلّ تفريعاتها (الهندسة الإنشائية وهندسة السدود والطرق والهندسة الجيوتقنية وهندسة الموارد المائية) هي اللون الطاغي على الهندسة في القرن التاسع عشر، ثـم انـحـرف الاهتمام الأكـبـر نحو الهندسة الكهربائية فـي النصف الأول مـن الـقـرن العشرين. أمــا مـع بـدايـات الألفية الثالثة وما بعدها، فقد صار الذكاء الاصطناعي والـــبـــيـــانـــات الـــكـــبـــيـــرة والــــروبــــوتــــات وتـــعـــلّـــم الآلــــــة هـي العناوين الكبيرة للهندسات السائدة؛ تعليما جامعيا، وتطبيقات صناعية، واستثمارات مليارية تنفق عليها الدول الكبرى بسخاء، وترى فيها بعضمفاتيح تفوقها الـجـيـوسـتـراتـيـجـي. ولــيــس خـافـيـا أنّ هـــذه الـهـنـدسـات تتأسس على أنـمـاط خاصة مـن الرياضيات جوهرها البرمجيات والخوارزميات. هـذه بعض الأسباب التي تـدفـع الـيـوم حكومات العالم المـتـقـدّم لمراجعة خططها التعليمية، فيما يخص الرياضيات على كل المستويات (ما قبل الجامعية والجامعية والدراسات العليا وحتى مـرحـلـة مــا بـعـد الـــدكـــتـــوراه)؛ لأنّ أي نـكـوص أو تخلف ستترتب عليهما أثمانٌ باهظة التكاليف. يتطلب الاهتمام بالرياضيات ترغيبا بدراستها مـن قبل الحكومات، ومـن بعض جـوانـب هـذا الترغيب نـشـرُ كتب تعريفية بـالـريـاضـيـات، بعيداً عـن الطريقة البيداغوجية (التلقينية) المدرسية الرتيبة التي دفعت كثيرين من الطلبة إلى تطوير رؤيـة غير محببة تجاه الــريــاضــيــات، واعـتـبـارهـا مـــادة صــارمــة لا تقبل سـوى الإجـابـات اليقينية الصارمة (صـح أم خطأ) بعيداً عن روح المغامرة والاستكشاف. أحد هذه الكتب التي تخدم هـــذا الـــغـــرض بكيفية مــمــتــازة هـــو الــكــتــاب الــــذي ألّـفـتـه ) ونشرته أواخر عام Eugenia Cheng( إيوجينيا تشينغ ، الكتاب بعنوان: «هل الرياضيات واقعية؟ كيف 2023 تـقـودُنـا أسـئـلـة طفولية بسيطة للكشف عــن الحقائق Is Maths Real? How Simple( » الأعــمــق لـلـريـاضـيـات .)Questions Lead Us to Mathematics’ Deepest Truths الأستاذة إيوجينيا تشينغ بروفيسورة رياضيات ، معروفٌ 1976 بريطانية مولودة في هونغ كونغ عـام عـنـهـا اهـتـمـامـهـا بـالـسـيـاسـات الـتـعـلـيـمـيـة، فــضــً عن كونها عازفة بيانو في الحفلات الموسيقية، وهي تقود جــهــوداً عـالمـيـةً لمـكـافـحـة الــخــوف مــن الــريــاضــيــات، كما تــكــرّس جـــزءاً كـبـيـراً مــن جـهـودهـا لتعليم الـريـاضـيـات لـغـيـر المـخـتـصـ بــهــا. لــهــا كــتــب عـــديـــدة حــــول طبيعة الرياضيات وتعليمها وفلسفتها. تؤكّد المؤلفة في مقدمتها للكتاب أنّ كتابها هذا ليس كتابا عن تقنية رياضياتية أو تاريخ الرياضيات؛ بـــل هـــو عـــن المــشــاعــر الــتــي يـمـكـن أن تــتــرافــق مـــع تـعـلّـم الرياضيات. تمضي في توضيح مشاعرها الشخصية فتكتب أنها حزينةٌ حقا، لأنّ الرياضيات موضوعٌ صار مبعث هذا القدر العظيم من الاستقطاب المتنافر: البعضُ يرى الموضوع قريبا منه إلى حدّ أن يسمّي أعضاء هذا ،)Math People( » البعض أنفسهم «شعب الرياضيات وفـــي المـقـابـل ثـمّـة بـعـضٌ آخـــر مـسـكـون بـقـنـاعـة يقينية ثابتة بأنّ أعضاءه سيئون في الرياضيات. يجب علينا في هـذا الموضع ألا نتناسى حقيقة جوهرية: القليلُ - والقليل للغاية فحسب - من خصائص السلوك البشري يمكن توصيفها بتوصيفات قاطعة على شاكلة أبيض أو أسود. قدراتنا البشرية غالبا ما تقعُ في نطاق طيف )، لكنّ الـشـيء الأكـثـر أهمية فيما Continuum( مستمر يخصّ قدراتنا البشرية هو أنّ كل قدرة من هذه القدرات يـمـكـن أن تـصـبـح أفـــضـــل لـــو تــلــقّــى المـــــرء تــدريــبــا جـــاداً بطريقة صحيحة. ليس من الضروري أن يدع المرء منّا نـدوبَ ذاكرته الناجمة عن تجاربه المدرسية المؤلمة هي ما يشكّلُ رؤيته المستقبلية تجاه أي حقل معرفي وليس الرياضيات فحسب. تكتب المؤلفة في هذا الشأن: «مـن جانبي أعلمُ من خبرتي التعليمية المتواترة أنني عندما مارستُ تجربة تعليم الرياضيات لأطفال بـعـمـر الــخــامــســة أو الـــســـادســـة، فــإنّــهــم أغـــلـــب الأحـــيـــان كـــانـــوا يــتــقــافــزون بـهـجـة وفـــرحـــا وإثـــــــارة، ولــــم يـعـرفـوا تجربة الـخـوف مـن الرياضيات إلا فـي سـنـوات لاحقة. المعضلة الأساسية، كما أحسبُ، تكمنُ في تعجّلنا لنقل المحتوى التقني للرياضيات إلــى الــدارســ . نحن في العادة لا نمنحُ مشاعر الدارسين كفايتها من الاهتمام بمثل ما نفعلُ مع المحتوى التقني. المناهج التعليمية للرياضيات تفشلُ فـي تحبيب الأطــفــال بالرياضيات وزرع حبها فيهم. ليست هذه المثلبة مخصوصة على معلّمي الرياضيات فحسب؛ إذ لا يمكن تبرئة المنظومة التعليمية منها». المنظومة التعليمية تقيسُ مقدرة الـدارسـ على أساس الإنجاز التقني وليس بهجة التعلّم؛ لكن في كلّ الأحـــوال فإنّنا لـو اتخذنا مـبـدأ التركيز على المحتوى الـتـقـنـي عــلــى حـــســـاب المــشــاعــر فـلـيـس مـــن المـحـتـمـل أن تـفـوز مشاعر البهجة فـي سـبـاق الأفضلية التعليمية عــلــى أســـــاس قـــيـــاس الــنــتــائــج المــتــحــقــقــة مـــن الـفـاعـلـيـة التعليمية كلها. الأسـوأ من فقدان بهجة التعلّم هو أن تنتج لنا العملية التعليمية أناسا يخافون الرياضيات ويُـــشـــكّـــكـــون بـقـيـمـتـهـا الــفــاعــلــة إلــــى حــــدّ يـجـعـلـهـم غير قادرين على تطبيق تقنيات القواعد المنطقية والكمّية في العالم الواقعي. إنّ فكرة كون أحدٍ ما سيئا في الرياضيات - وكأن الطبيعة أرادته أن يكون سيئا بطريقة قصدية مسبقة - هي فكرة بائسة إلى حدود بعيدة ولأسباب كثيرة؛ فهي تـوكـلُ أمــر الـتـفـوق الـريـاضـيـاتـي إلــى الطبيعة بصورة كسولة، وتنكرُ في الوقت ذاته حجم الجهد الذي يتطلبه التفوق في الرياضيات. تعلّم الرياضيات يتطلب زمنا وجَـلَـداً ومطاولة بالتأكيد؛ لكنّ ذلـك الجهد لا يتوجّب بــالــضــرورة أن يــكــون حـفـلـة تـعـذيـب شــاقــة، ولــيــس من مـسـوّغ مقبول ليكون كـذلـك؛ بـل على العكس يمكن أن يكون تحديا مقرونا بحس المـغـامـرة، ومـن ثـمّ المكافأة اللذيذة بدلاً من حس الخذلان وفقدان رغبة الاستمرارية وبهجة التعلّم. المقاربة التعليمية المفتقدة لحس البهجة والمغامرة في تعلّم الرياضيات ستكون سببا كافيا لدفع كثرةٍ من الدارسين للتوقف عن دراسة الرياضيات، وفي المـقـابـل سيكون مـن اليسير على المنظومة التعليمية اعـــتـــبـــارُ هـــــؤلاء غــيــر مـنـاسـبـ أو مـمـتـلـكـ لـلـوسـائـل المناسبة الكافية لدراسة الرياضيات. بعد كلّ هذا فإنّ الوسائل الرتيبة المُنفّرة في تعليم الرياضيات ستوفّرُ للمعلّمين وصانعي السياسات عــذراً يجعلونه سببا لعدم مراجعة سياساتهم التعليمية والارتقاء بها عبر جعلها أكثر مرونةً وإبـداعـا، وكذلك لتصميم مقاربات تعليمية من شأنها إيقافُ هذا الهدر البشري الذي قد يجعل كثرة من الموهوبين كارهين للرياضيات بسبب سياسات التعليم المنفّرة. بعد مقدمتها المسهبة للكتاب الـتـي تحكي فيها المؤلفة عن جوانب من سيرتها الذاتية مع الرياضيات (حــبــهــا ونـــفـــورهـــا ثـــم عــــودة حـبـهـا لــلــريــاضــيــات خــ ل أطـوار مختلفة من مسيرتها التعليمية، مساعدة أمها لـهـا فــي جـعـل الــريــاضــيــات مــوضــوعــا مـحـبـبـا، جـوانـب مــن دراسـتـهـا الــدكــتــوراه، كـيـف سـاعـدتـهـا الـريـاضـيـات فـي عشق الموسيقى والـفـن بـعـامـة) تمضي المـؤلـفـة في متون كتابها الذي وضعته في ثمانية فصول: الفصول الأربـــعـــة جـعـلـتـهـا تـنـقـيـبـات مـفـاهـيـمـيـة وفـلـسـفـيـة في أسـئـلـة قــد تــبــدو ســاذجــة لكنها ذات طبيعة وجــوديــة تأصيلية عميقة: من أين تأتي الرياضيات؟ لماذا تنجح الـريـاضـيـات فـي عملها؟ لمـــاذا نـمـارس الـريـاضـيـات؟ ما الــــذي يـجـعـل الــريــاضــيــات مــمــارســة مــفــيــدة؟ بـعـد هـذه الفصول التأسيسية للفلسفة الرياضياتية تقدّم المؤلفة أربـعـة فصول إضافية تتناول تفاصيل إضافية منها على سبيل المثال فصل تقدّمُ فيه حكايات رياضياتية، وهـــو فـصـل أجـــده عظيم الأهـمـيـة فــي تعشيق الحقول المــعــرفــيــة بـــالمـــمـــارســـة الـــســـرديـــة الـــتـــي تُـــعـــدّ خـصـيـصـةً جوهريةً للإنسان كيفما كـان ولعه المعرفي واشتغاله المهني. تؤكّد المؤلفة كخلاصة جوهرية لكتابها: «إنّـــــه لأمــــرٌ يــوجــع قـلـبـي حــقــا عــنــدمــا أرى الـنـظـام التعليمي الحالي وهو يجعلُ من بهجة غامرة لأطفال بأعمار الخامسة، وهم يتعلّمون الرياضيات لأوّل مرة فــي حـيـاتـهـم، تستحيلُ خـوفـا ونــفــوراً مــن الـريـاضـيـات عندما يبلغون الثامنة عشرة. حقيقةٌ واحدةٌ أراها بكل الـوضـوح ولـن أجـــادل أبــداً بشأن مصداقيتها: لـو كنتَ ترى نفسك تنتمي لجماعة (أنـا سيئ في الرياضيات) فــاعــلــم أنّ قــنــاعــتـك هــــذه لـيـسـت لأنّـــــك عـــجـــزت عـــن فهم الـريـاضـيـات، بــل لأنّ تعليم الـريـاضـيـات لــم ينجح في جعلك تتحسسجمال الرياضيات وعظمتها، وقبل هذا أهميتها العملية في عالمنا المعاصر». هــل الـريـاضـيـات واقــعــيــة؟ كـيـف تــقــودُنــا أسئلة > طفولية بسيطة للكشفعن الحقائق الأعمق للرياضيات المؤلفة: إيوجينيا تشينغ > Basic Books : الناشر > 336 : عدد الصفحات > 2023 : تاريخ النشر > لطفية الدليمي إيوجينيا تشينغ تتماثل الرياضيات مع الموسيقى وثمة من يراها «موسيقى كونية مكثفة»

RkJQdWJsaXNoZXIy MTI5OTky